أبو سعيد الشيخ صالح بن درويش بن علي ابن محمد حسين بن زين العابدين الكاظمي النجفي الحلي
المعروف بالشيخ صالح التميمي الشاعر المشهور
ولد في الكاظمية سنة 1218 وتوفي في بغداد بعد الظهر لأربع عشرة ليلة بقيت من شعبان سنة 1261 ودفن في الكاظمية.
كان من بيت أدب وكمال ربي في حجر جده الشيخ علي الزيني الشهير في مطارحاته مع السيد بحر العلوم وغيره في النجف، انتقل مع جده من الكاظمية إلى النجف فأقام برهة ثم سكن الحلة وبقي بها مدة حتى استقدمه والي بغداد داود باشا فسكنها وكان سبب طلبه له أن الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء كان مقيما في الحلة ثم رحل عنها إلى النجف سنة 1241، وذلك أنه في هذه السنة ثار الحليون ثورة كبرى على داود باشا والي العراق المشهور وقتلوا جنوده ونصبوا عليهم عميدا حليا منهم فجهز داود باشا على الحليين جيشا كبيرا وتطوع معه بعض العرب لأخذ الحلة ومنهم أمير ربيعة درويش ففارق الشيخ موسى بلد الحلة حيث أنشأ التميمي هذين البيتين معرضا بسليمان الإربلي الذي ولاه داود باشا أمر الحلة:
بمن تفخر الفيحاء والفخر دأبها | قديما وعنها سار موسى بأهله |
وخلفها من بعد عز ومنعة | تكابد كيد السامري وعجله |
زهت بأبي داود حلة بابل | وألبسها بالأمن حلة عدله |
وكانت قديما قبل موسى وقبله | تكابد كيد السامري وعجله |
متى ماس غصن أو تغنت حمائمه | جرى غير منزور من الدمع ساجمه |
وما الشوق إلا جذوة يستثيرها | هبوب غرام حين جدت سمائمه |
كتمت الهوى حتى أضربي الهوى | وأنفس شيء للمهالك كاتمه |
وعيش تقضى لي على السفح برهة | ترحل عني واستقلت رواسمه |
لهوت به دهرا وما حال دونه | هوى لائم والحب شتى لوائمه |
بماذا اعتذاري حين ألقاك في غد | وقد خف ميزاني بما اكتسبت يدي |
تصرم عمري والهوى يستفزني | لطرف كحيل فوق خد مورد |
أرى خير يومي الذي سمحت به | يد الدهر يوما فزت فيه بموعدي |
وثبث إلى اللذات وثبة حازم | رمته أعاديه بسهم مسدد |
كأن بياضي في سواد صحيفتي | مجدا كما جد الكريم لسؤدد |
شرعت شعار المنقين مخادعا | أخا سفه في بردة الجهل يرتدي |
وأنذرني الشيب المفند للفتى | فلم يصغ سمعي للعذول المفند |
وجزت حدود الله ستين حجة | سفاها وملكت الغواية مقودي |
ندمت وما تغني الندامة بعدما | دنا الحتف أو قامت على اليأس عودي |
ولا ذخر إلا عفو ربي تمده | شفاعة خير المرسلين محمد |
أبو القاسم النور المبين ومن به | تشرف عدنان بأشرف مولد |
نبي الهدى لولاه لم يعرف الهدى | ولا لفظ توحيد يدا من موحد |
براه إله العرش من نور قدسه | وأودعه في صلب بدر وفرقد |
فكان خيارا من خيار فصاعدا | إلى آدم من سيد بعد لسيد |
فهدم ما قد كان غير مهدم | وشيد ما كان قد غير مشيد |
وإيوان كسرى أنذر الفرس قائلا | هوى ملك كسرى فاجزعي أو تجلدي |
وعفى رسوم الجاهلية مثلما | عفا رسم أطلال ببرقة ثهمد |
وأوضح نهج الحق بعد دروسه | وقامت قناة الدين بعد التأود |
تدارك في عون من الله أمة | تموج بآذي من الشرك مزبد |
عكوفا على أصنامهم يعبدونها | جهارا فيا تبا له من تعبد |
يدعهم شيطانهم بضلالة | ويوردهم من كيده شر مورد |
فأنذرهم في معجزات ضياؤها | يسير بها الساري بليل ويهتدي |
عيانا كتظليل الغمامة والحصى | وتسبيحه وانظر لشاة أم معبد |
وقل في حنين الجذع ما شئت واعتبر | بمعراجه واقصر خطابك أو زد |
فأول من زاغت عن الحق واعتدت | عليه قريش وامتطت ظهر اجرد |
فهاجر من بيت الإلة ليثرب | بكل كمي مثل عضب مهند |
تحف به مثل النجوم عصابة | بطاعة مولاها تروح وتغتدي |
وأومى لأنصار فدته بأنفس | فيا نعم مفدوا ويا نعم مفتدي |
رجال يذمون الحروب إذا قضت | إلى السلم إذ ليست عليهم بسرمد |
فكم يوم بدر صال بدر وأشرقت | بوارقه ما بين هام وأكبد |
فسل عنهم أهل القليب فكم ثوى | بأرجائه من ملحد غير ملحد |
فيا راكبا يطوي الفلاة بجسره | من البرق تطوي فدفدا بعد فدفد |
إذا أنت شارفت المدينة فابلغن | تحية ملهوف لأكرم منجد |
وقل يا شفيع المذنبين استغاثة | وشكوى أتت من عبد رق لسيد |
ألا يا رسول الله دعوة صارخ | وندبة عان بالذنوب مقيد |
ألا يا رسول الله دعوة خائف | صروف الردى فانظر لشمل مبدد |
كليب يغيث المستجير فكيف من | بمولى كليب غوث كل مصفد |
يلوذ فهل يخشى من الدهر غارة | ويحذر من خطب من الدهر أنكد |
عليك سلام الله يا خير من مشى | على الأرض ما راعى الكواكب مهتدي |
غاية المدح في علاك ابتداء | ليت شعري ما تصنع الشعراء |
يا أخا المصطفى وخير ابن عم | وأمير أن عدت الأمراء |
ما نرى ما استطال إلا تناهى | ومعاليك ما لهن انتهاء |
فلك دائر إذا غاب جزء | من نواحيه أشرقت أجزاء |
أو كبدر ما يعتريه خفاء | من غمام إلا عراه انجلاء |
يحذر البحر صولة الجزر لكن | غارة المد غارة شعواء |
ربما عالج من الرمل يحصى | لم يضق في رماله الإحصاء |
يا صراطا إلى الهدى مستقيما | وبه جاء للصدور الشفاء |
بني الدين فاستقام ولولا | ضرب ماضيك ما استقام البناء |
أنت للحق سلم ما لراق | يتأتى بغيره الارتقاء |
معدن الناس كلها الأرض | لكن أنت من جوهر وهم حصباء |
شبه الشكل ليس يقضي التساوي | إنما في الحقائق الاستواء |
شرف الله فيك صلبا فصلبا | أزكياء نمتهم أزكياء |
فكأن الأصلاب كانت بروجا | ومن الشمس عمهن البهاء |
لم تلد هاشمية هاشميا | كعلي وكلهم نجباء |
وضعته ببطن أول بيت | ذاك بيت بفخره الاكتفاء |
أمر الناس بالمودة لكن | منهم أحسنوا ومنهم أساؤوا |
يا ابن عم النبي ليس ودادي | بوداد يكون فيه الرياء |
فالورى فيك بين غال وقال | وموال وذو الصواب الولاء |
وولائي إن بحت فيه بشيء | فبنفسي تخلفت أشياء |
أتقي ملحدا وأخشى عدوا | يتمارى ومذهبي الاتقاء |
وفرارا من نسبة لغلو | إنما الكفر والغلو سواء |
ذا مبيت الفراش يوم قريش | كفراش وأنت فيه ضياء |
فكأني أرى الصناديد منهم | وبأيديهم سيوف ظماء |
صاديات إلى دم هو للماء | طهور لو غيرته الدماء |
دم من ساد في الأنام جميعا | ولديه أحرارها أدعياء |
قصرت مذ رأوك منهم خطاهم | ولديهم قد استبان الخطاء |
شكر الله منك سعيا عظيما | قصرت عن بلوغه الأتقياء |
عميت أعين عن الرشد منهم | وبذات الفقار زال العماء |
يستغيثون في يغوث إلى أن | منك قد حل في يغوث القضاء |
لك طول على قريش بيوم | فيه طول وريحه نكباء |
كم رجال أطلقتهم بعد أسر | أشنع الأسر أنهم طلقاء |
يرح الخصم شاهدان حنين | بعد بدر لو قال هذا ادعاء |
إن يوم النفير والعير يوم | هو في الدهر راية ولواء |
سل وليدا وعتبة ما دعاهم | لفناء عدا عليه الفناء |
لا تسل شيبة فقد أسكرته | نشوة كرمها القنا والظباء |
قد دعوا للنزال أنصار صدق | زان فيهم عفافهم والحياء |
برز الأوس نحوهم فأجابوا | لا حياء فلتبرز الأكفاء |
ثم أسكنتهم بقعر قليب | بعدما عنهم يضيق الفضاء |
وحنين وقد شكت ثقل حمل | مذ وطاها حسامك الغيراء |
حل في بطنها من الشرك رهط | حاربوا المصطفى وبالإثم باؤوا |
ليس إلا مخاضها يوم حشر | يوم لم تعرف المخاض النساء |
أحد قد أرتك أثبت منهم | يوم ضاقت من القنا البيداء |
يوم حاصت ليوث قحطان رعبا | وبلاء الأصحاب ذاك البلاء |
وخبت جمرة لعبد مناف | صح من حرها الهدى والسناء |
لست أنسى ذا نسيت الرزايا | كبدا فلذه لهند غذاء |
كم شرقتم من آل حرب | بحرب وإلى الله ترجع الخصماء |
ليس خطبا بل كان أعظم خطب | كسر سن ليا النفوس فداء |
فر من فر والمنادي ينادي | إثر من لا بسمعهم إصغاء |
كل هذا وأنت تبري نفوسا | هم لمن حل في الصفا رؤساء |
ولصبر صبرته ولعبء | قد تحملته أتاك النداء |
لا فتى في الأنام إلا علي | وكذا السيف عمه استثناء |
ثم في فتح خيبر نلت فخرا | شاهد الفخر راية بيضاء |
أعطيت ذا بسالة حباه الله | يمينا ما فوق هذا العطاء |
فسقى مرحبا بكأس ابن ود | مسكرا عنه تقصر الصهباء |
ودحا باب خيبر بيمين | هي للدين عصمة ووفاء |
قال لما شكت مواضيه سغبا | تلك أم القرى وفيها القراء |
جاء نصر الإله في ذلك اليوم | وبالفتح تمت النعماء |
وحديث الغدير فيه بلاغ | في معانيه حارت الآراء |
هبط الروح مستقلا بأمر | من مليك آلاؤه الآلاء |
بهجير من الفلا وهجير | محرق منه تفزع الحرباء |
قال بلغ ما أنزل الله فيمن | تشكر الأرض فضله والسماء |
فأناخ الركاب بين بطاح | لم يحم حولها الكلا والماء |
ثم نادى أكرم به من مناد | حان فرض وللفروض أداء |
فاستداروا من حوله كنجوم | حول بدر تجلى به الظماء |
فبدا منه ما بدا فيك مدح | فتحت منه فتنة صماء |
هو حكم لكنه غير ماض | رب حكم قد خانه الإمضاء |
إنما المصطفى مدينة علم | بابها أنت والورى شهداء |
أنت فصل الخطاب حين القضايا | علم فيك تقتدي العلماء |
وفصيح كل الأنام لديه | بعد طه فصيحهم فأفاء |
ليس إلاك للفصاحة نهج | وعلى النهج تسلك البلغاء |
ثم لما هنالك انقطع الوحي | وفي الخافقين قام العزاء |
وبكت فاطم لفقد أبي الكل | فأشجى القلوب ذاك البكاء |
واستقامت نيفا وعشرين عاما | مقلة الدين لم يصبها قذاء |
سار فيها النور المبين بهدي | وعلى هديه مضى الخلفاء |
قل لمن قال بينهم كان شيء | قال ربي هم بينهم رحماء |
ذا اعتقادي ومن يقل غير هذا | إنني والإله منه براء |
مذ ترديت بالخلافة أورى | نارهم في القلوب ذاك الرداء |
يوم غصت فيحاؤهم بخميس | زال فيه عن القلوب الصداء |
أصبحت ضبة كإعجاز نخل | حان فيها عند اللقاء البقاء |
وأبيحت أرواحهم ودماهم | وأصيبت أموالهم والنساء |
وبصفين وقعة ما علمنا | أنتج الحرب مثلها والوغاء |
يوم وافت كتائب الشام تترى | حمير والسكاسك السفهاء |
قادهم ذو الكلاع في يوم بدر | مثلما قاد ذا الكلاع البغاء |
لخميس في قلبه أسد الله | وخيل من فوقها أصفياء |
ركع سجد إذا جن ليل | حلفاء مع الوغى أصدقاء |
عالجوا الشام بالقنا لسقام | حل فيه والداء ذاك الداء |
ن تسل عن مصاحف رفعوها | هو مكر عن الكفاح وقاء |
شبهات كفى بها قتل عما | وبيانا لو أنهم عقلاء |
قد تجرعت صابها لا لشوق | حركته البيضاء والصفراء |
يوم طلقتها فسامتك لدغا | وهي أفعى يعز فيها الرقاء |
قلدت كلب ملجم سيف غدر | قد سقته زعافها الرقشاء |
ما عرا الدين مثل يومك خطب | مدلهم ونكبة دهياء |
ثم كر البلا وأي بلاء | مستطيل أتت به كربلاء |
يوم باتت السماء تبكي | عليهم بدماء وهل يفيد البكاء |
أيها الراكب المهجر يحدو | يعملات ما مسها الأنضاء |
يمم الركب للغري ففيه | بحر جود وروضة غناء |
ثم قم في مقام من مسه الضر | وغاداه كل يوم عناء |
وأذل عبرة كصوب سحاب | هطلت عنه ديمة وطفاء |
والتثم تربه وقل يا غياثي | ورجائي إن خاب مني الرجاء |
إن أتتكم هدية مثل قدري | فبمقداركم سيأتي الجزاء |
وجشمها نجد العراق تحفه | مصاليت حرب من ذؤابة هاشم |
قساورة يوم القراع رماحهم | تكفلن أرزاق النسور القشاعم |
مقلدة من عزمها بصوارم | لدى الروع أمضى من حدود الصوارم |
أشد نزالا من ليوث ضراغم | وأجرى نوالا من بحور خضارم |
يلبون من للحرب غير محارب | كما انه للسلم غير مسالم |
كمي ينحيه عن الضيم معطس | عليه إباء الضيم ضربة لازم |
ومذ أخذت من نينوى منهم النوى | ولاح بها للغدر بعض العلائم |
غدا ضاحكا هذا وذا متبسما | سرورا وما ثغر المنون بباسم |
وما سمعت أذني من الناس ذاهبا | إلى الموت تعلوه مسرة قادم |
كأنهم يوم الطفوف وللظبا | هنالك شغل شاغل بالجماجم |
أجادل عاثت بالبغاث وإنها | أشد انقضاضا من نجوم رواجم |
لقد صبروا صبر الكرام وقد قضوا | على رغبة منهم حقوق المكارم |
فلهفي لمولاي الحسين وقد غدا | وحيدا فريدا في وطيس الملاحم |
يرى قومه صرعى وينظر نسوة | تجلببن جلباب البكا والمآتم |
هناك انتضى عضبا من الحزم قاطعا | وتلك حروب لم تدع حزم حازم |
أبوه علي أثبت الناس في الوغى | وأشجع من قد جاء من صلب آدم |
يكر عليهم مثلما كر حيدر | على أهل بدر والنفير المزاحم |
ألا من مبلغ الشهداء إني | نهضت لشكرهم بعد القعود |
رجال طلقوا الدنيا ومن ذا | صبا لطلاق كاعبة النهود |
دعاهم نجل فاطمة ليوم | يشيب لذكره رأس الوليد |
فقل في سيد نادى عبيدا | عراة الذات من شيم العبيد |
أسود بالهياج إذا المنايا | رمت ظفرا ونابا بالأسود |
كأن رماحهم تتلو عليهم | لصدق الطعن أوفوا بالعقود |
إذا ما هز عسال تصابوا | كما يصبى إلى هز القدود |
بنفسي والورى أفدي جسوما | مجزرة على حر الصعيد |
بنفسي والورى أفدي رؤوسا | تشال على الرماح إلى يزيد |
كأني بابن عوسجة ينادي | وريح الموت يلعب بالبنود |
هلموا عانقوا بيض المواضي | ولا كعناقكم بيض الخدود |
فليس يصافح الحوراء إلا | فنى يهوى مصافحة الحديد |
رأوا في كربلا يوما مشوما | ففازوا منه في يوم سعيد |
وكدر عيشهم حرب فجادت | لهم عقباه في عيش رغيد |
ألا يا سادتي حزني عليكم | نفى عن ناظري طيب الهجود |
أحاذر إذ يقال هل امتلأت | فكان جوابها هل من مزيد |
أعيذوا صالحا منها وكونوا | له شفعاء في يوم الخلود |
منعتم من ورود الماء قسرا | وفزتم بالهنا وقت الورود |
أمنتضيا عضبا من الحزم مرهفا | صقيلا متى ما يقرع الدهر يفلق |
وموقد نار لو فتى قيس شامها | لما بات مفتونا بنار المحلق |
ومن جاوز الجوزاء قدرا وسؤددا | إذا رام أن يسمو إلى أين يرتقي |
سل الفرس مذ جرت إليك كتائبا | متى وطئتها الشمس بالنقع تفرق |
ملاحم وافت من خراسان أثرها | ملاحم تترى فيلق بعد فيلق |
قد اجتمعت من كل قطر وإنها | لتسعى على أعقاب شمل مفرق |
فباكرتهم في حيهم بكتيبة | فلم تبق فيهم عادة لم تطلق |
ومذ جنحوا للسلم والصلح طاعة | مننت بصلح صادر عن ترفق |
وما كنت إلا عارضا كلمى همى | سقى كل عود من هشيم ومورق |
لئن كفرت نعمى يديك قبيلة | فقد مزقت في الأرض كل ممزق |
عتت فدعاها غيها بعد موطن | رحيب إلى شعب من الأرض ضيق |
زهت باخضرار العيش حتى استمالها | هواها إلى مرعى وبيل مرنق |
إذا أقرمت يوما تمنت شظية | على سغب من ساق ضب وخرنق |
ترديت برد الحلم عنها فأسرعت | إلى بردة من جهلها لم تخرق |
فإن خالفت يوما فكم من درية | على غرض حطت لسهم مفوق |
يا راكبا وجناء عيدية | لم يترك الوخد لها من سنام |
إن جئت للحدباء قف لي بها | وأبلغ أبا تمام عني السلام |
وقل له بشراك يا خير من | سام القوافي الغر من نسل سام |
فضلك أحياك كأن لم تمت | بالخلد هاتيك العظام العظام |
يا سائلا غير إله السما | بشراك بالخيبة والرد |
إن الذي سواك من نطفة | يغنيك عن مسألة العبد |
تكفل رزقي باسط الرزق مضغة | إلى حين ألقى من يوسدني الرمسا |
وما ضرني نسيان من كنت راجيا | نداه وربي لا يضل ولا ينسى |
في منكب الأرض للساعين أرزاق | وعد من الله بل عهد وميثاق |
لا مهبط الوحي بغداد ولا ذكروا | إن المقيم بها للخلد سباق |
لما قضت عيناك أن تتقي | بآفة من ريب دهر خئون |
أرسلت عيني ولو أنني | أنصفت أرسلت جميع العيون |
لا أشتكي الدهر ولكنني | ألقى الملمات بصدر رحيب |
هيهات أن أطلب إحسان من | بعد شبابي ساءني بالمشيب |
لو نهر عيسى يحاكي فيض محييه | لصير الماء في أعلى روابيه |
نهر عليه ظباء الوحش عاكفة | دهرا فعادت ظباء الإنس تأويه |
فلست أدري أهني ساكنيه به | بسائرات القوافي أم أهنيه |
رق الزمان به من بعد ما جمحت | خيل الزمان تعادى في مغانيه |
فعاد يختال تيها في شبيبته | من بعد شيب على كبر يقاسيه |
يصبو لدجلة مذ كانت مصافية | والمرء يصبو لمعشوق يصافيه |
يا طالما زارها وهنا فعانقها | على الهوى كيف ما يجري تجاريه |
أكرم بنهر من الأنبار أوله | وفي أباطح صحن الكرخ تاليه |
دع نهر عيسى وحدثني عن النيل | واجر الحديث بإجمال وتفصيل |
و بادرلاه دعها إن رونقها | قيل تزخرفه الراوون عن قيل |
ولا بسندية تعطي لهم سندا | هل عن الفيل تغني أعظم الفيل |
صحائف درست أيامها وغدت | بالحكم تفضي إلى شرح وتأويل |
أو غادة أصبحت شمطاء كالحة | أنيابها وهي في تغنيج عطبول |
عرج على النيل لا تمرر على نهر | يغريك واصفه بالعرض والطول |
نيل ولا مصر لكن في جوانبه | نضارة لم تكن في مصر والنيل |
ما للجزيرة بالوسمي من غرض | وللبروق حسام غير مسلول |
حاكت يد النيل إبرادا مسهمة | لجسمها فصلت من غير تفصيل |
جرى به الماء والأنهار تجذبه | لغاية صغرت قدر المحاويل |
إذا تلاطمت الأمواج كان لها | صوت الحجيج بتكبير وتهليل |
يصبو إلى الدجلة العذراء عن يسغب | يفري السباسب من ميل إلى ميل |
قد كان ألقى عليه الدهر كلكله | فقابل الدهر بالشوس البهاليل |
وما أزال قذى عينيه غير يد | أحق من كل ذي كف بتقبيل |
حيته خمصه آلاف تباكره | في كل صبح بتعظيم وتبجيل |
يد الوزير التي فيها لنا وزر | ولم يخب أمل منها بمأمول |
من مبلغن الموصلي الذي | خف به الجاهل والعاقل |
رسالة أنتن من شعره | إن صح عنه أنه القائل |
ساجلني في مجلس ربه | بحر سريع ماله ساحل |
لم يجهل الفاعل لكنه | من جهله تيمه الفاعل |
أملبس العدل قاصيها ودانيها | بك الوزارة قد نالت أمانيها |
جردت صارم إقدام بأولها | فأصبحت لا يرى في الدهر ثانيها |
بهمة ترهب الأقدار صولتها | وراحة تهب الدنيا وما فيها |
جهزت للجانب الغربي سائرة | حيث المراجل تغلي من أثافيها |
كتيبة لوزوم السد ما تركت | فضيلة رفل الاسكندري فيها |
كم راشقت بسهام غير طائشة | حال الرماية لا تخطي مراميها |
أولاك ربك ما أولاك من شرف | لطفا وذو اللطف أعطى القوس باريها |
وما الوزارة إلا أهلها لسور | تتلى وأنت إذا تتلى مثانيها |
صنت شعري عن هوى خد مورد | وغرير يتثنى مائس القد |
لا ولا غازل فكري غزل | بغزال ساحر الألحاظ أغيد |
كل وصل جاء هجر بعده | أسفا في مثله الشعر يخلد |
لكن استغربت أمرا غامضا | مطلق الفكر به أضحى مقيد |
مذ أتى إيوان كسرى عجبا | كيف لم يهو خضوعا لمحمد |
إنما أتعب فكري واصفا | رتبة من دونها نسر وفرقد |
حل فيها ماجد في خطة | وبحسن النظم والنثر تفرد |
طالما قلد جيدي منة | ولكم جيدا لذي الآداب قلد |
لا تعتبن على الصديـ | ـق إذا تغير أو جفا |
إن الصداقة شرطها | أن لا ذمام ولا وفا |
ما كنت أعرف شرطها | هذا وقد برح الخفا |
حتى صحبت منافقا | متلونا يبدي الصفا |
وشمر غدرا دونه | وخز الأسنة لا السفا |
ما إن يراني مثبتا | لقضية إلا نفى |
شهدت لبأسك يعرب ونزار | قسما لأنت الفارس المغوار |
ما نال ما نال الوزير بعسكر | بل أنت وحدك عسكر جزار |
تعشو إلى نار الوغى متعمدا | فكأنما نار الوغى لك دار |
ما فاز بالحظ العظيم سوى الذي | لم تثنه الأهوال والأخطار |
تختار حسن الذكر عند كريهة | فيها الردى يا نعم ما تختار |
يا راهب الخيل العتاق وبالقرى | أرخصت ما قد أغلت الأسعار |
لم تسفر الأيام في وجه الفتى | إن لم تغير وجهه الأسفار |
عمر الفتى أفعاله ولقد هوى | من ليس تشكر سعيه الآثار |
صيرت مالك دون عرضك جنة | إن الوبال على الكريم العار |
لو أن كفك لجة لجرت لها | فوق البسيطة بالعطا الأنهار |
تزهو بمجلسك المنيف كما زها | بدر تزين نجومه الأسحار |
خرس لهيبة ماجد لا فاحش | عند الحفيظة لا ولا مهذار |
تبدي مكارمه أسرة وجهه | والروض أنضر ما به الأزهار |
قد صلت ضيغم في قسطل | فيه لمعترك المنون غبار |
وخرجت من تحت العجاجة باسما | جذلان يعلو وجهك استبشار |
في موقف فقد الشجاع فؤاده | وعباب كاسات الحتوف تدار |
أفلت نجوم الكرخ وهي كواكب | فيها لمن ضل السبيل منار |
فيهم سميك قد سددت مسده | وهو الذي سارت له أذكار |
ألا هكذا فليدرك الثار طالبه | ويسقي العدا ما كان بالأمس شاربه |
فكم جف دوح ثم أورق عوده | وكم ساء أمر ثم سرت عواقبه |
وما الصارم الهندي عندي بصارم | إذا هو لم تحمد مرارا ضرائبه |
وليس الفتى من سامه الدهر نكبة | فولى وقد سدت عليه مذاهبه |
يروح كئيبا والتأسف دأبه | ويغدو بهم والهوان مصاحبه |
لنعم الفتى من لا تلين قناته | زعازع دهر يصرع الليث حاصبه |
وفقد كمي لو نسينا شمائلا | له وسحابا ذكرتنا مواهبه |
وإن نحن أقلعنا عن الوجد والبكا | بكته دما يوم القراع سلاهبه |
لها في ميادين السباق مآتم | وبيض المواضي والرماح نوادبه |
وما مات مغلوبا ولكنما القضا | قضا إنه يغتال والقدر غالبه |
ومن قبله أردى المرادي غيلة | عليا وما في الأرض قرن يحاربه |
صريع مواثيق العهود وإنما | يخون عهود الله من لا يراقبه |
تخضب من حنا الدماء فلم ينم | له ثائر إلا تخضب خاضبه |
لقد قام عبد الله للثار بعده | مقام فتى ما لان للضيم جانبه |
لا ترو عن فتح عمورية خبرا | فتح أربيل ما أبقى لها خبرا |
لو أن معتصما تعدوه صارخة | بقصر اربي عن إدراكها قصرا |
دع ما سمعت وحدث بالذي نظرت | عيناك والصدق مقرون بمن نظرا |
ما فوق فتحك إلا فتح من نزلت | عليه سورة نصر الله فانتصروا |
جردت صمصام عزم لو عقرت به | أعقاب يذبل أو ثهلان لانعقرا |
ماض يؤيده رأي لثاقبه | سنا شواظ يفل الصارم الذكرا |
به ركبت شموسا نيل غاربها | ما دار في خلد الأوهام أو خطرا |
صماء سامية الأعلام غاصبها | قد كاد يبلغ حد الكفر أو كفرا |
قد بوأته من العصيان منزلة | من دونها ظلع الإنذار أو عثرا |
غمامة لا يدانيها الغمام على | ولامع البرق في أرجائها استترا |
ما صافح الريح في أركانها حجرا | إلا ويقدح من حافاته شررا |
يهول ناظر ذي القرنين منظرها | ويلبس الرعب مأمونا ومقتدرا |
كأنها والرواسي الشم قائمة | من حولها جائر أهدوا لها أسرا |
صافي جوانبها ماء لذي ظمأ | وليس في أرضها ما ينبت الشجرا |
لم يجر مذ كانت الدنيا بها نهر | لكن سيل الدما أجرى بها نهرا |
كلت لهم وزرا فانقض عن قدر | بطش الوزير فما أبقى لهم وزرا |
كانت هي الهبل الأعلى وكم صنم | سما علي له بالفتح فانكسرا |
حقت بها زمر الأكراد حارسة | حتى ذا ما قضت ساقوا لها زمرا |
ظنوا الردى فوق ظهر الأرض ما علموا | في بطنها ذو حفاظ يفلق الحجرا |
حتى إذا بلظى قامت قيامتهم | والبغي يورد من يعتاده سقرا |
مثل السهى عاد من خوت ومن فزع | وكان في كبرياه يشبه القمرا |
صرت عاليها بالنار سافلها | ن كان معتبرا فلينظرن عبرا |
ما كان اربيل إلا قطب دائر | لقلع قلعته الكردي قد فترا |
أخرجته من نعيم لا يقابله | بالشكر دام وأيم الله ما شكرا |
سن الوزير علي في الورى سننا | كأنما شاء أن يستخبر الوزرا |
وسيرة لبني العباس ما ذكرت | ن كنت ترتاب فيها فانظر السيرا |
مولى له السعد فيما شاء مؤتمر | كما رأينا عليه العفو مؤتمرا |
معفر ويصفح عن جان جنى ولكم | أغنى وبعد المغنى تلقاه معتذرا |
يأبى معال يكون الغدر سلمها | لو أن نيل العلى بالغدر ما غدرا |
وقي مكارم أخلاق متى ذكرت | كانت كنشر الخزامى صافح المطرا |
يا من جرى جوده والعفو في قرن | وحلمه فاض بين الناس واشتهرا |
إن رمت أحصي مزايا فيك قد جمعت | حملت فكري عبئا يوهن الشعرا |
أروضة سقيت من صوب وطفاء | فألبست نسج حمراء وصفراء |
أهدى لها الطل من بعد الحيا منحا | فأصبحت من أياديه بنعماء |
أبدت لنا كلما مر النسيم بها | مسكا تضوع من أردان عفراء |
أنفاسها سحرا أنفاس غانية | زارت وقد أمنت من كيد أعداء |
إذا توسمت من ألطافها خلقا | تخالها رزقت لطف الأخلاء |
إشراق ياقوتة حمر شقائقها | على زبرجدة للساق خضراء |
أظن سندس رضوان بجنته | من بعدما صنعت فيها يد الماء |
ألحان تسجيع إسجاع الرعود بها | أشهى إلى السمع من إسجاع ورقاء |
أمقلة السحب كم أبدعت من غنج | في النرجس الغض من أهداب نجلاء |
أضحكت يا برق ثغر الأقحوان فما | يبكيك يا غيث من ضحك الأوداء |
أما تراها رقد رق الأصيل بها | ترف مثل فؤاد المغرم النائي |
أغنى الورى ناظرا من بات مبتهجا | بحسن غانية أو نشر غناء |
برق تعرض مجتازا على حلب | ليلا ونور الدجى بالصبح لم يشب |
بليلة بت أرعى في كواكبها | ظوالعا شربت كأسا من النصب |
بالله يا منزلا كنا به زمنا | نرعى بدور خدور فيك لم تغب |
بعد الأحبة هل مر الصبا سحرا | تيها وهل ماست الأغصان من طرب |
بلت ثراك دموعي فليكن لسفها | إن قلت جادك هطال من السحب |
برئت من زينة الدنيا وزبرجها | إن لم أفز بوداد الخرد العرب |
بان الشباب وهل بعد الشباب هوى | تصبو له النفس في جد وفي لعب |
بأي وجه أروم الغيد لا جدة | عندي ولا الغيد في سوم إلى الأدب |
طلولك لا عدلا حوت لا ولا قسطا | بها كم قضى قاضي الغرام وكم أخطا |
طريد الهوى فيها طريد مشرد | فمن ربوات الأثل ناء لذي الأرطا |
طلبت من الرسم المحيل إجابة | ورد سؤال ما أجاب ولا أعطى |
طرقت به إطراق من شط الله | وسارت به خوص الركاب وماشطا |
طغى الشوق في هيفاء أولى أخصرها | برغم مكان القرط أن يلبس القرطا |
طليق هواها لم يذق لذة الكرى | فقل في أسير خط في أسره شرطا |
طعنت الهوى في ذابل عن عزيمة | به انبسطت لي رتبة في الهوى بسطا |
طويت بساط الشوق في طي مهمه | نديماي فيه الصل والحية الرقطا |
طموس بها الخريت لا زال نادما | إذا حاول الإبهام عض على الوسطى |
طلوب على حرف سعوم خفافها | تخط على طرس اليباب لنا خطا |
طحنا بها أرض العراق لبلدة | لنا من قريش ضم أقطارها رهطا |
عزمت على النوى فنوى هجوعي | وبنت فبان عن قلبي ضلوعي |
عسى لا تسألن قلبي رجوعا | فأنت لدي أولى بالرجوع |
عذرت السحب إن روت يبابا | وضنت بالولي على الربوع |
عهدت الربع لا يرضى بويل | يصوب عليه إلا من دموعي |
على أني ولعت ببذل دمعي | ونار الشوق من زند الولوع |
علقت بغادة عذراء رود | رداح كاعب هيفا شموع |
عشوت لنار خديها كأني | عبدت النار من فرط الخضوع |
عشقت الياسمين وليس يحكي | تعطف قدها الغض البديع |
عداني عن هواها رنق عيش | يعيد مضاضة السم النقيع |
عواد من زمان مكفهر | يشيب لوقعها رأس الرضيع |
فرعاء من ليل الذوائب أشرقت | إشراق بدر من ظلام ضافي |
فارقتها كرها ولست بكاره | قطع الفلا بالوخد والايجاف |
في كور حرف لا تمل من السرى | موارة الضبعين والأخفاف |
فرت بنا من بابل فكأنما | فرت بنا بقوادم وخوافي |
فاتت تجوب البيد تسعى موردا | يطفي الظما من زاخر رجاف |
فأبت جميع الخلق إلا أصيدا | ينميه للعلياء عبد مناف |
في برده عبق المكارم ساطع | وكذا المكارم حلة الأشراف |
فلك الرجاء جرت بنا مشحونة | مدحا تحرك ساكن الأعطاف |
فطفقت في بحر البلاغة قاصدا | بحر السماحة كعبة الأضياف |
فكرت بين عبابها وعبابه | فوجدت بينهما ودادا صافي |
يا نسيم الريح إن جئت العشيا | وقطعت المنحنى حيا فحيا |
يمم الوعساء من صب شج | نحو من أهوى ودع لبنى وريا |
ينزلون القلب لا سفح اللوى | منزلا وأعجبا دان قصيا |
يوقدون النار ليلا للقرى | كرما لكن بها قلبي صليا |
يا لها الله ظباء عندهم | رتعت روض البها غضا طريا |
يكتم القلب ويخفي ودها | ويذيع الدمع ما كان خفيا |
يا ليالي الوصل هل من عودة | علنا نرشف هاتيك الحميا |
يحمل الضيم فتى والبدن لم | يلوها قفر وإن كان خليا |
يعملات طالما في سيرها | قدحت عند الدجى زندا وريا |
هي روضة جليت وبكر عطارد | جلا بها والمشتري المريخ |
دع ما يسير من الكواكب واهتد | في نور من تاريخها التاريخ |
صب تنقل من واد إلى وادي | وهام ما بين أغوار وأنجاد |
والحسن لا يتناهى في الورى وأرى | لا يملأ العين إلا حسن بغداد |
وهل يخضر عيش فتى ترامت | به أيدي النوى عن آل خضر |
وددت لو أنني من بعد موسى | نقلت على رضى مني لقبري |
ولم أك بعده حيا ولكن | برغم إرادتي الأقدار تجري |
رحم الله صالحا كان لي في | الله دون الورى وليا حميما |
ولقد كان ينثر الدر من فيه | فيغدو في الطرس عقدا نظيما |
وغدا بعد موته كل لفظ | منه في جيد المجد درا يتيما |
نعم رب هذا الشعر قد كان صاحبي | يلائمني في فنه والأئمة |
وقفت على ديوانه بعد فقده | (وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه) |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 7- ص: 369