أبو الفوارس شهاب الدين سعد بن محمد بن سعد ابن صيفي التميمي المعروف بحيص بيص الشاعر المشهور
في معجم الأدباء توفي ليلة الأربعاء 6 شعبان سنة 574 ببغداد وقال ابن خلكان عن العماد الكاتب في الخريدة توفي سنة 547 ولا شك أنه وقع اشتباه بين 74 و 47 فقلب أحدهما عن الآخر قال ابن خلكان ودفن من الغد في الجانب الغربي في مقابر قريش قال: وكان إذا سئل عن عمره يقول أنا أعيش في الدنيا مجازفة لأنه كان لا يحفظ مولده ولم يترك عقبا.
وصيفي بصاد مهملة مفتوحة ومثناة تحتية ساكنة وفاء مكسورة بعدها ياء.
أقوال العلماء فيه
وصفه العلماء الأدباء بالفقيه الأديب الشاعر وقال: كان من أعلم الناس بأخبار العرب ولغاتهم وأشعارهم أخذ عنه الحافظ أبو سعيد السمعاني وقرأ عليه ديوان شعره وديوان رسائله وذكره في ذيل تاريخ مدينة السلام وأثنى عليه وأخذ الناس عنه علما وأدبا كثيرا وكان لا يخاطب أحدا إلا بكلام معرب.
وقال ابن خلكان كان فقيها شافعي المذهب (بل كان شيعيا كما يأتي) تفقه بالري على القاضي محمد بن عبد الكريم الوزان وتكلم في مسائل الخلاف إلا أنه غلب عليه الأدب ونظم الشعر وأجاد فيه مع جزالة لفظه ذكره الحافظ أبو سعيد السمعاني في كتاب الذيل وأثنى عليه وحدث بشيء من مسموعاته ويقال إنه كان فيه تيه وتعاظم وكان لا يكلم أحدا إلا بالكلام العربي وكان يزعم أنه من ولد أكثم ابن صيفي التميمي حكيم العرب ولم يترك عقبا.
سبب تلقيبه بحيص بيص
في معجم الأدباء وتاريخ ابن خلكان وغيرهما: وإنما قيل لهه حيص بيص لأنه رأى الناس يوما في أمر شديد فقال: ما للناس في حيص بيص فبقي عليه هذا اللقب ’’اه’’ ومعنى هاتين الكلمتين الشدة والاختلاط يقول العرب: وقع الناس في حيص بيص أي في شدة واختلاط.
تشيعه
كان شيعيا كما يدل عليه شعره الآتي في أهل البيت ودفنه في مقابر قريش مدفن الإمامين الكاظمين عليهما السلام ومدافن الشيعة وغير ذلك كقوله فيما يأتي: وبالله أقسم وبنيه وآل نبيه وأمور أخر ولكن ابن خلكان قال كما مر كان فقيها شافعي المذهب تفقه بالري على القاضي محمد ابن عبد الكريم الوزان وتكلم في مسائل الخلاف ’’اه’’. والظاهر أنه قرأ على فقهاء الشافعية وتفقه عليهم فلذلك قيل إنه شافعي المذهب.
أخباره
كان يتقعر في كتابته ففي معجم الأدباء: من تقعر الحيص بيص في كتابته ما حدث به بعض أصحابه كما في عيون الأنباء أنه نقه من مرض فوصف له صاحبه هبة الله البغدادي الطبيب أكل الدراج فمضى غلامه واشترى دراجا واجتاز على باب أمير وغلمانه يلعبون فخطف أحدهم الدراج فأتى الغلام الحيص بيص وأخبره الخبر فقال له: ائتني بداوة وقرطاس فأتاه بهما فكتب إلى ذلك الأمير: لو كان مبتز الدراجة فتخاء كاسر وقف بها السغب بين التدويم والتمطر فهي تعقي وتسف تنقب أخفاف الإبل لوجب الإغذاذ إلى نصرته فكيف وهو ببحبوبة كرمك والسلام ثم قال لغلامه: امض بها وأحسن السفارة بإيصالها للأمير فمضى بها ودفعها للحاجب فدعا الأمير بكاتبه وناوله الرقعة فقرأ ثم فكر ليعبر له عن المعنى فقال له الأمير: ما هو فقال مضمون الكلام: إن غلاما من غلمان الأمير أخذ دراجا من غلامه فقال: اشتر له قفصا مملوءا دراجا وأحمله إليه ففعل. وكتب إلى أمين الدولة ابن التلميذ الطبيب يطلب منه شياف أبار: أزكنك أيها الطب اللب الآسي النطاسي النفيس النفريس أرجنت عندك أم خنور وسكعت عنك أم هو برانس مستأخذا شعر في حنادري رطبا (رطسا) ليس كلسب شبوه ولا كنخر المنصحة ولا كنكر الخضب بل كسفح الزخيخ فأنا من التباشير إلى الغباشير لا أعرف ابن سمير من ابن جمير ولا أحسن صفوان من همام بل آونة أدرجن شاصبا وفينة أحبنطي مقلوليا وتارة أعرنزم وطورا أسلنقي كل ذلك مع أح وأخ وتهم قرونتني أن أرفع عقيرتي عاط إلى هباط ومياط وهالي أول وأهون وجبار ودبار ومؤنس وعروبة وشبار ولا أغرندي ولا أسرندي فبادرني بشياف الأبار النافع لعلتي الناقع لغلتي فلما قرأ أمين الدولة رقعته نهض لوقته وأخذ حقنة شياف لأأبار وقال لبعض أصحابه أوصلها إليه عاجلا ولا تتكلف قراءة ورقة ثانية.
تفسير الغريب في كلامه
(المبتز) الغاصب (والدراج) كرمان الحجل أو نوع منه والفتحاء العقاب اللينة الريش (والكاسر) من كسر الطائر إذا ضم جناحيه يريد الوقوع (والسغب) الجوع (والتدويم) من دوم الطائر بتشديد الواو إذا حلق في تاهواء أو من الدومان وهو حرمان الطائر والتمطر من تمطرات الطير إذا أسرعت في هويها (وتعقي) بالقاف المشددة من عقى الطائر إذا ارتفع في طيرانه أو من عقى إذا حام وارتفع كالعقاب (وتسف) من أسف الطائر إذا دنا من الأرض في طيرانه (بحيث تنقب خفاف الإبل) أي في كان تنقب أخفاف الإبل في مسيرها إليه لبعده (والإغذاذ) من أغذ السير إذا أسرع فيه وبحبوحة المكان وسطه (والشياف) ككتاب أدوية للعين (وأشياف الأبار) بفتح لهمزة وتشديد الباء دواء للعين (وازكنك) أعلمك وأفهمك (والطب) بالفتح الماهر الحاذق بعمله (واللب) بالفتح الرجل اللازم للأمر (والآسي) الطبيب (والنطاسي) بالفتح والكسر العالم (والنقريس) الطبيب الماهر النظار المدقق (وأرجنت) أقامت (وأم خنور) بفتح الخاء والنون وتديد الواو كتتور النعمة (وسكعت) ذهبت في أرض الله لا تدري أين تأخذ (وأم هوير) أم نجد في القاموس ما يناسبها فكأنها محرقة نعم فيه أم الهنبر الضبع والأتان (ومستأخذ) المستأخذ المطاطئ رأسه من وجع (وحنادري) جمع حندورة وهي حدقة العين (رطبا) أي رطوبة من رطب بالضم ككبر كبرا أو عظم عظما وفي نسخة (رطسا) بالسين من أرطست بتاء التأنيث عليه الحجارة إذا تطابق بعضها فوق بعض (واللسب) اللسع (وشبوة) العقرب (والنخر) الجرح (والمنصحة) بالكسر المخيطة (والنكز) بالفتح الغزر بشيء محدد الطرف (وكشداد حية لا ينكز) أي لا يلسع إلا بأنفه ليس له فم ولا يعرف ذنبه من رأسه لدقته وهو من أخبث الحيات (والخضب) بالضم نوع من الحيات (والسفع) باللطم ولفح النار والسموم (والزخيخ) من زخ الجمر يزخ زخا وزخيخا برق (والتباشير) أوائل الصبح (والغباشير) ما بين الليل والنهار من الضوء (وابنا سمير وابنا جمير) الليل والنهار وابن سمير وابن جمير أحدهما أي لا يعرف الليل من النهار (وصفوان) أول أيام البرد (وهمام) اليوم الثالث من البرد (وارجحن) اهتز ومال ووقع بمرة (وشاصبا) من الشصب بالكسر وهو الشدة والجذب وعيش شاصب شاق (والفينة) الساعة والحين (واحنبطى) انتفخ بطنه أو قدم بطنه وأخر صدره (واقلولى) قلق وتجافى وانكمش (واعرنزم) تجمع وانقبض (واسلنقى) نام على ظهره (والقرونة) بفتح القاف النفس (والعقيرة) هنا صوت الباكي (ويعاط) متلثة الأول مبنية بالكسر زجر للذئب وللخيل (وعاط) من التعيط وهو الجلبة والصياح ولعل المراد من يعاط عاط الكلام المختلط الذي لا معنى له (والهياط) أشد السوق في الورد (والمياط) ككتاب الدفع والزجر والميل والإباء وأشد السوق في الصدر والمراد بهما هنا الكلام والمختلط كيعاط عاط (وها) حرف للتنبيه (وأول) إلى (شيار) هذه الأسماء السبعة أسماء لأيام الأسبوع أي أن لي يوما من هذه السبعة تكون منيتي فيه وهو إشارة إلى قول الشاعر:
أحاول أن أعيش وأن يومي | بأول أو بأهون أو جبار |
أو التالي دبار فإن أفته | فمؤنس أو عروبة أو شيار |
إن الأسود أسود الغاب همتها | يوم الكريهة في المسلوب لا السلب |
إذا عجفت آمالنا عند معشر | غدا نجمعها عند الزعيم خطائطا |
ملكنا فكان العفو منا سجية | فلما ملكتم سال بالدم ابطح |
وحللتم قتل الأسارى وطالما | غدونا عن الأسرى نعف ونصفح |
فحسبكم هذا التفاوت بيننا | وكل إناء بالذي فيه ينضح |
زار الخيال بخيلا مثل مرسله | فما شفاني منه الضم والقبل |
ما زارتي قط إلا كي يوافيني | على الرقاد فينفيه ويرتحل |
وما درى أن نومي حيلة نصبت | لطيفه حين أعيا اليقظة الحيل |
يا أهل بغداد إن الحيص بيص أتى | بخزية أورثته العار في البلد |
أبدى شجاعته بالليل مجترئا | على جري ضعيف البطش والجلد |
فأنشدت أمه من بعد ما احتسبت | دم الأبيلق عند الواحد الصمد |
’’أقول للنفس تأساء وتعزية | إحدى يدي أصابتني ولم ترد’’ |
’’كلاهما خلف من فقد صاحبه | هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي’’ |
كم تبادي وكم تطول طرطو | رك ما فيك شعرة من تميم |
فكل الضب واقرط الحنظل اليا | بس وأشرب ما شئت بول الظليم |
ليس ذا وجه من يضيف ولا يقـ | ـري ولا يدفع الأذى عن حريم |
لا تضع من عظيم قدر وإن كنـ | ـت مشارا إليه بالتعظيم |
فالشريف الكريم ينقص قدرا | بالتعدي على الشريف الكريم |
ولع الخمر بالعقول رمى الخمـ | ـر بتنجيسها وبالتحريم |
لسنا وحقك حيص بيـ | ـص من الأعارب في الصميم |
ولقد كذبت على بجيـ | ـر كما كذبت على تميم |
صدوف عن الزاد الشهي فؤاده | رغيب إلى زاد التقى والفضائل |
جريء إلى قول الصواب لسانه | إذا ما الفتاوى أفحمت بالمسائل |
أعيدت له شمس الأصيل جلالة | وقد حال ثوب الصبح في أرض بابل |
قوم إذا أخذ المديح قصائدا | أخذوه عن طه عن ياسين |
وإذا انطوى أرق الأضالع وفروا | ميسور على المسكين |
وإذا عصى أمر الموالي خادم | نفذت أوامرهم على جبرين |
وإذا تفاخرت الرجال بسيد | فخروا بأنزع في العلوم بطين |
ملقي عمود الشرك بعد قيامه | ومذيع دين الله بعد كمون |
والمستغاث إذا تصافحت القنا | وغدت صفون الخيل غير صفون |
ما أشكلت يوم الجدال قضية | إلا وبدل شكها ببقين |
مستودع السر الخفي وموضع الـ | ـحق الجلي وفتنة المفتون |
ماذا أقول إذا الرواة ترنموا | بفصيح شعري في الإمام العادل |
واستحسن الفصحاء شأن قصيدة | لأجل ممدوح وأفصح قائل |
وترنحت أعطافهم فإنما | في كل قافية سلافة بابل |
ثم أنثنوا غب القريض وضمنه | يتساءلون عن الندى والنائل |
هب يا أمير المؤمنين بأنني | قس الفصاحة ما جواب السائل |
العين تبدي ما في قلب صاحبها | من الشناءة أو حب إذا كانا |
إن البغيض له عين تكشفه | لا تستطيع لما في القلب كتمانا |
فالعين تنطق والأفواه صامتة | حتى ترى من ضمير القلب تبيانا |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 7- ص: 227