السيد عقيل بن زين العابدين بن الحسين بن علوي بن أحمد الجفري العلوي
كان جده المرحوم السيد علوي بن أحمد أميرا على عسكر اليمن من قبائل يام ويافع فان أمراء مكة كان لهم سابقا عسكر خاص بمحافظتهم من قبل إمام اليمن فكان السيد علوي الأمير الأكبر عليهم. وهو الذي غزا بني سالم من قبائل حرب مع المرحوم الشريف راجح الشعبري وبني القلاع والحصون بطريق المدينة المنورة واستشهد في غزوة الحزمة مع من استشهد من الأشراف في الدفاع عن المرحوم الشريف سرور بن مساعد أمير مكة. وقد أثخن السيد علوي بالجراح وحمل على الأعناق وتوفاه الله في وادي نعمان ودفن بمكة بمقبرة العلويين.
وخلف ولدين صغيرين محمدا وحسينا، محمد له عقب بوادي مر الظهران بقرية البرابر ومنهم الآن بمكة أيضا. وتولى الحسين نقابة الطالبيين بمكة ثم تنازل عنها وخلف من الذكور عبد الله وصالح وعقيل وعلي والحسن وعمار وزين العابدين وتفقه زين العابدين على السيد إسحاق بن عقيل بن يحيى العلوي فلما توفي إسحاق رحل لطلب الرزق واشترى مركبا شراعيا سمي فتح المجيد وذلك قبل وجود المراكب البخارية فسافر إلى البصرة وفارس وبندر عباس وأبو شهر وزار العتبات المقدسة.
وفي سنة 1314 تولى نقابة الأشراف بفرمان سلطاني وألزمه عثمان باشا قبولها طوعا أو كرها فقبلها وهو كاره. وقد أعطى له رتبة ووسام مجيدي صنف ثاني، وسبب رده إياها هو إن التولية كانت من عثمان باشا مع إن الشريف قد ولى السيد محضار السقاف وفعلا عزل عثمان السيد محضار فكان ذلك سبب التنافر.
خلف السيد زين العابدين السيد عقيل وهو أكبر أولاده. ولد السيد عقيل بمدينة سورابايا جاوا سنة 1288 وأرسله أبوه إلى مكة سنة 1295 ونشأ بها وحفظ القرآن وهو في العاشرة من عمره وجود القرآن على الشيخ محمد الشربيني وعلى شيخ القراء المرحوم الشيخ يوسف أبو حجر، وقرأ تفسير الجلالين وجامع مسلم وأبي داود والنسائي على الشيخ عبد الرحمن الهندي الحيدرآبادي وعلى شيخ العلماء ومفتي الشافعية وجامع مسلم وأبي داود على الشيخ محمد سعيد بابصيل وقرأ النحو على السيد عمر شطا وعلى الشيخ عبد الرحمن بابصيل ثم قرأ على والده. ثم قرأ على السيد أبي بكر بن عبد الرحمن بن شهاب الدين في سنغافورا سنة 1317 تفسير الدر المنثور وآمالي الصدوق بن بابويه القمي ومسند النسائي والخصائص وقرأ على تلميذه السيد محمد بن عقيل بن يحيى العلوي ثم تفقه بالعروة الوثقى للسيد كاظم وقلده. ثم في سنة 1320 رحل إلى مكة واجتمع بكثيرين من علماء الجعفرية كالشيخ علي العمري المدني وغيره. وفي سنة 1318 سافر به أبوه إلى بلد (جامبي) من سومطرا وكان ملكها إذ ذاك السلطان طه سيف الدين وكان حاكما على جامبي وما حولها السيد عيدروس بن حسن بن علوي الجفري فطلب هذا الوزير من السيد زين العابدين إن يزوج السيد عقيل بابنته لما رآه فيه من سعة العلم وحسن الأخلاق فتزوجها السيد عقيل إرضاء لوالده، وطلبه السلطان إن يحضر إليه ليراه فقدم إليه فاحتفل به احتفالا عظيما وولاه أعلى رتبة دينية تعادل رتبة شيخ الإسلام فقبلها وهو لها كاره وبعد سنتين اشتعلت الحرب بين السلطان طه وحكومة هولندا فأمره أبو زوجته بالرحيل إلى مكة مدة الحرب فسافر إليها ووكل السيد عيدروس في فسخ النكاح متى طلبت ابنته، وانتهت الحرب بانتصار هولندا وألقت القبض على رجال السلطان ونفتهم إلى أماكن بعيدة وفي أثنائها فسخ القاضي النكاح وتوفي بعد ذلك الوزير السيد عيدروس واستولت هولندا على جامبي بعد حرب عظيمة وذلك طبيعي لأن هولندا كاملة العدة والعدد وأهل جامبي لا يملكون سوى بنادق ومدافع من الطراز القديم. وبقي السيد عقيل بمكة ثم انتقل إلى جاوا سنة 1339 واستقر بها وعكف على الإرشاد والوعظ والتأليف والكتابة فكان من أشهر العلماء العاملين المجاهدين وقد لقي عنتا كثيرا وكابد جهدا عنيفا في سبيل عقيدته حتى أنه دخل السجن مرارا.
أما أخلاقه فإنه كان لا يعرف الكبر والحسد والبخل ولا يحقد حتى على أعدائه سريع الرضي كثير العفو عمن يسيء إليه، وكان يزور الضعفاء والفقراء فيحسن إليهم سرا كما كان عضدا متينا لبعض المدارس والصحف الوطنية.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 8- ص: 147