ابن حجاج حسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحجاج، النيلى البغدادى، أبو عبد الله: شاعر فحل، من كتاب العصر البويهتى. غلب عليه الهزل. فى شعره عذوبة وسلامة من التكلف. قال الذهبى: (شاعر العصر وسفيه الأدب وأمير الفحش ! كان أمة وحدة فى نظم القبائح وخفة الروح) وقال صاحب النجوم الزاهرة: (يضرب به المثل فى السخف والمداعبة والألهاجى) وقال ابن خلكان: (كان فرد زمانه، ثم يسبق إلى تلك الطريقة) وقال أبو حيان: (بعيد من الجد، قريع فى الهزل، ليس للعقل من شعره منال، على أنه قويم اللفظ سهل الكلام) وقال الخطيب البغدادي: (سرد أبو الحسن الموسوى، المعروف بالرضى، من شعره فى المديح والغزل وغيرهما، ما جانب السخف فكان شعرا حسنا متخيرا جيدا) وقال ابن كثير: (جمع الشريف الرضى أشعاره الجيدة على حدة فى ديوان مفرد، ورثاه حين توفى) له معرفة بالتاريخ واللغات. اتصل بالوزير المهلبى وعضد الدولة وابن عباد وابن العميد. وله (ديوان شعر - خ) يشتمل على بعض شعره. ارسل نسخة منه إلى صاحب مصر فأجازه بلف دينار. وخدم بالكتابة فى جهات متعددة. وولى حسبة بغداد مدة، وعزل عنها. نسبته إلى قرية النيل (على الفرات بين بغداد والكوفة) ووفاته فيها. ودفن فى بغداد
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 231
الحسين بن أحمد بن محمد بن جعفر المشهور بابن الحجاج
أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحجاج الكاتب المحتسب النيلي البغدادي شاعر العراق وصاحب المجون المشهور بابن الحجاج.
وما يوجد في بعض المواضع من تسميته بالحسن مكبرا تصحيف.
توفي يوم الثلاثاء في 27 جمادى الثاني وقيل لسبع بقين منها سنة 391
بالنيل وحمل تابوته إلى بغداد فدفن عند رجلي الإمامين الكاظمين وكتب على قبره بوصية منه: {وكلبهم بسط ذراعيه بالوصيد}.
(والمحتسب) من ولي الحسبة الحسبة أو الاحتساب في الإسلام.
وهي عمل من قبل السلطان حدث في دولة بني العباس.
ويروي أن عليا أمير المؤمنين عليه السلام كان يدور في أسواق الكوفة ينهاهم عن بخس المكيال والميزان وهو نوع من الحسبة المتعارفة والحسبة عن كتاب الرتبة في طلب الحسبة لابن بسام أن علم الاحتساب يبحث عن الأمور الجارية بين أهل البلد في معاملاتهم التي لا يتم التمدن بدونها فيجرونهم على القانون والعدل وينهونهم عن المنكر ويأمرونهم بالمعروف ويمنعونهم عن المشاجرات في الأسواق وفي كشف الظنون: الاحتساب علم باحث عن الأمور الجارية بين أهل البلد من معاملاتهم التي لا يتم التمدن بدونها من حيث إجرائها على قانون العدل وعن سياسة العباد بنهي المنكر وأمر المعروف.
ثم قال فيه كتاب نصاب الاحتساب ذكر فيه مؤلفاته أن الحسبة في الشريعة تناول كل مشروع بفعل الله سبحانه كالآذان والإقامة وأداء الشهادة ولذا قيل القضاء باب من أبواب الحسبة وفي العرف مختص بأمور وذكرها إلى تمام خمسين (ا هـ) وفي المنقول عن كتاب نصاب الاحتساب للسنامي ذلك الكتاب أنه ذكر فيه. إراقة الخمور. كسر المعازف. أمر الذباحة على الباب. أمر الميزاب. أمر الأوحال. منع الجلوس على الباب. منع ربط الدواب في الإزقة.
منع عمارة الحيطان في شيء من الشوارع. منع تطيير الحمام. منع شغل الهواء بالجناح من الدار على الشارع. منع البغاء، منع كل من الرجال والنساء من التشبه بالآخر. منع اتخاذ القبور الكاذبة. منع التبرج. منع المطلسمة والمساحرين والكهان عن منكراتهم. منع الجراحين عن الجب والاخصاء.
منع اللعب بالنرد والشطرنج على الطريق وهكذا إلى تمام أربعين بابا وقال في الباب الأربعين يؤمر الحداد أن يتخذ بين الطريق ودكانه حجابا لئلا يتطاير الشرر إلى الطريق وفي الباب 44 يحتسب بائع اللبن إذا خلط الماء بلبنه وذكر في الكتاب الاحتساب على المفرط في تواضع الناس والاحتساب على المتصوفة وغير ذلك.
وفي القاموس وتاج العروس: (احتسب عليه أنكر عليه) قبيح عمله (ومنه المحتسب) يقال هو محتسب البلد. ومن ذلك يعلم أن المحتسب هو بمنزلة رئيس البلدية اليوم لكن وظيفة أوسع لأنها تتناول الأمور الدينية و اليوم تقتصر على الأمور المدنية.
(والنيلي) نسبة إلى النيل بوزن فيل بلدة على الفرات بين بغداد والكوفة والأصل فيه نهر حفره الحجاج في هذا المكان آخذ من الفرات وسماه باسم نيل مصر والبلدة والنهر اليوم خراب كان يسكن النيل ثم سكن بغداد في محلة تدعى سوق يحيى وكأنه بعد سكناه بغداد كان يتردد إلى وطنه الأصلي النيل فلذلك توفي هناك قال ياقوت سوق يحيى ببغداد بالجانب الشرقي منسوبة إلى يحيى بن خالد البرمكي كانت إقطاعا له من الرشيد ثم خربت عند ورود السلجوقية بغداد وهي محلة ابن الحجاج الشاعر وقد ذكرها في أكثر شعره كقوله:
خليلي أقطعا رسني وحلا | أزاري وأنزعا عني شكالي |
إلى وطني القديم بسوق يحيى | فقلبت عن هواه غير سالي |
وقولا للسحاب إذا مرتك الـ | ـجنوب وعدت منحل العزالي |
فجد في دار عرفان إلى أن | ترويها من الماء الزلال |
على تلك الرسوم إلا ومن لي | بشم ثرى معالمها البوالي |
أقوام العلماء فيه
قال الشيخ البهائي في توضيح المقاصد في 27 من شهر جمادى الثانية الفاضل الأديب الحسين بن أحمد المشهور بابن الحجاج وكان من أعاظم الشعراء الفضلاء وكان رحمه الله إمامي المذهب متصلبا في التشيع.
وذكره ابن شهراشوب في معالم العلماء في شعراء أهل البيت المجاهرين فقال ابن الحجاج أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن الحجاج الكاتب المحتسب البغدادي قرأ على ابن الرومي وكان من بلاد العجم (ا هـ) .
وفي أمل الآمل الحسين بن أحمد بن الحجاج الكاتب المحتسب البغدادي كان فاضلا شاعرا أديبا عده ابن شهراشوب في معالم العلماء من شعراء أهل البيت وله ديوان شعر كبير جدا عدة مجلدات وكان إمامي المذهب ويظهر من شعره أنه من أولاد الحجاج بن يوسف الثقفي وهو ينافي كونه من بلاد العجم إلا أن يكون ولد فيها أو يكون ثقفيا بالولاء لا منهم أنفسهم كما يظهر من بعض الأخبار (ا هـ) وفي الرياض فلذلك اشتهر بابن الحجاج إذ الحذف من باب الاختصار شائع ويحتمل كون الحجاج جده القريب كما أن الحجاج بن يوسف الثقفي جده البعيد فلذلك اشتهر بابن الحجاج (ا هـ) ولعل شعره الذي قال عنه الشيخ البهائي أنه يدل على أنه من ولد الحجاج الثقفي هو ما أورده صاحب اليتيمة من قوله:
أنا ابن حجاج إليه أبي | ينمى وقلبي من بني عذره |
لم يخل جسمي في الهوى من ضنى | قط ولا عيني من عبره |
حبائب مثل حصى عكبرا | والرقبا مثل نوى البصره |
ويمكن أن يكون نسب القساوة إلى نفسه باعتبار نسبة أبيه إلى الحجاج المشارك للحجاج الثقفي في الاسم لا أنه من ولد الحجاج والله أعلم.
وقد اعتنى الشريف الرضي بابن الحجاج اعتناء كافيا فدل ذلك على اعترافه بفضله وأدبه فكان من اعتنائه به أن جمع من ديوانه ما خلا عن السخف والمجون وسماه الحسن من شعره الحسين ورثاه بعد موته وعقد له صاحب اليتيمة فصلا خاصا فقال: الفصل السابع نذكر فيه محاسن أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن الحجاج وغرائبه: هو إن كان في أكثر شعره لا يستتر من العقل بسجف ولا يبني جل قوله إلا على سخف فإنه من سحرة الشعراء وعجائب العصر وقد اتفق من رأيته وسمعت به من أهل البصرة في الأدب وحسن المعرفة بالشعر على أنه فرد زمانه في فنه الذي شهر به وأنه لم يسبق إلى طريقته ولم يلحق شأوه في نمطه ولم ير كاقتداره على ما يريده من المعاني مع سلامة الألفاظ وعذوبتها وانتظامها في سلك الملاحة والبلاغة وإن كنت مفصحة عن السخافة مشوبة بلغات الخلديين والمكدين وأهل الشطارة ولولا أن جد الأدب جد وهزله هزل كما قال إبراهيم بن المهدي لصنت كتابي هذا عن كثير من كلام أهل المجون ولكنه على علاته تتفكه الفضلاء والكبراء والأدباء بثمار شعره وتستملحه ويحتمل المحتشمون فرط رفثه وقذعه ومنهم من يغلو في الميل إلى ما يضحك ويمتع من نوادره ولقد مدح الملوك والأمراء والوزراء والرؤساء فلم تخل قصيدة فيهم من هزل وفحش وهو عندهم مقبول الجملة غالي مهر الكلام موفور الحظ من الإكرام والإنعام مجاب إلى مقترحه من الصلات الجسام والأعمال التي ينقلب منها إلى خير حال وكان طول عمره يتحكم على وزراء الوقت ورؤساء العصر تحكم الصبي على أهله ويعيش في أكنافهم عيشة راضية وقد أخرجت من ملحه الخالية من الفحش المفرط ما يستغرق وصف ابن الرومي:
شرك العقول ونزهة ما مثلها | للمطمئن وعقلة المستوفز |
إن طال لم يملل وإن هي أوجزت | ود المحدث أنها لم توجز |
قال المؤلف: صاحب اليتيمة أكثر في كتابه من ذكر المجون ككثير غيره واعتذاره عن ذلك بقول إبراهيم المغني هو عذر من سنخ الذنب.
وفي معجم الأدباء: الحسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد المعروف بابن الحجاج الشاعر أبو عبد الله شاعر مفلق قالوا إنه في درجة امرئ القيس لم يكن بينهما مثلهما وإن كان جل شعره مجونا وسخفا وقد أجمع أهل الأدب على أنه مخترع طريقة في الخلاعة والمجون لم يسبقه إليها أحد ولم يلحق شأوه فيها لا حق قدير على ما يريده من المعاني الغاية في المجون مع عذوبة الألفاظ وسلاستها وله مع ذلك في الجد أشياء حسنة لكنها قليلة ويدخل شعره في عشرة مجلدات أكثره هزل مشوب بألفاظ المكدين والخلديين والشطار ولكنه يسمعه أهل الأدب على علاته ويتفكهون بثمراته ويستملحون بنات صدره المتهتكات ولا يستثقلون حركاتهن لخفتها وإن بلغت في الخفة غاية الغايات وإني لا أقول كما قال أبو منصور - يعني الثعالبي- لولا قول إبراهيم بن المهدي إن جد الأدب جد وهزله هزل لصنت كتابي هذا عن مثل هذا المجون وحديث كله ذو شجون.
وإنما قال ياقوت هذا لأن كتابه لم يتنزه فيه عن أقبح المجون في التراجم التي اشتملت على ذلك.
قال ولقد مدح الملوك والأمراء والوزراء والرؤساء فلم يخل شعره فيهم مع هيبة المقام من هزل وخلاعة فلم يعدوه مع ذلك من الشناعة وكان عندهم مقبولا مسموعا غالي المهر والسعر وكان يتحكم على الأكابر والرؤساء بخلاعته ولا يحجب عن الأمراء والوزراء مع سخافته يستقبلونه بالبشاشة والإكرام ويقابلون إساءته بالإحسان والإنعام وناهيك برجل يصف نفسه بمثل قوله: (رجل يدعي النبوة في السخف) الأبيات الآتية.
وفي شذرات الذهب في حوادث سنة 391 فيها توفي ابن حجاج الأديب أبو عبد الحسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن الحجاج البغدادي الشيعي المحتسب الشاعر المشهور ذو المجون والخلاعة والسخف في شعره كان فرد زمانه في فنه فإنه لم يسبق إلى تلك الطريقة مع عذوبة ألفاظه وسلامة شعره من التكلف ويقال إنه في الشعر في درجة امرئ القيس وأنه لم يكن بينهما مثلهما لأن كل واحد منهما مخترع طريقته وله ديوان كبير يبلغ عشرة مجلدات الغالب عليه الهزل والمجون والهجو والرفث وكان شيعيا غاليا (ا هـ) .
وقال صاحب معاهد التنصيص: كان من كبار الشيعة المغالين في حب أهل البيت وفي تاريخ بغداد: الحسين بن أحمد بن الحجاج أبو عبد الله الشاعر أكثر شعره في الفحش والسخف وقد سرد أبو الحسن الموسوي - المعروف بالرضي- من شعره في المديح والغزل وغيرهما ما جانب السخف فكان شعرا حسنا متخيرا (ا هـ) وابن الحجاج قد ساعده الحظ بوجوده في دولة بني بويه المشاركين له في التشيع فقال ما شاء له بنيات نفسه (ا هـ) .
وقال ابن خلكان كان فرد زمانه في فنه فإنه لم يسبق إلى تلك الطريقة مع عذوبة ألفاظه وسلامة شعره من التكلف ومدح الملوك والأمراء والوزراء والرؤساء ويقال إنه في الشعر في درجة امرئ القيس وأنه لم يكن بينهما مثلهما لأن كل واحد منهما مخترع طريقة وكان من كبار الشعراء الشيعة.
وقال الدكتور علي جواد الطاهر في مقدمته لتحقيق ديوانه: أخذت أستشعر خطورة ابن الحجاج وأهميته شعره في تاريخ الأدب العربي، وفي تاريخ المجتمع العباسي، أنه مصدر مجهول، ولا يحق لدارس لم يطلع عليه أن يدعي العلم ببغداد في العصر البويهي.
كانت مكانة هذا الشاعر مرموقة في عصره، وكثيرا ما بيع الديوان بخمس دينارا إلى سبعين، ونسخة كثيرون وعملت منه المختارات العديدة، وحسبك أن يكون منها ما عمله الشريف الرضي نقيب الطالبيين.
أما شخصية الشاعر فعجبيبة ولعلها أكثر من شخصية في رجل واحد، أنها تصلح -فوق ما تصلح له- أن تكون مدارا لدراسة نفسية يستقصي صاحبها ما وراء السطور ويلمح الجد وراء الهزل ويحس بالمرارة في الحلاوة.
وقال:
هيأ له الشعر موردا حسنا ومهد للاتصال بأكابر رجال العصر كالمهبلي و أبي الفضل وأبي الفرج، وحقق له منزلة مرموقة لدى الملوك البويهيين، عز الدولة وعضد الدولة وصمصام الدولة وبهاء الدولة، وبوزراء هؤلاء الملوك كابن سعد الله وسابور بن أردشير وعبد العزيز، وكانت له دالة أية دالة على هؤلاء الوزراء.
أخباره
في تاريخ ابن خلكان ونحوه في مرآه الجنان أنه تولى حسبة بغداد مدة وقيل إنه عزل بأبي سعيد الاصطخري الفقيه الشافعي. وله في عزله أبيات مشهورة في اليتيمة وسأله مغني سيف الدولة المعروف بالهنكري أن يصنع شعرا يغني به بين يدي صاحبه فقال من أبيات:
أميري يا من ندى كفه | يزيد على العارض الممطر |
وشعر ابن حجاج يا سيدي | يغني به عبدك الهنكري |
غناء وشعر لنا يجمعنا | ن ما بين زلزل والبحتري |
(قال المؤلف) الغناء محرم في مذهب أهل البيت عليهم السلام وكذلك في بعض المذاهب الإسلامية وفي بعضها يروون أن النبي صلى الله عليه وسلم - وحاشاه- استمع إلى الغناء فلذلك يستحلونه وقد فشا الغناء في الدولتين الأموية والعباسية بين جميع طبقات الناس لما استعمله من تسموا باسم الخلافة حتى وصل إلى سيف الدولة ويا ليته اقتدى بمذهب أهل بيت نبيه كما فشا غيره من المنكرات كشرب الخمر والمجون والخلاعة وغيرها وإذا كان من يحمل لقب إمارة المؤمنين يرتكبها فما ظنك بغيره.
إذا كان رب البيت بالطبل ضاربا | فشيمة أهل البيت كلهم الرقص |
وفي كتاب غاية الاختصار أنهم قالوا إن الحاكم بأمر الله العبيدي صاحب مصر كان يوجه في كل سنة ألف دينار إلى أبي عبد الله بن الحجاج لأجل قصيدة مدحه بها ا هـ.
أخباره مع ابن سكرة
كان محمد بن سكرة العباسي الشاعر أحد شعراء اليتيمة معاصرا لابن الحجاج وقد نظم ابن سكرة قصيدة يفتخر بها على آل أبي طالب فرد عليه الأمير أبو فراس الحمداني بقصيدته الميمية المشهورة المسماة بالشافية ففضحه وقد نسب ابن الحجاج في ضمن قصيدته الفائية الآتية إلى ابن سكرة أنه هجا الزهراء عليها السلام ومن ذلك يظهر نصب ابن سكرة فلذلك عاداه ابن الحجاج وهجاه بهجاء مقذع منه الأبيات التي ذكرها الثعالبي في اليتيمة في ترجمة ابن الحجاج ولم نشأ أن نذكرها في كتابنا لما فيها من ألفاظ لا يحسن ذكرها وقد هجاه أيضا في ضمن قصيدته الفائية الآتية بأبيات هي مثل تلك فلذلك لم نذكرها وإذا كان ابن الحجاج يعادي ابن سكرة لذلك فمن الطبيعي أن يعاديه ابن سكرة أيضا و لذلك لما سئل ابن سكرة عن قيمة ديوان شعر ابن الحجاج قال قيمته بربخ، حكاه في اليتيمة، والبربخ كقنفذ ما يوضع في الفخار لمجرى الكنيف والسائل إنما سأله عن قيمته الشعرية واشتماله على المجون والسخف لا علاقة له بذلك فقد أجمع المترجمون على أن شعره من حيث الشاعرية في طبقة عالية ولم يمنع امرأ القيس اشتماله شعره على وصف هتكه للفروج من أن يكون مقدم شعراء الجاهلية.
منامات قيل أنها رؤيت في حقه
في رياض العلماء: قال السيد بهاء الدين بن عبد الحميد النجفي الحسيني في كتاب مقتله المرسوم بالدر النضيد في تعازي الإمام الشهيد: حكى الشيخ الصالح عز الدين حسن بن عبد الله بن حسن التغلبي أن الشيخين الصالحين علي بن محمد الزرزور السوراوي ومحمد بن قارون السيبي كانا يستهزئان بشعر أبي عبد الله الحسين بن الحجاج ويمنعان من إنشاد أشعاره ويزريان على من ينظر في ديوانه لما فيه من السخف والقبايح والهجاء الفاضح وبقيا على ذلك برهة من الزمان فاتفق أن الشيخ شمس الدين محمد بن قارون زار الإمام الحسين عليه السلام فرأى في منامه كأنه في الحضرة الشريفة الحائرية وفاطمة صلوات الله عليها والأئمة علي والحسنان وزين العابدين والباقر والصادق عليهم السلام هناك وعلي بن الزرزور جالس غير بعيد عنهم ورأى نفسه قائما بين أيديهم ثم التفت فإذا أبو عبد الله بن الحجاج مار في صحن الحضرة الشريفة بهيأة حسنة قال فقلت لعلي بن الزرزور ألا تنظر إلى ابن الحجاج فقال دعني فإني لا أحبه فقالت الزهراء من لا يحبه فليس منا وكذلك خرج الكلام من بين الأئمة عليهم السلام ولم أدر من قاله
منهم ثم انتبهت فزعا مرعوبا مما فرط مني في حق ابن الحجاج ثم نسيت هذا المنام كأني لم أره ثم توجهت مرة أخرى للزيارة في الحائر فإذا بجماعة من الموالين في الطريق سائرين وهم ينشدون أشعار ابن الحجاج وبينهم علي بن الزرزور فحين رأيته ذكرت المنام فقلت لصاحب معي ألا أطرفك بشيء عجيب فقال هات فحكيت له المنام ثم لحقنا القوم فدنوت من ابن الزرزور وسلمت عليه وقلت له ألم أعهدك تنكر على من ينشد شعر ابن الحجاج فما بالك اليوم تصغي إلى إنشاده فقال ألا أحدثك بما رأيت في حقه فقلت بلى فقص علي ذلك المنام الذي رأيته لم ينقص منه حرفا واحدا وصاحبي يسمع ويعجب فقلت أنا قد رأيت كما رأيت ووفقني الله حتى حكيت ذلك لصاحبي آنفا قبل أن أسمع كلامك فالحمد لله الذي صدق رؤياي ورؤياك وعصمنا من الوقيعة في هذا المجال المحب للآل قال ثم أني اجتمعت بعد ذلك بالشيخ محمد بن قارون في الحضرة الحائرة وحكى لي هذه الحكاية وأراني المواضع التي رأى فيها الأئمة والزهراء عليهم السلام ا هـ.
قال صاحب الرياض: وهذا موافق لما جرى له في أيام حياته مع السيد المرتضى وهو أن السلطان مسعود بن بويه لما بنى سور المشهد الشريف بالنجف دخل الحضرة الشريفة فوقف ابن الحجاج بين يديه وأنشده قصيدته التي يقول فيها:
يا صاحب القبة البيضا على النجف | من زار قبرك واستشفى لديك شفي |
فلما وصل إلى الهجاء الذي فيها والمجون مع ابن سكرة الهاشمي الهاجي
لآل محمد عليهم السلام منعه الشريف المرتضى من أكمالها فرأى ابن الحجاج
في منامه تلك الليلة أمير المؤمنين عليا عليه السلام وهو يقول له لا ينكسر خاطرك فقد بعثنا المرتضى يعتذر إليك فلا تخرج إليه ورأى المرتضى تلك الليلة النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة عليهم السلام فلم يقبلوا عليه فعظم ذلك عنده وقال لهم أنا عبدكم وولدكم ومواليكم فبم استحققت هذا قالوا بما كسرت خاطر شاعرنا ابن الحجاج فتمضي إليه وتعتذر فمضى إليه وطرق الباب فقال له ابن الحجاج يا سيدي الذي بعثك إلي أمرين أن لا أخرج إليك فدخل إليه واعتذر ومضى به إلى السلطان فقصا عليه القصة فأمره بإنشاد القصيدة فأنشدها وأنعم عليه وحباه.
مشايخه
مر قول ابن شهراشوب أنه قرأ على ابن الرومي.
شعره
من يقرأ شعر ابن الحجاج يجده على أسلوبين مختلفين تمام الاختلاف: الأول سائر على مألوف الشعر العربي في المتانة والفخامة في اللفظ والصياغة وفي المعنى والموضوع، ويبدو ابن الحجاج فيه مثل الآخرين.
الثاني: هذا الذي سماه (السخف) ولا يهاب الشاعر فيه ولا يتحرج من ذكر أي شيء من لفظ أو معنى مما لم يعتد التصريح باسمه سائر الناس، ويتجنب الخوض فيه أهل الوجاهة والوقار.
وقد أكثر ابن الحجاج من هذا المذهب وعد فنونه حتى ليبدو وكأنه علم أعلامه، ومؤسس كيانه ورأس "مدرسته" وعلى هذا درج القدماء وبه حكم الدارسون. وإن كنا نعلم أن للسخف مقدمات في العصور التي سبقت ابن الحجاج، ونعلم أن ابن الحجاج لم يكن وحيدا في عصره، فقد جاذبه أطراف هذا الضرب من الشعر معاصره ابن سكرة الهاشمي.
وكان يقال ببغداد: "إن زمانا جاد بابن سكرة وابن الحجاج لسخي جدا".
لقد كان العصر يستسيغ ما يسمع، ولا يرى غضاضة في أن يرويه وينقله، ولا يجد سببا لتحميل النص أكثر مما يحتمل، والكلمة أكثر مما تطيق، كأن المسألة ضحك وإضحاك ليس غير، وكأن هذا اللون من الشعر داخل في دائرة المفهوم الحضاري.
ولدراسة شعر ابن الحجاج - غير الفوائد التاريخية والاجتماعية والنفسية-
فوائد أسلوبية ولغوية، وفيه غير قليل من العامية التي ما زالت حية في العراق، وغير قليل من آثار الأدب الشعبي والأوساط العامة.
نظم ابن الحجاج في جميع مناحي الشعر فأكثر بل لعله لم يترك منحى من مناحيه لم ينظم فيه فإنك ستعرف أن البديع الاسطرلابي رتب شعره على 141 بابا كل باب في فن من فنون الشعر ودواوين الشعراء التي بأيدي الناس وإن لم تصل أبوابها إلى العشر من هذا العدد إلا أن هذه الفنون الكثيرة مستخرجة من جملة ما اشتملت عليه الفنون المشهورة من المديح والرثاء والهجاء والغزل والفخر وغيرها فقد اشتملت حماسة البحتري على 174 بابا وحماسة أبي تمام لم تزد أبوابها على ثمانية إلا أن هذه الأبواب الثمانية يمكن أن يستخرج منها أبواب كثيرة كالأبواب التي استخرجها البحتري مثل حمل النفس على المكروه. الفتك. الاصحار للأعداء. مجاملة الأعداء. الانفه. ركوب الموت خشية العار وغير ذلك فهذه الأبواب و إن تكثرت إلا أن الأبواب المشهورة تحتوي على أكثرها أو جميعها.
وقد عرفت عند ذكر أقوال العلماء فيه قول الثعالبي أنه من سحرة الشعر وعجائب العصر وأن أدباء عصر الثعالبي اتفقوا على أنه فرد زمانه في فنه الذي شهر به وعرفت قول من يجعله في درجة امرئ القيس. وهو شاعر مطبوع متميز بين شعراء عصره وشعره سهل ممتنع يدخل في الأذن بغير إذن ويشبه شعره في الرقة والسهولة والعذوبة شعر أبي نواس وعنده في الشعر مادة غزيرة تشبه مادة أبي نواس بل هو في كثير من حالاته يشبه أبا نواس يشبهه في رقة شعره وسهولته وفي مجونة وفحشه وفي التظاهر بالفسوق وشرب الشراب والسماع إن صح ما يحكى عنهما من ذلك ويظهر أنه كان يقوله عفو الطبع وينشئه إنشاء الساعة ولذلك كان كثيرا جدا حتى بلغ ديوان شعره عشرة مجلدات ويكفي في حسن شعره وتفوقه أن يعتني به الشريف الرضي فيختار منه مما خلا عن السخف والمجون ما يسميه الحسن من شعر الحسين وأن يعتني به البديع الاسطرلابي فيرتبه على 141 بابا ويسميه درة التاج كما سيأتي وقد غلب على شعره السخف والمجون كما عرفت وهذا باب واسع وسبب كبير من الأبواب والأسباب الموجبة للاشتهار بين الناس والقول عندهم و الارتزاق به كما أشار إليه بقوله:
وإنما هزله مجون | يمشي به في المعاش أمري |
وقوله يعتذر عن سخف شعره:
أنت تدري أنه يد | فع عن مالي وجاهي |
فإن الشعر الجيد المطبوع إذا اشتمل على مثل ذلك رغب فيه أكثر الناس واستجموا به واستملحوه واحتملوا ما فيه من سخف ومجون حتى ولو تعلق ذلك بهم وحتى أكابر الناس ورؤسائهم بل هؤلاء أميل إلى ذلك ممن سواهم لاسيما في عصره الذي كثر فيه الفحش والمجون بين أكثر طبقات الكبراء والشعراء والأدباء حاشا جماعة قليلة منهم أمثال الشريفين المرتضى و الرضي فكان هذا من معايب ذلك العصر ومناقصه والنفوس بطبعها ميالة إلى هذه الأمور وقد وصفه بعض أصدقائه بأنه وقفت له قافية كناية عن سهولة شعره وانسجامه.
في اليتيمة: أهدى إليه صديق هدية وكتب إليه:
زففتها طوعا إلى شاعر | ما وقفت قط له قافية |
وقد أورد صاحب اليتيمة قسما وافرا من شعره في نحو من 59 صفحة وقال في آخره: ملح ابن حجاج لا تنتهي حتى ينتهي عنها وفيها أوردته منها كفاية على أنها غيض من فيضها وقراضة من تبرها ولكن الكتاب لا يتسع لأكثر من ذلك ا هـ.
ديوان شعره
اشتهر ديوان شعره اشتهارا مفرطا ورغب الناس في اقتنائه قال الثعالبي:
بلغني أنه كثيرا ما بيع ديوان شعره بخمسين إلى سبعين دينارا.
وقال أيضا: وديوان شعره أسير في الآفاق من الأمثال وأسرى من الخيال.
وقال ابن الأثير ديوانه مشهور وقال ابن خلكان ديوانه كبير وأكثر ما يوجد في عشرة مجلدات والغالب عليه الهزل وله في الجد أيضا أشياء حسنة ا هـ وقد انتخب منه الشريف الرضي ما خلا عن السخف والمجون وسماه الحسن من شعر الحسين وانتخب البديع الاسطرلابي الشاعر هبة الله بن الحسن المتوفى سنة 534 مختارات من مجونة رتبها على 141 بابا وجعل كل باب في فن من فنون الشعر وقفاه وسماه درة التاج في شعر ابن الحجاج.
وانتخب من شعر ابن الحجاج أيضا جمال الدين محمد بن محمد بن نباتة المتوفى سنة 762 ما سماه تلطيف المزاج من شعر ابن الحجاج.
وقد ذكر ذلك صاحب كشف الظنون ومر في أخباره قول ابن سكرة لما سئل عن قيمة ديوان شعره: قيمته بربخ وإن هذا القول من ابن سكرة مع العداوة بينهما للطريقة والصنعة غير قادح في حسن شعره. ووجدت في مسودة الكتاب ولا أعلم الآن من أين نقلته ما صورته:
قيل لما بنى المستنصر بالله المستنصرية ببغداد أمر أن يخرج ديوان ابن الحجاج من خزانته لما فيه من كثرة السخف فاتفق أن النقيب الطاهر قطب الدين ابن الأقساسي مرض المرضة التي مات فيها وكان نديم المستنصر فجاءه الخليفة عائدا وسأله عن حاله فقال يا أمير المؤمنين قد تيقنت أنني لا أنجو من هذه المرضة فهل يمكن أن تشتريني من الموت بمهما أمكن فقال الخليفة لو أمكن ذلك ما ذخرنا عنك نفيسا فقال النقيب متمثلا بقول ابن الحجاج:
هو الموت لا يثنى الرش عنك عزمه | و لا تشتري ساعاته بالدراهم |
وهذا البيت من قصيدة يرثي بها أبا الفتح ابن العميد فاستحسنه المستنصر وأمر بإعادة شعره إلى خزانته والقصيدة طويلة يأتي منتخبها في الرثاء.
ونحن نذكر أكثر ما عثرنا عليه من شعره مفرقا في الكتب التي أجمعها له اليتيمة لكونه ديوانه مفقودا كما فقد كثير مثله من نفائس العربية والأدب.
ونقسمه على أغراضه متجنبين ما ينافي الحشمة والأدب منه والله الموفق.
وصفه شعره
قال:
فإن شعري ظريف | من بابه الظرفاء |
ألذ معنى وأشهى | من استماع الغناء |
وقال:
يا الله يا أحمد بن عمرو | تعرف للناس مثل شعري |
لو جد شعري رأيت فيه | كواكب الليل تسري |
وإنما هزله مجون | يمشي به في المعاش أمري |
وقال:
قرم إذا أنشدته | شعري البديع تهللا |
فحسبت أن أبا عبا | دة يمدح المتوكلا |
وشعري سخغه لابد منه | فقد طبنا وزال الاحتشام |
وهل دار تكون بلا كنيف | فيمكن عاقلا فيها المقام |
وقوله:
وهذي القصيدة مثل العروس | موشحة بالمعاني الملاح |
فلو أنها جعلت خطبة | لكانت تحل عقود النكاح |
ولابد للشعر من سخفه | ولابد للدار من مستراح |
وقال:
يا سيدي هذي القوافي التي | وجوهها مثل الدنانير |
خفيفة من نضجها هشة | كأنها خبز الأبازير |
وقال:
ويد تخرج العرايس في مد | حك بين الأقلام والأدراج |
فأستمعها مني ألذ وأشهى | من سماع الأرمال والأهزاج |
حلقت في الطوال ذقن جرير | و الأراجيز لحية العجاج |
وقال:
تراني ساكنا حانوت عطر | فإن أنشدت ثار لك الكنيف |
وفي اليتيمة كتب إليه بعض الرؤساء:
يا أبا عبد الإله | بك أصبحت أباهي |
غير أن السخف في شعـ | ـرك قد جاز التناهي |
ولقد أعطيت من ذا | ك ملاحات الملاهي |
أقدم الآن على الـ | ـفور ولا تصغ لناهي |
فأجابه:
سيدي شكرك عندي | مثل شكري لإلهي |
سيدي سخفي الذي قد | صار يأتي بالدواهي |
أنت تدري أنه يد | فع عن مالي وجاهي |
وصفه نفسه
قال يصف نفسه كما في اليتيمة من أبيات:
حدث السن لم يزل يتلهى | علمه بالمشايخ الكبراء |
خاطر يصفع الفرزدق في الشـ | ـر ونحو... أم الكسائي |
غير أني أصبحت أضيع في القو | م من البدر في ليالي الشتاء |
رجل يدعي النبوة في السخـ | ـف ومن ذا يشك في الأنبياء |
جاء بالمعجزات يدعو إليها | فأجيبوا يا معشر السخفاء |
وقال من قصيدة:
إني فتى ذو لسان صارم ذكر | يأوي إلى طنبيه مجمع الكلم |
كالهنداوني إلا أن صيقله | فكري وحامله يوم اللقاء فمي |
الغزل
وله وقد عاده من يحبه:
لقد برك التشكي أمس مني | على جسد وأعضاء ضعاف |
فلما عدتني قال التشكي | وقد ولى أتأذن في انصرافي |
وكان الحبيب له طبيبا | كسته ثوب صحتها العوافي |
وله:
هجرتك لا أن البعاد أفادني | سلوا ولا أني بعهدك غادر |
ولكن هو الدهر الذي كل كائن | لمدته فيه وإن طال آخر |
وقال كما في أنوار الربيع:
قالت لقد اشمت بي حسدي | إذ بحت بالسر لهم معلنا |
قلت أنا قالت نعم أنت هو | قلت أنا قالت وإلا أنا |
قلت نعم أنت التي صيرت | أجفانها قلبي حليف الضنا |
قالت فلم طرفك فهو الذي | جنى على قلبك ما قد جنى |
قلت فقد كان الذي كان من | طرفي فكوني مثل من أحسنا |
قالت فما الإحسان قلت اللقى | قالت لقانا غير ما أمكنا |
قلت فمنيني بتقبيلة | قالت أمنيك بطول العنا |
قلت فما بحت بسر الهوى | قالت ولو بحت فما ضرنا |
قلت فإني ميت هالك | قالت فمت فهو لقلبي منى |
قلت حرام قتل نفس بلا | ذنب فقالت ذاك حل لنا |
من يعشق العينين مكولة | بالسر لا يأمن أن يفتنا |
وقال:
طاقة آس جنيت منها | بلحظتي نرجسا ووردا |
أرضاه مولى وليس برضى | مولاي بي في هواه عبدا |
وقال:
لا در در الرجال ماذا | يرون من خلة النساء |
وإنما هم أسود غاب | تصرعهم أعين الظباء |
وقال:
فديت إنسانا على هجره | ووصله تحسدني الناس |
لما احتوى الورد على خده | ودب في عارضه الآس |
مزجت كأسي من جنى ريقه | بمثل ما دارت به الكاس |
وقال:
يا حبيب الفؤاد كن لي مجيرا | من عذاب الهوى وشدة كربي |
إن لم تكن عالما بما فيك ألقا | ه من الضر والسقام فحسبي |
ليت جسم الذي يريد لك السو | ء كجسمي وقلبه مثل قلبي |
وقال في رمد:
أنا الفداء لعين بعض أسهمها | مشكوكة بين أحشائي وفي كبدي |
فيها سقام فتور لا خفاء به | تجدد السقم في قلبي وفي جسدي |
كانت تعل فؤادي وهي سالمة | فكيف بي وهو يشكو علة الرمد |
وقال:
فديت من مر في الرصافة بي | فقلت يا سيدي فلم يجب |
واصفر غيظا علي وامتزجت | صفرة ذاك اللجين بالذهب |
وقال:
فاقسم لا بياسين وطاها | ولا بالذاريات ولا الحديد |
ولكن بالوجوه البيض مثل الـ | ـأهلة تحت أغصان القدود |
وشرب الري من خمر الثنايا | وشم المسك من ورد الخدود |
وتطفيتي مرار الوجد يوم الـ | ـفراق بمص رمان النهود |
وبالخمر التي كانت لعاد | ولكن بعد محنتهم بهود |
مدام في قديم الدهر | تعد لكل جبار عنيد |
مدام ليس لي فيها إمام | أصلي خلفه غير الوليد |
وفي تاريخ بغداد عن هلال بن الحسن التنوخي أنشدنا
أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن الحجاج الكاتب لنفسه:
نمت بسري في الهوى أدمعي | ودلت الواشي على موضعي |
يا معشر العشاق إن كنتم | مثلي وفي حالي فموتوا معي |
وفيه عنه أنشدنا أبو عبد الله بن الحجاج لنفسه:
يا من إليها من ظلمها المهرب | ردي فؤادي أقل ما يجب |
ردي حياتي إن كنت منصفة | ثم إليك الرضاء والغضب |
ملكت قلبي فلم فتكت به | سبحان من لا يفوته طلب |
وقال أورده صاحب معجم البلدان:
قالوا غدا العيد فاستبشر به فرحا | فقلت مالي وما للعيد والفرح |
قد كان ذا والنوى لم تمس نازلة | بعقوتي وغراب البين لم يصح |
أيام لم يخترم قربي البعاد ولم | يغد الشتات على شملي ولم يرح |
فاليوم بعدك قلبي غير متسع | لما يسر وصدري غير منشرح |
وطائر ناح في خضراء مونقة | على شفا جدول بالعشب متشح |
بكى وناح ولولا أنه سبب | لكان قلبي لمعنى فيه لم ينح |
في العمر من واسط والليل ما هبطت | فيه النجوم وضوء الصبح لم يلح |
بيني وبينك ود لا يغيره | بعد المزار وعهد غير مطرح |
فما ذكرتك والأقداح دائرة | إلا مزجت بدمعي باكيا قدحي |
ولا استمعت لصوت فيه ذكر نوى | إلا عصبت عليه كل مقترح |
الخمريات
مما يؤسف له أنه شاع بين المسلمين في دولتي بني أمية وبني العباس استعمال الشراب ونظم الأشعار فيه، ومن أعظم الأسباب في ذلك تجاهر من تسموا باسم الخلافة بشربه والناس على دين ملوكهم وإنكار ابن خلدون ذلك كإنكار وجود مكة. وقد نظم في وصف الخمر من يشربها ومن لا يشربها لأن النظم في وصفها قد صار من متممات الشاعرية كما أن النظم في الغزل بما يعلم أن الشاعر بعيد عنه قد صار من متمماتها، لذلك لا نستطيع الجزم بشربها من كل من نظم فيوصفها فقد يكون من الشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون كما أشار إليه شاعر العصر السيد محمد سعيد الحبوبي بقوله:
إنما حاولت نهج الظرفا | عفة النفس وفسق الألسن |
ولسنا نعلم أن ابن الحجاج من أي القسمين ونرجو أن لا يكون قد شاب ولاءه لأهل البيت عليهم السلام بالموبقات ونحن ننقل من أشعاره في الخمريات مالا يحتشم من ذكره ونترك ما عداه.
قال يخاطب بعض الوزراء من قصيدة:
فديت بي يا سيدي وحدي | وعشت ألفي سنة بعدي |
قد رحل النرجس فاشرب على | محاسن المنثور والورد |
من لي بها عندك مشمولة | قد أصبحت معدومة عندي |
يمزجها لي رشأ أغيد | بريقة أحلى من الشهد |
جنى من البستان لي وردة | أحسن من إنجازة وعدي |
فقال والوردة في كفه | مع قدح أذكى من الند |
اشرب هنيئا لك يا عاشقي | ريقي من كفي على خدي |
وقال يناقض ابن المعتز في قوله:
لا تدعني لصبوح | أن الغبوق حبيبي |
الليل لون شبابي | والصبح لون مشيبي |
فقال:
الصبح مثل البصير نورا | والليل في صورة الضرير |
فليت شعري بأي رأي | يختار أعمى على بصير |
وقال:
يا خليلي صرفا لي شرابي | بين درتا والدير دير القباب |
أسفر الصبح فأسقياني وقد كا | ن من الليل وجهه في نقاب |
وانظر اليوم كيف قد ضحك الزهـ | ـر إلى الروض من بكاء السحاب |
إن صحوي وماء دجلة يجري | تحت غيم يصوب غير صواب |
اتركاني ممن يعير بالشيـ | ـب وينعي إلي عهد الشباب |
فبياض البازي أحسن لونا | إن تأملت من سواد الغراب |
ولعمر الشباب ما كان عني | أول الراحلين من أحبابي |
وقال:
يا صاحبي استيقظا من رقدة | تزري على عقل اللبيب الأكيس |
هذي المجرة والنجوم كأنها | نهر تدفق في حديقة نرجس |
وأرى الصبا قد غسلت بنسيمها | فعلام شرب الراح غير مغلس |
قوما اسقياني قهوة رومية | من عهد قيصر دنها لم يمس |
صرفا تضيف إذا تسلط حكمها | موت العقول إلى حياة الأنفس |
الشيب والشباب
قال:
اعصر شبيبتي قف لي قليلا | أناشدك المودة أن تحولا |
فديتك يا شبابي أنت مالي | أراك مكلكلا نصفا عليلا |
تولى حسنك المفقود عني | وحول رحله إلا قليلا |
وقالوا الشيب يكسبه جلالا | معاذ الله بل خطبا جليلا |
وقال:
بياض الشيب تكرهه الغواني | ويعجبها سواد في الشباب |
المديح
شعره في أهل البيت
منه القصيدة المشار إليها سابقا في أخبار في مدح أمير المؤمنين عليه السلام وهي قوله بعد اختصار شيء منها:
يا صاحب القبة البيضا على النجف | من زار قبرك واستشفى لديك شفي |
زوروا أبا الحسن الهادي لعلكم | تحظون بالأجر والإقبال والزلف |
زوروا الذي تسمع النجوى لديه فمن | يزره بالقبر ملهوفا لديه كفي |
إذا وصلت إلى أبواب قبته | تأمل الباب تلقا وجهه وقف |
وقل سلام من الله السلام على | أهل السلام وأهل العلم والشرف |
إني أتيتك يا مولاي من بلدي | مستمسكا من حبال الحق بالطرف |
لأنك العروة الوثقى فمن علقت | بها يداه فلن يشقى ولم يخف |
وإن شأنك شأن غير منتقص | وأن نورك غير منكسف |
وإنك الآية الكبرى التي ظهرت | للعارفين بأنواع من الطرف |
كان النبي إذا استكفاك معضلة | من الأمور وقد أعيت لديه كفي |
وقصة الطائر المشوي عن أنس | جاءت بما نصه المختار من شرف |
والخيل راكعة في النقع ساجدة | و المشرفيات قد ضجت على الحجف |
بعثت أغصان بان في جموعهم | فأصبحوا كرماد غير منتسف |
والموت طوعك والأرواح تملكها | وقد حكمت فلم تظلم ولم تخف |
وبايعوك بخم ثم أكدها | محمد بمقال منه غير خفي |
عافوك واطرحوا قول النبي ولم | يمنعهم قوله هذا أخي خلفي |
هذا وليكم بعدي فمن علقت | به يداه فلن يخشى ولم يخف |
لا خير في آل حرب إن فعلهم | أمست به ملة الإسلام في تلف |
وذاك يأتي بما لم يأت ذاك وذا | مخالف للذي قد جاء في الصحف |
فالبعض منهم يرى الشطرنج من أدب | فالبعض قد كان منه القول غير خفي |
يقول إن إله العرش ينزل في | زي الأنام بقد اللين والهيف |
في زي أمرد نضو الخصر منهضم الـ | ـحشا طليق المحيا وافر الردف |
على حمار يصلي في المساجد قد | أرخى ذؤائبه منه على الكتف |
يمشي بنعلين من تبر شراكهما | در ويخطر في ثوب من الصلف |
والبعض لا يبتدي عند الصلاة ببسـ | ـم الله وهي أتت في مبدأ الصحف |
وبعضهم قال في شرب المدام بأن | لا حد فيه ولا إثم لمقترف |
وعنده القول في أخذ الحريرة أو | وطئ الأجيرة رأي غير مختلف |
أهكذا كان في عهد النبي جرى | فأنبنا عنه أما كنت ذا نصف |
و البعض حلل لحم الكلب مرتئيا | مخالفا للذي يروى عن السلف |
قل لابن سكرة ذي البخل والخرف | عن ابن حجاج قولا غير منحرف |
يا من هجا بضعة الهادي لئن نشبت | كفاي منك على تمكين منتصف |
ثم ذكر ما لا يليق بنا ذكره من الهجاء المقذع لابن سكرة ثم قال:
سقى البقيع وطوسا والطفوف وسا | مراء وبغداد والمدفون في النجف |
من مهرق مغدق صب غدا سجما | مغدودق هاطل مستهطف وكف |
خذها إليك أمير المؤمنين بلا | عيب يشين قوافيها ولا سخف |
من القوافي التي لو رامها خلف | صفعت بالمائع الجاري قفا خلف |
فاستجلها من فتى الحجاج بنت ثنا | تشق كل فؤاد كافر دنف |
بحب حيدرة الكرار مفتخري | به شرفت وهذا منتهى شرفي |
وله أورده ابن شهراشوب في المناقب:
أنا مولى محمد وعلي | والإمامين شبر وشبير |
أنا مولى وزير أحمد يا من | قد حبا ملكه بخير وزير |
أنا مولى الكرار يوم حنين | و الظبا قد تحكمت في النحور |
أنا مولى لمن به افتتح الإسـ | ـلام حصيني قريظة والنضير |
والذي علم الأرامل في بد | ر على المشركين جز الشعور |
من مضت ليلة الهرير وقتلا | ه جزافا يحصون بالتكبير |
وله مقطعات تحتوي على البيت والبيتين والثلاثة في مدح أمير المؤمنين عليه السلام أوردها ابن شهراشوب في المناقب كقوله:
نفسي فداء علي من إمام هدى | مجاهد في سبيل الله كرار |
وقوله:
بالمصطفى وبصهره | ووصيه يوم الغدير |
وقوله:
أفدي الذي رجعت له | شمس النهار كما أمر |
ودعا فطار به البسا | ط كما روينا في الخبر |
وقوله:
أنا مولاي علي ذو العلى | ليس مولاي فلانا ودلاما |
أتوالى خاصف النعل الذي | لم يكن يأكل أموال اليتامى |
وقوله:
وبالنبي المصطفى أقتدي | والعترة الطيبة الطاهرة |
بالأنجم الزهر نجوم الهدى | وبالبحور الجمة الزاخرة |
وقوله:
أبعد سبعين ما سوغتني أبدا | إلا غرورا بتعليل المنى أملي |
هيهات قد أبصرت عيني محجتها | في قصد أخراي فيما هو علي ولي |
فمذهبي أن خير الناس كلهم | بعد النبي أمير المؤمنين علي |
وقال كما في المناقب مشيرا إلى قول أمير المؤمنين عليه السلام ما معناه ما زالت مظلوما من صغري كان عقيل إذا رمد يقول لا تذروني حتى تذروا عليا فاذر وليس بي رمد:
وقديما كان البريء يداوى | وسوى ذلك البريء عليل |
حين كانت تذر عين علي | كلما التاث أو تشكى عقيل |
وقال في أمير المؤمنين عليه السلام أورده في المناقب:
فديت فتى دعاه جبرئيل | وهم بين الخناق في انحصار |
وعمرو قد سقاه صرفا | ذباب السيف مشحوذ الغرار |
دعا أن لا فتى إلا علي | وأن لا سيف إلا ذو الفقار |
وله في الزهراء عليها وعلى أبيها أفضل الصلاة والسلام أبيات يرد بها على مروان بن أبي حفصة أوردها ابن شهراشوب في المناقب:
أكان قولك في الزهراء فاطمة | قول امرئ لهج بالنصب مفتون |
عيرتها بالرحى والحب تطحنه | لا زال زادك حبا غير مطحون |
وقلت إن رسول الله زوجها | مسكينة بنت مسكين لمسكين |
ست النساء غدا في الحشر يخدمها | أهل الجنان بحور الخرد العين |
وأورد له ابن شهراشوب في المناقب مقطعات عند ذكر سير الأئمة عليهم السلام في جماعة من العلويين لم يسمهم منها وله أورده في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام فيمكن كونه في مدحه عليه السلام أو مدح علوي:
فأنت إمامنا المهدي فينا | وليس لمن يخالفنا إمام |
و أنت العروة الوثقى أمرت | فليس لها من الله انفصام |
وقوله أورده في سيرة زين العابدين عليه السلام والظاهر أنها في غيره:
أنت الإمام الذي لولا ولايته | ما صح في العدل والتوحيد معتقدي |
وأنت أنت مكان النور من بصري | يا سيدي ومحل الروح من جسدي |
أعيذ قلبك من واش يغلظه | بقل هو الله لم يولد ولم يلد |
وقوله في أحد العلويين:
فأنتم أهل بيت كان فيه | بأمر الله يخدم جبرئيل |
وليس على فخار كم مزيد | وليس إلى مرامكم سبيل |
أبوك أبو أئمتنا علي | وأمك أم سادتنا البتول |
فمن يرجو مداك وأنت ممن | إليهم كل مكرمة تؤول |
فكيف وليس يلقى مثل بيت | أبو السبطين فيه والرسول |
وقوله في بعض العلويين أيضا:
إذا غاب بدر الدجى فانظر | إلى ابن النبي أبي جعفر |
ترى خلقا منه يزري به | وبالفرقدين وبالمشتري |
إمام ولكن بلا شيعة | ولا بمصلي ولا منبر |
وقوله في بعض الأشراف:
وأنت ابن الذي حملته يوم الـ | ـبساط بأمره الريح العقيم |
ومن ردت عليه الشمس فيهم | وقد أخذت مطالعها النجوم |
بطاعتكم فروض الله تقضي | وحبكم الصراط المستقيم |
وقوله فيمن ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم:
يا باني الشرف الذي | أوفى وعم وطبقا |
سببا بأسباب النبي | وجبرئيل معلقا |
وقوله فيمن هو سمي الرضا عليه السلام:
يا ابن من تؤثر المكارم عنه | ومعاني الآداب تمتاز منه |
من سمي الرضا علي بن موسى | رضي الله عن أبيه وعنه |
وقوله في مثل ذلك:
وسمي الرضا علي بن موسى | لك فعل يرضي صديقك عنكا |
وقوله في أحد الأشراف:
أهلا وسهلا بالأغر | من الميامين الغرر |
أهلا وسهلا بابن زمـ | ـزم والمشاعر والحجر |
يا ابن الذي لولاه ما اقـ | ـتربت ولا انشق القمر |
يا ابن الذي نزلت عليـ | ـه المحكمات من السور |
وابن الذي هو والنبي | محمد خير البشر |
ومن استخار خلاف ذا | لك أو رآه فقد كفر |
يا سيدا أروي أحاديثه | رواية المستبصر الحاذق |
كأنني أروي حديث النبي | محمد عن جعفر الصادق |
وقوله: أورده صاحب المناقب في سيره زين العابدين عليه السلام والظاهر أنه في أحد الأشراف:
ابن من ينتهي إذا افتخر النا | س إليه افتخار عبد مناف |
ابن طاها وهل أتى والحواميـ | ـم ونون وسورة الأعراف |
وقال في يوم مهرجان من قصيدة جمعت وصف الخمرة والتوسل بأهل البيت ومدح الوزير أبي طاهر:
من شروط الصبوح في المهرجان | خفة الشغل مع خلو المكان |
و العروس التي تزف إلى الأر | طال في ثوب صبغها الأرجواني |
رسموا طين دنها وهو رطب | باسم كسرى كسرى أنوشروان |
وترى سوسن الكؤوس عليها | كسوة من شقائق النعمان |
والسماع الذي يملي على الأسما | ع ما تشتهي بلا ترجمان |
كل صوت من اقتراحات إسحا | ق التي زينت كتاب الأغاني |
و التي ليس للتأول فيها | مذهب غير طاعة الشيطان |
واعدلا بي عن التي هدت النا | ر قواها وخنقت بالدخان |
إنني خشية من النار أخشى | كل شيء يمس بالنيران |
لا تخافا على دقة كشحي | لا تكال الرجال بالقفزان |
اسقياني فقد رأيت بعيني | في قرار الجحيم أين مكاني |
أنا حودابة وذهني صديد | تحت رجلي فرعون أو هامان |
كل شيء قدمته لي فيه | رأس مال يأوي إلى الخسران |
غير حبي أهل الحواميم والحشـ | ـر وطه وسورة الرحمن |
خمسة حبهم إذا اشتد خوفي | ثقتي عند خالقي وأماني |
قد تيقنت أنهم ينقلوني | من يدي مالك إلى رضوان |
بهم قد أمنت خوف معادي | وبهذا الوزير خوف زماني |
يا أبا طاهر ولولاك ما كا | ن لبدر السماء في الأرض ثاني |
لك يا سيدي دعا الفطر والأضـ | ـحى ويوم النيروز والمهرجان |
مدائحه في غير أهل البيت
قال في كاتب:
وكاتب بارع بلاغته | تجلو علينا كلام سحبان |
وخطه والكتاب في يده | ينثر دار إمام مرجان |
لو كان عند المأمون حوجره | أهداه أو بعضه لبوران |
وقال:
ياباني المجد لما أنهد معظمه | وراعي الجود لما أهمل الجود |
أن يحسدوك على فعل خصصت به | فكل منفرد بالجود محسود |
وقال:
أما ترى كيف حالي غير جارية | على المراد وأمري غير منتظم |
حتام أدعوك والأعداء قد لهجوا | بأكل لحمي ولجوا في ولوغ دمي |
وكم أنادي ولا تصغي إلي ولا | تلوي علي بآلاء ولا نعم |
يا راعي السرب يحميه ويمنعه | إن الذئاب قد استولت على الغنم |
وقد علمت وخير العلم ما بعدت | عنه الشكوك ولم يحمل على التهم |
إني فتى ذو لسان صارم ذكر | يأوي إلى طنبيه مجمع الكلم |
كما الهندواني إلا أن صيقله | فكري وحامله يوم اللقاء فمي |
بلغت جهد زهير في المديح به | فأبلغ بمجدك في أمري مدى هرم |
نازعه في الجود حتى تستبد به | وأملك عليه رهان المجد والكرم |
وعافني بتلافي العتب من سقم | لم يبق مني سوى لحم على وضم |
حتى أقول لريب الدهر كيف ترى | تعصب السادة الأحرار للخدم |
وقال في عز الدولة بختيار البويهي:
فديت عز الدولة المرتجى | بمهجتي إن قبلت مهجتي |
من أنا في عيلة إحسانه | وفقر أهلي هو في عيلتي |
ثيابه في سفطي بيتها | وخزه مأواه في سلتي |
جراية أصبحت في رزقها | في كل يوم أجتبي غلتي |
وكان جوفي بالخوى مأتما | فاليوم بيت العرس في معدتي |
وقال:
سيدي والذي يقيك من السو | ء يمينا من أوكد الإيمان |
لا جحدت النعمى لا كفر إحسا | نك عندي يا دائم الإحسان |
أنا في نزهة من العيش في ظلك | طول الحياة كالبستان |
ذات زهر فيه البنفسج والنر | جس معه شقائق النعمان |
وقال في شارب دواء:
يامن به تتباهى | مجالس الخلفاء |
ومن تقصر عنه | مدائح الشعراء |
يا سيدي كيف أصبحـ | ـت بعد شرب الدواء |
خرجت منه تضاهي | في الحسن بدر السماء |
في ثوب صحة جسم | مطرز بالشفاء |
وقال في الصاحب بن عباد من أبيات:
يا أيها السيد الجليل الـ | ـمرجو للحادث الجليل |
كل مديح أجملت فيه | يقصر عن فعلك الجميل |
وقال في ابن بقية:
يا بدر يا بدر التمام | بك أشرقت خلع الإمام |
يا من له الأسماء العظا | م بحرمة الأسما العظام |
هب لي بقا ابن بقية | تجدد كل عام |
أنت الكريم فهب لنا | هذا الكريم من الكرام |
فلقد علمت بدعوتي | إني على خبزي أحامي |
وقال في أبي تغلب فضل الله بن ناصر الدولة بن حمدان وقد توجه من الموصل إلى بغداد وفيه حسن المخلص:
افضض الدن واسقني يا نديمي | اسقيني من رحيقه المختوم |
ثم قل للشمال من أين ياريـ | ـح تحملت روح هذا النسيم |
أترى الخضر مربي فيك أم جز | ت برضوان في جنان النعيم |
أم تقدمت والأمير أبو تغـ | ـلب قد جد عزمه في القدوم |
وقال في أبي الفضل الشيرازي لما تقلد الوزارة وعرض بأبي الفرج بن فسانجس:
سعدك للحاسدين نحس | وهم ظلام وأنت شمس |
أرفق عليهم فلن يعودوا | إليك حتى يعود أمس |
فأنت تحت الظلام تسعى | وذاك تحت اللحاف... |
وقال في أبي الحسين بن نصر من أبيات حذفنا ما فيها من سخف:
أبا الحسين بن نصر | أبشر بعز ونصر |
فأنت في الصدر أحلى | من المنى جوف صدري |
من أين مثلي حر | أو سفلة غير حر |
وجملة القول أني | إحدى عجائب دهري |
قد در ضرعي على ما | ترى فلله دري |
وقال في أبي الفضل الشيرازي:
الناس يفدونك اضطرارا | منهم وأفديك باختياري |
وبعضهم في جوار بعض | و أنت حتى الممات جاري |
فعش لخبزي وعش لمائي | وعش لداري وأهل داري |
يا من بإحسانه بلغت | السماء في العز واليسار |
فاليوم قارون في غناه | عندي وكسرى ركاب داري |
وقال في بختيار عز الدولة:
فديت وجه الأمير من قمر | يجلو القذى نوره عن البصر |
فديت من وجهه يشككني | في أنه من سلالة البشر |
إن زليخا لو أبصرتك لما | ملت إلى الحشر لذة النظر |
ثم أخذ فيما ليس لنا نقله وقال في بعض بني حمدان:
فتى يغير المدح في داره | على صناديق وأكياس |
ذقت ندى راحته مرة | فطعمه في جوف أضراسي |
وقال يهنئ بختيار بالأضحى من قصيدة:
قم هاتها أصفى إذا رقرقت | في الكأس من دمعة مهجور |
من يد عذراء لها وجنة | تحار فيها أعين الحور |
وعنبرت أنفاسها نكهة | تبسم عن نفحة كافور |
الليل والعشو يقولان لي | مذ أمس قولا غير مستور |
أمسلم قلت نعم ظاهري | وباطني في الراح نسطوري |
فأسعد بيوم العيد وأجلس له | في خلوة جلسة مسرور |
واشرب على ملك تمليته | موشح بالعز منصور |
في قدح أزرق أو ساذج | أبيض مثل الثلج بلوري |
واستجل مع ذاك وذا أوجها | صبيحة مثل الدنانير |
كأنما عينك ما بينهم | تدور في زهرة منثور |
وقال:
سيدي حشمتي عليك حرام=وبحكم الكريم تقضي الكرام
وأرى مذ ملكتني إن مثلي | أبدا لا تفيدك الأيام |
خادم ناصح وعبد محب | وصديق وصاحب وغلام |
خمسة قد جمعتهم لك وحدي | لمعاني اختصاصهم والسلام |
وقال من قصيدة في ابن العميد كل ما ورد منها في اليتيمة فحش إلا
ثلاثة أبيات:
سرى متعرضا طيف الخيال | فسوق لا محالة بالمحال |
ولكنني انتبهت فكان حزني | على ما فاتني أسوأ لحالي |
كما لابن العميد جميع شكري | ودنيا ابن العميد جميعها لي |
وقال من أبيات تركنا ما فيها من فحش:
عمرك الله يا ابن عمرو | عمر ثلاثين ألف نسر |
وجهك عند الصباح شمسي | و أنت عند المساء بدري |
مولاي ذا اليوم يوم سعد | أشرف عندي من ألف شهر |
وقال:
حلفت لقد بلغت مدى المعالي | وأنت على تجاوزه قدير |
فبحرك در لجته ثمين | وغيثك ماء مزنته طهور |
وقال لبعض الرؤساء في يوم كان المطر يجيء فيه ساعة
ثم ينجلي الغيم وتطلع الشمس ثم تعود:
يا سيدي تفديك مهجة خادم | لك يستقل لك الفداء بنفسه |
يفديك من جليت أول كربة | عنه ومن أدركت آخر حسه |
انظر إلى اليوم الذي أشبهته | لو كان جنسك ناشئا من جنسه |
يحكي نداك بغيثه فإذا انجلى | فكأن وجهك ما انجلى من شمسه |
وقال:
هو الشيخ لما صفا جوهر الـ | ـفضائل منه ولم يكدر |
أضاف الزمان إليه ابنه | كما اقترن البدر بالمشتري |
وقال لرئيس اختلف ابنه إلى الكتاب:
يا عارضا يروي الثرى غيثه | ومنهلا يشفي الصدا مورده |
أقعدت في الكتاب من لم يكن | يضره إنك لا تقعده |
أنت أبوه فهو ينمى إلى | كتابة يوجبها محتده |
إن شئت علمه وإن شئت لا | لابد أن تحكي أباه يده |
وقال:
لا زلت يا عمرو أبي عمرو | أبقى على الدهر من الدهر |
فتى إذا ما جاد لي بحره | أمرت من.. على البحر |
وإن بدا لي وجهه طالعا | صفعت بالشمس قفا البدر |
وقال في مدح صاعد:
ومهاة غريرة | عضة الحسن ناهد |
فتنتني بمعصم | وبكف وساعد |
وبثغر منضد | شنب الريق بارد |
ونسيم كأنه اشـ | ـتق من نشر صاعد |
فهوز طيبا كذكره | في الثنا والمحامد |
همة في العلى اقتدت | بالسهى والفراقد |
وندى بخلت فيـ | ـه كف يحيى بن خالد |
العتاب
قال: يعاتب أبا الفضل أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن على قبوله دعوى من ادعى عنده أنه هجاه وأبو الفضل يومئذ بشيراز وابن الحجاج ببغداد:
يا سامع الزور وبهتانه | ودافع الحق وبرهانه |
إنك إنسان له موقع | من ناظري في جوف إنسانه |
عجبت من رأيك في الذي | أنكرني من بعد عرفانه |
فكيف يخشى هجو من مدحه | فيك يرى أول ديوانه |
ومن له في شعره مذهب | ذكرك منه نور بستانه |
تمضي لياليه وأيامه | وسره فيك كإعلانه |
ولست بالساكن في منزل | ينبو ولو يوما بسكانه |
ولست ممن يخلط الكفر في | شكر أياديك بإحسانه |
ولا الذي يرهب في الحق من | سلطان ذي عز لسلطانه |
قل للذي جهر في السعي بي | تجارة عادت بخسرانه |
يا ذا الذي لا بد من صفعه | ألفا ومن تعريك أذانه |
لا تغترر إنك من فارس | في معدن الملك وأوطانه |
لو حدثت كسرى بذا نفسه | صفعته في وسط إيوانه |
وقال:
يا من يدي من خيره فارغه | مليت لبس النعمة السابغه |
قد هشمت رأسي بأحجارها | ألفاظك الهاشمة الدامغة |
فيا أبا قابوس في ملكه | رفقا أبيت اللعن بالنابغة |
الهجاء
ووردت عليه رقعة خصم له بما يسؤه فكتب على ظهرها أبياتا منها:
إني جعلت إجابتي في ظهرها | عمدا ليمكن فضها في المجلس |
كانت كنيفا فائضا فزرعت في | ظهر الكنيف حديقة من نرجس |
المنقول من اليتيمة
وقال في ثعلب النحوي صاحب كتاب الفصيح:
إن عاب ثعلب شعري | أو عاب خفة روحي |
... في باب أفعلت | من كتاب الفصيح |
وقال في مغن:
إذا تغنى سليم | عاق المسرة عني |
وقال في بواب أعور حجبه عن رئيس:
سمعت فيمن مات أو من بقي | بمقبل بوابه أعور |
و اللوزة المرة يا سيدي | يفسد في الطعم بها السكر |
وقال:
إني ابتليت بأقوام مواعدهم | تزيد فوق الذي ألقاه من محن |
ومن يذق لسعة الأفعى وإن سلمت | منها حشاشته يفزع من الرسن |
وقال:
وأبرص من بني الزواني | ملمع أبلق اليدين |
قلت وقد لج بي أذاه | وزاد بينه وبيني |
يا معشر الشيعة الحقوني | قد ظفر الشمر بالحسين |
وقال:
يا عبيد العصا أسأتم صنيعا | مذ ملكتم أعنة الأحرار |
يا قصار الأيدي ديون المواعيد | لديكم طويلة الأعمار |
يا صياما عن الندى ليت شعري | هل لكم موعد إلى الإفطار |
يا كبار الأحوال قد ألصقتكم | بالثرى رقة النفوس الصغار |
وقال يهجو كما في اليتيمة وأسقطنا ما اشتمل على الألفاظ القبيحة منها:
ولقد عهدتك تشتهي | قربي وتستدعي حضوري |
وأرى الجفا بعد الوفا | مثل.. بعد البخور |
يا بغض تدخين الجشا | في الصوم من تخم السحور |
يا ذلة المظلوم أصـ | ـبح وهو معدوم النصير |
يا سوء عاقبة التعقـ | ـد عند تمشية الأمور |
يا كل شيء متعب | متعقد صعب عسير |
يا حيرة الشيخ الأصم | وحسرة الحدث الضرير |
يا قعدة في دجلة | والريح تلعب بالجسور |
يا قرحة السل التي | هدت شراسيف الصدور |
يا أربعاء لاتدو | ر به محاقات الشهور |
يا هدة الحيطان تنـ | ـقض بالمعاول والمرور |
يا قرحة في ناظر | غلظوا عليها بالذرور |
فتسلخت فيما يليـ | ـها في الجفون من البثور |
يا خيبة الأمل الذي | أمسى يعلل بالغرور |
يا وحشة الموتى إذا | صاروا إلى ظلم القبور |
يا ضجرة المحموم بالـ | ـغدوات من ماء الشعير |
يا شؤم إقبال الشتا | ء أضر بالشيخ الفقير |
يا دولة الحزن التي | خسفت بأيام السرور |
يا ضجة الصخب المصدع | ذي التنازع والشرور |
يا عثرة القلم المرشش | بين أثناء السطور |
يا ليلة العريان غب | عشية الليل المطير |
يا نومة في شمس آ | ب على التراب بلا حصير |
يا فجأة المكروه في الـ | ـيوم العبوس القمطرير |
يا نهشة الكلب العقو | ر ونكهة الليث الهصور |
يا عيش عان موثق | في القيد مغلول أسير |
يا حدة الرمد الذي | لا يستفيق من القطور |
يا حيرة العطشان وقـ | ـت الظهر في وسط الهجير |
من كان لي بأن تلقاك خيـ | ـل بني كلاب بلا خفير |
وأرى بعيني لحمك الـ | ـمطبوخ في نار السعير |
في الأرض ما بين السبا | ع وفي السما بين النسور |
وقال في الوزير المهلبي:
قيل إن الوزير قد قال شعرا | يجمع الجهل شمله ويعمه |
ثم أخفاه فهو كالهر... | في زوايا البيوت ثم يطمه |
وقال:
قوم برئت منهم | لأنهم مني برا |
ما أن أرى مثلا لهم | ولا أرى أني أرى |
وقال:
دعوت نداك من ظمأي إليه | فعناني بقيعتك السراب |
سراب لاح يلمع في سباخ | فلا ماء لديه ولا شراب |
وليس الليث من جوع بغاد | على جيف تحيط بها الكلاب |
وقال:
عذرت الأسد إن صليت بناري | مخاطرة فما بال الكلاب |
وأزواج الحرائر لم يحابوا | لدي فكيف أزواج... |
وقال في رجل دعاه إلى عرس ثم بدا له:
يا وقح الوجه جيدا الحدقه | خست بوعدي وكنت غير ثقة |
أين نصبيبي من الطعام وما | طمعت في لعقة من المرقه |
أشفقت مني وكان يقنعني | عندك ما ليس يوجب الشفقه |
قطعة لحم في وزن خردلة | على رغيف كأنه ورقة |
وقال في خصم له أعمى:
سمعتم قط أعجب من ضرير | يقدر أن يجور على بصير |
ولو شاء الوزير ولم يزل لي | صلاحي في مشيئات الوزير |
لألزمه العصى يمشي عليها | وعلمه القران على القبور |
وله فيه:
إن كان هذا الضرير يعنتني | بحجة مثل عينه غلقه |
فوقع السوس في عصاه ولا | بورك في قسطه من الصدقه |
وقال:
لا يحسن الإشراف من مقعد | كأنه ذرقة فروج |
أقصر من يأجوج في قده | وقرنه أطول من عوج |
وقال:
أزجر العين إن ترى | أزرق العين أشقرا |
ما أرى البوم وجهه | قط ألا تطيرا |
وقال:
مروا إلى النهروان يعدون | مثل حمار بلا مكاري |
كانوا شراة فصبحتهم | كف علي بذي الفقار |
وقال في حسبته من قصيدة:
يا معشر الناس اسمعوا دعوة | دخالة بالنصح خراجه |
من منكم طار على حسبتي | قطعت بالدرة أوداجه |
وحجبه بواب لبعض الرؤساء مرات فقال:
قولا لمن إحسانه لم يزل | شفاء علاتي وأوصابي |
في علة تقطع أسبابها | من راحة الصحة أسبابي |
أخفيت ما بي اليوم منها فما | تطلع الناس علي ما بي |
وليس يشفيني سور نهشة | من قطعة من كبد بواب |
تبيت فيها وهي مشوية | بالنار أضراسي وأنيابي |
فامنن بأن تذبح لي واحدا | بالنعل في دوارة الباب |
فنقطة من دم أوداجه | أنفع لي من رطل جلاب |
وقال في إنسان طبري مات بالقولنج:
يا عضة الموت افغري | فاك لروح الطبري |
حتى تمجيها على | علاتها في سقر |
يا أيها الثاوي الذي | أفلح لو كان.. |
لمثل ذا اليوم يقا | ل من... فقد بري |
في اليتيمة حصل مع رجل يكنى أبا الحسين في دار رجل بخيل فالتمس أبو الحسين العشاء بعد الغداء فقال ابن الحجاج:
يا سيدي يا أبا الحسين | أنت رفيع بنقطتين |
يا كلب الضرس لن يداوى | ضرسك إلا بكلبتين |
ويلك قل لي جننت حتى | تلتمس الخبز مرتين |
في دار من خبزه عليه | ألف رقيب بألف عين |
وحضرة في دعوة رجل فأخر الطعام إلى المساء فقال:
يا صاحب البيت الذي | أضيافه ماتوا جميعا |
حصلتنا حتى نمو | ت بدائنا عطشا وجوعا |
ما لي أرى فلك الرغيـ | ـف لديك مشترفا رفيعا |
كالبدر لا نرجو إلى | وقت المساء له طلوعا |
ونظر إليه يذهب ويجيء في داره فقال:
يا ذاهبا في داره جائيا | بغير ما معنى ولا فائده |
قد جن أضيافك من جوعهم | فاقرأ عليهم سورة المائدة |
وكان قد سأل بعض الرؤساء أن يتكلم في أمر كان له فوعده ثم أمسك وسكت فقال:
يا صنما يعبده شعري | بلا ثواب وبلا أجر |
إن لم تكن دبا فخاطبهم | بلفظة تسمع في أمري |
انطق بنفس قبل أن يحسبوا | إنك من طين وآجر |
ملح من نوادره في ذكر الصفع أوردها صاحب اليتيمة قال:
يا سخن العين التي لم تزل | تعيش في الناس بلا عقل |
إن لم تزن نفسك مستأنفا | و الخوف بيت القول والفعل |
حل بيافوخك مني الذي | يحل يوم العيد بالطبل |
لا تجهل اليوم على من له | معرفة بالعقل والجهل |
فتى وإن زلت به نعله | أصفع خلق الله بالنعل |
وقال:
رب مستصفع بنعلي | بين أجفانه شروط القوافي |
كل نهب الطلى مباح حمى الرأ | س حريب الآذان والأكتاف |
فاتق الله في غضاريف أذنيـ | ـك وأعصاب أخدعيك الضعاف |
وقال:
وقد وقع المنع والحجاب معا | فكل من رام بابكم صفعا |
وافيته طامعا لأدخله | ولم أكن قط أحمد الطمعا |
فواثبوني جهلا بمرتبتي | في حيث أشكو الصداع والصلعا |
لا تطلبوا بعدها مواصلتي | فإن حبل الوصال قد قطعا |
شكوى الزمان
قال:
أقسمت بالشفع وبالوتر | و النجم والليل إذا يسري |
إني امرؤ قد ضقت ذرعا بما | أطوي من الهم على صدري |
وقال:
لي في الشكية خطب غير مؤتشب | وفي العتاب إذا استشرحته سير |
هل فيك إصغاء إنصاف فاشرحه | أم صد منحرف عني فاختصر |
وقال:
فقر وذل وخمول معا | أحسنت يا جامع سفيان |
جامع سفيان كأنه جامع=يجتمع فيه الفقراء وأهل العاهات.
وقال:
الحمد لله إن لي أملا | أنا إلى الخص منه استند |
وقال يخاطب ابن العميد:
فداؤك نفس عبد أنت مولى | له يرجو يا خير الموالي |
حدثني منذ عهدك بي طويل | فهل لك في الأحاديث الطوال |
وإني بين قوم ليس فيهم | فتى ينهي إلى الملك اختلالي |
فلحمي ليس تطبخه قدوري | وحوتي ليس تقليه المقالي |
وما لي قد خلت منه جيابي | وخبزي قد خلت منه سلالي |
وكيسي الفارغ المطروح خلفي | بعيد العهد بالقطع الحلال |
أفكر في مقامي وهو صعب | و أصعب منه عن وطني ارتحالي |
فبي مرضان مختلفان حالي الـ | ـعليلة منهما تمسي بحالي |
إذا عالجت هذا جف كبدي | و إن عالجت ذاك ربا طحالي |
وقال:
خليلي قد اتسعت محنتي | علي وضاقت بها حيلتي |
عذرت عذاري في شيبه | وما لمت إن شمطت لمتي |
إلى كم يخاسني دائما | زماني المقبح في عشرتي |
تحيفني ظالما غاشما | وكدر بعد الصفا عيشتي |
وكنت تماسكت فيما مضى | فقد خانني الدهر في مسكتي |
إلى منزل لا يواري إذ | تحصلت فيه سوى سوأتي |
مقيما أروح إلى منزل | كقبري وماح حضرت ميتتي |
إذا ما ألم صديقي به | على رغبة منه في زورتي |
فرشت له فيه بسط الحديـ | ـث من باب بيتي إلى صفتي |
ومعدته في خلال الكلا | م تشكو خواها إلى معدتي |
وقد فت في عضدي ما به | ولكن عليه علت علتي |
وأغدو غدوا مليا بأن | يزيد به الله في شقوتي |
فأية دار تيممتها | تيمم بوابها حجبتي |
وإن أنا زاحمت حتى أمو | ت دخلت وإن خرجت مهجتي |
فيرفعني الناس عند الوصو | ل إليهم وقد سقطت عمتي |
وإن نهضوا بعد للانصرا | ف أسرعت في إثرهم نهضتي |
وإن قدموا خيلهم للركو | ب خرجت فقدمت لي ركبتي |
وفي جمل الناس غلمانهم | وليس سوائي في جملتي |
ولا لي غلام فأدعو به | سوى من أبوه أخو عمتي |
وكنت مليحا أروق العيو | ن أيضا فقد قبحت خلقتي |
يعرق خدي جفاف الهزا | ل وحاف الشناج على وجنتي |
وقوسني الهم حتى انطويـ | ـت فصرت كأني أبو جدتي |
وكان المزين فيما مضى | تكسر أمشاطه طرتي |
ويا رب بيضاء رود الشبا | ب كانت تحن إلى وصلتي |
فصارت تصد إذا أبصرت | مشيبي وتغضب من صلعتي |
وقال:
ما حال من يأوي إلى منزل | أرفق منه المسجد الجامع |
لا يرتوي العطشان فيه ولا | يلحق ما يقتاته الجائع |
وسوقه كاسدة بينكم | لا مشتر فيها ولا بائع |
وقال:
أتعشى بغير خبز وهذا | خبزي منذ مدة في غدائي |
فأنا اليوم من ملائكة الدو | لة وحدي أحيا بغير غذاء |
آية لم تكن لموسى بن عمرا | ن ولا غيره من الأنبياء |
وقال:
هذا وأيام أكلي | عند الملوك الكبار |
ما كنت أفطر إلا | على كبود القماري |
مشوية وقلايا | فاليوم سنور داري |
إذا أرادت تعشى | تنغصت لي بفار |
وقال بواسط وقد باع ثيابه:
يا سادتي قول ميت | في مثل صورة حي |
لم يبق في الخرج شيء | أتأذنون بشي |
وقال:
ما لي أرى بيت مالي حله زحل | وحسبه من بعيد أن يرى زحلا |
فما نرى لا رأيت السوء في رجل | قد شب تحت خطوب الدهر واكتهلا |
(زحل) كوكب نحس. ورأى كلاب عز الدولة باختيار تطعم لحوم الجداء فقال:
رأيت كلاب مولانا وقوفا | ورابضة على ظهر الطريق |
فمن ورد له ذنب طويل | يعقفه ومهلوب خلوقي |
تغدى بالجدا فوددت أني | وحق الله خركوش سلوقي |
فيا مولاي رافقني بكلب | لآكل كل يوم مع رفيقي |
أرى القصاب قد أضحى عدوي | لشؤم البخت والملحي صديقي |
فلو أني افتصدت لما وجدتم | سوى الحلتيت داخل باسيلقي |
جفاني اللحم وهو شقيق روحي | فمن يعدي على ذاك الشقيق |
كأن اللحم في صوم النصارى | توهمني ابن عم الجاثليق |
وأحسن ما رآه الناس لحم | جرايته تضاف إلى الدقيق |
وقال في مثل ذلك:
يا سيد الناس عشت في نعم | تأوي إليها ممالك العجم |
بديهتي في الخصام حاضرها | أشهر في الفيلقين من علم |
و الخط خطي كما تراه ولا الزهـ | ـرة بين القرطاس والقلم |
هذا وخبزي حاف بلا مرق | فكيف لو ذقت ثردة الدسم |
ما لي وللحم إن شهوته | قد تركتني لحما على وضم |
وما لحلقي والخبز يجرحه | بالملح يشكو حزونه اللقم |
وقال في مثل ذلك:
يا من رأى البدر حسن صورته | فبان في البدر موضع الحسد |
نحن سنانير أهل دولتكم | فأنصفونا من صاحب الغدد |
والله لولاك لم يبت مرق | اللحم تروي شحومه ثردي |
ولم يحور لي الدقيق ولا | كانت تحوز المسلقات يدي |
وقال من قصيدة:
سيدي ما أظنه | بعد يدري بما جرى |
ما درى أن عبده | فلسه قد تقشرا |
عند قوم معروفهم | في قد صار منكرا |
كنت كالمسك مرة | بالدنانير اشترى |
فأنا اليوم بعدها | صرت شيخا كما ترى |
وقال:
عجبت من الزمان وأي شيء | عجيب لا أراه من الزمان |
أتأخذ قوت جرذان عجاف | فتجعله لأوعال سمان |
وفي اليتيمة أنه كان يكتب في حداثته لرئيس فتأخر عنه فكتب يسأله عن حاله في تأخره فكتب إليه:
سألت يا مولاي عن قصتي | وما اقتضى بالرسم إخلالي |
ليست بجسمي علة تشتكي | وإنما العلة في حالي |
وذاك داء لم تزل ضامنا | من سقمه برئي وإبلالي |
الاستجداء والطلب
كتب إلى بعض الوزراء وقد أراد عمارة مسناة داره:
خفي فما أنت بمعذورة | ولا على نصحك مشكوره |
إذاك كم يصدع قلبي به | و إنما قلبي قاروره |
في كل شيء أنت يا هذه | مغموسة في غير مسروره |
حتى مسناتي التي أصبحت | وهي خراب غير معموره |
أيتها المرأة لا تقلقي | من قبل أن تستعملي الصوره |
لي سيد أضحت عناياته | على مسناتي موفوره |
ناهدته فيها على أنها | تجعل بالصاروخ كافوره |
مني أنا لاشي ومن سيدي الـ | ـآجر والصناع والنوره |
وكتب إلى بعض الرؤساء يتلمس منه عمامة:
يا من له معجزات جود | توجب عندي له الإمامه |
ودميت في القفا عيون | بالطول في موضع الحجامه |
أظن هذا من أجل أني | في البرد أمشي بلا عمامه |
وقال لبختيار حين عاود الحضرة بعد هزيمة الأتراك وابن الحجاج معه:
الحمد لله جاءت النعم | وانصرفت مع مجيئها النقم |
واطلع البدر بعد غيبته | فانكشفت عن وجوهنا الظلم |
فأي شيء تريد تعمل بي | فإنني منك لست أحتشم |
أريد مما افتتحته عملا | يثرد في دعناجه اللقم |
وقال لسهل بن بشر يعرض بطلب مركوب:
يا ابن بشر يا سيدي يا ابن بشر | يا معيني على ملمات دهري |
أي شيء تريد تعمل بي اليو | م فهذا أنا وأنت وشعري |
أنا في واسط أروح وأغدو | بين مد من الظنون وجزر |
تارة يسنح الغنى لي فأرجو | ه وطورا أرى دلائل فقري |
وكعابي التي يرضضها المشـ | ـي على من أحيلها ليت شعري |
أنت تدري وحسب عبدك فيما | يرتجي منك قوله أنت تدري |
وكتب إلى ابن قرة يقتضي مركوبا وعد به وهو على جناح السفر:
يا سيدي دعوة ذي رحلة | مقصر في الجري مسبوق |
القوم قد صح بهم عزمهم | وضربوا بالطبل والبوق |
وضمروا للسير أفراسهم | وفرسي الأشهب في زيقي |
بل لي كميت مارئي مثله | يا سيدي قط لمخلوقي |
كأنني في متنه راكبا | دالية في رأس زرنوق |
ما في فضل لا ولا فيه لي | لأنني وهو على الريق |
وقال يتنجز شعيرا لدابته من ابن المعدل:
كميتي أصهل دوما فقال نعم | بالسمع يا سيدي وبالطاعة |
نعم ولكن أين الشعير ترى | فقلت هو ذا يجيئك الساعة |
قال فممن فقلت من رجل | قد صار في الجود حاتم الباعة |
وقال وقد بعث إليه بالشعير:
كال لي ابن المعدل | بالقفيز المعول |
من شعير بلا تراب | نقي مغربل |
ما رأى مثله فلا | ن قضيما لدلدل |
وقال يطلب خيشا:
حتى متى تتركني في لظى | حر حزيران بلا خيش |
وقال يستعين بأبي قرة على تطهير ابنه:
يا سيدي دعوة من لم تزل | تعديه بالجود على دهره |
إن لي ابنا أمس خلفته | في منزلي كالفرخ في وكره |
يبكي إذا ما عن ذكري له | وفي فؤادي النار من ذكره |
والعزم بي قد جد يا سيدي | في شهرنا الأدنى على طهره |
فقوني إني ضعيف | على الذي أنويه في أمره |
فأنت ستر الله في وجه من | أصبح ذاك الطفل في ستره |
وقال يستميح شرابا وأقبح بذلك:
أبا الحسين الزمان ذو دول | أسبابها عند علة العلل |
و العيش كالصاب في مرارته | طورا وطورا أحلى من العسل |
ودار هذي الحياة مذ بنيت | لم تخل من ساكن ومنتقل |
والناس في طيبهم ونتنهم | ضدان مثل التفاح والبصل |
وهم مليح وآخر وحش | ما بين رامشة إلى جعل |
فوجه هذا للسيف وحشته | ووجه ذاك المليح للقبل |
وليس هذا وقت الخطاب على | جراية تقتضي ولا عمل |
فابعث بقفصية تحدثنا | عن حرب صفين أو عن الجمل |
ولا تجادل أخاك معتذرا | فلست ممن يقول بالجدل |
وقال في مثله:
ألا يا إخوتي وذوي ودادي | دعاء فتى أجابته مناه |
زيادة دجلة والورد غض | قد استولى على قلبي هواه |
فهذي ليس يفتنني سواها | وهذا ليس يفتنني سواه |
وقل يتنجز رداء:
ويحك اسكت فضحتني يا راسي | أنت بالضد من رؤوس الناس |
أنت والله فارغ القحف إلا | من كنوز الخباط والإفلاس |
بك أقطع ففي ضماني رداء الشر | ب الأميري عن أبي العباس |
أبيض الغزل فيه خط سواد | مثل خط الرئيس في القرطاس |
وقال ينتجز دراهم:
يا قمرا في تمامه طلعا | هذا رسولي إليك قد رجعا |
في غاية الحسن والدماثة والنعـ | ـمة والظرف والجميل معا |
وهو يحب الصرار يفتقها | ويشتهي أن يجمش القطعا |
فاحسم بختم القرطاس مطمعه | وامنع يديه عليه أن تقعا |
واردده من همة بختمكه | كأنه بالفلوس قد صفعا |
الرثاء
فتى كان من فرط الحياء كأنه | من البيض ربات الخدود النواعم |
وتلقاه يوم الروع قد شد درعه | على باسل شثن اليدين ضبارم |
قريب مدى العمر القصير كأنما | أرته نعيم العيش: أضغاث حالم |
وتحت التراب يبكون في الثرى | و إلا فأين الناس من عهد آدم |
لمثلك فلتبك العيون بأربع=دما فائضا بعد الدموع السواجم
وأقسم لولا حشمتي وتنكبي | طريقة مرتد عن الحق آثم |
لكنت بشعري فيك حيا وميتا | أنوح وأبكي مع نساء المآتم |
ومما يسلي الحزن إنك وارد | على فرح في جنة الخلد دائم |
تجيء إذا صحف المظالم نشرت | ببيضاء غفل من سمات المظالم |
وكنت إذا الفحشاء نادتك معرضا | أصم غضيض الطرف دون المحارم |
بني هذه الدنيا ارتعوا في نعيمها | كما ترتعي في العشب غفل البهائم |
فأنا المنايا تقتضيكم نفوسكم | تقاضي إلحاح الغريم الملازم |
أيا شامتا لما رأى البدر هاويا | وطرق المعالي دارسات المعالم |
أتغتر بالموت الذي أنت نائم | وليل سراه عنك ليس بنائم |
وتشمت إن أخرت عن شرب كأسها | وأنت غدا عن شربها غير سالم |
هو الموت لا يثني الرشا عنك عزمه | ولا تشتري ساعاته بالدراهم |
ولو كان هذا الموت تثنى تكرما | نوائبه دون الملوك الأكارم |
لما نقلت أحداثه وخطوبه | إلى عرب البطحاء ملك الأعاجم |
ولا سلمت هذا السرير وأفرجت | أمية عن دار السلام لهاشم |
أبا الفتح تأبى سلوتي عنك إنني | جعلت عليك الحزن ضربة لازم |
فما قصرت بي عن حقوقك جفوة | ولا أخذتني فيك لومة لائم |
الآداب والحكم
قال وهي من الأمثال:
حذار من الخطب اليسير إذا بدا | فإنك إن أغفلته أشر الخطب |
وما النار إلا نشأة من شرارة | ورب كلام يستثار به الحرب |
وقال:
إن كنت تحتقر العتاب تكبرا | فالفيل يعمل فيه قرص البرغش |
وقال:
وما الشيء للمرء يحتاله | ولكنه للفتى يرزقه |
وليس الليث من جوع بغاد | على جيف تحيط بها كلاب |
وقال:
وقد غمزوا مع العيدان عودي | ليختبروا الصحيح من المريب |
فلان الخروع الخوار منا | وبان تكرم النبع الصليب |
الأمثال في بيت
أتأخذ قوت جرذان عجاف | فتجعله لأوعال سمان |
فلان الخروع الخوار منا | وبان تكرم النبع الصليب |
واللوزة المرة يا سيدي | يفسد في الطعم بها السكر |
وكل شاة في غد | برجلها معلقة |
ومن يذق لسعة الأفعى وإن سلمت | منها حشاشته يفزع من الرسن |
واربح الناس عندي في تجارته | محصل يشتري بالفضة الذهبا |
الملح والنوادر
قال:
قد وقع الصلح على غلتي | فاقتسموها كارة كاره |
لا يدبر البقال إلا إذا | تصالح السنور والفاره |
وهذا مثل العوام يقولون في مصالحة السنور والفار خراب بيت العطار.
وقال من قصيدة في قائد من الأتراك أراد أخذ داره:
إن أطفالي الذين تراهم | حول ناري في الليل مثل الفراش |
لا ترمهم وأقبل نصيحة رأيي | لك واحذر مغبة الغشاش |
وقال: وفيه مجون باحتشام وحذفنا ما فيه أقذاع:
جميع ما لي صدقه | لأكسرن فستقه |
فبس كم تهذين يا | سنديه مطلقه |
أحب أن لا تشفقي | عدمت هذي الشفقه |
وكل شاة في غد | برجلها معلقه |
لابد من أن يفتح الز | رفين جوف الحلقه |
وقال:
أخشى على حسبتي وفي النا | س لمثلث أصادق وعدى |
هر يراني وفي فمي غدد | و الهر بالطبع يألف الغددا |
و إن تغافلت عنه غافصني | واستلب الكرش من يدي وغدا |
يشير إلى الحسبة التي في يده بمنزلة الغدد التي هي أخس اللحم ومع ذلك يزاحم عليها. وقال: وقد سأله صديق عن حامله والعمال يصادرونه:
أيها السائل عن حا | لي أنا المضروب زيد |
وأنا المحبوس لكن | ليس في رجلي قيد |
وقال:
وقائل هو رأس الـ | ـعمال بين الناس |
و الرأس يصلح إن لم | ينفعك للرواس |
هذا وهو الحق والحق | ما به من باس |
وكان بعض أصحاب الدواوين يطالبه بحساب ناحيه قد كان وليها فكتب إليه:
أيا من وجهه قمر منير | يضيء لنا وراحته السحاب |
إذا حضر الحساب أعدت ذكري | وتنساني إذا حضر الشراب |
أجبني بالقناني والمثاني | ووجهك إنه نعم الجواب |
وكلني في الحساب إلى إله | يسامحني إذا وضع الحساب |
وفي اليتيمة: كان الوزير أبو الفضل والوزير أبو الفرج قد خلوا في الديوان لعقوبة أصحاب الوزير المهلبي عقب موته وأمرا بأن تلوث ثياب الناس بالنفط إن قربوا من الباب وكان المهلبي قد فعل مثل هذا فحضر ابن الحجاج فحجب خاف من النفط فانصرف وقال:
الصفع بالنفط في الثياب | ما لم يكن قط في حسابي |
ليس يقوم الوصول عندي | مقام خيطين من ثيابي |
يا رب من كان سن هذا | فزده ضعفا من العذاب |
وكان ابن شيرزاد قد صارع السبع فقتله ثم عاد لمثله فكتب إليه ابن الحجاج يقول:
يا من إلى مجده انقطاعي | ومن به أخصبت رباعي |
قد زاد خوفي عليك جدا | وعظم الأمر في ارتياعي |
في كل يوم سبع جديد | ينفر من ذكره استماعي |
تغدو إليه بلا احتشام | ولا انقباض ولا امتناع |
وليس قتل السباع مما | يدرك بالختل والخداع |
فلا تطر بعدها لسبع | مراسه غير مستطاع |
إن صراع السباع عندي | حاشاك ضرب من الصراع |
أعدل إلى الكأس والندامى | والأكل والشرب والسماع |
بلى أجع لي السباع واطرح | خصمي في بركة السباع |
فإن عيشي في أن أراه | بين سباع الربى الجياع |
وقلده الوزير ناحية فخرج إليها يوم الخميس وتبعه كتاب الصرف يوم الأحد فكتب إليه:
يا من إذا نظر الهلا | ل إلى محاسنه سجد |
و إذا رأته الشمس كا | دت أن تموت من الحسد |
يوم الخميس بعثتني | وصرفتني يوم الأحد |
فالناس قد غنوا علي | كما رجعت إلى البلد |
ما قام عمرو في الولا | ية ساعة حتى قعد |
وقال في مثل ذلك:
يا مالك الصدر لا خلوت من الـ | ـإيراد ما عشت فيه والصدر |
قلدتني ليلة وباكرني | كتاب صرفي المشوم في السحر |
وقال في رجل سقطت امرأته من السطح فماتت:
عفا الله عنها إنها يوم ودعت | أجل فقيد في التراب مغيب |
ولو أنها اعتلت لكان مصابها | أخف على قلب الحزين المعذب |
(ولكن رأت في الأرض أفعى مجدلا)
ثم ذكر ما لا يسوغ نقله ثم قال:
فصارت حديثا شاع بين مصدق | تحققه علما وبين مكذب |
سعى الطمع المردي إليها بحتفها | ومن يمتثل أمر المطامع يعطب |
فأعظم يا هذا لك الله ربها | وربك أجر الثكل في شاة أشعب |
وخبر شاة أشعب يأتي ذكره وقال:
قد قنعنا فهات خبزا بلحم | أنا من شدة الخوى في السياق |
وكتب إلى أبي أحمد بن ثوابة وقد شرب دواء مسهلا أبياتا جلها سخافة
يبدي فيها نصيحته له نصون كتابنا عن مثلها لكننا نذكر ثلاثة منها فقط:
يا أبا أحمد بنفسي أفديـ | ـك وأهلي من سائر الأسواء |
احترس إنها نصيحة كهل | حنكته تجارب الآراء |
غير أني أصبحت أضيع في القو_م من البدر في ليالي الشتاء
وتولى أقطاعا فخرج إليها فوجدها خربة فقال:
يا سيدي عبدك في الزيت | فر من الموت إلى الموت |
حالي وإقطاعي خراب فقد | فررت من بيتي إلى بيتي |
وركب إلى بعض الرؤساء يهنيه بعيد النحر فلم يصادفه
فكتب إليه بأبيات تركنا ما فيها من فحش:
أيا من وجهه كالشمس توفي | فيمحق نوره بدر التمام |
لعيد النحر أيام قصار | تلم بنا اجتيازا كل عام |
وما قيل اقطعوها بالتهاني | وتكرار التحايا والسلام |
وقد بكرت أمس على كميت | يقصر خطوة طول المقام |
جريح الجنب من ضغط الحزام | قريح الفك من مضغ اللجام |
فإن أنا لم أعد فالله أولى | بعذري ثم أنت بلا كلام |
وكان له صديق ولذلك الصديق ابن يكنى أبا جعفر مستهتر بالفساد فسأله أن يعاتبه ويشير عليه بالتزوج فقال:
إياك والعفة إياكا | إياك أن تفسد معناكا |
في بيتين آخرين غاية في الظرف ونهاية في الفحش لا يسوغ لنا نقلهما ووردت عليه رقعة خصم له بما يسوءه فكتب على ظهرها أبياتا منها:
إني جعلت إجابتي في ظهرها | عمدا ليمكن فضها في المجلس |
كانت كنيفا فائضا فزرعت في | ظهر الكنيف حديقة من نرجس |
وعرضت له علة صعبة ثم صلح بعد اليأس فكتب إلى بختيار:
يا سيدي عشت في نعيم | حلو الجنى دائم المسره |
عبدك يشكو إليك حمى | قد سبكته الصفراء نقره |
حمى لتنورها وقود | يزيد في اليوم ألف سجره |
قد حفرت تربة لصيدي | فكدت منها أصير صبره |
علة سوء كانت تريني | نفسي فوق الفراش حسره |
طالعني الموت من زوايا | برسامها ألف ألف مره |
قد نصب الفخ لي ولكن | أفلت من فخه بشعره |
وكتب إليه:
يا سيدي دعوة من قلبه | من خوف ما مر به يخفق |
قد نصب الفخ لصيدي أبو | يحيى ولكن أفلت العقعق |
في اليتيمة: كان ضمن فرائض الصدقات بسقي الفرات واستخلف على نواحي
فم النيل خليفة فكتب إليه:
الحمد لله وشكرا له | والله أهل الحمد والشكر |
يا أيها الذئب الذي اخترته | خليفة ينظر في أمري |
أوصيك بالأغنام شرا وهل | يوصي أبو جعدة بالشر |
امش إليها مشية الليث أو | فاحمل عليها حملة الببر |
ولا تدع في النيل من إثرها | إلا بقايا الصوف والبعير |
انظر إلى السكباج من شمها | أو مر مجتازا على القدر |
فاقبض على لحيته واحترز | من حيلة في أمرها تجري |
أريد أن تحصي طاقاتها | وكل ما فيها من الشعر |
أعمل بها لي عملا جامعا | مستظهرا فيه كما تدري |
واحذر إذا وفيتها في غد | أن ينقص الكيل عن الحذر |
حتى إذا جئتك سلمتها | بذلك الإحصا إلى حجري |
أوصيك في القوم بهذا الذي | عقدته في السر والجهر |
واضطرني جوز زماني إلى | معيشة تزري على الحر |
وفي اليتيمة أنه اتخذ دعوة كبيرة في أيام عز الدولة ودعا إليها أقواما شتى من رجال الدولة وقال:
قل للأمير المرتجى | من جاءني فقد نجا |
من لم يجيء فذقنه | في... الذي استدعي فجا |
وهي قصيدة تبلغ 15 بيتا لم نستطع أن ننقل منها غير هذين البيتين.
#وأراده الوزير على الخروج معه لقتال أهل البطيحة فقال من أبيات تركنا مجونها:يا سائلي عن بكاي حين رأى | دموع عيني تسابق المطرا |
ساعة قيل الوزير منحدر | أسرع دمعي وفاض منحدرا |
وقلت يا نفس تبصرين وهل | يعيش بعد الفراق من صبرا |
شاورته والهوى يفتنه | و الرأي رأي الصواب قد حضرا |
أهوى انحداري والحزم يكرهه | وتارك الحزم يركب الغررا |
لأنني عاقل ويعجبني | لزوم بيتي وأكره السفرا |
الخيش نصف النهار يعجبني | والماء بالثلج باردا خصرا |
ولا أقود الخيل العتاق بلى | أسوق بين الأزقة البقرا |
أحسن في الحرب من صفوفكم | غدا قعودي اصفف الطررا |
هيهات أن أحضر القتال وأن | ترى بعينيك فيه لي أثرا |
هذا اعتقادي وهكذا أبدا | أرى لنفسي فأنت كيف ترى |
الاحتجاج على نفي الجبر مشوبا بالمجون
قال:
يا قائلا بالجبر مهلا | أنكرت توحيدا وعدلا |
وزعمت ما للعبد في الـ | ـحركات والسكنات فعلا |
أأبوك شال برجل أمط | قل نعم أولا فقل لا |
وقد نسب إليه الصلاح الصفدي في شرح لامية العجم وغيره بيتين هو بريء منهما ومن قائلهما وكأن الذي ساقهم إلى نسبتهما له اشتمالهما على السخف والمجون الذي أولع به الصفدي في شرح لامية العجم وعابه الناس به فظنوا أنهما لابن الحجاج لاشتماله شعره على أمثاله كما نسب الناس كل شعر في العشق إلى المجون.
ذكر له صاحب اليتيمة قطعا بعنوان:
ملح مما يتمثل به من أحوال السلف
قال:
فاليوم قارون في غناه | عبدي وكسرى ركاب داري |
وقال:
فيا أبا قابوس في ملكه | رفقا أبيت اللعن بالنابغة |
وقال:
لو حدثت كسرى بذا نفسه | صفعته في وسط إيوانه |
إن زليخا لو أبصرتك لما | ملت إلى الحشر لذة النظر |
وقال:
فأعظم يا هذا لك الله ربها | وربك أجر الثكل في شاة أشعب |
قيل لأشعب: هل رأيت أطمع منك قال: نعم شاة كانت لي على سطح فنظرت إلى قوس قزح فظنته حبل قت فأهوت إليه واثبة فسقطت من السطح فاندقت عنقها.
وقال:
غناء شعر لنا يجمعا | ن ما بين زلزل والبحتري |
وقال:
غدا أراه على عبل الشوى مرح | و الخيل من حوله مثل الحصى عددا |
في خلعة لو رآها يوم يلبسها | نمرود قبل وجه الأرض أو سجدوا |
وقال:
يا من إذا ما اختللت أيدني | ومن إذا ما ضعفت قوافي |
ابق لي اليوم ضعف ما بقيت | أمس نسور الحكيم لقمان |
(أقول) صاحب النسور هو لقمان الحكيم بل هو لقمان بن عاد الكبير. وقال:
يا درة الملك ويا غرة | في وجه هذا الزمان الأدهم |
تراب نعليك على ناظري | أعز من عيس على مريم |
وقال:
فتى له عزم إذا كلت السيوف | مثل المرهف الصارم |
وراحة لو صفعت حاتما | تعلم الجود قفا حاتم |
وقال:
كل خفيف الرجلين ثقل | خفة رجليه بالحديد |
أذقه من غب ما جنا | ما ذاق يحيى من الرشيد |
وقال:
واستوف عمر الدهر في نعمة | دون مداها موقف الحشر |
مصيبة الحاسد في مكثها | مصيبة الخنساء في صخر |
وقال:
يا من يعادي الهوى جهلا بموقعه | ولا يزال يعادي المرء ما جهلا |
أما رأيت الهوى استولى بفتنته | على النبيين واستغوى بها الرسلا |
فإن شككت فسل زيدا بقصته | واورياء يقولا الحق إن سئلا |
لم بت طلاقا حبل زوجته | وذاك في وقعة التابوت لم قتلا |
وقال:
مولاي يا من كل شيء سوى | نظيره في الحسن موجود |
إن كنت أذنبت بجهلي فقد | أذنب واستغفر داود |
ونحن نبرأ إليه تعالى مما تضمنته هذه الأبيات مما وافق فيه الناظم رأي بعض المفسرين. وما أوهمته قصة زينب زوجة زيد بن حارثة قد يبنا الصواب فيه مفصلا في الجزء الأول من هذا الكتاب وما أوهمته قصة داود عليه السلام قد أوضح الحق فيه السيد المرتضى رضي الله عنه في كتابه تنزيه الأنبياء فراجعه. وقال:
ملك لو لم يكن من ملكه | غير دار وشحت بالنعم |
لو رمى شداد فيها طرفه | زهدته بعدها في ارم |
وقال وقد خرج هاربا من غرمائه:
هربت من وطني إلى بلد | قد صفر الجوع فيه منقاري |
يقول قوم فر الخسيس ولو | كان فتى كان غير فرار |
لا عيب لا عيب في الفرار فقد | فر نبي الهدى إلى الغار |
وقال:
إن بني برمك لو شاهدوا | فعلك بالغائب والشاهد |
ما اعترف الفضل بيحيى أبا | ولا انتمى يحيى إلى خالد |
وقال:
هذا حديثي تنمى عجائبه | بكثرة القال فيه والقيل |
أعجزني دفنه فشاع كما | أعجز قابيل دفن هابيل |
وقال:
وفي شفيع إليك شرفني | إيجابه لي وزاد في قدري |
نبهت منه لحاجتي عمرا | ولم أعول فيها على عمرو |
في اليتيمة يريد بالشطر الأول قول بشار:
إذا أيقظتك حروب العدا | ة فنبه لها عمرا ثم نم |
وبالشطر الثاني قول الآخر:
المستجير بعمرو عند كربته | كالمستجير من الرمضاء بالنار |
الصفات
قال يصف بغلة:
تعرف لي أحسن من بغلة | جددت في البر بها عهدي |
تنساب كالماء على حافر | كأنه من حجر صلد |
نابت عن الأشهب لما مضى | نيابة الكلب عن الفهد |
وقال يصف الفرس الأدهم في ضمن أبيات قالها في أبي تغلب فضل
الله بن ناصر الدولة الحمداني وهي:
اسمع المدح الذي لو قيل في | أحد غيرك قالوا سرقا |
جاء يستهديك مهرا أدهما | يركب الفارس منه غسقا |
كالدجى تبصر من غرته | فوق أطباق دجاه فلقا |
جل أن يلحق مطلوبا ومن | طلب الريح عليه لحقا |
فتراه واقفا في سرجه | يتلظى من ذكاها قلقا |
فإذا طار به المشي مضى | وهو كالري يشق الطرقا |
كالسحاب الجون إلا أنه | ليس يسقي الأرض إلا عرقا |
جمع الأمرين يعدو المرطى | في مدى السبق ويمشي العنقا |
وقال يصف الفرس الذي أهداه له أبو تغلب الحمداني:
اليوم يوم سروري | بالموصلي الذنوب |
من عند قرم كريم | جزل العطاء لبيب |
آدابه جعلته | يعني بكل أديب |
ركبت فيه القوافي | فجاد بالمركوب |
ذو غرة يتلالا | في حالك غربيب |
لون الشباب عليه | مع غرة كالمشيب |
صهيله جوف أذني | ولا غناء عريب |
لولا اضطراري إليه | نزهته عن ركوبي |
وقال:
كم من صديق يروق عيني | بالشكل والحسن واللباقة |
ليس له في الجميل رأى | ولا بفعل القبيح طاقة |
كأنه في القميص يمشي=فالوذج السوق في رقاقه
وقال يتشوق رئيسا ويصف رواقه:
لا والذي يا سيدي | يفني الأنام وأنت باقي |
ما للخليفة مثل صحـ | ـنك والتدلي والرواق |
دار غدت شرفاتها | توفي على السبع الطباق |
فقبابها وكواكب الـ | ـجوزاء تسمو باتفاق |
ولها حصون تشتكي | حيطانها بعد الفراق |
ويضيع فيها الخضر وهـ | ـو يسير في ظهر البراق |
ولما دخلت أطوفها | ومشيت في طول الرواق |
لم أفنه حتى فنيـ | ـت وصار مثل القوس ساقي |
دار بها يا سيدي | ما بي إليك من اشتياق |
التخلص
ما أخرج له صاحب اليتيمة في التخلص
قال في أبي تغلب (الحمداني) وقد توجه من الموصل إلى بغداد:
أفضض الدن واسقني يا نديمي | اسقني من رحيقه المختوم |
اسقنيها فإنني أنا والقس | جميعا بنولها في الجحيم |
ثم قل للشمال من أين يا ريـ | ـح تحملت روح هذا النسيم |
أترى الخضر مر لي فيك أم جز | ت برضوان في جنان النعيم |
أم تقدمت والأمير أبو تغلـ | ـب قد صح عزمه في القدوم |
وقال في فتح قلعة أردمشت من قصيدة وضمنها بعض الألفاظ الفارسية:
سقاني كأسه سحرا بوقت | وكان صبوحنا في يوم سبت |
غلام أعجمي فيه ظرف | وحذق بالتلطف والتأتي |
سقاني (دو. ستا) وازددت منها | بأربعة وصبحني بـ (هفت) |
وفي وجناته زغب لطاف | ملاح مثل ورد (الزادرخت) |
ثم أتى بعدها بأبيات لا يحسن نقلها ثم قال:
كما فتحت وحد السيف يدمى | من الأعناق قلعة أردمشقت |
وقال من أبيات تقدمت في مدح صاعد:
ونسيم كأنه اشـ | ـتق من نشر صاعد |
ما جاء له من التضمين
أورده في اليتيمة
قال وقد كان غاب عن الحضرة مع الوزير ثم عاد فلما قرب توقف
عن الدخول:
أيا مولاي دعوة مستغيث | قد التهبت جوانحه بنار |
أغثنا بالرحيل غدا فإنا | من الشوق المبرح في حصار |
(وابرح ما يكون الشوق يوما | إذا دنت الديار من الديار) |
وقال:
قد قلت لما غدا مدحي فما شكروا | وراح ذمي فما بالوا ولا شعروا |
(علي نحت القوافي من معادنها | وما علي إذا لم تفهم البقر) |
وقال:
ولم أطرب إلى عذراء رود | بها عن وصل عاشقها نفار |
ولا غرثى الوشاح كأن ورد الـ | ـحياء بوجنتيها الجلنار |
بنفسي كل مهضوم حشاها | إذا ظلمت فليس لها انتصار |
ولكني طربت إلى خليل | سمحت ببذله ولي الخيار |
فلما إن مضى في حفظ من لا | يضيعه وشط به المزار |
(ندمت ندامة الكسعي لما | غدت منه مطلقة نوار) |
(فعيني ما تجف لها دموع | وقلبي ما يقر له قرار) |
وقال:
سيدي إن أقمت بعدك بالصغـ | ـر فقلبي علي غير مقيم |
غير أني أقول بالرغم مني | فلعلي أكف بأس همومي |
(من يكن يكره الفراق فإني | أشتهيه لوقفة التسليم) |
وقال يخاطب ابن بقية وقد حجب عنه:
قد قلت لما حجبتموني | فاشتد من بابكم نفوري |
(إن دام هجرانكم على ذا | طويت من بيتكم حصري) |
وقال وقد حجب مع جماعة من الكتاب:
قد قلت إن رجع موليا | ومعي مدابير من الكتاب |
نحن الذين لهم يقال وكلنا | فل العصا وطريدة الحجاب |
(قوم إذا قصدوا الملوك لمطلب | نتفت شواربهم على الأبواب) |
وقال:
يا زبزب أعبر بنا إلى ملك | توجه الله بالمهابات |
(يقول للريح كلما عصفت | هل لك يا ريح في مباراتي) |
وقال:
قالت وقد كشف الودا | ع قناع حزن قد علن |
وأذل بالجزع الفرا | ق قوى عزاء ممتهن |
يا من محنت بفقده | حوشيت فيك من المحن |
خلفتني والحزن بعد | دك يا قريني في قرن |
فإذا صبرت ضرورة | صبر الوقيذ على الوسن |
فترى يطيق الصبر عنـ | ـك أو السلو أبو الحسن |
طفل نشا وفؤاده | بك يا أبا مرتهن |
كالفرخ يضعف قلبه | عن أن يودع بالحزن |
فأجبتها وهي التي اسـ | ـتولت علي بلا ثمن |
(طلب المعاش مفرق | بين الأحبة والوطن) |
(يا رب فاردد سالما=سكنا يحن إلى سكن)
وكتب إلى رئيس يستهديه شيئا وهو مع بعض أصدقائه فلم يفعل:
يا سيدي جودك المشهور ما فعلا | أبيع بالرخص يا هذا أم ابتذلا |
واسوأتا ظلت أطمعهم | إن الذي التمسوه منك قد حصلا |
حتى إذا عاد من أرسلته بيد | صفر وما كان عندي أنه وصلا |
قالوا لقينتهم غني عليه لنا | صوتا ضربنا له في شعره مثلا |
(ما زالت أسمع كم من واثق خجل | حتى بليت فكنت الواثق الخجلا) |
وقال:
انظر اليوم كيف قد ضحك الزهر | ر إلى الروض من بكاء السحاب |
اتركاني ومن يعير بالشيـ | ـب وينعى إلي عهد الشباب |
(فبياض البازي أصدق حسنا | إن تأملت من سواد الغراب) |
وقال في ابن العميد يودعه ويصف الفرس ويذمه:
أيها السيد الذي طاب في المجـ | ـد فروعا كريمة وأصولا |
لو مشى بي الشيخ الفرق لسابقـ | ـتك سيرا إلى الوداع ذميلا |
فتجاوزت خانقين وخلفـ | ـت ورائي على الطريق جلولا |
لكن الشيخ كان جذعا من الخيـ | ـل طريا فصار جذعا طويلا |
كلما سار سال دمع مآقيـ | ـه ومن حق دمعه أن يسيلا |
مستغيثا يصيح تحتي حنينا | مزوجا في طريقه وصهيلا |
أبصر القت وهو يجري فغنى | بعدما كاد عقله أن يزولا |
(ازجر العين أن تبكي الطلولا | إن في القلب من كليب غليلا) |
وقال يصف ضعف فرسه:
يسومني المشي مضطرا وليس له الـ | ـمسكين بالمشي شبرا واحدا جلد |
(ما كلف الله نفسا فوق طاقتها | ولا تجود يد إلا بما تجد) |
وقال أورده ابن خلكان:
قال قوم لزمت حضرة حمد | وتجنبت سائر الرؤساء |
قلت ما قاله الذي أحرز المعـ | ـنى قديما قبلي من الشعراء |
(يسقط الطير حيث يلتقط الحب | وتغشى منازل الكرماء) |
والبيت الأخير لبشار.
نبذ من سرقاته أوردها صاحب اليتيمة
قال:
شيخ فتى والشباب أكثرهم | قد علم الله غير فتيان |
من قول كثير:
يا عز هل لك في شيخ فتى أبدا | وقد يكون شباب غير فتيان |
وقال:
على أني أظنك سوف تنجو | بعرضك من يدي منجي الذباب |
من قول ابن الزيات:
نجا بك لؤمك منجى الذبا | ب حمته مقاذيره أن ينالا |
وقال:
وأحسن ما رأينا قط راحا | إذا كانت مطية كاس راح |
من قول أبي تمام:
راح إذا ما الراح كن مطيها | كانت مطايا الشوق في الأحشاء |
وقال:
سترت بظله من ريب دهري | فعز على النوائب أن تراني |
من قول أبي نواس:
تسترت من دهري بظل جناحه | فعيني ترى دهري وليس يراني |
وقال:
امشي بقلبي لا برجلي إنما | تمشي بحيث هوى القلوب الأرجل |
من قول اللجلاج:
وما زرتكم عمدا ولكن ذا الهوى | إلى حيث يهوى القلب تهوى به الرجل |
نبذ من معانيه المتكررة
أورده في اليتيمة
قال:
وفي فمي سكرة حلوة | قد نغصتها لوزة مره |
وقال:
و اللوزة المرة يا سيدي | يفسد في الطعم بها السكر |
وقال:
كأنه وهو إلى جنبها | سكرة مع لوزة مره |
وقال:
نبهت منه لحاجتي عمرا | ولم أعول منه على عمرو |
وقال:
فما استجارت بعمرو مظلمة | بل حين جاءت أتتك يا عمر |
فالشعر قد سار فيهما وأتى | مع ذا بتفضيل ذلك الخبر |
وقال عكس المعنى:
ولم تنبه عمرا حاجتي | بل وقعت منك على عمرو |
وقال:
فديت من لقبني مثلما | لقبته والحق لا يغضب |
إن قلت يا عرقوب أطمعتني | قال فلم نفسك يا أشعب |
وقال:
وعدتني وعدا وحاشاك أن | تروغ منه روغة الذيب |
ما كنت إذ أطمعتني أشعبا | فيه ولا أنت بعرقوب |
(قال المؤلف) ومما تكرر من معانيه تشبيه الممدوح بالشمس والبدر
قال:
وجهك عند الصبح شمس | وأنت عند المساء بدري |
وقال:
يا أبا طاهر ولولاك ما كـ | ـن لبدر السماء في الأرض ثاني |
وقال:
فديت وجه الأمير من قمر | يجلو القذى نوره عن البصر |
وقال:
سعدك للحاسدين نحس | وهم ظلام وأنت شمس |
وقال:
وإن بدا لي وجهه طالعا | صفعت بالشمس قفا البدر |
رثاء الشريف الرضي له
قال يرثيه على البديهة من قصيدة وكانت بينهما صداقة:
نعوه على ضن قلبي به | فلله ماذا نعى الناعيان |
رضيع ولاء له شعبة | من القلب فوق رضيع اللبان |
بكيتك للشرد السائرا | ت تعنق ألفاظها بالمعاني |
وما كنت أحسب أن المنون | تفل مضارب ذاك اللسان |
فأين تسرعه للنضال | وهباته للطوال اللدان |
وتعنو الملوك له خيفة | إذا راع قبل اللظى بالدخان |
وكم صاحب كمناط الفؤاد | عناني من يومه ما عناني |
قد انتزعت من يدي المنون | ولم يغن ضمي عليه بناني |
لبيك الزمان طويلا عليك | فقد كنت خفة روح الزمان |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 5- ص: 429
ابن حجاج الشاعر محتسب بغداد، اسمه: الحسين بن أحمد.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 11- ص: 0
ابن حجاج الشاعر الحسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن حجاج، أبو عبد الله الكاتب الشاعر، ذو المجون والخلاعة والسخف في شعره.
كان فرد زمانه في بابه، وإمام الشعر في أضرابه، أول من فتح ذلك الباب أبو نواس، وجاء ابن حجاج بعده بالطم والرم، وأكثر فأحسن، واستوعب الإجادة فأمعن.
وأنا أراه ممن يطلق عليه اسم شاعر؛ لأنه أجاد في المدح، والهجو، والرثاء، والغزل، والوصف، والأدب، وسائر أنواع الشعر، لكنه في المجون إمام، وكل من أتى بعده بشيء من ذلك، فهو له غلام، ولما أتى ابن الهبارية، المذكور في المحمدين، بعده، وأراد يسلك طريقة قصر، وكان الأليق به الإمساك عن مجاراته لو تبصر.
وكان حسن الهيئة واللبس، والسمت والوقار والسكينة، مدح ابن حجاج الملوك والأمراء، والوزراء والرؤساء. وديوانه كبير إلى الغاية، أكثر ما يوجد في عشر مجلدات، ورأيته كثيرا في مجلدين، وفي مجلد واحد.
تولى حسة بغداد مرات، وأقام بها مدة، يقال إنه عزل بأبي سعيد الإصطخري الفقيه الشافعي.
قلت: وهذا لا يستقيم، فإن أبا سعيد توفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وابن حجاج توفي سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة بالنيل، وحمل إلى بغداد، ودفن عند مشهد موسى بن جعفر رضي الله عنه، وأوصى أن يدفن عند رجليه، ويكتب على قبره: {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد}. وكان من كبار الشيعة.
ورآه أحمد بن الخازن في المنام بعد موته، فسأله عن حاله، فأنشده:
أفسد حسن مذهبي | في الشعر سوء مذهبي |
وحملي الجد على | ظهر حصان اللعب |
لم يرض مولاي على | سبي أصحاب النبي |
وقال لي ويلك يا | أحمق لم لم تتب |
من سب قوم من رجا | ولاءهم لم يخب |
رمت الرضا جهلا بما | أصلاك ذات اللهب |
نعوه على حسن ظني به | فلله ماذا نعى الناعيان |
رضيع ولاء له شعبة | من القلب مثل رضيع اللبان |
وما كنت أحسب أن الزمان | يفل مضارب ذاك اللسان |
بكيتك للشرد السائرات | تفتق ألفاظها بالمعاني |
ليبك الزمان طويلا عليك | فقد كنت خفة روح الزمان |
أيا مولاي هزلي تحت جدي | وتحت الفضة انحرف اللحام |
وشعري سخفه لا بد منه | فقد طبنا وزال الإحتشام |
وهل دار تكون بلا كنيف | يكون لعاقل فيها مقام |
يا ديمة الصفع صبي | على قفا المتنبي |
وأنت يا ريح بطني | على سباليه هبي |
تقول لي وهي غضبى من تدللها | وقد دعتني إلى شيء فما كانا |
إن لم تنكني نيك المرء زوجته | فلا تلمني إذا أصبحت قرنانا |
ما بال أيرك من شمع رخاوته | فكلما عركته راحتي لانا |
قال غلامي ومقلتاه تكف | وجسمه ظاهر السقام دنف |
حسبتنا هذه التي كثر الإ | رجاف في أمرهتا فليس يقف |
قد عزلونا عنها فقلت نعم | وصادفا عين واو نون ألف |
ورقيع أراد أن يعرف النحـ | ـو بزي العيار لا المستفتي |
قال لي لست تعرف النحو مثلي | قلت سلني عنه أجب في الوقت |
قال ما المبتدا وما الخبر المجـ | ـرور أخبر فقلت ذقنك في استي |
لو كنت شاهين بنت جارية الـ | ـفضل وكان الحريم منزلك |
لا بد من عض عظم عصعص شبـ | ـباك رواقات قنطرة حرك |
رأيتها وهي على سطها | قاعدة في جانب السطح |
بشعرة كرقشها يمتلي | بصوفه دور بني الصلحي |
فقلت بالمزح وفي طبعها | فديتها صبر على المزح |
أشعرة في السطح أم هذه | لحية فرعون على الصرح |
أغرك يا ابنة العشرين سن | ملكت بها الغضارة والنضاره |
فلا يعظم عليك بياض شعري | فإن سواد شعرك في القصاره |
الصوم قد هد جسمي | وزاد فيه اصفراري |
وقد بقيت خيالا | لكن بغير إزار |
من ولد الترك أعجمي | شباك باب استه مخرم |
فكل يك في الكون منه | قيمته صاد هزار درهم |
شعري الذي أصبحت منـ | ـه فضيحة بين الملا |
لا يستجيب لخاطري | إلا إذا دخل الخلا |
قيل إن الوزير قد قال شعرا | يجمع الجهل شمله ويعمه |
ثم أخفاه فهو كالهر يخرا | في زوايا البيوت ثم يطمه |
بقد مثل غصن البا | ن أمسى وهو ريان |
وعين مثل عين الظبـ | ـي أضحى وهو عطشان |
غزال ناعس الطرف | ولا يقال نعسان |
سقاني الخمر من فيه ومن يده | لما انتبهت قبيل الصبح وانتبها |
فقلت يا ملبسي ثوب الغرام به | بأي شيء مزجت الخمر قال بها |
وكلما رمت أن أقابله | على تماديه تيها في تعديه |
جاءت على غفلة محاسنه | تلزمني الصفح عن مساويه |
وكبار الملوك ما فتشوا قـ | ـط وكانوا إلا كبار الأيور |
نعم خصهم بها الله حتى اسـ | ـتكملوا الفضل في جميع الأمور |
ويحكم يا شيوخ أو يا كهول الـ | ـفسق أو يا معشر الفتيان |
اشربوها حمراء مما اقتناها | آل دير العاقول للقربان |
بكؤوس كأنها ورق النسـ | ـرين فيها شقائق النعمان |
اشربوها وكل إثم عليكم | إن شربتم بالرطل في ميزان |
في ليال لو أنها دفعتني | وسط ظهري وقعت في رمضان |
أنا إبليس فاشربوها وغنوا | أنت مثل الشيطان للإنسان |
أنا جوذابة ودهني صديدي | تحت خصيي فرعون أو هامان |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 12- ص: 0
الحسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد المعروف بابن الحجاج الكاتب الشاعر أبو عبد الله: شاعر مفلق، قالوا إنه في درجة امرئ القيس، لم يكن بينهما مثلهما، وإن كان جل شعره مبنيا على مجون وسخف. وقد أجمع أهل الأدب على أنه مخترع طريقته في الخلاعة والمجون ولم يسبقه إليها أحد ولم يلحق شأوه فيها لاحق، قدير على ما يريده من المعاني التي هي الغاية في المجون مع عذوبة الألفاظ وسلاستها. وله مع ذلك في الجد أشياء حسنة لكنها قليلة، ويدخل شعره في عشر مجلدات أكثره هزل مشوب بألفاظ المكدين والخلديين والشطار ولكنه يسمعه أهل الأدب على علاته، ويتفكهون بثمراته، ويستمحلون بنات صدره المتهتكات، ولا يستثقلون حركاتهن لخفتها وان بلغت في الخفة غاية الغايات. وإني لأقول كما قال أبو منصور: لولا قول إبراهيم بن المهدي إن جد الأدب جد وهزله هزل، لصنت كتابي هذا عن مثل هذا المجون، وحديث كله ذو شجون. ولقد مدح الملوك والأمراء، والوزراء والرؤساء، فلم يخل شعره فيهم مع هيبة المقام من هزل وخلاعة. فلم يعدوه مع ذلك من الشناعة. وكان عندهم مقبولا مسموعا غالي المهر والسعر، وكان يتحكم على الأكابر والرؤساء بخلاعته. ولا يحجب عن الأمراء والوزراء مع سخافته: يستقبلونه بالبشاشة والاكرام، ويقابلون إساءته بالاحسان والانعام. وناهيك برجل يصف نفسه بمثل قوله:
رجل يدعي النبوة في السخ | ف ومن ذا يشك في الأنبياء |
جاء بالمعجزات يدعو إليها | فأجيبوا يا معشر السخفاء |
حدث السن لم يزل يتلهى | علمه بالمشايخ الكبراء |
خاطر يصفع الفرزدق في الشع | ونحو ينيك أم الكسائي |
غير أني أصبحت أضيع في القو | م من البدر في ليالي الشتاء |
بالله يا أحمد بن عمرو | تعرف للناس مثل شعري |
شعر يفيض الكنيف منه | من جانبي خاطري وفكري |
فلفظه منتن المعاني | كأنه فلتة بجحر |
لو جد شعري رأيت فيه | كواكب الليل كيف تسري |
وإنما هزله مجون | يمشي به في المعاش أمري |
فإن شعري ظريف | من بابة الظرفاء |
ألذ معنى وأشهى | من استماع الغناء |
إن عاب ثعلب شعري | أو عاب خفة روحي |
خريت في باب أفعل | ت من كتاب الفصيح |
فديت وجه الأمير من قمر | يجلو القذى نوره عن البصر |
فديت من وجهه يشككني | في أنه من سلالة البشر |
إن زليخا لو أبصرتك لما | ملت إلى الحشر لذة النظر |
ولم تقس يوسفا إليك كما | نجم السهى لا يقاس بالقمر |
وكان يا سيدي قميصك إن | هربت منها ينقد من دبر |
بل وحياتي لو كنت يوسفها | لم تك من تهمة العزيز بري |
لأنني عالم بأنك لو | شممت ريا نسيمها العطر |
سبقتها وانزبقت تتبعها | ما بين تلك البيوت والحجر |
وقد علمنا بأن سيدنا ال | أمير ممن يقول بالبظر |
ولم تكن تلك تشتكي أبدا | ما كان من يوسف من الحذر |
طبعك كالماء في سهولته | لكن أبو الزبرقان من حجر |
إن الملوك الشباب ما خلقوا | إلا صلاب الفياش والكمر |
فداؤك نفس عبد أنت مولى | له يرجوك يا خير الموالي |
حديثي منذ عهدك بي طويل | فهل لك في الأحاديث الطوال |
فاني بين قوم ليس فيهم | فتى ينهي إلى الملك اختلالي |
فلحمي ليس تطبخه قدوري | وحوتي ليس تقليه المقالي |
ومائي قد خلت منه حبابي | وخبزي قد خلت منه سلالي |
وكيسي الفارغ المطروح خلفي | بعيد العهد بالقطع الحلال |
أفكر في مقامي وهو صعب | وأصعب منه عن وطني ارتحالي |
فبي مرضان مختلفان حالي ال | عليلة منهما تمسي بحال |
إذا عالجت هذا جف كبدي | وان عالجت ذاك ربا طحالي |
يا سيد الناس عشت في نعم | تأوي إليها موابذ العجم |
بديهتي في الخصام حاضرة | أشهر في الفيلقين من علم |
والخط خطي كما تراه ولا ال | زهرة بين القرطاس والقلم |
هذا وخبزي حاف بلا مرق | فكيف لو ذقت لذة الدسم |
ما لي وللحم إن شهوته | قد تركتني لحما على وضم |
وما لحلقي والخبز يجرحه | بالملح يشكو مرارة اللقم |
خليلي قد اتسعت محنتي | علي وضاقت بها حيلتي |
عذرت عذاري في شيبه | وما لمت إذ شمطت لمتي |
إلى كم يخاصمني دائما | زماني المقبح في عشرتي |
تحيفني ظالما غاشما | وكدر بعد الصفا عيشتي |
وكنت تماسكت فيما مضى | فقد خانني الدهر في مسكتي |
إلى منزل لا يواري إذا | تربعت فيه سوى سوأتي |
مقيما أروح إلى حجرة | كقبري وما حضرت ميتتي |
إذا ما ألم صديقي به | على رغبة منه في زورتي |
فرشت له فيه بسط الحديث | من باب بيتي إلى صفتي |
ومعدته في خلال الكلام | تشكو خواها إلى معدتي |
وقد فت في عضدي ما به | ولكن به غلبت علتي |
وأغدو غدوا مليا بأن | يزيد به الله في شقوتي |
فأية دار تيممتها | تيمم بوابها حجبتي |
وإن أنا زاحمت حتى أموت | دخلت وقد زهقت مهجتي |
فيرفعني الناس عند الوصول | إليهم وقد سقطت عمتي |
وإن نهضوا بعد للإنصراف | أسرعت في إثرهم نهضتي |
وإن قدموا خيلهم للركوب | خرجت فقدمت لي ركبتي |
وفي جمل الناس غلمانهم | وليس سوائي في جملتي |
ولا لي غلام فأدعو به | سوى من أبوه أخو عمتي |
وكنت مليحا أروق العيون | قبلا فقد قبحت خلقتي |
وقوسني الهم حتى انطويت | فصرت كأني أبو جدتي |
وكان المزين فيما مضى | تكسر أمشاطه طرتي |
وكنت برأس كلون الغداف | فقد صرت أصلع من فيشتي |
ويا رب بيضاء رود الشباب | كانت تحن إلى وصلتي |
فصارت تصد إذا أبصرت | مشيبي وتغضب من صلعتي |
على أنني قلت يوما لها | وقد أمضت العزم في هجرتي |
دعي عنك ما فوقه عمتي | فإن جمالي ورا تكتي |
هنا لك شيء يسر العيون | طويل عريض على دقتي |
ويحكم يا كهول أو يا شيوخ ال | فسق أو يا معاشر الفتيان |
اشربوها حمراء مما اقتناها | آل دير القابون للقربان |
بكؤوس كأنها ورق النس | رين فيها شقائق النعمان |
اشربوها وكل إثم عليكم | إن شربتم بالرطل في ميزان |
في ليال لو أنها دفعتني | وسط ظهري وقعت في رمضان |
اسمع المدح الذي لو قيل في | أحد غيرك قالوا سرقا |
جاء يستهديك مهرا أدهما | يركب الفارس منه غسقا |
كالدجى تبصر من غرته | فوق أطباق دجاه فلقا |
جل ان يلحق مطلوبا ومن | طلب الريح عليه لحقا |
فتراه واقفا في سرجه | يتلظى من ذكاه قلقا |
فإذا طاب به المشي مضى | وهو كالريح يشق الطرقا |
كالسحاب الجون إلا أنه | ليس يسقي الأرض إلا عرقا |
جمع الأمرين يعدو المرطا | في مدى السبق ويمشي العنقا |
يا سائلي عن بكاي حين رأى | دموع عيني تسابق المطرا |
ساعة قيل الوزير منحدر | أسرع دمعي وفاض منحدرا |
وقلت يا نفس تصبرين وهل | يعيش بعد الفراق من صبرا |
شاورته والهوى يفتته | والرأي رأي الصواب قد حضرا |
أهوى انحداري والحزم يكرهه | وتارك الحزم يركب الغررا |
لأنني عاقل ويعجبني | لزوم بيتي وأكره السفرا |
الخيش نصف النهار يعجبني | والماء بالثلج باردا خصرا |
والشرب في روشني أقول به | كيما أرى الماء منه والقمرا |
ولا أقود الخيل العتاق بلى | أسوق بين الأزقة البقرا |
من كل جاموسة لعنبلها | رأس بقرنيه يفلق الحجرا |
قد نفخ الشحم جوفها فغدا | كأنه بطن ناقة عشرا |
تركض مثل الحصان نافرة | ومن يرد الحصان إن نفرا |
أحسن في الحرب من صفوفكم | غدا قعودي أصفف الطررا |
هيهات أن أحضر القتال وأن | ترى بعينيك فيه لي أثرا |
بل الذي لا يزال يعجبني ال | دبيب بالليل خائفا حذرا |
الدف عند الصباح دبدبتي | وبوقي الناي كلما زمرا |
هذا اعتقادي وهكذا أبدا | أرى لنفسي وأنت كيف ترى |
ملك لو لم يكن من ملكه | غير دار وشحت بالنعم |
لو رمى شداد فيها طرفه | زهدته بعدها في إرم |
صنعت في دارك فوارة | أغرقت في الأرض بها الأنجما |
فاض على نجم السهى ماؤها | فأصبحت أرضك تسقي السما |
واستوف عمر الدهر في نعمة | دون مداها موقف الحشر |
مصيبة الحاسد في مكثها | مصيبة الخنساء في صخر |
هذا حديثي تنمي عجائبه | بكثرة القال فيه والقيل |
أعجزني دفنه فشاع كما | أعجز قابيل دفن هابيل |
قد وقع الصلح على غلتي | واقتسموها كارة كاره |
لا يفلس البقال إلا إذا | تصالح السنور والفاره |
عجبت من الزمان وأي شيء | عجيب لا أراه من الزمان |
يصادر قوت جرذان عجاف | فيجعله لأوعال سمان |
يا رائحا في داره غاديا | بغير معنى وبلا فائده |
قد جن أضيافك من جوعهم | فاقرأ عليهم سورة المائده |
فديت من لقبني مثل ما | لقبته والحق لا يغضب |
إن قلت يا عرقوب خادعتني | يقول لم نفسك يا أشعب |
قد قلت لما غدا مدحي فما شكروا | وراح ذمي فما بالوا ولا شعروا |
«علي نحت القوافي من معادنها | وما علي إذا لم تفهم البقر» |
الصبح مثل البصير نورا | والليل في صورة الضرير |
فليت شعري بأي رأي | يختار أعمى على بصير |
إن بني برمك لو شاهدوا | فعلك بالغائب والشاهد |
ما اعترف الفضل بيحيى أبا | ولا انتمى يحيى إلى خالد |
مولاي يا من كل شيء سوى | نظيره في الحسن موجود |
إن كنت أذنبت بجهلي فقد | أذنب واستغفر داود |
أفسد سوء مذهبي | في الشعر حسن مذهبي |
لم يرض مولاي علي | سبي لأصحاب النبي |
نعوه على ضن قلبي به | فلله ماذا نعى الناعيان |
رضيع صفاء له شعبة | من القلب مثل رضيع اللبان |
بكيتك للشرد السائرات | تعبث ألفاظها بالمعاني |
مواسم ينهل منها الحيا | بأشهر من مطلع الزبرقان |
جوائف تبقى أخاديدها | عماقا وتعفو ندوب الطعان |
تبض إلى اليوم آثارها | بأحمر من عاند الطعن قاني |
قعاقعهن تشن الحتوف | إذا هن أوعدن لا بالشنان |
وما كنت أحسب أن المنون | تفل مضارب ذاك اللسان |
لسان هو الأزرق القعضبي | تمضمض في ريقه الأفعوان |
له شفتا مبرد الهالكي | أنحى بجانبه غير واني |
إذا لز بالعرض مبراته | تصدع صدع الرداء اليماني |
يرى الموت أن قد طوى مضغة | ولم يطو إلا غرار السنان |
فأين تسرعه للنضال | وهباته للطوال اللدان |
يشل الجوائح شل السياط | ويلوي الجوامح لي العنان |
فإن شاء كان حران الجماح | وإن شاء كان جماح الحران |
يهاب الشجاع غذاميره | على البعد منه مهاب الجبان |
وتعنو الملوك له خيفة | إذا راع قبل اللظى بالدخان |
وكم صاحب كمناط الفؤاد | عناني من يومه ما عناني |
قد انتزعت من يدي المنون | ولم يغن ضمي عليه بناني |
فزال زيال الشباب الرطيب | وخانك يوم لقاء الغواني |
ليبك الزمان طويلا عليك | فقد كنت خفة روح الزمان |
دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 3- ص: 1038