ابن النقيب الحسن بن شاور بن طرخان بن الحسن ابن النقيب الكناني، ناصر الدين، المعروف بالنفيسي: شاعر، من أفاضل مصر، له (ديوان مقاطيع) في مجلدين، وكتاب (منازل الأحباب ومنازه الألباب) مجلدان. وشعره عذب
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 192
ابن النقيب الحسن بن شاور بن طرخان بن حسن، هو ناصر الدين بن النقيب الكناني المعروف بابن الفقيسي.
أخبرني الشيخ الإمام العلامة أثير الدين أبو حيان، قال: جالسته بالقاهرة مرارا وكتبت عنه، وكان نظمه حسنا.
قلت: توفي سنة سبع وثمانين وستمائة.
وروى عنه الدمياطي، والشيخ فتح الدين، وغيره.
وله كتاب سماه منازل الأحباب ومنازه الألباب ذكر فيه المجاراة التي دارت بينه وبين أهل عصره من البداءات والمراجعات وهو في مجلدين، انتخبت منه أشياء فيما علقته في التذكرة، ووقفت على مقاطيعه بخطه وهي في مجلد ضخم، ونقلت منها جانبا جيدا.
وشعره جيد عذب منسجم، فيه التورية الرائقة اللائقة المتمكنة، وهو أحد فرسان تلك الحلبة، الذين كانوا في شعراء مصر في ذلك العصر، ومقاطيعه جيدة إلى الغاية خلاف قصائده.
أنشدني من لفظه العلامة أثير الدين، قال أنشدني المذكور لنفسه:
وما بين كفي والدراهم عامر | ولست لها دون الورى بخليل |
وما استوطنتها قط يوما وإنما | تمر عليها عابرات سبيل |
ما كان عيبا لو تفقدتني | وقلت هل أتهم أو أنجدا |
فعادة السادة مثلك في | مثلي أن يفتقدوا الأعبدا |
هذا سليمان على ملكه | وهو بأخبار له يقتدى |
تفقد الطير وأجناسها | فقال ما لي لا أرى الهدهدا |
أراد الظبي أن يحكي التفاتك | وجيدك قلت لا يا ظبي فاتك |
وفدى الغصن قدك إذ تثنى | وقال الله يبقي لي حياتك |
ويا آس العذار فدتك نفسي | وإن لم أقتطف بفمي نباتك |
ويا ورد الخدود حمتك عني | عقارب صدغه فأمن جناتك |
ويا قلبي ثبت على التجني | ولم يثبت له أحد ثباتك |
يا من أدار بريقه مشمولة | وحبابها الثغر النقي الأشنب |
تفاح خدك بالعذار ممسك | لكنه بدم القلوب مخضب |
يا مالكي ولديك ذلي شافعي | ما لي سألت فما أجيب سؤالي |
فوحدك النعمان إن بليتي | وشكيتي من طرفك الغزال |
بخالد الأشواق يحيا الدجي | يعرف هذا العاشق الوامق |
فخذ حديث الوجد عن جعفر | من دمع عيني إنه الصادق |
أقول لنوبة الحمى اتركيني | ولا يك منك لي ما عشت أوبه |
فقالت كيف يمكن ترك هذا | وهل يبقى الأمير بغير نوبه |
نصبت عيوني للخيال حبائلا | لعل خيالا في الكرى منه يسنح |
وكيف إذا غمضتهن أصيده | ومن عادة الأشراك للصيد تفتح |
رضاب فتح يشفى الغليل به | والبرء في رشفه من البرح |
وشم آس العذار ينعشني | منه وتفاح خده الفتحي |
حدثت عن ثغره المحلى | فمل إلى خده المورد |
خد وثغر فجل رب | بمبدع الخلق قد تفرد |
هذا عن الواقدي يروي | وذاك يروي عن المبرد |
رميت بمهجتي جمرات شوقي | ولم تأخذك بالمشتاق رأفه |
فهرول دمع عيني فوق خدي | وما حصلت له مع ذاك وقفه |
يا من نسيت بسكرة من لحظه | ألم الجراح به فقلبي ذاهل |
هل في الجفون كنانة أم حانة | أم حل فيها نابل أم بابل |
قالوا عذارك مخبر عن حالتي | فأجبتهم هيهات بل هو سائل |
أم هل لخدك ملبس من سندس | أم هل عليه من الشقيق غلائل |
ولقد أرق له إذا شاهدته | وعليه آس عذاره متحامل |
لما رنا سل سيف مقلته | وقال لا صلح ولا هدنه |
وهز لي أسمر القـ | ـوام فقتلاه بلا ضربة ولا طعنه |
أنا العذري فاعذرني وسامح | وجر علي بالإحسان ذيلا |
ولما صرت كالمجنون عشقا | كتمت زيارتي وأتيت ليلا |
أعيذه كاتبا بالله ما سمعت | ولا رأت مثله أذني ولا عيني |
صحيح خط ولفظ قال حسده | كتابه الجمع ما بين الصحيحين |
أحكام أجفانك في مهجتي | نافذة في كل ما تحكم |
وطالما قد نفذت مثلها | أسنة المران والأسهم |
أقول لمن جفنه سيفه | ولكنه ليس يخشى نبوه |
تكلف جفنك حمل الفتور | وأخرج فيه من الضعف قوه |
لي عند خدك أقساط من القبل | فوفني البعض مما لي من الجمل |
ولا تحلني على ما كان منكسرا | من الجفون ولا المرضى من المقل |
أعملت فكري في السماء وقد بدا | فيها هلال جسمه منهوك |
فكأنما هي شقة ممدودة | وكأنه من فوقها مكوك |
قالوا فلان ناظر فأجبت ما | هو ناظر إلا إلى أعطافه |
لم يدر مسح الأرض قلت أزيدكم | أخرى ولا مسحا على أطرافه |
الصب من بعدكم مفرد | ودمعه النيل وتغليقه |
وخده مما بكاكم دما | مقياسه والدم تخليقه |
أنت حر ما لم يكن منك وعد | فإذا ما وعدت صرت رقيقا |
وإذا شئت أن تكون عتيق الـ | ـرق من موعد فكن صديقا |
ما بي سوى عين نظرت لحسنها | وذاك لجهلي بالعيون وغرتي |
وقالوا به في الحب عين ونظرة | لقد صدقوا عين الحبيب ونظرتي |
ولما أتاني العاذلون عدمتهم | وما فيهم إلا للحمي قارض |
وقد بهتوا لما رأوني شاحبا | وقالوا به عين فقلت وعارض |
قالوا قد احترقت بالنار راحته | وهي الغمام ومنها الوابل الغدق |
وقال قوم وما ضلوا ولا وهموا | بأنها النيل قلت النيل يحترق |
أبكم قلدوه أمر الرعايا | وهو من حلية الوزارة عطل |
فهو بالبوق في الوزارة طبل | وهو في الدست حين يجلس سطل |
يا غائبا لو قضيت من أسف | من بعده ما قضيت ما يجب |
ما ترك السقم بعد بعدك لي | والله جنبا عليه أنقلب |
لا تأسفن على الشباب وفقده | فعلى المشيب وفقده يتأسف |
هذاك يخلفه سواه إذا انقضى | ومضى وهذا إن مضى لا يخلف |
الشيب كره وكره أن يفارقني | أحبب بشيء على البغضاء مودود |
يمضي الشباب فيأتي بعده بدل | والشيب يذهب مفقودا بمفقود |
يقول جسمي لنحولي وقد | أفرط بي فرط ضنى واكتئاب |
فعلت بي يا سقم ما لم يكن | يلبس والله عليه الثياب |
عجبت للشيب كنت أكرهه | فأصبح القلب وهو عاشقه |
وكنت لا أشتهي أراه وقد | أصبحت لا أشتهي أفارقه |
قد خرج الشيب في تذاكره | عليك ما لا تطيق تخصمه |
والعمر فذلكت كل حاصله | وإن باقيه ليس نعلمه |
وكل من كان عاملا عملا | فإن ذاك الحساب يلزمه |
لا تسلني عن المشيب إذا حـ | ـل وسل إن جهلت شيبي عني |
خل شيبي وما يشاء فما يغـ | ـلب جهلي حلمي ومنه ومني |
وجرت مع فقري وشيخوختي التي | بها عاد نومي عن جفوني يشرد |
فلا يدعي غيري مقامي فإنني | أنا ذلك الشيخ الفقير المجرد |
ما زلت مذ غبت عنك في بلدي | حتى إذا ما أزحت علتها |
أقمت أجرانها على عجل | وبعد هذا خزنت غلتها |
قل لابن عيسى يمين مجتهد | بالله موسى أبن خلقتها |
إني لأشتاق طلعة طلعت | وخلفت في حشاي هيبتها |
وأرض عليها راح نصف خراجها | وخست وأرجو أنها سوف تخلف |
وقد أقطعوها لابن حجر لأنها | بواد به تلفى هناك وتعرف |
أتذكركم أرض جريت بها وكم | جرى لي عليها منذ حين تصرف |
وماسحها موسى الدليل ولو أبى | مساحتها يوما لكانت تنتف |
أيا ساكني مصر غدا النيل جاركم | فأكسبكم تلك الحلاوة في الشعر |
وكان بتلك الأرض سحر وما بقي | سوى أثر يبدو على النظم والنثر |
ولما حللت الثغر زاد حلاوة | وحليته أغلى من الشذر والدر |
فرحت وبي شوق وما كنت شيقا | لمثلم ذاك الثغر لولاك في الثغر |
فلا تطلبا سحر البيان بأرضنا | فكم فيه موسى مبطلا آية السحر |
ولا رقة الشعر الذي كان أولا | وكيف رقيق الشعر مع قسوة الدهر |
يا ساكن الروضة أنت المشتهى | من هذه الدنيا وأنت المقتضى |
ويا سرور النفس بين الشعرا | أنت الرضي فيهم والمرتضى |
ويا سراجا لم تزل أنواره | تعيد أسود الليالي أبيضا |
ما لي أراك قاطعا لواصل | ومعرضا عن مقبل ما أعرضا |
يا سهم عتب جاء من كنانة | أصبت من سواد قلبي الغرضا |
لكن أسوت ما جرحته بما | أعقبته من العتاب بالرضى |
يا ابن النقيب لا أرى منقبة | إلا وأولتك الثناء الأبيضا |
إن ولائي حسن في حسن | إذ ما أرى لعمر أن يرفضا |
ذكرت لي أنك احتلمت كما | يحتلم النائمون في النوم |
فليت شعري ما كان منك وما | جوار ذي الدار بعد ذا اليوم |
قد تم ما تم منك على تلكؤ | وكان الحديث في الصوم |
فخل بحرا إن خضت فيه معي | غرقت مع ما لديك من عوم |
أيا كرم فاضل هذا الزمان | سراج الملوك الفتى الكامل |
ويا عنبا منه ما جاءني | وقال سآتيك في قابل |
لأنت أحق بأن لا يقال | سوى فيك يا عنب الفاضل |
وما زلت مني داني القطوف | أرضع من درك الحافل |
ويلحفني ظلك المشتهى | فلا كان ظلك بالزائل |
وإن كنت زببت فوق العريش | فلا تأتنا وابق في الحاصل |
أتاني عتب حلا فضله | فصحفته عنب الفاضل |
وما أنس لا أنس مطوية | على الجد من لفظك الهازل |
وصفت الكروم بها في كلام | جلبت به الخمر من بابل |
وقد كنت في سنتي هذه | عن الكرم في شغل شاغل |
أمور بلغت بهن الطلاق | فزلت وما أنا بالزائل |
فو أسفاه لتلك القطو | ف دانية من فم الآكل |
فنقر العصافير من خارج | ونقل المدابير من داخل |
ولا تتهم كرمنا بالزبيب | أعيذك من دهشة الذاهل |
فإنا بنادره حصرما | لميل النفوس إلى العاجل |
شقت جيوب القوافي والقلوب معا | واستشعر الماضيان الخوف والجزعا |
وأبحر الشعر غاضت عندما عدمت | منك الخليل ومجرى الشعر قد نبعا |
ولا تواتي المعاني من يمارسها | بعد الأمير وقد كانت له تبعا |
وليس يفتح باب في البديع وقد | أودى بعمدته دهر وقد فجعا |
لهفي على لسن قد كان من حسن | بحيث إن قال أصغى القول مستمعا |
إذا أفاض على أملاكنا خلعا | منه أفاضت عليه المال والخلعا |
خلت كنانة من سهم يبلغها | أغراضها بصواب حيثما وقعا |
سهم مضى فمتى يرجى الرجوع له | هيهات هيهات سهم مر لا رجعا |
عز القبائل لا تخصص قبيلته | بمدره جمع الإقدام والورعا |
مرابط في ثغور المسلمين فلم | يهجع ولا سيفه في الله ما هجعا |
يا سيدي ورضيعي من فوائد قد | رضعت أخلافها طفلا وقد رضعا |
أبا علي ومدحي المصطفى لك من | خير ادخار وخير ذخر ما نفعا |
فاذهب حميدا فكم أبقيت منقبة | يا ابن النقيب وكم مهدت مضجعا |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 12- ص: 0
ابن النقيب الشاعر الحسن بن شاور.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 27- ص: 0