أبو نواس الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن صباح الحكمى بالولاء، أبو نواس: شاعر العراق فى عصره. ولد فى الأهواز (من بلاد خوزستان) ونشأ بالبصرة، ورحل إلى بغداد فاتصل فيها بالخلفاء من بنى العباس، ومدح بعضهم، وخرج إلى دمشق، ومنها إلى مصر، فمدح أميرها الخصيب، وعاد إلى بغداد فأقام إلى أن توفى فيها. كان جده مولى للجراح بن عبد الله الحكمى، أمير خراسان، فنسب إليع. وفى تاريخ ابن عساكر أن أباه من أهل دمشق، من الجند، من رجال مروان بن محمد، انتقل إلى الألأهواز فتزوج امرأة من أهلها اسمها جلبان فولدت له ولدين أحدهما أبو نواس. قال الجاحظ: ما رأيت رجلا أعلم باللغة ولا أفصح لهجة من أبى نواس. وقال أبو عبيدة: كان أبو نواس للمحدثين كامرئ القيس للمتقدمين. وأنشد له النظام شعرا ثم قال: هذا الذى جمع له الكلام فاختار أحسنه. وقال كلثوم العتابى: لو أدرك أبو نواس الجاهلية ما فضل عليه أحد. وقال الإمام الشافعى: لولا مجون أبى نواس لأخذت عنه العلم. وحكى أبو نواس عن نفسه قال: ما قلت الشعر حتى رويت لستين امرأة من العرب. فما طنك بالرجال؟ وهو أول من نهج للشعر طريقته الحضرية وأخرجه من الهجة البدوية. وقد نظم في جميع أنواع الشعر، وأجود شعره خكرياته. له (ديوان شعر - ط) وديوان آخر سمى (الفكاهة والائتناس فى مجون أبى نواس - ط) منظور كتاب سماه (أخبار أبى نواس - ط) فى جزأين صغيرين، ولعبد الرحمن صدقى (ألحان الحان فى حياة أبى نواس - ط) ولعباس مصطفى عمار (أبو نواس - ط) ومثله لعمر فروخ. ولزكى المحاسنى (النواسى - ط) ولابن هفان عبد الله المهزمى (أخبار أبى نواس - ط). وفى تاريخى ولادته ووفاته خلاف، قيل فى ولادته 130و136و141و145و146 وقيل فى وفاته 195و196و198هـ

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 225

أبو نواس اسمه الحسن ابن هانئ ابن عبد الأول بن الصباح. وفي لسان الميزان الحسين بن هانئ بن جناح بن عبد الله بن الجراح.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 439

الحسن بن هانئ أبو علي الحكمي

المعروف بأبي نواس الشاعر المشهور

مولده ووفاته ومدة عمره

ولد بالأهواز سنة (145) أو (140) أو (141) أو (136) أو (148) أو (149) على اختلاف الأقوال بالقرب من الجبل المقطوع وقيل: بكورة من كورخوزستان ولا تنافي بينهما فالأهواز هي خوزستان. في معجم البلدان: الأهواز جمع هوز أصله حوز مصدر حان لأنه ليس في كلام الفرس حاء مهملة فإذا نطقوا بها جعلوها هاء وكان اسمها في أيام الفرس خوزستان. والجبل المقطوع لم أجد تفسيره وقيل: ولد بالبصرة والصحيح هو الأول. وتوفي ببغداد سنة (195) أو (196) أو (197) أو (198) أو (199) أو (200) وقال ابن منظور: قيل مات قبل دخول المأمون بغداد بثمان سنين (انتهى) والمأمون دخل بغداد سنة 202 فتكون وفاة أبي نواس سنة 194 وقال جامع ديوانه أنه توفي أخر سنة 199 أو أول سنة 200 ودفن في مقابر الشونيزية على شاطي فهو عيسى وعمره 59 سنة بناء على أن مولاه (136) ووفاته (195) وقيل: (52) سنة وقيل: (55) والله أعلم. وفي فهرست ابن النديم: توفي في الفتنة قبل قدوم المأمون من خراسان سنة 200 وقال ابن قتيبة سنة 199 (انتهى).

والفتنة بين الأمين والمأمون ابتدأت سنة 194 وانتهت سنة 198 فقوله أنه توفي سنة 200 وقول ابن قتيبة سنة 199 ينافي كونه توفي في الفتنة. ثم أنه سيأتي عند ذكر تشيعه عن العيون وغيره أن أبا نواس رأى الرضا خارجا من عند المأمون وصل والمأمون أرسل فأحضر الرضا من الحجاز إلى خراسان سنة 200 وبايع له بولاية العهد سنة 201 فإذا كان أبو نواس قد لقي الرضا ومدحه وهو مع المأمون كما تدل عليه روايات الصدوق وغيره الآتية لا بد أن يكون ذلك في خراسان بعد قتل الأمين فيكون قد ذهب إلى خراسان بعد قتل الأمين وانحاز إلى المأمون وإن لم يصرح بذلك أحد من المؤرخين سوى ما تقتضيه هذه الروايات وإذا كان أبو نواس قد مات ببغداد ودفن بالشونيزية فلا بد أن يكون عاد إليها مع المأمون ثم مات بها وإذا كان عود المأمون لبغداد سنة 202 يكون موت أبي نواس بعد هذا التاريخ وهو مناف لجميع الأقوال المتقدمة الناصة على أنه توفي في بغداد سنة 200 أو قبلها كما ينافيها ما دل على أن وفاته بعد رجوع المأمون إلى بغداد وما دل على مدحه الرضا لأنه لا بد أن يكون سنة 200 أو 201 ثم أن أبا نواس كان معروفا بالانحياز إلى الأمين وذكر المؤرخون أنه بقي معه إلى أن قتل سنة 198 فذهاب أبي نواس إلى المأمون لا بد أن يكون بعد هذا التاريخ وهو ينافي جميع الأقوال القائلة بأن وفاته قبل هذا التاريخ ويأتي عند الكلام على تشيعه قول ابن خلكان وفيه -أي في الرضا- يقول: وله ذكر في شذور العقود سنة إحدى أو إثتين ومائتين فإذا أراد أنه قال هذا الشعر بذلك التاريخ نافى أيضا ما قيل أن وفاته قبل هذا التاريخ ويأتي عند الكلام على الزيادة والنقيصة في شعره ما يدل على أنه بقي إلى زمان ربوع المأمون لبغداد وفاته لذلك ظاهرة فأقوال المؤرخين والرواة في وفاة أبي نواس وفي لقائه الرضا والمأمون ومجيء الرضا إلى خراسان فيها تناف ظاهر فلا بد إما من كون هذه الروايات غير صحيحة أو كون تلك الأقوال في تاريخ وفاته غير صحيحة. ولما كانت هذه الروايات قد رواها الثقات بأسانيدهم الصدوق وغيره تعين عدم صحة تلك التواريخ والله أعلم.

سبب وفاته

قيل في سبب وفاته أنه هجا بني نوبخت. عن ابن منظور في الجزء الثاني من كتابه (أخبار أبي نواس) الذي لا يزال مخطوطا أنهم داسوا بطنه حتى مات، قال: وحدث بعض بني نوبخت فقال: شنع علينا الناس في قتل أبي نواس وذلك باطل ولكن تحدثوا أن أبا نواس مازح علي ابن أبي سهل النوبختي ولم يكن يجري مجرى عبد الله بن سليمان النوبختي والعباس أخيه فقال أبو نواس:

فوثب عليه فهرب أبو نواس فلحقه علي فصرعه وبرك عليه فأخذ من تحته واعتد بعد ذلك علته التي مات فيها فعاده بنو نوبخت وتوفي بعد ثلاثة أيام من علته فبعثوا بأكفانه وقيل: إن إسماعيل ابن أبي سهل سمه لأنه كان قد هجاه وذكره بالقول الفاحش فلم يقتله السم إلا بعد أربعة أشهر (أقول) يشبه أن يكون هذا إلى الحدس منه إلى الحس وأوصى إلى زكريا العشاري ودفن بالتل المعروف بتل اليهودي على شاطئ نهر عيسى في مقابر الشونيزي.

نسبه

في تاريخ بغداد عن عبد الله ابن أبي سعد الوراق هو الحسن ابن هانئ بن صباح بن عبد الله بن الجراح بن هنب ابن دده ابن غنم بن سليم بن حكم بن سعد العشيرة بن مالك ابن عمرو بن الغوث بن طيء بن أدد بن شبيب بن عمر بن سبيع ابن الحارث بن زيد بن عدي بن عوف بن زيد بن هميع ابن عمر بن يشجب بن عريب بن ريد بن كهلان بن سبأ ابن يشجب بن يعرب بن قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفخشد ابن سام بن نوح قال: وقيل هو الحسن بن هانئ بن الصباح مولى الجراح بن عبد الله الحكمي والي خراسان (انتهى) وقال ابن منظور في أخبار أبي نواس هو الحسن بن هانئ ابن عبد الأول بن الصباح بن الجراح بن عبد الله بن حماد ابن أفلح بن زيد بن هنب بن دده بن غنم بن سليمان ابن حكم بن سعد العشيرة ابن مالك (انتهى) وسعد العشيرة سمي بذلك لأنه لم يمت حتى ركب معه من ولده وولد ولده مائة رجل وفي تاريخ دمشق وهيب بدل هنب وهو تصحيف. وقال ابن خلكان أنه الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصباح وفي الشذرات قال ابن الفرات أبو نواس الحسن بن هانئ البصري مولى الحكم بن سعد العشيرة (انتهى) وفي لسان الميزان هو الحسن بن هانئ بن جناح بن عبد الله بن الجراح يكنى أبا علي الحكمي (انتهى) وكأن جناح تصحيف صباح. قال ابن خلكان روي أن الخصيب صاحب ديوان الخراج بمصر سأل أبا نواس عن نسبه فقال: أغناني أدبي عن نسبي فأمسك عنه.

القدح في نسبه

قال ابن منظور قال أبو عمرو: خرجت مع الأصمعي بالبصرة فمررنا بدار فقال: كان فيها طراز حائك وكان فيها إنسان فارسي تزوج امرأة فولدت غلاما ثم تعلم الصبي ابن الحائك القرآن ثم قال الشعر وخرج إلى بغداد وادعى اليمن وتولاهم فسألته عنه فقال: هو أبو نواس وإنما ادعى جاء وحكم في آخر أمره وهما قبيلتان من اليمن. وذكر أنه مولى لهم لأن منهم بالبصرة قوما فذكر أن جده مولى أولئك (انتهى). واستدل بعض لخلطه في دعوته بقوله للخصيب كما مر: أغناني أدبي عن نسبي ولا دليل فيه لجواز أن يريد الاختصار في الجواب. وقال ابن منظور أيضا كان أبو نواس دعيا يخلط في دعوته فمن ذلك قوله يهجو عرب البصرة:

ثم هجا اليمن في هذه القصيدة بقوله:

وقال ابن منظور أن أبا نواس ادعى أولا أنه من ولد رجل من تيم اللات فقيل له أنه مات ولا ولد له فاستحيا وهرب ثم ادعى للنزارية وأنه من ولد الفرزدق ثم انقلب على النزارية وادعى اليمانية وأنه من جاء وحكم واعتذر إلى هاشم بن حديج الكندي من هجائه له ومدحه فقال:

نسبته

(الحكمي) بفتح الحاء المهملة والكاف وبعدها ميم قال ابن خلكان هذه النسبة إلى الحكم بن سعد العشيرة قبيلة كبيرة باليمن منها الجراح بن عبد الله الحكمي أمير خراسان كان جد أبي نواس مولى الجراح هذا ونسبته إليه (انتهى) وفي خزانة الأدب ومقتضى ما مر في نسبه أنه من ولد الحكم بن سعد العشيرة لا من مواليه فتكون نسبته إليه صلبية.

كنيته

يكنى أبا علي ولكن غلب عليه أبو نواس بضم النون وفتح الواو المخففة كغراب وفي شرح الشفا لعلي القاري: نواس بضم النون وفتح الهمزة ويبدل (انتهى) وقال ابن منظور هو بضم النون وتخفيف الواو ويروى بفتح النون وفتح الواو مخففة أيضا ولكنه ذكر في موضع آخر أن سفيان ابن عيينة كان يقول لقد أحسن بصريكم هذا أبو نواس وفتح النون وشدد الواو وقال ابن خلكان: إنما قيل له أبو نواس لذؤابتين كانتا له تنوسان على عاتقيه (انتهى) ومثله في خزانة الذهب وفيها أيضا والذؤابة بهمزة بعد الذال المضمومة الضفيرة من الشعر إذا كانت غير ملوية فإن كانت ملوية فهي عقيصة والذؤابة أيضا طرف العمامة وناس ينوس إذا تدلى وتحرك والعاتق ما بين المنكب والعنق وهو موضع الرداء. وقيل أن خلفا الأحمر كان له ولاء في اليمن وكان أميل الناس إلى أبي نواس فقال له يوما أنت من اليمن فتكن باسم ملك من ملوكهم الأذواء فاختار له أبا نواس فكناه أبا نواس بحذف صدره وغلبت عليه (انتهى) وقال بجامع ديوانه قال أبو الحسن الطوسي كان لخلف الأحمر ولاء في اليمن وكان من أميل خلق الله إلى أبي نواس وهو الذي كناه بهذه الكنية (انتهى) وفي معاهد التنصيص كان لخلف الأحمر ولاء في اليمن في الأشاعرة وكان عصبيا وكان من أميل خلق الله إلى أبي نواس وهو الذي كناه بهذه الكنية أنه قال له أنت من أهل اليمن فتكن باسم من أسامي الذوين ثم أحصى له أسماءهم وخيره فقال ذو جدين وذو كلال وذو يزن وذو كلاع وذو نواس فاختار ذا نواس فكناه أبا نواس فصارت له وغلبت على أبي علي كنيته الأولى (انتهى).

وقال ابن منظور: سئل عن كنيته ما أراد منها من كناه بها فقال نواس وجدن ويزن وكلال أسماء جبال لملوك حمير والجبل الذي لهم يقال له نواس قال وسئل مرة أخرى فقال سبب تكنيتي أن رجلا من جيراني دعا إخوانا له فأبطأ عليه واحد منهم فخرج من بابه يطلب من يبعثه إليه فوجدني ألعب مع صبيان وكان لي ذؤابة في وسط رأسي فصاح بي يا حسن امض إلى فلان جئني به فمضيت أعدو وذؤابتي تتحرك فلما جئت بالرجل قال لي أحسنت يا أبا نواس لتحرك ذوابتي فلزمتني هذه الكنيه قال وسئل مرة أخرى من كناك بأبي نواس فقال أنا كنيت نفسي بذلك لأني من قوم لا يشتهر فيهم إلا من كان اسمه فردا وكانت كنيته لسبعة فكنيت بأبي نواس (انتهى) وأراد بالسبعة الأذواء ملوك اليمن من قضاعة ذو يزن ذو رعين ذو قائش ذو جدن ذو نواس ذو أصبح ذو كلاع.

أبوه وأمه

قال غير واحد من المؤرخين: كان أبوه من أهل دمشق من جند مروان بن محمد (الملقب بالحمار) آخر ملوك بني أمية وأمه أهوازية تسمى جلبان (بجيم مضمومة ولام مشددة مفتوحة ومعناه وردة على غصن) وكان أبوه خرج من دمشق إلى الأهواز للمرابطة بها فرأى جلبان فتزوجها وأولدها عدة أولاد منهم أبو نواس وأبو معاذ واسمه أحمد وأخت لهما كانت عند فرج القصار قال ابن منظور: كان أبو معاذ مؤدب أولاد فرج الرخجي وكان عطلا من مذاهب أخيه أبي نواس لا يحسن شيئا إلا أنه يعيش بأنه أخ لأبي نواس (انتهى) وقال ابن منظور أيضا: كان أبوه كاتبا لمسعود المادراني على ديوان الخراج وقيل كان راعي غنم وكان اسمه هنى ولم يكن له ولد ولا خلف غير أبي نواس فلما كبر أبو نواس وأدب غير اسم أبيه من هنى إلى هانئ وقيل كان أبوه حائكا وقيل كان من جند مروان إلى آخر ما هو قال وقيل إن أمه يقال لها شحمة من قرية من قرى الأهواز تدعى بباب آذر وكانت تعمل الصوف وتنسج الجوارب والأخراج وكان أبوه قد رآها على شاطئ نهر من أنهار قرى الأهواز وهي تغسل الصوف وقيل كانت تصنع الخيزران (انتهى).

صفته

قال ابن منظور: كان أبو نواس حسن الوجه رقيق اللون أبيض حلو الشمائل ناعم الجسم وكان في رأسه سماجة وتسفيط (أي رأسه كالسفط) وكان ألثغ بالراء يجعلها غينا وكان نحيفا وفي حلقه بحة لا تفارقه (انتهى) وفي روضات الجنات عن بعض التواريخ كان حسن الوجه نحيف البدن في حلقه بحة دائمة وفي قامته قصر وفي رأسه سماجة وبسبب ذلك كان لا ينزع العمامة عن رأسه وكان نظيفا طريفا كثير المجون والخلاعة.

وقال وهو يصف نفسه:

أقوال العلماء فيه

كان أبو نواس متميزا في عدة علوم وكان غلب عليه الشعر فغطى على منزله في العلم وكثر في شعره المجون فدنى منزلته بين الناس وستعرف قول إسماعيل بن نوبخت ما رأيت قط أوسع علما من أبي نواس. كان أبو نواس لغويا نحويا اتخذ اللغة والنحو عن أبي زيد الأنصاري سعيد ابن أوس النحوي وعن أبي عبيدة عامر بن المثنى وأخذ النحو أيضا عن يونس بن حبيب النحوي بالبصرة وعن خلف الأحمر ونظر في نحو سيبويه قال وارتقت به همته فخرج إلى البادية فأقام بها سنة يتعلم اللغة والغريب وستعرف أنه كان ينتصف من تلاميذ يونس في النحو إذا جلس معهم في حلقته وأنه لولا المجون في شعره لاحتجوا به في كتبهم لأنه محكم القول لا يخطئ وأن الجاحظ ما رأى أعلم باللغة منه وكان مؤرخا أخذ التاريخ عن أبي عبيدة. وكان راويا للحديث رواه عن عدة من المشايخ كما يأتي عند تعداد مشايخه وذكر النجاشي في ترجمة فارس بن سليمان الأرجاني أنه صنف كتاب مسند أبي نواس. وروى عنه الحديث وغيره جماعة يأتي ذكرهم عند ذكر تلاميذه. وكان قارئا للقرآن مجيدا حتى شهد له شيخه يعقوب الحضرمي أنه أقرأ أهل البصرة كما ستعرف ونظر في علم الكلام وكان متكلما جدلا كما يأتي. وكان شاعرا مقدما اتفق الكل على تقديمه وناهيك في تقدمه في الشعر ومعرفته الغريب أن الرشيد لما اختار الكسائي ليعلم الأمين النحو اختار معه أبو نواس لينشد الأمين الشعر النادر ويحدثه الغريب كما سيأتي عند الكلام على أخباره مع الأمين. ويكفيك في الدلالة على مكانته بين العلماء أن جماعة منهم أفردوا أخباره ومسنده بالتأليف أمثال ابن الداية وأبي هفان وابن الرشا وابن عمار وآل المنجم والسميساطي، وأن كتاب السميساطي في فضله والرد على الطاعن في شعره كما يأتي عند الكلام على شعره. وممن أفرد أخباره بالتصنيف عبد العزيز بن يحيى الجلودي ذكر النجاشي أن له كتاب أخبار أبي نواس وممن أفرد أخباره بالتصنيف أيضا أحمد بن عبيد الله بن محمد بن عماد الثقفي الكاتب ذكره ابن النديم ومنهم ابن منظور صاحب لسان العرب له أخبار أبي نواس مطبوع وفات المعاصر ذكره في مؤلفات الشيعة فإن ابن منظور شيعي. ويأتي أن فارس بن سليمان صنف سند أبي نواس. وعده ابن شهراشوب في المعالم من شعراء أهل البيت المقتصدين من أصحاب الأئمة عليهم السلام. وفي التعليقة: كان في زمن الرضا عليه السلام ومدحه كثيرا وربما يظهر من مدائحه حسن عقيدته ويظهر ذمه مما يأتي في سهل بن يعقوب الملقب بأبي نواس أيضا حيث قال الهادي عليه السلام لسهل بن يعقوب: أنت أبو نواس الحق من تقدمك أبو نواس الغي والباطل (انتهى) ولكن هذا الذم الظاهر رجوعه إلى تعاطيه المجون وهجاء الناصر وغير ذلك لا إلى عقيدته وذكره المرزباني في النبذة المختارة من كتاب تلخيص أخبار شعراء الشيعة التي ذكر فيها ثمانية وعشرين شاعرا وذكر أبا نواس الخامس والعشرين منهم: أبو نواس الحسن بن هانئ أما في فضله وشعره فمشهور وأما في مذهبه فكان شيعيا إماميا حسن العقيدة وهو القائل في علي بن موسى الرضا عليه السلام وقد عوتب في ترك مدحه:

وفي تاريخ بغداد ولد بالأهواز ونشأ بالبصرة واختلف في طلب الحديث فسمع من جماعة وقرأ القرآن على يعقوب الحضرمي واختلف إلى أبي زيد النحوي فكتب عنه الغريب والألفاظ وحفظ عن أبي عبيدة معمر بن المثنى أيام الناس ونظر في نحو سيبويه وانتقل إلى بغداد فسكنها إلى حين وفاته. وقال ابن خلكان قال إسماعيل بن نوبخت ما رأيت قط أوسع علما من أبي نواس ولا أحفظ منه مع قلة كتبه ولقد فتشنا منزله بعد موته فما وجدنا له إلا قمطرا فيه جزاز مشتمل على غريب ونحو لا غير. وشهد له الجاحظ بأنه أعلم الناس باللغة وأفصحهم لهجة وأحلاهم عبارة وأبعدهم عن الاستكراه في ألفاظه وفي تاريخ بغداد بإسناد جل رجاله من أئمة الأدب وعظمائهم قال أخبرني الحسن بن علي الصيمري حدثنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المزرباني حدثني الحكيمي حدثني ميمون بن هارون الكاتب عن أبي عثمان الجاحظ قال ما رأيت أعلم باللغة من أبي نواس ولا أفصح لهجة مع حلاوة ومجانبة للاستكراه وزاد في نزهة الألباء وقال الشعر وكان يستشهد بشعره "انتهى". والمراد الاستشهاد به في غير إثبات اللغة وأحكام النحو لأنهم لحنوه في قوله: (صغرى وكبرى) وقال أيضا كما ستعرف عند الكلام على تقديمه على الشعراء لا أعرف من كلام الشعراء كلاما هو أوقع ولا أحسن من كلام أبي نواس في أبيات له. وفي شذرات الذهب في حوادث سنة 196 فيها توفي أبو نواس الحسن بن هانئ الحكمي الأديب شاعر العراق قال ابن الأهدل كان أبوه من جند مروان الصغير الأموي فتزوج امرأة من الأهواز فولدت أبا نواس فلما ترعرع أصحبته أبا أسامة الشاعر فنشأ على يديه وقدم به بغداد فبرع في الشعر وعداده في الطبقة الأولى من المولدين وشعره عشرة أنواع وقد اعتنى بشعره جماعة فجمعوه ولهذا يوجد ديوانه مختلفا وأثنى عليه ابن عيينة وعلماء عصره بالفصاحة والبلاغة وله نوادر حسان رائقة واقترح عليه الرشيد مرات أن ينظم له على قضايا خفية يعرفها في داره ونسائه فيأتي على البديهة بما لو حضرها وعاينها لم يزد على ذلك (انتهى كلام ابن الأهدل) قال صاحب الشذرات والحسن أحد المطبوعين وكان كثير المجون (انتهى) والأمور التي ذكر أن الرشيد اقترح عليه أن ينظم فيها ذكرها صاحب مرآة الجنان وغيره وهي أمور غرامية مجونية لا يليق ذكرها مع الظن بأنه لا حقيقة لها وإنما هي موضوعة مخترعة اخترعها أصحابها ونسبوها إلى أبي نواس والله العالم. وفي تاريخ دمشق قال ابن يونس الحسن ابن هانئ الشاعر بصري سكن بغداد وقدم مصر على الخصيب أمير مصر وحمل عنه ديوانه جماعة من أهل مصر. وفيه قال الجماز كان أبو نواس يجلس معنا في حلقة يونس فينتصف منا في النحو. وفيه كان أبوه من أهل دمشق من الجند من رجال مروان بن محمد فصار إلى الأهواز فتزوج امرأة من أهلها يقال لها جلبان فولدت له أبا نواس وأخاه أبا معاذ ثم صار أبو نواس إلى البصرة فتأدب في مسجدها ولزم خلفا الأحمر وصحب يونس بن حبيب الجرمي النحوي (انتهى) وفي خزانة الأدب: أبو نواس هو أبو علي الحسن ابن هانئ عبد الأول بن الصباح الحكمي مولده بالبصرة سنة 145 وقيل سنة 136 وقيل ولد بالأهواز وقيل بكورة من كور خوزستان سنة 141 ومات ببغداد سنة 195 وقيل سنة 196 وقيل سنة 198 ونقل إلى البصرة وعمره سنتان ونشأ بالبصرة ثم خرج إلى الكوفة وقدم بغداد مع والبة بن الحباب الشاعر وبه تخرج وعرض القرآن على يعقوب الحضرمي وأخذ اللغة عن أبي زيد الأنصاري وأبي عبيدة ومدح الخلفاء والوزراء وشعره عشرة أنواع وهو مجيد في الكل وقال أبو عمرو الشيباني لولا أن أبا نواس أفسد شعره بهذه الأقذار -يعني الخمور- وفي رواية لولا ما أخذ فيه من الآرفاث لاحتججنا به (في كتبنا) لأنه كان محكم القول لا يخطئ (انتهى) وهذا محمول على نوع من المبالغة لأن أبا نواس ليس ممن يحتج بشعره فقد لحنه النحويون في قوله:

قالوا لأن صغرى وكبرى مؤنث أصغر وأكبر وأفعل التفضيل لا يستعمل إلا مضافا أو معه آل أو بعده من جارة للمفضول إلا أن يراد الاستشهاد به في غير ذلك. وفي معاهد التنصيص قيل أنه ولد بالبصرة ونشأ بها ثم خرج إلى الكوفة مع والبة بن الحباب ثم صار إلى بغداد وقيل أنه ولد بالأهواز وقيل ولد بكورة من كور خوزستان ونقل إلى البصرة فنشأ بها ثم انتقل إلى بغداد وقد زاد سنه على الثلاثين ولم يلحق بها أحدا من الخلفاء قبل الرشيد وقال الأصمعي ما أروي لأحد من أهل هذا الزمان ما أرويه لأبي نواس. وذكره الذهبي في ميزانه فقال أبو نواس الشاعر المفلق اسمه الحسن بن هانئ شعره في الذروة ولكن فسقه ظاهر وتهتكه واضح فليس بأهل أن يروى عنه له رواية عن حماد بن سلمة وغيره توفي سنة نيف وتسعين ومائة "انتهى" أقول نعم أن أبا نواس لا ينبغي أن تقبل روايته لظهور ما ينافي العدالة منه وأقله هجاء المؤمنين ولكن الذهبي الذي يقبل هو وشيوخه رواية المغيرة بن شعبة الذي شهد عليه ثلاثة بالزنا حسبة لله ولم يصرح الرابع التصريح التام لما لمح له إلى ذلك فحد الثلاثة، ويقبل رواية الوليد بن عقبة شارب الخمر والمصلي الصبح بأهل الكوفة وهو سكران ومروان بن الحكم وبسر ابن أرطأة لكونهم قيل عنهم أنهم صحابة وجميعهم عدول وعمر بن سعد قاتل الحسين وعمران بن حطان مادح عبد الرحمن بن ملجم وأضرابهم لا ينبغي له أن يتوقف في رواية أبي نواس. وفي لسان الميزان أرخ ابن الجوزي وفاته سنة 195 وقيل عاش إلى رأس المائتين وقيل قبلها بسنة أو سنتين وهو الحسن بن هانئ بن صباح بن عبد الله بن الجراح يكنى أبا علي الحكمي ولد بالأهواز ونشأ بالبصرة وتأدب بأبي زيد وأبي عبيدة وتلمذ لوالبة بن الحباب وكان شيخه أبو عبيدة يقول هو للمستحدثين كامرئ القيس للمتقدمين واشتهر بالتقدم في وصف الخمر حتى كان لا يوجد لأحد من أهل عصره شيء في وصفه الخمر إلا نسب لأبي نواس وأكثر من النظم في المجون ولا سيما في الغلمان ويصرح بالفاحشة وزعم ابن المعتمر أنه لم يقع منه ذلك مع اشتهاره بالفسق وقال ابن الجوزي غلب عليه اللهو فلا أحبه أن أذكر شيئا من أفعاله المذمومة لأنه ذكر عنه التوبة في آخر عمره ويقال أنه عاش ستين سنة إلا سنة "انتهى" وفي فهرست ابن النديم: أبو نواس ويستغنى بشهرته عن استقصاء نسبه وخبره "انتهى". وعن كتاب تلخيص الآثار أنه قال عند ذكر بغداد ومنها أبو نواس الحسن بن هانئ الشاعر المفلق كان نديما لمحمد بن زبيدة "انتهى". وقال ابن منظور حدث جماعة من الرواة ممن شاهد أبا نواس قالوا كان أقل ما في أبي نواس قول الشعر وكان فحلا راوية عالما "انتهى" ولم يذكره صاحب الأغاني إلا عرضا فقال: أخبار أبي نواس وجنان خاصة إذ كانت أخباره قد أفردت وفي نسخة قد ذكرت مقدما. قال محمد بن مكرم المعروف بابن منظور الأنصاري صاحب لسان العرب في كتابه أخبار أبي نواس لم أجد لأبي نواس ترجمة مفردة في نسخ الأغاني التي وقفت عليها وما أدري هل أغفل أبو الفرج ذكره من كتابه أم أسقطت ترجمته من كتابه فمن ذكر على أن أبا الفرج ليس ممن يجهل قدر أبي نواس في فضله ونبله وجده وهزله وسائر فنونه من صدقه ومجونه وأنه لطراز الكتب بل علم أهل الأدب "انتهى". وقال ابن منظور أيضا عن الجاحظ: أنه لما كبر تأدب وصحب أهل المسجد والمجان واشتهر بالكلام فقعد إلى أصحابه فتعلم منهم شيئا من الكلام ثم دعاه ذلك إلى الزندقة ثم مجن في شعره وشخص إلى مدينة السلام فأقام بها وعاشر الملوك فحط منه مجونه ووصفه خبث لسانه وكثرة شغبه وعبثه قال وكان ينادم ولد المهدي ويلازمهم فلم يلف مع أحد من الناس غيرهم ثم نادم القاسم بن الرشيد وألقي منه أشياء كرهها وكرهت له ففارقه ثم جلس أبو نواس إلى الناشئ الراوية وقرأ عليه شعر ذي الرمة فأقبل الناشئ على أبيه هانئ وقال له أن عاش ابنك هذا وقال الشعر ليقولنه بلسان مشقوق "انتهى" وقوله ثم دعاه ذلك إلى الزندقة غير صواب فسيأتي أن شعره صريح في صحة اعتقاده وقوله أن الناشئ أقبل على أبيه ينافي ما استظهرناه سابقا من أن أباه كان قد توفي وهو صغير وقال ابن منظور في أخبار أبي نواس: كان أبو نواس متكلما جدلا راوية فحلا رقيق ثاقب الفهم في الكلام اللطيف ويدل على معرفته بالكلام قوله وذكر الأبيات الآتية عند ذكر أتباعه طرائق جديدة في الشعر. واعلم أنه قد وقع لصاحب رياض العلماء سهو في ترجمة أبي نواس فإنه نسب إلى تاريخ ابن خلكان في موضعين أن فيه أن أبا نواس أخذ الأدب عن أبي عمرو الزاهد وتوفي سنة 355 ثم استشكل ذلك بأن أبا نواس كان في زمن الرشيد والمأمون فكيف يبقى إلى هذا العصر والذي قال عنه ابن خلكان أنه أخذ الأدب عن أبي مرد الزاهد هو توزون جامع ديوان أبي نواس وهو الذي قال عنه أنه توفي سنة 355 لا أبو نواس ذكر ذلك في آخر ترجمة أبي نواس فيظهر أن نسخته من تاريخ ابن خلكان كانت ناقصة.

مبدأ أمره

قد عرفت قول الخطيب وغيره أنه ولد بالأهواز ونشأ بالبصرة وقال ابن خلكان ذكر محمد بن داود كتاب الورقة أن أبا نواس ولد بالبصرة ونشأ بها ثم خرج إلى الكوفة مع والبة بن الحباب ثم صار إلى بغداد وقال غير أنه ولد بالأهواز ونقل منها وعمره سنتان وقال ابن منظور نقلت أبا نواس أمه إلى البصرة وهو ابن ست سنين قال ابن خلكان أن أبا نواس أسلمته أمه إلى بعض العطارين وحكى ابن منظور عن الجاحظ أنه لما شب أسلمته أمه إلى براء يبري عود البخور "انتهى" ولا منافاة بينهما لأن البخور من أنوع الطيب.

اتصاله بوالبة بن الحباب

قال ابن خلكان أن أبا نواس لما أسلمته أمه إلى بعض العطارين رآه أبو أسامة والبة بن الحباب فقال إني أرى فيك مخايل أرى أن لا تضيعها وستقول الشعر فأصحبني أخرجك فقال له ومن أنت فقال أنا أبو أسامة والبة بن الحباب فقال: نعم أنا والله في طلبك ولقد أردت الخروج إلى الكوفة بسببك لآخذ عنك وأسمع منك شعرك فصار أبو نواس معه فقدم به بغداد فكان أول ما قاله من الشعر وهو صبي:

(انتهى) قال ابن منظور: كان ابتداء صلة أبي نواس بوالبة بن الحباب الأسدي أن والبة جاء من الأهواز إلى البصرة إلى سوق العطارين يشتري حوائج وبخورا فاشترى معه عودا هنديا وكان أبو نواس وهو غلام يبري العود فاحتاج إليه في بري ذلك العود وتنقيته فحمله والبة إلى الأهواز وقدم به الكوفة فشاهد منه أدباؤها أدبا جما قال وقيل في اجتماعه بوالبة غير ذلك وهو أن النجاشي (أبا بجير) الأسدي والي الأهواز للمنصور أحتاج إلى عطر يعمل له فلم يجد في الأهواز من يعمله فبعث إلى البصرة فحمل عطارين فيهم أستاذ أبي نواس وأبو نواس معه فكانوا يعملون في داره وقدم عليه والبة بن الحباب الأسدي الشاعر وهو ابن عمه فرأى أبا نواس فأصحب بظرفه فقال له إني أرى فيك مخايل فلاح وأرى لك أن لا تضيعها وستقول الشعر وتعلو فيه فأصحبني حتى أخرجك فقال له ومن أنت قال أبو أسامة قال والبة قال نعم قال أنا والله -جعلت فداك- في طلبك وقد أردت الخروج إلى الكوفة وإلى بغداد من أجلك فمضى معه "انتهى" ثم فارقه ورجع إلى البصرة قال ابن منظور: لما رجع أبو نواس من الكوفة إلى البصرة وفارق والبة قيل له أرغبت عن والبة ومللت الكوفة فقال هي أجدى وأطيب من أن تمل ووالبة ممن لا يرغب عنه ولكني نزحت إلى الأوطان واشتقت إلى الأخوان "انتهى" ثم ذهب إلى بغداد وبعض المؤرخين يقول أنه ذهب إلى بغداد مع والبة ولم تعلم مدة بقائه في البصرة ثانيا بعد عوده إليها من الكوفة ولكن من المحقق أن وجوده عند العطار كان في زمن طفولته ويظهر أن ذهابه مع والبة كان بعد ما ترعرع شيئا ما وأن بقاءه في البصرة ثانيا كان مدة طويلة طلب فيها العلم والأدب وروى الحديث يدل على ذلك أن مشايخه الذين أخذ عنهم كانوا من أهل البصرة أمثال أبي عبيدة وخلف الأحمر وحماد ابن مسلمة ويونس وأبي زيد الأنصاري وغيرهم وهؤلاء كلهم بصريون وقد مر قول صاحب المعاهد أن ذهابه إلى بغداد كان بعدما زاد سنه على الثلاثين ومر أن عمره يوم ذهابه إلى البصرة أولا كان سنتين أو ست سنين فإلى أن تجاوز الثلاثين يكون قد قضى بعض هذه المدة في البصرة وهو أكثرها حتى تمكن من أخذ ما أخذه فيها عن العلماء وبعضها في الكوفة ومن ذلك يعرف قصور عبارة ابن خلكان عند بيان أول أمره. ويظهر أن أبا نواس وهو عند العطار كان مائلا إلى غير تلك الصناعة ويطلب الشعراء والأدباء ويسأل عنهم ويتعرف أحوالهم ويخالط العلماء والأدباء بالبصرة ويستفيد منهم ما تسمح به حاله في ذلك الوقت بدليل قوله لوالبة لما أخبره باسمه أنا والله في طلبك ولقد أردت الخروج إلى الكوفة بسببك آخذ عنك وأسمع منك شعرك كما مر وأنه إنما تعاطى تلك الصنعة في صغر سنه فلما ترعرع ونما إدراكه عافها وسمت نفسه إلى ما هو أعلى منها وقال ابن منظور: نشأ أبو نواس بالبصرة وقرأ القرآن على يعقوب الحمم فلما حذق القرآن رمى إليه يعقوب بخاتمه وقال له إذهب فأنت أقرأ أهل البصرة "انتهى".

خروجه إلى البادية وأخذه عن العرب

قال ابن منظور ثم سأله والبة أن يخرج إلى البادية مع وفد بني أسد ليتعلم العربية والغريب فأخرجه مع قوم فأقام بالبادية سنة ثم قدم ففارق والبة ورجع إلى بغداد "انتهى" والظاهر أن خروجه إلى البادية كان من الكوفة بدليل سؤاله ذلك من والبة لكن قوله ففارق والبة ورجع إلى بغداد يظهر منه أن خروجه إلى البادية كان من بغداد ثم رجع إليها ولعل والبة كان في بغداد فسأله ذلك ويظهر من مجموع ما مر أن أبا نواس ربي يتيما لما مات أبوه بالأهواز فانتقلت به أمه إلى البصرة وعمره سنتان أو ست سنين ومن هنا وقع التوهم بأنه ولد بالبصرة فنشأ وترعرع بالبصرة فأسلمته أمه إلى عطار بالبصرة وهذا هو الدليل على موت أبيه فإنه لو كان حيا لم تسلمه أمه إلى العطار بل كان أبوه هو الذي يسلمه وهذا يدل على أن أباه كان فقيرا لم يخلف ثروة وما هي ثروة جندي يهاجر من وطنه بدمشق إلى الأهواز فيرابط بها لا سيما إن كان أصله راعيا أو حائكا وأمه فقيرة خاملة تغزل الصوف وتنسجه جوارب وأخراجا وإلا لم تتزوج بجندي غريب فقير ولكن أبا نواس بفضل فطنته وذكائه وطلبه العلوم وجده في طلبها وروايته الحديث وأخذه عن العلماء من مشاهير علماء البصرة وغيرها ومعاناته اللغة والأدب والشعر وعلو همته بخروجه إلى البادية وإقامته بها سنة يتعلم اللغة هذا وهو يتيم فقير لا مربي له ولا مرشد انتقل من أجير عطار إلى تلميذ علماء وأدباء وشعراء ثم إلى أستاذ علماء نبلاء ثم انتقل إلى معاشرة الخلفاء والملوك والأمراء والوزراء أمثال الرشيد والأمين والبرامكة والخصيب والي مصر وغيرهم فيمدحهم ويأخذ جوائزهم وينال الحظوة عندهم ويتقدم على شعراء عصره ويكون نديم الأمين طول خلافته كما في العمدة. أن رجلا كهذا لهو الرجل العصامي الفذ. وهكذا العلم والفضل يرفع الوضيع والجهل يضع الرفيع.

شاعريته

أبو نواس في طليعة الشعراء المحدثين بل هو مقدم على جميعهم بشهادة جماعات من أكابر العلماء والأدباء وفحول الشعراء ونقده الشعر بل تجاوز بعضهم فجعله أشعر الناس وهو أكثر المحدثين تفننا وأبدعهم خيالا مع وقفة لفظ وبديع معنى وهو شاعر مطبوع برز في كل فن من فنون الشعر وامتاز عن كل الشعراء بخمرياته وما ضارعها من مجونياته ومن تأمل شعره ونظر ما فيه من الرقة والانسجام وعرف تصرفه في شتى المعاني وصياغته العجيبة وابتكاره المعاني الغريبة وما في شعره من السهولة والامتناع والأخذ بمجامع القلوب والتأثير في النفوس وغير ذلك من الأمور التي هي جماع محاسن الشعر عرف أن تقديمه على جميع المحدثين ليس بحائد عن الصواب وأنت ترى في شعره السهولة والانسجام والعذوبة والرقة وعدم التكلف ملموسة محسوسة فهو يلقيه عفوا ويفيض به طبعه فيضا وهذا لا تكاد تراه لشاعر غيره إلا القليل أما هو فتغلب على شعره هذه الصفات حتى لا تكاد تفارقه وناهيك بمن لم يقل الشعر حتى روى لستين امرأة من مشاهير شاعرات العرب أمثال الخنساء وليلى وروى سبعمائة أرجوزة ما تعرف فضلا عن المعروف وحفظ ألف مقطوع للعرب. قال ابن منظور: كان أبو نواس يقول ما قلت الشعر حتى رويت لستين امرأة من العرب منهن الخنساء وليلى فما ظنك بالرجال وإني لأروي سبعمائة أرجوزة ما تعرف "انتهى". وفي تاريخ بغداد عن إسحاق بن إسماعيل قال أبو نواس ما قلت الشعر حتى رويت لستين امرأة من العرب منهن الخنساء وليلى فما ظنك بالرجال "انتهى". وقال ابن منظور: كان استأذن خلفا الأحمر في نظم الشعر فقال لا آذن لك في عمل الشعر إلا أن تحفظ ألف مقطوع للعرب ما بين أرجوزة وقصيدة ومقطوعة فغاب عنه مدة وحضر إليه فقال قد حفظتها فقال أنشدها فأنشده أكثرها في عدة أيام ثم سأله أن يأذن له في نظم الشعر فقال له لا آذن لك إلا أن تنسى هذه الألف كأنك لم تحفظها فقال له هذا أمر يصعب علي فإني قد اتقنت حفظها فقال له لا آذن لك إلا أن تنساها فذهب إلى بعض الديرة وخلا بنفسه وأقام مدة حتى نسيها ثم حضر فقال نسيتها حتى كأن لم أكن حفظتها قط فقال له الآن انظم الشعر "انتهى" هكذا وردت هذه القصة وفيها نظر وتأمل فالنسيان ليس أمرا اختياريا وإن وقع فلا يكون إلا بطول المدة لبعض ما حفظه لا لكله وما حفظ في الصغر لا ينسى ولو طالت المدة وأبو نواس لما حفظها كان صغيرا. ثم أن الحفظ والنسيان وإن أمكن أن يكو ن له فائدة وهو مرور المعاني على الذهن فيأتي بمثلها وبنسيان ألفاظا يأتي بألفاظ غيرها فيكون أبعد عن النسبة إلى السرقة إلا أن الحفظ مع عدم النسيان ربما يكون أنفع في القدرة على نسب الشعر. وحسبك من مكانته في الشعر أن يتصدى جماعة من أئمة العلم والأدب لجمع شعره أمثال أبي بكر الصولي وعلي ابن حمزة وحمزة بن الحسن الأصبهاني وتوزون الطبري الذي لم يؤلف مؤلفا غير جمع ديوانه وابن السكيت وأبي سعيد السكري بعدما جمعه راويته يحيى بن الفضل وجمع جماعة منهم المختار من شعره أمثال ابن الداية وأبي هفان وابن الوشا وابن عمار وآل المنجم والسميساطي كما يأتي عند الكلام على شعره وكما اعتنى العلماء بجمع شعره اعتنوا بشرحه وتفسيره فقد ذكروا أن أبا الفتح عثمان بن جني أحد أئمة العربية المتوفي سنة 392 فسر أرجوزة أبي نواس وشعار ولعل المراد بها أراجيزه في الطرد فإن له فيه تسعا وعشرين أرجوزة صغارا فيها نعت الكلب والفهد والبازي والزرق والصقر والفرس والديك وحمام يعفور وليث عفرين وهي موجودة في ديوانه وقد بلغ من شغف الناس بشعره أن يعد صاحب خزانة الأدب من نعم الله عليه وجود ديوان أبي نواس عنده كما يأتي عند الكلام على شعره وفيما سنورده من نماذج أشعاره شهادة صادقة بما قلناه.

تقديمه على شعراء عصره

كفي أبا نواس منزلة سامية في الشعر تقديمه على جميع شعراء عصره وفيه من فحول الشعراء المجلين في حلبة الشعر ما لا يحصى كثرة ولا يبارى إجادة كيف لا وهو عصر الرشيد وابنيه الأمين والمأمون الذي راج فيه سوق الشعر والأدب رواجا لم يماثله فيه عصر فقد اتسعت فيه المملكة الإسلامية ودان لها الشرق والغرب ودرت الدنيا بأخلافها على الخلفاء فكانوا يغدقون العطايا على الشعراء ويجيزونهم بأسنى الجوائز ويصرفون قسما وافرا من بيوت الأموال على ويعرفون قدر الشعر حق معرفته ويخطبون مدائح الشعراء ويترنحون لها ويقيمون لها وزنها تفتح اللهى". فممن قدمه على جميع الشعراء المحدثين ابن السكيت ومكانه الرفيع بين أهل الأدب لا ينكر. في تاريخ بغداد: قال ميمون بن هارون الكاتب سألت يعقوب بن السكيت عما يختار لي روايته من أشعار الشعراء فقال: إذا رويت الجاهليين لامرئ القيس والأعشى ومن الإسلاميين لجرير والفرزدق ومن المحدثين لأبي نواس فحسبك (انتهى) فقد قرنه بامرئ القيس والأعشى من الجاهليين وبجرير والفرزدق من الإسلاميين ولم يقرنه بأحد من المحدثين بل جعله متوحدا متفردا فيهم وحسبك بهذا الذي قاله ابن السكيت مدحا وتقديما وممن قدمه على جميع الشعراء شيخه أبو عبيدة معمر بن المثنى -ومنزلته بين أهل العلم واللغة والأدب معروفة- روى الخطيب في تاريخ بغداد بسنده عن أبي عبيدة أنه قال: كان أبو نواس للمحدثين مثل امرئ القيس للمتقدمين وقال ابن منظور قال أبو عبيدة: أبو نواس في المحدثين مثل امرئ القيس في المتقدمين فتح لهم باب هذه الفطن ودلهم على هذه المعاني وأرشدهم إلى طريق الأدب والتصرف في فنونه. قال: وكان أبو عبيدة يقول: ذهبت اليمن بجيد الشعر في قديمه وحديثه امرؤ القيس في الأوائل وحسان بن ثابت وأبو نواس "انتهى" فقرنه بامرئ القيس المقدم على جميع الشعراء وقدمه على جميع المحدثين. وروى جامع ديوانه أنه سئل أبو عبيدة عن أشعر من أدرك فقال بشار وأبو نواس. وسئل فقيل له قد أكثر الناس في أبي نواس فقال: والله لولا تهتكه لفضح جميع الشعراء "انتهى" وقال ابن منظور كان أبو عبيدة يقول: يعجبني من شعر أبي نواس قوله:

وما ظنك بمن يحسده بشار على قصيدة من شعر وهل يكون الحسد إلا على شيء لا يكون للحاسد مثله قال ابن منظور حدث يحيى بن الجون راوية بشار قال: جاء أبو نواس إلى بشار فأنشده قصيدته اللامية التي يصف فيها النخل فاستحسنها فلما خرج قال بشار: لقد حسدت هذا الغلام على هذا "انتهى". وقرنه أبو الحسن الطوسي بامرئ القيس وحسان قال: جامع ديوان قال أبو الحسن الطوسي: شعراء اليمن ثلاثة امرؤ القيس وحسان وأبو نواس. وحكى ابن خلكان عن إسماعيل بن نوبخت أنه قال هو في الطبقة الأولى من المولدين وقال جامع ديوانه: ما زال العلماء والأشراف يروون شعر أبي نواس ويتفكهون به ويفضلونه على أشعار القدماء وبذلك جاءت الروايات عنهم وكثرت "انتهى" وممن شهد بتقديمه ابن خالويه النحوي قال ابن منظور في أخبار أبي نواس وقد ذكر عنه ابن خالويه من تقريظه ما لم يقله أحد في حق أحد حتى أنه قال في شرحه لأرجوزته التي أولها (وبلدة فيها زور) لولا ما غلب عليه من الهزل لاستشهد بكلامه في كتاب الله تعالى "انتهى" وشهد له سفيان بن عيينة وهو من الفقهاء والمحدثين بأنه أشعر الناس.

روى الخطيب بسنده عن يعقوب بن داود قال: كنا عند سفيان بن عيينة فجاءه ابن مناذر فحدث وأنشد فقال له سفيان: يا أبا عبد الله ظريفكم هذا أشعر الناس قال: كأنك عنيت أبا نواس قال: نعم قال: يا أبا محمد فيم استشعرته قال في شعره في هذه القصيدة:

والأبيات الآتية قال ابن منظور كان سفيان بن عيينة يقول: لقد أحسن بصريكم هذا أبو نواس حيث يقول: (يا قمرا أبرزه مأتم) "البيت" والذي بعده ويتعجب من قوله ويلطم الورد بعناب قال: وحدث الحسين بن الضحاك المعروف بالخليع قال: أنشد سفيان بن عيينة قول أبي نواس:

فتعجبت منه ثم قال: بعد أن أطرق ساعة آمنت بالذي خلقه "انتهى". قال الثعالبي في خاص الخاص وإذا أعجب به سفيان مع زهده وورعه فما الظن بغيره وروى الخطيب بسنده عن محمد بن مسعر قال: كنا عند سفيان بن عيينة فتذاكروا شعر أبي نواس فقال ابن عيينة: أنشدوني شعره فأنشدوه:

فقال ابن عيينة: آمنت بالذي خلقها وشهد له كلثوم ابن عمرو العتابي -وهو من شاع ذكره بين الشعراء والعلماء- بأنه أشعر الناس وأنه لو أدرك الجاهلية ما فضل عليه أحد وود أن يتبين له بجميع شعره. روى ابن عساكر في تاريخ دمشق قال: قال العتابي أشعر الناس أبو نواس حيث يقول:

وروى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد بسنده عمن سمع كلثوم بن عمرو العتابي يقول لرجل -وتناظرا في شعر أبي نواس-: لو أدرك الخبيث الجاهلية ما فضل عليه أحد "انتهى". وقال جامع ديوانه قال أبو هفان: لما تنسك العتابي نهى أن ينشد شعر أبي نواس رجل معه رقعة فيها:

فكتب البيتين وقال: وددت أنهما لي بجميع ما قلته من طارفي وتليدي فقال الرجل: إنهما لأبي نواس فمزق الرقعة ورمى بها. والجاحظ -ومقامه في البلاغة والأدب لا يداني- قرنه ببشار وشهد له -كما مر- بأنه ما رأى أعلم باللغة ولا أفصح لهجة مع حلاوة ومجانبة للاستكراه منه وبأنه لا يعرف أرفع ولا أحسن من شعره وبأن شعره يصل إلى القلب بغير إذن. في تاريخ بغداد قال ميمون بن هارون قال لي إبراهيم ابن المنذر قال الجاحظ: لا أعرف من كلام الشعر كلاما هو أرفع ولا أحسن من كلام أبي نواس (أية نار قدح القادح) وذكر الأبيات الآتية في المواعظ والحكم. وفي معاهد التنصيص قال الجاحظ: لا أعرف بعد بشار مولدا أشعر من أبي نواس "انتهى" وقال جامع ديوان أبي نواس أن للجاحظ فصلا من كتاب ذكر فيه بشارا وأبا نواس فقال: وأما بشار وأبو نواس فمعناهما واحد والعدة اثنان بشار حل من الطبع بحيث لم يتكلف قط قولا ولا تعب من عمل شعر وأبو نواس حل من الطبع بحيث يصل شعره إلى القلب بغير إذن "انتهى". وممن جعله أشعر الناس أبو العتاهية -ومنزلته في الشعر لا تنكر- روى ابن عساكر في تاريخ دمشق أنه قيل لأبي العتاهية من أشعر الناس فقال الشاب العاهر أبو نواس حيث يقول:

قال الراوي ثم لقيت أبا نواس فقلت له: من أشعر الناس فقال الشيخ الطاهر أبو العتاهية حيث يقول:

فقلت: فمن أين أخذ هذا جعلت فداءك فقال: من قول الله تعالى: {اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة} "انتهى" وحسبك أن يود أبو العتاهية أن يكون له بيت من شعر أبي نواس بجميع شعره وأن يكون له ثلاثة أبيات بعشرين ألف بيت قالها ففي تاريخ بغداد بسنده عن أبي العتاهية أنه عاتب أبو نواس على مجونه فأنشأ أبو نواس يقول:

قال أبو العتاهية فوددت أني قلت هذا البيت بكل شيء قلته. وبسنده عن أبي العتاهية أنه قال: قلت عشرين ألف بيت في الزهد ووددت أن لي مكانها الأبيات التي قالها أبو نواس:

قال أبو مسلم كانت هذه الأبيات مكتوبة على أبي نواس وفي تاريخ بغداد بسنده عن مسلمة بن مهدي: لقيت أبا العتاهية فقلت من أشعر الناس فقال: جاهليا أم إسلاميا أم مولدا فقلت: كل قال الذي يقول في المديح:

والذي يقول في الزهد:

قال: مسلمة ولقيت العتابي فسألته عن ذلك فرد علي مثل ذلك وأورده ابن منظور في أخبار أبي نواس نحوه أنه قال بدل مسلمة بن مهدي مسلم بن بهرام وزاد فقلت هذا لأبي نواس فقال: هو هو وقال ابن منظور أيضا: كان العتاهية يقول: سبقني أبو نواس إلى ثلاثة أبيات وددت أني سبقته إليها بكل ما قلته فإنه أشعر الناس فيها منها قوله:

وقوله:

وقوله:

ثم قال: قلت في الزهد ستة عشر ألف بيت وددت أن أبا نواس له ثلثها بهذه الأبيات "انتهى". وقال ابن منظور أيضا قال أبو مخلد الطائي قال لي أبو العتاهية أن أبا نواس لا يخالفك فأسأله أن لا يقول في الزهد شيئا فقد تركت له المديح والهجاء والخمر والرقيق وما فيه الشعراء وللزهد شوقي فقلت لأبي نواس: إن أبا إسحاق من قد عرفت في جلاله وتقدمه وقد أحب أن لا تقول في الزهد شيئا فوجم أبو نواس عند ذلك وقال: يا أبا مخلد قطعت علي ما كنت أحب أن أبلغه من هذا ولقد كنت على عزم أن أقول فيه ما يتوب به كل خليع وقد فعلت ولا أخالف أبا إسحاق فيما رغب إليه "انتهى" ولولا معرفة أبي العتاهية بأن قول أبي نواس في الزهد يغطي على قوله لما رغب إليه أن لا يقول فيه وقال الرشيد أنه لا يعرف لمحدث أهجى من قول أبي نواس:

وشهد له المأمون ومكانته في العلم والأدب معروفة -تارة بأنه أشعر الشعراء الحاضرين في مجلسه- ولا بد أن يكونوا أشعر أهل عصرهم وأخرى بأنه شيخ الشعراء وثالثة بأنه أشعر الناس في زمانه. في تاريخ بغداد مسندا أنه اجتمع عند المأمون ذات يوم عدة من الشراء فقال: أيكم القائل:

قالوا أبو نواس قال فالقائل:

قالوا أبو نواس قال فالقائل:

قالوا: أبو نواس قال هو أشعركم إذا. وقال البيهقي في المحاسن والمساوئ أنشد أبو عبد الله الأسواري المأمون أبياتا أولها:

فقال المأمون: أحسنت ويحك فمن صاحب هذه الأبيات قلت: فلان يا أمير المؤمنين فقال: أشعر وإلله منه في هذا المعنى شيخ الشعراء أبو نواس حيث يقول:

وفي الكتاب المذكور عن أحمد بن القاسم قال: كنت أنا وعبد الله بن طاهر عند المأمون فقال لعبد الله: يا أبا العباس من أشعر الناس في زماننا فقال أمير المؤمنين: أعرف بهذا قال: قل على كل حال قال الذي يقول :

قال أحمد فقلت أشعرهم الذي يقول:

فقال المأمون أين أنتما عن قول أبي نواس :

وحكى ابن خلكان وغيره أن المأمون قال: لو وصفت الدنيا نفسها لما وصفتها بمثل قول أبي نواس (إذا امتحن الدنيا لبيب) البيت المتقدم. وفي تاريخ دمشق قال المأمون: بيتان من الشعر ما سبق قائلهما أحد ولا يلحقهما أحد قول أبي نواس (إذا امتحن الدنيا) (البيت السابق) وقول شريح:

وقد جعله المأمون أشعر الشعراء في نعت الخمر. في معاهد التنصيمى قال ابن الأعرابي بعث إلي المأمون فسألني عن أشعر الشعراء في نعت الخمر فأنشدته للأعشى ثم للأخطل فلم يحفل بشيء مما أنشدته ثم قال: يا محمد ابن زياد أشعر الناس في نعتها الذي يقول:

وقرنه أبو تمام ببشار والسيد وقال: إنهم أشعر الناس بعد الطبقة الأولى في تاريخ دمشق قال أبو تمام: أشعر الناس وأسهبهم في الشعر كلاما بعد الطبقة الأولى بشار والسيد وأبو نواس، ومسلم بن الوليد بعدهم "انتهى" وقال فيه أبو تمام أنه أقدم معه من العراق أربعة أبيات لأبي نواس هي أحب إليه من المال. في تاريخ دمشق: لما قدم أبو تمام من العراق قيل له: ما أقدمت في سفرتك هذه قال: أربعمائة ألف درهم وأربعة أبيات شعر هي أحب إلي من المال ثم أنشدها وهي لأبي نواس:

وزعم ابن خلكان أن أبا تمام حسده على قصيدته الميمية التي مدح بها الأمين وأولها:

فوازنها أبو تمام بقصيدته التي أولها:

وحلف أبو تمام أن يحفظ شعر مسلم بن الوليد وأبي نواس فبقي شهرين حتى حفظ شعرهما. هذا هو المعقول من تدين أبي تمام إماما في الأغاني عن أحمد بن سعيد الجزيري أن أبا تمام حلف أن لا يصلي حتى يحفظ شعر مسلم بن الوليد وأبي نواس فمكث شهرين كذلك حتى حفظ شعرهما قال: ودخلت عليه فرأيت شعرهما بين يديه فقال له: ما هذا فقال: اللات والعزى وأنا أعبدهما من دون الله "انتهى" فمكذوب عليه أو وقع فيه اشتباه من الراوي بأن يكون قال له: هما اللات والعزى إشارة إلى عكوفه على حفظهما فظن الراوي تركه الصلاة ويؤيده ما ذكره ابن منظور قال: سئل حبيب بن أوس عن شعر أبي نواس كيف هو عنده فقال أبو نواس ومسلم بن الوليد اللات والعزى وأنا أعبدهما "انتهى" وقال فيه أبو حاتم السجستاني كما في مرآة الجنان وغيره كانت المعاني مدفونة حتى أثارها أبو نواس ولولا أن العامة استبدلت هذين البيتين لكتبتهما بماء الذهب وهما لأبي نواس:

وفي الشذرات عن أبي حاتم لو كتبتهما بالذهب لما كثر وفي معناها التنصيص قال ابن دريد سألت أبا حاتم عن أبي نواس فقال: أن جد حسن وإن هزل ظرف وإن وصف يلقي الكلام على عواهنه لا يبالي من حيث أخذه "انتهى" فوصفه بالقدرة التامة على النظم في جميع حالاته وكأنه أراد بالأخير ما في كلامه من المجون وذكر الخمر. وشهده الأصمعي -وله في نقد الشعر معرفة جيدة ومكانة سامية- بأنه أشعر أهل زمانه. في تاريخ دمشق قال الأصمعي: قال لي الفضل بن الربيع من أشعر أهل زمانك يا أصمعي فقلت: أبو نواس حيث يقول:

ومر قول الأصمعي أنه لا يروي لأحد من أهل زمانه ما يرويه له وما ذلك إلا لإعجابه بشعره وتقديمه له على جميع أهل زمانه وقال ابن منظور: كان الأصمعي يقول: يعجبني من شعر الشاطر بيت واحد قد أجاد قالته وهو:

هكذا في النسخة مع أنهما بيتان. وممن شهد له بأنه أشعر الناس أو من أشعر الناس ابن منظور قال بعضهم: كانت عند ابن الأعرابي -محمد بن زياد- صحيفة لا تفارق كمه فدخل المتهيأ وترك صحيفته تلك في مجلسه فنظرنا فيها فإذا فيها كثير من شعر أبي نواس في الخمر وقد كنا إذا ذكرنا أبا نواس بحضرته استخف به فأعدنا عليه ذكره، وعرف في وجوهنا وقوفنا على ما في الصحيفة - فقال: أو قد قرأتم الصحيفة قلنا: أجل وعجبنا من ازدرائك بأبي نواس مع تدوينك شعره فقال: إنه من أشعر الناس وما يمنعنا من رواية شعره إلا تبذله وسخفه فكتبنا ما في الصحيفة لأمرين (أحدهما) أن نكون راوية ابن الأعرابي (والآخر) لعلمنا أن ذلك من جيد شعره لأنه اختيار ابن الأعرابي لنفسه وقال ابن منظور أيضا قال ابن الأعرابي يوما لجلسائه ما أشعر ما قال أبو نواس في الخمر فقال بعضهم قوله:

وقال آخر بل قوله:

وقال آخر بل قوله :

وقال آخر بل قوله:

فقال ابن الأعرابي: إن هذا كله لشاعر انفرد بالإحسان فيه وتقدم من سبقه ومن تأخر عنه ولكن أشعر من هذا كله في قوله:

وفي تاريخ دمشق قال ابن الأعرابي أبو نواس أشعر الناس في قوله:

وقال: إنه ختم بشعره فما روى لشاعر بعده وما ذاك إلا لأنه لا يرى لشاعر بعده ما يراه له. في معاهد التنصيص قال ابن الأعرابي: قد ختمت بشعر أبي نواس فما رويت لشاعر بعده. وممن شهد له بأنه أشعر الناس من المحدثين وأنه لو قسم إحسانه على جميع الناس لوسعهم وأنه أشعر من مسلم ابن الوليد: البحتري. وحسبك بهذه الشهادة من مثل البحتري ففي معاهد التنصيص قال أبو الغيث ابن البحتري: سألت أبي لما حضرته الوفاة من أشعر الناس فقال: أعن المتقدمين تسأل أم عن المحدثين فقلت عن المحدثين فقال: يا بني لو قسم إحسان أبي نواس على جميع الناس لوسعهم (الخبر) وهذا دليل على شدة اهتمام أهل ذلك العصر بالشعر فابن البحتري لم يجد عند وفاة أبيه أهم من أن يسأله عن أشعر الناس. وقال جامع ديوان أبي نواس: حكى ابن الرومي قال: حضرت مع البحتري منزل عبيد الله بن عبد الله بن طاهر وقد سئل البحتري عن أبي نواس ومسلم أيهما أشعر فقال أبو نواس: أشعر فقال عبيد الله: إن أبا العباس ثعلبا ليس يطابقك على قولك ويفضل مسلما فقال البحتري: ليس هذا من عمل ثعلب وذويه من المتعاطين لعلم الشعر دون عمله إنما يعلم ذلك من قد وقع في مسلك طرق الشعر إلى مضايقه وانتهى إلى ضروراته فقال له عبيد الله: وريت بك زنادي يا أبا عبادة فلقد شفيت من برحائي وقد وافق حكمك في أبي نواس حكم أخيك بشار في جرير والفرزدق فإن دعبلا حدثني عن أبي نواس عن والبة بن الحباب أنه حضر بشارا وقد سئل عن جرير والفرزدق فقال جرير: أشعرهما لأنه يشتد متى شاء ويلين إذا شاء والفرزدق يشتد أبدا قيل له: فإن يونس وأبا عبيدة يفضلان الفرزدق فقال: ليس ذا من عمل أولئك القوم إنما يعرف الشعر من يضطر إلى أن يقول مثله وإن في الشعر ضروبا لم يحسنها الفرزدق "انتهى" وشهد له ابن الجراح بأنه من أجود الناس بديهة وأرقهم حاشية وبالقدرة التامة على الشعر في كل حين. وشهد له المبرد بأنه أحذق المحدثين في الشعر روى جامع ديوانه بسنده عن المبرد أنه قال: ما تعاطى قول الشعر أحد من المحدثين أحذق من أبي نواس فإنه شبب ومدح في أربعة أبيات فقال:

قال: فقوله فلدمعها على خدها خد من بديع القول الذي لم يسبق إلى مثله. وفي خاص الخاص للثعالبي قال هارون بن علي بن يحيى المنجم أجمع أهل العلم بالشعر على أن أجود بيت للمحدثين في المدح قول أبي نواس:

وقال غيره بل قوله:

قال: ومما يجمع الظرف والإعجاب والإطراب قوله:

وفضله جامع ديوانه في مقدمته على من قبله ومن في عصره ومن بعده فقال: إن هذا الرجل مع افتتانه في تعاطي القريض وتأتيه بحسن القول في المدح والنسيب العذب والغزل الرقيق وتناوله ما استصعب على من رام مرامه وطمح في أن يبلغ إحسانه حتى أتى بما لم يأت به أحد قبله ولا في عصره ولا من غبر بعده انتشر شعره حتى نسب أكثر الرواة له غير ما هو له. وشهد له ابن مناذر بالإجادة والإحسان لما سمع قطعة من شعره قبل أن يعرف أنها له فلما عرف أنها له لعنه وندم على مدحه شعره فدل ذلك على شيء في نفسه وأن استحسانه أولا كان في محله. في تاريخ بغداد بسنده عن مسعود بن بشر قال: لقيت ابن مناذر بمكة وكان عالما بالشعر زاهدا في الدنيا فقلت له: من أشعر الناس فذكر جريرا وأورد من شعره ثم ذكر أبو العتاهية وأورد شيئا من شعره فقلت: أنا أنشدك أحسن مما أنشدتني فقال: هات فأنشدته:

فقال أحسن واحد صاحبك في التشبيب وأغرب علينا في صفته النعال وتصييره إياها مطايا فمن هذا. قلت أبو نواس قال لعن الله أبا نواس وندم على ما مدح من شعره. وقال ابن رشيق في العمدة: شبه قوم أبا نواس بالنابغة لما اجتمع له من الجزالة مع الرشاقة وحسن الديباجة والمعرفة بمدح الملوك (انتهى) وفضله ابن الرومي على جميع الناس بعد بشار روى ابن المعتز في الاختيار عن ابن الخصيب عن أبي المنذر قال كان علي بن العباس الرومي يزعم أنه ليس بشار أشعر من أبي نواس وبشار أنشر الناس جميعا ممن تقدم وتأخر وكثيرا ما يتبعه أبو نواس ويصب من قوالب معانيه (انتهى) ويأتي عند ذكر رأيه في الشعراء ورأي بعضهم فيه قول العباس بن الأحنف أن شعر أبي نواس أرق من الوهم وأنفذ من الفهم وأمضى من السهم. وممن على جميع الشعراء العتبي قال ابن منظور: قيل للعتبي من أشعر الناس قال أعند الناس أم عندي قيل عند الناس قال امرؤ القيس قيل فعندك قال أبو نواس. وممن جعله أشعر المحدثين وجعل من لم يرو شعره غير تام الأدب عبد الله بن محمد المعروف بابن عائشة قال ابن منظور: سئل ابن عائشة من أشعر المحدثين فقال الذي يقول: (وهو أبو نواس):

وقال ابن منظور أيضا قال عبد الله بن محمد بن عائشة من طلب الأدب فلم يرو شعر أبي نواس فليس بتام الأدب. وجعل إبراهيم بن العباس الصولي حفظ شعره عنوان الأدب ورائد الظرف وقال ابن منظور قال إبراهيم بن العباس الصولي: إذا رأيت الرجل يحفظ شعر أبي نواس علمت أن ذلك عنوان أدبه ورائد ظرفه وجعل أبو عمرو الشيباني إسحق بن مرار أشعر الناس في وصف الخمر ثلاثة هو أحدهم قال ابن منظور كان أبو عمرو الشيباني يقول أشعر الناس في وصف الخمر ثلاثة الأعشى والأخطل وأبو نواس. واعترف له سفيان الثوري -من أهل الحديث- بالتقدم على من بعده. قال ابن منظور قال أبو ذكوان كنا عند الثوري فذكرت عنده أبا نواس فوضع منه بعض الحاضرين فقال له الثوري أتقول هذا لرجل يقول:

ويقول:

ويقول:

إلى ما سوى ذلك والله لقد لحق من قبله وفات من بعده. وشهد له النظام بأنه جمع له الكلام فاختار أحسنه في خبر يرويه الخطيب البغدادي عن جملة من أئمة أهل الأدب يرويه عن الصيمري عن المرزباني عن محمد بن العباس -هو اليزيدي إمام النحو والأدب- عن المبرد عن الجاحظ عن النظام - وقد أنشد شعرا لأبي نواس في الخمر فقال: هذا الذي جمع له الكلام فاختار أحسنه (انتهى). وشهد له الشريف المرتضى في أماليه بالتقدم في الشعر فإنه عند ذكر قوله:

قال أنه أحسن في هذا البيت غاية الإحسان ثم قال: وإني لأستحسن القصيدة التي من جملتها هذا البيت لأنها دون العشرين بيتا وقد نسب في أولها ثم وصف الناقة بأحسن وصف ثم مدح الرجل الذي قصد مدحه واقتضاه حاجته كل ذلك بطبع يتدفق ورونق يترقرق وسهولة مع جزالة (انتهى) وتأتي القصيدة عند ذكر أخباره مع الخصيب. وقد شهد له السيد الرضي بالتقدم في الشعر بقوله في وصف قصيدة له:

وفضله أبو المنذر على جميع الشعراء بما في شعره من البديع قال ابن المعتز في كتاب الاختيار من شعر المحدثين عن إبراهيم بن الخصيب عن أبي المنذر قال فضل أبو نواس جميع الشعراء بما كان يأتي به من البديع وبالغ أحمد ابن يوسف الكاتب بأن شعره في وصف الخمر لجودته يكاد يطغي العلماء. قال جامع ديوانه قال أحمد بن يوسف الكاتب لقد وصف أبو نواس الخمر بصفة لو سمعها الحسنان لهاجرا إليها واعتكفا عليها يعني الحسن البصري وابن سيرين (انتهى) وشهد له محمد بن صالح بن بيهس الكلابي بأنه غلب على أهل الأدب وقدموه على غيره. قال ابن منظور قال محمد بن صالح بن بيهس الكلابي لما دخلت العراق صرت إلى مدينة السلام فسألت عمن بها من الشعراء المحسنين فقيل لي غلب عليهم فتى من أهل البصرة يقال له الحسن بن هانئ ويعرف بأبي نواس فسألت فتى من أهل الأدب هل تروي لأبي نواسكم هذا شيئا قال أروي له أبياتا في الزهد وليس هو من طريقته وهي (أخي ما بال قلبك ليس ينقى) "الأبيات الآتية" فقلت له أحسن والله قال أفلا أنشدك أحسن من هذا قلت بلى فأنشدني في رثاء محمد الأمين (طوى الموت ما بيني وبين محمد) "الأبيات الآتية" فقلت بحق ما غلب هذا على أهل الأدب وقدموه على غيره (انتهى). هذا ما وقفنا عليه من أقوال العلماء وأدباء في حقه وفي وصف شعره وناهيك بهذه الأقوال من دلالة على قدر من قيلت في حقه ومكانته من الفضل فهؤلاء أئمة الأدب في أرقى عصور الأدب وفحول الشعراء منهم من قدمه على جميع الشعراء المحدثين كابن السكيت وأبي عبيدة والمبرد وابن المنجم وابن نوبخت وابن عائشة. ومنهم من جعله أشعر الناس كالعتابي والجاحظ وأبي العتاهية وأبي تمام والبحتري وابن الأعرابي والأصفهاني جامع ديوانه وأبي المنذر. ومنهم من استثنى بشارا كابن الرومي وشاركهم في ذلك من الفقهاء والمحدثين سفيان بن عيينة وسفيان الثوري ومن الملوك المأمون وأشار إلى موافقتهم في ذلك بشار وأبو حاتم السجستاني وابن خالويه وابن الجراح والعباس بن الأحنف والنظام وأبو الحسن الطوسي وهارون المنجم وأحمد بن يوسف الكاتب والسيد والرضي وإبراهيم بن العباس الصولي وغيرهم. ومنهم من جعله أحد ثلاثة هم أشعر الناس في وصف الخمر كأبي عمرو الشيباني فهل يبقى بعد هذا مجال في تقديمه على الشعراء.

ما قاله عن نفسه

حكى جامع ديوانه عنه أنه قال شعري أشبه شيء بشعر جرير قال وحكي عن محمد بن داود بن الجراح في كتاب الورقة عن اليزيدي عبد الله بن محمد عن أخيه سمعت أبا نواس يقول: سفلت عن طبقة من كان قبلي وعلوت على طبقة من جاء بعدي فأنا نسيج وحدي "انتهى" وقال ابن منظور: كان أبو نواس يقول عن نفسه سفلت عن طبقة من تقدمني من الشعراء وعلوت عن طبقة من معي ومن يجيء بعدي فأنا نسيج وحدي.

اختياره أحسن الألفاظ وأبدع المعاني

مر قول النظام كأن هذا الفتى جمع له الكلام فاختار أحسنه وقول أبي حاتم كانت المعاني مدفونة حتى أثارها أبو نواس. وقال ابن منظور قال بعضهم كأن المعاني حبست عليه فأخذ منها حاجته وفرق الباقي على الناس. قال وقال المكي ما زالت مكنوزة في الأرض حتى جاء أبو نواس فاستخرجها.

اتباعه طرائق جديدة في الشعر

اتبع أبو نواس طرائق جديدة في الشعر ولم يتقيد بطريقة الجاهليين والعرب الأقدمين بل ولا بطريقة المحدثين فجاء في شعره بأمور كثيرة تخالف طريقة القدماء أو هم والمحدثين ومخالفة طريقة المتقدمين وإن لم ينفرد بها أبو نواس بل شاركه فيها غيره ممن تقدم عليه من المحدثين إلا أنه هو قد توسع في ذلك كثيرا وأتى بما لم يشاركه فيه من سبقه واتبعه عليه من لحقه وربما قصر عنه وذلك من وجوه: (أولا) أنه أكثر في شعره من ذم طريقة الشعراء القدماء والمحدثين في وصف الفيافي والقفار والرمال وبكاء الديار والأطلال ونعت الركاب والنياق والوحش والغزلان ومخاطبة الرفاق والخلان وكان ذلك الذم منه تطرفا وتملحا فهو لاشتهاره بوصف الخمر يدعي أنها أحق بالوصف من الفيافي والقفار والركائب والوحش وأولى بالبكاء من المنازل والأطلال وقد يمشي قليلا على طريقتهم في ذلك فمن شعره الذي دعا فيه إلى ترك تلك الطريقة وأبدع طريقة وصف الصهباء قوله:

وقوله:

كأنه يشير إلى قول القائل:

=يا دار مية بالعلياء فالسند

وقوله من أبيات:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

‏وقوله:

‏وقوله:

وقوله:

‏وقوله:

‏وقوله:

‏وقوله:

‏وقوله:

‏وقوله:

‏وقوله:

‏وقوله:

‏وقوله:

‏وقوله وفيها أيضا وصف النخل والتمر:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

إلى أن قال:

وقال كما في الديوان ويظهر من البيت الأخير والذي قبله أن الخليفة نهاه عن ذكر الخمر في شعره وحمله على وصف الأطلال والدمن:

ومن شعره الذي اتبع فيه طريقة غيره في بكاء الأطلال ووصف الديار والقفار وهو قليل في شعره قوله:

وقوله:

(ثانيا) إنه أتى في شعره بألفاظ العلماء وأهل الفنون وعبارات الحكماء والمنجمين والفلاسفة وأصحاب الطبائع فمن شعره الذي استعمل فيه عبارات فلسفية حكمية فيها ألفاظ علمية قوله:

قال ابن منظور قال النظام: لما سمعت هذه الأبيات نبهتني لشيء كنت غافلا عنه حتى وضعت كتابا في الحركة والسكون وعن الجاحظ في البيان والتبيان أنه قال قد تحسن ألفاظ المتكلمين في مثل شعر أبي نواس:

فإن النفاد والتناهي والتولد ومعاد ومردد هي من ألفاظ العلماء والعبارات التي فيها هي عبارات الفلاسفة والحكماء وقال ابن منظور: يدل على معرفته بالكلام أشياء من شعره منها قوله وذكر الأبيات الأربعة قال ومنها قوله:

(أقول) فهذه العبارات عبارات الفلاسفة والتجزي من كلماتهم وقال ابن منظور أيضا حدث بعض آل نوبخت قال جاء النظام يوما فسألنا عن منزل أبي نواس فقلنا له أنه يسكن تلك الغرفة فاستأذن عليه وقال له أنشدني قولك: (تركت مني قليلا) والبيت الذي بعده فأنشده فقال له النظام أنت أشعر الناس في هذا المعنى، والجزء الذي لا يتجزأ منذ دهرنا الأطول نخوض فيه ما خرج لنا فيه من القول ما جمعته أنت فيه في بيت واحد (قال) ومنها قوله في امرأة اسمها حسن:

(أقول) لعله إشارة إلى مسألة كلامية وهي أن الصفة هل هي عين الموصوف أو غيره (قال) ومنها قوله فيما يتعلق بالحكمة:

قال: هذا شيء أخذه أبو نواس من مذهب حكماء الهند فإنهم يقولون إن الشيء إذا أفرط في البرودة انقلب حارا وقالوا: إن الصندل يحك منه اليسير فيبرد فإذا أكثر منه سخن ومن استعماله ألفاظ المنجمين قوله:

والشمس تنتقل إلى برج الحمل في أول فصل الربيع في الثامن من آذار ويستوي حينئذ الليل والنهار ويعتدل الهواء وتعود الأطيار بعد سكوتها في فصل الشتاء واستكمال الخمر حولها لأنها عصرت في ذلك الوقت من تمر أو زبيب صدفة لا لأن ذلك وقت عصرها وقوله من قصيدة:

ومن استعماله ألفاظ المنجمين قوله:

ومن استعماله ألفاظ الفلاسفة والحكماء قوله:

فإن الصور والأشباح من ألفاظهم ومن استعماله ألفاظهم أيضا قوله:

فإن التلاشي والجوهر اللطيف من ألفاظهم. وذكر في شعره القضاء والقدر فقال:

وقوله في صفة الخمر:

ومن تشبيهاته البديعة في الخمر:

وقوله:

(ثالثا) أنه كان للشعراء الأقدمين ألفاظ محدودة وأساليب معينة فتجاوزها أبو نواس. قال ابن رشيق في العمدة: وللشعراء ألفاظ معروفة وأمثلة مألوفة لا ينبغي للشاعر أن يعدوها ولا أن يستعمل غيرها كما أن الكتاب اصطلحوا على ألفاظ بأعيانها سموها الكتابية لا يتجاوزونها إلى سواها إلا أن يريد شاعر أن يتطرق باستعمال لفظ أعجمي فيستعمله في الندرة وعلى سبيل الحظرة كما فعل الأعشى قديما وأبو نواس حديثا "انتهى" وظاهره أنه حصر تجاوز أبي نواس في استعمال لفظ أعجمي وهو غير صواب فقد تجاوز بما هو أوسع من ذلك كثيرا.

(رابعا) التصرف في المعاني فقد تصرف أبو نواس في المعاني ما شاء كما أشار إليه أبو حاتم السجستاني بقوله كما مر: كانت المعاني مدفونة حتى أثارها أبو نواس. فمن تصرفه في المعاني قوله الذي جعله به ابن الأعرابي أشعر الناس كما مر (تغطيت من دهري) البيتان السابقان عند الكلام على تقديمه على الشعراء فإن كونه تغطى عن الدهر بظل جناح الممدوح فصار يرى الدهر والدهر لا يراه والأيام لا تدري اسمه ولا مكانه فلا تناله بصروفها ومحنها ومصائبها لهو من المعاني الغريبة الطريفة التي لم يسبق إليها والكنايات البديعة التي تصرف فيها أحسن تصرف. ومن تصرفه في المعاني قوله:

ومن تصرفه في المعاني قوله:

وقوله:

وقوله:

ومن تصرفه في المعاني ما قاله فيمن دخلت لي مأتم كما في تاريخ دمشق:

وقال في جارية تبكي ميتا كما في تاريخ دمشق:

وقال في باكية في مأتم:

ومن ذلك قوله وقد رأى جارية خرجت من قصر فكلمها فقالت له بهذا الوجه؟! فقال كما في تاريخ دمشق:

وقوله:

وقوله:

ومن بديع تصرفه في المعاني قوله في وصف الخمر:

ومن تصرفاته في المعاني قوله:

(خامسا) كثرة النكات في شعره فإنه كثيرا ما يأتي بالنكات النادرة والنوادر المستملحة في شعره ويتصرف فيها تصرفات لا تكاد توجد لغيره ويستشهد بالأمور الدينية في الغزل وغيره. في تاريخ بغداد قال حسن بن الداية دخلت على أبي نواس في مرضه الذي مات فيه فقلت له: عظني فرفع رأسه إلي وأنشأ يقوله:

فقلت له: ويلك في مثل هذه الحال تعظني بمثل هذه الموعظة فقال: اسكت حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه (قال) أدخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي "انتهى". قال ابن خلكان: ما أحسن ظن أبي نواس بربه حيث يقول: وأورد الأبيات ثم قال: وهذا من أحسن المعاني وأغربها "انتهى" ويمكن القول بأن هذه الأبيات أقرب إلى حسن النكتة منها إلى حسن الظن بربه تعالى فإن حسن الظن له أسلوب آخر غير هذا الأسلوب ومن استشهاده بالأمور الدينية في غزله ومجونه قوله:

وقوله:

(سادسا) تفننه في وصف الخمر كما ستعرف عند ذكر نموذج من خمرياته.

(سابعا) إكثاره من غزل المذكر الذي لم تكن تعرفه العرب.

(ثامنا) تعاجمه في شعره قال ابن منظور كان قبل أن ينتمي لليمن ويدعي النزارية يتعاجم في شعره "انتهى" وأنا أظن أن تعاجمه هذا من جملة تفننه في الشعر لا ميلا إلى العجم فمن ذلك قوله:

وقوله: (تدار علينا الراح) الأبيات وقوله:

الأوقات التي كان ينظم فيها أبو نواس الشعر

قال ابن منظور: كان أبو نواس يقول لا أكاد أقول شعرا جيدا حتى تكون نفسي طيبة وأكون في بستان موفق وعلى حال أرتضيها من صلة أوصل بها أو وعد بصلة وقد قلت وأنا على غير هذا الحال أشعارا لا أرضاها.

تهذيبه شعره وإسقاط ما لا يرضاه

قال ابن منظور: كان أبو نواس يعمل القصيدة ثم يتركها أياما ثم يعرضها على نفسه فيسقط كثيرا منها ويترك صافيها ولا يسره كل ما يقذف به خاطره. ولم يكن في الشعر بالبطيء ولا بالسريع بل كان في منزلة وسطى.

رأيه في شعر نفسه

قال ابن منظور قال سليمان ابن أبي سهل قلت لأبي نواس: ما الذي أستجيد من أجناس شعرك فقال: أشعاري في الخمر لم يقل مثلها وأشعاري في الغزل فوق أشعار الناس وهما أجود شعري إن لم يزاحم غزلي ما قلته في الطرد. وقال ابن منظور أيضا قال أبو حاتم السجستاني سهل ابن محمد سئل أبو نواس عن شعره فقال: إذا أردت أن أجد قلت مثل قصيدي:

وإذا أردت العبث قلت مثل قصيدي:

فأما الذي أنا فيه وحدي وكله جد فإذا وصفت الخمر. وقال ابن منظور أيضا كان أبو نواس يقول: لو أن شعرا يملأ الفم ما تقدمني أحد .

رأيه في الشعراء ورأي بعضهم فيه

في معاهد التنصيص: كان أبو نواس يعجبه شعر النابغة ويفضله على زهير تفضيلا شديدا ثم يقول الأعشى ليس مثلهما وكان يتعصب لجرير على الفرزدق ويقول: ويأتم ببشار ويقول غزير الشعر كثير الافتنان ويقول: وثمنت قراءة شعر الكميت فوجدت قشعريرة ثم قرأت شعر الخزيمي فتشققت علي حمى مبردة ثم قال يوما: شعري أشبه بشعر جرير فقيل له: فما تقول في الأخطل قال إمامي فقيل الفرزدق قال: ذاك الأب الأكبر "انتهى". واجتمع أبو نواس مع العباس بن الأحنف في مجلس فقام العباس في حاجة فسئل أبو نواس عن رأيه فيه وفي شعره فقال: لهو أرق الوهم وأنفذ من الفهم وأمضى من السهم ثم عاد العباس وقام أبو نواس لحاجة فسئل العباس عن رأيه فيه فقال: إنه لأقر للعين من وصل بعد هجر ووفاء بعد غدر وإنجاز وعد بعد يأس (إلى أن قال) وانصرف العباس أبو نواس فسئل عن العتابي والعباس فقال العتابي يتكلف والعباس يتدفق طبعا وكلام هذا سهل عذب وكلام ذاك متدفق كز وفي شعر هذا ماء ورقة وحلاوة وفي شعر ذاك جساوة وفضاضة.

رأيه في العلماء

قال ابن خلكان في ترجمة أبي عبيدة معمر بن المنى: كان أبو نواس يتعلم من أبي عبيدة ويصفه ويشنأ (ويسب) الأصمعي ويهجوه فقيل له: ما تقول في الأصمعي قال بلبل في قفص قيل له: فما تقول في خلف الأحمر فقال: علوم الناس ونهمها قيل فما تقول في أبي عبيدة فقال: ذاك أديم طوي على علم وذكر نحوه ابن منظور.

حسد الشعراء له

قال ابن منظور قال محمد بن عمر لم يكن شاعر في عصر أبي نواس إلا وهو يحسده لميل الناس إليه وشهوتهم لمعاشرته وبعد صيته وظرف لسانه "انتهى" وكفى بذلك دليلا على تقدمه في الشعر.

تشيعه

قد عرفت أن ابن شهراشوب في المعالم عده من شعراء أهل البيت المقتصدين من أصحاب الأئمة عليهم السلام وقال محمد بن مكرم المعروف بابن منظور الأنصاري صاحب لسان العرب في كتابه أخبار أبو نواس ما لفظه: ومن خلال أبي نواس المأثورة أنه كأن يميل مع أهل البيت سرا لا يجسر على المجاهرة به وقال قيل له في إعراضه عن مدحهم لقد ذكرت كل معنى في شعرك وهذا علي بن موسى الرضا في عصرك لم تقل فيه شيئا فقال: وأنا ما تركت ذلك إلا إعظاما له وليس قدر مثلي أن يقول في مثله وأنشد:

ومر عند ذكر أقوال العلماء فيه قول المرزباني أما في مذهبه فكان شيعيا إماميا حسن العقيدة وهو القائل في علي ابن موسى الرضا عليه السلام وقد عوتب في ترك مدحه (قيل لي أنت أشعر الناس طرا) الأبيات الثلاثة المتقدمة هناك وقال ابن خلكان في ترجمة الرضا عليه السلام وفيه يقول أبو نواس وذكر الأبيات الثلاثة المتقدمة وزاد عليها بيتا مع بعض المخالفة في الباقي.

قال وكان سبب قولة هذه الأبيات أن بعض أصحابه قال له: ما رأيت أوقح منك ما تركت خمرا ولا طردا ولا معنى إلا قلت فيه شيئا وهذا علي بن موسى الرضا في عصرك لم تقل فيه شيئا فقال: والله ما تركت ذلك إلا إعظاما له وليس قدر مثلي أن يقول في مثله ثم أنشأ بعد ساعة هذه الأبيات. قال وفيه يقول أيضا وله ذكر في شذور العقود في سنة إحدى أو اثنتين ومائتين المطهرون نقيات جيوبهم) الأبيات الأربعة الآتية. وفي عيون أخبار الرضا: حدثنا أحمد بن يحيى المكتب حدثني أبو الطيب أحمد بن محمد الوراق حدثنا علي ابن هارون الحميري حدثنا علي بن محمد بن سليمان النويلي قال: إن المأمون لما جعل علي بن موسى الرضا عليه السلام ولي عهده وأن الشعراء قصدوا المأمون ووصلهم بأموال جمة حين مدحوا الرضا عليه السلام وصوبوا رأي المأمون في الأشعار دون أبي نواس فإنه لم يقصده ولم يمدحه ودخل إلى المأمون فقال له: يا أبا نواس قد علمت مكان علي بن موسى الرضا مني وما أكرمته به فلماذا ادخرت مدحه وأنت شاعر زمانك وقريع دهرك فأنشأ يقول:

فقال له المأمون: أحسنت ووصله من المال بمثل ما وصل به كافة الشعراء وفضله عليهم وروى محمد ابن أبي القاسم في كتابه بشارة المصطفى قال: أخبرنا الشيخ محمد ابن شهريار الخازن في ذي القعدة سنة 510 قراءة عليه بمشهد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام عند باب العباس الدرويستي قال: حدثنا العباس الدرويستي بذلك المشهد المقدس في شعبان سنة 458 وهو متوجه إلى مكة للحج قال: حدثني أبي محمد بن أحمد حدثني الشيخ السعيد أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه حدثني أبي عن علي بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم عن ياسر الخادم قال: لما جعل المأمون علي بن موسى الرضا عليه السلام ولي عهده وضربت الدراهم باسمه وخطب له على المنابر قصده الشعراء من جميع الآفاق فكان في جملتهم أبو نواس الحسن بن هانئ فمدحه كل شاعر بما عنده إلا أبو نواس فإنه لم يقل فيه شيئا فعاتبه المأمون وقال له: يا أبا نواس أنت مع تشيعك وميلك إلى أهل هذا البيت تركت مدح علي بن موسى مع اجتراع خصال الخير فيه فأنشأ يقول: (قيل لي أنت أشعر الناس طرا) الأبيات وزاد فيها:

فدعا بحقة لؤلؤ فحشا فاه لؤلؤا "انتهى". وفي العيون أيضا حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن همام المكتب حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه حدثنا أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام ذات يوم وقد خرج من عند المأمون على بغلة له فدنا منه أبو نواس فسلم عليه وقال يا ابن رسول الله قد قلت فيك أبياتا فأحب أن تسمعها مني فقال: هات فأنشأ يقول:

فقال له الرضا عليه السلام: قد جئتنا بأبيات ما سبقك إليها أحد ثم قال: يا غلام هل معك من نفقتنا شيء فقال: ثلثمائة دينار فقال: أعطها إياه ثم قال: لعله استقلها يا غلام سق إليه البغلة. ورواه صاحب كتاب بشارة المصطفى بالسند الآتي عن ياسر الخادم مثله وزاد فدنا منه أبو نواس في الدهليز وأنه بعد إنشاده قال له الرضا عليه السلام: أحسن الله جزاءك. وفي رياض العلماء: روى الحموي في كتاب فرائد السمطين عن الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي عن الحاكم أبي عبد الله النيشابوري عن علي بن محمد بن عيسى عن الصدوق عن الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب إلى آخر السند والحديث السابقين وفي العيون أيضا حدثنا أبو نصر محمد بن الحسن بن إبراهيم الكرخي الكاتب بإيلاق حدثني أبو الحسن محمد بن صفوان (سفيان) الغساني حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي سمعت أبا العباس محمد ابن يزيد المبرد يقول: خرج أبو نواس ذات يوم من دار فبصر براكب قد حاذاه فسأل عنه ولم ير وجهه فقيل إنه علي ابن موسى الرضا فأنشأ يقول:

وفي رياض العلماء وروى الحموئي أيضا بإسناده عن أبي بكر محمد بن يزيد المبرد يقول: خرج أبو نواس إلى آخر الحديث السابق. ومر عند الكلام على تاريخ وفاته منافاة تاريخها لهذه الأخبار فلا بد من القول إما بعدم صحة هذه الأخبار أو عدم صحة هذه التواريخ وأنه لما كانت هذه الأخبار قد روتها الثقات تعين الثاني والله أعلم. كما مر أن المؤرخين لم يذكروا مجيء أبي نواس إلى خراسان وأنه كان ملازما للأمين حتى مات فرثاه وذلك ينافي هذه الأخبار فراجع. ثم إن ابن شهراشوب في المناقب ذكر أنه قال هذه الأبيات مع بعض زيادة وتغيير في أبيه الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام قال عند ذكر سيرة الإمام موسى بن جعفر ولقيه أبو نواس فقال:

وعليه فيرتفع التنافي بين التاريخين لكن الأخبار الدالة على ملاقاة أبي نواس للرضا وللمأمون بخراسان كثيرة يصعب ردها والله أعلم وأورد له ابن شهراشوب في المناقب هذه الأبيات ويظهر أنها في الإمام الباقر عليه السلام لأنه أوردها عند ذكر سيرته عليه السلام فقد قال أبو نواس:

ولكن ابن شهراشوب نفسه نسب في المعالم البيت الرابع إلى علي بن محمد بن عمار البرقي فدل على أن الباقي له ومر عند الكلام على كثرة النكات في شعره وخلطه الجد بالهزل قوله:

ومما يشير إلى تشيعه قوله وقد قدم الكوفة واستطابها وأقام بها مدة:

وأهل الكوفة معروفون بالتشيع وأهل البصرة بخلافه وأورد له ابن شهراشوب في المناقب ثلاثة أبيات في أمير المؤمنين عليه السلام أولها: (قيل لي قل في علي مدحا) لم نطمئن من صحة نسبتها فتركناها وأورد له ابن شهراشوب في المناقب بعد الأبيات الأربعة الآتية التي أولها (يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة) قوله:

ولكن عدم ذكر غيره لهذه التتمة مع كونها ليست في قوة أشعاره يوجب الظن بأنها قد ألحقت بأبياته إلحاقا والله أعلم. وأورد له ابن شهراشوب في المناقب في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام هذه الأبيات التي مزج فيها الجد بالهزل:

أبو نواس الحق وأبو نواس الباطل

روى الشيخ الطوسي في أماليه أن الإمام الهادي عليه السلام قال لسهل بن يعقوب الكاتب المكنى بأبي نواس أنت أبو نواس الحق ومن تقدمك أبو نواس الباطل "انتهى" وعن الكفعمي في حاشية المصباح عن سهل بن يعقوب هذا أن الإمام الهادي عليه السلام كان يقول: إذا سمع من يلقبني بأبي نواس أنت أبو نواس الحق ومن تقدمك أو وذاك إمام الغي والباطل ويأتي ذلك في ترجمة سهل والظاهر أن ذلك لما كان يصدر من أبي نواس المترجم من المجون ووصف الخمر وهجاء الناس لا لسوء في عقيدته وفي مجالس المؤمنين مما نسب إلى أبي نواس الحسن بن هانئ قوله:

من طريف أخباره ما رواه الخطيب في تاريخ بغداد بسنده عن سليم بن منصور قال: رأيت أبا نواس في مجلس أبي بكى بكاء شديدا فقلت: إني لأرجو أن لا يعذبك الله بعد هذا البكاء أبدا فأنشأ يقول:

ثم قال: أما ترى الغلام الذي عن يمين أبيك إنما بكيت لبكائه. ومن طريف أخباره ما في تاريخ دمشق عن حسين ابن مخلد قال: دعا حائك أبا نواس يوما أن يكون عنده فوعده ولم يقصر الحائك في الاحتفال وجاء أبو نواس فإذا منزل طيب فأكل وشرب وكان الحائك يحب جارية قد شغف بحبها فقال له: يا سيدي قل في حبيبتي شعرا أسر به فقال له: أحضرها لأصفها عن مشاهدة فأحضرها فإذا هي أسمج خلق الله سوداء شمطاء دندانية يسيل لعابها على صدرها فقال له: ما اسمها قال: تسنيم فأنشا يقول:

فقام الحائك يرقص ويصفق سائر يومه ويفرح ويقول: شبهتها والله بملك الروم .

ومن نوادره

ما عن محاضرات الراغب: رئي أبو نواس وهو يصلي في الجماعة فقيل له: ما هذا فقال: أردت أن يرتفع إلى السماء خبر طريف. وقال أبو السفاح قلت لأبي نواس الصلاة، فقال رويدا حتى تذهب حمياها قلت: وما حمياها قال: الركعتان الأولتان لأنهما أطوال.

ومن أخباره

في تاريخ دمشق قال سندي بن صدقة كنا على سطح بمصر ومعنا أبو نواس فأقبلت رفقة يريدون الخصيب فاستدعى أبو نواس بدواة وكتب إلى الخصيب:

ومن أخباره ما في كشكول البهائي: حكي أنه ذكر للرشيد قول أبي نواس:

فقال: لمن حضره ما معناه فقال: أحدهم أن الخمرة إذا كانت في دنها كان عليها شيء مثل الزبد وهو الذي أراده وكان الأصمعي حاضرا فقال: يا أمير المؤمنين أن أبا علي رجل خطر وأن معانيه لخفية فاسألوه عن ذلك فأحضروه وسئل فقال: إن الكرم يكون عليه شبيه بالقطن فقال الأصمعي: ألم أقل لكم أن أبا نواس أدق نظرا مما ذكرتم "انتهى" ومن أخباره كما في روضات الجنات أنه خرج مع أصحابه إلى نزهة فمر بهم غلام من أهل البادية يسوق غنما له فقال أبو نواس لأصحابه: ألا أضحككم منه قالوا له: افعل فصاح به وقال:

فأجابه الراعي على البديهة:

فقال له أصحابه: هو والله أشعر منك. ومن أخبار أبي نواس بمصر ما رواه المرتضى في الأمالي بسنده عن إبراهيم ابن الخصيب قال: وقف أبو نواس بمصر على النيل فرأى رجلا قد أخذه التمساح فقال:

قال: وقد أخطأ الصولي في تفسير أبي نواس بأن البواقيل سفن مغار لأن البواقيل جمع بوقال وهو آلة على هيأة الكوز تعمل من الزجاج وغيره قال: وهذا من قول ابن الرومي:

وانما أراد إنني لا أمر بماء النيل إلا إذا أردت شربه في كوز أو بوقال وما أشبه ذلك وأظن أنه استمر عليه الوهم من جهة قوله فما أرى النيل وصرف ذلك إلى أنه أراد النيل على الحقيقة وإنما أراد ماء النيل وما علمت أن السفن الصغار يقال لها: بواقيل إلا من قول الصولي هذا ولو كان ما ذكره صحيحا من أن ذلك اسم لصغار السفن لكان بيت أبي نواس بما ذكرناه أشبه وأليق وأدخل في معنى الشعر ويدخل شبهة في ذلك مع قوله -فمن رأى النيل رأى العين من كثب- ومن رأى النيل في السفن فقد رآه من كثب ومن رأى ماءه في الآنية على بعد فلا يكون رائيا له من كثب.

روايته الحديث

قد عرفت عند ذكر أقوال العلماء فيه وستعرف عند ذكر مشايخه أنه كان من رواة الحديث وروى عن عدة مشايخ .

ما روي من طريقه

في تاريخ بغداد في ترجمة محمد بن كثير أبو عبد الله الصيرفي البابشامي أنه روي عنه عن أبي نواس الشاعر عن حماد بن سلمة يرفعه إلى أنس بن مالك حديثان سندان إلى النبي صلى الله عليه وسلم (أحدهما) أنه قال: (لا يموتن أحدكم حتى يحسن ظنه باتا فإن حسن الظن باتا ثمن الجنة). ورواه ابن عساكر من طرق متعددة (وثانيهما) أنه قال لكل نبي شفاعة واني اختبأت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة.

مداعبته مع مشايخ الحديث واللغة

من طريف حال أبي نواس أن يكون راويا للحديث وهو شاعر مستغرق الشعر في المجون والتفنن في الغزل ووصف الخمر وما إلى ذلك ومن هذا دأبه لا يميل إلى رواية الحديث لكن علو همته دعاه إلى الدخول في كل فن والجمع بين ما لا يتناسب فتراه وهو يروي عن عدة مشايخ تزيد على ثمانية يولع بأفانين المجون والغزل ووصف الخمر ولم يترك أبو نواس الظرف والمداعبة في شعره حتى في حال طلبه الحديث ومع أحد مشايخه فيه. روى الخطيب في تاريخ بغداد عن ابن عائشة قال: كنا على باب عبد الواحد بن زياد -أحد مشايخ أبي نواس في الحديث- ومعنا أبو نواس فقال -يعني عبد الواحد- ليسأل كل واحد منكم ثم قال -أي لأبي نواس- سل يا فتى فأنشأ يقول:

فالتفت إليه عبد الواحد بن زياد وقال: اعزب عني يا خبيث والله لا حدثتك بشيء وأنا أعرفك. ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق مع تغيير وزيادة قال: قال سليمان بن داود بينا نحسن ذات يوم عنا عبد الواحد بن زياد وأبو نواس حاضر فقلنا لبعضنا: ليختر كل واحد منا عشرة أحاديث فاختاروا ولم يختر أبو نواس فقلنا: يا فتى مالك لا تختار فأنشدنا:

فقال له عبد الواحد: قم يا ماجن وبلغ ذلك مالك ابن أنس وإبراهيم بن يحيى فقالا: عراقي غث ليس له تمام نسك ولا عقل ولا ظرف فهلا اغتنم ظرفه فقال أبو نواس:

وحكى ابن منظور هذا الخبر على نحو آخر فقال: أقبل أبو نواس إلى مجلس عبد الواحد بن زياد بالبصرة وقد كثر عليه أصحاب الأحاديث ليسألوه عنها فقال لهم: ليسأل كل رجل منكم عن ثلاثة أحاديث وليمض ففعل الناس ذلك حتى انتهى إلى أبي نواس فقال: يا غلام سل أنت فقعد بين يديه وقال: هاك الحديث فقال هات فأنشده:

فقال له عبد الواحد: قم عليك لعنة الله والله لا أحدثك بعد ذلك ولا أعرف وجهك فقام أبو نواس وقال: والله لا أتيت مجلسك وأنت ترد الصحيح من الأحاديث، وحكى ابن عساكر في تاريخ دمشق عن عبيد الله بن محمد بن عائشة قال: أتيت إسحاق بن يوسف الأزرق يوما فلما رآني بكى فقلت: ما يبكيك فقال: هذا أبو نواس قلت: ما له قال: يا جارية ائتيني بالقرطاس فإذا فيه مكتوب:

كذب والله علي وعلى التابعين وعلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما حدثته والله بهذا قط "انتهى" وهذا يدل على أن إسحاق هذا كان مغفلا. ومن طرائفه التي ترتبط بعلم الحديث ما رواه الخطيب بإسناده أنه لقي شعبة -وهو من رواة الحديث- أبا نواس فقال له: يا حسن حدثنا من طرقك فقال:

فقال له شعبة: إنك لجميل الأخلاق وإني لأرجو لك. فانظر إلى الفرق بينه وبين إسحاق. وروى الخطيب في تاريخ بغداد بسنده عن عبيد الله بن محمد بن عائشة قال: رأيت أبا نواس في مجلس عبد الواحد بن زياد فقلت: أرجو أن يكون صلح إلى أن قال: فانصرفت إلى منزلي وإذا قد سبقت برقعة وإذا فيها مكتوب:

وعن محاضرات الراغب: كان أبو نواس مولعا بأبي عبيدة النحوي (معمر بن المثنى) فكتب يوما على أسطوانة كان يستند إليها أبو عبيدة:

فلما رآه أبو عبيدة قال لبعض أصحابه: ويحك اصعد فوقي وحكه فتطأطا له وصعد يحكه فلما ثقل عليه قال: أوجز فقال: حككته كله ولم يبق إلا لوط فقال: ويحك هذا هو المقصود. وفي مروج الذهب: كان أبو عبيدة يقعد في مسجد البصرة إلى سارية من سواريه فكتب أبو نواس عليها في غيبته (صلى الإله على لوط) "البيت" فلما جاء أبو عبيدة إلى تلك السارية قال: هذا فعل الماجن أبي نواس حكوه وإن كان فيه صلاة على نبي. وقال ابن منظور قال محمد ابن هشام كان عند أبي عبيدة في المسجد الجامع ومعنا أبو نواس إذ كتب إنسان على دفتره شيئا وقد لحظ الأسطوانة فقال له أبو عبيدة: ما هذا الذي تكتب فنظرنا فإذا بيت قد قاله أبو نواس وهو (صلى الإله على لوط) "البيت" فقال أبو عبيدة: هذا عمل الخبيث يعني أبا نواس وكنا أربعة أو خمسة فقال أبو عبيدة لكيسان: أيما أحب إليك أن تجبي لي فأمحوه أو أجبي لك فتمحوه أنت قال: أجب لي أنت فانحنى أبو عبيدة وحمل كيسان على ظهره وقال له: حكه قال كيسان فجعلت أحكه وهو يقول لي: ويحك عجل لا نفتضح عند الناس ثم قال لي: قد فرغت قلت قد بقي لوط وحده فقال لي أبو عبيدة: وهل نهرب إلا من لوط حكه فحككته "انتهى" ويظهر أن أبا نواس كتبه في موضع عال لا تناله اليد حتى يصعب حكه. قال ابن منظور: وقيل إن هذا البيت وجد في رقعة في مجلس أبي عبيدة وبعده بيت آخر وهو (فأنت عندي) "البيت المتقدم" فاتهم بذلك أبا محمد اليزيدي (يحيى بن المبارك) وأبا نواس فاعتذر إليه أبو نواس فقبل عذره ولم يعتذر اليزيدي فقال أبو عبيدة: لا فخرت عندي الرباب بأني ذكرتها أبدا فكيف أذكر عبدها وكان اليزيدي مولى لعدي الرباب "انتهى". ومن عبثه بأبي عبيدة ما ذكره ابن منظور قال: جاء أبو نواس بناطف فألقاه على سارية أبي عبيدة وجاء أبو عبيدة فاتكأ على قفاه إلى السارية فلما انتصف النهار واشتد الحر ذاب الناطف فسال على وجه أبي عبيدة وعينيه ولحيته ويحك وثيابه به فقال: قبح الله الماجن الخبيث أبا نواس فإن هذا من عمله قال وقال الجماز: كنا في حلقة أبي عبيدة فوجدنا فيها رقاعا في كل رقعة منها مكتوب:

فقال أبو عبيدة من فعل هذا لعنه الله فقال أبو نواس: لو علمت من فعل هذا لأهجونه فضحك أبو عبيدة وقال: ومحترس من مثله وهو حارس.

أخباره مع والبة بن الحباب

قال جامع ديوانه: خرج أبو نواس يوما مع والبة ابن الحباب من الكوفة يريدان الحيرة وهما يمشيان وأرجلهما تغرق في الرمل وقد جاعا فقال أبو نواس:

فقال والبة:

فقال أبو نواس:

فقال والبة:

فقال أبو نواس:

فقال والبة:

#فقال أبو نواس:

فقال والبة:

خبره مع حمدان بن زكريا الخزاز

قال جامع ديوان أبي نواس قال الهيثم الخثعمي الكوفي: قدم علينا أبو نواس الكوفة يريد الحج فاستزرته فزارني فرأى عندي دفترا فيه شعر حمدان بن زكريا الخزاز فنظر فيه فاستبرده فدعا بكوز ماء فصبه عليه وقال: هذا حق هذا الشعر فبلغ الخبر حمدان فجائني رسوله برقعة فيها:

فأجابه أبو نواس:

(الأبيات الآتية) قال: وقد روى النيبختيون خبر هذه الأبيات من جهة أخرى قالوا: حضر أبو نواس مع جماعة سطحا عاليا من سطوح بني نيبخت يطلبون هلال الفطر وكان سليمان ابن أبي سهل في عينيه سوء فقام أبو نواس بإزائه ثم قال: يا أبا أيوب كيف ترى الهلال من بعد وأنت لا تراني من قرب فقال سليمان: قد رأيتك تمشي القهقرى حتى تدخل في حر جلبان فأحفظ ذلك ابا نواس فقال في سليمان:

(الأبيات) فأجابه سليمان ابن ابي سهل قال:

وقال جامع ديوانه لما قال أبو نواس:

عارضه الخزاز فقال:

خبره مع أبي العتاهية

حكى ابن عساكر في تاريخ دمشق عن إسحاق ابن إبراهيم الموصلي قال: اجتمع عندي أبو نواس وأبو العتاهية وكل واحد منهما لا يعرف صاحبه فعرفت أبا العتاهية بأبي نواس فسلم عليه وجعل أبو نواس ينشد من سفساف شعره فاندفع أبو العتاهية فأنشد فجعل أبو نواس يقول: هذا والله المطمع الممتنع فقال له أبو العتاهية: هذا القول والله منك أحسن من كل ما أنشدت كيف البيت الذي مدحت به الرشيد قال الربيع:

قال: لوددت أني كنت سبقتك إليه وزاد ابن الأنباري في أخباره مع مسلم بن الوليد:

أخباره مع مسلم بن الوليد

قال جامع ديوانه: اجتمع أبو نواس يوما مع مسلم فتلاحيا فقال مسلم: ما أعلم لك بيتا يسلم من سقط فقال أبو نواس: هات فقال قولك:

لماذا أمله ديك الصباح وهو يبشره بالصبوح الذي ارتاح إليه فكيف يجتمع ارتياح وملل فقال أبو نواس: أنشدني أنت أي شعرك شئت فأنشده مسلم:

فقال أبو نواس: ناقضت ذكرت أنه راح والرواح لا يكون إلا بالانتقال من مكان ثم قلت: وأقام بين عزيمة وتجلد فجعلته منتقلا مقيما وتشاغبا في ذلك ثم افترقا فقال أبو نضلة مهلهل بن يموت بن المزرع ابن أخت الجاحظ: غلط مسلم في معارضته لأبي نواس لأنه إنما ارتاح للشرب ولم يرتح لصوت الديك فلما أكثر مل استماع صياحه "انتهى". وقال ابن منظور: اجتمع أبو نواس ومسلم ابن الوليد في مجلس فقال مسلم لأبي نواس: والله ما تحسن الأوصاف فقال له أبو نواس: لا والله ما أحسن أن أقول:

والله لو رحمت الناس في الطرق لكان أحسن لك من هذا.

خبره مع الرقاشي واسمه الفضل بن العميد

قال جامع ديوانه: اجتمع أبو نواس يوما مع الرقاشي في مجلس فتذاكرا الشعر فقال له أبو نواس: لقد سبقتني إلى أبيات وددت أنها لي بجميع شعري قال: وما هي قال قولك:

فقال له الرقاشي: لكنك أنت سبقتني ببيتين وددت أنهما لي بجميع شعري فقال وما هما قال قولك:

أخباره مع الرشيد

قال ابن منظور قال أبو نواس: أول اتصالي بالخلفاء أن الرشيد قال ذات ليلة لهرثمة بن أعين أطلب لي رجلا يصلح للحديث وللسمر فخرج هرثمة فسأل فدل علي فأدخلني عليه فسألني الرشيد عن اسمي واسم أبي فأخبرته ثم قال لي يا حسن أرقت في هذه الليلة فخطر ببالي هذان البيتان:

فقلت بديها:

قال أحسنت والله وأمر لي بمال وكان سبب اتصالي به. وفي بعض حكاياته معه أنه أمر له بعشرين ألف درهم. قال ابن منظور: كان إسحاق الموصلي يتعصب لأبي نواس ويشيد ذكره ويجهر بتفضيله ويجلب له الرفد من الرشيد ويحط من قدر الأصمعي لتنافس بينهما حتى أخذ أبو نواس المقام الأول بين الندماء وبنى لنفسه وفي نهر طابق الدور التي لم يبن مثلها عظماء الناس بينما الأصمعي يتقرض من أصحابه حاجته من المال. قال وإنما حصل أبو نواس على المكانة عند الرشيد بأنه كان إذا بكر إليه سأل أبو نواس خواص أهل بيت الرشيد عما يكون في نفسه أو يكون جرى له في ذلك الوقت ثم ينشده أشعارا لطيفة في مطابقة ذلك فيطيب بها نفسا قال أبو نواس: ولقد كنت يوما معه بداره وعلمت من بعض خدمه أنه دخل مقصورة جارية على غفلة منها فوجدها تغتسل وقت الظهر فلما رأته تجللت بشعرها فأعجبه ذلك منها فلما دخل أبو نواس أنشده:

فقال الرشيد على سبيل الاستغراب أمعنا كنت قال لا وإنما شيء خطر لي بالبال فقلته فضحك الرشيد ثم أمر له بجائزة وصرفه. قال ابن منظور قال بعض المترجمين ممن يحيط علما بأحوال أبي نواس أن هذه الحكايات من أبي نواس والرشيد موضوعات وأن أبا نواس ما دخل على الرشيد قط ولا رآه وإنما دخل على محمد الأمين وما ملك أبو نواس عشرين ألف نواة فكيف بعشرين ألف درهم "انتهى". (أقول) الرشيد ملك سنة 180 ومات سنة 193 وأبو نواس مر أنه ولد سنة 136 على الأقل و 149 على الأكثر وتوفي سنة 195 على الأقل و 200 على الأكثر وعلى كل حال فيكون قد أدرك خلافة الرشيد ولا بد لمثله في تميزه بين الشعراء أن يكون قد دخل على الرشيد. وملكه عشرين ألف درهم لا وجه لإنكاره في مثاله من الشعراء كان ملوك بني العباس يغدقون لهم العطاء أما هذه القضايا التي تنقل له مع الرشيد فقد أشرنا عند ذكر أقوال العلماء فيه أن بعضها موضوع والحكاية الآنفة الذكر يمكن وقوعها والشعر الذي فيها قال ابن منظور أنه من جيد الشعر وقال القاضي عياض في الشفا قد أنكر الرشيد على أبي نواس قوله:

وقال له يا ابن اللخناء أنت المستهزئ بعصا موسى وأمر بإخراجه عن عسكره في ليلته "انتهى" (أقول) الخصيب من موالي الرشيد ولاه مصر لما قرأ قول فرعون المحكي في القرآن الكريم: أليس لي ملك مصر فحلف ليولينها مولى من مواليه ولأبي نواس فيه مدائح كثيرة تأتي في أخباره معه. وفي المحاسن والمساوي للبيهقي قيل أدخل الفضل ابن يحيى أبا نواس إلى عند الرشيد فقال له الرشيد أنت القائل:

أحسبك زنديقا قال يا أمير المؤمنين قد قلت ما يشهد لي بخلاف ذلك قال وما هو قال قلت:

(الأبيات الآتية في المواعظ والحكم) فقال الفضل يا سيدي إنه يؤمن بالبعث ويحمله المجون على ذكر ما لا يعتقده (ثم أنشد في مدح الرشيد):

فخلع عليه الرشيد ووصله بعشرة آلاف دوهم والفضل بمثلها "انتهى".

ومن مدائحه في الرشيد قوله:

يقول في وصف الناقة:

وقال في مديحها:

ومن إغراقه في المبالغة فيها قوله:

يقول قيها:

وقال يمدح الرشيد من قصيدة:

يقول فيها في وصف الناقة:

ثم عاد إلى مدح الرشيد فقال:

أخباره مع الخصيب والي مصر

هو الخصيب بن عبد الرحمن (وفي أمالي المرتضى ابن عبد الحميد) العجمي ثم المرادي وقال جامع ديوان أبي نواس: هو دهقان من أهل المذار شريف الآباء وليس بابن صاحب نهر الخصيب ذاك عبد للمنصور يقال له مرزوق الرازي ثم انتقل إلى الإمارة "انتهى". والخصيب هذا كان واليا على مصر من قبل الرشيد ومر سبب توليته إياه. وخرج أبو نواس إلى الخصيب من بغداد إلى دمشق إلى فلسطين إلى مصر ومدحه بعدة قصائد ثم هجاه على عادة الشعراء قال ابن منظور: لما قدم أبو نواس على الخصيب بمصر أذن له وعنده جماعة من الشعراء فاستنئده فقال له هنا جماعة من الشعراء هم أقدم مني وأسن فائذن لهم في الإنشاد فإن كان شعري نظير أشعارهم أنشدت وإلا أمسكت فاستنشدهم الخصيب فأنشدوا مديحا في الخصيب فلم تكن أشعارهم مقاربة لشعر أبي نواس فتبسم أبو نواس ثم قال أنشدك أيها الأمير قصيدة هي بمنزلة عصا موسى تتلقف ما يأفكون فأنشده هذه القصيدة وابتدأها بالغزل لكن على غير العادة المألوفة وهي من غرر الشعر فلذلك أوردناها بتمامها قال:

ثم قال يصف سفره إليه من بغداد إلى مصر:

وهذا من أكاذيب الشعراء، يقول هذا وفي نفسه:

ومع أنه أولاه الجميل فلم يعذر ولم يشكر وهجاه كما يأتي . قال ابن منظور: ولما قال أبو نواس:

قال له الخصيب إذن يكثر حسادها وتبلغ أملها وأمر له بألف دينار . وقال يمدح الخصيب أيضا:

وقال يمدح الخصيب أمير مصر أيضا:

وقال يمدح الخصيب أيضا وهي القصيدة التي مدحها المرتضى في الأمالي بأحسن مدح كما مر في أقوال العلماء فيه:

ثم قال في وصف الناقة:

ثم تخلص إلى المدح فقال:

قال ابن منظور: فقال له الخصيب إذن لا يخيب أملك ولا ينقطع مرادك ثم أمر له بألف دينار أخرى قال وكان أهل مصر قد شنعوا على الخصيب لزيادة في أسعارهم فقال أبو نواس دعني أيها الأمير أكلمهم قال ذاك إليك فخرج حتى وافى المسجد الجامع وقد تواعدوا أن يجتمعوا فيه فأنشد قوله من أبيات:

ويقال إنه ارتجلها على المنبر فلما سمعوها تفرقوا وعاد إلى مجلس الخصيب فأمر له بألف دينار أخرى ويقال إن الرشيد قال له إلا تلت (فباق عصى موسى خصيب) فقال له هذا يا أمير المؤمنين أحسن ولكنه لم يقع لي وعلى هذا فيكون الخصيب قد أجاز أبا نواس بثلاثة آلاف دينار في ثلاث دفعات ومع ذلك فقد هجاه ولم يقع إلي سبب هجائه إياه قال:

أخباره مع الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك

كانت دولة الرشيد في يد البرامكة فقد استوزر الرشيد يحيى بن خالد والد الفضل هذا وقال له قد قلدتك أمر الرعية فاحكم فيها بما ترى واعزل من رأيت واستعمل من رأيت ودفع إليه خاتمه. وكان الأولى بالرشيد -لو كان يتقي الله- أن يقول له فاحكم بالعدل وبتقوى الله. ثم نكب الرشيد البرامكة وقتلهم لتشيعهم في الباطن -على الصحيح- ودفعهم القتل عن بعض العلويين وتم تصديق قول: من أعان ظالما بلي به. وإذا كان يحيى بهذه المنزلة من الرشيد يكون لولديه الفضل وجعفر أعلى منزلة في دولة الرشيد -وقد كانا كذلك- ويكون أبو نواس يتقرب بالطمع إلى الفضل ويمدحه لينال جوائزه وكان الفضل من كرام الدنيا وأجود أهل عصره فمن مدائح أبي نواس في الفضل قوله من قصيدة:

وهذا المخلص مما عيب عليه فيه وهو محل العيب يقول فيها:

وفي أنوار الربيع: دخل أبو نواس على الفضل بن يحيى فأنشده قصيدته التي أولها:

فتطير الفضل من هذا الابتداء فلما انتهى إلى قوله فيها:

استحكم تطيره واشمأز وقال نعيت إلينا أنفسنا فلم يمض إلا أسبوع حتى نزلت بهم النازلة وقد قيل -والله أعلم- أن أبا نواس قصد التشاؤم لهم وكان في نفسه من جعفر "انتهى".

أخباره مع الفضل بن الربيع وولديه العباس ومحمد

كان أبوه الربيع بن يونس بن محمد بن كيسان أبي فروة مولى عثمان بن عثمان لقيطا أو لغير رشدة فيما يقال وكان وزيرا للمنصور ثم حاجبا لابنه محمد المهدي ثم وزيرا لابنه موسى الهادي ثم قتله الهادي وهو غير الربيع بن الحسن ابن عثمان الذي كان حاجبا للمهدي وابنه الفضل هذا كان حاجبا للمنصور والمهدي والهادي والرشيد وكان شهما خبيرا بأحوال الملوك وآدابهم فلما نكب الرشيد البرامكة استوزره بعدهم بعدما كان حاجبه قال ابن الطقطقي وكان أبو نواس من شعرائه المنقطعين إليه ومن مدائح أبي نواس في الربيع وابنه الفضل وحفيده العباس قوله:

وعن محاضرات الراغب أن الفضل بن الربيع غضب على أبي نواس فقال أنت القائل:

فقال نعم فسأل جماعة الفقهاء عنه فقال كل يحل دمه فقال أبو نواس إن قلتم ذلك بعقولكم فقبحا لها وإن قلتم تخمينا فما أبعدكم من العقل هل للسماء من يجبرها وهل بها كسر فاحتيج إلى أن تجبر. وفي تاريخ دمشق: حبس الفضل أبا نواس في حبس له وكان السجان يقال له سعيد وكان يعامله معاملة غليظة فكتب إلى الفضل:

فلما وصلته الأبيات أطلقه وفي تاريخ بغداد كتب أبو نواس إلى الفضل بن الربيع:

وقال يمدح الفضل بن الربيع من قصيدة:

وقال يمدح الفضل بن الربيع أيضا من أبيات:

وقال يمدح الفضل بن الربيع أيضا من أبيات:

وقال يمدح الفضل بن الربيع أيضا من أبيات:

وقال يمدح الفضل بن الربيع أيضا ويساويه بالأمين لولا الخلافة وهو يدل على سقوط نفس الأمين:

وقال يمدح العباس بن الفضل بن الربيع من قصيدة:

وقال يمدح العباس بن الفضل أيضا من قصيدة:

وقال يمدح العباس المذكور أيضا ويعرض بالبرامكة وابتدأ مدحه بشيء غير متعارف وأتى به سهلا ممتنعا بغير تكلف فقال:

وقال يمدح العباس بن الفضل أيضا من قصيدة وابتدأ ببكاء الدار فقال:

ثم أخذ في وصف الخمر فقال:

وقال يمدح العباس المذكور من أبيات:

وقال يمدح محمد بن الفضل بن الربيع وهي من غرر شعره:

أخباره مع الأمين

قال ابن منظور: كان الأمين معجبا بشعر أبي نواس محبا لمنادمته وفي ديوانه أنه وصف الفضل بن الربيع أبا نواس للأمين وكان قد عرفه الأمين أيام أبيه فلما أدخله عليه قام فأنشد:

فوصله بألف دينار وأمره بملازمة الدار وكان الناس قبل الفرزدق وأبي نواس من الشعراء وغيرهم يقولون عن الناقة إذا بلغت بهم المقصود لينحرنها قال ابن خلكان في ترجمة غيلان: الأصل في هذا المعنى قول الأنصارية المأسورة بمكة وكانت قد نجت على ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أني نذرت أن نجوت عليها أن أنحرها قال: لبئسما جزيتها. وقال ذو الرمة في بلال ابن أبي بردة ابن أبي موسى الأشعري:

وأخذ هذا من قول الشماخ في عرابة الأوسي:

قال ابن خلكان: وتفسير هذا المعنى إنني لست أحتاج أن أرحل إلى غيرك فقد كفيتني وأغنيتني فلما جاء أبو نواس غير هذا المعنى إلى ما هو أحسن فحرم الركوب على ظهرها وأراحها من الكد في الأسفار فهو أتم في المقصود لكونه أحسن إليها في قبالة إحسانها إليه حيث أوصلته إلى الممدوح فقال:

"انتهى" وقد سبق أبا نواس إلى ذلك الفرزدق حيث يقول:

قال أبو نواس: فكنت مائلا لقول الشماخ إلى أن سمعت قول الفرزدق فتبعته وقلت:

وقال يمدح الأمين وهو ولي عهد من قصيدة:

وعن محاضرات الراغب قال أبو نواس لما نهاه الأمين عن شرب المدام:

وقال ابن منظور لما عمل أبو نواس قصيدته التي أولها (ومستعبد إخوانه بثرائه) وتأتي في المواعظ والحكم وفيها يقول:

بلغت الأمين فبعث إليه وعنده سليمان ابن أبي جعفر فقال له بعد كلام أفحش فيه أنت تكتسب بشعرك أوساخ أيدي الناس اللئام وتقول: (ولا صاحب التاج المحجب في القصر) أما والله لا نلت مني شيئا بعد ذلك أبدا فقال له سليمان ابن أبي جعفر أي والله.

رميه بالثنوية

قال سليمان: ثم هو مع هذا من كبار الثنويه -فرقة من المجوس يعبدون النار والظلمة- وكان يرمي بذلك فقال الأمين وهل يشهد عليه شاهد بذلك فأتاه سليمان بعدة نفر فشهدوا عليه أنه شرب في يوم مطير فوضع قدحه تحت السماء في المطر فقالوا له: ما تصنع بذلك ويحك قال: أنتم تزعمون أنه ينزل مع كل قطرة ملك فكم تراني أشرب الساعة من الملائكة ثم شرب ما في القدح فغضب محمد وأمر به إلى السجن فذلك قول أبي نواس:

فبلغت أبياته المأمون فقال: والله لئن لحقته لأغنيته غنى لا يؤمله فمات قبل دخول المأمون بغداد "انتهى" وما أشد جهل الأمين بتصديق نسبة الثنوية إليه بهذه القصة إن ثبتت فنزول ملك مع كل قطرة لو فرض أنه مروي وثابت ليس من ضروريات الدين حتى ينسب منكره إلى الخروج عن الدين على أن قول أبي نواس كم تراني اشرب الساعة من الملائكة خارج مخرج الظرف والمزاح الذي اعتاده أبو نواس في كل شيء لا يوجبه قدحا في عقيدة ولا خروجا عن ملة وهو ما يحكى عن بعض العلماء أنه سئل عن إلقاء الحصاة من المسجد فقال: لا بأس به قيل له: أنه يقال إنها لا تزال تصيح حتى تعاد إلى المسجد قال: فدعها تصيح حتى تنشق بطنها "انتهى" أفترانا نحكم على هذا القائل بالكفر لقوله هذا كلا وقال ابن منظور: انتهى إلى محمد بن زبيدة أن أبا نواس شرب الخمر فحبسه ثلاثة أشهر ثم دعا به وأراد قتله فأنشأ يقول وأجاد:

(أقول) لا بد من أن يكون السبب في حبسه غير هذا فالأمين الذي يشرب الخمر لا يحبس نديمه لأنه بلغه أنه شربها. وقال ابن منظور أيضا: لما وقع الخلاف بين الأمين والمأمون كان ذو الرياستين يخطب بمساوئ الأمين وقد أعد رجلا يحفظ شعر أبي نواس فيقوم بين يديه ويقول: ومن جلسائه رجل ماجن كافر متهزئ متهكم يقول كذا وكذا وينشد قوله:

وينشد أيضا قوله:

وغير ذلك من قبائح شعره ومجونه ويذكر أهل العراق فيقول: أهل فسق وفجور وخمور وماخور ويلعنهم من يحضر المجلس من أهل خراسان فكتب بذلك إلى محمد الأمين عيونه فبرع له وأمر بقتل أبي نواس فكلمه فيه الفضل وغيره فأطلقه ولما أحضره للقتل أحضر الفقهاء بعد أن جمعوا له كل من يحسده من الشعراء والفضلاء وغيرهم ثم قيل له: ألست (القائل يا أحمد المرتجى في كل نائبة) الخ قال: بلى يا أمير المؤمنين قال: كافر ثم قال للفقهاء: ما تقولون يا معشر الفقهاء والشعراء قالوا: كفر يا أمير المؤمنين فقال أبو نواس: يا أمير المؤمنين إن كانوا قالوا هذا بعقولهم فما أنقصها وإن كانوا قالوا: بآرائهم فما أجهلهم أيكون زنديقا مقر بأن للسماوات جبارا؟ قال: لا والله ولقد صدقت قم فقام وأطلقه وقيل أنه قال له: يا أمير المؤمنين اجمع كل زنديق في الأرض فإن زعموا أن في السماء إلها واحدا فاضرب عنقي ولكني صحبت قوما جهالا لا يعرفون المزح والجد وأنا يا أمير المؤمنين الذي أقول:

وفي تاريخ بغداد بسنده عن أبي نواس قال: دخلت على (الأمين) فقال: يا حسن بن هانئ إنك زنديق فقلت: يا أمير المؤمنين وأنا أقول مثل هذا الشعر:

فضحك وأمر لي بجائزة وانصرف وذكر نحوه ابن منظور في أخبار أبي نواس وزاد البيت الثالث قال القاضي عياض في شرح الشفا قال القتيبي إن مما أخذ على أبي نواس وكفر فيه أو قارب قوله في محمد الأمين وتشبيهه إياه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال:

"انتهى" (أقول) لا شك أن في هذا سوء أدب من أبي نواس مع النبي صلى الله عليه وسلم لكن الإسراع إلى التكفير بمثله أمر عظيم والعجب ممن يروي قصة الغرانيق وإن الشيطان أجرى على لسانه في الأصنام: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى وإن النساء كانت تغني بين يديه وتضرب بالدفوف حتى قال: اسكتن فقد جاء رجل لا يحب الباطل وأنه صلى الله عليه وسلم سحر وإنه سها في الصلاة ولا يأخذون على راويه ولا يرونه كفرا أو قريبا منه ويأخذون على شاعر في مدح خليفة هاشمي يحمل لقب إمارة المؤمنين. ومن أخباره مع الأمين ما حكاه ابن منظور عن أبي نواس قال: أمر الرشيد الكافي أن يختلف إلى محمد بعد ما ولاه العهد (يعلمه النحو) وأن يحضرني إذا حضر لأنشد محمدا الشعر النادر وأحدثه الغريب وكان خادم من قبل الرشيد موكلا بمحمد فجرى بين الخادم وبين محمد يوما كلام وأنا حاضر فأمرني محمد بهجو الخادم فخفته إن هجوته أن يغتابني عند الرشيد فيقتلني وإن لم أهجه خفت محمدا أن يقتلني فقلت للكسائي: يا أبا الحسن ما يحتال في هذا غيرك فأصلح بين الخادم ومحمد وبعث إلي محمد فصرت إليه وقلت له: بلغني إنك تهددني بالقتل قال: نعم قال: فما قلت في ذلك فحضرني على المكان:

#وحياة راسك لا أعو-د لمثلها وحياة راسك

فتبسم ثم قال: لا يكون وأمر لي بتخت ثياب.

وكان للأمين زورقان يسير بهما في دجلة أحدهما على صورة الأسد والآخر على صورة العقاب فقال فيهما أبو نواس:

وكان له زورق ثالث على صورة الدلفين فقال فيه أبو نواس:

وقال أيضا في الثلاثة من أبيات:

وقال يمدح الأمين:

ومن جرأة أبي نواس أنه قال: يهزأ من الأمين ويتطير بتدبيره:

وقال يمدح العباس بن عبيد الله ابن أبي جعفر المنصور وهي مشتملة على مقاصد متنوعة أجاد في جميعها فابتدأها بما ينحو الحكم والأداب فقال:

وثنى يذكر الأصحاب فقال وأبدع:

ثم ذكر بني العم فقال:

ثم تغزل فقال وأجاد:

ثم وصف البيد والقفار فقال:

ثم وصف يبس النبات فقال:

ثم أخذ في المديح فقال:

قال ابن منظور: لما أنشد أبو عبد الله ابن الأعرابي هل القصيدة قال: أحسن والله لو تقدم هذا الشعر في صدر الإسلام لكان في صدر الأمثال السائرة قال أبو الأصغر وكان من رواة أبي نواس: لما أنشدني أبو نواس هذه القصيدة فلما بلغ إلى قوله:

قلت له: أحسنت والله وجاوزت الإحسان هذا والله ما لا يحسنه أحد ولم يبلغه متقدم ولا يلحقه متأخر فلما أنشدني:

علمت أنه كلام رديء موضوع في غير موضعه وأنه مما يعاب به لأن حق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أجدر أن يضاف إليه ولا يضاف هو إلى أحد فلما رأى ذلك في وجهي قال لي: ويلك إنما أردت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم من القبيل الذي هو منه كما قال حسان بن ثابت:

فقال منهم: كما قلت من نفره أي من النفر الذي العباس منهم فما تعيب من هذا فعلمت أنه ضرب من الاحتيال ولكن قد أحسن المخرج منه "انتهى" وفي رواية علي القاري في شرح الشفا أن أبا نواس قال: ما يعيب هذا البيت إلا جاهل بكلام العرب. ومن غرر مدائحه في العباس ابن عبيد الله ابن أبي جعفر قوله من أبيات:

وقال يمدح العباس هذا أيضا من أبيات قال جامع ديوانه وأنشد فيها علي بن سليمان الأخفش عن جده عن أبي نواس:

فانظر إلى قوله وقد اشرأب الدمع ما أحلاه وأملحه وأعذبه:

وقال يمدح العباس أيضا من قصيدة:

وقال يمدح الفضل بن يحيى البرمكي من قصيدة وقد عيب عليه فيها قبح المطلع:

(خليلية) منسوبة في وزنها إلى الخليل بن أحمد مخترع العروض وقطربية منسوبة في النحو إلى قطرب أحد علماء النحو (وجرول) هو الحطيئة (وكعب) هو ابن زهير ابن أبي سلمى صاحب بانت سعاد (وزياد) هو زياد الأعجم وكلهم من مشاهير شعراء العرب وفي هذه القصيدة قبح المطلع لأنه مما يتطير به ويجب على الشاعر أن يتجنب ذلك ولكن مثله قد يقع من حذاق الشعراء غفلة فإن الجواد قد يكبو والصارم قد ينبو أو لأمر يريده الله. وفي أنوار الربيع: واعلم أنه يجب على الناظم والناثر النظر في أحوال المخاطبين والممدحين والتجنب لما يكرهون سماعه ويتطيرون منه خصوصا الملوك ومن يتصل بهم فإنهم أشد الناس تطيرا من المكروهات وعثرة الناظم في ذلك لا تقال.

أخباره مع كلثوم بن عمرو العتابي

في مروج الذهب: حدث غوث بن المزرع حدثني خالد عن عمرو بن بحر الجاحظ قال كان كلثوم العتابي يضع من قدر أبي نواس وهو الذي يقول:

قال العتابي هذا سرقه من قول أبي الهذيل الجمحي:

قال لقد أحسن في قوله:

قال سرقه من قول مروان بن أبي حفصة:

فسكت الراوية ولو أتى بشعره كله لقال له سرقه.

أخباره مع بني نوبخت

كان بنو نوبخت ذوي مكانة عالية في بغداد وشأن رفيع في الدولة العباسية وكانوا مع تشيعهم المتسلسل في بيتهم موضع عناية ملوك بني العباس كما كانوا موضع عناية الأمراء والوزراء والكتاب من أرباب الدولة وذلك لما اتصفوا به من الكمال والفضل والمروءة والسخاء ومكارم الأخلاق فكان فيهم العلماء والكتاب والشعراء وتولى بعضهم جليل الولايات ومدحهم الشعراء أمثال البحتري. وكان أبو نواس ممن اتصل بهم ورتع في خوانهم وبقي الأيام العديدة في بيوتهم وأكرموه وقدموه ومع ذلك لم يسلموا من هجائه قال ابن منظور: كان أبو نواس يألف آل نوبخت ولا يفارقهم بقي في بيت إسماعيل ابن أبي سهل بن نوبخت أربعين يوما يأكل ويشرب ولما خرج قال فيه:

وقال يهجو إسماعيل أيضا:

وفي ديوانه أنه قال يهجو ثقيلا يقال له روحا العمي ويلقب بالجبل ولكن في مقدمة الديوان ذكر النيبختيون أن أبا نواس عنى بهذه الأبيات أبي عبد الله بن سهل بن نيبخت وكذلك قال ابن منظور إنها في عبد الله هذا فالظاهر أن جامع الديوان لما رأى في أول بيت منها التصريح بأنها في ثقيل ظنه روحا العمي لأن أبا نواس له فيه عدة أهاج مضافا إلى تلقيبه بالجبل ولكن النوبختيين أعرف بمقاصد أبي نواس فعلموا أنها في عبد الله ولذلك أجابه أخوه عنها وأجاب أبو نواس أخاه فلم يبق شك في أنها في عبد الله وهي:

فأجابه عنه أخوه فقال:

فبلغت أبا نواس فقال من أبيات يذكر فيها أم إسماعيل بما ننزه كتابنا عن ذكره من جملتها في أولادها:

وكان إسماعيل ضعيف البصر وأخوه سليمان أعور ولما ولي سليمان الزاب قال يهجوه:

وقال يهجو بني نيبخت عموما:

خبره وجماعة من الشعراء مع يحيى بن المعلى

قال جامع ديوانه: اجتمع أبو نواس والعباس ابن الأحنف والحسين الخليع وشاعر آخر لعله مسلم بن الوليد ومعهم فتى يقال له يحيى بن المعلى فحضرت الصلاة فقام يحيى يصلي بهم فنسي الحمد وقرأ التوحيد ثم ارتج عليه في نصفها فقال أبو نواس:

وقال العباس:

وقال الآخر:

وقال الرابع:

خبره مع جماعة من الشعراء

قال جامع ديوانه: اجتمع وهو صغير مع حماد عجرد ومطيع بن أياس ويحيى بن زياد ووالبة بن الحباب فقال ليكن منا اجتماع في دار أحدنا فقال كل منهم أبياتا يدعوهم بها إلى داره ذكرها جامع الديوان وتركناها فقال أبو نواس:

ما ينسب إليه من الفسق والخلاعة والمجون والشرب

من نظر إلى عصر أبي نواس وما انتشر فيه من الفسق وشرب الخمر والخلاعة والمجون لا يستبعد صدور مثل ذلك من أبي نواس مع معاشرته ومخالطته للذين عرفوا بهذه الأمور فتلك الأعصار قد كان يصار فيها من الفسق والمجون ما ملأ بطون الكتب ويخجل المرء من نقله أو سماعه وإذا كان الحاملون اسم الخلافة وإمارة المؤمنين يشربون الخمور ويتعاطون الفجور وتغنيهم القيان وتعزف عليهم بالعود والطنبور فما ظنك بباقي الرعية. ولا يلتفت إلى إنكار ابن خلدون ذلك في حق من تسموا بالخلافة استنادا إلى أمور وهمية فإنه كإنكار الشمس الضاحية كما أن نسبة أمثال ذلك في الجملة إلى أبي نواس تكاد تكون متواترة بل قد نقلوا عنه من ذلك أمورا يخجل المرء من سماعها أو قراءتها فضلا عن نقلها في كتاب لا سيما ابن منظور الذي نقل عنه من أشياء مفرطة القبح والشناعة مع والبة بن الحباب وغيره لكنه لا يمكننا الاعتقاد بصحة كل ما نسب إلى أبي نواس من ذلك فإن الرجل إذا اشتهر بشيء كثرت نسبة ما هو من نوع ذلك الشيء إليه بالحق والباطل لا سيما مع معارضته ذلك بأنقال تنافيه وقد مر عند ذكر أقوال العلماء فيه أن ابن المعتمر أنكر وقوع ذلك منه ومر نقل ابن الجوزي أنه تاب في آخر عمره والرجل مع ذلك كله صحيح العقيدة عارف بالله تعالى خائف لعقابه راج لعفوه وثوابه ولا يبعد أن يكون ما يجري على لسانه مما فيه مجون أو خلاعة خارجا مخرج الفكاهة والظرف الذي يتعاطاه الشعراء كثيرا وقد رأينا في عصرنا هذا شاعر العراق بل جميع الآفاق يصف الخمرة وشربها ويتغزل ببعض ما يتغزل به أبو نواس وهو في مقدمة العلماء العاملين الأتقياء الورعين وقد أشار إلى ذلك في بعض موشحاته بقوله:

ويدل على ذلك ما في تاريخ دمشق قال محمد ابن أبي عمير سمعت أبا نواس يقول وأنا ما فتحت سراويلي لحرام قط وساعد على هذه النسب إليه إتيانه في شعره بالملح والنوادر حتى فيما يرجع إلى الدين فقد قال على ما في تاريخ دمشق:

مع أنه يقول في بعض شعره:

مشايخه

أما مشايخه في الحديث فهم:

1- حماد بن زيد.

2- عبد الواحد بن زياد.

3- معتمر بن سليمان.

4- يحيى بن سعيد القطان.

5- أزهر بن سعد السمان. في تاريخ بغداد أنه اختلف في طلب الحديث فسمع من هؤلاء.

6- حماد بن سلمة من علماء النحو في تاريخ بغداد في ترجمة محمد بن إبراهيم بن كثير البابشامي نسبة إلى باب الشام محلة ببغداد كان ينزلها رواية في سندها أبو نواس عن حماد بن سلمة وذكر روايته عن هؤلاء الستة ابن عساكر في تاريخ دمشق.

7- خلف الأحمر قال ابن منظور أنه كان أكثر أستاذي أبي نواس تأديبا وتخريجا له.

8- يونس بن حبيب النحوي ذكر تأدبه عليهما ابن عساكر مر عن الجماز تتلمذه على يونس.

9- يعقوب الحضرمي قرأ عليه القرآن.

10- أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري النحوي كتب عنه الغريب والألفاظ.

11- أبو عبيدة معمر بن المثنى أخذ عنه التاريخ كما مر عن تاريخ الخطيب وخزانة الأدب.

12- أبو أسامة والبة بن الحباب الشاعر أخذ عنه الشعر والأدب كما مر عن ابن خلكان وخزانة الأدب.

تلاميذه

1- محمد بن إبراهيم بن كثير الصيرفي. في تاريخ بغداد في ترجمة محمد المذكور رواية في سندها نبأنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن كثير الصيرفي ببغداد بباب الشام سنة 273 قال نبأنا أبو نواس الحسن بن هانئ وذكر روايته عنه ابن عساكر في تاريخ دمشق.

2- عبيد الله بن محمد العبسي.

3- محمد بن جعفر غندر.

4- أحمد بن حمزة بن زياد الربعي.

5- عمرو بن بحر الجاحظ.

6- يعقوب بن زيد الفارسي.

7- محمد بن إدريس الإمام الشافعي.

8- عبدوس كان راويته كما في تاريخ دمشق. وجماعة سواهم وفي لسان الميزان روى عنه محمد بن إبراهيم ابن كثير وناس قليل.

ما أثر عنه من النثر

قال جامع ديوانه قال أبو حاتم: سمعت أبا عبيدة يقول استفحصت غلامين في الصبا فزكنت فيهما بلوغ الغاية فيما ينتحلانه فجاءا كما زكنت بلغني أن النظام يتعاطى تعلم الكلام فتلقاني وهو غلام على حمار يطير به فقلت له يا غلام ما طبع الزجاج فالتفت إلي وقال يسرع إليه الكسر ولا يقبل الجبر ثم بلغني أن أبا نواس يتعاطى قرض الشعر فتلقاني ما طر شاربه بعد فقلت كيف فلان عندك فقال ثقيل الظل جامد النسيم فقلت زد فقال مظلم الهواء منتن الفناء قلت زد قال غليظ الطبع بغيض الشكل قلت زد قال وخم الطلعة عسر القلعة قلت زد قال ناتئ الجنباب بارد الحركات فخففت عنه فقال زدني سؤالا أزدك جوابا فقلت كفى من القلادة ما أحاط بالعنق. وقال يموت بن المزرع سمعت خالي الجاحظ يقول سمعت أبا نواس يقول -وقد ذكر رجلا- ما بقي من بصره إلا شفافه ومن حديثه إلا خرافة ومن جسمه إلا خيال يستبينه المتفرس قال وكان في كلام أبي نواس ترسل "انتهى".

أنواع شعره

قال ابن خلكان عن إسماعيل بن نوبخت شعره عشرة أنواع وهو مجيد في العشرة:

1- نقائضه مع الشعراء.

2- المديح.

3- المراثي.

4- العتاب.

5- الهجاء.

6- الزهد.

7- الطرد.

8- الخمر.

9- الغزل.

10- المجون وقال جامع ديوانه في مقدمته أن أنوع شعره إثنا عشر فعد الخمر نوعين والنوع الثاني فيما بين الخمر والمجون وعد الغزل نوعين غزل المذكر وغزل المؤنث وبعد إسقاط هذين النوعين يعد الخمر نوعا واحدا والغزل نوعا واحدا تبقى الأنواع عشرة ومن أنواع شعره الاعتذار وهذا لا يدخل في الأنواع العشرة المذكورة فقد يشتمل على المديح وقد لا يشتمل (ومنها) ذم الأخوان وهو داخل في الهجاء (ومنها) التعازي وتدخل في الرثاء (ومنها) الصفات والتشبيهات والطرد داخل فيها (ومنها) الشيب والشباب والطيف والخيال (ومنها) الشعر القصصي المسمى بالعنوان (ومنها) الأمثال وغير ذلك.

جامعو ديوانه

في مقدمة ديوانه المطبوع بمصر أن جامعة حمزة ابن الحسن الأصبهاني والظاهر أنه غلط لاتفاق الكل على أن جامعه علي بن حمزة الأصبهاني كما ستعرف. قال ابن خلكان وقد اعتنى بجمع شعره جماعة من الفضلاء منهم أبو بكر الصولي وعلي بن حمزة وإبراهيم بن أحمد بن محمد البري المعروف بتوزون فلهذا يوجد ديوانه مختلفا "انتهى". ثم قال ابن خلكان وعلي بن حمزة لم أقف له على ترجمة وتوزون أخذ الأدب عن أبي عمرو الزاهد ودع فيه "انتهى" وتوزون اسمه إبراهيم بن أحمد بن محمد الطبري كان أديبا نحويا ولم يصنفه غير جمعه لشعر أبي نواس كذا قالوا في ترجمته. وفي معجم الأدباء أن إبراهيم بن أحمد أبن محمد توزون جمع شعر أبي نواس وإنها رواية مشهورة بأيدي الناس "انتهى". وفي فهرست ابن النديم: ممن عمل شعر أبي نواس على غير الحروف يحيى بن الفضل راويته وجعله عشرة أصناف ومن العلماء أبو يوسف يعقوب ابن الفضل راويته وجعله عشرة أصناف ومن العلماء أبو يوسف يعقوب بن السكيت وفسره في نحو 800 ورقة وجعله أيضا عشرة أصناف وعمله أبو سعيد السكري ولم يتمه ومقدار ما عمل منه ثلثاه في مقدار ألف ورقة وعمله من أهل الأدب الصولي على الحروف وأسقط المنحول منه وعمله علي ابن حمزة الأصفهاني على الحروف أيضا وعمل يوسف بن الداية أخباره والمختار من سعوه ومحمد أبو هفان أخباره والمختار من شعره وعمل ابن الوهاب أبو الطيب أخباره والمختار من شعره وعمل ابن عمار أخباره والمختار من شعره وعمل أيضا رسالة في مساويه وسرقاته وعمل آل المنجم أخباره ومختار شعره فيما عملوه من كتبهم أشعار المحدثين وقد مضى ذكر ذلك وعمل أبو الحسن السمياطي أخبار أبي نواس والمختار من شعره والانتصار له والكلام على محاسنه "انتهى" والنجاشي قال إن السمياطي هذا له كتاب فضل أبي نواس والرد على الطاعن في شعره وفي خزانة الأدب ديوان شعره مختلف لاختلاف جامعيه فإنه اعتنى بجمعه جماعة منهم أبو بكر الصولي وهو صغير ومنهم علي ابن حمزة الأصبهاني وهو كبير جدا وكلاهما عندي والله الحمد على نعمه ومنهم إبراهيم بن أحمد الطبري المعروف بتوزون ولم أره إلى الآن "انتهى".

عدد قصائده وأبياتها

قال جامع ديوانه في مقدمته أنه جمع ديوان شعره مشتملا من قصائده وأراجيزه ومقطعاته على ألف وخمسمائة وأكثر ويضم من الأبيات ثلاثة عشر ألف بيت وأكثر "انتهى".

الزيادة والنقيصة في شعره

أما الزيادة فقد قال جامع ديوانه في مقدمته أنه نسب أكثر الرواة له غير ما هو له فله بمصر قصائد لا يعرفها أهل العراق ثم قال ما حاصله أن أبا نواس كان تعاطيه الشعر على غير طريق الشعراء لأن جل أشعاره في اللهو والغزل والمجون والعبث ووصف الخمر وأقل أشعاره مدائحه وليس هذا طريق الشعراء الذين في زمانه وبعده فألحق الناس بشعره كل ما وجدوه من جنسه قال وقد وجدت في نسخ شعره شعر شاعرين من شعراء أصبهان وهما منصور بن بازان وعبدة ابن زياد الجرجاني ولما ورد أحمد بن عثمان البري أصفهان رئي أروى خلق الله لشعر أبي نواس جاه وهزله فروى له أبياتا هي مثبتة في نسخ شعر منصور بن بازان العتيقة قال وقد أدخل أهل العراق من شعر أهل الجبل في عامة شعره الكثير خلاف ما ألحقوه من أشعار شعرائهم ومما أضيف إليه من شعر العراقيين قول الحسين بن الضحاك الخليع حين شرب مع إبراهيم بن المهدي فلاحاه على السكر فدعا بالنطع والسيف وهو:

وقد نسبه الناس إلى أبي نواس وأنه كان قد لاحى الأمين على السكر قال وروى يوسف النحاس المعروف بابن الداية المشهور بصحبة أبي نواس أنه لما ورد المأمون بغداد راجعا من خراسان ضرب ابن عائشة الهاشمي بالسياط فحبق تحت الضرب فقال فيه أبو نواس:

مع أن المأمون ورد بغداد بعد موت أبي نواس سنة 199 (وأما النقيصة) في شعره فقد قال جامع ديوانه في مقدمته أيضا أنه استدل محمد بن عبد الرحمن الثرواني من أشعاره على أنه كان بالعراق أشعار لم تثبت من ذلك مدائحه في جعفر بن يحيى البرمكي وليس في أيدي الناس منها شيء قال وذكر المبرد في كتاب الروضة أنه كان قد مدح هاشم ابن جديع الكندي ولم يقع إلينا من مديحه له شيء وكذلك أرى حاله مع إسماعيل بن صبيح وله في خالد بن مزيد الشيباني أيضا مدح مما دل عليه بعض أخباره معه فكل هذا قد سقط عن الناس قال واستدللت على ذلك بأن له البيت والبيتين مما يدل على أن كل واحد من ذلك من قصيدة فمن ذلك بيت يرويه له المبرد هو:

ويروي له أيضا:

ويروي له أيضا:

ويروي له أيضا:

نسبة شعر غيره إليه

جرت العادة أن ينسب إلى كل من اشتهر بشيء ما هو من سنخه وإن لم يكن له قال ابن منظور: كان أبو بحر عبد الرحمن ابن أبي الهداهد شاعرا مجيدا وكان لا يكاد يقول شيئا إلا نسب لأبي نواس وكذلك الحسين بن الضحاك المعروف بالخليع وقد غلب على كثير من شعرهما فما هو لأبي بحر وقد نسب لأبي نواس الأبيات التي أولها:

قال أبو عبد الله أحمد بن صالح ابن أبي نصر أنشدنيها أبو بحر لنفسه فقلت له إنهم يزعمون أنها لأبي نواس فقال لي أبو نواس بيني وبينك ولكنه قد حظي أن ينسب إليه كل إجادة وملاحة "انتهى" ومر شيء من ذلك.

معارضة شعره

نظرا لما له من المكانة عند الشعراء عارض جملة من قصائده مشاهير الشعراء أمثال أبان بن عبد الحميد اللاحقي والحسين الخليع وابن المعتز ودعبل وغيرهم.

منتخبات من شعره

هذه منتخبات من أنوع شعره المتقدم إليها الإشارة عدى المجون نذكر من كل واحد منها نموذجا يكون مع باقي ما نقلناه من شعره شاهدا على تقدمه في صناعة الشعر ويراد بها ما يعم الردود والمعارضات.

نقائضه مع الشعراء

قال جامع ديوانه: إن نقائضه المجردة عن الأخبار هي مع نيف وأربعين شاعرا وشاعرة "انتهى" ونختار من تلك النقائض والمعارضات ما ننقله عن جامع ديوانه.

مع أبان بن عبد الحميد اللاحقي

قال روى العتبي أن أبان بن عبد الحميد اللاحقي أرسل رقعة إلى الفضل بن يحيى وفيها:

فدعا به الفضل وأحسن جائزته وأمره بلزومه فكان يسعى في أبي نواس عنده فقال أبو نواس ناقصا عليه قصيدته:

مع الحسين بن الضحاك الخليع وابن المعتز

قال حكى أحمد بن طاهر أن أبا نواس لما قال:

عارضه الحسين بن الضحاك بقصيدة طويلة من جملتها:

قال: فيروى أنه تحوكم في هذه القصيدة وقصيدة أبي نواس إلى ابن ميادة بمكة شرفها الله تعالى فكان لا يأتي عيسى بيت من هذه القصيدة إلا قال: جيد حتى أتى عليها كلها ثم استنشد قصيدة أبي نواس فلما بلغه قوله:

قال: إن هذا البيت يفي بقصيدة الخليع. وقد عارضها عبد الله بن المعتز بهذه القصيدة:

ومن الموازنة بين الأبيات التي اشترك أبو نواس وابن المعتز في معانيها أو تقاربا في هاتين القصيدتين يظهر لك سبق أبي نواس وتفوقه قال أبو نواس:

فقال ابن المعتز في معناه وقصر عنه:

وقال أبو نواس:

فقال ابن المعتز في معناه ولم يلحقه:

وقال أبو نواس:

#من كف ذات........................

فقال ابن المعتز في نظيره ولم يساوه:

وقال أبو نواس:

فقال ابن المعتز في شبهه ولم يدانه:

وقال أبو نواس:

فقال ابن المعتز فيها يقاربه ولم يجاره:

وقال أبو نواس في مزجها بالماء:

فقال ابن المعز في شبيهه:

مع دعبل الخزاعي

قال لما قال أبو نواس:

عارضها دعبل الخزاعي فقال:

مع مسلم بن الوليد

قال: أن مسلما تلقاه رسول لأبي نواس إلى عنان ومعه رقعة فيها:

فأخذ مسلم منه الرقعة وخرقها فانصرف الرسول إلى أبي نواس فأخبره فقال أبو نواس:

فبلغت مسلما فعارضه بقوله:

فأجابه أبو نواس:

المديح

قال يمدح رجلا كما مر في تاريخ دمشق ومر أن البيت الثاني في الفضل بن الربيع:

وقال يمدح إبراهيم بن عبيد الله الحجبي:

يقول في صفة الناقة:

وقال يمدح إبراهيم بن عبيد الله الحجبي أيضا من قصيدة:

وقال يمدح هاشم بن جديح الكندي:

ومن رقيق شعره المنسجم المطبوع السهل الممتنع الذي يدخل الأذن بغير إذن قوله: يخاطب عبد الملك بن إبراهيم من أهل البصرة:

وقال في رهبان دير حنة:

الاعتذار

قال: يعتذر إلى الرشيد وهو في حبسه من أبيات:

وقال يعتذر إلى الأمين حين حبسه ثانيا:

وكتب إلى الأمين أيضا:

وكتب إلى الأمين أيضا من أبيات:

وكتب إلى الفضل بن الربيع من الحبس يذكر أنه زهد وتنسك مبالغة في الظرافة:

وكتب إلى عبد الله بن نعيم وكان أخوه كاتب الفضل ابن الربيع:

وكتب إلى جماعة كثيرين يتوسل بهم ويذكر أنه قد تاب مما حبسه لأجله الأمين يطول الكلام باستيفائهم منهم الحسين بن عيسى بن المنصور:

وكتب إلى عبيد الخادم مولى أم جعفر:

وكتب إلى الحسين الخادم مولى هارون:

وكتب إلى الحسين هذا أيضا من أبيات:

الهجاء

لأبي نواس هجاء موجع وذم وقدح فهو متقدم في الهجاء تقدمه في سائر أنوع الشعر وزاد في هجائه ما في طبع أبي نواس من الظرف واللطف وما في كلامه من النكات والهزل فجاء هجاؤه ممزوجا بالهزل فزاد ذلك في حسنه وحسن موقعه وأنت ترى أنه لم يسلم من هجائه أحد فهجا الأمين وهو شاعره وهزأ به وهجا البرامكة وهم وزراء الرشيد والمتحكمون في دولته وهجا العباسة ابنة المهدي وهجا الخصيب وهجا الحسين الخادم حاجب الرشيد ومولاه سليمان بن المنصور وكل ذلك دليل جرأته وهجا أبا عبيدة وهو شيخه وهجا بني نوبخت مع إحسانهم إليه وهجا أشجع السلمي والنظام وأبا عبيدة وأبان بن عبد الحميد اللاحقي إلى غير. ذلك مما سيمر عليك وكان الكبراء يهابون هجاءه ويخشون منه. قال ابن منظور: صار أبو نواس في حداثته إلى مجلس الهيثم بن عدي فجلس والهيثم لا يعونه فلم يستدنه ولم يقرب مجلسه فقام مغضبا وتبين الهيثم في وثبته الغضب نسأل عنه فخبر باسمه نقال: إن الله هذه والله بلية لم أحسبها على نفسي توصوا به إليه لنعتذر فصاروا الهيثم الباب عليه وتسمى له فقال: ادخل فقال الهيثم له: المعذرة إلى الله ثم إليك ولا والله ما عونتك وما الذنب إلا إليك حين لم تعرنا نفسك نقضي حقك فأظهر له قبول العذر فقال الهيثم: أنا أستعيذك من قول يبقى منك في قال: وما الذي مضى جعلت فداك قال: بيت مر قال فتنشدنيه فامتنع أبو نواس عن إنشاده فألح الهيثم فأنشده:

وهذا البيت من قصيدة لأبي نواس في الهيثم بن عدي يقول فيها:

فعاد إليه الهيثم بن عدي حين بلغته الأبيات فقال له: يا سبحان الله أليس لقيتني وجعلت لي عهدا أن لا تهجوني فقال أبو نواس وإنهم يقولون: ما لا يفعلون. وقال يهجوه أيضا:

وقال يهجو عدنان ويفتخر بقحطان وهي القصيدة التي أطال الرشيد حبسه بسببها وهذه منتخبات منها:

وقال يهجو تميما وأسدا ويفتخر بقحطان وفيها إشارة إلى كثير من قصص العرب وأخبار ذكرنا بعضها يقول فيها:

وقال يذم البصرة وخلطاءه بها:

وقال يهجو هاشم بن خديج من قصيدة:

وقال يهجوه أيضا:

وقال يهجوه أيضا:

وقال يهجو إسماعيل بن صبيح كاتب السر للأمين وولاؤه لبني أمية:

وقال يهجو الفضل بن الربيع وهو في حبسه من أبيات:

وقال يهجو العباس بن حعفر بن محمد بن الاشعث الخزاعي:

وقال يهجو العباسة بنت المهدي:

وقال يهجو إبراهيم بن النظام:

وقال يهجو الفضل بن العميد الرقاشي:

وقال يهجو الرقاشي أيضا:

وقال يهجو الرقاشي أيضا:

وقال يهجو الرقاشي أيضا بأبيات منها هذا البيت وكفى به هجوا:

وقال فيه أيضا من أبيات:

وقال يهجو أشجع السلمي:

وقال يهجو أبان بن الحميد اللاحقي مولى الرقاشيين:

وقال يهجو أحمد بن يسار الجرجائي:

وقال يهجو عشيقته من أبيات:

وقال يهجو ثقيلا بصريا يقال له روحا العمي ويلقب بالجبل:

وقال يهجوه:

وقال:

وقال:

وقال يهجو جعفر البرمكى:

وقال يهجو سعيد بن مسلم:

وقال يهجو محمد بن إسماعيل:

ذم الأخوان

وقال:

وقال:

وقال من أبيات:

وقال:

المراثي

قال يرثي الأمين:

وقال يرثي والبة بن الحباب أستاذه في الأدب:

وقال يرثي خلفا الأحمر قبل موته من أبيات وكان أستاذه فعرضها عليه فاستجودها كما في الديوان:

#رواية لا تجتنى من الصحف

وقال يرثيه أيضا من قصيدة:

التعازي

في تاريخ دمشق لما مات الرشيد وقام الأمين قال يعزي الفضل:

الغزل

وقال:

وقال:

وقال:

الغزل والنسيب

قال من أبيات:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

تجمع فيها الشكل والزي كله=فليس يوفي وصفها قول ناطق

وقال:

وقال:

ومن بديع غزله قوله:

وقال كما في تاريخ دمشق:

وقال في جارية تسمى عنان:

وفي تاريخ دمشق قال بعض العلويين: كنت عند أبي نواس وهو ينشد فأقبل أعرابي وهو متوكئ على ابن له فسمعه يقول:

فقال له الأعرابي: أعد علي فأعاد عليه فقام وقال يا ابن أخي ويلك أنت وحدك في هذا بل أنا وأنت وويل ابني هذا وويل هذه الجماعة وويل جيراننا كلهم. وفي تاريخ دمشق: حكى أبو بكر الصولي عن ابن عائشة أنه قال: رأيت أبا نواس يكلم امرأة في الغلس عند باب المسجد وكنت أعرفه في مجالس الحديث والآداب فقلت له مثلك يقف هذا الموقف لحق أو باطل فاعتذر ثم كتب إلي ذلك اليوم:

ومن شعره في الغزل قوله كما في تاريخ دمشق:

وله أيضا:

وأول شعره قاله أبو النواس وهو صبى قوله:

وقال:

وقال:

وقال:

ومن رقائق شعره في الغزل هذه الأبيات وفي تاريخ بغداد أن عبد الصمد بن المعذل قال له لقد أبدعت في قولك:

وقال من أبيات:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقوله:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

خمرياته

نظم أبو نواس في وصف الخمر فأكثر وأبدع في ذلك. ونحن ننقل قسما من منظوماته في ذلك لما فيها من البلاغة والفصاحة وجودة الوصف لأن ذلك مما يستفاد منه وإن كان في ذكر معنى فاسد وإنما الأعمال بالنيات في مروج الذهب حدث أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق المعروف بابن الوكيل البغدادي أنه رأى المستكفي في بعض الأيام وعنده جماعه من ندائمه وقد تذاكروا الخمر فقال بعض من حضر (إلى أن قال) وقد أتى أبو نواس في وصفها وصفه آلاتها وأحوالها بما يكاد يعلو به باب وصفها وقد وصف نورها فقال:

وقال في أبيات:

وهو مضمون قوله: (دع عنك لومي فإن اللوم إغراء)

وقال من أبيات:

وفي شذرات الذهب من لطيف شعره قوله بديها وهو ألطف بديهة وأبدعها وقال ابن منظور: كان الجاحظ يقول: ما أعرف لأبي نواس شعرا يفضل هذه القصيدة:

وقد اختلفوا في معنى أقمنا بها يوما الخ فقال ابن هشام في المغنى: إن الأيام ثمانية وقال الدماميني: إنها سبعة لأن يوم الترحل ليس من أيام الإقامة وقال ابن الأثير: مراده أنهم أقاموا أربعة أيام ويا عجبا له يأتي بمثل هذا البيت السخيف على المعنى الفاحش قال الصفدي: أبو نواس أجل قدرا من أن يأتي بمثل هذه العبارة بغير معنى طائل وهو له مقاصد يراعيها ومذاهب يسلكها فإن المفهوم منه أن المقام كان سبعة أيام لأنه قال وثالثا ويوما آخر له اليوم الذي رحلنا فيه خامس وابن الأثير لو أمعن النظر في هذا وبما كان يظهر له (قال المؤلف) لا معنى لاختلافهم في معنى أقمنا بها "البيت" فإنه واضح ظاهر أنهم أقاموا بها أربعة أيام خامسها يوم الترحل كما قاله ابن الأثير وما حمله عليه الصفدي وصاحب المغني والدماميني لم يخطر ببال أبي نواس ولكن العلماء متى وجهوا نظرهم إلى شيء توسعوا في التشقيق وإبداء الاحتمالات بما لا يحتمل وهم هنا لم يلتفتوا إلى أنه لو كان مراده أنهم أقاموا سبعة أو ثمانية لكان الكلام غير صحيح فاليوم الأخير لا يصح جعله خامسا لليوم الذي بعد الثالث وهو الرابع وإن جعل ابتداء حساب الخمسة من اليوم الرابع فجعل أول الخمسة فإن قولنا هذا اليوم خامس لليوم الفلاني معناه أن اليوم الفلاني رابع وهذا خامس بعده بلا فاصل نعم يصح أن نقول يوم الأربعاء مثلا خامس للأيام التي أولها السبت أي هو الخامس منها وهو لم يقل ذلك ولا يصح أن نقول يوم الأربعاء خامس ليوم السبت وهذا واضح وهو كما قالوا في بيت مجنون ليلى:

إنه كان يعد الركعات على أصابعه فوجد أصبعين مضمومتين وثمانية مفتوحة فلم يدر أن عده كان بالمضموم أو المفتوح والحقيقة أن مراده أني إذا ذكرتها تاه عقلي فلا أدري كم صليت وجاء بالثماني لمراعاة القافية ولم يخطر بباله شيء مما قالوه (وأما) قول ابن الأثير أنه أتى بمثل هذا البيت السخيف على المعنى الفاحش فهو من السخافة فأبو نواس أراد أن يبين كثرة الأيام فعدها واحدا بعد واحد ولو قال: أقمنا بها أربعة أيام ورحلنا لما أفاد هذا المعنى فهو نظير قوله تعالى: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما} فإن الألف لها شأن في العدد بخلاف تسعمائة وخمسين. وقال ابن منظور قال الجاحظ: نظرنا في الشعر القديم والمحدث فوجدنا المعاني تقلب وبعض يأخذ من بعض وقل معنى من معاني الشعر القديم تفرد بإبداعه شاعر إلا ورأيت من الشعراء من زاحمه فيه واشتق منه شيئا غير قول عنترة من المتقدمين يصف ذبابا خلا في دار عبلة وذلك قوله:

وقول أبي نواس من المحدثين:

وفي تاريخ دمشق وجد بخط أبي نواس على حائط حجرة بمصر كان يسكنها أيام كونه بمصر:

ومن خمرياته قوله أنشده جحظته كما في تاريخ دمشق:

وقوله كما في تاريخ دمشق:

وقوله وفيه وصف النخل وابتداء خروج الطلع إلى زمان صيرورته تمرا وجنائه وقد أجاد فيه وهي مذكورة في ديوانه وأكثرها مذكور في تاريخ دمشق مع غلط في الموضعين أصلحناه بقدر الإمكان:

وفي تاريخ دمشق قال حسين بن الضحاك كنت أساير أبا نواس يوما بالكوفة فمررنا بكتاب وإذا صبي يقرأ من سورة البقرة: {كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا} فقال: أي معنى يستخرج من هذا في الخمر فقلت: ويحك ألا تتقي الله بكتاب الله فلما كان من الغد أنشدني:

وقال يصف مجلسا له مع أبي عيسى بن المنصور بالقصف بقوا فيه أسبوعا كما قاله ابن منظور:

وقال:

وقال:

وقال: وفيها صفعة النحل والعسل:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال من أرجوزة:

#يمشين في قمص مزررات

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال في أبيات:

وقال من أبيات:

وقال:

وقال:

(الطرد)

ويراد به ما يتعلق بالصيد والقنص. في ديوانه: أخبر الرواة أن أبا نواس لم يقل في الطرد إلا تسعا وعشرين أرجوزة وأربع قصائد ما زاد على هذا العدد فهو منحول فمنها قوله ينعت الكلب في أرجوزة:

وقال ينعته أيضا من أرجوزة:

وقال وهو ينعته أيضا من قصيدة:

وقال ينعته أيضا في أرجوزة:

وقال ينعته أيضا في أرجوزة:

وقال ينعته أيضا من أرجوزة:

قال ينعت البازي من أرجوزة:

#فاتصلت بالجيم كان جعفرا

وقال ينعت الفرس أيضا من أرجوزة:

وقال ينعت الفرس أيضا من أرجوزة:

الصفات

قال يصف السير والفلاة والناقة من قصيدة:

صفة النرد

في مروج الذهب أنشدني كشاجم لأبي نواس في النرد:

وأنشد في الوصف بالطيب:

وله أيضا:

التشبيه

من بديع تشبيهاته قوله:

وقال في غلام في عينه كوكب:

قال ابن منظور فقال له يوسف النحاس المعروف بابن الداية: قاتلك الله حببت والله بشعرك وظرفك العور إلى البشر ومن محاسن تشبيهاته قوله:

وقال وفيه تشبيه أربعة بأربعة:

وقال في الأثافي:

ومن بديع تشبيهاته قوله في الناقة:

تشبيهات مختلفة

تشبيهاته في الخمر

أراد بها الحباب:

الشيب والشباب

الطيف والخيال

وقال:

وقال:

شعره القصصي

قال ابن منظور قال أبو الأصبع ذؤيب بن ربعي: كنت أنا وصباح بن خاقان المنقري ويحيى الأرقط وعيسى ابن فصين وابن الكهل مولى بني تميم وعبيد العاشقين ومعنا أبو نواس نتنزه بنهر الأبله بالبصرة فجاء أعرابي عليه عمامة كأنها فسطاط فاستثقله أبو نواس وهرب وقال في ذلك وقال أنه أول شعر قاله ولكن مر عند ذكر الغزل أن أول شعر قاله هو غير هذا:

ما كتبه على باب داره

في تاريخ دمشق كتب على باب داره:

الغريب

#جل شعر أبي نواس سهل ممتنع واضح وقد ينحو به مناحي العرب الأوائل ويستعمل غريب الألفاظ كقوله من قصيدة يرثي بها خلفا الأحمر:

وقوله من قصيدة يرثي بها أبا البيداء الرياحي وكان راويته:

وقوله:

ومثل هذا كثير في ديوانه يجده المطالع فلا داعي إلى الإكثار منه.

الأمثال

الأمثال في شطر بيت

#كذاك الله يفعل ما يريد

شعره في الآداب والمواعظ والحكم

وقال:

وقال:

وقال:

وقل كما في تاريخ دمشق:

قال: وقال أبو شراعة للرياشي أن أبا العباس الأعرج قد هجاه فقال:

فقال الرياشي: إلا رددتم عليه أما سمعتم قول أبي نواس وذكر البيتين وقال أبو نواس:

وفي تاريخ دمشق أن بشار بن موسى الخفاف مر له حديث فقيل له: إن يحيى بن معين ينكر هذا الحديث فقال: ترى ما شذ على يحيى من الحديث من ربعه خمسه سدسه حتى بلغ عشره ثم قال: تدرون ما كان يقول عندنا ظرف يقال له الحسن بن هانئ وأنشد هذه الأبيات ثم قال: نعم الموعد نلتقي أنا ويحيى "انتهى" وقال أبو نواس وفيه ذم الكبر:

في تاريخ بغداد: دخل أبو عمر الضرير على بعض الوزراء فاستخف بحقه فكتب إليه إذا تفرغت للنظر في كتب جدك وجدت فيها قول الحسن بن هانئ (حذرتك الكبر) "البيت والذي بعده" وإذا نشطت للنظر في كتاب أحمد ابن سيار إلى بعض الولاة رأيت فيه:

وكتب على دفتر في دكان وراق كما في تاريخ دمشق:

وقال كما في تاريخ دمشق:

وقال كما في تاريخ بغداد:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال في القناعة والاستغناء عن الناس:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

وقال من قصيدة:

وقال من قصيدة:

حقوق الصحبة

قال:

تلبيات الحج

أبو نواس مجيد في كل ما ينظم، في نظمه تلبيات الحج قلما يجيد الشاعر في مثلها. قال أبو نواس حين حج كما في الديوان وتاريخ دمشق وهي في الثاني أكثر:

#والملك لا شريك لك

وقال كما في تاريخ دمشق وليس في الديوان منها إلا ثلاثة أبيات:

قال أبو الفرج ابن المعافى: استشهد ببعض هذه الأبيات طائفة من النحويين في مواضع من فصول النحو. وفي تاريخ دمشق قال ثعلب أحمد بن يحيى: دخلت على أحمد بن حنبل إلى أن قال: فقال -أي ابن حنبل- مررت بالبصرة وجماعة يكتبون عن رجل الشعر وقيل لي: هذا أبو نواس وتخلفت الناس ورائي فلما جلست أملى علي (إذا ما خلوت الدهر) (البيت) "انتهى" ونظم حديث الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف فقال:

البديع في شعر أبي نواس

قال ابن رشيق في العمدة: قالوا أول من فتق البديع من المحدثين بشار بن برد وابن هرمة وهو ساقة العرب وآخر من يستشهد بشعره ثم اتبعها مقتديا بهما كلثوم بن عمرو العتابي ومنصور النمري ومسلم بن الوليد وأبو نواس "انتهى".

حسن التخلص

قال:

وقال:

تجاهل العارف

ما عيب على أبي نواس

قال ابن منظور أن مسلم بن الوليد الملقب بصريع الغواني عاب على أبي نواس قوله:

قال وهذا من الإغراق المستحيل في العقول. وعاب عليه قوله:

وقوله:

#بريء من الأشياء ليس له مثل

فقال: أنه تخطى من صفة المخلوق إلى صفة الخالق. وقال ابن منظور أيضا: لقي العتابي أبا نواس فقال: يا أبا علي أما خفت الله تعالى في شعرك حيث تقول:

فقال له أبو نواس: وأنت أما خفت الله حيث تقول:

فقال العتابي: قد علم الله وعلمت أن هذا ليس مثل قولك ولكنك أعددت لكل قائل جوابا.

سرقات أبي نواس

قال ابن منظور: مما قيل عن أبي نواس أن الشعر إنما هو بين المدح والهجاء وأبو نواس لا يحسنهما وأجود شعره في الخمر والطرد وأحسن ما فيهما مأخوذ ليس له (أقول) دعوى أن أبا نواس لا يحسن المدح والهجاء دعوى غريبة في بابها وكيف يقال لا يحسن لمن يقول:

وأما هجاؤه فكاد أن يكون فيه منفردا وقد عرفت تفوقه في المدح والهجاء عند ذكر ما اخترناه منهما. أما السرقات فقال ابن منظور في تتمة كلامه السابق مثل قوله: (وداوني بالتي كانت هي الداء) أخذه من قول الأعشى: (وأخرى تداويت منها بها) وقوله: (إن الشباب مطية الجهل) أخذه من قول النابغة الجعدي (فإن مطية الجهل الشباب) وقوله:

أخذه من قول أبي النجم (كطلعة الأشمط من كسائه).

قال ابن منظور: ولكن رزق أبو نواس في شعره وحمله الناس وقدمه أهل عصره وإن له عللا لأشياء حسان لا يدفعها ولا يطرحها إلا جاهل بالكلام أو حاسد.

ما قاله عند وفاته

وفيه ما يدل على حسن ظنه بالله تعالى

في تاريخ بغداد في ترجمة محمد بن إبراهيم بن كثير: أخبرنا هلال بن محمد نبأنا إسماعيل بن علي نبأنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن كثير قال: دخلنا على أبي نواس نعوده في مرضه الذي مات فيه فقال له عيسى بن موسى الهاشمي: يا أبا علي أنت في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة وبينك وبين الله هنات فتب إلى الله فقال أبو نواس: أسندوني فلما استوى جالسا قال: إياي تخوف بالله حدثني حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس ابن مالك قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (لكل نبي شفاعة وإني اختبأت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة) أفترى لا أكون منهم "انتهى" ولكن الخطيب قال: إنه لم يرو عن محمد ابن إبراهيم هذا إلا إسماعيل بن علي الخزاعي وإسماعيل غير ثقة ورواه الشيخ في المجالس عن الخفار عن إسماعيل ابن علي الدعبلي عن محمد بن إبراهيم بن كثير مثله وفي تاريخ بغداد بسنده عن الشافعي دخلنا على أبي نواس وهو يجود بنفسه فقلنا له: ما أعددت لهذا اليوم فقال:

وبسنده عن علي بن محمد بن زكريا دخلت على أبي نواس وهو يكيد بنفسه أي يجود بها فقال: تكتب فقلت: نعم فأنشأ يقول:

وفي نزهة الألباء رواية ذلك عن محمد بن زكريا وفي تاريخ بغداد بسنده عن محمد بن نافع أو رافع أنه وجدت رقعة تحت وسادته كتبها قبل وفاته وفيها:

وفي روضات الجنات عن بعض التواريخ حكى الجماز قال: دخلت على أبي نواس في مرض موته أعوده فقلت له: اتق الله وتب فكم من محصنة قذفت وسيئة اقترفت فقال لي: صدقت يا أبا عبد الله ولكني لا أفعل فقلت: ولم قال: مخافة أن تكون توبتي على يديك يا ماص بظر أمه وذلك أشد علي من عذاب الله قال: ثم أن جماعة دخلوا عليه فقالوا: ما أشد ما بك من الألم فقال لهم: الذنوب وأرجو لها المغفرة "انتهى". وفي تاريخ دمشق قال عيس ابن المهدي: دخلت على أبي نواس وهو عليل فقلت: كيف تجدك فقال:

#وآخر الداء العياء الكي

وقال في مرض موته كما في الديوان وتاريخ دمشق عدى الأخير:

وقال في اليوم الخامس من مرضه كما في تاريخ دمشق، عن عبدوس راوية أبي نواس:

وقال في اليوم السادس كما في الكتاب المذكور عن المذكور (دب في السقام سفلا وعلوا) "الأبيات الأربعة المتقدمة". قال عبدوس: فلما كان في اليوم الثامن جئت لأدخل فلقيني الغلام ومعه رقعة مختومة فسألته عنه فقال: أعظم الله أجرك في أبي نواس توفي وقد كان كتب إليك هذه الرقعة قبل موته فقرأتها فإذا فيها:

فجئت معه إلى منزل أبي نواس فإذا هو قد مات ونظرت فيما خلف فإذا هو مقدار ثلثمائة درهم وإذا بين مخدتيه رقعة مكتوبة فيها (يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة) "الأبيات الأربعة المتقدمة". فوقفت حتى جهزناه وصلينا عليه ودفناه. وقال إسماعيل بن نوبخت مات عندي أبو نواس وكان يختلف إليه طبيب (اسمه سعيد) فدخلت عليه يوما ومعي الطبيب نظر إليه ثم غمزني بعينه فقام وابتعد فقال لي: إن الرجل ذاهب فلما رجعت قال: ماذا قال لك الطيب فقلت: قال لا بأس عليه وهو اليوم عندي أصلح فأنشأ يقول:

وفي غير تاريخ دمشق ثم قال: واندماه على ما فرطت واسوأتاه مما قدمت ثم أنشد (دب في السقام) "الأبيات السابقة" وقال في مرض موته كما في ديوانه وهو دال على حسن عقيدته:

وفي حواشي مصباح الكفعمي نقلا عن كتاب لسان المحاضر والنديم وبستان المسافر والمقيم جمع الشيخ علي ابن محمد بن يوسف بن ثابت قال: روي أن بعضهم دخل على أبي نواس في مرضه الذي توفي فيه فقال له: لو أحدثت توبة يغفر لك الله بها فإن حدث بك حدث لقيت الله وأنت تائب فحول وجهه إلى الحائط ساعة ثم قال:

ثم أقام يسيرا فمات فرأيته بعد ذلك في منامي فقلت له: ما صنع الله بك فقال: غفر لي بالأبيات التي قلتها عند الموت.

قال: وروي أنه رئي في المنام بعد موته فقيل له: ما فعل الله بك فقال: غفر لي ببيتين قلتهما وذكر البيتين. ومما يدخل في هذا الباب ويدل على حسن عقيدته قوله كما في ديوانه:

وصيته

في روضات الجنات عن بعض التواريخ لم يسمه أنه لما حضرته الوفاة أخذ ورقة وكتب فيها بعد البسملة: هذا ما أوصى به المسرف على نفسه المغتر بأجله المعترف بذنبه الحسن بن هانئ وهو يشهد أن لا إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن ما جاء به كله حق وعلى ذلك عاش وعليه يموت وإنه لا يرجو الخلاص إلا بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم والاعتراف بذنوبه والثقة بعفو ربه. وأوصى إلى أبي زكريا القشوري أن يتولى تجهيزه وقضاء دينه ثم مات من يومه "انتهى" وفي ديوانه أنه أمر أن يودع هذان البيتان في كفنه: (يا رب قد أحسنت) "البيتان المتقدمان".

ما صنعه بخاتميه عند وفاته

في ديوانه يروي أنه صاغ خاتمين فنقش على أحدهما (يشهد ابن هانئ أن الله أحد) وعلى الآخر:

فلما حضرته الوفاة تختم بهما في يمناه ويسراه "انتهى". وفي تاريخ بغداد قال دعبل الشاعر كان لأبي نواس خاتمان من فضة وخاتم من عقيق مربع عليه مكتوب:

والآخر حديد صيني مكتوب عليه (لا إله إلا الله مخلصا) فأوصى عند موته أن تقلع وتغسل وتجعل في فمه.

ما أوصى بكتابته على قبره

في تاريخ بغداد بسنده عن أبي جعفر الآمدي قال: حضر أبا نواس الموت قال: اكتبوا هذه الأبيات على قبري:

وفي تاريخ دمشق زيادة هذين البيتين:

هذا ولكن في معاهد التنصيص ما يدل على أن هذه الأبيات لأبي العتاهية لا لأبي نواس حيث قال عن عمرو ابن أبي عمرو الشيباني قال: جاء أبو العتاهية ومسلم وأبو نواس يوما إلى أبي فأنشده أبو العتاهية:

فلما كان بعد أيام عاد إليه مسلم وأبو النواس فأنشده مسلم حتى بلغ قوله:

فقال أبو عمرو أحسنت إلا أنك أخذت قول أبي العتاهية:

فهذا صريح في أن الشعر لأبي العتاهية وظاهر إيصاء أي نواس بكتابته على قبره أنه لم يكن ليوصي بكتابة أبيات أبي العتاهية على قبره وهو أشعر منه فلا بد أن يكون وقع خطأ في أحد النقلين وفي نزهة الألباء رئي على قبره مكتوب:

وفي ديوانه أنه أمر أن يكتب على قبره:

وقال: وكان ينبغي وضعه في المواعظ والحكم فأخر سهوا:

وقال:

من المكذوب عليه

ومن المكذوب عليه بلا شبهة ما في شذرات الذهب عن الحصري أنه قال في كتابه قطب السرور قال ابن نوبخت: توفي أبو نواس في منزلي فسمعته يوم مات يترنم بشيء فسألته عنه فأنشدني:

والتفت إلى من حوله فقال: لا تشربوا الخمر صرفا فإني شربتها صرفا فأحرقت كبدي ثم طفي "انتهى" فإن هذه الرواية مع تفرد راويها بها يردها ما اتفق عليه الباقون من رواية ضدها عنه على أن إسماعيل بن نوبخت كان يعادي أبا نواس وقد هجاه أبو نواس بأهاج كثيرة مرت في ترجمة إسماعيل فلعله أراد الانتقام منه بما رواه عنه. أما ما رواه الخطيب في تاريخ بغداد بسنده عن الحسن ابن أبي المنذر أنهم كانوا في حانة خمار مع أبي نواس قال: ونحن في أطيب موضع فذكرنا الجنة وطيبها والمعاصي وما يحول عنه منها وأبو نواس ساكت فقال:

قال: فامتعضنا من قوله وأطلنا توبيخه وأعلمناه إنا نتخوف صحبته فقال: ويلكم إني والله لأعلم بما تقولون ولكن المجون يفرط علي وأرجو أن أتوب ويرحمني الله ثم قال: (أية نار قدح القادح) "الأبيات المتقدمة في المواعظ" ثم قال: هذا عمل الشيطان ألقى الزاهد بهذا الكلام ليفسد يومكم فمع أنه رواية عن فاسق يقر على نفسه بشرب الخمر قد اعترف أبو نواس بأن عقيدته خلافه وإنما ساقه إليه المجون وأنه يرجو لنفسه التوبة والرحمة وأنشد الأبيات الحائية الدالة على حسن العقيدة ومع ذلك خلط الجد بالهزل وقال إنه من عمل الشيطان ليفسد عليكم يومكم.

رؤيته في المنام بعد الموت

في تاريخ دمشق: لما مات رئي في المنام فقيل له: ما فعل الله بك فقال: غفر لي بأبيات قلتها في النرجس:

وفي معاهد التنصيص حكي عن عبد الله بن المعتز أنه قال: رأيت أبا نواس في المنام فقلت له: لقد أحسنت في قولك:

فقال: لا بل أحسنت في قولي:

وفي تاريخ بغداد بسنده عن محمد بن نافع أنه رأى أبا نواس في المنام بعد موته فقال له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر الله لي بأبيات قلتها هي تحت الوسادة فسأل أهله: هل قال شعرا قبل موته قالوا: دعا بدواة وقرطاس وكتب شيئا لا ندري ما هو فرفع وسادة فإذا برقعة فيها مكتوب:

(الأبيات الأربعة المتقدمة) ومر رؤية بعضهم له في المنام وقوله: إن الله غفر له بقوله: من أنا عند الله "الأبيات" وفي شرح الشفا لعلي القاري قال إسحاق التمار: رأيت أبا نواس فيما يرى النائم فقلت له: ما فعل الله بك قال: غفر لي فأنكرت ذلك فقلت: ألست أبا نواس؟ قال: بلى غفر لي ربي بأبيات قلتها وهي في البيت تحت رأسي فبكرت إلى ابنه فسألته عن الرقعة فأدخلني الدار فرفعت الحصير فإذا رقعة مكتوب فيها بخطه: (يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة) "الأبيات".

هذا ما تيسر لنا جمعه من سيرة أبي نواس وقد لاقينا عناء شديدا فيما أخذناه من ديوانه المطبوع فإنه كثير الغلط والتصحيف ولا توجد نسخة أخرى صحيحة يمكن الاعتماد عليها وقد فسر ألفاظه معاصر في بعض الطبعات فلم يكن تفسيره مجديا لأنه اعتمد على النسخة الأولى المغلوطة لذلك احتجنا إلى مراجعة مراجع أخرى ومع ذلك فقد بقي بعض ما في الديوان مستغلقا.

النهاية

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 5- ص: 331

أبو نواس الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن الصباح، أبو علي الحكمي- بفتح الحاء المهملة والكاف- المعروف بأبي نواس. كان جده مولى الجراح بن عبد الله الحكمي والي خراسان.
ولد أبو نواس بالبصرة، ونشأ بها، ثم خرج إلى الكوفة مع والبة بن الحباب، ثم صار إلى بغداد، هكذا قال محمد بن داود بن الجراح في كتاب الورقة.
وقال غيره: إنه ولد بالأهواز، ونقل منها وعمره سنتان، واسم أمه جلبان. وكان أبوه من جند مروان، آخر ملوك بني أمية، وكان من أهل دمشق، وانتقل إلى الأهواز، فتزوج بجلبان وأولدها عدة أولاد منهم: أبو نواس، وأبو معاذ.
قال أبو نواس؛ فأسلمته أمه إلى بعض العطارين، فرآه يوما والبة بن الحباب فاستحلاه، فقال له: ’’إني أرى فيك مخايل أرى أن لا تضيعها، وستقول الشعر فاصحبني أخرجك’’. فقال له: ومن أنت؟ قال: أبو أسامة والبة بن الحباب. قال: ’’نعم، أنا والله، في طلبك، ولقد أردت الخروج إلى الكوفة بسبك لآخذ عنك، وأسمع منك شعرك’’. فصار معه، وقدم به بغداد، فكان أول ما قاله من الشعر وهو صبي:

قال إسماعيل بن نوبخت: ما رأيت قط أوسع علما من أبي نواس ولا أحفظ منه مع قلة كتبه، ولقد فتشنا منزله بعد موته فما وجدنا إلا قمطرا فيه جزار، مشتمل على غريب ونحو لا غير.
وهو في الطبقة الأولى من المولدين، وشعره عشرة أنواع، وهو مجيد في العشرة.
واعتنى بشعره جماعة من الفضلاء منهم: أبو بكر الصولي، وعلي بن حمزة، وإبراهيم بن أحمد بن محمد الطبري المعروف بتوزون، وأجمع هذه الروايات؛ جمع علي بن حمزة.
وسمع أبو نواس الحديث من حماد بن زيد، وعبد الرحمن بن زياد. وعرض القرآن على يعقوب الحضرمي، وأخذ اللغة عن أبي زيد الأنصاري، وأبي عبيدة. ومدح الخلفاء والوزراء، وكان شاعر عصره، وترجمته في تاريخ بغداد- سبع ورقات.
وكان يقال: الشافعي شاعر غلب عليه الفقه، وأبو نواس فقيه غلب عليه الشعر.
وإنما قيل له: أبو نواس لذؤابتين كانتا تنوسان على عاتقيه.
حدث محمد بن كثير الصيرفي، قال: دخلنا على أبي نواس الحسن بن هانئ في مرضه الذي مات فيه، فقال له صالح بن علي الهاشمي: يا أبا علي أنت اليوم في أول يوم من أيام الآخرة، وآخر يوم من أيام الدنيا، وبينك وبين الله هنات، فتب إلى الله من عملك.
قال: فقال: إياي تخوف بالله؟ ثم قال: أسندوني، حدثني حماد بن سلمة عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لكل نبي شفاعة، وإني اختبأت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، أفترى لا أكون منهم! وقال عبد الله بن صالح الهاشمي: حدثني من أثق به، قال: رأيت أبا نواس في النوم، وهو في نعمة كبيرة، فقلت له: أبا نواس!. قال: نعم. قلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، وأعطاني هذه النعمة. قلت: ومم ذاك وأنت كنت مخلطا؟ فقال: إليك عني، جاء بعض الصالحين إلى المقابر في ليلة من الليالي، فبسط رداءه، وصف قدميه، وصلى ركعتين لأهل المقابر، قرأ فيهما ألفي مرة {قل هو الله أحد} وجعل ثوابها لأهل المقابر؛ فغفر الله لأهل المقابر عن آخرهم، فدخلت أنا في جملتهم.
قال أبو عبيدة: أبو نواس للمحدثين كامرئ القيس للأولين، هو الذي فتح لهم هذه الطرق في الفطن، ودلهم على هذه المعاني.
وقال أبو هفان: ’’إنما أفسد شعر أبي نواس، المنحولات، لأنها خلطت بشعره، ونسبت إليه، فأما ما يعرف من خالص شعره رواية، فإنه أحكم شعر، وأتقنه في معانيه وفنونه.
وقال النظام: كأنما كشف لأبي نواس عن معاني الشعر، فقال أجوده، واختار أحسنه.
قلت: أما قصائده فطنانة رنانة، وأما بعض المقاطيع التي تقع له، وغالبها في المجون، فهي منحطة عن طبقته، وأراه كان بكر الزمان في المجون وخفة الروح، وقد انفتح للناس باب لم يعهدوه، فكانوا إذا اجتمعوا في مجلس شراب، وقد أخذت منه الخمر، اقترحوا عليه شيئا، أو قال هو شيئا، مشى به الحال في ذلك الوقت، فيخرج غير منقح ولا منقى، لم تنضجه الروية، ولا هذبه التفكر، لقلة مبالاته به؛ فيدون عنه ويحفظ ويروى. فهذا هو السبب الذي أراه في انحلال بعض شعره.
وقيل إنه كان ليلة نائما إلى جانب والبة بن الحباب فانتبه فرآه وقد انكشف استه وهي بيضاء حمراء، فما تمالك أن قبلها، فلما دنا منها، أجابه بضرطة هائلة، فقال: ويلك! ما هذا؟ فقال: لئلا يذهب المثل ضياعا في قولهم: ’’ما جزاء من يقبل الأستاه إلا الضراط’’.
وكان خفيف الروح، نادم الأمين، وكان المأمون يعيره بذلك، ويقول في خراسان: من يكون أبو نواس نديمه، لا يصلح للخلافة. ولو عاش أبو نواس إلى أن يدخل المأمون بغداد لناله منه سوء.
وله أخبار وحكايات ومجاراة مع شعراء عصره. وتوفي سنة ست أو سنة سبع أو سنة تسع وتسعين ومائة.
ومن شعره:
ومنه:
ومنه:
ومنه:
ومنه:
قلت: هذه أبيات سار لها ذكر، وصار لها شكر بين الأدباء، أولعوا بها وبمعاني أبياتها.
قال الجاحظ: نظرنا في شعر القدماء والمحدثين، فوجدنا المعاني تقلب ووجدناها بعضا يسترق من بعض إلا قول عنترة في الذباب:
وقول أبي نواس في الكأس المصورة: قرارتها كسرى... الأبيات.
قلت: قد ذكرت هذه الأبيات وأبيات عنترة في كتابي: نصرة الثائر على المثل السائر. وبسطت الكلام على ذلك، وذكرت ما ورد للشعراء في ذلك من النظائر، وذكرت هنا ما كتبه أبو الحسين الجزار في يوم نوروز:
لم أر لأحد مثل هذا التضمين ولا هذا الاهتدام، كيف نقل وصف الكأس المصورة إلى وصف الذين يتصافعون يوم النوروز.
ومن شعر أبي نواس، وفيه دلالة على أنه كان يعرف علم المنطق:
وقد امتحنت بهما جماعة، فما رأيت من يعرف معناهما، وهو شكل من أشكال المنطق.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 12- ص: 0

أبو نواس الحسن بن هانئ.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 27- ص: 0

أبو نواس رئيس الشعراء أبو علي الحسن بن هانئ الحكمي، وقيل: ابن وهب، ولد بالأهواز ونشأ بالبصرة، وسمع من حماد بن سلمة وطائفة. وتلا على يعقوب وأخذ اللغة عن: أبي زيد الأنصاري وغيره.
ومدح الخلفاء والوزراء، ونظمه في الذروة حتى قال فيه أبو عبيدة شيخه: أبو نواس للمحدثين، كامرئ القيس للمتقدمين.
قيل: لقب بهذا، لضفيرتين كانتا تنوسان على عاتقيه أي: تضطرب، وهو من موالي الجراح الحكمي، أمير الغزاة وهو القائل:

وله:
ولأبي نواس أخبار وأشعار رائقة في الغزل والخمور، وحظوة في أيام الرشيد، والأمين.
مات سنة خمس أو ست وتسعين ومائة، وقيل: مات في سنة ثمان وتسعين عفا الله عنه وله وهو حدث:
ويقال: ما رؤي أحفظ من أبي نواس مع قلة كتبه، وشعره عشرة أنواع، وقد برز في العشرة. اعتنى الصولي، وغيره بجمع ديوانه، فلذلك يختلف ديوانه.
وقد سجنه الأمين لأمر، فكتب إليه:

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 8- ص: 48

أبو نواس، الشاعر المفلق. هو الحسن بن هانئ، شعره في الذروة، ولكن فسقه ظاهر وتهتكه واضح، فليس بأهل أن يروى عنه.
له رواية عن حماد بن سلمة وغيره.
توفى سنة نيف وتسعين ومائة.

  • دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان-ط 1( 1963) , ج: 4- ص: 581

أبو نواس
وأما أبو علي الحسن بن هانئ المعروف بأبي نواس الشاعر؛ فإنه ولد بالأهواز، ونشأ بالبصرة؛ وقيل: كان مولى للجراح بن عبد الله الحكمي والي خراسان.
واختلف إلى أبي زيد الأنصاري وكتب عنه الغريب، وحفظ عن أبي عبيدة معمر بن المثنى أيام العرب، ونظر في نحو سيبويه.
قال عمرو بن بحر الجاحظ: ما رأيت رجلاً أعلم باللغة من أبي نواس، ولا أفصح لهجةً؛ مع حلاوة ومجانبة للاستكره. وقال الشعر، وكان يستشهد بشعره.
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: كان أبو نواس للمحدثين؛ كامرئ القيس للمتقدمين.
وقال إسحاق بن إسماعيل: قال أبو نواس: ما قلت الشعر حتى رويت لستين امرأة من العرب، منهم الخنساء وليلى؛ فما ظنك بالرجال!
وقال ميمون: سألت أبا يوسف يعقوب بن السكيت عما يختار لي روايته من الشعر، فقال: إذا رويت من أشعار الجاهليين فلامرئ القيس والأعشى، ومن الإسلاميين فلجرير والفرزدق، ومن المحدثين فلأبي نواس، فحسبك.
وقال أبو العباس المبرد عن الجاحظ، قال: سمعت إبراهيم النظام يقول وقد أنشد شعر أبي نواس في الخمر: هذا الذي جمع له الكلام فاختار أحسنه.
وقال في حقه سفيان بن عيينة: هذا أشعر الناس - يعني أبا نواس.
وقال الجاحظ: لا أعرف من كلام الشعراء أرفع من قول أبي نواس:

وأنشد الأبيات.
قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله: دخلت على أبي نواس؛ وهو يجود بنفسه، فقلت: ما أعددت لهذا اليوم؟ فقال:
وقال محمد بن زكرياء: دخلت على أبي نواس وهو يكيد بنفسه، فقال لي: أتكتب؟ فقلت: نعم، فأنشأ يقول:
وحكى أبو جعفر الصائغ، قال: لما احتضر أبو نواس قال: اكتبوا هذه الأبيات على قبري:
ورثى على قبره مكتوب:
قال ابن أبي سعيد: مات أبو نواس سنة ثمان وتسعين ومائة.
وقال محمد بن الحسين الأنصاري سلف أبي نواس وجماعة آخر: ولد أبو نواس سنة خمس وأربعين ومائة، ومات ببغداد سنة ست وتسعين ومائة، في خلافة محمد الأمين بن الرشيد.
وقيل: ولد سنة ست وثلاثين ومائة ومات سنة خمس وتسعين ومائة، وكان عمره تسعاً وخمسين سنة، ودفن في مقابر الشونيزي.
وقال أحمد بن يحيى، عن محمد بن رافع، قال: كان أبو نواس لي صديقاً، فوقعت بيني وبينه هجرة في آخر عمره، ثم بلغتني وفاته؛ فتضاعف علي الحزن؛ فبينا أنا بين النائم واليقظان؛ إذا أنا به، فقلت: أبو نواس! فقال: لات حين كنية! قلت: الحسن بن هانئ؟ قال: نعم، قلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بأبيات قلتها، هي تحت ثني الوسادة؛ فأتيت أهله؛ فلما أحسوا بي أجهشوا بالبكاء، فقلت: هل قال أخي شعراً قبل موته؟ قالوا: لا نعلم؛ إلا أنه دعا بدواة وقرطاس، وكتب شيئاً، لا ندري ما هو؟ فقلت: أتأذنون لي أن أدخل؟ فدخلت إلى مرقده، فإذا ثيابه لم تحرك بعد؛ فرفعت وسادة فلم أر شيئاً، ثم رفعت أخرى؛ فإذا أنا برقعة فيها مكتوب:

  • مكتبة المنار، الزرقاء - الأردن-ط 3( 1985) , ج: 1- ص: 65

  • دار الفكر العربي-ط 1( 1998) , ج: 1- ص: 74

  • مطبعة المعارف - بغداد-ط 1( 1959) , ج: 1- ص: 49