حسن بن عجلان حسن بن عجلان بن رميثة بن أبي نمى: شريف حسني، من أمراء مكة. ولد ونشأ فيها، وأقام بمصر فولاه صاحبها إمارة مكة سنة 798هـ. وجاءه التوقيع سنة 811هـ ، بنيابة السلطنة في جميع بلاد الحجاز، فاستمر مدة. وعزل وأعيد مرتين. ثم توجه سنة 828هـ ، إلى مصر للقاء السلطان برسباى، فتوفى فيها. وكان عالما فاضلا، يجتمع به نسب أشراف مكة مع نسب الأشراف ذوى حسن

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 198

حسن بن عجلان بن رميثة بن أبي نمى بن أبي سعد حسن بن علي بن قتادة الحسني المكي، يلقب بدر الدين:
أمير مكة ونائب السلطنة بالأقطار الحجازية. ولى إمرة مكة من غير شريك، أحد
عشرة سنة وتسعة أشهر وأياما يسيرة، وهي ستة أيام، ووليها سنة وسبعة أشهر، بتقديم السين، شريكا لابنه السيد بركات، وهو الساعى له في ذلك، وولى نيابة السلطنة سبع سنين إلا شهرا وأياما، وولى ابنه السيد أحمد عوضه نصف الإمرة الذي كان بيده، قبل أن يلى نيابة السلطنة.
وما ذكرناه في مدة ولايته لإمرة مكة، مستقلا وشريكا لولده بركات، هو باعتبار تاريخ الولاية بمصر، لا باعتبار وصول الخبر بذلك إلى مكة. وكذلك ما ذكرناه في مدة ولايته لنيابة السلطنة، هو باعتبار تاريخ الولاية والعزل، لا باعتبار بلوغ الخبر بهما إلى مكة فتكون ولايته على مكة أميرا ونائبا للسلطنة، عشرين سنة وثلاثة أشهر إلا أربعة أيام. وربما زاد ذلك أياما قليلة وبعض أيام قليلة. وسنوضح ذلك أكثر من هذا وغيره من خبره. وذلك أنه ولد في سنة خمس وسبعين وسبعمائة تقريبا، ونشأ في كفالة أخيه أحمد مع أخيه علي بن عجلان أمير مكة الآتي ذكره، حتى مات أحمد. ويقال: إن أحمد استولى على ذهب جيد تركه عجلان لابنيه حسن وعلى، ولأخ لهما شقيق لعلى، ولاءم المذكوران كبيشا بعد قتل محمد بن أحمد بن عجلان، ثم سافر حسن بعد الحج من سنة تسع وثمانين وسبعمائة إلى مصر، لتأييد أمر أخيه على في إمرة مكة، فإنه ولى إمرتها في أثناء سنة تسع وثمانين وسبعمائة، عوض عنان، وما تمكن من دخولها، ثم ولى نصف إمرتها شريكا لعنان بعد أن حضر إلى السلطان بمصر في النصف الأخير من رمضان من هذه السنة.
ووصل مع الحاج في هذه السنة، ودخل مكة في أول ذي الحجة بعد مفارقة عنان وأصحابه مكة، وعاد حسن إلى مكة، ومعه جماعة من الترك، لتأييد أخيه على، ثم حصل بين مقدمهم وبين حسن منافرة بالمروة. فقال المقدم - وأنا أسمع - لحسن: أنت صغير، فسمعت حسنا يقول له: إن كنت عندك صغيرا، فأنا عند الله كبير. فاستدللت بذلك على تيقظه.
وكان وصوله بهذا العسكر في ربيع الآخر أو جمادى الأولى من سنة تسعين وسبعمائة. وكان ملائما لأخيه على في غالب مدة ولايته، وأخوه مكرم له، وما ظهر بينهما منافرة فاحشة، إلا في وقتين، بان فيهما حسن عن على، وغزا في كلا الوقتين أخاه بمكة، فدخلها في المرة الأولى هجما في جماعة من أصحابه، وخرجوا منها من فورهم، وقتل بعضهم شخصا يقال له بحر. وذلك في أول سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة، والغزوة الأخرى في سنة سبع وتسعين وسبعمائة، في جمادى الآخرة منها.
وأقام بمن معه من الأشراف وغيرهم في الزاهر أياما، ثم رحلوا بغير قصد؛ لأن بعض أصحاب على أمر بعض أصحاب حسن بالرحيل، فرحل وتلاه الباقون. وسافر حسن بعد ذلك إلى مصر راجيا لإمرة مكة. فحضر عند الملك الظاهر صاحب مصر بالقلعة غير مرة، ثم اعتقل بقلعة الجبل في شهر رمضان من السنة المذكورة.
ووصل كتاب السلطان إلى على يخبره بذلك، ويأمره فيه بالعدل مع خلعة، فلبسها وقرأ الكتاب بالمسجد الحرام، في سلخ رمضان، وبعد جمعة استشهد على، وذلك في سابع شوال من السنة المذكورة. وبلغ قتله السلطان في تاسع ذي القعدة من السنة المذكورة، فأطلق حسنا، وولاه عوض أخيه إمرة مكة، وجعل إلى الأمير يلبغا السالمى تقليد حسن للإمرة. وكان يظن أنه يدرك الحج. فما قدر ذلك.
ووصل الخبر بولايته إلى مكة، في أثناء العشر الأخير من ذي القعدة. وقام بخدمة الحاج، أخوه محمد بن عجلان. وكان بالبلد من حين قتل على. ووقع في هذا الموسم فتنة في يوم التروية، نهبت فيها للحاج أموال كثيرة، وطمع الحرامية في الحجاج، فنهبوهم بطريق عرفة. وكان معظم النهب بالمأزمين، مأزمى عرفة، ويسميها أهل مكة المضيق، ورحل الحاج أجمع في هذه السنة، يوم النفر الأول، وما توجه السيد حسن من مصر إلا بعد وصول الحاج إليها بأيام نحو نصف شهر، وتوجه معه بجماعة من الترك، قيل إنهم مائة وثلاثون، وقيل سبعون، ومعه من الخيل تسعون - بتقديم التاء - وغير ذلك مما يحتاج إليه ويتجمل به. ولما انتهى إلى ينبع طالب أميرها وبير بن مخبار، بما أنعم به عليه السلطان عنده؛ لأن السلطان كان بعث قمحا للبيع إلى ينبع، فاستولى عليه وبير، ثم أنعم به السلطان على السيد حسن. فتوقف وبير في تسليم ذلك إليه، فأمر حسن غلمانه بلبس السلاح والتهيؤ للقتال.
فلما عرف ذلك وبير أرضاه بخمسة وثلاثين ألف درهم، ورحل عنه حسن إلى مكة، وأمر أخاه محمد وأصحابه بلقائه، فاجتمعوا قريبا من ثنية عسفان أو السويق.
وكان الأشراف لما سمعوا بإقبال حسن إلى مكة، وخروج محمد ومن معه منها للقائه، رحلوا من عسفان إلى غران إلى شق طريق الماشى، فطلب حسن الأشراف يوما وليلة، فلم يلحقهم لارتفاعهم في الحرار، وأمر علي بن كبيش، أن يخرج من مكة بجماعة من أهلها إلى خيف بنى شديد، ليقطعوا بها نخيلا للأشراف، ففعل ذلك، ثم أشير عليه بالإعراض عن ذلك، فترك وانتهى إلى بئر شميس وأقام بها عشرا، ثم دخل مكة في يوم
السبت الرابع والعشرين من ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، فلبس الخلعة، وقرئ عهده بالولاية وطاف بالبيت، وأقام بها إلى أثناء ليلة الأحد.
وخرج ومن معه إلى بئر شميس، ثم انتقل منها في النصف الثاني من جمادى الآخرة من السنة المذكورة، إلى العد، وكان الأشراف قد أقاموا به نحو خمسة وعشرين يوما بمعاونة الحميضات، ثم رحلوا منه إلى جهة اليمن، وأمر في النصف الثاني من رجب بقطع نخيل الفائجة والبريقة بخيف بنى شديد، وكلاهما لبعض الأشراف. وكانوا قد اجتمعوا بدريب بن أحمد بن عيسى صاحب حلى، وخوفهم من حسن في مرورهم عليه إلى وادى مر. فذكروا له أنه لا قدرة له عليهم. ووقع كلامه في قلوبهم؛ لأنهم لما قربوا من الموضع الذي حسن فيه مقيم، أرسلوا يطلبون الجيرة من بعض أصحابه في حال مرورهم، وأوهموا رسولهم أنهم لا يمرون حتى يعود عليهم بالخبر، وقصدوا بذلك أن يتثبط عنهم أصحاب حسن.
فلما كان الليل، مروا وأصحاب حسن لا يشعرون حتى انتهوا إلى الوادى. وتأثر لذلك حسن وأصحابه، وتحركوا للأخذ بثأر علي بن عجلان.
وكان محمد بن محمود ممن انتصب لذلك لحسن سياسته. فتكلم مع القواد في ذلك فأجابوه لما طلب، لظنهم أنه لا يتم ذلك على عادة بنى حسن في التثبط عن القتال بالجيرة في كل يوم، فيمل الطالب للقتال ويصالح المطلوب، فجاء القدر بخلاف ذلك؛ لأن الفريقين لما التقيا، وبادر الأشراف إلى الحرب، لاستخفافهم بالقواد. وكانوا عرفوا بمكان القواد العمرة، فحملوا عليهم حملة منكرة، زالت بها القواد عن أماكنهم، وكادوا ينهزمون، فعطف الحميضات والسيد حسن، وكان في القلب، ومن جمع لهذا الحرب، على الأشراف فانكسروا، وقتل من سراة الأشراف سبعة، ومن أتباعهم نحو ثلاثين، وما قتل من أصحاب حسن فيما قيل غير مملوك وعبد.
وكان معه ألف رجل ومائتا رجل من الترك والعبيد والمولدين، وأهل مكة والأعراب، وأجار على حلة الأشراف من النهب فسلمت، وقصدوا جهة الهدة، وأقام بالجديد، حتى أتى الموسم.
واستفحل أمره بعد هذه الوقعة. وكانت بمكان يقال له الزبارة، بوادى مر، قريبا من أبي عروة، في الرابع والعشرين من شوال من السنة المذكورة. وقيل في هذا التاريخ في شهر رمضان، وما أتى إلى جدة في هذه السنة من تجار اليمن غير قليل، ومضى أكثرهم إلى ينبع.
وكان مقدمهم القاضي وجيه الدين عبد الرحمن بن القاضي نور الدين علي بن يحيى ابن جميع؛ لأنهم أتوا إلى جدة أيام الحرب المذكور، فعدلوا عنها إلى ينبع.
ولما عادوا منها في سنة تسع وتسعين وسبعمائة، تعرض لهم السيد حسن، لأخذ الجبا منهم، فراضوه في ذلك بعد أن أسقط عنهم الثلث منه، وذبح بعض غلمانه رجلا يقال له محمد بن جماز، ويعرف بابن أبي داعس، من غلمان الأشراف، لتحسينه لابن جميع المرور على جدة. والذي حمله على ذلك، أن نفسه لم تطب بأن يحصل لحسن نفع من التجار. وكان جماعة من التجار واصلين من اليمن لقصد ينبع. فلما سمعوا بذبح المذكور، وبإسقاط حسن لثلث الجبا عمن تقدم، دخلوا إلى جدة، وعنى حسن بحفظ الواصلين إليه من اليمن في توجههم إلى مكة، وفي عودهم منها إلى جدة، فعادوا حامدين له، ونال منهم نفعا جيدا تجمل به حاله.
وما زال يزداد جمالا في حاله، وهيبته تعظم في القلوب؛ لأن صاحب مصر بعث إليه بخلعتين في هذه السنة، وذهب، لشكره له على قتل أعدائه. ووصل ذلك إليه على طريق سواكن، لخوف قصاده من صاحب ينبع. وكان وصول ذلك إليه في آخر جمادى الآخرة من سنة تسع وتسعين وسبعمائة.
وفيها قبل ذلك في ربيع الآخر، غزا بعض بنى شعبة، فأخذ منهم ثلاثمائة بعير وغير ذلك.
وفيها أخرج الأشراف من جدة، وكانوا نزلوها في شهر رجب بمعونة القواد والحميضات، لغضبهم على حسن، واستمالهم بالإحسان، حتى ساعده على إخراجهم من جدة وتبعهم إلى عسفان، فهربوا إلى خليص، فتبعهم فهربوا أيضا، فرجع عنهم وتوصلوا بغير حريم إلى الخيف، فأجارهم بعض القواد إلى انقضاء السنة، وسكنوا الخيف وما جسروا على فعل ما يخالف هواه، إلى ذي القعدة من السنة المذكورة، وفيها قصدوا نخلة، وتكلموا مع أهلها في أن يمكنوهم من إنزال أهلهم بنخلة.
وكان الذي حركهم على ذلك الطمع في التجار الواصلين إلى جدة في هذه السنة. وكان الواصل منهم كثيرا في هذه السنة. وبلغ الشريف خبرهم، فأشار إلى هذيل بأن لا يجيبوا الأشراف لقصدهم، وأحسن لهذيل بشيء من المال، والتزم للأشراف بخمسين ألف درهم، على أن لا يخالف عليهم ولا يخالفون عليه، إلى انقضاء السنة، وانقضاء شهر المحرم بعدها، وضمن عليه وعليهم جماعة من بنى حسن.
وقدم التجار إلى مكة، وسافروا منها في المحرم من سنة ثمانمائة في قافلتين، كل قافلة أزيد من ألف جمل. وصحبهم السيد حسن في مسيرهم إلى جدة، وحاطهم بالحراسة حتى ركبوا إلى بلادهم، وأعطى الأشراف ما التزم لهم به، وصالحهم في ربيع الأول فيما أحسب، من سنة ثمانمائة إلى انقضاء سنة ثمانمائة، والتزم لهم على ذلك تسعين ألف درهم.
فلما كان قبل يوم التروية بليلة أو ليلتين، توجه حسن بأمراء الحاج كلهم، وجماعة من الترك والمغاربة، إلى وادى مر، لقصد الأشراف بسبب سوء بلغه عنهم، فيما قيل، فانهزموا إلى الهدة، وما ظفروا إلا بأحمد بن فياض بن أبي سويد، فقتل. وعادوا إلى مكة.
وفى آخر سنة ثمانمائة قبيل الموسم، كحل بعض غلمان ذوى عمر، لتنجيله بعض الجلاب قبل بلوغها ساحل جدة. وحصل من ذلك رعب في قلوب بنى حسن، وما جسر أحد على أن ينجل قبل جدة، إلا في الوقت الذي أذن فيه حسن، وهو هلال ذي الحجة، وما قرب منه بأيام يسيرة.
وفى هذه السنة، حج من اليمن في البر ناس كثير، مع محمل أنفذه الملك الأشرف صاحب اليمن، وعليهم أمير من جهته، وعضدهم محمد بن عجلان أخو حسن. وكان قدم اليمن في هذه السنة، وناله بر طائل من الأشراف، وأصاب الحجاج هؤلاء في إقبالهم إلى مكة بالقرب منها، عطش عظيم هلك فيه فيما قيل ألف نفس، وتوجه المحمل ومن معه، وفي خدمته السيد محمد لليمن، في ثاني عشرى ذي الحجة من السنة المذكورة. وكان قد انقطع المحمل من اليمن من سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة.
وفى سنة إحدى وثمانمائة، تغير القواد الحميضات عليه، لطمعهم فيما حصله من الخيل والدروع، وما ظفروا منه بقصد؛ لأنه لما ظهر له ذلك منهم، وصل إليه في جمادى الآخرة من السنة المذكورة ثلاثة نجابة. وأخبروا أن الأمير بيسق أمير الحاج في سنة تسع وتسعين وسبعمائة، وصل إلى مكة في جماعة من الترك، وأنه يتوجه في سنة إحدى وثمانمائة. ووصل إليه مع النجابة المخبرين بذلك، خلعتان من قبل السلطان، فلبسهما وقرئ كتاب السلطان بالمسجد الحرام، فتخوف الحميضات منه، ومن الترك الواصلين
إلى مكة. وسافروا إلى الشرق قبل وصول الخبر بدنو الترك من مكة بيوم. وذلك في أول العشر الأخير من شعبان.
وفى ثالث عشرى شعبان، وصل الأمير بيسق ومعه خمسون فرسا ومائة مملوك وغيرهم من الفقهاء وغيرهم لقصد العمرة والحج. وكان شميلة بن محمد بن حازم، أحد أعيان الأشراف، لاقى الأمير بالطريق. فخلع عليه وأعطاه دراهم، وحمل دقيق وحلوى، وأمره أن يأتيه بأصحابه، ليصلح بينهم وبين السيد حسن، فأجابه إلى ذلك، وبعد مفارقته له، قصد الأمير حلة الأشراف، وكانوا قريبا منه بأم الدمن، فما وجد لهم أثرا، لفرارهم قبل وصول إلى حلتهم.
وكان السيد حسن، قد لقى الأمير بقاع بن غزى، ووصل إلى مكة بعد وصوله، وخلع عليه وعلى محمد بن محمود، وعلي بن كبيش، ومكن حسن أهل مكة من لبس السلاح. وكان الأمير قد منعهم من ذلك. ونقص سعر الذهب عما قرره الأمير في قيمته، لشكوى الناس إليه ذلك. وكان منع من الدعاء لصاحب اليمن بعد المغرب على زمزم، فنهاه السيد حسن عن ذلك، ومكن من الدعاء لصاحب اليمن على العادة.
وفى شهر رمضان من هذه السنة، غزا حسن عربا يقال لهم البقوم، فغنم منهم مائتى ناقة وبقرا وغنما. وعاد بذلك، وكان البقر والغنم قد وكل بحفظه إلى بعض غلمان ممن ليس فيه كبير قوة، فاستنقذ ذلك منهم المنهوبون، وقتلوا من غلمانه جار الله بن أبي سليمان، وتركيا، وفاتتهم الإبل.
وفى أول شوال منها، توجه إلى وادي الطائف؛ لأن الحمدة أهل الجبل حشموه في جيرته أهل الطائف، وهو مكان مخصوص من وادى الطائف، فاسترضاه الحمدة بثمانين ألف درهم، وخلى عن جرمهم، ونال مثل ذلك من بنى موسى أهل لية، وهو مكان مشهور بقرب وادى الطائف، واستدعى آل بني النمر للحضور إليه فتوقفوا. فبذل له الحمدة أربعين ألفا على أن يسير معهم إلى آل بنى النمر، فسار معهم، وهدم حصن آل بنى النمر، وحصل فيه نهب كثير، وقتل بعضهم، وقتل من جماعته مملو كان، وعاد إلى مكة في سادس شوال، ومعه أزيد من عشرين فرسا، فأهدى منها للأمير أربعا، ثم راح إلى الوادي.
وفى ليلة ثاني عشر شوال، استدعى إليه من في خدمة الأمير من الترك، ومن بمكة من غلمانه من العبيد والمولدين، فذهبوا إليه إلى الوادى، ومضوا معه إلى الخيف، فقطعوا فيه ثمر نخيل ذوى راجح، وقطعوا بالبرقة نخيلا لبنى أبي سويد، وقطعوا في الروضة الخضراء، نخيلا للأشراف؛ لأنهم دخلوا على الحميضات بعد عودهم من الشرق. وحصل بينهم حميل، فأدبهم السيد حسن بذلك ومضى الأشراف إلى ساية .
فلما توجه الحاج من مكة في سنة إحدى وثمانمائة، بلغ الشريف حسنا أن القواد وغيرهم، طمعوا في أهل اليمن، فخرج في صحبتهم إلى جدة، ومعه الأمير بيسق في آخر ذي الحجة. وعاد إلى مكة بعد سفر اليمنة من جدة سالمين.
وفي أول شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانمائة، توجه إلى الشرق، وأخذ من الطائف ولية القطعة التي قررها عليهم، وعاد إلى مكة في الخامس من ربيع الآخر، وفيها اصطلح هو والأشراف آل أبي نمى مدة سنة، وصاروا يدخلون مكة برفقة وبغير رفقة. وأظن ذلك اتفق بعد عوده من الشرق. والله أعلم.
وفى آخر جمادى الأولى منها، وصل إليه خلعة من صاحب مصر، فلبسها.
وفى هذه السنة حصل له من التجار الواصلين من اليمن، نفع أزيد من العادة بكثير، لكثرة من وصل منهم في هذه السنة. وكانت مراكبهم تزيد على العشرة غير الجلاب، ووصلوا جدة في آخر رمضان، ومكة في شوال.
وفى سنة ثلاث وثمانمائة في ثاني صفر، توجه إلى المدينة النبوية زائرا لجده المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، على طريق الماشي، في مائتي راحلة ومائة جمل وستين فرسا وثلاثمائة رجل، وعاد إلى مكة في عاشر ربيع الأول.
وفيها ندب إلى مصر القائد سعد الدين جبروه، بهدية ولشراء مماليك ترك وغير ذلك من مصالحه، فوصل إليه في الموسم من هذه السنة بجماعة من الترك.
وفيها في ثاني شعبان توجه إلى الشرق، وأخذ من أهل الطائف ولية القطعة التي قررها عليهم.
وفيها وقف رباطه الذي أنشأ عمارته، وهو بالقرب من مدرسته، وما عرفت هذه المنقبة لغيره من أمراء مكة الأشراف.
وفى سنة أربع وثمانمائة في صفر، توجه إلى حلى؛ لأن كنانة استدعوه إليها عقيب فتنة، كانت بينهم وبين دريب بن أحمد بن عيسى صاحب حلى وجماعته.
وفيه قتل دريب في يوم عرفة من سنة ثلاث وثمانمائة. وكان الأشراف آل أبي نمى في خدمته، ومن انضم إليه من زبيد. وكان في خدمته حين توجه إلى حلى القواد العمرة والحميضات. وما مر في طريقه بأحد فيه قوة إلا وأمره بالمسير في خدمته بالظعن.
وكان قد سار إليها بذلك. ولما دنا من حلى، خضع له موسى بن أحمد بن عيسى أخو دريب. وكان قد قام مقام أخيه؛ لأنه كان شريكه في حال حياته في ولاية حلى، ولكن السمعة لدريب. فلاطف موسى حسنا، وأجاب إلى ما طلب حسن من الدروع والخيل والإبل وغير ذلك، وشرط على حسن أن لا ينزل الموضع المعروف بحلى، وأن يقصر دونه، فما تم له قصد؛ لأن حسنا نزل المكان المذكور، وأقام به أياما.
وشق ذلك على بعض من كان في خدمتة من القواد العمرة والحميضات، لالتزامهم لموسى عن حسن أنه لا يدخل حلى.
وبلغني أنه لما انتهى إلى حلى، عبأ من معه في عدة صفوف، وأن موسى أقبل إليه راجلا يشق الصفوف، وهي تفرج له، حتى انتهى إلى حسن وهو راكب. وعاد حسن بعد ذلك بأيام إلى مكة، فانتهى إلى موضع بالقرب منها يقال له الأطوى، في شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة، ثم دخل مكة بعد أيام من وصوله إلى الأطوى، وخلع عليه الأمير بيسق يوم دخوله إلى مكة، واحتفل بلقائه؛ لأنه لما توجه لحلى استنابه في الحكم بمكة، ثم نقم عليه حسن بعض أوامره بمكة؛ لأن بيسقا منع من الدعاء لصاحب اليمن على زمزم بعد المغرب. فأمر السيد حسن بالدعاء له. فأرسل مرسومين من صاحب مصر، في أحدهما أن لا يمنع الدعاء بمكة لسلطان اليمن. وفي الآخر، أن ليس لأحد من الأمراء الواصلين من مصر، في أوساط السنة على صاحب مكة السيد حسن يد ولا حكم، بل يعضدونه ويقوون كلمته ويعلون شأنه، وإن لم يسمع الأمير، وخالف وطلبكم القتال قاتلوه.
وقرئ هذان المرسومان خلف المقام بحضرة قاضي مكة عز الدين النويري، وجماعة من أهل الحرم، في سلخ جمادى الأولى أو مستهل جمادى الثانية. ولم يكن الأمير بيسق - إذ ذاك - بمكة؛ لأنه توجه من مكة بقصد مصر وقت العصر، من اليوم التاسع والعشرين من جمادى الأولى.
وفى الليلة التي تلى هذا اليوم بعد المغرب، كان وصول أمر السيد حسن إلى مكة بالدعاء لصاحب اليمن مع قاصد من جهته، ومعه المرسومان، ثم تنافرا بعد ذلك؛ لأن الأمير بيسق، كان كتب شفاعات لنفسه، وذكر فيها أنه أزال من مكة المنكر. فأخذ ذلك منه السيد حسن، وأخذ منه قفل باب الكعبة ومفتاحه.
وكان الأمير بيسق لما أخذ ذلك، عمل قفلا ومفتاحا عوض ذلك، وركبه في باب الكعبة، وقت العصر من اليوم الثاني والعشرين من جمادى الأولى، وأعيد القفل القديم إلى الكعبة، وكان أمر بسد الشبابيك التي بالجانب الغربى، فأذن حسن في فتحها، وكان أمر بنقل السوق من المسعي إلى سوق الليل، فأمر حسن بإعادته إلى المسعي، وكان نقله إلى سوق الليل، في أول ربيع الآخر، وعوده إلى المسعي في عاشر جمادى الآخرة، واتفق أن عوده كان بحضوره؛ لأنه كان عاد إلى مكة في ليلة رابع جمادى الآخرة، بعد أن بلغ كلية، ثم سافر منها في ليلة الثامن والعشرين من جمادى الآخرة إلى مصر، وهو واجد على أهل مكة، وكانوا نقموا عليه إهانته لكثير منهم؛ لأنه رسم على القاضي الشافعي بمكة بغير موجب، وضرب بعض فقهاء الحرم وفراشيه وغيرهم من أهل مكة.
ومما حمد عليه أمره لبوابى المسجد الحرم، بملازمة أبوابه وتنظيف الطرقات من الأوساخ والقمائم، ونقل الكدى التي كانت بسوق الليل والمعلاة، وأن لا يحمل السلاح بمكة، وإخراج بنات الخطا والمخنثين وغيرهم من أهل الفساد من مكة.
وكان سبب إقامته بمكة، توليه لأمر عمارة المسجد الحرام؛ لأن في آخر شوال سنة اثنتين وثمانمائة، احترق منه الجانب الغربى، وبعض الجانب الشمالى، فقدم المذكور إلى مكة في موسم سنة ثلاث وثمانمائة، وأقام بها لأجل ذلك إلى التاريخ السابق. ووكل بباقي العمارة جماعة من غلمانه. وقد أوضحنا في كتابنا «شفاء الغرام» ومختصراته، خبر هذه العمارة وسببها أكثر من هذا.
وفى أول رجب من هذه السنة، وصل بعض الأشراف آل أبي نمى، وهم شميلة بن محمد بن حازم، وعلي بن سويد، وابن أخيه، إلى حسن، وسألوه في الصلح، فأجابهم إلى ذلك مدة سنة، ولم يذكر لهم أن القواد العمرة يدخلون معه في الصلح، ولما سمع بذلك القواد العمرة، شق ذلك عليهم. فذكر لهم أنه لم يدخلهم معه في الصلح، وإنما صالحهم عن نفسه وجماعته، فرضوا منه بذلك، وغم بذلك الأشراف، فتجهزوا ورجعوا إلى أهلهم بحلى أو قربها.
وفيها في أول شعبان، وصل إليه موسى صاحب حلى، فأعطاه ألف مثقال وعشرة أفراس، وأظنه جاء إليه مستنصرا به على كنانة؛ لأنهم في جمادى الأولى، دخلوا حلى بالسيف ونهبوها، وهرب هو إلى آل أبي نمى إلى الطالعي.
وفيها في صفر، حصل له خمسة وستون ألف مثقال وأزيد، فيما قيل، من القاضي شهاب الدين أحمد بن القاضي برهان الدين المحلى، وجماعة من تجار الكارم؛ لأن المركب الذي كانوا فيه انصلح بقرب مكة، فأعطوه هذا المقدار، عوضا عن الربع الذي يأخذه ولاة البلاد، فيما ينصلح في بلادهم من الجلاب.
ولما بلغ ذلك القاضي برهان الدين المحلى اشتد غضبه عليه، وسعي في إرسال شخص من خواص السلطان بمصر، يطالبه بذلك، فوصل إليه في آخر رجب، وبلغ رسالته، فاعتذر بتفرق ذلك من يده. ووعد بالخلاص وماطل فيه.
وفي ليلة رابع عشر شوال منها، وصل إليه نجابه أحمد بن خليل الفراء، بخلعة وكتاب من صاحب مصر، فلبس الخلعة، وقرأ الكتاب بالمسجد الحرام، في رابع عشر شوال. ومما في الكتاب الوصية بالرعية، ولما دنا الموسم من السنة التي جرى فيها ذلك، تخوف حسن من لقائه الحاج المصري، لكثرة من فيه من الترك، فإنهم كانوا نحو مائتي نفر فيما قيل. وكانت خيلهم قليلة، وما خرج إليهم إلا بجمع كثير جدا، فهالهم ذلك، وخلعوا عليه على العادة.
ودخل مكة وخدم الحاج. وكان المحلى قد غلب على ظنه، أن حسنا لا يعيد إليه شيئا من ذلك. فسعي في إحضار عنان بن مغامس بن رميثة إلى مصر، فحضر إليها من الإسكندرية. وكان معتقلا بها، ونوه له المحلى بولاية مكة، فاخترمت المنية عنانا قبل ذلك. ووصل نعيه إلى مكة في آخر ربيع الآخر من سنة خمس وثمانمائة، وكانت وفاته في أول الشهر الذي قبله.
وفى خامس عشر جمادى الآخرة سنة خمس وثمانمائة، وصل من مصر خلعة للسيد حسن مع نجابه أحمد بن خليل، ولبسها يوم السبت سادس عشر الشهر المذكور بالمسجد الحرام.
وفي آخر الشهر، وصل خادم من جهة السلطان، يقال له بلبل العلائي، مشد الحوش، وخلع على السيد حسن خلعة، وكان مقيما بعرفة في هذا التاريخ وقبله بمدة.
وفي هذه السنة، أرضى المحلى بعشرة آلاف مثقال، التزم له بها ووعد بخلاصها في الموسم.
وفي هذه السنة أمر السيد حسن غلمانه بالاستيلاء على غلال أموال الأشراف آل أبي نمى.
وفي سنة ست وثمانمائة، قصده جماعة منهم لاستعطافه، وما شعر بهم إلا عند منزله. فعطف عليهم.
وفي سنة ست وثمانمائة، استخدم بجدة الفقيه جابر بن عبد الله الحراشي، وفوض إليه الأمر في جميع ما يصل إليها من جهة الشام واليمن. فنهض بخدمته نهوضا لم ينهض بمثله أحد من خدامه فيما مضى، وعمر الحراشى الموضع الذي يقال له الفرضة بجدة، ليحاكى به فرضة عدن، وقرر لبنى حسن الرسوم التي يتناولونها الآن، وجعلها لهم في ثلاث حلات، وأبطل رسومهم السابقة. وكانت تؤخذ من التاجر مع الجبا. فلم تجعل لهم على التجار سبيل، فأراح التجار من مطالبتهم.
وفي سنة ست وثمانمائة فيما أظنه، بعث حسن رتبة إلى حلى، مقدمهم علي بن كبيش، فاستغفلهم بعض جماعة موسى صاحب حلى. وفتكوا في أصحاب حسن بالقتل وغيره.
وفي سنة ست أو في سنة سبع وثمانمائة، توجه الحراشي إلى حلى، وبنى فيها مكانا يتحصن فيه أصحاب حسن ومن انضم إليهم، وحفر حوله خندقا.
وفي سنة ست وثمانمائة، أتى الخبر إلى حسن بوفاة القاضي برهان الدين المحلى، فاستراح من طلبه.
وفي آخرها توفى ابنه القاضي شهاب الدين أحمد بن المحلى بمكة، في آخر ذي القعدة، وبين وفاتيهما تسعة أشهر أو نحوها. فنال من تركة الولد أشياء طائلة. ووجد في ديوان ابن المحلى، أن الذي صار للسيد حسن من زكائبه ألف وأربعمائة زكيبة.
وفي سنة سبع وثمانمائة، أتاه طالب بمال المحلى فماطل.
وفيها شفع إليه الملك الناصر أحمد بن إسماعيل صاحب اليمن، في تركه التشويش على موسى صاحب حلى، فما أبعده، وحثه على الموافقة أديب العصر، القاضي شرف الدين إسماعيل بن المقري اليمنى بقصيدة مدحه فيها أولها [من الكامل]:

ومنها:
وفي أوائل سنة ثمان وثمانمائة، ورد عليه كتاب الملك الناصر صاحب مصر، يخبره فيه بهزيمته لأعدائه بالسعيدية، ورجوعه إلى كرسى مملكته بقلعة الجبل بمصر، والذي وصل إليه بذلك بعض جماعة الأمير إينال باى، المعروف بابن قشماس. وكان إليه تدبير المملكة بمصر، راجيا للبر من السيد حسن، فما خيب أمله، وأمر بقراءة ختمة وبالدعاء عقيبها للملك الناصر. وكتب بذلك محضرا، أنفذ مع حامل كتابه.
وفي ثاني ربيع الآخر، وصل إليه من صاحب مصر، خلعة مع خلعة القاضي جمال الدين بن ظهيرة بولاية قضاء مكة، فلبس كل منهما خلعته.
وفي آخر هذه السنة، ذهب إلى الشرق، ثم إلى لية، وحارب بعض أهلها، واستولى على بعض حصون من حاربه.
وفي هذه السنة، أمر بهدم بيتى حسب الله بن سليمان بن راشد، والخان المعروف به وغيره؛ لأن شخصا يقال له سلمان، شكا إليه من ابن راشد، وبعد أيام قتل سلمان غيلة، فاتهم بقتله بعض أصحاب ابن راشد، وما استطاع ابن راشد أن يتظاهر بمكة، حتى أذن له في ذلك السيد حسن بعد سنتين، مع كونه صهرا لبعض أعيان القواد العمرة.
وفي سنة تسع وثمانمائة، تغير السيد حسن على الخراشى، لخبث لسانه وامتنانه عليه بالخدمة. فقبض عليه في رمضان، وبعثه إلى مكة وسجنه بها إلى الموسم، ثم أطلقه بشفاعة الإمام صاحب صنعاء باليمن، وكان قد استقصى أمواله، فمن عليه بشيء منها عند إطلاقه.
وفي سنة تسع وثمانمائة، سأله التجار الذين بمراكب الكارم، أن ينجلوا بجدة لخراب مراكبهم، فأجاب سؤالهم، ووافقوه على تسليم ما شرطه عليهم، وقيل إن الذي حصل له من التجار ومن الحراشى، نحو أربعين ألف مثقال.
وفي سنة تسع وثمانمائة أيضا، سعي لابنه السيد بركات في أن يكون شريكه في إمرة
مكة، فأجيب سؤاله. ووصل لابنه تقليد مؤرخ بشعبان سنة تسع وثمانمائة. وأكبر ظني أنه في النصف الثاني من شعبان سنة عشر وثمانمائة. وذهب إلى الشرق في زمن الصيف، ثم عاد إلى مكة.
وفي هذه السنة، قدم المدينة زائرا من الشرق في جمع كثير، فخاف منه أهل المدينة. وتزوج ببعض أقارب أميرها جماز بن هبة.
وفيها أيضا حمل إلى القاضي الشافعي بمكة جمال الدين بن ظهيرة ثلاثين ألف درهم، عوضا عن مال كان أخذه ليقيم تحت حجر الحكم العزيز بمكة. واستحسن الناس منه تخليص ذمته.
وفيها وقف دارين بمكة صارتا إليه بالشراء، من ورثة العماد عيسى بن الهليس.
وفيها تشوش لانقطاع أخبار مصر عنه. فبعث القاضي أبا البركات بن أبي السعود ابن ظهيرة يتعرف له الخبر، ويسد ما لعله يجد من خلل. ووكله فيما له من الرسم بمصر، وأمره أن لا يظهر وكالته عنه، إن كان وكيله القاضي نور الدين بن الجلال الطنبدى غير متوار؛ فخالف ما أمره به في أمر الوكالة، وما وجد عليه خللا؛ لأن صاحب مصر كان بعث إليه تشريفا وكتابا يتضمن دوام ولايته مع أمير من جهته، ووصل ذلك إليه في رمضان من هذه السنة، قبل وصول قاصده المذكور إلى مصر.
وفى رمضان من هذه السنة. وصل إليه الشريفان: وبير ومقبل ابنا مخبار أميرا ينبع، مواليين له، فأقبل عليهما. وكان بينه وبينهما وحشة، فزالت. وحلفا له وحلف لهما على التناصر. وأحسن إليهما بمال جيد.
وفي رمضان من هذه السنة، وقف عدة وجاب بالهنية والعقيق، والفتيح، والريان، بعضها على رباطه، وبعضها على رباط ربيع، وبعضها على رباط الموفق، وبعضها على رباط العز، ورباط العباس، وبعضها على الأشراف من أقاربه.
وفيها وصل إليه هدية طائلة من صاحب بنجالة، السلطان غياث الدين أعظم شاه، ووزيره خان جهان على يد الناخوذا محمود، ووصلت معه صدقة من السلطان المذكور لأهل الحرمين، وخلع لقضاة الحرم وأئمته وغيرهم من أهله.
وفيها وصل إليه هدية من صاحب كنبايه، وكتاب يخبره فيه، بأنه أنهى إلينا أن الناس في يوم الجمعة، لا يجدون ما يستظلون به عند سماع الخطبة بالمسجد الحرام، وأن بعض
الناس، وسمى جماعة، منهم الشيخ موسى - يعنى المناوى - استحسنوا أن يكون هناك ما يستظل به الناس، وإنا أرسلنا بخيام يستظل فيها الناس، فأمر بنصب الخيام، فنصبت حول المطاف مدة قليلة، ثم صارت إليه. وكان في نصبها ضرر لما يحصل للناس من العثار في حبالها. وكان نصبها بعد سفر الحاج المصري من مكة.
وفي هذه السنة أيضا، مكن المصريين من القبض على أمير الحاج الشامي، بسؤالهم له في ذلك. وصورة ما فعل، أنه أتى إلى أمير الشامي، في جماعة من أصحابه. وهو عند مقام الخليل لصلاة الطواف، في نفر قليل جدا. فقال له: تذهب تسلم على أمير الحاج المصري. فقال له: في غير هذا الوقت، فما مكنه حسن من ذلك، ومضى به إلى أمير الحج المصري، فقيد.
وفي سنة إحدى عشرة وثمانمائة في المحرم. ندب القائد سعد الدين جبروه إلى مصر بهدية طائلة، ليسعي له في أن يكون ولده السيد أحمد شريكا لأخيه بركات في إمرة مكة. فأجيب إلى ذلك. وولى حسن نيابة السلطنة بالأقطار الحجازية، وذلك في العشر الوسط من ربيع الأول سنة إحدى عشرة. ووصل إليه رسوله بغتة في النصف الثاني من ربيع الثاني من السنة المذكورة، ووصل معه خلعة للمذكور، وخلعتان لولديه، وكتاب من السلطان يشهد بولايتهم لما ذكر.
وفي آخر ربيع الآخر منها: ولى إمرة المدينة لعجلان بن نعير بن جماز بن منصور، عوض أخيه ثابت بن نعير. وكان قد عاد لإمرة المدينة. وعزل عنها جماز، وما وصلت ولايته إلا بعد موته، وبعث حسن إلى جماز يعلمه بعزله، وينهاه عن التعرض لما في حاصل الحرم، فكان ذلك سبب إغرائه؛ لأنه نهب ما في حاصل الحرم. وخرج من المدينة قبل أن يصل إليها عجلان، وكان حسن أمره بالمضى إليها، فمضى على طريق الشرق، ليضم إليه جماعته، ويسير بهم إلى المدينة، وبعث حسن ابنه أحمد في جماعة من بنى حسن إلى المدينة على طريق الجادة، فوصلوها بعد خروج جماز منه.
ولما دخل عجلان إلى المدينة، صار الخطيب بها يدعو للسيد حسن على المنبر في الخطبة قبل عجلان وبعد السلطان. واستمر له الدعاء في الخطبة وبعد المغرب على سدة المؤذنين، إلى أن زالت ولاية عجلان، في وقت وصول الحاج الشامي للمدينة، في النصف الثاني من ذي القعدة في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة.
وفى سنة إحدى عشرة وثمانمائة، نزل السيد حسن بعرفة مدة، ثم مضى إلى جهة اليمن، حتى بلغ مكانا يقال له البديح.
وفي آخر هذه السنة، أخذ من العفيف عبد الله بن أحمد الهبى خمسة آلاف مثقال على ما قيل، عوضا عن بيت شعر بعثه لصاحب اليمن، لما طلب ذلك منه صاحب اليمن. وما كان عوضه عن ذلك؟ .
وفى سنة إحدى عشرة، عمر دورا عدة في المكان المعروف بدار عيسى، وكان المتولى لأمر عمارتها الحراشى، وكانت قبل عمارتها براحا متسعا مملوءا بالأوساخ، حتى صار كالمزبلة.
وفي سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، وصل الخبر إلى مكة، بأن صاحب اليمن أمر بحبس الجلاب عن مكة غضبا على حسن، بسبب ما أخذه من سفيره العفيف عبد الله الهبى. فشق ذلك على السيد حسن، فأغراه الحراشى بغزو اليمن، وقال له: أنا أقوم بجهازك، وأجمع لك الرجال من اليمن. فتحرك لذلك، ثم أشير عليه بالملاطفة، فمال إليها، وبعث الشبيكى إلى اليمن رسولا يعتذر، ويلتزم عنه بما يطيب الخاطر، وهدية للترك، فقبل ذلك السلطان، وأذن للناس في السفر فقدموا. ولكن دون العادة.
وفي هذه السنة، وصل إليه خلعة من صاحب مصر، فلبسها في شعبان.
وفيها تغير صاحب مصر على السيد حسن، فرسم بالقبض عليه وعلى ابنيه، وعزلهم والاحتفاظ بهم، وأسر ذلك إلى أمير الحاج المصري الأمير بيسق، فاستعد لحرب المذكور، وحصل مدافعا وسلاحا كثيرا، ثم سعي عند السلطان في تقرير المذكورين في ولايتهم، على أن يخدمه السيد حسن بما يليق بمقامه. فأجاب إلى ذلك، وبعث إليهم بالعهد والخلع مع خادمه الخاص فيروز الساقى.
وكتب إلى أمير الحاج المذكور بالكف عن محاربتهم، وكان قد أعلن بينبع أنه يريد حرب حسن، وكان حسن قد استعد لحربه لما بلغه الخبر في عاشر ذي القعدة، وما انقضى شهر ذي القعدة إلا وعنده - فيما بلغني - نحو ستمائة فرس وأربعة آلاف من الأعراب، غير بنى حسن والمولدين والعبيد. وبينما الناس في كرب لهذا الحال، أتاهم من اللطف ما لم يخطر لهم ببال، وذلك أنه وصل من أخبر بوصول فيروز، وما معه من العهد والخلع للمذكورين.
وما كان غير قليل، حتى وصل فيروز فألبس المذكورين الخلع السلطانية، وقرئ عهدهم بالولاية، وسعي عند السيد حسن لأمير الحاج في دخول مكة والإغضاء عنه، فأجاب سؤاله على أن يسلم أمير الحاج ما معه من السلاح، فأجاب إلى ذلك أمير الحاج، على أن يعاد إليه سلاحه عند سفره.
فأمضى له شرطه ودخل مكة، واجتمع بالسيد حسن بمنزله بأجياد فأحسن ملاقاته، ولم يجتمعا بعد ذلك، وسلم إليه سلاحه عند سفره من منى.
وما حج السيد حسن ولا غالب عسكره في هذه السنة، وحج قليل من أهل مكة خائفين، وذهب للناس أموال كثيرة وجرحوا، ولولا كف السيد حسن أصحابه عن إذاية الحجيج لكثر عليهم العويل والضجيج.
وتأخر فيروز عن الحجاج بمكة، لقبض ما التزم به السيد حسن من الخدمة. وذلك ألف زكيبة للسلطان غير ما لفيروز، ومضى بعد أيام إلى جدة، فشحنت الزكائب بحضوره، ووصلت سالمة إلى الطور، ثم إلى مصر. ويقال إنها بيعت فيها بخمسين ألف مثقال.
وفي سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، ودى السيد حسن الإمام أبا الخير بن الشيخ أبي اليمن الطبري من عنده، وسلم الدية دراهم إلى ورثته وإخوته؛ لأن بعض مماليكه - فيما قيل - طعن أبا الخير ليلا، وهو لا يشعر به لظنه حراميا، فمات لوقته.
وكان قتله في صفر، وتسليم ديته في ربيع الأول في سنة ثلاث عشرة.
وفيها في ربيع الآخر، وصل إليه تشريف من صاحب مصر، فلبسه في العشرين من الشهر المذكور.
وكان جهز إليه مع نجابه أحمد بن خليل، فقتل في الطريق. ووصل إليه ذلك مع بعض رفقته.
وفيها وصل له من صاحب بنجالة السلطان غياث الدين هدية طائلة، ومن وزيره خان جهان. ووصل إليه كتاب السلطان بأن يعين رسوله ياقوت الغياثى فيما ندبه له من عمارة مدرسة بمكة، وشراء وقف لها. فباع منه دارين متلاصقتين مجاورتين للمسجد الحرام، صارتا مدرسة للسلطان غياث الدين بعد هدمهما وأنشأ عمارتهما. وباع منه أيضا أصيلتين بالركانى وأربع وجاب من عين الركانى، ليكون ذلك وقفا على المدرسة، وما رضى في ذلك إلا باثني عشر ألف مثقال. فسلم إليه شاشات عوضا عن ذلك؛ لأنه لم يعذره. وأخذ منه أيضا شيئا كان معه لعمارة عين عرفة، على أن يتولى هو ذلك.
وكان السلطان المذكور قد ندب حاجى إقبال مولى خان جهان بصدقة لأهل المدينة، وهدية لأميرها جماز. فإنه لم يكن سمع بعزله ولا موته، وكان موته بإثر نهبه للمدينة
مقتولا، وأمر بعمارة مدرسة له بالمدينة، وشراء وقف لها بالمدينة، فاتفق أن المركب الذي فيه ما بعث به السلطان لأجل ذلك، انصلح في بعض مراسى الشقان، فأخذ السيد حسن ربعه مع ما كان لجماز. ويقال إن الذي أخذه من إقبال وياقوت يساوى ثلاثين ألف مثقال.
وكان مع ياقوت صدقة لأهل مكة، ففرقها عليهم وانتفع بها الناس. وكان معه خلع لقضاة الحرم وأئمته وشيخ الحجبة وزمزم، فأوصلها إليهم.
وفي آخر هذه السنة بعد الحج، قبض السيد حسن ما كان للقاضي وجيه الدين عبد الرحمن بن جميع مع سفرائه من الأموال، واستقصى في ذلك. ويقال إن بعض غلمانه من المولدين هموا فيه بسوء، لكونه لم يسمح لهم ولا لغيرهم بشيء من ذلك، فما تمكنوا منه لتيقظه لهم، فإن خبرهم بلغه من بعض من كان حالفهم عليه من القواد، وأحسن لمن أعلمه بذلك ولغيره من القواد، وأعرض عن المولدين ونفر منهم، فبانوا عنه ولا يموا القواد مدة أشهر، وما كل المولدين بان عنه. وإنما بان منهم المسئ في حقه، وبعث إلى صاحب اليمن يخبره بما أخذ، ويذكر له أن سببه ما وقع من ابن جميع من استيلائه على ما كان بيد سفير شكر مولاه، من المال لشكر.
وكان ابن جميع قد تعرض لسفير شكر، لما بلغه ما أخذ بمكة من خاله العفيف عبد الله الهبى، وبعث مع كتابه بكتاب وصل إليه من مصر، من صاحبها الناصر، يتضمن ذم ابن جميع.
وأمر صاحب اليمن بالقبض عليه، وتخليص حقوق الناس منه، وإرساله إلى مصر معتقلا. فشق ذلك على صاحب اليمن، وأعرض عن الكتابه إلى صاحب مكة، ثم تلطف به، فكتب له كتابا، أوله بعد البسملة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: {كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} [الصف: 2]، نحن لا نقول ما نفعل إلا حسنا، ولا نرى الأرض وأهلها إلا ودائع معنا، ولا نريد المال إلا للصنائع وحسن الثناء، ولا ندين إلا بالوفاء لمن عاقدنا، وبالجفاء لمن خادعنا. وشر الكلام كلام ينقض يومه غده، وشر المواعيد موعد من لا يصدق لسانه يده. وقفنا على كتاب المجلس السأمي - وذكر له ألقابا - ثم قال: فوجدنا فيه ألفاظا تدعى بالمودة، وهي مستوحشة من دعواها، مستخيبة ممن سمعها أو رآها، وما بالمجلس حاجة إلى أن يقول بلسانه ما ليس في قلبه، ويضمر أمرا ويودع غيره في كتبه، قارئا [من الكامل]:
أما الشكوى من عبد الرحمن، فقد عرفت ممن كان الابتدا، ومن كأفاك فما اعتدى.
ومع ذلك فقد حصلت عقود وحساب، وحصل منا تفضل واحتساب، وأمرناه فعوض وانسد الباب. وأما المال فما لعبد الرحمن مال فيستلف، ولا حال فيستخف. وأما دفعه في العام الماضى عن التاجر الذي أوذى ببلده وهو حاضر، فما كنا نستغرب منه حفظ الجار، ولا نظنه يستغربه، وإنا لنعجب ممن يمن حفظ جاره والمصون منصبه وأمر التمادى في الذي هو بيننا يكفيك، فاستأخر به أو تقدم. انتهى.
وربما بعض ألفاظ هذا الكتاب، أمليت هنا بالمعنى، ولم يفت منه إلا ألفاظ يسيرة في ألقاب المكتوب إليه.
ووصل إليه هذا الكتاب مع القاضي شرف الدين إسماعيل بن المقري، وهو في جهة اليمن في آخر رمضان، أو في شوال من سنة أربع عشرة وثمانمائة.
ووصل إليه قبيل هذا التاريخ من هذه السنة، وهو بهذه الجهة، كتاب من الناصر صاحب مصر وخلعة، وعرفه الرسول بذلك أن السلطان يعتب عليه تقصيره في الخدمة. وكان هذا الرسول قد تعوق كثيرا في الطريق، وتشوف حسن لمعرفة الأخبار، فأمر قبل وصول هذا الرسول إليه مولاه، مفتاح الزفتاوى بالسفر إلى مصر، يتعرف له الأخبار، وما قدر أنه سافر من مكة إلا بعد وصول الرسول المذكور إليها.
فلما وصل مصر، وجد الأطماع كثيرة في مولاه، فحضر عند السلطان، وبلغ رسالته واعتذر عن مولاه في تأخير الجواب.
وذكر أنه يقوم بواجب الخدمة. وعاد إلى مكة مع الحاج. وشاع أن السلطان أعد نجباء كثيرة ومزادات. فظن حسن أنه يريد الحج فما حج، وظهر أن تجهزه إلى الشام. ولما انقضى الحج من سنة أربع عشرة وثمانمائة، ندب السيد حسن سعد الدين جبروه إلى مصر، بهدية لصاحبها الناصر، في مقابلة ما التزم له به، فوجده قد توجه للشام.
وفي سنة أربع عشرة وثمانمائة، تصدق السيد حسن بصدقة جيدة قيل إنها عشرة آلاف درهم، والصدقة من عادته. والذي حركه عليها في هذا الوقت، أنه مرض مرضا شديدا، خيف عليه منه. فرأي فيما قيل، النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، ومسح بيده الشريفة عليه، وأمره فشفى بإثر ذلك، وفعل ما ذكرنا من الصدقة.
وفي العشرين من جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وثمانمائة، وصل للسيد حسن وابنيه خلع، وكتاب للسيد حسن من الخليفة المستعين بالله أمير المؤمنين أبي الفضل العباسي، بعد عوده إلى مصر من الشام، وقيامه في مقام السلطنة، عوض الناصر فرج، لقتله في صفر من هذه السنة.
وكان وصول الكتاب والخلع على يد سعد الدين جبروه، وكتاب أمير المؤمنين يتضمن إعلامه بقتل الناصر فرج بسيف الشرع. وأنه فوض تدبير الأمور بالممالك للأمير شيخ، ولقبه بنظام الملك، وأنهم على ولاياتهم. وقرئ الكتاب بالمسجد الحرام، ولبس المذكورين الخلع، وذلك في يوم الأربعاء العشرين من جمادى الآخرة. ودعى في هذا المجلس للخليفة وللأمير شيخ، ودعى للخليفة على زمزم بعد المغرب وفي الخطبة. وكان الدعاء للخليفة بمكة مقطوعا من دهر طويل جدا. وبعد ذلك بقليل، وصل كتب الخليفة إلى السيد حسن يخبره فيه بالقبض على علي بن مبارك. وذلك في شعبان، أعنى وصول كتابه.
وفي شوال من السنة المذكورة، وهي سنة خمس عشرة. وصل خلع للمذكورين من السلطان الملك المؤيد أبي النصر شيخ، بعد ما بويع بالسلطنة بالديار المصرية، في مستهل شعبان من السنة المذكورة. ووصل منه كتاب يخبر فيه بذلك، وباستقرار المذكورين في ولايته

  • دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1998) , ج: 3- ص: 1