التصنيفات

الأمير دبيس بن صدقة بن منصور بن دبيس ابن علي بن مزيد الأسدي نور الدولة صاحب الحلة السيفية
قتل في 21 ذي الحجة سنة 529.
قال ابن خالكان كان شابا كريما له نصيب وافر من الأدب والشعر وذكره الحريري في بعض مقاماته وتقرب إليه بذكره.
ولقبه صاحب تاج العروس سيف الدولة وكناه أبا الأغر ولقب صدقة والده سيف الدين والمعروف أن سيف الدولة لقب صدقة ولم يذكروا لابنه صدقة لقبا.
وفي شذرات الذهب لقبه مع ذلك بملك العرب وقال: إنه توفي سنة 529 مع قول ابن الأثير أنه توفي سنة 474 وفيها أيضا:
كان فارسا شجاعا مقداما جوادا ممدحا أديبا كثير الحروب والفتن خرج على المسترشد غير مرة ودخل خراسان والشام والجزيرة واستولى على كثير من العراق وكان مسعر حرب وجمرة بلاء قتله السلطان مسعود بمراغة وأظهر أنه قتله أخذا بثأر المسترشد اه وقال ابن الأثير كان يستعين به على المسترشد فلما قتل المسترشد أظهر أنه قتله أخذا بثأر المسترشد وفي الشذرات له نظم حسن منه:

قال: ونسب العماد الكاتب في الخريدة إليه الأبيات اللامية من جملتها:
وفي تاج العروس ملك دبيس بن صدقة الجزيرة إلى ما بين الأهواز وواسط اه. وقال ابن الأثير في حوادث سنة 496 إنه لما استمر ينال بن أنوشتكين على الظلم وسوء السيرة في العراق أرسل الخليفة إلى سيف الدولة صدقة يعرفه ذلك ويطلب منه الحضور بنفسه ليكفه عن ذلك فحضر وتقرر الأمر على مال يأخذه ينال ويرحل عن العراق فطلب مهلة فعاد صدقة إلى حلته وترك ولده دبيسا ببغداد يمنعه من الظلم والتعدي عما استقر الأمر عليه ثم أن ينال أفسد فأرسل الخليفة إلى صدقة فارسل ألف فارس فرحل عنهم إلى آذربيجان وعاد دبيس بن صدقة وايلغازي شحنة بغداد إلى مواضعهم. وفيها أيضا ورد كمشتكين بغداد شحنة لها أرسله السلطان بركيارق فلم يرض سيف الدولة صدقة بذلك وظهرت فتن وحروب فأرسل الخليفة إلى سيف الدولة في الإصلاح فلم تستقر قاعدة وكان سيف الدولة إلى صرصر وأرسل إلى إيلغازي وسقمان فحضرا ثم عادا ومعهما دبيس بن صدقة وكانت مدينة هيت لمسلم بن قريش ثم صارت إلى رجل من بني عقيل اسمه ثروان وأقام ثروان وجماعة من بني عقيل عند صدقة وكانا متصافيين ثم تنافرا لأن ثروان خطب ابنة صدقة فلم يجبه ووجه من ابن عمه فتحالفت عقيل وهم في حلة صدقة عليه (وقد قيل كل بلاء في الدنيا أصله النساء) فبلغ ذلك صدقة ووكل بثروان وقال: لا بد من هيث فأرسل إلى نائبه بهيت بتسليمها لصدقة وأرسل صدقة ابنه دبيسا ليتسلمها فامتنع النائب من تسليمها فعاد دبيس إلى أبيه وأخبره ثم تسلمها صدقة قهرا. وفي أعلام النبلاء ج1 ص 438 عن تاريخ ابن العديم إنه في سنة 514 هرب ملك العرب دبيس ابن صدقة الأسدي من المسترشد والسلطان محمود (السلجوقي) فوصل إلى قلعة جعبر فأكرمه نجم الدولة مالك وأضافه ثم سار إلى إيلغازي إلى ماردين وتزوج ابنته فاشتد به وأجاره ووصل معه الأموال العظيم والنعمة الوافرة وحمل إلى إيلغازي ما يفوت الإحصاء فاشتغل بدبيس عن العبور إلى الشام فخرب بلد حلب وفي أعلام النبلاء أيضا عن ابن العديم في حوادث سنة 515 قيل: إن دبيس بن صدقة لما سار مع إيلغازي إلى بلاد الكرج سأل إيلغازي في الطريق أن يهب له حلب ويحمل إليه دبيس مئة ألف دينار يجمع بها التركمان ويعضده حتى يفتح أنطاكية فأجابه إيلغازي إلى ذلك فلما وقعت كسرة الكرج بداله فأرسل إلى ولده سليمان أن أظهر العصيان علي حتى يبطل ما بيني وبين دبيس فعصى عليه حقيقة (وهذا نظير ما جاء في الحديث لا تتمارضوا فتمرضوا وربما تموتوا) ثم ذكر بعد ذلك في ص 455 نقلا عن تاريخ ابن العديم في حوادث سنة 518 أنه استقر الأمر بين بغدوين ملك الفرنج صاحب أنطاكية وبين تمرتاش بن إيلغازي على أمور وعد منها أن يخرج دبيس بن صدقة من الناس قال: وكان دبيس قد وصل منهزما من المسترشد وحمل ما قدر عليه من العين والعروض على ظهور المطايا ووفد على ابن سالم بم مالك بن بدران إلى قلعة دوسر واستجار به فأجاره وغاضب المسترشد والسلطان محمودا في أمره وكاتب دبيس قوما من أهل حلب وأنفذ لهم جملة دنانير وسلمهم تسليمها إليه وكشف ذلك رئيسها فضائل بن صاعد بن بديع فاطلع على ذلك تمرتاش فأخذهم وعذبهم وشنق بعضهم وصادر بعضا. وقال ابن الأثير كان جوادا كريما عارفا بالآداب وتمكن في خلافة المسترشد واستولى على كثير من بلاد العراق وهو من بيت كبير إليه أشار أبو محمد الحريري بقوله في المقامة التاسعة والثلاثين: ’’والأسدي دبيس’’ لأنه كان معاصره وأراد التقرب إليه بذكره لجلالة قدره قال: وله نظم حسن ونسب له العماد الكاتب في الخريدة وابن المستوفي في تاريخ إربل الأبيات اللامية التي منها:
ونسبه أبو الحسن بن بسام في الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة إلى ابن رشيق القيرواني قال وذكر أبو البركات بن المستوفي في تاريخ إربل أن بدران بن صدفة أخا دبيس وهو نازح عنه وإلى أخويه منصور ومسيب:
فأجابه دبيس بقوله:
سبب قتله وكيفيته
في نسمة السحر: كان الأمير دبيس في عسكر السلطان مسعود بن محمد ملك شاه وهم على باب مراغة ومعهم المسترشد بالله العباسي يعادي الخليفة لشهامته ولكنه لم يجد أعوانا كما قال الذهبي في دول الإسلام فدس السلطان جماعة من الباطنية فهجموا على خيمة المسترشد وقتلوه فاستشنع السلطان أن ينسب إليه قتل الخليفة وأراد أن ينسب إلى دبيس فتركه إلى أن جاء للخدمة وجلس في الخيمة وأرسل بعض مماليكه فجاء من ورائه وضرب رأسه بالسيف فأبانه فمات شهيدا رحمه الله تعالى وأظهر السلطان أنه إنما فعل ذلك أخذا بثأر الخليفة المسترشد لأنه بزعمه قتله وكان قتله بعد قتل المسترشد بشهر وكان قد أحس بتغير السلطان عليه وأراد المسير مرارا فكانت المنية تثبطه وذكر ابن الأزرق في تاريخه أنه قتل على باب تبريز وحمل قتيلا إلى ماردين إلى زوجته كيهان خاتون بنت نجم الدين الغازي فدفنته عند والها بالمشهد ثم تزوج السلطان مسعود ابنة الأمير دبيس وأمها زبيدة بني الوزير نظام الملك صاحب نظامية بغداد المدرسة المشهورة اه وهكذا تكون حوادث الزمان الموجعة يتزوج القاتل ابنة المقتول.
أخباره
وقال ابن الأثير في حوادث سنة 501 أنه أسر في الوقعة التي كانت بين عسكر السلطان محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي وبين أبيه صدقة وقتل فيها أبوه كما يأتي في ترجمته وهرب أخوه بدران بن صدقة إلى الحلة وسير أمه ونساءه إلى البطيحة وأرسل السلطان أمانا لأمه وأمرها بالظهور فأصعدت إلى بغداد فأطلق السلطان ابنها دبيسا وأنفذ معه جماعة من الأمراء إلى لقائها ابنها لقيها ابنها بكيا بكاء شديدا ولما وصلت إلى بغداد اعتذر لها السلطان من قتل زوجها وقال: وددت إنه حمل إلي لأفعل معه ما يعجب الناس به من الجميل لكن الأقدار غلبتني واستحلف ابنها دبيسا أنه لا يسعى بفساد وأحسن إليه وأقطعه إقطاعا كثيرا ولما توفي السلطان محمد سنة551 وملك بعده ولده السلطان محمود خاطبه دبيس في العود إلى بلده الحلة فأذن له في ذلك فعاد إليها فاجتمع عليه خلق كثير من العرب والأكراد وغيرهم.
وفي سنة 512 توفي المستظهر بالله الخليفة العباسي وبويع ولده المسترشد بالله فسار أخوه أبو الحسن بن المستظهر إلى دبيس بن صدقة بالحلة فأكرمه وأقام له الإقامات الكثيرة فقلق المسترشد لذلك واهتم وأرسل إلى دبيس مع نقيب النقباء بإعادته فأجاب بأنني عبد الخليفة وواقف عند أمره ومع هذا فقد استذم بي ودخل منزلي فلا أكرهه على أمر أبدا فقصد الأمير أبا الحسن وكلمه في العود وضمن له عن الخليفة كل ما يريده فقال إنه لم يفارق أخاه إلا خوفا فإذا أمنني قصدته وتكفل دبيس بإصلاح الحال بنفسه والمسير معه إلى بغداد فعاد النقيب وأعلم الخليفة ذلك فأجاب إلى ما طلب منه. وأقام أبو الحسن عند دبيس إلى 12 صفر سنة 513 ثم سار عن الحلة إلى واسط فملكها وكثر جمعه فأرسل الخليفة إلى دبيس أنه الآن قد فارق جواره ومد يده إلى بلاد الخليفة وأمره بقصده فأرسل دبيس العساكر إليه ففارق واسطا ووصلت عساكر دبيس إليه وإلى أصحابه فصادفوهم عند الصلح فنهبوا أثقاله وهرب الأكراد والأتراك من أصحابه وعاد الباقون إلى دبيس ثم أخذه بدويان وحملاه إلى دبيس فسيره إلى بغداد إلى الخليفة.
وفيها في جمادى الأول برز آقسنفر البرسقي شحن من بغداد بعسكره وأظهر أنه على قصد الحلة وأجلاء دبيس بن صدقة عنها وجمع دبيس جموعا كثيرة من العرب والأكراد وفرق الأموال الكثيرة والسلاح وكان مسعودا بن السلطان محمد بالموصل فأشير عليه بقصد العراق فإنه لا مانع دونه فسار في جيوش كثيرة فلما علم البرسقي قربهم خافهم وسار إليهم ليقاتلهم فأرسلوا إليه في الصلح وإنهم إنما جاؤوا نجدة له على دبيس واصطلحوا وتعاهدوا ودخل مسعود بغداد فجاءهم الخبر بوصول الأمير عماد الدين منكبرس في جيش كثير فسار البرسقي عن بغداد ليحاربه فقصد منكبرس دبيس بن صدقة واجتمعا وكان دبيس قد خاف الملك مسعود والبرسقي فبنى أمره على المحاجزة والملاطفة فأهدى إلى مسعود والبرسقي فلما بلغه وصول منكبرس راسله واستماله واستحلفه واتفقا على التعاضد والتناصر وقوي كل منهما بصاحبه فسار الملك مسعود والبرسقي ومن معهما إلى المدائن للقاء دبيس ومنكبرس فاتتهم الأخبار بكثرة الجمع معهما فعادا ونهبا السواد نهبا فاحشا واستباحوا الأعراض فأرسل إليهما المسترشد ينكر هذا الحال ويأمر بالمصالحة فأجاب البرسقي إلى العود إلى بغداد فأخبر أن منكبرس ودبيسا جهزا ثلاثة آلاف فارس مع منصور أخي دبيس و الأمير حسين ربيب منكبرس ليذهبوا إلى بغداد لخلوها من عسكر يحميها فقصد البرسقي ووصل إلى ديالي فأتاه كتاب ابنه مسعود بخبره أن الصلح قد استقر بين الفريقين فدخل بغداد وعبر منصور وحسين فسارا في عسكرهما خلفه ودخلوا بغداد وأصعد دبيس ومنكبرس فخيما في بغداد واستقر منكبرس في شحنكية بغداد وودعه دبيس بن صدقة وعاد إلى الحلة بعد أن طالب بدار أبيه بدرب فيروز وكانت قد دخلت في جامع القصر فصولح عنها بمال.
وفيها كانت حرب شديدة بين سنجر وابن أخيه السلطان محمود بالقرب من ساوة فانتصر سنجر على السلطان محمود فأرسل الأمير دبيس بن صدقة إلى المسترشد في الخطبة للسلطان سنجر فخطب له وكان الأمير منكوبرس مع السلطان محمود وعاد إلى بغداد وأراد دخولها فسير إليه دبيس بن صدقة من منعه.
وفيها أمر السلطان سنجر بإعادة مجاهد الدين بهروز إلى شحنكية بغداد وكان بها نائب دبيس بن صدقة فعزل عنها.
وفيها تأخر الحج فاستغاث الناس وأرادوا كسر المنبر بجامع القصر فأرسل الخليفة إلى دبيس بن صدقة ليساعد الأمير نظر على تسيير الحجاج فأجاب إلى ذلك.
وفيها أرسل دبيس بن صدقة القاضي أبا جعفر الواحد ابن أحمد الثقفي قاضي الكوفة إلى إيلغازي بن أرتق بماردين يخطب ابنته فزوجها منه إيلغازي وحملها الثقفي معه إلى الحلة.
وفي حوادث سنة 514 كان المصاف بين السلطان محمود وأخيه الملك مسعود وسببه أن دبيس بن صدقة كان يكاتب جيوش بك أتابك مسعود يحثه على طلب السلطنة للملك مسعود ويعد المساعدة ليختلفوا فينال من الجاه والمنزلة ما ناله أبوه باختلاف بركيارق ومحمد ابني ملكشاه كما يأتي في ترجمته وكان البرسقي قد فارق شحنكية بغداد وبينه وبين دبيس عداوة محكمة فكاتب دبيس جيوش بك بشير عليه بقبض البرسقي وينسبه بالميل إلى السلطان محمود وبذل مالا كثيرا عن قبضه فعلم الربسقي ذلك ففارقهم إلى السلطان محمود فأكرمه واتصل الأستاذ أبو إسماعيل الحسين ابن علي الأصبهاني الطغرائي (صاحب لامية العجم ومرت ترجمته) بالملك مسعود وكان ولده محمد يكتب الطغراء للملك مسعود وصل والده استوزره مسعود فحسن ما كان دبيس يكاتب به من مخالفة السلطان محمود فبلغ الخبر السلطان محمودا فكتب إليهم يخوفهم إن خالفوه ويعدهم الإحسان إن بقوا على طاعته فلم يصغوا إلى قوله فوقع الحرب بينهم وانتهى بانكسار عسكر مسعود وأسر فيمن أسر الأستاذ أبو إسماعيل وزير مسعود فأمر السلطان بقتله وقال: قد ثبت عندي فساد دينه واعتقاده. قال ابن الأثير وكان حسن الكتابة والشعر يميل إلى صنعة الكيمياء وله فيها تصانيف قد ضيعت من الناس أموالا لا تحصى. ووصل بعض الأمراء إلى مسعود وأشار عليه بمكاتبة دبيس بن صدقة ليجتمع به ويكثر جمعه ويعاود طلب السلطنة. وأما دبيس فإنه كان بالعراق فلما بلغه خبر انهزام الملك مسعود نهب البلاد فأرسل إليه الخليفة المسترشد ينكر عليه ويأمره بالكف فلم يفعل فأرسل إليه السلطان وطيب قلبه وأمره بمنع أصحابه عن الفساد فلم يقبل وسار بنفسه إلى بغداد وضرب سرادقة بإزاء دار الخلافة وأظهر الضغائن التي في نفسه وكيف طيب برأس أبيه وتهدد الخليفة وقال: إنك أرسلت تستدعي السلطان فإن أعدتموه وإلا فعلت وصنعت فأجيب أن عود السلطان وقد سار عن همدان غير ممكن ولكنا نصلح حالك معه فكف على أن تسير الرسل في الأنفاق بينه وبين السلطان وعاد عن بغداد ووصل إليها السلطان فأرسل دبيس زوجته ابنة عميد الدولة بن جهيز إليه ومعها مال كثير وهدية نفيسة وسأل الصفح عنه فأجيب إلى ذلك على قاعدة امتنع منها ولزم لجاجه ونهب جشيرا للسلطان فسار السلطان من بغداد إلى قصده بالحلة ومعه ألف سفينة للعبور فلما علم دبيس بذلك أرسل يطلب الأمان فأمنه وكان قصده المغالطة ليتجهز فأرسل نساءه إلى البطيحة وأخذ أمواله وسار عن الحلة متجها إلى إيلغازي ووصل السلطان إلى الحلة فلم يجد أحدا فعاد وأرسل المسترشد خلعا إلى إيلغازي وأمره بإبعاد دبيس فاعتذر ووعد به وأقام دبيس عند إيلغازي ثم أرسل أخاه منصورا في جيش من قلعة جعبر إلى العراق فنظر الحلة والكوفة وانحدر إلى البصرة وأرسل إلى برنقش الزكوي يسأله أن يصلح حاله مع السلطان فلم يتم أمره فأرسل إلى أخيه دبيس يعرفه ذلك ويدعوه إلى العراق فسار من قلعة جعبر إلى الحلة سنة 515 فدخلها وملكها وأرسل إلى الخليفة والسلطان يعتذر ويعد من نفسه الطاعة فلم يجب إلى ذلك وسيرت إليه العساكر فلما قاربوه فارق الحلة ودخل إلى الأزبر وهو نهر سنداد ووصل العسكر إليها وهي فارغة قد أجلى أهلها عنها فترك مقدم العسكر برنقش الزكوي بها خمسمائة فارس وبالكوفة جماعة تحفظ الطريق على دبيس وأرسل عسكر واسط بحفظ طريق البطيحة وعبر عسكر السلطان إلى دبيس فبقي بين الطائفتين نهر يخاض فيه مواضع فتراسل برنقش ودبيس واتفقا على أن يرسل دبيس أخاه منصورا رهينة ويلازم الطاعة ففعل وعاد برنقش بالعسكر إلى بغداد سنة 516 ومعه منصورا أخو دبيس وولده رهينة فلم يرض الخليفة بذلك وأرسل السلطان محمودا في إبعاد دبيس عن العراق وعزم السلطان على المسير إلى همذان فأعاد الخليفة الشكوى من دبيس وأنه يطالب الناس بحقوده منها قتل أبيه وأن يولي السلطان البرسقي شحنكية بغداد والعراق ليكون في وجه دبيس ففعل وأمره السلطان بقتال دبيس إن تعرض للبلاد فلما فارق السلطان العراق تظاهر دبيس بأمور تأثر منها المسترشد فتقدم إلى البرسقي بإزعاجه عن الحلة فأحضر البرسقي عساكر الموصل وسار إلى الحلة وأقبل دبيس نحوه فاقتتلوا فانهزم عسكر البرسقي وفي جملة العسكر المنهزم نصر بن النفيس بن أحمد بن أبي الجبر والمظفر بن حماد بن أبي الجبر وبينهما عداوة شديدة فالتقيا بساباط عند نهر الملك فقتله المظفر وسار إلى البطيحة متغلبا عليها وكان دبيسا وأطاعه وأما دبيس فإنه لم يعرض لنهر الملك ولا لغيره وأرسل إلى الخليفة إنه على الطاعة ولولا ذلك لأخذ البرسقي وجميع من معه وسأل أن يخرج الناظر إلى القرى التي لخاص الخليفة لقبض دخلها وحمى البلد فأحمد الخليفة فعله ولما سمع السلطان بالوقعة قبض على منصور أخي دبيس وولده ورفعهما إلى قلعة برحين وهي تجاور الكرج ثم إن دبيسا أمر جماعة من أصحابه بالمسير إلى إقطاعهم بواسط فمنعهم أتراكها فجهز إليهم عسكرا مع مهلهل بن أبي العسكر وأرسل إلى المظفر بن أبي الجبر بالبطيحة ليتفق مع مهلهل ويساعده واستكد الواسطيون البرسقي فأمدهم بجيش وعجل المهلهل في عسكر دبيس ولم ينتظر الميعاد بينه وبين المظفر ظنا منه أن ينال وحده منهم ما أراد وينفرد بالفتح فانهزم جيش مهلهل وأخذ هو أسيرا وجماعة من أعيان العسكر وقتل ما يزيد على ألف قتيل ولم يقتل من الواسطيين غير رجل واحد ولما سمع المظفر بالهزيمة عاد منحدرا ووجد مع مهلهل تذكرة بخط دبيس يأمر فيها بقبض المظفر ومطالبته بأموال أخذها من البطيحة فأرسلوها إلى المظفر فمال إليهم (ربما يكون ذلك تزويرا عن دبيس لإيحاش المظفر منه) ولما جرى على أصحاب دبيس من الواسطيين ما ذكر شمر عن ساعده في الشر وبلغه أن السلطان كحل أخاه فجز شعره ولبس السواد ونهب البلاد وأخذ كل ما للخليفة بنهر ملك فأجلى أناس إلى بغداد وسار عسكر واسط إلى النعمانية فأجلوا عنها عسكر دبيس وتقدم الخليفة إلى البرسقي بالتبريز إلى حرب دبيس فبرز.
وفي حوادث سنة 516 قبض الخليفة على وزيره جلال الدين بن صدقة فطلب أن يسير إلى حديثة عانة فخرج عليه في الطريق تركماني يقال له يونس الحرامي فأسره ونهب أصحابه فخاف الوزير أن يعلم به دبيس للعداوة التي بينهما فبذل ليونس ألف دينار يعجل له منها ثلثمائة ويرسل معه من يقبض الباقي من الحديثة وأرسل إلى عامل بلد الفرات أن ينفذ من يضمن المال فأحضر العامل غلاما وألبسه ثيابا فاخرة وسير معه غلمانا وأرسله إلى يونس على أنه قاضي بلد الفرات فضمن الباقي وأرسل يونس مع القاضي من يقبض الباقي فلما وصل الحديثة قبض على من معهم فأطلق يونس الفلاح والمال الذي أخذه وأطلق الوزير أصحابه وتمت الحيلة على يونس ورأى الوزير في طريقه إنسانا أنكره فوجد معه كتابا من دبيس إلى يونس يبذل له ستة آلاف ليسلم الوزير إليه فكان خلاصة من أعجب الأشياء.
وفيها سار الخليفة المسترشد لحرب دبيس بن صدقة لأن دبيس أطلق عفيفا خادم الخليفة وكان مأسورا عنده وحمله رسالة فيها تهديد للخليفة لإرساله البرسقي إلى قتاله وتقويته بالمال وإن السلطان كحل أخاه وحلف لينهبن بغداد ويخربها فاغتاظ الخليفة لهذه الرسالة وتقدم على البرسقي بالتبريز إلى حرب دبيس ففعل وتجهز الخليفة وبرز من بغداد واستدعى العساكر من لأطراف فحضرت مع أمرائها وأرسل دبيس إلى نهر ملك فنهب ووصل أهله إلى بغداد فأمر الخليفة فنودي ببغداد أن لا يتخلف أحد من الأجناد ومن أحب التطوع فليحضر فجاء خلق كثير ففرق فيهم الأموال والسلاح فلما علم دبيس الحال كتب إلى الخليفة يستعطفه ويسأله الرضا عنه فلم يجب إلى ذلك وأخرجت خيام الخليفة ونادى أهل بغداد النفير النفير الغزاة وخرج منهم عالم كثير لا يحصون وخرج الخليفة في أبهة الخلافة بالقضيب والبردة والطرحة ومنطقة الحديد الصيني والشمسية ومعه الأعيان والأكابر والأمراء تترجل وتقبل الأرض بالبعد منه كل هذا وليس مع السلاجقة حكم.
ودخلت سنة 517 وساروا إلى النيل ونزلوا بالمباركة وعبى البرسقي وأصحابه ووقف الخليفة من وراء الجميع وجعل دبيس وأصحابه صفا واحدا ميمنة وميسرة وقلبا والرجالة بين يدي الخيالة بالسلاح فحمل عنتر بن أبي العسكر في طائفة من عسكر دبيس على ميمنة البرسقي فتراجعت على أعقابها ثم حمل ثانيا فرجعت عللا أعقابها ثم حمل ثانيا فرجعت على أعقابها أيضا وحمل عسكر واسط ومن معه على عنتر وأحاطوا به وأسروه وجميع من معه وكان لعسكر كمين خمسمائة فارس فلما اختلط الناس حملوا على عسكر دبيس فانهزموا جميعهم وجيء بالأسرى إلى الخليفة فأمر بضرب أعناقهم صبرا وكان عسكر دبيس عشرة آلاف فارس وخمسة آلاف راجل ولما عاد الخليفة إلى بغداد ثار العامة بها ونهبوا مشهد باب التبن وقلعوا أبوابه فأنكر الخليفة ذلك وأمر أمير الحاج بالركوب إلى المشهد وتأديب من فعل ذلك ورد المنهوب ففعل ورد البعض وخفي عليه الباقي ونجا صدقة بفرسه وسلاحه وأدركته الخيل ففاتها وعبر الفرات فرأته امرأة عجوز فقالت: دبير جئت فقال دبير من لم يجئ واختفى خبره وأرجف عليه بالقتل ثم أظهر أنه قصد غزية من عرب نجد وطلب محالفتهم فأبوا لئلا يخالفوا الخليفة والسلطان فرحل إلى المنتفق واتفق معهم على قصد البصرة فدخلوها وقتلوا مقدم عسكرها وأجلى أهلها فعاتب الخليفة البرسقي على إهمال أمر دبيس فتجهز البرسقي للانحدار إلى البصرة ففارقها دبيس وسار على البر إلى قلعة جعبر.
وفي سنة 519 سار السلطان طغرل ابن السلطان محمد ومعه دبيس إلى العراق وكان دبيس بعد أن حاول الاتصال بالفرنج قد قصده فأكرمه طغرل وجعله من خواص أمرائه فحسن له دبيس قصد العراق. فوصلوا دقوقا في عساكر كثيرة وبلغ الخبر إلى بغداد فتجهز الخليفة وأمر شحنة العراق بالاستعداد للحرب فخرجوا في اثني عشر ألفا سوى الرجالة وأهل بغداد فلما سمع طغرل بخروج الخليفة عدل إلى طريق خراسان واستقر الأمر بين دبيس وطغرل أن يقيم دبيس ليحفظ المعابر ويتقدم طغرل إلى بغداد فيملكها فسارا على هذه القاعدة فقدر لله تعالى أن طغرل لحقته حمى شديدة ونزل عليهم مطر كثير فتأخر طغرل وسار دبيس في مائتي فارس وقصد معرة النهروان فنزلها وهو تعب سهران وقد بل المطر ثيابهم وإذ قد طلع عليهم ثلاثون جملا تحمل الثياب وأواع الأطعمة جاءت من بغداد إلى الخليفة فلبسوا الثياب وأكلوا وناموا وجاء الخبر إلى الخليفة أن دبيسا ملك بغداد فحل وانهزم العسكر إلى النهروان وتركوا أثقالهم ولو لحقهم مائة فارس لهلكوا وأشرف الخليفة على ديالى ودبيس نازل غرب النهروان فلما أبصر دبيس شمسة الخليفة قبل الأرض وقال: أنا العبد المطرود فليعفف أمير المؤمنين عن عبده فرق الخليفة له وهم بصلحه فثناه عن ذلك وزيره وسار دبيس عائدا إلى الملك طغرل فعادوا وسارا إلى الملك سنجر فاجتازا بهمذان ودخلا خراسان إلى سنجر وشكيا إليه من الخليفة وبرنقش الزكوي.
وفي سنة 522 خرج السلطان سنجر من خراسان إلى الري في جيش كثير لأن دبيس بن صدقة لما وصل إليه هو والملك طغرل أطعمه في العراق وسهل عليه قصده وألقى في نفسه أن المسترشد والسلطان محمود متفقان على الامتناع منه فأجابه إلى المسير للعراق فلما وصل الري وكان السلطان محمود بهمذان وأرسل إليه يستدعيه ليرى أهو على طاعته أم تغير كما زعم دبيس فبادر إلى المسير إلى عمه ثم عاد سنجر إلى خراسان وسلم دبيسا إلى محمود ووصاه بإكرامه وإعادته إلى بلده ورجع محمود إلى همذان ودبيس معه.
وفي سنة 523 سار محمود إلى العراق ومعه دبيس ليصلح حاله مع الخليفة فتأخر دبيس عن السلطان بهمذان ودخل السلطان بغداد وامتنع الخليفة من الإجابة إلى تولية دبيس شيئا من البلاد وبذل مائة ألف دينار لذلك فعلم أتابك زنكي أن السلطان يريد أن يولي دبيسا الموصل فبذل مائة ألف دينار وحمل الهدايا الجليلة إلى السلطان فخلع عليه وأعاده إلى الموصل وسار السلطان إلى همذان وماتت زوجته ابنة سنجر وهي التي كانت تعنى بأمر دبيس وتدافع عنه فانحل أمر دبيس ومرض السلطان مرضا شديدا فأخذ دبيس ابنا له صغيرا وقصد العراق فلما سمع المسترشد بذلك جند الجنود وهرب عامل الحلة منها ودخلها دبيس فلما بلغ السلطان الخبر عن دبيس أحضر الأميرين قزلو والأحمديلي وقال: أنتما ضمنتما دبيسا وأريده منكما فسار الأحمديلي إلى العراق ليحضر دبيسا على السلطان فلما سمع دبيس الخبر أرسل إلى الخليفة يستعطفه وترددت بينهما الرسل ودبيس يجمع الأموال والرجال فاجتمع معه عشرة آلاف فارس وكان قد وصل في ثلثمائة فارس ووصل الأحمديلي بغداد وسار في أثر دبيس ثم إن السلطان سار إلى العراق فأرسل إليه دبيس هدايا جليلة وبذل ثلثمائة حصان منعلة بالذهب ومائتي ألف دينار ليرضى عنه السلطان والخليفة فلم يجبه إلى ذلك فرحل دبيس إلى البرية وقصد البصرة وأخذ منها أموالا كثيرة وما لخليفة والسلطان هناك من الدخل فسير السلطان أثره عشرة آلاف فارس ففارق البصرة ودخل البرية.
وفي سنة 525 جاءه قاصد من الشام من صرخد يستدعيه إليها لأن صاحبها كان خصيا فتوفي وخلف جارية سرية له فاستولت على القلعة وعلمت أنه لا يتم لها ذلك إلا أن تتصل برجل له قوة ونجدة فوصف لها دبيس بن صدقة وكثرة عشيرته فأرسلت تستدعيه لتتزوج به وتسلمه القلعة فأخذ الإدلاء معه وسار من أرض العراق إلى الشام فضل به الإدلاء بنواحي دمشق فنزل بناس من كلب شرقي الغوطة فحملوه إلى تاج الملوك صاحب دمشق فحبسه وسمع عماد الدين زنكي الخبر وكان دبيس يقع فيه فأرسل إلى تاج الملوك يطلبه منه ويطلق ولده والأمراء المأسورين معه وإن امتنع عن تسليمه سار إلى دمشق وحصرها وخربها فسلمه دبيسا وأطلق له ولده ومن معه فأيقن دبيس بالهلاك ففعل زنكي معه خلاف ما ظن و أحسن إليه وقدمه حتى على نفسه وفعل معه ما يفعل مع أكابر الملوك ولم يزل دبيس مع زنكي حتى انحدر معه إلى العراق.
وفي حوادث سنة 526 وصلت الأخبار بوصول عماد الدين زنكي ودبيس بن صدقة إلى قريب بغداد وذكر دبيس أن السلطان سنجر أقطعه الحلة وأرسل إلى المسترشد يسأل الرضا عنه فامتنع من ذلك وكان السلطان سنجر قد كاتب عماد الدين ودبيسا وأمرهما بقصد العراق والاستيلاء عليه فلما علم المسترشد ذلك أسرع إلى العود إلى بغداد ووقع الحرب بينهم فحمل زنكي على ميمنة الخليفة فانهزموا وحملت ميسرة الخليفة على ميمنة عماد الدين ودبيس وحمل الخليفة بنفسه فانهزم دبيس ثم انهزم عماد الدين وعاد دبيس بعد أن هزتمه يلوذ ببلاد الحلة وتلك النواحي وجمع جمعا وأمد عامل الحلة بعسكر من بغداد فالتقى هو ودبيس فانهزم واختفى في أجمة هناك وبقي ثلاثة أيام م يطعم شيئا حتى أخرجه حمال على ظهره ثم جمع جمعا وقصد واسطا وانضم إليه عسكرها وجماعة من الأمراء.
وفي سنة 527 أنفذ إليهم برنقش عسكرا فاقتتلوا في الماء والبر وانهزم الواسطيون ودبيس.
ثم ذكر أنه قتل بظاهر مدينة خوي بأمر السلطان مسعود دبيس بن صدقة على باب سرادقة بظاهر مدينة خوي أمر غلاما أرمنيا بقتله فتوقف على رأسه وهو ينكث الأرض بإصبعه فضربه فقتله وهو لا يشعر وكان ابنه صدقة بالحلة فاجتمع عليه عسكر أبيه ومماليكه وكثر جمعه واستأمن إليه الأمير قتلغ وأمر السلطان مسعود بعض القواد بأخذ الحلة فسار بعض عسكره إلى المدائن فأقاموا مدة ينتظرون لحاقه بهم فلم يسر إليهم جبنا وعجزا وبقي صدقة بالحلة إلى أن قدم السلطان مسعود إلى بغداد سنة 531 فأصلح حاله معه.
وفي الحوادث التي مرت لدبيس بن صدقة يستلفت النظر.
(أولا) إنه كان لسوء الإدارة وفساد نظام الحكم فيها مدخل ظاهر.
(ثانيا) كان لوقوع الخلاف بين الأمراء واتباع شهوات النفوس أثر عظيم في ضعف شركة الإسلام وأخذ الفرنج لسواحل الشام وما يليها فصار بأسهم بينهم وسكنوا عن دفع عدوهم مع أنه لم يكن في المسلمين يومئذ ضعف ولكن السلاجقة يحارب بعضهم بعضا والمتسمي باسم الخلافة بتنازع مع أمراء العرب ويخرج بأبهة الخلافة الفارغة ليحربهم ويهمل حماية بلاد الإسلام من غارات الفرنج وعوام بغداد يتنادون النفير النفير الغزاة الغزاة كأنهم يخرجون لحرب الروم أو التتر فيلتقي عسكران من المسلمين عددهما 35 ألفا كان يكفي لدفع الفرنج عن بلاد الإسلام والسلاجقة يبقون على دبيس وأمثاله ليجعلوه عدة لمقاومة المسترشد فلما قتل المسترشد غدروا بدبيس وقتلوه.
(ثالثا) التعصبات المذهبية كان لها الأثر البين في تفرقة كلمة المسلمين ورهنهم فإذا كان الخليفة انتصر على دبيس وعاد إلى بغداد ظافرا وهو أسير السلجوقية فما هي المناسبة بين ذلك وبين قصد عامة بغداد مشهد الإمامين الكاظم والجواد ونهبه وقلع أبوابه.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 6- ص: 386