التصنيفات

الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ قاسم محي الدين توفي في صفر سنة 1271. من أشهر شعراء منتصف القرن الماضي, كان شاعرا سريع البديهة مليح النادرة له عدا ما نظمه في الفصحى نظم كثير في اللغة المحكية من موال وغيره, اتصل بزعماء خزاعة وزبيد في الفرات الأدنى وتقدم عندهم وهو صاحب القصيدة الرائية التي نظمها بمناسبة السد الذي أنشأه على الفرات الشيخ وادي الشفلح الزبيدي وهو أيضا من شعراء آل الشيخ جعفر الكبير المختصين بهم. ومما امتاز به شعراء هذا القرن عدا نظمهم في الفصحى براعتهم الظاهرة في نظمهم أنواع الشعر باللغة المحكية فلهم كثير من الموال والركبانيات وخاصة شعراء النجف. ولا يعلل الإكثار من النظم في اللغة المحكية عندهم وانتشار هذا النوع
من الأدب الشعبي في ذلك القرن إلا بأنه القرن الذي سادت فيه القبيلة العراقية, وذاقت لذة الاستقلال, وانتشرت فيه عادات القبائل وأدبها ونظمها وقواعدها المقررة في الحكم وفض الخصومات, ومن أشهر هذه القبائل العربية خزاعة وزبيد وربيعة والمنتفك وشمر وغير هؤلاء. وكان الصراع الأزلي في هذه البلاد بين البداوة والحضارة قائما على أشده في القرن الماضي, انتهى بتغلب البداوة على الحضارة وذلك أضعف عامل التنظيم المدني ووسائله عند الدولة إذ ذاك, فتضاءل شأن معظم المدن الفراتية وتضاءلت معها الصنائع والفنون, واكتفى أكثرية السكان باستغلال الأراضي وبالزراعة, وعشوا عيشة أقرب إلى البساطة, ساعدهم على ذلك وفرة المياه وخصب التربة وما إلى ذلك من العوامل الطبيعية, فكان هؤلاء الأدباء ينظمون وينثرون بالفصحى في المدن والمجتمعات المدنية كالنجف والحلة, وكانوا ينشؤون ما ينشؤونه من موال وركبانيات ونحو ذلك في المجتمعات القبلية أو في القرى والأرياف العراقية, وكان لما ينظمونه في اللغة المكية من هذا القبيل وقع كبير وتأثير بليغ لدى زعماء القبائل المذكورة, وقد كثر حفاظه ورواته في تلك الأيام, ودون في كثير من المجاميع والدواوين الشعرية, وهي كثيرة, ولا يزال بعضها محفوظا إلى الآن عند أدباء النجف والحلة. وركبانية ابن الخلفة مشهورة محفوظة. وكنت عهد الطلب في العراق يوما راكبا في السفينة قاصدا زيارة الحسين عليه السلام فأنشد الملاح ما حفظته من ساعتي ولا أزال أحفظه إلى اليوم لسهولته فقال:

وقد ظهر في أسرة آل محيي الدين عدد غير قليل من العلماء والأدباء كالشيخ شريف محيي الدين والشيخ جعفر محمد والمترجم وغيرهم. وكان المترجم متصلا بالأمير وادي شيخ زبيد وكان ملا حسين الحلي متصلا بالأمير ذرب بن شلال آل مغامس شيخ خزاعة وبينهما مراسلات بالزاجل العامي المعروف في العراق بأبوذيه وميمر فمنه قول المترجم من بند لا أحفظ غيره سمعته في العراق وغاب باقيه عن حفظي:
كان المترجم قصد ذرب آل مغامس فلم يكرمه فعدل إلى وادي وهجا ذربا بأشياء كثير ة منها قوله:
ويقال أن ذرباعاتب المترجم وقال أنت القائل ’’لقد لبست خزاعة-الأبيات’’ فقال لم أقل هكذا وإنما قلت:
وبعد هذه الواقعة اتصل الشيخ بوادي وانقطع إليه ولم يقصد أحدا غيره إلى أن مات. وكان سبب ذلك فيما يقال أنه كانت للمترجم ضيعة استعمل عليها وكيلا وأعطاه مالا لعمارتها فصرفه ولم يعمرها وامتنع عن أدائها واتفق أن ذلك الرجل حضر في صحبة الشيخ (ذرب) أمير خزاعة حينما أتى لزيارة النجف الأشرف فأخبر المترجم السيد سلمان الزقرتي رئيس البلدة يومئذ بالحال فأرسل من قبض على الرجل ولم يطلقه إلا بدفع المال فاستاء من ذلك الشيخ ذرب فذهب المترجم مع جماعة إليه واعتذر له حتى رضي ثم نشبت الحرب بين ذرب ووادي فأرسل المترجم قصيدة بالغة العامية إلى ذرب وعشيرته يحمسهم فيها من جملتها:
فلما تليت تلك القصيدة على خزاعة ثار ثائرهم وركبوا من فورهم وهجموا على قبائل ذبيد وهم غارون وزبيد أضعاف خزاعة عددا فانهزمت ذبيد وقتل منها جماعة كثيرة وانتصرت عليها خزاعة, وبلغ وادي أن المثير لحمية خزاعة هو المترجم بقصيدته المذكورة فامتلأ منه غيظا وأرسل له من يفتك به غيلة وبلغ ذلك المترجم فضاقت به الأرض حتى صار لا يستطيع الخروج عن سور النجف فبقي على ذلك سنين فصمم أخيرا على أن يدخل عليه متخفيا, ومدحه بقصيدة ليقرأها إذا دخل عليه وكان وادي قد سد الفرات بعدما عجز عنه الوالي فدخل عليه متنكرا ومدحه بالقصيدة التي أولها:
وكان قد حضر المجلس جماعة من الأجلاء ليشفعوا فيه عند الأمير متى حضر وذلك في الحلة السيفية فلما دخل المترجم قام أهل المجلس إجلالا له وكان المتولي لإنشادها رجل يعرف بالشيخ أبو قنازع فكان وادي كلما سمع بيتا يرتاح طربا له فلما وصل إلى قوله:
قام وادي من مجلسه يتخطى وقال: ابشر يا شيخ بالرضى وعفا عنه وأجازه جائزة سنية. ومن شعره في الغزل قوله:
وقال يرثي العالم الشهير الحاج محمد إبراهيم الكرباسي:
وقال يجيب الشيخ مهدي ابن الشيخ علي ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء عن أبيات أرسلها إليه لم تحضرنا:
أشعاره في شيخ زبيد.
منها القصيدة المشار إليها في مدحه عندما سد الفرات بعد أن عجز الوالي عن سده فحشد لذلك الجموع واجتهد حتى سده فقال المترجم يمدحه:
وقال أيضا بعد ما عفا عنه وادي:
وقال أيضا في مدحه:
وكان وادي قد سقط فصدعت رجله فدخل عليه المترجم وأنشده مرتجلا:
وقال أيضا في مدح وادي شيخ زبيد:
وقال في تهنئته:
ودخل المترجم على وادي يعوده من حمى أصابته وبالمترجم إثر رمد فسأله وادي عن سبب حمرة عينيه فقال:
وقال في رثاء وادي:
المراسلة والمحاورة بين المترجم والملا حسين الحلي
شاعر وادي شيخ زبيد باللغة العامية
ولما وفد المترجم على وادي بعد غضبه عليه لم يكن ملا حسين حاضرا ذلك فأرسل إلى المترجم يستطلعه جلية الحال فقال:
فأجابه المترجم بركبانية يقول فيها:
وقال الملا حسين يخاطب المترجم:
#من أرض بابل ونت بأرض النجف ورثت فأجابه المترجم:
وللمترجم يخاطب ملا حسين الحلي:
#من جور الأيام دون الربع شتينه
#واليوم باسمال لبس الصيف شتينه وللمترجم يخاطب ملا حسين أيضا:
#أعوذ بالله من دهري وتدباره:
وشبر جمال هذا كان له دين على المترجم فلما جاء الكتاب إلى ملا حسين وهو بحضرة وادي وقرأه ضحك فقال وادي: ما يضحكك فقرأ له البيت الأخير فقال له: من يكون شبر جمال فقال: تسأل عن شبر جمال النجف فله عليه ألف قران وأما شبر جمال الحلة فله علي خمسماية فأمر وادي للمترجم بألفي قران وللملا حسين بألف فقال المترجم يمدحه من قصيدة:
وقال ملا حسين في ذلك:
#وادي بيت المروه والكرم نجده
#للندب عبد الحسين بواجبك نجده وكان الشيخ عبد الحسين محيي الدين دعا الحاج محمد صالح كبه الشهير إلى ضيافته فاعتذر فأرسل إليه هذه القصيدة:
وقال في أحد أحفاد وادي من قصيدة:
بعض أشعاره البيعة باللغة العامية
قال مفتخرا على من ناله بعيب ومادحا (وادي) شيخ زبيد على الطريقة المعروفة بالميمر:

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 7- ص: 445