القطان الحسن بن على بن محمد القطان، أبو على، عين الزمان المروةزى: طبيب. له علم بالحكمة والهندسة والأدب. أصله من بخارى، ومولده ووفاته بمرو. قبض عليه الغز لما تغلبوا على مرو، فجعل يشتمهم وهم يلقون التراب في فمه حتى مات. له (الدوحة) في الأنساب، ورسائل في (الطب) وصنف بالفارسية (كيهان سياحت) في الهيئة

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 202

الحسن بن علي بن محمد بن إبراهيم بن أحمد القطان أبو علي المروزي: أصله من بخارى، وولد بمرو سنة خمس وستين وأربعمائة. ومات مقتولا، قتله الغز لما وردوا خراسان وتغلبوا على مرو، فقبضوا عليه في من قبضوا، فجعل يشتمهم وجعلوا يحثون التراب في فمه، حتى مات سنة ثمان وأربعين وخمسمائة.
وكان شيخا فاضلا، كبيرا محترما، قد أخذ بأطراف العلوم على اختلافها، وغلب عليه اسم الطب، وله في كل نوع تصنيف مأثور. وكان له دكان برأس المربعة يقعد فيه للتطبب يؤذي الناس ويشتمهم إذا سئل عن شيء من المداواة. وكان ينظر في الخزانة التي عملت يرسم الكتب في المدرسة الخاتونية وهي يومئذ معمورة بالكتب ينتابها الفضلاء ويلتذ بها العلماء، حتى أغار خوارزمشاه على مرو وفي صحبته الرشيد الوطواط كاتبه فدخلها وانتخب من محاسن كتبها ونقلها الى خوارزم وتركها صفرا.
وكان القطان قد وقف فيها من كتب نفسه الكثير، فبين القطان والوطواط في ذلك رسائل معروفة وأجوبة مشهورة يدعي القطان عليه أنه انتهب كتبه وأغار على ثمرة عمره وما جمعه في سالف أيامه، والرشيد يتبرأ من ذلك ويحلف له أنه ما فعل.
وكنت عند كوني بمرو عرض علي شيخنا فخر الدين أبو المظفر عبد الرحيم بن تاج الاسلام أبي سعد السمعاني- تغمدهما الله برحمته- جزءا يشتمل على رسائل للحسن القطان إلى الرشيد الوطواط، محشوة بالسب له والثلب تصريحا لا تعريضا، ويلزمه الحجة في أنه نهب كتبه وسلبه نتيجة عمره، ويستحسب الله عليه، وضاق نطاق الزمان من تحصيلها وكتبها، وقلت:

وبقيت نفسي إليها متطلعة، وإلى مكنونها ملتفتة، فظفرت برسائل الرشيد محمد بن محمد بن عبد الجليل العمري البلخي المعروف بالوطواط متضمنة الأجوبة عنها يدل آخرها على إضراب الحسن القطان عن تهمته والإذعان بابراء ساحته.
نسخة الرسالة الأولى: بسم الله الرحمن الرحيم، قرع سمعي من أفواه الواردين وألسنة الطارئين على خوارزم أن سيدنا- أدام الله فضله- كلما تفرغ من مهمات نفسه، ووظائف درسه، يقبل بمجامعه على أكل لحمي، والإطناب في سبي
وشتمي، وينسبني إلى الإغارة على كتبه، ويبالغ في هتك أستار الكرم وحجبه. أهذا يليق بالفضل والمروة؟ أو يجمل بالكرم والفتوة أن يفتري على أخيه المسلم، بمثل هذا الكذب المقلق والبهتان المؤلم؟ والله إذا نفخ في الصور يوم النشور، وبعثت هذه الرمم البالية، من الأجداث متدرعة ملابس الحياة الثانية، وجمعت عباد الله في مواقف العرصات، وتطايرت صحائف الأعمال إلى أربابها، وسئلت كل نفس عما كسبت، فمن مسيء يسحب على وجهه إلى النار، ومن محسن يحمل على أعطاف الملائكة إلى الجنة، لم يتعلق في ذلك المقام الهائل أحد بذيلي طالبا مني ملكا غصبته، ولا مالا نهبته، أو دما سفكته، أو سترا هتكته، أو شخصا قتلته، أو حقا أبطلته. وها أنا ذا قد آتاني الله من الوجه الحلال قريبا من ألف مجلد من الكتب النفيسة، والدفاتر الفائقة والنسخ الشريفة، وقد وقفت الكل على خزائن الكتب المبنية في بلاد الاسلام- عمرها الله- لينتفع المسلمون بها، ومن كانت عقيدته هكذا كيف يستجيز من نفسه أن يغير على كتب إمام من شيوخ العلم، أنفق جميع عمره حتى حصل أوراقا يسيرة لو بيعت في الأسواق لما أحضر بثمنها مائدة لئيم؟! الله الله لا يفترين سيدنا- أدام الله فضله- فافتراء الكذب على مثلي ذنب يتعثر في أذياله يوم القيامة، وليخافن الله الذي لا إله إلا هو، وليتذكرن يوما يثاب الصادق فيه على صدقه، ويعاقب الكاذب على كذبه، والسلام.
فورد على الرشيد جواب عن هذه الرسالة يكون في نحو كراستين يغلظ له في القول، ويصرح فيه بالسب والتهمة، فكتب إليه الرشيد: بسم الله الرحمن الرحيم، ورد كتاب سيدنا- أطال الله بقاءه في دولة مفترة المباسم، ونعمة متجددة المراسم- مشتملا من الإيذاء والإيحاش، والإبذاء والإفحاش، على كلمات، بل
على ظلمات، لو أطفأ أدام الله علوه بعض لهبه، وسكن نائرة غضبه، ثم عاد إليه متصفحا لألفاظه ومعانيه، متفحصا عن مقاطعه ومبانيه، لما ارتضى ذلك من دينه وعقله، ولما استحسنه من كرمه وفضله. إلا أني أعذره فيما قال، قصر كلامه أو طال، لعلمي أنه أدام الله علوه مسلوب مغلوب، جريح أسنة القهر، طريح صدمات الدهر، عضته أنياب النوائب، وخدشته أظفار المصائب. نهبت كتبه وأمواله، وغصبت رحاله وأثقاله، وطالب الثأر يقصد كل راجل وفارس، وصاحب الضالة يتهم كل قائم وجالس. ولقد علم سيدنا- أدام الله علوه- أن وقعة مرو عمرها الله كانت واقعة عامة شملت كل جبهة وحافر، وطبقت كل صائح وصافر، وكان قد لحقت في ذلك الوقت بعسكر خوارزمشاه من طبقات الناس أوزاع وأخياف، ومن حشرات الأرض أنواع وأصناف، قصارى همهم القتل والإغارة، ومنتهى أربهم الإحراق والإبارة، وأوباش مرو أيضا كانوا يخرجون من مكامنهم في الليالي، ويتعرضون لبيوت السادات والموالي، فليس بمستبعد أن يكون قد ظفر بكتبه من أولئك الأقوام أحد لا يعرف شانه، ولا يعلم مكانه. أما أنا فالله تعالى يعلم- وقد خاب من استشهده باطلا- أني ما فتحت للإغارة بابا، ولا نهبت كتابا، بل ذهبت يوما على مقتضى إشارته الكريمة لأحمل كتبه إلى المعسكر، فلما دخلت داره الرفيعة، ورأيت كتبا كثيرة فوق ما يحيط به عد، أو يشتمل عليه حد، فقلت: نقل هذه أمر مشكل، وحمل هذه خطب معضل، فتركتها بحالتها في أماكنها، وخليتها برمتها في معادنها، وخرجت كما دخلت خالي الحقائب، فارغ الزكائب. فإن كنت غصبت يوم وقعة مرو أو قبلها أو بعدها من كتبه- أدام الله علوه- كتابا أو جزءا أو دفترا، أو من سائر أمواله شيئا صغر أو جل، كثر أو قل، أو رضيت أن يغصبه أحد من أتباعي والمنتمين إلي، أو عرفت غاصبا غصبه، أو ناهبا نهبه، فأخفيت ذلك عنه، أو كتمته منه، فأنا بريء من الله وهو بريء مني، وإن كنت فعلت بنفسي شيئا مما ذكرت، أو رضيت أن يفعله أحد من
المتعلقين بي، أو عرفت فاعلا فعله، فعلي لله أن أحج بيته المعظم المكرم راجلا حافيا وعلى عاتقي الزاد والمزادة عشر مرات، وإن كنت فعلت شيئا من ذلك، أو رضيت أن يفعله أحد من المتعلقين بي أو عرفت فاعلا فعله، فكل مال ملكته يميني فهو في سبيل الله على مساكين الحرمين، وإن كنت فعلت شيئا من ذلك، أو رضيت أن يفعله أحد من المتعلقين بي، أو عرفت فاعلا فعله، فكل عبد ملكته أو أملكه فهو حر، وإن كنت فعلت شيئا من ذلك، أو رضيت أن يفعله أحد من المتعلقين بي، أو عرفت فاعلا فعله، فكل امرأة تزوجتها أو أتزوجها فهي طالق مني ثلاث تطليقات ؛ هذه الأيمان والنذور كتبتها ببناني، وأجريتها على لساني، لا خوفا من غوائله، ولا هربا من حبائله، فإن الصلح آمن أهله، والإسلام جب ما قبله، ولكن إظهارا لخلو راحتي، وبراءة ساحتي، وشفقة عليه- أدام الله علوه- وصيانة لفاضل مثله وهو الذي لا مثيل له في أقطار الشرق والغرب وأقاصي البر والبحر، أن يسلك طريقة غير مستصوبة، ويختار شريعة غير مستعذبة. عصمنا الله وإياه مما يورث ذما، ويعقب إثما. وقد بعثت في قران هذه الخدمة خدمة أخرى مفرطة في الطول، مجررة الذيول، منسوجة على منوال آخر كالكي للداء إذا استحكمت شدته، وتطاولت مدته، وعجز الأساة عن معالجته، والأطباء عن مداواته، وهديته- أدام الله علوه- فيها النجدين، وأريته الطريقين، ودفعت عنان الاختيار إليه، ووضعت زمام الإيثار في يديه، ليسلك منهما ما يشاء، إما ما يسر به وإما ما يساء، وفقه الله للأصوب والأصلح، وأسعده بالأرشد والأنجح، وجعله من الصالحين المصلحين، والفائزين المفلحين، والسلام.
وكتب إليه مع الكتاب المتقدم ذكره: بسم الله الرحمن الرحيم، صادفني- أطال الله بقاءك في دولة مشرقة الكواكب، ونعمة هاطلة السحائب، وسلامة طيبة المشارع والمشارب- خطابه الكريم وكتابه الشريف بخوارزم وأنا ناعم البال، منتظم
الحال، من النفس في دعة، ومن العيش في سعة، والحمد لله على ذلك وبه الثقة والحول، وله المنة والطول، وحين تنسمت من يد حامله رياه، وثبت من مكاني مستقبلا إياه، ومددت إليه يميني مد معز مكرم، وأخذته بطرف كمي أخذ مجل معظم، وقلت في نفسي: كرامة ساقها الله تعالى إلي، وسعادة ألقت أنوارها علي، وأرسلت في الحال قاصدا إلى دارات الأشراف وسروات الأطراف، وبعثت في الساعة مسرعا إلى رجالات الأخبية والأبنية، وساكنة الأباطح والأودية، ودعوت من كل حلة رئيسها وزعيمها، ومن كل خطة كبيرها وعظيمها، حتى اجتمع عندي البدوي والحضري، واحتشد في ربعي الربعي والمضري، ثم عرضت عليهم كتابا شريفا بختمه، وحنيت ظهري لتقبيله ولثمه، وطلبت خطيبا مصقعا من بلغاء بني معد صحيح اللسان، فصيح البيان، ووضعت له في منزلي منبرا من الساج، مغشى بالأطلس والديباج، ليصعد به ذرى الأعواد، ويقرأه على رؤوس الأشهاد، فرفع الكل أبصارهم يمنة ويسرة، وسألوني خفية وجهرة، ما هذا الذي تظهره لنا وتعرضه، وتوجب علينا سماعه وتفرضه؟ فقلت: كتاب إمام لم تلمح عين الزمان بمثله، ولم تسمح يد الليالي بشكله، كتاب إمام هو في العلم صاحب آيات، وفي الفضل سابق غايات، إمام تطلع نجوم الجو دون قدره، وتحسد رياض الخلد أطايب صدره، كتاب إمام تم به حساب العلماء، كما تم برسول الله صلى الله عليه وسلم حساب الأنبياء، صحيفة فخر حررتها يد بيضاء، وقلادة مجد رصعتها همة روعاء. ونشرت من معالي سيدنا- أدام الله علوه- ومفاخره، وذكرت من مناقبه ومآثره، ما امتلأ بنشره النادي، وسال من ذكره الوادي، فسكنوا وسكتوا، وأنصفوا وأنصتوا، فلما فضضت ختامه، وحدرت لثامه، شاهدت في أثنائه من الفزع الأكبر، وعاينت في أدراجه من أهوال يوم المحشر، ما أطال السهاد، وأطار الرقاد، وشق جلباب الصبر ومريطاء الجلد، وجرح سواد العين وسويداء الخلد، حسبته حلة خسروانية، فوجدته حربة هندوانية. كتاب لا
بل كتائب تفل كل جيش، وخطاب لا بل خطوب تكدر كل عيش، وكلام لا بل في الأضالع كلام، وفصول لا بل في الجوانح نصول، وأسجاع مؤنقة، لا بل أوجاع موبقة، كأنه نازلة الدهر، وقاصمة الظهر، كأنما ألفاظه أنياب الأراقم، ولمعانيه أظفار الضراغم. هو- أدام الله علوه- دفاع الأمراض بطبه، فلم أمرضني بفضائح سبه؟ ونطاسي الجراح بعلمه، فلم جرحني بقبائح ظلمه؟
ما هذا الإنذار والإيعاد؟ وما هذا الإبراق والإرعاد؟ كأنه صاحب دلدل، أو فارس بلبل، أو كأنه من أقيال اليمن، وأبطال الزمن، أو كأنه ثعبان الحرب، وشيطان الطعن والضرب، وذكر البول أولى به من ذكر الهول، وحديث البراز أولى به من حديث البراز:
قال- أدام الله علوه- مصصت دمي من عرقي، أو ليس يدري أن امتصاص الدماء من خصائص بضاعته، والتصرف في اللحوم والعظام من لوازم صناعته؟! رحم الله امرءا عرف قدره، ولم يتعد طوره. وشر ما في بني آدم من الخصال الذميمة، والأفعال اللئيمة، إيذاء الصغار للكبار، وإيحاش العبيد للأحرار. وهذا له- أدام الله فضله- جبلة فطر عليها، وطبيعة استرسل معها، وسجية شهر بين العامة والخاصة بها، يشتم كل يوم في منزله ومكانه، وعلى سدة داره وطرف دكانه، خلقا كثيرا، وجما غفيرا، من الرافعين قصصهم إليه، والعارضين عللهم عليه، فيرجعون وجفونهم تتصوب عبراتها، وقلوبهم تتصعد زفراتها، لما يلاقون من سوء خلقه ويقاسون من خشونة نطقه، ويقفلون وألم ذلك التهجم والإعراض، والوقيعة في الأحساب والأعراض، أشد عليهم من ألم الأسقام والأمراض. ولهذا جعل شخصه، وصير نفسه- مع أنه أفضل زمانه، وأعلم أولاد أقرانه- ضحكة الأداني والأقاصي، وسخرة للأذناب والنواصي، حتى صار بحيث إذا مشى في الأسواق تعادى صبيان البلد حوله فيسخرون منه ويضحكون عليه وينعرون في قفاه. ولا أقول فيه- أدام الله علوه- إلا ما قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في ابن المقفع حين رأى كمال فضله، ونقصان عقله. «علم وافر، وعقل قاصر». ومن قصور عقل ابن المقفع أنه مر ببيت النار، وكان من أولاد كسرى، فتنفس الصعداء وتمثل ببيت الأحوص بن محمد الأنصاري:
فاتهم بالمجوسية، فألقي في تنور مسجور، فأحرق. وما أصدق من قال:
قيراط عقل، خير من قنطار فضل، ومثقال حلم، أنفع من مكيال علم. أنكر- أدام الله علوه- رشاد مذهبي وإنكاره ضلال، وجحد سداد سيرتي وجحوده باطل محال، فيا طير الله جمجمة فرخت فيها الأضاليل وباضت، ويا أسكت الله شقشقة دفقت منها الأباطيل وفاضت. ولا أعني بهذه الجمجمة إلا جمجمته التي لا عقل فيها، ولا أريد بهذه الشقشقة إلا شقشقته التي يباينها الصدق وينافيها. حتى متى يتهمني بظنه؟ وإلى كم يجرعني دردي دنه؟ أيحسب- أدام الله علوه- أن ظنه الباطل وخياله الفاسد ووهمه الكاذب وحي من السماء إلهي؟ أو إلهام في الحقيقة رباني؟ أو آية نفث بها روح القدس في روعه؟ لا بل هو واحد من أبناء زماننا وهذا شر الأزمنة، عجم الشيطان عوده فاستلانه، فصير خزانة خياله مكانه، فهذه الخطرات التي تختلج في جنانه، وتدور حول حسبانه، من تلك الخيالات الشيطانية، لا من الإلهامات الربانية. ولقد بلغني من أفواه الرواة، وألسنة الثقات أنه- أدام الله علوه- أخذ بعين هذه التهمة الكاذبة قبل هذا واحدا من أعيان أهل جلدته، وسكان بلدته، وهو مسعود بن المنتجب- رحمة الله- فأغار على أهله وبيته، وتعرض لحيه وميته، وخرب دوره ورباعه وغصب أثاثه ومتاعه، من غير حجة صححها، ولا بينة أوضحها. اللهم اصرع الظالم على الهامة، وخذ منه للمظلوم حتى يرضى عنه يوم القيامة. ومما أقضي منه العجب أن عهدي به- أدام الله عزه- قد كان يخرب الأبدان، فها هو الآن يخرب الأوطان، وما أسرع الدهر إلى تغيير البشر، وما أقدره على تبديل الصور والسير.
قرأت في بعض الكتب أن خليفة من الخلفاء رأى في منامه أن واحدا من ندمائه وثب عليه ليقتله، فلما أصبح استدعى النديم وأمر بقتله، فقال له النديم: ماذا فعلت حتى استوجبت هذه العقوبة، قال الخليفة: ما فعلت شيئا، ولكني رأيت في المنام أنك تقتلني وأنا أقتلك لذلك، فقال له النديم: إن يوسف بن يعقوب- صلوات الله عليهما- مع كونه صديقا نبيا احتاجت رؤياه إلى تعبير، وافتقرت أحاديثه إلى تأويل وتفسير، أفتستغني رؤياك عن مثل ذلك؟ فضحك الخليفة وخلاه. وأنا أقول: هكذا ظنون جميع ذوي الألباب، معرضة للخطأ والصواب. كأنه- أدام الله علوه- تفرد من بينهم بذاته، وتوحد بعظمة صفاته، فتنزهت ظنونه عن السهو، وتقدست أحاديثه عن اللغو. عصمنا الله من الكبر البائن، والعجب الشائن. أما حان أن ينتبه- أدام الله علوه- من غفلته، ويستيقظ من رقدته، وقد بلغ غاية شيبه، وأخذ الموت بلحيته وجيبه، يقرع كل ساعة منادي الفناء، في أذنه الصماء: أن اترك أوطانك، واهجر أهلك وجيرانك، وارحل إلى جهنم بخيلك ورجلك، فإنها قد أوقدت نيرانها لأجلك. وما حرص جهنم على شي، كحرصها على إحراق شيخ غوي، وهم غبي، سيء الخليقة، مذموم الطريقة، يتظاهر بالإثم والعدوان، ويتبع خطوات الشيطان. هو- أدام الله علوه- بلغ ساحل الحياة ووقف على ثنية الوداع، وهم بحر عمره بالنضوب، ومال نجم بقائه للغروب، فما ظنه: هل في الحياة مطمع وقد بليت جدته، وفنيت مدته، وتراجع أمره، وأتى على الثمانين عمره؟!
كتبت هذه الأحرف على سبيل الأنموذج، والجواب بعد في الجراب، والسيف لم يسل من القراب، فإن انزجر- أدام الله علوه- واتعظ، وترك الفظاظة والغلظ، وعاد إلى كرم العهد وصفاء الود، فانا خادم مخلص وعبد مطيع وتلميذ معتقد:
فجاء جواب القطان بالاعتذار وبراءة ساحته من التهمة .
ومن تصانيفه: كتاب دوحة الشرف في نسب أبي طالب- ثماني مجلدات، كتاب بخطه مشجر. رسالة سارحة الرموز وفاتحة الكنوز. سبائك الذهب. العروض- مشجر. كتاب «كيهان شناخت» في الهيئة؛ وقد رأيته وهو جيد في بابه. ومن شعره في كتاب: «الدوحة في النسب»:
قال أبو سعد السمعاني؛ كان فاضلا عالما بالطب واللغة والأدب، وعلوم الأوائل المهجورة، وكان ينصر مذهبهم ويميل إليهم، واشتغل بالفقه والحديث في ابتداء عمره، ثم أعرض عنه، وكان يسمع الحديث على كبر سنه ويشتغل به، ويصححه على من يعلم من الغرباء الواردين إلى مرو تسترا وإظهارا للرغبة في العلوم الشرعية، والله أعلم بالعقيدة الباطنة.
سمع كتاب فضائل القرآن من أبي القاسم عبد الله بن محمد بن علي القرشي.
ومن شعر أبي علي القطان:

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 3- ص: 971

القطان
الحسن بن علي بن محمد بن إبراهيم أبو علي المروزي البخاري. المعروف بالقطان. م سنة 548 هـ رحمه الله تعالى. له: مشجر نسب آل أبي طالب.

  • دار الرشد، الرياض-ط 1( 1987) , ج: 1- ص: 113

الحسن بن عليّ بن محمد بن إبراهيم بن أحمد القطّان، أبو عليّ المروزيّ.
ولد بمرو في سنة خمس وستين وأربع مائة. وكان قد أخذ بأطراف العلوم على اختلافها، وغلب عليه فنّ الطّب، وله في كلّ نوع تصنيف مأثور، وتأليف بين أهل مرو مشهور. كان خازن الخزانة التي عملت في المدرسة الخاتونية، ووقف فيها من كتبه جملة، وكان بينه وبين الوطواط رسائل ومكاتبات.
ومن تصانيفه: كتاب دوحة الشّرف في نسب آل أبي طالب: في ثماني مجلّدات، وكتاب رسائله، وكتاب الرموز وفاتحة الكنوز، وكتاب سبائك الذهب، وكتاب العروض: مشجّر، وكتاب كيهان شناخت: في الهيئة.
وقتله الغزّ لمّا وردوا خراسان في العشر الأوسط من رجب من سنة ثمان وأربعين وخمس مائة عن تسعين سنة.

  • دار الغرب الإسلامي - تونس-ط 1( 2009) , ج: 1- ص: 341