التصنيفات

ربيعة وعبد القيس وآل صوحان كانت ربيعة من أخلص الناس في ولاء أمير المؤمنين علي عليه السلام ومثلها عبد القيس فقد كانت متهالكة في ولائه كذلك آل صوحان جميعهم. وفي مروج الذهب ج2 ص 14: اشتد حزن علي على من قتلهم طلحة والزبير من عبد القيس وغيرهم من ربيعة قبل وروده البصرة وجدد حزنه قتل زيد بن صوحان قتله يوم الجمل عمرو بن سبرة ثم قتل عمار بن ياسر عمرو بن سبرة في ذلك اليوم أيضا وكان علي يكثر من قول:

قال:
وخرجت امرأة من عبد القيس تطوف القتلى فوجدت ابنين لها قد قتلا وقد كان قد قتل زوجها وأخوان لها فيمن قتل قبل مجيء علي إلى البصرة فأنشأت تقول:
وكان لصوحان أبي زيد بن صوحان أربعة أولاد صعصعة وزيد وسيحان وعبد الله فقتل زيد وسيحان مع علي عليه السلام يوم الجمل وارتث صعصعة.
وفي مروج الذهب أيضا ج2 ص 80: سأل ابن عباس صعصعة بن صوحان عن مسائل فأجابه عنها فأعجب بكلامه وقال أحسنت والله يا ابن صوحان إنك لسليل أقوام كرام خطباء فصحاء ما ورثت هذا عن كلالة. وفي مروج الذهب أيضا ج2 ص 75 قال معاوية لعقيل بن أبي طالب ميز لي أصحاب علي وابدأ بآل صوحان فإنهم مخاريق الكلام فوصف له صعصعة بما يأتي في ترجمته ’’انش’’ ثم قال وأما زيد وعبد الله فإنهما نهران جاريان يصب فيها الخلجان ويغاث بهما اللهفان رجلا جد لا لعب معه وأما بنو صوحان فكما قال الشاعر:
كنيته
في الاستيعاب يكنى أبا سلمان ويقال أبو سليمان ويقال أبو عائشة وزاد ابن عساكر ويقال أبو عبد الله وفي الإصابة بسنده كان يحب سلمان فمن شدة حبه له اكتنى أبا سلمان وكان يكنى بغيره ’’اه’’.
هو صحابي أم تابعي
في الاستيعاب كان مسلما على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا نعلم له عن النبي صلى الله عليه وسلم رواية وإنما يروي عن عمر وعلي (وزاد ابن عساكر وأبي بن كعب وسلمان الفارسي) روى عنه أبو وائل (شقيق بن سلمة الأسدي. وزاد ابن عساكر وسالم ابن أبي الجعد وزاد الخطيب البغدادي والغيزار بن حريث) ذكره محمد بن السائب الكلبي محن أشياخه عن تسمية من شهد الجمل فقال وزيد بن صوحان العبدي وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه هكذا قال ولا أعلم له صحبة ولكنه ممن أدرك النبي عليه الصلاة والسلام بسنة مسلما. وفي الإصابة قال ابن مندة عداده في أهل الحجاز والمعروف أنه مخضرم ثم قال في القسم الثالث بعدما حكى عن ابن الكلبي أن له وفادة ورد صاحب الاستيعاب عليه بأنه حكى الرشاطي عن أبي عبيدة معمر بن المثنى أن له وفادة ويأتي في ترجمة زيد العبدي ذكره شاعر عبد القيس فيمن وفد على النبي صلى الله عليه وسلم منهم فروى محمد بن عثمان ابن أبي شيبة في تاريخه عن المنجاب ابن الحارث عن إبراهيم بن يوسف حدثني رجل من عبد القيس قال قال رجل منا شعرا يذكر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد القيس وقد ذكر ابن عساكر هذه الأبيات في ترجمة زيد بن صوحان وعلى هذا فهو صحابي لا محالة ’’اه’’.
وقال ابن عساكر روى ابن أبي شيبة عن رجل من عبد القيس قال وقد قال رجل منا شعرا يذكر فيه دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد القيس ويعد الوفد ويسميهم فقال:
وأذكر بني الجارود إن محلهم=من عبد قيس في المكان الأعظم
هذا ما أورده صاحب الإصابة منها، وزاد عليه ابن عساكر ثلاثة أبيات وهي:
قال ابن عساكر يعني بزيد زيد بن صوحان.
ويأتي عن ابن سعد أنه من تابعي الكوفة ويأتي في رواية الحارث الأعور أنه من التابعين. وعن ابن إسحاق أنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي عبيدة أن له وفادة.
أقوال العلماء فيه
قال البرقي فيما حكاه عنه العلامة في آخز الخلاصة إن من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام من ربيعة زيد وصعصعة أبناء صوحان وقال الشيخ في رجاله في أصحاب علي عليه السلام زيد بن صوحان من الأبدال قتل يوم الجمل وقيل إن عائشة استرجعت حين قتل ’’اه’’ وعده ابن أبي الحديد من التابعين الذين قالوا بتفضيل علي عليه السلام على الناس. وفني الاستيعاب كان فاضلا دينا سيدا في قومه هو وإخوته. وحكى ابن عساكر عن ابن سعد في الطبقات كان زيد قليل الحديث وهو من تابعي أهل الكوفة ’’اه’’.
وفي مرآة الزمان لليافعي ج1 ص99 وممن قتل يوم الجمل زيد بن صوحان وكان من سادة التابعين صواما وقواما. وفي المعارف لابن قتيبة كان زيد بن صوحان من خيار الناس.
وفى شذرات الذهب ج1 ص44 في حوادث سنة 36 قتل يومئذ زيد بن صوحان من خواص علي من الصلحاء الأتقياء وقال ابن الأثير في حوادث سنة 36ج3 ص 16 قيل إن عدد من سار من الكوفة (لنصرة أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل) اثنا عشر ألف رجل ورجل ثم ذكر رؤساء الجماعة بن الكوفيين ورؤساء النفار وعد من رؤساء النفار زيد بن صوحان وذكره نصر بن مزاحم في كتاب صفين ص 304 في جملة من أصيب في المبارزة من أصحاب علي يوم الجمل.
ومر أن عقيل بن أبي طالب وصفه لمعاوية لما سأله وصفه آل صوحان وجمع معه أخاه عبد الله فقال: وأما زيد وعبد الله فإنهما نهران جاريان يصب فيهما الخلجان ويغاث بهما البلدان رجلا جد لا لعب معه ووصف زيدا أخوه صعصعة لما قال له ابن عباس فأين أخواك منك - زيد وعبد الله - صفهما لأعرف ورثكم قال أما زيد فكما قال أخو غنى:
في أنيات. كان والله يا ابن عباس عظيم المروة شريف الأخوة جليل الخطر بعيد الأثر كميش العروة أليف البدوة سليم جوانح الصدر قليل وساوس الدهر ذاكرا لله طرفي النهار وزلفا من الليل الجوع والشبع عنده سيان لا ينافس في الدنيا وأقل أصحابه من ينافس فيها يطيل السكوت ويحفظ الكلام وإن نطق نطق بمقام يهرب منه الدعار الأشرار ويألفه الأحرار الأخيار فقال ابن عباس ما ظنك برجل من أهل الجنة رحم الله زيدا.
ما روي قي حقه
في الاستيعاب روي من وجوه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مسير له فبينا هو يسير إذ هوم فجعل يقول زيد وما زيد جندب وما جندب. وفي الإصابة والأقطع الخير زيد فسئل عن ذلك فقال رجلان من أمتي أما أحدهما فتسبقه يده أو قال بعض جسده إلى الجنة ثم يتبعه سائر جسده وأما الآخر فيضرب ضربة يفرق بها بين الحق والباطل أصيبت يد زيد يوم جلولاء (وفي الإصابة يوم القادسية. وفي أسد الغابة وقيل بالقادسية) ثم قتل يوم الجمل مع علي وجندب قاتل الساحر (عند الوليد بن عقبة) قد ذكرناه في بابه ’’اه’’. ونحن قد ذكرناه في ترجمة جندب، وفي المعارف لابن قتيبة روي في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال زيد الخير الأجذم وجندب ما جندب فقيل يا رسول الله أتذكر رجلين فقال أحدهما فسبقته يده إلى الجنة بثلاثين عاما وأما الآخر فيضرب ضربة يفصل بها بين الحق والباطل فكان أحد الرجلين زيد ابن صوحان شهد يوم جلولاء فقطعت يده وشهد مع علي يوم الجمل فقتله عمرو بن يثري وقتل أخاه سيحان يوم الجمل.
وفي الإصابة روى أبو يعلى وابن مندة من طريق حسين ابن رماحس عن عبد الرحمن بن سعود العبدي: سمعت عليا يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سره أن ينظر إلى من يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد بن صوحان وفي تاريخ بغداد بسنده عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من سره أن ينظر إلى رجل يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة فلينظر إلى زيد ابن صوحان قال الخطيب قطعت يد زيد في جهاده المشركين وعاش بعد ذلك دهرا حتى قتل يوم الجمل ’’اه’’.
وأخرج ابن عساكر عن الحارث الأعور كان ممن ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير وهو زيد بن صوحان فقال سيكون بعدي رجل من التابعين وهو زيد الخير يسبقه بعض أعضائه إلى الجنة بعشرين سنة فقطعت يده اليسرى ثم عاش بعد ذلك عشرين سنة وقتل يوم الجمل بين يدي علي.
وفي تاريخ دمشق لابن عساكر: قالوا كان مع علي في حربه سبعون رجلا من أصحاب بدر وسبعمائة رجل ممن بايع تحت الشجرة فيما لا يحصى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد معه من التابعين ثلاثة يقال إن رسول صلى الله عليه وسلم الله شهد لهم بالجنة: أويس القرني وزيد بن صوحان. وجندب الخير. فأما أويس فقتل في الرجالة يوم صفين. وأما زيد فقتل يوم الجمل.
وروى الكشي بعد ذكر الحديث الآتي عن الصادق عليه السلام في أخباره يوم الجمل لما صرع عن علي بن محمد القتيبي قال الفضل بن شاذان ثم عرف الناس بعده فمن التابعين الكبار ورؤسائهم وزهادهم زيد بن صوحان. وروى الطشي في ترجمة أخيه صعصعة بن صوحان بسنده عن الصادق عليه السلام ما كان مع أمير المؤمنين عليه السلام من يعرف حقه إلا صعصعة وأصحابه ’’اه’’. ويأتي له مزيد في صعصعة ’’انش’’.
قال ابن عساكر لما قدم وفد أهل الكوفة على عمر إلى أن قال ثم جعل عمر يرحل لزيد يده ويبطأ على ذراع راحلته ويقول يا أهل الكوفة هكذا فاصنعوا بزيد قال أبو الهذيل وقال الحكم بن عتيبة لما أراد زيد أن يركب دابته أمسك عمر بركابه ثم قال لمن حضره هكذا فاصنعوا بزيد وإخوته وأصحابه وروي في الإصابة أن عمر وطأ لزيد راحلته وقال هكذا فاصنعوا بزيد وفي الإصابة: ذكر البلاذري أن عثمان كان سيره فيمن سير من أهل الكوفة إلى الشام.
وفي تاريخ بغداد بسنده. كان زيد بن صوحان يقوم الليل ويصوم النهار وإذا كانت ليلة الجمعة أحياها فإن كان ليكرهها إذا جاءت مما يلقى فيما فبلغ سلمان ما كان يصنع فأتاه فقال أين زيد قالت امرأته ليس ها هنا قال فإني أقسم عليك لما صنعت طعاما ولبست محاسن ثيابك ثم بعثت إلى زيد فجاء زيد فقرب الطعام فقال سلمان كل يا زيد قال إني صائم قال كل يا زيد لا ينقص أو لا تنقص دينك إن شر السير الحقحقة. وهي المتعب من السير أو أن تحمل الدابة ما لا تطيقه - إن لعينيك عليك حقا وإن لبدنك عليك حقا وإن لزوجتك عليك حقا كل يا زيد فأكل وترك ما كان يصنع. وخاطبه يا زييد بالتصغير تجهيله له فيما فعله. قال ابن عساكر وروى ابن أبي الدنيا عن هشام بن محمد (الكلبي) أن زيدا أصيبت يده في بعمض فتوح العراق فتبسم والدماء تشخب فقال له رجل من قومه ما هذا موضع تبسم فقال له إن ما حل بي أرجو ثواب الله عليه أفأدفعه بألم الجزع الذي لا جدوى فيه ولا دريكة لفائت معه وفي تبسمي تعزية لبعض المؤمنين عن المؤمنين فقال الرجل أنت أعلم بالله وقال إبراهيم النخعي كان زيد يحدثنا فقال له أعرابي إن حديك ليعجبني وان يدك لتريبني (أن يكون قطعها في سرقة) فقال أو ما تراها الشمال (وإنما تقطع في السرقة اليمين) فقال والله ما أدري اليمين تقطعون أم الشمال فقال زيد صدق الله {الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله} فذكر الأعمش أن يد زيد قطعت يوم نهاوند وروى المحاملي عن أبي سليمان قال لما ورد علينا سلمان الفارسي المدائن أتيناه نستقريه يعني نقرأ عليه فقال إن القرآن عربي فاستقروه رجلا عربيا فكان يقرينا زيد ويأخذ عليه سلمان فإذا أخطأ رد عليه وكان سلمان أميرنا بالمدائن فقال إنا أمرنا أن لا نؤمكم تقدم يا زيد فكان هو يؤمنا ويخطبنا وكان سلمان يقول له يوم الجمعة قم فذكر قومك. وقد يكون في بعض هذا الحديث منافاة للبعض الآخر. وقال مطرف كنا نأتي زيدا فيقول لنا يا عبيد الله أكرموا وأجملوا فإنما وسيلة العباد إلى الله خصلتان: الخوف والطمع. وعمد زيد إلى رجال من أحل البصرة قد تفرغوا للعبادة وليست لهم تجارات ولا غلات فبنى لهم دارا ثم أسكنهم إياها ثم أوصى بهم من أهله من يقوم بحاجاتهم ويتعاهدهم فى مطعمهم ومشربهم وما يصلحهم فجاءهم يوما وكان يتعاهدهم بالزيارة فلم يجدهم وقيل له دعاهم أمير البصرة فخرج مسرعا ودخل على الأمير فجعل يتلهم ليخرجهم وقال للأمير ما تريد بهؤلاء القوم فقال أريد أن أقربهم فيشفعوا فأشفعهم ويسألوا فأعطيهم ويشيروا علي فأقبل منهم فقال زيد كلا والله لا أدعك تهيل عليهم من دنياك وتشركهم في أمرك وتذيقهم حلاوة ما أنت فيه حتى إذا انقطعت شرتك منهم تركتهم فطافوا بينك وبين ريهم (وريما دل هدا الحديث على أنه كان يسكن البصرة) وقال له كيف أنت يا زيد إذا اقتتل القرآن والسلطان قال أكون مع القرآن قال نعم الزيد أنت إذن ’’اه’’ تاريخ دمشق. ولهذا لما اقتتل القرآن والسلطان يوم الجمل كان مع القرآن. وكان زيد بن صوحان ممن خرج من الكوفة إلى المدينة مع جماعة في فتنة عثمان قال ابن الأثير في الكامل ج3 ص 77 خرج أهل الكوفة وفيهم زيد بن صوحان العبدي وعد معه جماعة.
وفي تاريخ بغداد نزل الكوفة وقدم المدائن وقد ذكرنا حديث كونه بالمدائن في باب بشر بن شبر والذي ذكره في باب بشر أنه نزل المدائن ثم روى بسنده عن حسين ابن الرماس (الرماجس خ) الهمذاني: أدركت بالمدائن تسعة عشر رجلا من أصحاب عمر بن الخطاب منهم عبد الرحمن ابن مسود وزيد بن صوحان وعلقمة بن شبر وبشر ابن شبر يتواعدون على الطعام يوما عند ذا ويوما عند ذا ويضعون النبيذ فإذا رفع الطعام رفع النبيذ ’’اه’’ (أقول) النبيذ ورد أنه خمر استصغره الناس وجاء في روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام تحريمه كالخمر وأن فيه سكرا خفيفا ووضع هؤلاء النبيذ مع الطعام لم يكن إلا لشربه إن صح الخبر وذلك إما لجهلهم بتحريمه أو المراد بالنبيذ غير ما هو المتعارف الله أعلم.
ولزيد مسجد ينسب إليه قرب مسجد السهلة.
خبره مع عثمان ومعاوية
مر عن البلاذري أن عثمان كان سيره فيمن سير من أهل الكوفة إلى الشام ويدل كلام ابن عساكر في تاريخ دمشق أنه ممن نفاه عثمان إلى الشام لأنه نقم عليه الأحداث قال ابن عساكر ج6 ص11 قال زيد لعثمان بن عفان يا أمير المؤمنين ملت فمالت أمتك اعتدل تعتدل أمتك قالها ثلاث مرات فقال له عثمان أسامع مطيع أنت قال نعم (ولم تكن به جنة فيقول لا) قال الحق بالشام فخرج من فوره ذلك (إلى الكوفة) فطلق امرأته ثم لحق بالشام كما أمره. قال أبو بكر أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري في كتابه جمل أنساب الأشراف قالوا لما خرج المسيرون من قراء الكوفة واجتمعوا بدمشق نزلوا على عمرو بن زرارة فبرهم معاوية وأكرمهم ثم أنه جرى بينه وبين الأشتر قول حتى تغالظا (وكان الأشتر من جملة من سير) فحبسه معاوية فقام عمرو بن زرارة وقال لئن حبسته لتجدن من يمنعه فحبس عمرا فتكلم سائر القوم فقالوا أحسن جوارنا يا معاوية ثم سكتوا فقال لهم معاوية ما لكم لا تتكلمون فقال زيد بن صوحان وما يصنع الكلام إن كنا ظالمين فنحن نتوب وإن كنا مظلومين فنحن نسأل الله العافية ’’وهذا يدل على وفور عقله اقتدى بالآية الكريمة: {قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين}. ولا يريد معاوية منه أكثر من ذلك’’ فقال له معاوية يا أبا عائشة أنت رجل صدق وأذن له باللحاق بالكوفة وكتب إلى سعيد بن العاص أما بعد فإني قد أذنت لزيد بن صوحان في المسير إلى منزله بالكوفه لما رأيت من فضله وقصده وحسن هديه فأحسن جواره وكف الأذى عنه وأقبل إليه بوجهك وودك فإنه قد أعطاني موثقا لا نرى منه مكروها فشكر زيد معاوية وسأله عند وداعه إخراج من حبس ففعل (والحقيقة أن معاوية لم يأذن له لفضله وحسن هديه بل ليكتفي أمره وشفعه في المحبوسين لذلك فرأى أن إطلاقهم بشفاعته خير من إطلاقهم بدونها ولا غرض له في طول حبسهم فأطلقهم بدون استشارة الخليفة) قال ابن الأثير في الكامل ج3 ص70 إن سعيد بن العاص والي الكوفة من قبل عثمان كان قد تنازع مع جماعة من أهل الكوفة فكتب فيهم إلى عثمان أن يلحقهم بمعاوية بالشام فتنازعوا معه فكتب إلى عثمان فيهم فأمره أن يردهم إلى سعيد بن العاص بالكوفة ففعل فأطلقوا ألسنتهم فضج سعيد منهم إلى عثمان فكتب إليه أن يسيرهم إلى عبد الرحمن ابن خالد بن الوليد بحمص ففعل فكان فيهم الأشتر وثابت ابن قيس الهمذاني وكميل بن زياد وزيد بن صوحان وأخوه صعصعة وعمرو بن إسحاق وجندب بن زهير وجندب ابن كعب وغيرهن.
أخباره يوم الجمل ومقتله
شهد زيد حرب الجمل مع أمير المؤمنين علي عليه السلام هو وأخواه سيحان وصعصعة فقتل زيد وسيحان وارتث صعصعة وفي الإصابة قال يعقوب بن سفيان في تاريخه: كان زيد بن صوحان من الأمراء يوم الجمل كان على عبد الله القيس ’’اه’’. وفي الاستيعاب كانت بيده راية عبد القيس يوم الجمل ’’اه’’. وروى الطبري في تاريخه وذكر ابن الأثير في الكامل قالا كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان يوم الجمل: من عائشة أم المؤمنين حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان. أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فأقدم فانصرنا فإن لم تفعل فخذل الناس عن علي فكتب إليها أما بعد فأنا ابنك الخالص إن اعتزلت ورجعت إلى بيتك وإلا فأنا أول من نابذك وقال زيد رحم الله أم المؤمنين أمرت أن تلزم بيتها وأمرنا أن نقاتل فتركت ما أمرت به وأمرتنا به وصنعت ما أمرنا به ونهتنا عنه ’’اه’’. والعجب من أم المؤمنين أن تصف نفسها بحبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتستميل زيدا إلى نصرها وتنسى أنها خرجت لحرب أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم باعترافها حين سئلت من كان أحب الناس فقالت فاطمة ومن الرجال قالت بعلها وأن تصفه بابنها الخالص لتستميله إليها وتنسى أنه من أخص خواص على وأوليائه فكيف يدور فى خلدها أنه يتعها ولكن التهالك في حب الشيء يجر إلى التشبث بما لا يكون وهذا الابن الخالص كانت أمه البارة سببا في قتله. قوال الشكي روي أن عائشة `كتبت من البصرة إلى زيد بن صوحان إلى الكوفة: من عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ابنها زيد بن صوحان الخالص أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاجلس في بيتك وخذل، الناس عن علي ابن أبي طالب حتى يأتيك أمري فلما قرأ كتابها قال أمرت بأمر وأمرنا بغيره فركبت ما أمرنا به وأمرتنا أن نركب ما أمرت هي به أمرت أن تقر في بيتها وأمرنا أن نقاتل حتى لا تكون فتنة والسلام ’’اه’’. هكذا ورد لفظ والسلام في هذا والعادة جارية أن يكون ذلك في آخر الكتب وسياق الكلام يدل على أنه لم يكن كتابا نعم هو في رواية الطبري وابن الأثير السالفة جواب لكتابها. ولعله أشار به إلى انتهاء المرام. وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج: لما نزل علي عليه السلام بالبصرة كتبت عائشة إلى زيد بن صوحان العبدي من عائشة بنت أبي بكر الصديق زوج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان أما بعد فأقم في بيتك وخذل الناس عن علي وليبلغني عنك ما أحب فإنك أوثق أهلي عندي والسلام فكتبت إليها من زيد بن صوحان إلى عائشة بنت أبي بكر أما بعد فإن الله أمرك بأمر وأمرنا بأمر أمرك أن تقري في بيتك وأمرنا أن نجاهد وقد أتاني كتابك فأمرتني أن أصنع خلاف ما أمرني الله فأكون قد صنعت ما أمرك الله به وصنعت ما أمرني الله به فأمرك عندي غير مطاع وكتابك غير مقبول والسلام قال وروى هذين الكتابي شيخنا أبو عثمان عمرو ابن عبيد عن شيخنا أبي سعيد الحسن البصري ’’اه’’ وقال الطبري وابن الأثير إنه لما أرسل أمير المؤمنين علي عليه السلام ابنه الحسن وعمار بن ياسر إلى الكوفة يستنفران أهلها يوم الجمل جعل أبو موسى الأشعري يخذل الناس عن أمير المؤمنين عليه السلام وثار زيد بن صوحان وطبقته وثار الناس وجعل أبو موسى يكفكف الناس ووقف زيد على باب المسجد ومعه كتاب إليه من عائشة تأمره فيه بملازمة بيته أو نصرتها وكتاب إلى أهل الكوفة بمعناه فأخرجهما وقرأهما على الناس فلما فرغ منهما قال أمرت أن تقر في بيتها وأمرنا أن نقاتل حتى لا تكون فتنة فأمرتنا بما أمرت به وركبت ما أمرنا به فقال له شبث بن ربعي اسكت يا عماني لأنه من عبد القيس وهم يسكنون عمان (فعابه بذلك وهذا يدل على أن نفاق شبث وخبث نيته الذي حداه على الخروج لحرب الحسين عليه له كان قديما متأصلا مع أنه كان من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وحضر معه في صفين) وتهاوى الناس وقام أبو موسى يسكنهم ويثبطهم بشتى الأفانين فقام زيد فشال يده المقطوعة فقال لأبي موسى يا عبد الله بن قيس ولد يكنه رد الفرات على أدراجه اردده من حيث يجيء حتى يعود كما بدأ فإن قدرت على ذلك فستقدر على ما تريد فدع عنك ما لست مدركه ثم قرأ: {ألم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون} إلى آخر الآيتين سيروا إلى أمير المؤمنين وسيد المسلمين وانفروا إليه أجمعين تصيبوا الحق.
وقال الطبري: لما كان يوم الجمل حملت مضر الكوفة على مضر البصرة فاجتلدوا قدام الجمل ومع علي أقوام غير مضر فمنهم زيد بن صوحان فقال له رجل من قومه تنح إلى قومك ما لك ولهذا الموقف ألست تعلم أن مضر بحيالك وأن الجمل بين يديك وأن الموت دونه فقال الموت خير من الحياة الموت ما أريد فأصيب هو وأخوه وارتث صعصعة. وذكر الطبري في موضع آخر أن قاتله عمرو ابن يثري. وفي تاريخ دمشق روى سيف بن عمر أن ربيعة كانت ثلث أهل الكوفة مع علي يوم لجمل ونصف الناس يوم الواقعة وكانت بقيتهم مضر فقالت بنو صوحان يا أمير المؤمنين ائذن لنا أن نقف في مضر ففعل فأتى زيد فقيل له ما يوقفك بحيال الجمل وحيال مضر الموت معك وبإزائك فاعتزل إلينا فقال الموت هو ما نريد.
وفي المعارف لابن قتيبة شهد زيد بن صوحان مع علي يوم الجمل فقال يا أمير المؤمنين ما أراني إلا مقتولا قال وما علمك بذلك يا أبا سلمان قال رأيت يدي نزلت من السماء وهي تستشيلني فقتله عمرو بن يثري. قال ابن عساكر: قال زيد قبل أن يقتل إني قد رأيت يدا خرجت من السماء تصير إلي أن تعال وأنا لاحق بها يا أمير المؤمنين.
وقال الكشي: جبرئيل بن أحمد حدثني موسى ابن معاوية بن وهب حدثني علي بن سويد (سعيد. سعد) عن عبد الله بن عبد الله الواسطي عن واصل بن سليمان عن عبد الله بن القاسم بن سلمان عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال لما صرع زيد بن صوحان يوم الجمل جاء أمير المؤمنين عليه السلام حتى جلس عند رأسه فقال رحمك الله يا زيد قد كنت خفيف المؤونة عظيم المعونة فرفع زيد رأسه إليه قم قال وأنت فجزاك الله خيرا يا أمير المؤمنين فوالله ما علمتك إلا بالله عليما وفي أم الكتاب عليا حكيما وإن الله في صدرك لعظيم والله ما قاتلت معك على جهالة ولكني سمعت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله فكرهت والله أن أخذلك فيخذلني الله.
وعن أبي سعد فى الطبقات أن زيد بن صوحان لما قتل قال لا تغسلوا عني دما.
وفي رواية الخطيب البغدادي ادفنوني في ثيابي فإني مخاصم. وفي رواية له لا تغلسوا عني دما ولا تنزعوا عني ثوبا إلا الخفين وارمسوني في الأرض رمسا. فإني رجل محاج زاد أبو نعيم أحاج يوم القيامة ’’اه’’ وقال ابن عساكر إنه فال فادفنونى بدمى فإني مخاصم القوم. وقي الاستيعاب روي عنه من وجوه أنه قال شدوا علي ثيابي ولا تنزعوا عني ثويا ولا تغسلوا عني دما فإني رجل مخاصم أو قال فإنا قوم مخاصمون ’’اه’’.
وفي مسودة الكتاب: زيد بن صوحان العبدي قتل مع علي عليه السلام يوم الجمل قتله عمرو بن يثري الضبي مبارزة وكان عمرو فارس أصحاب الجمل وشجاعهم فدعا إلى البراز فخرج إليه علباء بن الهيثم الدوسي فقتله عمرو ثم دعا إلى البراز فخرج إليه هند بن عمرو الجملي فقتله عمرو ثم دعا إلى البراز فقال زيد بن صوحان العبدي لعلي عليه السلام يا أمير المؤمنين إني رأيت يدا أشرفت من السماء وهي تقول هلم إلينا وأنا خارج إلى ابن يثري فإذا قتلني فادفني بدمي ولا تغسلني فإني مخاصم عند ربي ثم خرج فقتله عمرو وأخذ بخطام الجمل وقال:
والأشتر الغاوي وعمرو بن الحمق=والفارس المعلم في الحرب الحنق
أراد بعدي عدي بن حاتم الطائي ثم طلب المبارزة فاختلف في قاتله فقيل إن عمار بن ياسر خرج إليه والناس يسترجعون له لأنه كان أضعف من برز إليه يومئذ فاختلفا ضربتين فنشب سيف ابن يثري في حجفة عمار فضربه عمار على رأسه فصرعه ثم أخذ برجله يسبه حتى انتهى به إلى علي عليه السلام فقال يا أمير المؤمنين استبقني أجاهد بين يديك واقتل منهم مثلما قتلت منكم فقال له علي عليه السلام أبعد زيد وهند وعلباء استبقيك لاها الله إذا قال فادنني منك أسارك قال له أنت متمرد وقد أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتمردين وذكرك فيهم فقال أما والله لو وصلت إليك لعضضت أنفك عضة ابنته منك فأمر به علي عليه السلام فضربت عنقه وقيل قتله الأشتر كما يأتي في ترجمة الأشتر.
أما ما رواه صاحب الاستيعاب من أنه ارتث زيد بن صوحان يوم الجمل فقال له أصحابه هنيئا لك يا أبا سليمان قال وما يدريكم غزونا القوم في ديارهم وقتلنا إمامهم وقد مضى على الطريق فيا ليتنا إذ ظلمنا صبرنا ’’اه’’. فهو يدل على شكه وحاله تدل على أنه كان نافذ البصيرة إذن فهو موضوع على لسانه لبعض الأغراض وكيف يقول وما يدريكم الخ وقد رأى يدا أشرفت من السماء تقول هلم إلينا وكيف يقول ليتنا إذ ظلمنا صبرنا والصبر على الظلم مع القدرة على الدفع ترك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن أراد الظلم الواقع من أصحاب الجمل فهو مما لا يتفوه به عاقل إذ معنى الصبر على هذا الظلم تسليم النفس للظالم ليقتل المظلوم وهو يستطيع الدفع.
وروى ابن عبد البر في الاستيعاب بسنده عن محمد ابن سيرين أنبئت أن عائشة أم المؤمنين سمعت كلام خالد ابن الواشمة يوم الجمل فقالت أنشدك الله أصادقي أنت إن سألتك؟ قال نعم. وما يمنعني أن أفعل قالت ما فعل طلحة؟ قلت قتل فاسترجعت ما فعل الزبير؟ قلت قتل فاسترجعت. قلت: بل نحن لله ونحن إليه راجعون على زيد وأصحاب زيد. قالت زيد بن صوحان. قلت نعم فقالت لا تقل ذلك فإن رحمة الله واسعة وهو على كل شيء قدير. وفي تاريخ دمشق: لما أخبرت عائشة بموت زيد وطلحة والزبير قالت إنا لله وإنا إلية راجعون فقال ابن الواشمة والله لا يجمعهم الله في الجنة أبدا فقالت عائشةان رحمة الله واسعة وهو على كل شيء قدير. وفي رواية الإصابة عن خالد ابن الواشمة قالت ما فعل طلحة والزبير قلت قتلا قالت الله يرحمهما ما فعل زيد بن صوحان قلت قتل قالت يرحمه الله ’’اه’’. وقولها له خيرا يشبه قول القائل (وجادت بوصل حيث لا ينفع الوصل) وقول الآخر:
ورحمة الله واسعة ولكنه شديد العقاب.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 7- ص: 101