الوزير المهلبي الحسن بن محمد بن عبد الله بن هارون، من ولد المهلببن أبى صفرة الأزدى، أبو محمد: من كبار الوزراء، ادباء الشعراء. اتصل بمعز الدولة بن بويه، فكان كاتبا في ديوانه، ثم استوزره. وكانت الخلافة للمطيع العباسى. فقربه المطيع، وخلع عليه، ثم لقبه بالوزارة. فاجتمعت له وزارة الخليفة ووزارة السلطان، ولقب بذى الوزارتين. وكان من رجال العالم حزما ودهاءا وكرما وشهامة. وله شعر رقيق، مع فصاحة بالفارسية وعلم برسوم الوزارة. ولد بالبصرة، وتوفى في طريق واسط، وحمل إلى بغداد

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 213

الوزير المهلبي هو أبو محمد الحسن بن محمد المهلبي وزير معز الدولة بن بويه.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 10- ص: 274

الوزير المهلبي اسمه حسن بن محمد بن هارون.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 10- ص: 281

الوزير المهلبي الحسن بن محمد بن عبد الله بن هارون، أبو محمد الوزير المهلبي، من ولد المهلب بن أبي صفرة، كاتب معز الدولة أبي الحسين أحمد بن بويه. ولما مات الصيمري، قلده معز الدولة مكانه، سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، وقربه وأدناه، واختص به، وعظم جاهه عنده.
وكان يدبر أمر الوزارة للمطيع من غير تسمية بوزارة، ثم جددت له الخلع من دار الخلافة، بالسواد والسيف والمنطقة، ولقبه المطيع بالوزارة، ودبر الدولتين.
وكان ظريفا نظيفا، قد أخذ من الأدب بحظ وافر، وله همة كبيرة، وصدر واسع، وكان جماعا لخلال الرياسة صبورا على الشدائد.
وكان أبو الفرج الإصبهاني وسخا في ثوبه ونفسه وفعله؛ فواكل الوزير المهلبي على مائدته، وقدمت سكباجة، وافقت من أبي الفرج سعلة، فبدرت من فمه قطعة بلغم، سقطت في وسط الصحن، فقال أبو محمد: ارفعوا هذا، وهاتوا من هذا اللون في غير هذا الصحن. ولم يبن في وجهه استكراه، ولا داخل أبا الفرج حياء ولا انقباض.
وكان من ظرف الوزير المهلبي، إذا أراد أكل شيء من أرز بلبن، وهرايس، وحلوى رقيق، وقف إلى جانبه الأيمن غلام، معه نحو ثلاثين ملعقة زجاجا مجرودا؛ فيأخذ الملعقة من الغلام الذي على يمينه، ويأكل بها لقمة واحدة، ويدفعها إلى الذي على يساره؛ لئلا يعيد الملعقة إلى فيه دفعة ثانية.
ولما كثر على الوزير استمرار ما يجري من أبي الفرج جعل له مائدتين إحداهما كبيرة عامة، والأخرى لطيفة خاصة، يؤاكله عليها من يدعوه إليها.
وعلى صنعه بأبي الفرج ما كان يصنعه، ما خلا من هجوه؛ فإنه قال:

وقد روى تاج الدين الكندي هذين لأبي الطيب المتنبي، والله أعلم، لمن هما.
وكان قبل وزارته قد سافر مرة، ولقي في سفره مشقة شديدة، واشتهى اللحم، فلم يقدر عليه، وكان معه رفيق يقال له: أبو عبد الله الصوفي، وقيل أبو الحسن العسقلاني؛ فقال المهلبي ارتجالا:
فلما سمع الأبيات، اشترى له بدرهم لحما وطبخه وأطعمه وتفارقا، وتنقلت الأحوال بالمهلبي، وولي الوزارة، وضاقت الأحوال برفيقه الصوفي، فقصده، وكتب إليه:
فلما وقف عليها تذكره، وأمر له في الحال بسبعمائة درهم، ووقع في رقعته: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة}، ثم دعا به، وخلع عليه، وقلده عملا.
ولما ترقت به الحال قال:
ومن شعره أيضا:
قال أبو إسحاق الصابي، صاحب الرسائل: كنت يوما عند الوزير المهلبي، فأخذ ورقة وكتب فيها، فقلت بديها:
ومن شعره:
ومنه:
ومنه:
كان أبو النجيب شداد بن إبراهيم الجزري، الشاعر الملقب بالطاهر، كثير الملازمة للوزير المهلبي، فاتفق أن غسل ثيابه وأنفذ يدعوه، فاعتذر إليه فلم يقبله. وألح في استدعائه، فكتب إليه:
فأنفذ إليه جبة وقميصا وعمامة وسراويل وخمسمائة درهم، وقال: ’’أنفذت إليك ما تلبسه، ولا تدفعه إلى الخياط، فإن كنت غسلت التكة واللالكة؛ عرفني لأنفذ لك عوضهما’’.
ومن شعر الوزير:
قلت: شعر جيد إلى الغاية.
وتوفي سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة في طريق واسط، وحمل إلى بغداد. وطول ياقوت ترجمته، وأورد جملة من أخباره، وشعره.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 12- ص: 0

الحسن بن محمد المهلبي الوزير: هو أبو محمد الحسن بن محمد بن هارون بن إبراهيم بن عبد الله بن يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة، وزير معز الدولة أبي الحسين ابن أحمد بن بويه، ومات وهو على الوزارة في سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة.
وكان المهلبي من ارتفاع القدر واتساع الصدر ونبل الهمة وفيض الكف على ما هو مذكور مشهور، وأيامه معروفة في وزارته لمعز الدولة وتدبيره أمور العراق، مع أنه كان غاية في الأدب والمحبة لأهله والإقبال عليهم والاحسان إليهم، وكان يترسل ترسلا بليغا ويقول الشعر قولا لطيفا يضرب بحسنه المثل، كما قال بعض أهل العصر:

وقال ابن الحجاج في ضد ذلك:
قال الثعالبي: وحدثني أبو بكر الخوارزمي وأبو نصر ابن سهل بن المرزبان وأبو الحسن المصيصي، دخل حديث بعضهم في بعض فزاد ونقص، قالوا: كانت حال المهلبي قبل الاتصال بالسلطان حال ضعف وقلة، وكان يقاسي منها قذى عينه وشجى صدره، فبينا هو ذات يوم في بعض أسفاره مع رفيق له من أصحاب الحراب والمحراب، إلا أنه من أهل الأدب، إذا لقي من سفره نصبا واشتهى اللحم فلم يقدر على ثمنه، فقال ارتجالا:
فاشترى له رفيقه بدرهم واحد ما سكن قرمه، وتحفظ الأبيات وتفارقا؛ وضرب الدهر ضربانه حتى ترقت حال المهلبي إلى أعظم درجة من الوزارة فقال:
وحصل الرفيق تحت كلكل من كلاكل الدهر ثقل عليه بركه، وهاضه عركه، فقصد حضرته وتوصل إلى إيصال رقعة تتضمن أبياتا منها:
فلما نظر فيها تذكره وهزته أريحية الكرم للحنين إليه، ورعاية حق الصحبة فيه، والجري على حكم من قال:
فأمر له في العاجل بسبعمائة درهم، ووقع في رقعته: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم} ثم دعا به، وخلع عليه وقلده عملا يرتفق به ويرتزق منه .
قيل: كان لمعز الدولة غلام تركي يدعى تكين الجمدار، أمرد وضيء الوجه، فلفرط ميل معز الدولة إليه وشدة إعجابه به جعله رئيس سرية جردها لحرب بعض بني حمدان، وكان المهلبي يستظرفه ويستحسن صورته ويرى أنه من عدد الهوى لا من عدد الوغى، فقال فيه:
فما كان بأسرع من أن كانت الدائرة على هذا القائد.
وكتب إلى ابن العميد في جواب كتاب ورد منه:
ذاك إن تم لي فقد عذب العيش ونيل المنى وريش الجناح وكتب القاضي أبو القاسم علي بن محمد التنوخي إلى المهلبي، وقد منعه المطر عن زيارته:
فأجابه المهلبي:
ودخل رسول معز الدولة على المهلبي يدعوه وهو على شرابه فقال بديها:
قيل: صحب أبو محمد المهلبي في أول أمره أبا زكريا يحيى بن سعيد السوسي ونظر في ضياعه بالأهواز وكانت جليلة القدر، ثم اتصل بأبي الحسن علي بن محمد الطبري وكان واليا كبيرا من قبل معز الدولة وناب عنه على باب معز الدولة بحضرة أبي جعفر الصيمري، وكانت فيه مداخلة ومعرفة بخدمة الرؤساء. وكان بين أبي جعفر وأبي الحسن الطبري عداوة، فجرى بين المهلبي وبين أبي الحسن منافرة نكبه لأجلها ثم رضي عنه بعد ذلك. ثم لازم أبا جعفر وصحبه إلى بغداد والجبل، وشرع في سد بثق النهروان، فندب له المهلبي، فقام فيه أحسن قيام.
ولأبي .... قصيدة يخاطب فيها أبا جعفر الصميري ويذكر المهلبي وكان في صحبته:
ثم خرج معز الدولة والصميري إلى الموصل لقتال ناصر الدولة، فاستخلف الصيمري المهلبي وأبا الحسن طازاد بن عيسى على الأمور بمدينة السلام إلى أن عاد.
ثم خرج الصميري إلى البطيحة لطلب عمران بن شاهين، فاستناب بحضرة معز الدولة أبا محمد وحده في سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، فخدم أبو محمد بين يدي معز الدولة خدمة حسنة خفف بها عنه وخف على قلبه بها، فمال إليه وقربه، وبلغ أبا جعفر ذلك
فثقل عليه، فتطلب لأبي محمد الذنوب، وتمحل ما أنكره عليه، وأطلق فيه لسانه بالوقيعة والتهدد، وبلغ أبا محمد ذلك فقلق له واستشعر النكبة والهلكة لأنه لم يطمع من معز الدولة في نصرته عليه وعصمته منه، فما راعه إلا ورود كتاب الطائر بوفاة الصميري، فجلس له في العزاء وأظهر له الحزن الشديد ولزم منزله، فاستدعاه معز الدولة وأمره بالحضور وتمشية الأمور إلى أن يقلد من يرى تقليده الوزارة. وترشح للوزارة جماعة منهم: أبو علي الحسن بن هارون بن نصر وأبو علي الحسن بن محمد الطبري وأبو الحسن محمد بن أحمد المافروخي وأبو عبد الله محمد بن أحمد الخوميني، وبذلوا البذول وضمنوا الأموال، ووسط أبو علي الطبري في أمره والدة عز الدولة وبذل مائتي ألف درهم عاجلة على سبيل الهدية فطالبه معز الدولة بالمال، فحمل منه مائة وثمانين ألف درهم وقال: قد بقي بقية يسيرة إذا ظهر حملتها، فقال معز الدولة: لا أفعل إلا بعد استيفاء المال، فعلم الطبري أنه خدع، وندم على ما فعله. ثم حضر الجماعة المترشحون الخاطبون وكل يعتقد أنه المختار المقلد، وجلسوا في خركاه ينتظرون الإذن، ثم أوصل القوم ووقفوا على مراتبهم، ودخل أبو محمد بعدهم وقام في أخرياتهم، فلما تجمع الناس أسر معز الدولة إلى أبي علي الحسن بن إبراهيم الخازن قولا لم يسمع، فمشى إلى أبي محمد المهلبي وقبل يده وخاطبه بالاستاذية، على ما كان أبو جعفر يخاطب به، وحمله إلى الخزانة فخلع عليه الخلعة التي هي رسم أمثاله: القباء والسيف والمنديل والمنطقة. قال هلال، قال جدي: فو الله يا بني لقد رأيت الناس على طبقاتهم ممن أسميناه، ومن يتلوهم من الجند وغيرهم، والسعيد منهم من وصل إلى يده فقبلها. وعاد أبو محمد إلى حضرة معز الدولة فخاطبه بالتعويل عليه في تقلد وزارته وتدبير دولته، وشكره أبو محمد شكرا
أطال فيه وخرج منصرفا إلى داره، فقدم له شهري بمركب ذهب، وسار أبو محمد وسبكتكين الحاجب بين يديه، والقواد والناس في موكبه، وذلك لثلاث بقين من جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، ثم جددت له الخلع من دار الخلافة بالسواد والسيف والمنطقة فأثقلته هذه الخلع وكان ذا جثة، والزمان صيف، وقد مشى في تلك الصحون الكثيرة، فسقط عند دخوله إلى حضرة المطيع لله ووقع على ظهره، وظن أنه يحصر لما جرى، فقال يا أمير المؤمنين:
ثم أكثر الشكر وأطال فيه، فاستحسنت منه هذه البديهة على تلك الصورة، وركب إلى داره وجميع الجيش معه، وحجاب الخلافة ومعز الدولة بين يديه.
فلما كانت سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة لهج معز الدولة بذكر عمان، وحدث نفسه بأخذها، وأغراه بذلك المعروف بكرك، أحد النقباء الأصاغر، فأمر المهلبي بالخروج إليها، فدافعه ووضع عليه من يزهده فيها، فلم يزدد إلا لجاجا، وكاد أبو محمد الوزير حاشية معز الدولة إذ ألزمهم تقسيطا في نفقة البناء الذي استحدثه من غير أن يخرج بأحد منهم إلى عسف، فأحفظهم فعله، فبعثوا معز الدولة على إخراجه، فلما ألح عليه ضمن له أن يستخرج من هؤلاء جملة كبيرة يستعين بها في هذا الوجه، فمكنه من ذلك بعد أن شرط عليه أخذ العفو وتجنب الإجحاف، فقبض على جماعة وأخذ منهم ألفي ألف درهم، منها خمسمائة ألف درهم من أبي علي الحسن بن إبراهيم النصراني الخازن، ومعز الدولة على غاية العناية بأمره والثقة بأنه لا مال له، وأظهر أبو علي الفقر وسوء الحال وأنه اقترض المال الذي أداه من الناس، فشق ذلك على معز الدولة وظنه حقا، واعتل أبو علي عقيب ذلك ومات، فاعتقد معز الدولة أن أبا محمد قتله لما عامله به، وأقبل عليه يلومه ويحلف له أنه يقيده به، فلم يلتفت أبو محمد إلى ذلك، وبادر إلى دار أبي علي وقبض على خادم له ضغير
كان يختصه ويثق به، ومناه ووعده، فدله على دفين كان لأبي علي في الدار، فاستخرج منه عدة قماقم فيها نيف وتسعون ألف دينار وحملها إلى معز الدولة وقال له:
هذا قدر أمانة خازنك الذي ظننت أني قد قتلته باليسير الذي أخذته لك منه، وما فيه درهم من ماله، وإنما افترصه من أولادك وحرمك وغلمانك وشنع عليك، ثم تتبع أسبابه فأخذ منهم تمام مائتي ألف دينار، وقدر أبو محمد أن معز الدولة يمكنه من الحاشية الباقين ويعفيه من الخروج فلم يقبل، وجد به جدا شديدا في الانحدار فانحدر في جمادي الآخرة من سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، وتمادت أيامه بالبصرة للتأهب والاستعداد، وامتنع العسكر المجرد من ركوب البحر، فبلغ معز الدولة ذلك، فاتهمه بأنه بعث العسكر على الشغب، فكاتبه بالجد والإنكار عليه في توقفه وألزمه بالمسير، ووجد أعداؤه طريقا للطعن عليه، فاغتنموا تنكر معز الدولة عليه، وأقاموا في نفسه أنه انحدر من مدينة السلام وهو لا يعتقد العود إليها، وأنه سيغلب على البصرة كما تغلب البريديون، وأن العسكر الذي معه والعشائر هناك على طاعته، عظموا عنده أمواله، فتدوخ معز الدولة بأقاويلهم، وعرف أبو محمد ذلك فأطلق لسانه فيهم، وخرق الستر بينه وبينهم، وتطابقت الجماعة في المشورة على معز الدولة بالقبض عليه، والاعتياض بأمواله عما تعذر حصوله من عمان، وجعلوه على ثقة من أنهم يسدون مسده، فمال إلى قولهم، وكتب إلى أبي محمد يعفيه من الانحدار إلى عمان، ويرسم له الانكفاء إلى مدينة السلام، وعلم أبو محمد بالحال ووطن نفسه على الصبر وركوب أصعب المراكب فيه، وأن يدخل فيما دخل فيه القوم، ويتولى هو
مصادرة نفسه وأصحابه وخصومه وأعدائه، وكان مليا بذلك، فهجمت عليه علته التي مات منها، وتردد بين إفاقة ونكسة إلى أن وردت الكتب باليأس منه، فأنفذ معز الدولة حينئذ أحد ثقاته على ظاهر العيادة له وباطن الاستظهار على ماله وحاشيته، فألفاه في طريقه محمولا في محفة كبيرة مملوءة بالفرش الوثيرة، ومعه فيها من يخدمه ويعلله، ويتناوب في حملها جماعة من الحمالين، فلما انتهى إلى زاوطا قضى نحبه ومضى لسبيله، وسقط الطائر بمدينة السلام بذلك، فقبض على أسبابه وحرمه وولده، فصودرت الجماعة، ووقع السرف في الاستقصاء عليهم، فلم يظهر لأبي محمد مال صامت ولا ذخيرة باطنة، وبانت لمعز الدولة نصيحته وبطلان التكثيرات عليه، وقد كان يصل إليه من حقوق الرقاب في ضياعه وما يأخذه من إقطاعه ويستثني به على عماله مال كثير يستوفيه جهرا، من غير أن توقع فيه أمانة، ويصرف جميعه في مؤونته ونفقاته وصلاته وهباته، إلى هدايا جليلة كان يتكلفها لمعز الدولة في أيام النواريز والمهاريج، وعطف معز الدولة على الجماعة يطالبهم بالضمانات التي ضمنوها، فاحتجوا بوفاته، ووعدوا بالبحث عن ودائعه، وتدافعت الأيام واندرج الأمر فكان الذي صح من مال أبي محمد ومال حرمه وأولاده وأسبابه خمسة آلاف ألف درهم، فيها الصامت والناطق والباطن وأثمان الغلات وارتفاع الأملاك والأموال وأموال جماعة من التجار أخذت بالتأويلات، وكانت وفاته سببا لصيانته عن عاجل ابتذالهم له، وصيانتهم عن آجل بلواهم به. وكانت مدة وزارته ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر، ووفاته في يوم السبت لثلاث ليال بقين من سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة. ولأبي محمد:
قال هلال بن المحسن بن أبي إسحاق الصابي: وحدثني أبو إسحاق جدي
قال: صاغ أبو محمد دواة ومرفعا وحلاهما حلية كثيرة مشرقة، وكانت ذرعا وكسرا في عرض شبر، وكذلك كانت آلاته عظاما حتى إن مخاد دسته مثل مساند الدسوت، إلى ما يجري هذا المجرى من آلات الاستعمال، وقدمت الدواة بين يديه في مرفعها وأبو أحمد الفضل بن عبد الرحمن الشيرازي وأنا إلى جانبه، فتذاكرنا سرا حسن الدواة وجلالتها وعظمها، ثم قال لي: ما كان أحوجني إليها لأبيعها وأتسع بثمنها، فقلت:
وأي شيء يعمل الوزير؟ قال: يدخل في حر أمه. وسمع أبو محمد ما جرى بيننا بالإصغاء منه إلينا وذهب ذاك علينا، فاجتمعت مع أبي أحمد من غد فقال لي:
عرفت خبر الدواة؟ قلت: لا، قال: جاءني البارحة رسول الوزير ومعه الدواة ومرفعها ومنديل فيه عشر قطع ثيابا حسانا وخمسة آلاف درهم، وقال: الوزير يقول أنا عارف بأمرك في قصور المواد عنك، وتضاعف المؤن عليك، وأنت تعرف شغلي وانقطاعي به عن كل حق يلزمني، وقد آثرتك بهذه الدواة لما ظننته من استحسانك إياها اليوم عند مشاهدتك، وحملت معها ما تجدد به كسوتك وتصرفه في بعض نفقتك، وانصرف الرسول وبقيت متحيرا متعجبا من اتفاق ما تجارينا به أمس وحدوث هذا على أثره.
وتقدم أبو محمد بصياغة دواة أخرى على شكلها ومرفع مثل مرفعها، فصيغت في أقرب مدة، ودخلنا إلى مجلسه وقد فرغ منها وتركت بين يديه وهو يوقع منها، ونظر أبو محمد إلي وإلى أبي أحمد ونحن نلحظها فقال: هيه من منكما يريدها بشرط الإعفاء من الدخول في حر الأم؟ فخجلنا وعلمنا أنه كان قد سمع قولنا، وقلنا: بل يمتع الله مولانا وسيدنا الوزير بها ويبقيه حتى يهب ألفا مثلها، اللهم أنت جدد الرحمة والرضوان عليه في كل ساعة، بل لحظة، بل لمحة، وعلى كل نفس شريفة وهمة عالية، إنك العلي تحب معالي الأمور وأشرافها وتبغض سفسافها.
قال: وحدث إبراهيم بن هلال قال: كان أبو محمد المهلبي يناصف العشرة أوقات خلوته، ويبسطنا في المزح إلى أبعد غاية، فإذا جلس للعمل كان امرءا وقورا مهيبا محذورا آخذا في الجد الذي لا يتخونه نقص، ولا يتداخله ضعف، فاتفق أن
صعد يوما من طياره إلى داره وقد حقنه البول وما كان يعتريه من سلسه، فقصد بعض الأخلية فوجده مقفلا، وكذلك كانت عادته جارية في أخلية داره حفاظا لها عن الابتذال، فأبى أن يدعو الفراش ويحضر فقال لي متنادرا على نفسه:
فقلت: لعمري إنه موضع عجب، وإذا وقع الإحتياط في الأصل فقد استغني عنه في الفرع، فضحك وقال: أوسعتنا هجاء، فقلت: وجدت مقالا، فقال:
اسكت يا فاعل يا صانع.
قال أبو إسحاق: وأجلسني معز الدولة لأكتب بين يديه، وأبو محمد المهلبي قائم فحجبني عن الشمس، فقال: كيف ترى هذا الظل؟ فقلت: ثخين، فقال وا عجبا أحسن وتسيء، وضحك.
ومن شعر المهلبي:
وحدث أبو محمد المهلبي قال: كنت أيام حداثتي وقصر حالي وصغر تصرفي أسكن دارا لطيفة، ونفسي مع ذلك تنازع في الأمور العظيمة، إلا أن الجد قاعد والمقدور غير مساعد، فأصبحت يوما وقد جاء المطر، وازدادت الحجرة إظلاما وصدري بها ضيقا، فقلت:
وتحدث أبو الحسين هلال بن المحسن قال: حدث القاضي أبو بكر ابن محمد بن عبد الرحمن بن قريعة قال: كنت مع الوزير أبي محمد المهلبي بالأهواز فاتفق أن حضرت عنده في يوم من شهر رمضان، والزمان صائف والحر شديد، ونحن في مجلس بارد، فسمع صوت رجل ينادي على الناطف فقال: أما تسمع أيهذا القاضي صوت هذا البائس في مثل هذا الوقت، والشمس على رأسه وحرها تحت قدمه، ونحن نقاسي في مكاننا هذا البارد ما نقاسيه من الحر؟! وأمر بإحضاره فأحضر، فرآه شيخا ضعيفا عليه قميص رث، وهو بغير سراويل، وفي رجله تاسومة مخلقة، وعلى رأسه مئزر، ومعه نبيخة فيها ناطف لا يساوي خمسة دراهم، فقال له: ألم يكن لك أيها الشيخ في طرفي النهار مندوحة عن مثل هذا الوقت؟! فتنفس وقال: ما أهون على الراقد سهر الساهد، وقال:
فقال له الوزير: أراك متأدبا فمن أين لك ذلك؟ فقال: إني أيها الوزير من أهل بيت لم يكن فيهم من صناعته ما ترى، وأسر إليه أنه من ولد معن بن زائدة، فأعطاه مائة دينار وخمسة أثواب، وجعل ذلك رسما له في كل سنة.
وحدث القاضي أبو علي التنوخي قال: شاهدت أبا محمد المهلبي وقد ابتيع له في ثلاثة أيام ورد بألف دينار فرش به مجالسه وطرحه في بركة عظيمة كانت في داره، ولها فوارات عجيبة يطرح ورق الورد في مائها وتنفضه، وبعد شربه عليه وبلوغه ما أراده منه أنهبه.
ولأبي عبد الله الحسين بن أحمد بن الحجاج يرثي أبا محمد:
ولأبي محمد المهلبي:
وحدث أبو النجيب شداد بن إبراهيم الجزري الشاعر الملقب بالظاهر قال:
كنت كثير الملازمة للوزير أبي محمد المهلبي، فاتفق أني غسلت ثيابي، وأنفذ إلي يدعوني، فاعتذرت بعذر فلم يقبله وألح في استدعائي، فكتبت إليه:
فأنفذ لي جبة وقميصا وعمامة وسراويل وكيسا فيه خمسمائة درهم وقال: قد أنفذت لك ما تلبسه وتدفعه إلى الخياط ليصلح لك الثياب على ما تريده، فإن كنت
غسلت التكة واللالكة عرفني لأنفذ لك عوضها.
ولأبي محمد المهلبي:
قرأت بخط المحسن بن إبراهيم الصابئ، أنشدني والدي قال: أنشدني الوزير أبو محمد المهلبي لنفسه:
وقال الصاحب ابن عباد: أنشدني الأستاذ أبو محمد المهلبي لنفسه:
حدث أبو علي التنوخي قال: كان أبو محمد المهلبي يكثر الحديث على طعامه، وكان طيب الحديث، وأكثره مذاكرة بالأدب وضروب الحديث على المائدة لكثرة من يجمعهم عليها من العلماء والكتاب والندماء، وكنت كثيرا ما أحضر، فقدم إليه في بعض الأيام طيهوج فقال لي: أذكرني هذا حديثا ظريفا، وهو ما أخبرني به بعض من كان يعاشر الراسبي الأمير، قال: كنت آكل معه يوما وعلى المائدة خلق عظيم فيهم رجل من رؤساء الأكراد المجاورين لعمله، وكان ممن يقطع الطريق، ثم استأمن إليه فأمنه واختصه وطالت أيامه، وكان في ذلك اليوم على مائدته إذ قدم حجل فألقى الراسبي منه واحدة إلى الكردي كما يلاطف الرؤساء مؤاكليهم، فأخذها الكردي وجعل يضحك، فتعجب الراسبي من ذلك وقال: ما سبب هذا الضحك وما جرى ما يوجبه؟ فقال: خبر كان لي، فقال: أخبرني به، فقال: شيء ظريف ذكرته لما رأيت
هذه، قال: فما هو؟ قال: كنت أيام قطع الطريق قد اجتزت في المحجة الفلانية في الجبل الفلاني، وأنا وحدي في طلب من آخذ ثيابه، فاستقبلني رجل وحده، فاعترضته وصحت عليه فاستسلم إلي ووقف، فأخذت ما كان معه، وطالبته أن يتعرى ففعل، ومضى لينصرف فخفت أن يلقاه في الطريق من يستفزه علي، فأطلب وأنا وحدي فأوخذ، فقبضت عليه وعلوته بالسيف لأقتله، فقال: يا هذا أي شيء بيني وبينك؟ أخذت ثيابي ولا فائدة لك في قتلي، فكتفته ولم ألتفت إلى قوله، وأقبلت أقنعه بالسيف، فالتفت كأنه يطلب شيئا، فرأى حجلة قائمة على الجبل، فصاح يا حجلة اشهدي لي عند الله تعالى أني أقتل مظلوما، فما زلت أضربه حتى قتلته، وسرت فما ذكرت هذا الحديث حتى رأيت هذه الحجلة فذكرت حماقة هذا الرجل فضحكت، فانقلبت عينا الراسبي في رأسه حردا وقال: لا جرم والله أن شهادة الحجلة عليك لا تضيع اليوم في الدنيا قبل الآخرة، وما أمنتك إلا على ما كان منك من إفساد السبيل، فأما الدماء فمعاذ الله أن أسقطها عنك يا ابن الفاعلة بالأمان، وقد أجرى الله على لسانك الاقرار عندي، يا غلمان اضربوا عنقه، قال: فبادر الغلمان إليه بسيوفهم يخبطونه حتى تدحرج رأسه بين أيديهم على المائدة وجرت جثته، ومضى الراسبي حتى أتم غداءه.
قال أبو علي: حضرت أبا محمد في وزارته وقد دفع إليه شاعر رقعة صغيرة فقرأها وضحك، وأمر له بألف درهم، وطرح الرقعة فقرأتها وإذا فيها:
قال إبراهيم بن هلال الصابئ: كان أبو محمد يخاطب بالاستاذية.
قال أبو علي: كنت في سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة ببغداد، فحضر أول يوم من شهر رمضان فاصطحبت أنا وأبو الفتح عبد الواحد بن أبي علي الحسين بن هارون الكاتب إلى دار أبي الغنائم الفضل بن الوزير أبي محمد المهلبي لتهنئته بالشهر عند توجه أبيه إلى عمان، وبلغ أبو محمد إلى موضع من أنهار البصرة يعرف بعلياباذ ففترت نيته عن الخروج إلى عمان، واستوحش معز الدولة منه وفسد رأيه فيه، واعتل المهلبي هناك، ثم أمره معز الدولة بالرجوع عن علياباذ وان لا يتجاوزه، وقد اشتدت علته، والناس بين مرجف بانه يقبض عليه إذا حصل بواسط أو عند دخوله إلى بغداد، وقوم يرجفون بوفاته، وخليفته إذ ذاك على الوزارة ببغداد أبو الفضل العباس بن الحسين بن عبد الله وأبو الفرج محمد بن العباس بن فسانجس. فجئنا إلى أبي الغنائم ودخلنا إليه وهو جالس في عرضي بداره التي كانت لأبيه على دجلة على الصراة عند شباك على دجلة، وهو في دست كبير عال جالس، وبين يديه الناس على طبقاتهم، فهنأناه بالشهر وجلسنا وهو إذا ذاك صبي غير بالغ إلا أنه محصل، فلم يلبث أن جاء أبو الفضل وأبو الفرج خليفتا أبيه فدخلا إليه وهنآه بالشهر، فأجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، على طرف دسته في الموضع الذي فيه فضلة المخاد إلى الدست، ما تحرك لأحد منهما ولا انزعج، ولا شاركاه في الدست، وأخذا معه في الحديث، وزادت مطاولتهما، وأبو الفضل يستدعي خادم الحرم فيساره، فيمضي ويعود ويخاطبه سرا إلى أن جاءه بعد ساعة فساره فنهض أبو الفضل، فقال له أبو الفرج: إلى أين يا سيدي؟ فقال: أهنئ من يجب تهنئته وأعود إليك، وكان أبو الفضل زوج زينة ابنة الوزير المهلبي أخت أبي الغنائم من أبيه وأمه تجني، فحين دخل واطمأن قليلا وقع الصراخ، وتبادر الخدم والغلمان، ودعي الصبي وكان يتوقع أن يرد عليه خبر موت أبيه لأنه كان عالما بشدة علته، فقام فمسكه أبو الفرج وقال: اجلس اجلس وقبض عليه، وخرج أبو الفضل وقد قبض على تجني أم الصبي ووكل بها خدما وختم الأبواب، ثم قال للصبي: قم يا أبا الغنائم إلى مولانا يعني معز الدولة فقد طلبك، وقد مات أبوك، فبكى الصبي وسعى إليه وعلق بدراعته وقال: يا عم الله الله في، يكررها، فضمه أبو الفضل إليه واستعبر وقال: ليس عليك بأس ولا خوف، وانحدروا إلى زبازبهم، فجلس أبو الفرج في زبزبه، وجلس أبو الفضل في زبزبه، وأجلس الغلام بين يديه، وأصعدت الزبازب تريد معز الدولة بباب الشماسية، فقال أبو الفتح ابن الحسين بن هارون: ما رأيت مثل هذا قط ولا سمعت، لعن الله الدنيا، أليس الساعة كان هذا الغلام في الصدر معظما، وخليفتا أبيه بين يديه، وما افترقا حتى
صار بين أيديهما ذليلا حقيرا. ثم جرى من المصادرات على أهله وحاشيته ما لم يجر على أحد. وله:
وله:
قال أبو حيان، قال ابن أبي طرخان: دخلت إلى المهلبي في أيام نكبته، فرأيته يذم صنائعه ومن قدمه في أيامه وأولاهم الجميل، وقال: ما علمت أن الدهر بهذه الأفعال يعامل الأحرار، وإلا كنت أحسنت لنفسي الاختيار، وبكى وقال:
فقلت له: أدام الله حراسة الوزير كفكف عبرتك، وهون على نفسك، فمذ كانت الدنيا كانت غدارة مكارة، تقصد الأحرار بالمكاره، وتلقى أهل المروات بالنوائب، وترميهم بالأوابد، وأكثر من ترى من هذا الوري فهم عبيد الطمع وأسراء الجشع، يخونون الاخوان ويميلون مع الرجحان، فدمعت عيناه وأنشد:
قال أبو علي محمد بن وشاح الكاتب، قال لي أبو الحسن محمد بن عبيد الله ابن سكرة الهاشمي، من ولد المهدي: خرجت إلى الأهواز قاصدا للوزير أبي محمد الحسن بن محمد المهلبي مادحا له فلما وصلت إليه أنشدته:
قال: وانصرفت، فلما كان من الغد استدعاني وقال: اسمع وأنشدني لنفسه:

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 3- ص: 993