التصنيفات

عبد المحسن الصوري توفي سنة 419.
أحد أعلام الشعر العربي في عصره، قال الشيخ محمد رضا الشيبي:
عبد المحسن بن محمد بن طالب الصوري هكذا أورد نسبه الثعالبي في تتمة اليتيمة، أما ابن خلكان فقال أبو محمد عبد المحسن بن محمد بن أحمد بن غالب لا طالب بن غلبون الصوري الشاعر المشهور وبين النسبين اختلاف كما ترى ونحن نميل إلى قول ابن خلكان لأنه من المحققين في النسب والتاريخ. والصوري كما قال القاضي في وفيات الأعيان أحد المحسنين المجيدين، شعره بديع الألفاظ حسن المعاني رائق الكلام مليح النظام من محاسن أهل الشام له ديوان شعر أحسن فيه كل الإحسان وقد نقل القاضي المذكور نتفة من شعره قال في آخرها: ومحاسنه كثيرة والاقتصار أولى.
الصوري والمؤرخون
كلام المؤرخين والمتأدبين عن هذا الشاعر مقتضب موجز كما نجده في تتمة اليتيمة ووفيات الأعيان والسبب في ذلك على ما نرجح هو انزواء هذا الشاعر وميله إلى العزلة وقلة خروجه من صور إلى غيرها من البلدان فقل لذلك العارفون به الواقفون على أحواله.
حياته من شعره
يظهر لنا من تصفح ديوان الصوري غلبة الفقر عليه حتى اضطر إلى بيع عمامته وهو يندب ويشكو مر الشكوى بوار صناعته وكساد بضاعته وكان للصوري أخ جميل الحال ولكنه شديد الجفاء له وقد هجاه مرات.
لم يخرج الصوري من الديار الشامية بل لم يخرج من صور وما إليها إلا نادرا وذلك في أوائل شبابه إذ خرج إلى دمشق وفلسطين هذا ويكثر ذكر صيدا، وطبرية والرملة في شعره والرملة يومئذ معسكر ينزله قادة الفاطميين ونوابهم وقد اتصل بجماعة منهم ومدحهم. ولم يستطع الخروج إلى مصر أيضا مع كثرة الدواعي التي توجب إلمامه بها ومن جملتها إن مصر يومئذ بلد الفاطميين وهو يكثر من مدحهم ويتعصب لهم وينصر دعوتهم، ومن هذه الأسباب والدواعي إن مصر أيام الفاطميين اجتذبت إليها كثيرا من أعلام الفنون والآداب والفلسفة والغالب إن الفاقة وسوء تأثيرها على مزاجه هي التي أقعدته عن الأسفار وهو القائل:

يقول إن هواي جعل مصر موطنا لي ولكن قلة ذات يدي أكرهتني
على الإقامة في بلد آخر يضاف إلى ما تقدم إن الصوري كان على جانب كبير من رقة الشعور والعطف والإحساس وهو يخشى إن تطوح أسفاره وانتجاع الأقطار البعيدة بكرامته فتراه يفضل الفقر والقلة على الغنى مع المهانة والذلة.
والخلاصة كان الصوري قليل الأسفار حتى في إبان شبابه أما بعد
تقدمه في السن فقد لزم صور، لزمها وهو في سن السبعين إلى إن توفي فيها
سنة 419 وعمره ثمانون سنة أو أكثر وفي باب إقامته في صور وعدم خروجه منها كتب إليه محمد بن سليمان النحوي الشاعر أبياتا جاء فيها:
فأجابه الصوري:
ميله إلى الايجاز في قصائده
الصوري شاعر مطبوع على الإجادة في أكثر أبواب الشعر غزلا وتشبيبا ومديحا ورثاء ووصفا وغير ذلك وشعره من ذلك السهل الممتنع يمتاز بجمال العبارة ومتانة الديباجة مع ميل ظاهر إلى الابداع والابتكار في المعاني. وليس في قصائده طول وهو يميل فيها إلى الايجاز فجل قصائده مقطوعات قصيرة أو شبيهة بالمقطوعات وقد عيب عليه ذلك ونسب إليه العجز والحصر أما هو فقد اعتز وتباهى بمذهبه هذا في الايجاز مع البلاغة وحسن الدلالة على المعنى وهو محق في ذلك إلى هذا ونحوه مما يدل على ميل هذا الشاعر إلى تهذيب أشعاره وتنقيح آثاره وقد أشار إلى هذا المعنى مرارا من ذلك قوله في قصيدة:
ومن قصيدة في لؤلؤ البشاري
ومن قصيدة في الأستاذ أبي الحسن بشارة:
وله من قصيدة
الصوري والمعري
عاش المعري بعد الصوري ثلاثين عاما ولا شك أنهما التقيا في مكان بالشام بيد أننا لا نعلم هل كان ذلك قبل رحلة المعري إلى بغداد أم بعد ذلك وعلى كل حال فان العلاقة بين الشاعرين لم تكن وثيقة مع أنهما متعاصرين ينتميان إلى وطن واحد هو الشام ولعل ذلك لمكان الاختلاف بينهما في الخلق والرأي. وقد ادعى الصوري في الأبيات الآتي ذكرها أن المعري وافقه على القول بالبعث واليقين بالآخرة وأنه لا يميل إلى آراء الملاحدة. قال الصوري:
فهذه شهادة معتبرة يحسن الاحتجاج بها على تدين أبي العلاء صريحة بوقوع الاجتماع بين الشاعرين وذلك قبل نظمها بتاريخ قريب كما إنها تشعر بأن المجلس كان مجلس مناظرة أو محاورة بين الرجلين. أما أين تم هذا الاجتماع ومتى فهذا من جملة الأمور المجهولة.
أما مذهب بكار في البيت الثالث من أبيات الصوري فهكذا وجدناه في النسخة ولعل الصواب مذهب بشار وهو الشاعر الأعمى المشهور المعدود من الملاحدة. أما بكار فهو من جملة القضاة.
أصحابه وشعراء عصره
شعراء عاصروا الصوري في مصر والشام غير قليلين ولكن عدد الذين لقيهم أو الذين جرى بينه وبينهم ما يجري من مراسلات ومشاعرات قليلون ومنهم أبو العلاء المعري وابن وكيع الشاعر التنيسي المصري المتوفى سنة 393 أرسل إليه قصيدة وأحمد بن سليمان النحوي أو الفخري.
ومن الشعراء الذين سماهم في ديوانه الشيخ أبو القاسم الحسين بن ضحى مشى خلف جنازته فرأى جارية ناشرة شعرها وهي بقفطان وقناع أحمر وله في ذلك بيتان ومن هؤلاء ابن بشر الشاعر ولا يعلم عنه أكثر من ذلك ومن الشعراء الذين خالطهم عبد الله بن العذري الشاعر جمع بينهما مجلس الأمير أبي الجيش حامد بن ملهم في بيروت ومنهم الشاعر المكتني بابن الموازيني.
ابن القوالة
ومن أعلام عصره أدبا وشعرا الأستاذ عبد الله المعروف بابن القوالة، وهو من أهل الرملة ومن فحول شعراء الشام في ذلك العصر وبينهما مراسلات ومشاعرات كثيرة وابن القوالة هذا هو الذي كتب إلى الصوري في بعض جواباته:
أمثاله
علاج الأهواء
المال والحمد
بين الأقوال والأفعال
الشعر
مجاهدة النفس
الشعر الخالد
المعالي والمساعي
أصناف الناس
من معانيه البديعة في الشيب
رقة الأخلاق
هجاء أخ بخيل عملها في أخيه
عبد الصمد
وله:
وله:
وله:
العزلة
لا صبر على جور
وله:
مراثيه
فن الرثاء في مقدمة فنون الشعر التي يجود فيها نظم الصوري ويرتفع إلى الذروة من الإحسان وما ذلك إلا لغلبة عاطفة الحزن والألم على نفس هذا الشاعر مدة حياته وله في أئمة أهل البيت مديحا ورثاء قصائد غراء هي من أحسن ما يقال في هذا الباب على وجه الدهر.
من شعره:
وله:
وله من قصيدة في مدح العزيز الفاطمي خليفة مصر:
وله:
وأنفذ إليه مبارك الدولة إن يجيز أبياتا عملها على نهر ليطا بظاهر صور أولها:
فقال:
وله وقد طرح عليه هذان البيتان ليجيزهما:
فإجازهما بديها:
وأنشده بعض الأحداث:
فإجازهما عبد المحسن فقال:
ومن شعره قوله:
وقوله من قصيدة:
وقوله من قصيدة:
وله يمدح أهل البيت صلوات الله عليهم:
وله من قصيدة:
ومن شعره قوله:
وقوله:
وقوله:
وله:
وقال يرثي الشيخ المفيد:
وقال يرثيه أيضا:
وله يمدح الأستاذ أبا الحيش بشارة من قصيدة:
وقال يمدحه من قصيدة:
ويظهر إن بشارة هذا من الأمراء، ويمكن إن يكون هو الذي تنسب إليه بلاد بشارة في جبل عامل.
وقال وقد رأى غلاما جميلا بظاهر دمشق وكان قد طلع هلال جمادى نت أمشي بجانب النهر بين الباب والجسر ذاهبا أتمادى.
وقال في يوم الغدير:
وقال يمدح رئيس الرؤساء أبا الحسين عمار بن محمد من وزراء الدولة الفاطمية بمصر وقد تولى ديوان الإنشاء في أيام الحاكم بأمر الله:
وقال يمدح بها علي بن الحسين المغربي والد أبي القاسم
ومنها:
ديوانه
يتضمن ديوانه أكثر من خمسة آلاف بيت موزعة على أكثر من 513 مقطوعة يتراوح عدد أبيات الواحدة منها بين بيتين اثنين وخمسة وثلاثين بيتا من الشعر. وقد أدرجت هذه المقطوعات في الديوان حسب الترتيب الأبجدي لقوافيها التي بلغت العشرين.
وفي مكتبة المجمع العلمي العربي بدمشق يوجد نسخة من الديوان، كما توجد مخطوطات أخرى في لبنان والعراق، ولم يطبع.
وقد جاء ديوانه صورة لثقافة عصره الدينية وغير الدينية من منطق وفلسفة، كما أبرز هذا الديوان إن للصوري نهجا أدبيا خاصا به، ميزه عن معاصريه، وقلده به شعراء الجيل الذي خلفه. وقد جاء حافلا بأسماء من قبضوا على زمام الإدارة السياسية الفاطمية في مصر والشام كوزراء الفاطميين وسفرائهم وقادة جيوشهم، إلى جانب طائفة حكام بلاد الشام من العنصر التركي.
كما يمكن إن يكون هذا الديوان دليل الألقاب والرتب الإدارية والعسكرية في القرن الرابع، كالأستاذ وقاضي القضاة ورئيس الرؤساء وأبو الجيش ووزير الوزراء.
هذا مع ما يحفل به الديوان من أسماء أعلام الفقه من معاصريه من الذين صادقهم، وخصهم بقصائد من ديوانه مادحا في حياتهم، أو راثيا بعد مماتهم مثل فقيه الشام أحمد بن عطاء الروزباري والفقيه الحسين بن أبي كامل الأطرابلسي والشاعر ابن وكيع التنيسي وأبي العلاء المعري والشيخ المفيد وغيرهم من شعراء عصره.
وهكذا كان ديوان عبد المحسن الصوري الذي ما زال مخطوطا تعبيرا عن ثقافة قرن كامل، بل تعبيرا عن ثقافة عصر، عن الثقافة الدينية لهذا العصر، وعن الحالة الاجتماعية والسياسية فيه، ملقيا أضواء جديدة وكاشفة على أوضاع مصر والشام في ذلك العصر. كما كان تعبيرا عن نهج أدبي اختص به فذهب في التاريخ خطة للشعراء. وبالفعل فقد عاش الصوري عصره كاملا، فجاء ديوانه يغطي ثقافة هذا العصر.
منزلته
كان عبد المحسن الصوري مفضلا من قبل كثير من شعراء عصره وغير عصره على كثير من معاصريه وممن جاء بعده. إلا إن أبا العلاء المعري كان يعيبه بقصر النفس، وكان الشاعر أبو الفتيان بن جيوس يدافع عن الصوري إمام أبي العلاء منشدا أبياتا لعبد المحسن، فيقول المعري:
هذه لقصيرك فيرد ابن جيوس: هو أشعر من طويلك، عانيا المتنبي.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 8- ص: 94

عبد المحسن ابن محمد بن أحمد، شاعر الشام، أبو محمد الصوري.
روى عنه الحافظ محمد الصوري، ومبشر بن إبراهيم، وسلامة بن حسين.
ونظمه فائق، وسار له:

توفي سنة تسع عشرة وأربع مائة وله ثمانون سنة.
ابن هارون، أبو صادق:

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 13- ص: 126