سديف بن مهران بن ميمون المكي. قتل سنة 147 كما في تلخيص أخبار شعراء الشيعة للمرزبانى وفى مسودة الكتاب قتل حدود سنة 145.
الخلاف في ولائه
قال ابن عساكر: مولى آل أبي لهب وفي الأغاني عن الفضل بن دكين أنه مولى آل أبي لهب. وقال ابن شهراشوب في معالم العلماء وصاحب شذرات الذهب: مولى زين العابدين عليه السلام وقال بعضهم مولى بني هاشم وقال ابن الأثير مولى السفاح. وفي كتاب الشعر والشعراء أنه مولى ولد العباس. وفي الأغاني مولى خزاعة وفي تلخيص أخبار شعراء الشيعة مولى بني هاشم وقيل مولى خزاعة.
سبب قتله
اتفق المؤرخون على أن سبب قتله مدحه الطالبيين وهجوه العباسيين واختلفوا فيمن تولى قتله وفي كيفية قتله قال ابن عساكر:
لما خرج محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب بالمدينة مال إليه سديف وتابعه وكان من خاصته وصار يطعن على أبي جعفر ويقول فيه ويمتدح بني علي ويتشيع لهم فجعل يوما (ومحمد بن عبد الله على المنبر وسديف عن يمين المنبر) يقول ويشير بيده إلى العراق يريد أبا جعفر:
أسرفت في قتل البرية جاهدا | فاكفف يديك أظلها مهديها |
فلتأتينك غارة حسنية | جرارة يحتثها حسنيها |
يشير إلى محمد بن عد الله:
حتى يصبح قرية كوفية | لما تغطرس ظالما حرميها |
فبلغ ذلك أبا جعفر فقال: قتلني الله إن لم أسرف في قتله. فلما قتل عيسى بن موسى محمد بن عبد الله كتب أبو جعفر إلى عمه عبد الصمد وكان عامله على مكة إن ظفر بسديف أن يقتله فظفر به علانية على رؤوس الناس، وكان يحفظ له ما كان من مدائحه إياهم قبل خروجه، فقال له: ويحك يا سديف ليس لي فيك حيلة وقد أخذتك ظاهرا على رؤوس الناس ولكنني أعاود فيك أمير المؤمنين فكتب إلى أبي جعفر يخبره بأمره فكتب إليه يأمره بقتله، فجعل يدافع عنه ويعاوده في أمره، فكتب إليه والله لئن لم تقتله لأقتلنك، ولا يغرنك قولك أنا عمه. فدافع بقتله حتى حج المنصور، فلما قرب من الحرم أخرج عبد الصمد سديفا من الحرم فضرب عنقه، ثم خرج للقاء المنصور فلما لقيه دنا منه وهو في قبته فسلم عليه فقال له أبو جعفر من قبل أن يرد عليه السلام ما فعلت في أمر سديف؟ قال قتلته يا أمير المؤمنين، قال وعليك السلام يا عم، يا غلام: أوقف، فأوقف ثم أمره فعاد له (أي في المحمل).
تحرج عبد الصمد من قتله في الحرم فأخرجه إلى خارج الحرم فقتله ولم يتحرج من أصل قتله، وإن كان تحرج من ذلك فخوفه من معصية المنصور حملته على تقديم معصية الله على معصية المنصور. نعوذ بالله من صحبة الظالمين التي تؤدي إلى مثل هذا أو دونه.
وفي لسان الميزان عن العقيلي أن قاتله داود بن علي لا عبد الصمد بن علي.
وفي تلخيص أخبار شعراء الشيعة للمرزباني: قيل إن سديفا كان بينه وبين المنصور صداقة قبل الخلافة فلما ولي أتاه فوصله بألف دينار وكان يعلم ميله إلى آل أبي طالب فقال له كأني بك قد أخذت هذا المال فدعته إلى ولد علي ووالله لئن فعلت لأقتلنك فقال له أعيذك بالله أن تقول هذا ثم انطلق إلى الحجاز فدفع المال إلى محمد بن عبد الله ابن الحسن فبلغ المنصور فكان سبب قتله وقيل إنه جاء إلى عبد الصمد عم المنصور فاستجار به وكان من أظرف الناس وأملحهم فنفق عليه وقرب من قلبه والمنصور قد أغفل أمر سديف لئلا يبعد إلى حيث لا يقدر عليه فلما حج المنصور تلقاه عبد الصمد ومعه سديف فلما رأه المنصور قال لعبد الصمد: سوءا لك يا شيخ تلجىء إليك عدوى وعدو آل العباس وأظهر عليه الغضب فلما عاد عبد الصمد إلى داره قتل سديفا في السر وكان ذلك في سنة 147 ’’اه’’.
وفي مسودة الكتاب ولا أعلم الآن من أين نقلته، والظاهر أنه من كتاب العمدة: قيل إنه لما ظهر محمد ابن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بالمدينة في أيام أبي جعفر المنصور دخل عليه سديف بن ميمون وأنشده أبياتا يحرضه فيها على إظهار الدعوة ويطعن فى دولة بني العباس يقول منها:
إنا لنأمل أن ترتد الفتنا | بعد الثفرق والشحناء والإحن |
وتنقضي دولة أحكام قادتها | فينا كأحكام قوم عابدي وثن |
فانهض ببيعتكم ننهض ببيعتنا | إذ الخلافة فيكم يا بني حسن |
فلما بلغت الأبيات المنصور كتب فيه إلى عبد الصمد ابن علي عامله على مكة فأخذه وقطع يديه ورجليه وجدع أنفه فلم يمت فدفنه حيا. وعن ابن رشيق في العمدة أنه قال في هذه الأبيات الثلاثة إنها لعبد الله بن مصعب نسبت إلى سديف وحملت عليه فقتل بسببها ’’اه’’.
وفي مجلة العرفان م 25 ص 685 عن كتاب الشعر والشعراء ص 294 أن سديفا قال لإبراهيم بن عبد الله الحسني أخي النفس الزكية لما صعد المنبر بالبصرة:
إيها أبا إسحاق مليتها | في صمحة منك وعمر طويل |
اذكر هداك الله ذحل الأولى | سير بهم في مصمتات الكبول |
يعني بذلك أبا إبراهيم هذا عبد الله المحض ومن حمل معه من العلويين إلى أبي جعفر المنصور فلما قتل إبراهيم هرب سديف وكتب إلى المنصور:
أبها المنصور يا خير العرب | خير من ينميه عبد المطلب |
أنا مولاك وراج عفوكم | فاعف عني اليوم من قبل العطب |
فوقع المنصور في كتابه:
ما نماني محمد بن علي | إن ثشبهت بعدها بوليي |
وكتب إلى عبد الصمد بن علي يأمره بقتله فيقال إنه دفنه حيا ’’اه’’ وروى ابن عساكر عن البلاذري أن سديفا كان مائلا إلى المنصور فلما استخلف وصله بألف دينار فدفعها إلى محمد بن عبد الله معونة له فلما قتل محمد صار مع أخيه إبراهيم حتى إذا قتل إبراهيم أتى المدينة فاستخفى بها وقيل إنه طلب الأمان من عبد الصمد وهو واليها. (مر أنه كان واليا على مكة) فأمنه وأحلفه أن لا يبرح من المدينة ولما قدم المنصور المدينة قيل له قد رأينا سديفا ذاهبا وجائيا فبعث في طلبه وأخذ عبد الصمد في طلبه أشد أخذ فأتي به فجعل في جوالق ثم خيط عليه وضرب بالخشب حتى كسر ثم رمي به في بئر وبه رمق حتى مات ’’اه’’ وعن ابن الأهدل ويأتي عن الشذرات أن المنصور قال له بعدما مدح السفاح وأجازه بألف دينار كأني بك يا سديف قد قدمت المدينة فقلت لعبد الله بن الحسن يا ابن رسول الله إنما نداهن بني العباس لأجل عطاياهم وأقسم بالله لئن فعلت لأقتلنك ففعل سديف ذلك وانتهى خبره إليه فلما تمكن منه ضربه حتى مات.
صفته
ابن عساكر عن العقيلي أن سديفا كان أعرابيا بدويا شديد السواد.
أقوال العلماء فيه
كان سديف شاعرا مجيدا مطبوعا وعده ابن شهراشوب في المعالم في شعراء أهل البيت المقتصدين ويظهر من مجموع أخباره الآتية أنه كان معاديا لبني أمية متشيعا للطالبيين وأنه كان يظهر التشيع لبني العباس في أول دولتهم فلما ظهر أولاد عبد الله بن الحسن أظهر التشيع لهم والميل عن بني العباس فقتله المنصور لأجل ذلك شر قتلة. وقال الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر عليه السلام سديف المكي شاعر ’’اه’’ ويأتي في عبد العزيز بن يحيى الجلودي أن له كتاب أخبار سديف وفي ميزان المذهبي سديف بن ميمون المكي رافضي خرج مع ابن حسن فظفر به المنصور فقتله قال العقيلى: كان من الغلاة فى الترفض وفي الأغاني ج14 ص 456 سديف بن ميمون مولى خزاعة وهو من مخضرمي الدولتين. وذكره المرزباني في كتاب تلخيص أخبار شعراء الشيعة كما في نسخة مخطوطة من النبذة المختارة من ذلك الكتاب موجودة عندي وهو الثامن عشر منهم فقال سديف ابن ميمون مولى بني هاشم وقيل مولى خزاعة وذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق فقال سديف بن ميمون المكي الشاعر مولى آل أبي لهب.
بغضه للأمويين وحبه للهاشميين
في الأغاني: كان سديف شديد التعصب لبني هاشم مظهرا لذلك في أيام بني أمية وكان يخرج إلى صحار صغار في ظاهر مكة يقال لها صفا الشراب ويخرج مولى لبني أمية معه يقال له سباب فيتسابان ويذكران المثالب والمعايب ويخرج معهما من سفهاء الفريقين من يتعصب لهذا ولهذا فلا يرجعون حتى يكون الجرح والشجاج ويخرج السلطان إليهم فيفرقهم ويعاقب الجناة. وفي تلخيص أخبار الشيعة للمرزباني: قال سديف رحمه الله يهجو بني أمية:
أمست أمية قد أظل فناؤها | يا قرة العين المداوي داؤها |
أمست أمية قد تصدع شعبها | شعب الضلال وشتت أهواؤها |
ولقد سررت لعبد شمس أنها | أمست تساق مباحة حماؤها |
فلئن أمية عبد شمس ودعت | لقد اضمحل عن البلاد بلاؤها |
زعمت أمية وهي غير حليمة | ان لن يزول ولن يهد بناؤها |
وقضى الإله بغير ذاك فذبحت | حتى ترفع في العجاج دماؤها |
فأمية العين الكليلة في الهدى | وأمية الأيدي القليل جداؤها |
وأمية الأذن المصيخة للخنا | وأمية الداء الدوي وعاؤها |
وأمية الكف المصرد نيلها | وأمية القول البعيد وفاؤها |
وأمية القدم المقدم شرها | وأمية القدم المقصر شأوها |
هيهات قد سفهت أمية دينها | حتى أذل صغارها كبراؤها |
ولهت بمنزل غرة فأحلها | دار الندامة للشقاء شقاؤها |
يا رب حرمة مسلم متعبد | هتكت وكشف بالعراء غطاؤها |
ودعاء أرملة دعت ويلا وقد | كمدت فلم يرحم هناك دعاؤها |
لعنت أمية كم لها من سوءة | مع سوءة مشهورة عوراؤها |
لا سوقة منها أتت قصدا ولا | علمت بقصد طريقة أمراؤها |
يا أيها الباكي أمية ضلة | أرسل دموع العين طال بكاؤها |
أمست أمية لا أمية ترتجي | قلب الزمان لها وحم فناؤها |
أخباوه مع السفاح في قتل بني أميتة
كان ظهور الدولة العباسية وقتل بني أمية بعد قتل آخر ملك منهم وهو مروان بن محمد الملقب بالحمار سنة 132 فيما ذكره ابن الأثير وغيره من المؤرخين وروى أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني ج 4 ص 92 عن عمه عن محمد بن سعد اللكراني عن النضر بن عمرو عن المعيطي قال وأخبرنا محمد بن خلف وكيع عن أبي السائب سلم ابن جنادة السوائي سمعت أبا نعيم الفضل بن دكين يقول دخل سديف وهو مولى أبي لهب على أبي العباس (السفاح) بالحيرة هكذا قال وكيع وقال اللكراني في خبره واللفظ له كان أبو العباس جالسا في مجلسه على سريره وبنو هاشم دونه على الكراسي وبنو أمية على الوسائد قد ثنيت لهم وكانوا في أيام دولتهم يجلسون هم والخلفاء منهم على السرير ويجلس بنو هاشم على الكراسي فدخل الحاجب فقال يا أمير المؤمنين بالباب رجل حجازي أسود راكب على نجيب متلثم يستأذن ولا يخبر باسمه ويحلف أن لا يحسر اللثام عن وجهه حتى يراك فقال هذا مولاي سديف فدخل فلما نظر إلى أبي العباس وبنو أمية حوله حدر اللثام عن
وجهه وأنشد يقول:
أصبح الملك ثابت الأثاث | بالبهاليل من بني العباس |
بالصدور المقدمين قديما | والرؤوس القماقم الرؤاس |
يا أمير المطهرين من الدم | ويا رأس منتهى كل رأس |
أنت مهدي هاشم وهداها | كم أناس رجوك بعد إياس |
لا تقيلن عبد شمس عثارا | واقطعن كل رقلة وغراس |
أنزلوها بحيث أنزلها اللـ | ـه بدار الهوان والإتعاس |
خوفهم أظهر التودد منهم | وبهم منكم كحز المواسي |
أقصهم أيها الخليفة واحسم | عنك بالسيف شأفة الأرجاس |
واذكرن مصرع الحسين وزيد | وقتيلا بجانب المهراس |
والإمام الذي بحران أمسى | رهن قبر في غربة وتناسي |
فلقد ساءني وساء سوائي | قربهم من نمارق وكراسي |
نعم كلب الهراش مولاك لولا | أو دمن حبائل الإفلاس |
فتغير لون أبي العباس وأخذه رمع ورعدة فالتفت بعض ولد سليمان بن عبد الملك إلى رجل منهم كان إلى جنبه فقال قتلنا والله العبد. ئم أقبل أبو العباس عليهم فقال يا بني الفواعل لا أرى قتلاكم من أهلي قد سلفوا وأنتم أحياء تتلذذون في الدنيا خذوهم فأخذتهم الخراسانية بالكفر كوبات فأهمدوا إلا ما كان من عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز فإنه استجار بداود بن علي وقال له إن أبي لم يكن كآبائهم وقد علمت صنيعته فأجاره واستوهبه من السفاح وقال له قد علمت يا أمير المؤمنين صنيع أبيه إلينا فوهبه له وقال لا تريني وجهك وليكن بحيث تأمنه وكتب إلى عماله في النواحي بقتل بني أمية ’’اه’’ وفي تلخيص أخبار شعراء الشيعة للمرزباني: قيل كان سديف يناضل قوما من بني أمية بفرس له عربية وكانوا ينالون من علي بن أبي طالب عليه السلام فشكا ذلك إلى أبي العباس السفاح فكان أبو العباس حاقدا لما أخبره به سديف فلما أفضت إليه الخلافة كان الحاجب واقفا فإذا فارس قد أقبل ما يرى منه إلا الحدق فقال للحاجب قل للخليفة بالباب مولاك قال ادخل به وكان عنده سليمان بن هشام وولداه فحسر عن وجهه فإذا سديف فأنشده: (الأيات التي مرت).
قال فسار أبو العباس لأبي جعفر المنصور وقد استحيا من سليمان وولديه فقال أبو جعفر اذبحهما على صدره فبدأ بهما فذبحهما وذبح، وكتب أبو العباس إلى عمه عبد الله ابن علي إذا قرأت كتابي فانظر من كان قبلك من بني أمية فلا تبقين منهم ديارا فأرسل إليهم أن سيروا إلي فسار إليه منهم نيف وسبعون رجلا فقتلهم ’’اه’’ هذا ولكن أبا العباس المبرد في الكامل روى هذا الشعر على غير هذا الوجه ولم ينسبه إلى سديف بل إلى شبل مولى بني هاشم، قال أبو العباس دخل شبل بن عبد الله مولى بني هاشم على عبد الله بن علي وقد أجلس ثماين من بني أمية على سمط الطعام فأنشده:
أصبح الملك ثابت الأثاث | بالبهاليل من بني العباس |
طلبوا وتر هاشم فشفوها | بعد ميل من الزمان ويأس |
لا تقيلن عبد شمس عثارا | واقطعن كل رقلة وأواسي |
ذلها أظهر التودد منها | وبها منكم كحز المواسي |
أنزلوها بحيث أنزلها اللـ | ـه بدار الهوان والإتعاس |
واذكروا مصرع الحسين وزيد | وقتيلا بجانب المهراس |
والقتيل الذي بحران أضحى | ثاويا بين غربة وتناسي |
نعم شبل الهراش مولاك شبل | لو نجا من حبائل الإفلاس |
فأمر بهم عبد الله فشدخوا بالعمد وبسطت السمط وجلس عليها ودعا بالطعام وإنه ليسمع أنين بعضهم حتى ماتوا جميعا وقال لشبل لولا أنك خلطت شعرك بالمسألة لأغنمتك أموالهم وعقدت لك على جميع موالي بني هاشم قال فأما سديف فإنه لم يقم هذا المقام وإنما قام مقاما آخر. دخل على أبي العباس السفاح وعنده سليمان بن هشام ابن عبد الملك وقد أعطاه يده فقبلها وأدناه فأقبل على السفاح وقال له:
لا يغرنك ما ترى من رجال | إن تحت الضلوع داء دويا |
فضع السيف وارفع السوط حتى | لا ترى فوق ظهرها أمويا |
فقال سليمان ما لي ولك أيها الشيخ قتلتني قتلك الله فقام أبو العباس فدخل وإذا المنديل قد ألقي في عنق سليمان ثم جر فقتل ’’اه’’ ويمكن أن يكون وقع اشتباه من الرواة هنا وأن يكون لكل من شبل وسديف أبيات على هذا الوزن والقافية قالها عند دخوله على أبي العباس فأدخل الرواة اشتباها بعض أبيات كل منهما في أبيات الآخر كما وقع مثله كثيرا ويمكن أن تكون القصة مع شبل كما قال المبرد ونسبها الناس إلى سديف لاشتهاره دون شبل والله أعلم.
وروي أبو الفرج في الأغاني بسنده أن سديفا أنشد أبا العباس وعنده رجال من بني أمية:
يا ابن عم النبي أنت ضياء | استبنا بك اليقين الجليا |
فلما يلح قوله:
جرد السيف وارفع العفو حتى | لا ترى فوق ظهرنا أمويا |
لا يغرنك ما ترى من رجال | إن تحت الضلوع داء دويا |
بطن البغض في القديم فأضحى | ثاويا في قلوبهم مطويا |
وهي طويلة فقال أبو العباس يا سديف خلق الإنسان من عجل ثم أنشد أبو العباس متمثلا:
أحيا الضغائن آباء لنا سلفوا | فلن تبيد وللآباء أبناء |
ثم أمر بمن عنده فقتلوا. قأسر أبو الفرج وروى ابن المعتز في قصة سديف مثل ما ذكرناه من قبل إلا إنه قال فيها فلما أنشده ذلك التفت إليه أبو الغمر سليمان بن هشام فقال يا ماص بظر امه أتواجهنا بمثل هذا ونحن سروات الناس فغضب أبو العباس وكان سليمان بن هشام صديقه قديما وحديثا يقضي حوائجه في أيامهم ويبره فلم يلتفت إلى ذلك وصاح بالخراسانية ققتلوهم جميعا إلا سليمان بن هشام فأقتبل عليه أبو العباس فقال يا أبا الغمر ما أرى لك في الحياة بعد هؤلاء خيرا قال لا وألله قال فاقتلوه وكان إلى جنبه فقتل.
وفي الأغاني بسنده أن سديفا قال لأبي العباس يحضه على بني أمية ويذكر من قتل مروان وبنو أمية من قومه:
كيف بالعفو عنهم وقديما | قتلوكم وهتكوا الحرمات |
ابن زيد وابن يحيى بن زيد | يالها من مصيبة وترات |
والإمام الذي أصيب بحرا | ن إمام الهدى ورأس الثقات |
قتلوا آل أحمد لا غفا اللـ | ـه لمروان غافر السيئات |
وقال ابن الأثير في الكامل ج 5 ص 168: لما ولي السفاح الخلافة حضر عنده سليمان بن هشام بن عبد الملك فأكرمه وأعطاه يده فقبلها فلما رأى ذلك سديف مولى السفاح أقبل عليه وقال:
لا يغرنك ما ترى من رجال | إن تحت الضلوع داءا دويا |
فضع السيف وارفع السوط حتى | لا ترى فوق ظهرها أمويا |
فأقبل عليه سليمان وقال قتلتني أيها الشيخ وقام السفاح فدخل فأخذ سليمان فقتل وفي ج 5 ص 204 دخل سديف على السفاح وعنده سليمان بن هشام بن عبد الملك وقد أكرمه فقال سديف - وذكر البيتين إلى آخر الخبر - وفي شذرات الذهب ج 1 ص 187 استأمن سليمان بن هشام وابناه في نحو ثمانين رجلا إلى السفاح فأمنهم حتى قدم عليه سديف بن ميمون مولى زين العابدين فأنشده:
ظهر الحق واستبان مضيا | إذ رأينا الخليفة المهديا |
إلى قوله:
قد أتتك الفود من عبد شمس | مستكينين قد أجادوا المطيا |
فاردد العذر وامض بالسيف حتى | لا ترى فوق ظهرها أمويا |
وأنشده ايضا:
علام وفيم نترك عبد شمس | لها في كل راعية ثغاء |
أمير المؤمنين أبح دماهم | فإن تفعل فعادتك المضاء |
وأنشده أيضا:
أصبح الملك ثابت الأثاث | بالبهاليل من بني العباس |
إلى قوله:
ذلهم أظهر التودد منهم | وبهم منكم كحز المواسي |
فلما سمع السفاح ذلك أمر بقتل جميعهم وأجاز سديفا بألف دينار ثم قال المنصور كأني بك يا سديف قد قدمت المدينة فقلت لعبد الله بن الحسن يا ابن رسول الله إنما
نداهن بني العباس لأجل عطاياهم نقوم بها أودنا وأقسم بالله لئن فعلت لأقتلنك ففعل سديف ذلك وانتهى خبره إليه فلما تمكن منه ضربه حتى مات ’’اه’’.
أخباره مع المنصور في قتل بني أمية
ابن عساكر: أخدج العقيلي في كتاب الضعفاء أن سديفا قدم على المنصور وكان أعرابيا بدويا شديد السواد فنظر إلى رجل من بني أمية في مجلس المنصور فعرفه فقال والله يا أمير المؤمنين إن هذا خب يلحظك بعين العدو فتكلم الأموي فقال له سديف أفلت نجومك وحان أجلك يا أمير المؤمنين أطف شعلة لهبه وشهاب قلبه فقال الأموي أصبحنا بحمد الله ما نتخوف غضبه ولا شوكة مخلبه وقد قل به الجور بعد كثرته وكثر به العدل بعد قلته فقال سديف يا أمير المؤمنين دونكه قبل أن ينصب لك شباك حيله وأشواك دغله فإنه الذي كدمنا بأعضله وكلمنا بكلكله فقال الأموي قد والله رفع الله أمير المؤمنين عن خلف الوعد ونقض العهد هذا أمان ليس لك علي فيه سلطان بيد ولا لسان فاكفف يا سديف وأخبرني هل أطرفتنا بشيء من شعرك فقال لقد أطرفتك بسبائك ذهب ودر نظم وجوهر عقيان فصلتهن لك بزبرجد منضود في سلك معقود لتعرف أني ناصح الجيب أمين الغيب فأنشده أبياتا يحرضه على الأموي فما فرغ منها حتى دعا بالأموي فقتله وهي:
يا رائق العنق من جلباب دولته | ومن نشا قلبه مستيقظ عادي (كذا) |
إني ومن أين لي في كل منزلة | مولى كانت لإبراق وإرعاد |
أو مثل بحرك بحر لا يزال به | ريان مرتحل أوارد صادي |
لا تبقي من عبد شمس حية ذكرا | يسعى إليك بإرصاد وإلحاد |
جرد لهم رأي عزم منك مصطلم | يكبون منه عباديدا على الهادي |
ولا تقبلن منهم عثرة أبدا | فكهلهم وفتاهم حية الوادي |
وهل يعلم هما حمرة حدث | عبد ومولاه نحري ربها هادي |
آليت لو أن لي بالقوم مقدرة | لم أبق من حاضر منهم ولا بادي |
دعاؤه في دولة الجور
ابن عساكر: بلغني أن سديفا كان يقول: اللهم صار فيئنا دولة بعد القسمة، وإمارتنا غلبة بعد المشورة، وعهدنا ميراثا بعد الاختيار للأمة، واشتريت الملاهي والمعازف بسهم اليتيم والأرملة، وحكم في أبشار المسلمين أهل الذمة، وتولي القيام بأمورهم فاسق كل محلة، اللهم قد استحصد زرع الباطل وبلخ نهيته واجتمع طريده، اللهم فأتح له يدا من الحق وحاصدة تبدد شمله، وتفرق أمره ليظهر الحق في أحسن صورته وأتم نوره ’’اه’’ والظاهر أنه كان يدعو بهذا في دولة بني أمية لأن دولة بني العباس في أولها لم يكن ذلك قد اشتهر فيها.
قتله وليي بسر بن أبي أرطاة
ابن عساكر: بلغني أن سديفا لم يزل يطلب ولد بسر ابن أبي أرطأة حتى ظفر باثنين له بساحل دمشق فقتلهما لقتل بسر جدهما ابني عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب باليمن لما بعثه معاوية أميرا عليها بعد مقتل عثمان ’’اه’’ وهذا من جملة ما تقرب به سديف إلى بني العباس وأظهر به بغضه للأمويين (وقوله) لما بعثه معاوية أميرا عليها الخ ليس بصواب فإن معاوية لم يبعثه أميرا على بلد وإنما بعثه مفسدا في الأرض ففعل ما فعل بأهل الحرمين وباليمن وقتل ولدي عبيد الله ابن العباس الرضيعين تحت ذيل أمهما ذبحا على درج صنعاء فذهب عقلها. وقوله بعد مقتل عثمان لا محل له ولا مناسب والصواب أن يقال بعد صفين والحكمين. وقتل ولدي بسر بولدي عبيد الله مناف لقوله تعالى:
{ولا تزر وازرة وزر أخرى} إلا أن يكونا على طريقة أبيهما فإن الحية لا تلد إلا حية.
من أخباره
في الأغاني: لما قال سدف تصيدته التى يذكر نيها أمر
(ص141)
بني حسن بن حسن وأنشدها المنصور بعد قتله لمحمد ابن عبد الله بن حسن أتى على هذا البيت:
يا سوأة للقوم لا كفوا ولا | إذ حاربوا كانوا من الأحرار |
فقال له المنصور أتحضهم علي يا سديف قال لا ولكني أؤنبهم يا أمير المؤمنين. وسلم سديف على رجل من بني عبد الدار فقال له العبدي من أنت يا هذا قال أنا رجل من قومك أنا سديف بن ميمون قال لا والله ما في قومي سديف ولا ميمون قال صدق لا والله ما كان قط فيهم ميمون ولا مبارك (اه الأغاني).
أشعاره سوى ما مر
أورد له ابن شهراشوب فى الناقب قوله:
أنتم يا بني علي ذوو الحق | وأهلوه الفعال الركي |
بكم يهتدى من الغي والناس | جميعا سواكم أهل غي |
منكم يعرف الإمام وفيكم | لا أخو تيمها ولا من عدي |
وأورد له ابن قتيبة في كتاب الشعر والشعراء قوله:
وأمير من بني جمح | طيب الأعراق ممتدح |
إن أبحناه مدائحنا | عاضنا منهن بالوضح |