ابن وكيع التنيسي الحسن بن على الضبى التنيسي، أبو محمد، المعروف بابن وكيع: شاعر مجيد. أصله من بغداد، ومولده ووفاته في تنيس (بمصر) له (ديوان شعر - ط) وكتاب (المنصف) في سرقات المتنبي. وكانت في لسانه عجمة
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 201
ابن وكيع البغدادي التنيسي اسمه الحسن بن علي بن أحمد بن محمد بن خلف بن حيان بن صدقة بن زياد الضبي.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 274
أبو محمد الحسن بن علي بن أحمد بن محمد الملقب وكيع بن خلف بن حيان بن ابن زياد الضبي البغدادي الأصل المصري التنيسي المولد والوفاة المعروف بابن وكيع التنيسي الشاعر المشهور.
توفي بتنيس يوم الثلاثاء 23 جمادى الأولى سنة 393 ودفن بها في المقبرة الكبرى في القبة التي بنيت له.
(والتنيسي) نسبة إلى تنيس بكسر التاء المثناة الفوقية وتشديد النون المكسورة وسكون المثناة التحتية وسين مهملة آخر الحروف مدينة بمصر بالقرب من دمياط قال ابن خلكان أمله من بغداد ومولده بتنيس.
أقوال العلماء قيه
في اليتيمة ج 1 ص 381: أبو محمد الحسن بن علي ابن وكيع التنيسي شاعر بارع وعالم جامع قد برع في إبانه على أهل زمانه فلم يتقدمه أحد في أوانه وله كل بديعة تسحر الأوهام وتستعبد الأفهام فمن ملح شعره وغرائب قوله في قصيدة مربعة الخ وذكره في تتمة اليتيمة ج 1 ص 29 بعنوان ابن وكيع التنيسي واقتصر على ذكر شيء من أشعاره وقال ابن خكان :
أبو محمد الحسن بن علي بن أحمد بن محمد بن خلف ابن حيان بن صدقة بن زياد الضبي المعروف بابن وكيع التنيسي الشاعر المشهور أصله من بغداد ومولده بتنيس ذكره أبو منصور الثعالبي في يتيمة الدهر وقال في حقه شاعر إلى آخر ما مر ثم قال: وذكر مزدوجته المربعة وهي من جيد النظم وأورد غيرها وله ديوان شعر جيد وله كتاب بين فيه سرقات أبي الطيب المتنبي سماه المنصف وكان في لسانه عجمة ويقال له: العاطس ثم أورد طرفا من شعره ثم قال ولابن وكيع في كل معنى حسن وكانت وفاته يوم الثلاثاء لسبع بقين من جمادى الأولى سنة 393 بمدينة تنيس ودفن في المقبرة الكبرى في القبة التي بنيت له رحمه الله تعالى ووكيع بفتح الواو وكسر الكاف وسكون المثناة التحتية بعدها عين مهملة وهو لقب جده أبي بكر محمد اه.
تشيعه
يدل على تشيعه ما ذكره أبو الفتح الكراجكي في كنز الفؤاد قال: أنشدت لابن وكيع الشاعر في أمير المؤمنين صلوات الله عليه هذه الأبيات:
قالوا علي لماذا لست تمدحه | فقلت أصبحت في ذا الفعل معذورا |
صرفت مدحي إلى من نزر مدحته | يعده الناس إسرافا وتكثيرا |
ولم أطق مدح من فاقت فضائله | قدر المدائح منظوما ومنثورا |
ومن جواد قريضي أن بعثت به | في مدحه من علاه عاد محسورا |
أأزعم الغيث يحي الأرض وابله | أم أزعم البدر قد عم الورى نورا |
ما قلت ذاك وذا بالفضل مشتهر | ولا أتيت بفضل كان مستورا |
متى صرفت إليه الشعر أمدحه | شهرت من وصفه ما كان مشهورا |
وظلت أتعب فيمن ليس يرفعه | مدحي وأنشر مدحا كان منشورا |
سارت مآثره بالفضل ظاهرة | فما ترى لمديح فيه تأثيرا |
وأصبح الوصف منه لاستفاضته | كاللفظ كور في الأسماع تكريرا |
يعد جهدي تقصيرا بمدحته | ولست أرضى بجهد عد تقصيرا |
سلا عن حبك القلب المشوق | فما يصبو إليك ولا يتوق |
جفاؤك كان عنك لنا عزاء | وقد يسلي عن الولد العقوق |
أبصره عاذلي عليه | ولم يكن قبل قد رآه |
فقال لي لو هويت هذا | ما لامك الناس في هواء |
قل لي إلى من عدلت عنه | فليس أهل الهوى سواه |
فظل من حيث ليس يدري | يأمر بالحب من نهاه |
إن كان قد بعد اللقاء فودنا | باق ونحن على النوى أحباب |
كم قاطع للوصل يؤمن وده | ومواصل بوداده يرتاب |
قد رضينا من الغزال الكحيل | بغرور العداة والتعليل |
وهجرنا سواه وهو منيل | وهويناه وهو غير منيل |
فكثير البغيض غير كثير | وقليل الحبيب غير قليل |
هلك العزم بين شوق صحيح | أنا فيه وبين صبر عليل |
لا تعب من هويت بالبخل إني | لا أحب الحبيب غير بخيل |
يجمل البخل بالملاح وإن كا | ن بغير الملاح غير جميل |
ألست ترى وشي الربيع المنمنما | وما رصع الربعي فيه ونظما |
فقد حكت الأرض السماء بنورها | فلم أدر في التشبيه أيهما السما |
فخضرتها كالجو في حسن لونه | وأنوارها تحكي لعينيك أنجما |
فمن نرجس لما رأى حسن نفسه | تداخله عجب بها فتبسما |
وأبدى على الورد الجني تطاولا | فأظهر غيظ الورد في خده دما |
وزهر شقيق نازع الورد فضله | فزاد عليه الورد فضلا وقدما |
وظل لفرط الحزن يلطم خده | فأظهر فيه اللطم جمرا مضرما |
ومن سوسن لما رأى الصبغ كله | على كل أنوار الرياض تقسما |
وألوان منثور تخالف شكلها | فظل بها شكل الربيع متمما |
خلعت في حبه عذاري | وطاب لي العيش باشتهاري |
إن أبد في حبه خضوعا | فليس ذل الهوى بعار |
من روحه في يدي سواه | فهو حقيق بأن يداري |
متى وعدتك في ترك الهوى عدة | فأشهد على عدتي بالزور والكذب |
أما ترى الليل قد ولت عساكره | وأقبل الصبح في جيش له لجب |
وجد في أثر الجوزاء يطلبها | في الجور ركض هلال دائم الطلب |
كصولجان لجين في يدي ملك | أدناه من كرة صيغت من الذهب |
فقم بنا نصطبح صفراء صافية | كالنار لكنها نار بلا لهب |
عروس كرم أتت تختال في حلل | صفر على رأسها تاج من الحبب |
قم فاسقني والخليج مضطرب | والريح تثني ذوائب القضب |
والجو في حلة ممسكة | قد طرزتها البروق بالذهب |
جوهري الأوصاف يقصر عنه | كل وصف لكل ذهن دقيق |
شارب من زبرجد وثنايا | لؤلؤ فوقها فم من عقيق |
حبذا زور أتاني | طارقا بعد اجتنابه |
شق جنح الليل بدر | لاح من ثني نقابه |
طربت نفسي إليه | وإلى طيب اقترابه |
طرب الشيخ إذا | ذكر أيام شبابه |
أسفر عن بهجته الدهر الأغر | وابتسم الروض لنا عن الزهر |
أبدى لنا فصل الربيع منظرا | بمثله تفتن الباب البشر |
عاينه طرف السماء فانثنى | عشقا له يبكي بأجفان المطر |
فالأرض في زي العروس فوقها | من أدمع القطر نثار من درر |
أما ترى الورد كخدي كاعب | أخجلها فرط حياء وخفر |
كأنما الخمر عليه نفضت | صباغها أو هي منه تعتصر |
وانظر إلى التاريخ في بهجته | يلوح في أفنان هاتيك الشجر |
مثل دنانير نضار أحمر | أو كعقيق خرطت منه أكر |
وانظر إلى المنثور في ميدانه | يرنو إلى الناظر من حيث نظر |
كجوهر مختلف ألوانه | أسلمه سلك نظام فانتشر |
يا لائما يعذلني في طربي | حسبك قد أكثرت من هذا الهذر |
الجهل ينبوع مسرات الفتى | والعقل ينبوع الهموم والفكر |
يا طيب ذي الدنيا لنا منزلة | لو لم نكن نزعج منها بسفر |
صورة خالقه جامعا | لكل شيء حسن بارع |
وكل حسن من جميع الورى | مختصر من ذلك الجامع |
زارني في دجى الظلام البهيم | قمر بات مؤنسي ونديمي |
بحديث كأنه عودة الصحـ | ـة في الجسم بعل يأس السقيم |
لا تلفين مصاحبا | من لا يزين من الصحاب |
فالثوب ينفذ صبغه | فيما يليه من الثياب |
ما السقم في سفر والدين مع عدم | يوما بأثقل منه حين يلقاني |
ما لي عليه معين حين أبصره | غير الصدود وتغميضي لأجفاني |
لا ووعد الوصل باللحـ | ـظ على رغم الرقيب |
واختلاس القبلة الـ | ـحلوة من خد الحبيب |
ما سوى الراح لداء الـ | ـهم عندي من طبيب |
يا من إذا لاحت محاسن وجهه | غفرت بدائعها جميع ذنوبه |
النجم يعلم أن عيني في الدجا | معقودة بطلوعه وغروبه |
إن كان في تهذيب قلبي راحة | لك فاجتهد بالله في تعذيبه |
ازهد إذا الدنيا أنالتك المنى | فهناك زهدك من شروط الدين |
فالزهد في الدنيا إذا ما رمتها | فأبت عليك كعفة العنين |
لا تحسدن صديقا | على تزايد نعمه |
فإن ذلك عندي | سقوط نفس وهمه |
وجلنار بهي | ضرامة يتوقد |
يحكي فصوص عقيق | في قبة من زبرجد |
أقبل والعذال يلحونني | فكلهم قال من البدر |
فقلت ذا من طال في حبه | منكم لي التعنيف والزجر |
قالوا جهلنا فاغتفر جهلنا | فليس عن ذا لامرئ صبر |
عذرك في الحب له واضح | وما لنا في لومنا عذر |
بما بعينك من فتون | من فتور بها وسحر |
وبالعذار الذي تولى | خلع عذاري وبسط عذري |
جدلي بالصفح عن ذنوبي | أو لا فعاتب بغير هجر |
اضحك للكاشحين جهرا | ولي ضمير عليك يبكي |
عيني التي أوقعت فؤادي | يا عين ماذا لقيت منك |
واحربي من جفون ظبي | أقام عذري به عذاره |
أسقم جسمي بسقم طرف | حيرني في الهوى احوراره |
هذا اختياري فأبصروه | شاهد عقل الفتى اختياره |
لا تقبلن من الرشيد كلامه | وإذا دعاك أخو الغواية فاقبل |
واشرب مزعفرة القميص سلافة | من صبغة صنعة البردان أو قطربل |
كأس إذا رمت الهموم بسهمها | لم يخط نافذه سواء المقتل |
تحلو وتعذب في النفوس كأنها | كبت العدو ورغم أنف العذل |
حمراء يرحب كل صدر ضيق | معها ويفتح كل باب مقفل |
لا سيما من كف طاوية الحشى | ترنو بناظرتي خذول مطفل |
كتبت وفرط شوقي قد عناني | وقد يعد اللقاء على التداني |
وما في البيت لي ثان فكن لي | جعلت فداك يا مولاي ثاني |
فعندي ما يجاوز كل وصف | وما يرضي الخليل إذا أتاني |
خروف أظهر الشواء فيه | تألقه فليس له مداني |
غلالة باطن منه لجين | وظاهره غلالة زعفران |
وكأس مثل عين الديك صرف | لها حبب كمنظوم الجمان |
يطوف بشمسها قمر منير | تمكن طالعا في غصن بان |
وإن أحببت مسمعة أتتنا | محدقة بأصناف الأغاني |
تطلق هم سامعها ثلاثا | بتحريك المثالث والمثاني |
فهذا عندنا ولدون هذا | لعمرك ما كفاك وما كفاني |
فزرنا لا عدمتك من صديق | تتم لنا بزورته الأماني |
جانبت بعدك عفتي ووقاري | وخلعت في طرق المجون عذاري |
لا تكثرن علي أن أخا الحجا | برم بقرب الصاحب المهذار |
خوفتني بالنار جهدك دائبا | ولججت في الإرهاب والإنذار |
خوفي كخوفك غير أني واثق | بجميل عفو الواحد القهار |
أقررت أني مذنب ومحرم | تعذيب ذي جرم على الإقرار |
انظر إلى زهر الربيع وما جلت | فيه عليك طرائف الأنوار |
أبدت لنا الأمطار فيه بدائعا | شهدت بحكمة منزل الأمطار |
ما شئت للأزهار في صحرائه | من درهم بهج ومن دينار |
وجواهر لولا تغير حسنها | جلت عن الأثمان والأخطار |
من أبيض يقق وأصفر فاقع | مثل الشموس قرن بالأقمار |
فاشرب معتقة كأن نسيمها | مسك تضوعه يد العطار |
أحكامها في العقل أن هي حكمت | أحكام صرف الدهر في الأحرار |
يرضي على الأقدار شاربها الذي | ما زال ذا سخط على الأقدار |
لا سيما من كف أغيد شادن | يسبي العقول بطرفه السحار |
فضل الغصون لأنها من غرسنا | عند التأمل وهو غرس الباري |
قد غيب الزنار دقة خصره | حتى ظنناه بلا زنار |
متنصر قويت على إسلامنا | بالحسن منه حجة الكفار |
ذا العيش لا نعت المهامه والفلا | وسؤال رسم الدار والأحجار |
لا فرج الرحمن كربة جاهل | يبكي على الأطلال والآثار |
في فتية كلهم كريم | وخير من يصحب الكرام |
أئمة كلهم عليم | بكل ما فعله آثام |
لكنني فيهم على ما | وصفت من فضلهم إمام |
وعندنا شادن غرير | في لحظ أجفانه سقام |
للحسن قدامه جيوش | للصبر قدامها انهزام |
يخف في حبه التصابي | كمثل ما يثقل الملام |
ذا العيش فأفطن له وبادر | من قبل أن بفطن الحمام |
وأنعم نعام السرور عندي | يوم ويوم الهموم عام |
يسعى بها جؤذر غرير | في لحظ أجفانه أحورار |
يحسن مني الوقار إلا | فيه فما يحسن الوقار |
أغار مني عليه حتى | عليه من نفسه أغار |
كل جمال ترى فمنه | إذا تأملت مستعار |
يا جامع الحسن كل حسن | للناس من شرطك اختصار |
علل فؤادك فالدنيا أعاليل | لا يشغلنك عن اللهو الأباطيل |
ولا يصدنك عن أمر هممت به | من العواذل لا قال ولا قيل |
مخير يوميك يوم أنت فيه إذا | ميزت في الناس محمود ومعذول |
وان أتوك فقالوا كن خليفتنا | فقل لهم إنني عن ذاك مشغول |
فإن ذلك أمر مع نفاسته | ونبله بفناء العمر موصول |
وأرض الخمول فلا يحظى بلذته | إلا امرؤ خامل في الناس مجهول |
ولا تبع عاجل الدنيا بأجل ما | ترجو فذلك أمر شأنه الطول |
رسالة من كلف عميد | حياته في قبضة الصدود |
بلغه الشوق مدى المجهود | ما فوق ما يلقاه من مزيد |
جار عليه حاكم الغرام | فدق أن يدرك بالأوهام |
فلو أتاه طارق الحمام | لم يره من شدة السقام |
إذا التقى في مسمعيه العذل | وقيل من دون المراد القتل |
قال لهم لوم المحب جهل | إن الهوى يغلب فيه العقل |
ما العذر في السلوة عن غزال | منقطع الأقران والأشكال |
تستخلف الشمس لدى الزوال | ضياء خديه على الليالي |
ظبي سلوي عنه مثل جوده | خياله أكذب من موعوده |
أجفانه أسقم من عهوده | أرادفه أثقل من صدوده |
أما وخصر ضعفه كصبري | له ووجه حسنه كشعري |
له عذار قام لي بعذري | لا تبت من شوقي إليه دهري |
والهفتي من خده الأسيل | إذا انجلى عن صفحتي صقيل |
واحربي من طرفه الكحيل | من منصفي ومن مديلي |
من مقلة كالصارم البتار | ألحاظها أمضى من المقدار |
تحكم في لبي وفي اصطباري | نظير حكم الدهر في الأحرار |
واعلم بأني إذ رددت شافعي | هذا ولم يرجع بأمر نافع |
فليس ذا بحاسم مطامعي | كم طالب جد بجد المانع |
أقصى رجائي منك نيل الود | وقبلة تشفي غليل الوجد |
يا جائرا أفرط في التعدي | منك إليك في الهوى استعدي |
يا سائلي عن أطيب الدهور | وقعت في ذاك على الخبير |
عندي في وصف الفصول الأربعة | مقالة تغني اللبيب مقنعه |
أما المصيف فاستمع ما فيه | من فطن يفهم سامعيه |
فصل من الدهر إذا قيل حضر | أذكرنا بحره نار سقر |
تبصر فيه النبت مقشعرا | والأرض تشكو حره المضرا |
نهاره مقسم بين قسم | جميعا يعاب عندي ويذم |
أوله غير ندى مبغض | كأنه على القلوب يقبض |
حتى إذا ما طردته الشمس | وفرحت بأن يزول النفس |
فتحت النار له أبوابها | وشب فيها مالك شهابها |
حر يحيل الأوجه الغرانا | حتى ترى الروم بها حبشانا |
يعلو به الكرب ويشتد القلق | وتنضج الأبدان منه بالعرق |
ثم يعيد الماء نارا حاميه | تزيد في كوب القلوب الظاميه |
حتى إذا عنا انقضى نهاره | وأرخيت من ليله أستاره |
تحركت في جنحه دواهي | سارية وأنت عنها ساهي |
من عقرب يسعى كسعي اللص | سلاحها في أبر كالشص |
وحية تنفث سما قاتلا | تزود الملدوغ حتفا عاجلا |
فلا تقل أن جاء يوما أهلا | فلعنة الله عليه فصلا |
حتى إذا زال أتى الخريف | فصل بكل سوءة معروف |
أهوية تسرع في كل الجسد | وهو كطبع الموت يبسا وبرد |
يخشى على الأجسام من آفاته | فأرضه قرعاء من نباته |
لا يمكن الناس اتقاء شره | من اختلاف برده وحره |
تبصره مثل الصبي الأرعن | في كثرة التغيير والتلون |
أحسن ما يهدي لك النسيما | يقلبه في ساعة سموما |
وهو على المعدود من ذنوبه | خير من الصيف على عيوبه |
حتى إذا ما أقبل الشتاء | جاءتك منه غمة غماء |
أقبل منه أسد مزير | له وعيد وله تحذير |
يأتيك في إبانه رياح | ليس على لاعنها جناح |
حراكها ليس إلى سكون | تضر بالأسماع والعيون |
يحدث من أفعالها الزكام | هذا إذا ما فاتك الصدام |
ثم يلبسها مطر مداوم | كأنه خصم لنا ملازم |
يقطعنا بعضا عن الطريق | وعن قضاء الحق للصديق |
ربما خر عليك السقف | وان عفا عنك أتاك الوكف |
هذا وكم فيه من المغارم | وكثرة الإنفاق للدراهم |
في ملبس يدفع شر برده | يكف عنا منه غرب حده |
ملابس تعيي الجليد حملا | كأنما يحمل منها ثقلا |
حتى إذا ملت إلى الرقاد | نمت على فرش من القتاد |
إن البراغيث عذاب مزعج | لكل ما قلب وجلد تنضج |
لا يستلذ جبه المفاجعا | كأنما أفرشته مباضعا |
قبح فصلا فوق ما ذممته | لو أنه يظهر لي قتلته |
حتى إذا مل هو عنا بانا | وزال عنا بعضه لا كانا |
جاء إلينا زمن الربيع | فجاء فصل حسن الجميع |
لبرده وحره مقدار | لم يكشف حدهما الإكثار |
عدل في أوزانه حتى اعتدل | وحمد التفصيل منه والجمل |
نهاره من أحسن النهار | في غاية الإشراق والأسفار |
وليله مستلطف النسيم | مقوم في أحسن التقويم |
لبدره فضل على البدور | في حسن إشراق وفرط نور |
هذا وكم يجمع من أمور | إسراف مطريها من التقصير |
فيه تظل الطير في ترنم | حاذقة باللحن لم تعلم |
هذا وفيه للرياض منظر | يفشي الثرى من سرها ما يضمر |
من نرجس أبيض كالثغور | ما يضمر كأنه مخانق الكافور |
وروضة تزهو من بنفسج | كأنها أرض من الفيروزج |
قد لبست غلالة زرقاء | فكايدت بلونها السماء |
يضحك فيها زهر الشقيق | كأنه مداهن العقيق |
وارم بعينيك إلى البهار | فإنه من أحسن الأنوار |
كأنه مداهن من عسجد | قد سمرت في قضب الزبرجد |
دونك هذي صفة الزمان | مشروحة في أحسن التبيان |
فأصغ نحو شرحها كي تسمعا | ولا تكن لحقها مضيعا |
وارض بتقليدي فيما قلته | فإنني أدرى بما وصفته |
ولا تعارضني في هذا العمل | فإنني شيخ الملاهي والغزل |
يا باعثا لدعوتي غلامه | وعاتبا من تركنا إلمامه |
إذا أردت أن تزار في غد | فلا تغال في الطعام واقصد |
واعمد إلى ما أنا منه واصف | فإنني بالطيبات عارف |
ابعث فخذ عشرا من الرقاق | تلذها نواظر الأحداق |
أرقها الصانع حتى خفت | ولطفت أجسامها ومدت |
حتى أتت في صورة البدور | أو مثل جامات من البلور |
حتى إذا فرغت منها متقنا | ولم ير العاتب فيها مطعنا |
فاعمد إلى مدور من البصل | فإنه أكبر أعوان العمل |
حتى إذا أحكمته تقطيعا | وقلت قد جودته صنيعا |
خلطته باللحم خلطا جيدا | ولم تزل تخلطه مرددا |
حتى إذا أنت أجدت فعله | ثم جمعت في الرقاق شمله |
صيرته يا ذا العلا السنيه | شابورة ليست لها سميه |
ثمت أغل الشيرقق المقشرا | من فوقه حتى تراه أحمرا |
مكتسيا حلته الخمرية | من بعد ما عهدتها فضية |
فلست في فعلك ذا مبذرا | كلا ولا في حقنا مقصرا |
لقد شمت بقلبي | لا فرج الله عنه |
كم لمته في هواه | فقال لا بد منه |
لقد قنعت همتي بالخمول | وصدت عن الرتب العاليه |
وما جهلت طيب طعم العلاء | ولكنها تؤثر العافيه |
بقدر الصعود يكون الهبوط | فإياك والرتب العاليه |
وكن في مكان إذا ما سقطـ | ـت تقوم ورجلاك في العافيه |
تغرب على اسم الله والتمس الغنا | وسافر ففي الأسفار خمس فوائد |
تفرح نفس والتماس معيشة | وعلم وآداب ورتعة ماجد |
فإن قيل في الأسفار ذل وغربة | وتشتيت شمل وارتكاب شدائد |
فللموت خير للفتى من مقامه | بدار هوان بين ضد وحاسد |
يحسن النحو في الخطابة والشعـ | ـر وفي لفظ سورة وكتاب |
فإذا ما تجاوز النحو هذي | فهو شيء من المسامع ناب |
إن شئت أن تصبح بين الورى | ما بين شتام ومغتاب |
فكن عبوسا حين تلقاهم | وخاطب الناس بإعراب |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 5- ص: 160
ابن وكيع التنيسي الحسن بن علي بن أحمد بن محمد بن خلف أبو محمد الضبي التنيسي المعروف بابن وكيع الشاعر، أصله من بغداد ومولده بتنيس.
له كتاب المنصف، بين فيه سرقات المتنبي. قال ابن رشيق في كتاب أبكار الأفكار: وهو أجور من سدوم. قلت: لأنه تحامل فيه على أبي الطيب كثيرا وهو خلاف التسمية، إلا أنه دل على أنه كان له اطلاع عظيم إلى الغاية، ولم يرض له بالسرقة من شاعر واحد، حتى يعد الجملة من الشعراء ذلك المعنى المسروق.
وكان في لسانه عجمة، ويقال له العاطس، وتوفي بعلة الفالج سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة.
قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن علي الصوري: حدثني أبو منصور الحلبي: كان ابن وكيع هذا سمسارا في بلده متأدبا ظريفا، سألني أن أخرج معه إلى توبة لنشرب، فخرجت معه، واستصحبت مغنيا يعرف بابن ديار رطوب، وألقى إليه أن لا يغني إلا بشعره، فغنى:
لو كان كل عليل | يزداد مثلك حسنا |
لكان كل عليل | يود لو كان مضنى |
يا أكمل الناس حسنا | صل أكمل الناس حزنا |
غيبت عني ومالي | وجه به عنك أغنى |
فلو كان المريض يزيد حسنا | كما تزداد أنت على السقام |
لما عيد المريض إذا وعدت | شكايته من النعم العظام |
مسلم ما أنساك ما حييت | لو أشرب السلوان ما سليت |
قلت للمعرض الذي صد عني | دم على الهجر واجتهد في بعادك |
ناب طيف الخيال لي عنك بالو | صل فأغنى وداده عن ودادك |
قال ما زارك الخيال لبر | أنا أرسلته لطرد رقادك |
له مضحك برقه خاطف | عقول الرجال إذا ما ابتسم |
أقول له إذ بدا دره | شهيدا لناظمه بالحكم |
أرى الدر يثقبه الناظمون | وما ثقبوا ذا فكيف انتظم |
حاسبني الدهر على ما مضى | بدل فرحاتي بترحات |
فليته جازى بما نلته | لكنه أضعف مرات |
ونحر كأن الله للثم صاغه | وبعض نحور الناس يصلح للنحر |
إن كان قد بعد المزار فودنا | باق ونحن على النوى أحباب |
كم قاطع للوصل يؤمن وده | ومواصل بوداده يرتاب |
يا من غدا لي واضعا بقدوره | قدرا له فوق السماء قباب |
جاءت بأنواع النوى فمجابب | أدما وعار ما له جلباب |
وعلى النقير لتمرها أثر عفا | فهدى إليه الحائرين ذباب |
أرجيع ما لاك الحجاز بعثته | والرزق سد فما لديه باب |
أم خلت زجاجا أخاك ومصر من | شؤم النوى قفر الرحاب يباب |
وإذا تباعدت الجسوم فودنا | باق ونحن على النوى أحباب |
أبصره عاذلي عليه | ولم يكن قبلها رآه |
فقال لي لو هويت هذا | ما لامك الناس في هواه |
قل لي إلى من عدلت عنه | فليس أهل الهوى سواه |
فظل من حيث ليس يدري | يأمر بالحب من نهاه |
لو رأى وجه حبيبي عاذلي | لتفاصلنا على وجه مليح |
لقد قنعت همتي بالخمول | وصدت عن الرتب العاليه |
وما جهلت طعم طيب العلا | ولكنها تطلب العافيه |
ملا عن حبك القلب المشوق | فما يصبو إليك ولا يتوق |
جفاؤك كان عنك لنا عزاء | وقد يسلي عن الولد العقوق |
أما ترى أنجم الدياجي | تزهر في جوها النقي |
تحكي لنا لؤلؤا نثيرا | على بساط بنفسجي |
وقد شاكلت في أديم السما | نجوم الثريا للحظ المقل |
دنانير أعطتكها راحة | سواد الخضاب بها قد نصل |
ألا سقنيها والثريا كأنما | كواكبها في جوها غصن مشمش |
غدير تدرج أمواجه | هبوب الرياح ومر الصبا |
إذا الشمس من فوقه أشرقت | توهمته زردا مذهبا |
ألست ترى وشي الرياض المنمنما | وما رصع الربعي فيه ونظما |
وقد حكت الأرض السماء بنورها | فلم أدر في التشبيه أيهما السما |
فخضرتها كالجو في حسن لونه | ونوارها يحكي لعينيك أنجما |
وهز كتانه ذوائبه | ففيه جهد الصفات تقصير |
كأنه بسط سندس بهج | قد نثرت فوقه دنانير |
وطلع هتكنا عنه جيب قميصه | فيا حسنه من منظر حين هتكا |
حكى صدر خود من بني الروم هزها | سماع فشقت عنه ثوبا مفركا |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 12- ص: 0
ابن وكيع العلامة البليغ الشاعر، أبو محمد، الحسن بن علي بن أحمد بن القاضي محمد بن خلف، ابن وكيع الضبي البغدادي، ثم التنيسي، من فحول الشعراء.
وله ديوان، وكان يلقب بالعاطس، وهو القائل:
لقد شمت بقلبي | لا خفف الله عنه |
كم لمته في هواه | فقال: لا بد منه |
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 12- ص: 517