التصنيفات

الشيخ نور الدين أبو الحسن علي بن الحسين ابن عبد العالي العاملي الكركي المعروف بالمحقق الثاني والمحقق الكركي وبالشيخ العلائي وبالمولى المروج.
(الكركي) نسبة إلى كرك نوح قرية ببلاد بعلبك والمحقق الثاني في قبال المحقق الحلي جعفر بن سعيد فكم في علماء الشيعة من محققين ولكن لقب محقق لم يشتهر إلا لهما كما إن الذين استشهدوا من العلماء كثيرون ولكن لقب الشهيد لم يصر علما إلا على الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي الجزيني والشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي الجبعي ولقب العلامة لم يختص إلا بالعلامة الحلي الحسن ابن المطهر ولقب بحر العلوم لم يختص إلا بالسيد محمد مهدي الطباطبائي النجفي.
(وفاته ومدفنه)
توفي سنة 940 في زمن الشاة طهماسب في التاسع والعشرين من ذي الحجة كما عن نظام الأقوال لنظام الدين الساوجي متمم الجامع العباسي أو في الثامن عشر منه يوم الاثنين كما عن تاريخ وقائع السنين للأمير إسماعيل الخاتون آبادي أو يوم السبت كما عن تاريخ حسن بك روملو الفارسي وكما في تاريخ عالم آرا كلهم صرحوا بان وفاته سنة 940 ولكن في الأمل أنه توفي سنة 937 وقد زاد عمره على السبعين وكذلك في المحكي عن رسالة لبعض أفاضل تلامذته فيها تراجم جملة من العلماء أنه مات بالغري من نجف الكوفة سنة 937 وله من العمر ما ينيف على الستين سنة. قيل وكأنه من سهو القلم كما إن ما في روضات الجنات في ترجمة الشهيد الثاني من إن المحقق الكركي توفي في 12 ذي الحجة سنة 945 الظاهر أنه من سهو القلم أيضا لأنه صحح في ترجمة المحقق الكركي إن وفاته كانت سنة 940 قال وهو المطابق لما جعلوه تاريخا لوفاته وهو مقتداي شيعة فإنها تبلغ بحساب الجمل 940 وفي تاريخ عالم آرا إن وفاته كانت في النجف الأشرف. وعن رياض العلماء: قد صرح الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي والد شيخنا البهائي بان الشيخ علي الكركي قد قتل شهيدا والظاهر أنه قد كان بالسم المستند إلى بعض أمناء الدولة وذكر في روضات الجنات في ترجمة الشهيد الثاني إن المحقق الكركي توفي مسموما وهو في الغري ولكنه في ترجمة المحقق الثاني قال بعد نقل ما تقدم عن والد البهائي: إن هذا غير مفهوم من كلمات واحد من الأصحاب ولا مصرح به في شيء من المدونات في هذا الباب ولو كان لنقل ولو نقل لم يقل ولو كثر لأشتهر ولو شهر لم يسر وفي تكملة الأمل بعد نقله أنه سفسطة من الكلام ولو نقله ألف مؤرخ لم يبلغ في الصحة مبلغ نقل الشيخ حسين بن عبد الصمد الشيخ الرباني الذي هو في عصره مثل زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم في زمانهما فهذا التضعيف من أقبح التصنيف وكم لهذا السيد من مثل هذه الهفوات رضي الله عنه ثم إن المؤرخين الذين ذكروا إن وفاته كانت بالغري لم يذكروا سبب مجيئه للغري مع إن مسكنه كان ببلاد العجم فلعله كان للزيارة أو أنه انتقل إليها من بلاد العجم والله أعلم.
(أقوال العلماء في حقه)
في (الأمل) أمره في الثقة والعلم والفضل وجلالة القدر وعظم الشأن وكثرة التحقيق أشهر من إن يذكر. وقال السيد مصطفى التفريشي في كتاب نقد الرجال في حقه: شيخ الطائفة وعلامة وقته صاحب التحقيق والتدقيق كثير العلم نقي الكلام جيد التصانيف من أجلاء هذه الطائفة وقال نظام الدين القرشي في كتابه نظام الأقوال: من مشائخنا المتأخرين نادرة الزمان ويتيمة الأوان له تصانيف جيدة، وقال بعض أفاضل تلامذته في حقه الشيخ الأجل الرفيع القدر شيخ الإسلام والمسلمين صاحب التعليقات الحسنة والتصانيف المليحة.
وقال الشهيد الثاني في بعض إجازاته عند ذكره: الشيخ المحقق المنقح نادرة الزمان ويتيمة الأوان وفي روضات الجنات شانه أجل من إن يحتاج إلى البيان وفضله أوضح من إن يقام عليه البرهان وفي تكملة أمل الآمل كان مروج المذهب والملة وشيخ المشائخ الأجلة محيي مراسم المذهب الأنور ومروض رياض الدين الأزهر ومسهل سبيل النظر والتحقيق ومفتح أبواب الفكر والتدقيق وشيخ الطائفة في زمانه وعلامة عصره وأوانه.
وذكره خوانده أمير المعاصر له من جملة علماء دولة الشاة إسماعيل الأول وبالغ في الثناء عليه إلا أنه ذكره بعنوان الشيخ علاء الدين عبد العالي وقال المجلسي في أوائل البحار في حقه أفضل المحققين مروج مذهب الأئمة الطاهرين اجزل الله تشريفه ثم قال والشيخ المروج للمذهب نور الدين حشره الله مع الأئمة الطاهرين، حقوقه على الإيمان وأهله أكثر من إن يشكر على أقلها وتصانيفه في نهاية الرزانة والمتانة.
(أحواله)
رحل في أول أمره إلى مصر وأخذ عن علمائها بعد ما أخذ عن علماء الشام كما عن رياض العلماء وفي ذلك من الدلالة على علو الهمة وعظم النفس وقوتها وعصاميتها ما لا يخفى ثم رجع من مصر وتوجه إلى بلاد العراق فورد النجف وأقام فيها زمانا طويلا يفيد ويستفيد ثم رحل إلى بلاد العجم لترويج المذهب، والسلطان حينئذ الشاة إسماعيل الصفوي فدخل عليه بهراة فأكرمه وعرف قدره وكان له عنده المنزلة العظيمة وعين له وظائف وإدارات كثيرة ببلاد العراق حتى قيل أنه كان يصل إليه في كل سنة من الشاة إسماعيل سبعون ألف دينار شرعي لينفقها في تحصيل العلم ويفرقها في جماعة الطلاب والمشتغلين وقد عاب عليه معاصره ومنافسه الشيخ إبراهيم القطيفي قبوله جوائز السلاطين ويظهر من أخبار تلك المنافسة بينهما إن عيبه عليه ذلك كان بزمان وجوده بالغري وإن تلك الإنعامات كانت ترد من السلطان إلى النجف فلعل ذلك قبل ذهابه إلى بلاد العجم وهذا جمود من الشيخ إبراهيم القطيفي فمن أحق بمال الأمة وأعرف بوجوه صرفه والتخلص من وجوه أشكاله من نواب الأئمة العاملين وهل كان يتمكن الشيخ علي الكركي من القيام بما قام لولا المال ونرجو إن لا يكون الباعث للقطيفي على ذلك الحسد وهو ليس من رجال الكركي وأقرانه مع زيادة علمه وفضله وبالجملة كانت بينهما منازعات وردود ونقوض صنعها القطيفي وأجابه الكركي ذكرت ترجمتها. وكذلك كان عند ولده السلطان الشاة طهماسب الأول ثاني السلاطين الصفوية معظما مبجلا في الغاية وصاحب الكلمة النافذة عنده موقرا في جميع بلاد العجم وعينه حاكما في الأمور الشرعية لجميع بلاد إيران وكتب له بذلك فرمانا عجيبا حتى أنه ذكر فيه إن معزول الشيخ لا يستخدم ومنصوبه لا يعزل وعين له وظائف وإدارات كثيرة منها أنه قرر له سبعمائة تومان في كل سنة بعنوان السيور غال
في بلاد عراق العرب وكتب في ذلك فرمانا وذكر اسمه الشريف فيه مع نهاية الإجلال والإعظام وسيأتي ذكره وبالجملة مكنه من إقامة الدين وترويج الأحكام وحكى في رياض العلماء عن حسن بيك روملو في تاريخه: أنه قال لم يسع أحد بعد الخواجة نصير الدين الطوسي مثل ما سعى الشيخ علي الكركي هذا في إعلاء أعلام المذهب الجعفري وترويج دين الحق الاثني عشري وكان له في منع الفجرة والفسقة وزجرهم وقلع قوانين المبتدعة بأسرهم وفي إزالة الفجور والمنكرات وإراقة الخمور والمسكرات وإجراء الحدود والتعزيرات وإقامة الفرائض والواجبات والمحافظة على أوقات الجمعات والجماعات وبيان مسائل الصلوات والعبادات وتعاهد أحوال الأئمة والمؤذنين ودفع شرور الظالمين والمفسدين وزجر المرتكبين الفسوق والعصيان وردع المتبعين لخطوات الشيطان مساع بليغة ومراقبة شديده وكان يرعب عامة الناس في تعلم شرائع الدين ومراسم الإسلام ويحثهم على ذلك بطريق الالتزام.
ثم قال: من جملة الكرامات التي ظهرت في شأن الشيخ علي إن محمود بيك المهردار كان من ألد الأخصام وأشد الأعداء للشيخ علي وكان يومئذ بتبريز في ميدان صاحب آباد يلعب بالصولجان بحضرة السلطان طهماسب يوم الجمعة وقت العصر وكان الشيخ في ذلك الوقت حيث إن الدعاء فيه مستجاب مشغولا بالدعاء لدفع شره وفتنته وفساده ويدعو بدعاء السيفي وبدعاء انتصاف المظلوم من الظالم المنسوب إلى الحسين (عليه السلام) فما وصل إلى قوله (عليه السلام) في الدعاء الثاني قرب أجله وأيتم ولده حتى وقع محمود بيك عن فرسه في أثناء لعبة الصولجان فكسر رأسه وهلك تحت حوافر الخيل.
قال: ورأيت في بعض التواريخ الفارسية المؤلفة في ذلك العصر إن محمود بيك المخذول كان قد اضمر في خاطره المشؤوم إن يذهب في عصر ذلك اليوم إلى بيت الشيخ علي بعد ما يفرع السلطان من لعب الصولجان ويقتل الشيخ بسيفه وواضع على ذلك جماعة من الأمراء المعادين للشيخ فلما فرع من لعب الصولجان وأراد الذهاب إلى بيت الشيخ سقطت يد فرسه وهو في أثناء الطريق في بئر هناك فوقع هو وفرسه في تلك البئر واندق عنقه وكسر رأسه ومات من ساعته. وفي لؤلؤة البحرين. كان من علماء دولة الشاة طهماسب الصفوي جعل أمور المملكة بيده وكتب رقما إلى جميع الممالك بامتثال ما يأمر به الشيخ علي وإن أصل الملك إنما هو له لأنه نائب الإمام (عليه السلام) فكان الشيخ يكتب إلى جميع البلدان كتبا بدستور العمل في الخراج وما ينبغي تدبيره في أمور الرعية حتى أنه غير القبلة في كثير من بلاد العجم باعتبار مخالفتها كما علم من كتب الهيئة. وتقدم في ترجمة الشيخ حسين بن عبد الصمد والد البهائي ما يشير إلى ذلك. وقال السيد نعمة الله الجزائري في صدر كتابه شرح غوالي اللئالي: إن الشيخ علي بن عبد العالي عطر الله مرقده لما قدم أصفهان وقزوين في عصر السلطان العادل الشاة طهماسب أنار الله برهانه مكنه من الملك والسلطان وقال له أنت أحق بالملك لأنك النائب عن الإمام وإنما أكون من عمالك أقوم بأوامرك ونواهيك ورأيت للشيخ أحكاما ورسائل إلى الممالك الشاهية إلى عمالها وأهل الاختيار فيها تتضمن قوانين العدل وكيفية سلوك العمال مع الرعية في أخذ الخراج وكميته ومقدار مدته وأمر إن يقرر في كل بلد وقرية إمام يصلي بالناس ويعلمهم شرائع الدين، والشاة تغمده الله بغفرانه يكتب إلى أولئك العمال بامتثال أوامر الشيخ وانه الأصل في تلك الأوامر والنواهي وكان لا يركب إلا ورجل يمشي في ركابه يجاهر بمذهب الحق وإن علماء الشيعة الذين كانوا بمكة المشرفة كتبوا إلى علماء أصفهان بما ينالهم بسبب ذلك، وعن حدائق المقربين أنه كان يدعى بمروج المذهب وكان شيخ الإسلام في زمن سلطنة الشاة طهماسب الكبير وبالغ في ترويج مذهب الإمامية بحيث لقبه بعضهم بمخترع مذهب الشيعة وكان سلطان الوقت يعظمه كثيرا وحكى أنه ورد في أيامه سفير من قبل سلطان الروم على السلطان المذكور فاجتمع يوما بالشيخ في مجلس الشاة فقال السفير للشيخ إن تاريخ اختراع طريقتكم هذه هو مذهبنا حق أي مذهب غير حق فقال الشيخ نحن قوم من العرب وألسنتنا تجري على لغتهم لا على لغة العجم فتاريخه (مذهبنا حق).
ولما دخل الشاة طهماسب الأول الصفوي هرات بعد فتحها من قبل عسكر أبيه الشاة إسماعيل سنة 916 كان الجند قد قتلوا أحمد بن يحيى بن سعد الدين التفتازاني المعروف بالحفيد صاحب الحاشية على مختصر جده المذكور وعندي منه نسخة مخطوطة فلما دخل المترجم هرات في موكب الشاة طهماسب وعلم بقتله لامهم كثيرا على ذلك وقال أنه لو لم يقتل لأمكن إن نتباحث معه في مسائل الخلاف فإذا أقمنا البراهين والحجج على ما نقوله أمكن إن يكون ذلك سببا لهداية أهل تلك البلاد فكان كثير التأسف على ذلك مدة حياته وحكى في رياض العلماء عن تاريخ حسن بيك روملو الفارسي إن الأمير نعمة الله الحلي الذي كان من تلامذة الشيخ علي الكركي ثم رجع عنه واتصل بالشيخ إبراهيم القطيفي الذي كان بينه وبين المترجم مناقضة ومنافرة تواطأ مع جماعة من علماء ذلك العصر المبغضين للشيخ علي كالمولى حسين الأردبيلي الإلهي والقاضي مسافر وغيرهم على إن يتكلم نعمة الله مع الشيخ علي في أمر صلاة الجمعة في زمن الغيبة بمحضر الشاة طهماسب فيعينوه على إلزام الشيخ وإفحامه بأسوأ وجه يكون واتفق معهم أيضا جماعة من الأمراء المعاندين للشيخ على إتمام هذا المهم إلا إن حكمة الله تعالى وحرمة شريعته المطهرة اقتضتا خلاف ما أرادوا به فلم يتيسر لهم ذلك المقصود وفي ذلك الوقت كتب بعض المفسدين عريضة بخط مجهول مشتملة على أنواع الفرية والبهتان في حق الشيخ علي بالنسبة إلى السلطان ونسب فيها إلى الشيخ ارتكاب أنواع الفواحش والفسوق زورا وبهتانا وجرأة على الله تعالى وحسدا للشيخ ورماها إلى دار الملك من فوق الجدران وكانت دار الملك يومئذ بصاحب آباد بلدة بتبريز بجنب الزاوية النصيرية فوصلت تلك العريضة إلى الشاة فما أثرت إلا زيادة الحب والتعظيم للشيخ عنده واجتهد في معرفة كاتب العريضة إلى إن بلغه إنها كتبت باطلاع الأمير نعمة الله المذكور فأسقطه من عين نظره ثم أمر بنفيه إلى بغداد ومات بها بعد وفاة الشيخ علي بعشرة أيام. وبعضهم يقول إن تقارب زمن المتخاصمين أمر يشهد به التتبع كما وقع لجرير والفرزدق وغيرهما والله أعلم وعن رياض العلماء أنه جرت منازعة بين المترجم وبين الأمير غياث الدين منصور ابن الأمير صدر الدين محمد الدشتكي الشيرازي المتكلم الحكيم المشهور كان منشاها الاختلاف الواقع بينهما في مسائل عمدتها مسالة القبلة التي غيرها المترجم في كثير من البلاد وفي روضات الجنات إن المسموع عن المترجم أنه كان له وثوق بديانة مولانا شمس الدين محمد بن أحمد الفارسي المتكلم الحكيم المشتهر بالفاضل الخفري صاحب الحواشي المشهورة على شرح التجريد وغيرها بحيث أنه أجلسه في مجلسه في بعض أسفاره وأذن للناس إليه في الرجوع إلى أمور دينهم ودنياهم فلما رجع وجد أعماله موافقة للصواب فازداد به وثوقا والعهدة على الراوي.
(مشائخه)
يروي عن جماعة كثيرة كعلي بن هلال الجزائري عن أحمد بن فهد الحلي والشيخ شمس الدين محمد بن خاتون العاملي كما يظهر من أواخر وسائل الشيعة وكان الشيخ شمس الدين محمد بن خاتون أستاذه في الدرس أيضا ويروي عن الشيخ شمس الدين محمد بن داود بن المؤذن الجزيني ابن عم الشهيد الأول عن الشيخ ضياء الدين علي ابن الشهيد الأول عن أبيه وقد قرأ على جماعة من علماء أهل السنة وروى عنهم كما صرح به في إجازته وقال صاحب رياض العلماء أنه اتفق مع الصدر الكبير الأمير جمال الدين محمد الاستربادي الذي كان صدرا عند الشاة إسماعيل وولده الشاة طهماسب وكان من العلماء على إن يقرأ الشيخ علي عند الصدر المذكور شرح التجريد الجديد ويقرأ الصدر على الشيخ علي قواعد العلامة فقرأ الشيخ عليه درسين من شرح التجريد ولم يقرأ الصدر على الشيخ ثم تمارض الصدر وفي ذلك من الدلالة على علو همته وتواضعه للعلم وأهله ولو كانوا من الأمراء.
(تلاميذه)
يروي عنه جماعة كثيرة جدا من فضلاء عصره منهم الشيخ علي بن عبد العالي والشيخ زين الدين الفقعاني والشيخ أحمد بن محمد بن أبي جامع الشهير بابن أبي جامع والشيخ نعمة الله بن الشيخ جمال الدين أبي العباس أحمد بن الشيخ شمس الدين محمد بن خاتون العاملي ووالده الشيخ أحمد بن خاتون والشيخ برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم ابن الشيخ زين الدين علي ابن يوسف الخوانساري الأصفهاني والشيخ عبد النبي الجزائري صاحب الرجال والشيخ علي المنشار زين الدين العاملي والشيخ كمال الدين درويش محمد بن الشيخ حسن العاملي النظري جد والد التقي المجلسي من قبل أمه كما صرح به في أربعينه وغيره والسيد الأمير محمد بن أبي طالب الاسترآبادي الحسيني الموسوي والسيد شرف الدين علي الحسيني الاسترآبادي النجفي والشيخ أبو القاسم نور الدين علي بن عبد الصمد عم الشيخ البهائي قرأ عليه الرسالة الجعفرية وله منه إجازة وعن رياض العلماء عن تاريخ حسن بين روملو الفارسي إن الأمير نعمة الله الحلي كان من تلامذته ثم رجع عنه واتصل بالشيخ إبراهيم القطيفي الذي كان بينه وبين المترجم مناقضة ومنافرة حتى صار من أعداء أستاذه وعن رياض العلماء أيضا أظن إن من تلامذته السيد جمال الدين عن عبد الله بن محمد بن الحسن الحسيني الجرجاني.
(مؤلفاته)
له تعليقات حسنة وتصانيف جيدة منها جامع المقاصد في شرح القواعد خرج منه ست مجلدات إلى بحث تفويض البضع من كتاب النكاح وهو شرح لم يعمل قبله أحد مثله في حل مشكله مع تحقيقات حسنة وتدقيقات لطيفة خال من التطويل والإكثار وشارح لجميع ألفاظه المجمع عليه والمختلف فيه وقد اشتهر هذا الشرح اشتهارا كثيرا واعتمد عليه الفقهاء في أبحاثهم ومؤلفاتهم مطبوع مع القواعد وحواشي الإرشاد وشرح الإرشاد وشرح اللمعة وشكك بعضهم في وجود هذين الشرحين وحواشي الشرائع وحواشي المختصر النافع وحواشي المختلف والرسالة الجعفرية وهذه الرسالة لاقت حظا عظيما وشرحت عدة شروح من أعظم العلماء ورسالة صيغ العقود والإيقاعات وأسرار اللاهوت أو نفحات اللاهوت في الجبت والطاغوت ورسالة الجمعة وهي داخلة في جامع المقاصد ذهب فيها إلى الوجوب التخييري أو العيني مع وجود المجتهد والسبحة والخيارية والمؤاتية وكأنها هي المعبر عنها برسالة أقسام الأرضين وشرح الألفية للشهيد مطبوع وحواش على الألفية ورسالة السجود على التربة الحسينية بعد إن تشوى بالنار يرد فيها على الشيخ إبراهيم القطيفي معاصره في منعه من ذلك فرع من تأليفها في النجف الأشرف حادي عشر ربيع الأول سنة 933 ورسالة الجنائز ورسالة أحكام السلام والتحية والمنصورية ورسالة في تعريف الطهارة والرسالة المحرمية نسبها إليه الشيخ حسن صاحب المعالم في عمدة المقال والرسالة النجمية في الكلام ورسالة في العدالة ورسالة في الغيبة وحاشية على تحرير العلامة ينقل عنها الشيخ حسن في فقه المعالم ورسالة في الحج وحواش على الدروس وحواش على الذكرى والرسالة الكرية ورسالة الجبيرة ورسالة في التعقيبات ورسالة في المنع عن تقليد الميت بل البقاء عليه ادعى فيها إجماع الطائفة على ذلك وله فتاوى وأجوبة مسائل كثيرة ذكرنا منها 11 مسالة في الجزء الأول من معادن الجواهر.
وله رسالة في الرضاع مطبوعة قال في أولها: اشتهر على ألسنة الطلبة في هذا العصر تحريم المرأة على بعلها بإرضاع بعض من سنذكره ولا نعرف لهم من ذلك أصلا يرجعون إليه من كتاب أو سنة أو إجماع أو قول لأحد من المعتبرين أو عبارة يعتد بها تشعر بذلك أو دليل مستنبط في الجملة يعول على مثله بين الفقهاء فإنما الذي شاهدناهم من الطلبة يزعمون أنه من فتاوى شيخنا الشهيد قدس الله روحه ونحن لأجل مباينة هذه الفتوى لأصول المذهب استبعدنا كونها مقالة لمثل شيخنا على غزارة علمه وثقوب فهمه لا سيما ولم نجد لهؤلاء المدعين لذلك إسنادا يتصل بشيخنا في هذه الفتوى يعتد به ولا مرجعا يركن إليه ولسنا نافين لهذه النسبة عنه رحمه الله استعانة على القول بفساد هذه الفتوى فان الأدلة على ما هو الحق اليقين واختيارنا المبين بحمد الله كثيرة لا نستوحش معها من قلة الرفيق نعم اختلف أصحابنا في مسائل قد يتوهم منها القاصر عن درجة الاستنباط إن يكون دليلا لشيء من هذه المسائل أو شاهدا عليها الخ. ويتبين لنا مما ذكره في هذه المقدمة علو شانه ورسوخ قدمه في التحقيق وأنه من أجل ملوك العلم وكلامه من ملوك الكلام. وقد ألف معاصره الشيخ إبراهيم القطيفي رسالة في الرضاع رد بها على المحقق الكركي أساء فيها الأدب وتكلم بما لا يليق بالعلماء مع عدم إصابته في أكثر ما رد به ولو فرض جدلا أنه مصيب في رده لكان مخطئا كل الخطأ وخارجا عن طريقه أهل العلم في بذاءته. قال في أول رسالته إني وقفت في تاريخ شهر ذي الحجة الحرام آخر شهور سنة 926 على رسالة لبعض المعاصرين ألفها في الرضاع وأورد فيها مسائل زعم إن عليها الإجماع وزعم إنها ظاهرة لا تشتبه إلا على من يقصر عن الاستنباط وهو كما رأيته وترى لا ينفك عن المبالغة والإفراط والمتأمل المخلص عسى إن يهتدي إلى سواء السبيل فيفهم إن المبالغة بتحسين اللفظ خاصة من غير رباط كان سبب وقوفي عليها إن بعض الطلبة التمس مني قراءتها ليحصل منها فائدتها فلما ابتدأ بها رأيت مبدأها عثارا فتأملتها فإذا هي مما لا ينبغي سطره ولا يحسن بين الطلبة ذكره فأعرضت عنها أعراض من لا يؤوي منهزمها ولا يلتفت إلى نقض مبرمها ثم رأيت إن ذلك يدخل في كتمان العلم فان الشخص المنسوبة إليه قد ينسب إليه كمال الفضل من لا يظهر عليه خصوصا أنه في الحل والحرمة المتعلقة بالنكاح وقد أفتى بالحل لا مقتصرا على الفتوى بل ناقلا للإجماع وهو الداهية الدهماء ولا عجب كيف لم يعرف مواقع الخلاف لأنه بمعزل عن إمعان النظر وأعمال الفكر وحفظ الآثار فأوجبت على نفسي تأليف هذه الرسالة وقد أحببت إن أكمل الفائدة بفوائد حسنة نفيسة واجعل بعض حشوه من جملة المباحث الخ ثم قال في مقام الرد على الكركي الذي لم يصب فيه بل كان الحق في جانب الكركي ما لفظه: إن الرجل المعاصر الذي هو عن معرفة الدقائق بل عن إدراك الحقائق قاصر تكلم هنا بكلام رث وحشو لا طائل تحته الخ. ثم قال في بعض كلامه وانظر إلى فهم هذا القاصر واعتراضه ثم وصفه بأنه قاصر عن مدارك الأحكام ثم كرر في كلامه قال المعاصر القاصر ثم قال أشهد بالله إن جهاد مثل هذا الرجل على الغلط والأغلاط في المسائل أفضل من الجهاد بالضرب بالسيف في سبيل الله ثم قال وهذا في الحقيقة نقض على الإمام (عليه السلام) فانظر لسوء فهم هذا الرجل إلى أين يبلغ به ثم قال فكان هذا الرجل مع قصور فهمه لم يعرف اصطلاح الفن ولم يسمع ما حال أهله فيه ثم قال العجب من هذا الكلام وممن نسب صاحبه إلى الفضل فان هذا من غرائب الدهر ونوادر العمر وحيث اقتضت البلوى من تهافت الطالبين وتقادم أزمنة العالمين الجواب عنه بتحمل ذي الجواب عما لا يحتاج إلى الجواب إذ هو بالأعراض حقيق فنقول أولا ما ذكره من الاحتمال لا يليق بمن يسمع الرواية بل بمن نسي ما فيها أو عمي عنه عمى القلب فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ثم قال هذا الرجل لاضطرابه لا يبالي بما قال وبما قيل ولقلة فهمه لا يدري ما أسلف ولا ما أسلفه ثم قال فانظر أيها المتأمل في حظ هذا الرجل وقلة تحصيله واستقامته ثم قال هذا الكلام من العجائب التي لم يسبق مثلها إلا إن يشاء الله وأنا أنبه على ما فيه ليقضي الناظر فيه حق التعجب ثم قال وهذا من المصائب في الدين التي والله ليست بهينة قال الشاعر:

بل كماله ثم قال نعوذ بالله من غفلة ونقص وقصور توقع في مثل هذا الخ ثم قال من عرف خبط هذا الرجل لا يتعجب من مثل هذا الكلام ثم قال: هذا الرجل يخبط خبط عشواء ولا يتأمل المعنى ويعترض على الفضلاء في غير موضع الاعتراض. ثم قال لكن هذا الرجل لقوة وهمه وقصور فهمه وعدم رؤيته من طعم الفقه وأصوله إلا كأضغاث الأحلام لا يبالي أين رمى الكلام ثم قال ألا يستحي هذا الرجل من مثل هذا الكلام ثم قال وقد تأملت فرأيت إن وهمه نشأ من نهاية قصوره التي لا توصف ثم قال وما ذكره من الكلام فقد انقدح في خاطري جواب عنه حسن هو أنه كثير الدعوى مفرط في الشناعة أراد الله إن يبين قصوره عن درجة الاستنباط بشهادته على نفسه وتصريحه بخبطه وقلة فهمه فان رسالته هذه لا تبلغ كراريس وقد اضطرب وخبط فيها هذا الخبط فما ظنك بها لو طالت فانظر وأعجب إلى هذه الجرأة العظيمة من القطيفي على الشيخ علي الكركي الذي اعترف جميع العلماء بعلو مكانه حتى لقبوه بالمحقق الثاني وتداولوا تواليفه العظيمة النافعة في كل عصر وزمان وانظر كيف يصف الطائي بالبخل ما در ويعير قسا بالفهاهة بأقل.
وله قاطعة اللجاج في حل الخراج قال في أولها: لما توالى على سمعي تصدي جماعة من المتسمين بسمة الصلاح وثلة من غوغاء الهمج الرعاع إتباع كل ناعق الذين أخذوا من الجهالة بحظ وافر واستولى عليهم الشيطان فحل منهم في سويداء الخاطر لتقريض العرض وتمزيق الأديم والقدح بمخالفة الشرع الكريم والخروج عن سواء النهج القويم حيث أنا لما ألزمنا الإقامة ببلاد العراق وتعذر علينا الانتشار في الآفاق لأسباب ليس هذا محل ذكرها لم نجد بدا من التعلق بالغربة لدفع الأمور الضرورية من لوازم متممات المعيشة مقتفين في ذلك الأمر جمع كثير من العلماء وجم غفير من الكبراء الأتقياء اعتمادا على ما ثبت بطريق أهل البيت (عليه السلام) من إن ارض العراق ونحوها مما فتح عنوة بالسيف لا يملكها مالك مخصوص بل هي للمسلمين قاطبة يؤخذ منها الخراج والمقاسمة ويصرف في مصارفه التي بها رواج الدين بأمر إمام الحق من أهل البيت (عليه السلام) كما وقع في أيام أمير المؤمنين (عليه السلام) وفي حال غيبتهم (عليه السلام) قد أذن أئمتنا (عليه السلام) لشيعتهم في تناول ذلك من سلاطين الجور كما سنذكره مفصلا فلذلك تداوله العلماء الماضون والسلف الصالحون غير مستنكر ولا مستهجن وفي زماننا حيث استولى الجهل على أكثر أهل العصر واندرس بينهم معظم الأحكام وخفيت مواقع الحلال والحرام وهدرت شقاشق الجاهلين وكثرت جرأتهم على أهل الدين استخرت الله وكتبت في تحقيق هذه المسألة رسالة على وجه بديع تذعن له قلوب العلماء ولا تمجه أسماع الفضلاء واعتمدت في ذلك إن أبين عن هذه المسألة التي أفل بدرها وجهل قدرها غيرة على عقائل المسائل لا حرصا على حطام هذا العاجل ولا تفاديا من تعريض جاهل فان بموالينا أهل البيت (عليه السلام) أعظم أسوة وأكمل قدوة فقد قال الناس فيهم الأقاويل ونسبوا إليهم الأباطيل وبملاحظة لو كان المؤمن في جحر ضب يبرد كل غليل الخ.
ويستفاد من كلامه هذا أنه قد كان ترك بلاد العجم مع ما كان له فيها من الجاه الطويل العريض لأسباب قاهرة وسكن العراق وإن الضرورة دعته إلى تناول شيء من خراج العراق من يد السلطان لأمر معاشه وإن بعض من يتسم بالعلم أنكر عليه ذلك وتبعه جماعة من الغوغاء ولعله الشيخ إبراهيم القطيفي كما ذكر في ترجمته أو غيره فشنع عليه بسبب ذلك وقد رد القطيفي على هذه الرسالة برسالة سماها السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج قال في أولها وإن بعض أخواننا في الدين قد ألف رسالة في حل الخراج وسماها قاطعة اللجاج وأولى باسمها إن يقال مثيرة العجاج كثيرة الاعوجاج ولم أكن ظفرت بها منذ ألفها إلا مرة واحدة في بلد سمنان وما تأملتها إلا كجلسة العجلان فأشار إلي من تجب طاعته بنقضها ليتخلق من رآها من الناس برفضها فاعتذرت وما بلغت منها حقيقة تعريضه بل تصريحه بأنواع الشنع فلما تأملته الآن مع علمي بان ما فيها أو هي من نسج العناكب فدمع الشريعة على ما فيها من مضادها ساكب وهو مع ذلك لا يألو جهدا بأنواع التعريض بل التصريح لكن المرء المؤمن يسلي نفسه بالخبر المنقول عنهم (عليه السلام) لا يخلو المرء المؤمن من خمس إلى إن قال ومؤمن يؤذيه فقيل مؤمن يؤذيه قال نعم وهو شرهم عليه لأنه يقول فيه فيصدق وفي قوله تعالى {وإن تتقوا وتصبروا فإن ذلك من عزم الأمور} وقوله {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما تعلمون محيط} أتم دلالة وقد حسن بي إن أتمثل بقول عنترة العبسي
فاستخرت الله على نقضها وإبانة ما فيها من الخلل والزلل ليعرف أرباب النظر الحق فيتبعوه والباطل فيجتنبوه فخرج الأمر بذلك فامتثلت قائلا من قريحتي الفاترة على البديهة الحاضرة ثلاثة أبيات:
ألفت هذه الرسالة وسميتها السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج. ثم أنه قدم مقدمة ذكر فيها فوائد الأولى حرمة كتمان العلم والفقه فذكر الآيات والأخبار الواردة في ذلك الثانية في ما ورد في ذم إتباع السلطان من العلماء ونحو ذلك الثالثة في مدح من أعان طالب العلم وذم من آذاه الرابعة في مدح العالم العامل وذم التارك للعمل الخامسة في الحيل الشرعية. ثم شرح في الردود فكان مما قهل رد على قول الكركي مقتفين في ذلك أثر كثير من العلماء الخ: لم يرض هذا المعتذر إن ارتكب ما ارتكبه إلا بان ينسب مثل فعله إلى الأتقياء وليت شعري أي تقي ارتكب ما ارتكبه من أخذ قرية يتسلط فيها بالسلطان فإن كان وهمه يذهب إلى مثل العلامة فهذا من الذي يجب عنه الاستغفار ويطهر الفم بتكراره بعد المضمضة فان الذي كان له من القرى حفر أنهارها بنفسه وأحياها بماله لم يكن لأحد فيها من الناس تعلق أبدا وهذا مشهور بين الناس ويزيده بيانا أنه وقف أكثر قراه في حياته وقفا مؤبدا ورأيت خطه عليه وخط الفقهاء المعاصرين له من الشيعة والسنة ومنه إلى الآن في يد من ينسب إليه يقبضه بسبب الوقف الصحيح وفي صور سجل الوقف أنه أحياها وكانت مواتا والوقف الذي عليه خطه وخط الفقهاء موجود إلى الآن ومع ذلك فالظن بمثله لما علم من تقواه وتورعه يجب إن يكون حسنا ولو لم يكن من تقواه إلا إن أهل زمانه فيه بين معتقد فيه ما لا يذكر وآخر يعتقد فيه الأمر المنكر ويبالغون في نقضه ويعلمون بنقل الميت دون قوله كما صرح به هو عن نفسه وهو في أعلى مراتب القدرة عليهم ولم يتعرض لغير الاشتغال باكتساب الفضائل العلمية والأحكام النبوية وإحياء دارس الشريعة المحمدية لكان كافيا في كمال ورعه وجمال سيرته ونحو ذلك يقال في علم الهدى وأخيه رضوان الله عليهما على إن الذي يجب على هذا المستشهد إن ينقل عنهم ولو بخبر واحد إنهم أخذوا القرية الفلانية لأمر السلطان لهم بذلك حتى يثبت استشهاده وحسن إن يتمثل له بقول الشاعر:
ثم قال عن بعض كلام الكركي إن هذا من كرامات القرن العاشر حيث أظهر إن من يسمى بالعلم ويوصف به ويجلس منتصبا للفتوى يبسط مثل هذا في مصنف وليس أعجب من ذلك إلا سماع أهل القرن لهذا التأليف من غير إن ينكره منكر منهم إنكار يردع مثل هذا المؤلف أن يؤلف مثله ولا أعرف جوابا عن هذين إلا ما قاله (عليه السلام) إن الله لا يقبض العلم انتزاعا الخ وها أنا ذا أنفة على الدين أبين ما فيه الخ ثم قال بعد ما ذكر اعتراضا للكركي على بعض العلماء:
ثم قال وبالجملة فهذا الرجل لم يعض بضرس قاطع على العلم ليعرف مقاصده وينال مطالبه فلو مشى الهوينا وتأخر حيث أخره القدر كان انسب بمقامه ثم قال فانظر أيها المتأمل بعين البصيرة إلى قلة تأمل هذا الرجل وجرأته على دعوى الإجماع ثم قال فاعلم إن هنا أمرا إذا نظره المتأمل بعين البصيرة لم يجد معه لهذا الرجل المتحمل في حل هذه الشعرية وجها وانه فيما فعل وألف لا يخلو من امرين قصور في العلم أو شدة حب لجمع الدنيا لا يبالي معه من أين أصاب وذكر ما ذكر تمويها لدفع الشناعة من بعض قاصري النظر ولعل الثاني هو الوجيه فان ولاة العراق قد ظلموا أهله بتخريج مال لا شبهة في تحريمه ضرب في تحصيله السيد والعامي والمسكين والفقير حتى أن الحائك وغيره من أرباب الصنائع من المؤمنين المكتسبين يؤخذ منهم إلى مرتبة الدرهم والدرهمين وجمعوا ذلك وجعلوه في وجه المعونة للزاد والراحلة وما تبعهما عند توجهنا إلى الرضا (عليه السلام) بإشارة من خلدت دولته فبولغت فيه فكان جوابي بحضرة هذا المؤلف وحضرات أكابر أهل العراق من السادة والعوام أنه دامت سلطته بعث إلينا من أقاصي خراسان ونحن في طرف عراق العرب طلبا لترويج الدين وإظهار فضل التشيع وأهله المستنين بسنة أهل بيت النبوة (عليه السلام) فإذا تركنا الدين وأخذنا الحرام فكيف نكون أهلا لترويج الدين فلم ألبث قليلا وإذا به قد أخذه وصرفه فيما يشاء غير متأثم ولا خائف من موقف العرض ولا مستح من شناعة أهل الإيمان وربما زعم أنه عمل حيلة له فليت شعري كيف كانت تلك الحيلة مع إن الأمر بالمعروف والنهي والمنكر يقتضي وجوب السعي في رده إلى أهله على الفور بجميع أنواع القدرة فلو لم يكن على المتحيل في أخذه إلا عدم رده والسعي فيه لكان من موبقات الذنوب بل الرضا والسكوت عنه مع المكنة من موبقاتها وإنما ذكرت هذه الحكاية في هذا المحل لأنها مشهورة وهو قد زعم أنه عمل عليها صورة وجاز أمره مع ذلك عند أهل الدنيا الغافلين عن مصالح المعاد فكيف لا يجوز ما يحتمل إن يكون شبهة وقد كنت أكره إن أوقعها في مثل هذه الرسالة لولا ما علمته من وجوب التنبيه لأهل الله ليأخذوا الحذر من مثله وليمتنعوا من تقليده لفقد ما يشترط في صحة أخذه من الثقة والأمانة. ثم قال: على أن هذا المؤلف فيما علمته والله على ما أقول شهيد في مرتبة يقصر عما يدعيه لنفسه فأحببت إن اعرفه واعرف أهل الفضل مرتبته أيضا فرسالته هذه مع كونها واهية المباني ركيكة المعاني قد اشتهرت بين أهل الراحة وحب الاشتهار بشعائر الأبرار فأحببت إظهار ما غفلوا عنه قربة إلى الله تعالى لئلا يضيع الحق والعذر عما فيها من التشنيع فان مثل ذلك جوابا عما سبق من تشنيعه جائز بل هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا وقع في تصنيف سبب حطا فيه فان بدأ استحق الجواب وهذه عادة السلف فان شككت في ذلك فلاحظ تصنيف العلامة خصوصا المختلف وانظر ما شنع فيه علي بن إدريس مع إن مصنفه إمام المذهب في العلم والعمل وإنما فعلوا ذلك ليكون علماؤهم منزهين عن التعرض بمثل ذلك قال الشاعر:
وقال تعالى {ولكم في القصاص حياة} وقلت قريحتي الفاترة:
ثم إن المحقق الأردبيلي ألف رسالته في الخراج وقال أنه لا يخلو من شبهة ومال إلى قول القطيفي فألف معاصره الشيخ ماجد بن فلاح الشباني رسالة رد بها على المحقق الأردبيلي وقوى قول المحقق الكركي بحيلة الخراج وضعف قول القطيفي.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 8- ص: 208