التصنيفات

أبو عبد الله أو أبو يحيى أو أبو محمد خباب ابن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم التميمي الصحابي.
توفي سنة 37 بالكوفة وقيل 39 وسنه 73 أو 63 سنة.
(وخباب بخاء معجمة وباء موحدة مشددة وألف وباء (والأرت) بهمزة وراء مهملة مفتوحتين ومثناة فوقانية مشددة وأصل الأرت في لسانه عقدة لا يطاوعه لسانه عند إرادة الكلام فإذا شرع فيه اتصل كلامه ولعل أباه كان كذلك.
الخلاف في نسبه
(قال) ابن هشام في سيرته هو من بني تميم ويقال هو من خزاعة اه (وفي الاستيعاب) اختلف في نسبه فقيل هو من خزاعي وقيل تميمي لم يختلف أنه حليف لبني زهرة والصحيح أنه تميمي النسب لحقه سباء في الجاهلية فبيع بمكة فاشترته امرأة من خزاعة اسمها أم أنمار بنت سباع الخزاعية فأعتقته وأبوها سباع حليف عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة فهو تميمي النسب خزاعي الولاء زهري بالحلف وقيل بل أم خباب هي أم سباع الخزاعية ولم يلحقه سباء ولكنه انتمى إلى حلفاء أمه بني زهرة اه (وفي الإصابة) التميمي ويقال الخزاعي سبي في الجاهلي فبيع بمكة فكان مولى أم أنمار الخزاعية وقيل غير ذلك ثم حالف بني زهرة (وفي الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد كاتب الواقدي) كان أصابه سباء فبيع بمكة فاشترته أم أنمار وهي أم سباع الخزاعية حليف عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ويقل بل أم خباب وأم سباع بن عبد العزى الخزاعي واحدة وكانت ختانة بمكة وهي التي عنى حمزة بن عبد المطلب يوم أحد حين قال لسباع بن عبد العزى هلم إلي يا ابن مقطعة البظور فانضم خباب بن الأرت إلى آل سباع وادعى حلف بني زهرة بهذا السبب اه وفي الخصال ما يدل على أنه نبطي لا عربي وهو ما رواه بسنده عن علي عليه السلام السباق خمسة فأنا سابق العرب وسلمان سابق فارس وصهيب سابق الروم وبلال سابق الحبش وخباب سابق النبط فمع ضعف سنده وإرساله واشتماله على ما لم يصح عندنا معارض بأقوى منه وفي المستدرك للحاكم: كثر الاختلاف في نسبه فقيل حليف بني زهرة ثم رواه بسنده عن عروة بن الزبير. وقيل مولى بني زهرة ثم رواه بسنده عن الزهري وقال إنه أصح الأقاويل لصحة الرواية به إلى الزهري. وقيل مولى ثابت بن أم أنمار ثم رواه بسنده عن خليفة بن خياط قال وثابت مولى الأخنس ابن شريق الثقفي. وقيل مولى عتبة بن غزوان ثم رواه بسنده عن إبراهيم بن سعد.
وفاته ومدفنه
في طبقات ابن سعد مسندا انه سئل عبد الله بن خباب متى مات أبوك قال سنة 37 وهو يومئذ ابن 73 سنة وفي موضع آخر منه أنه توفي بالكوفة منصرف علي عليه السلام من صفين سنة 37 فصلى عليه علي ودفنه بظهر الكوفة وكان يوم مات ابن 73 ثم قال قال محمد بن عمر وسمعت من يقول هو أول من قبره عليه السلام في الكوفة وصلى عليه منصرفه من صفين وكان الناس يدفنون موتاهم بالكوفة في جبابينهم فلما ثقل خباب أوصى ابنه فقال ادفني بهذا الظهر فإنك لو قد دفنتني به قيل دفن بالظهر رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن الناس موتاهم فدفنه بالظهر فكان أول مدفون بظهر الكوفة اه. . وروى الحاكم في المستدرك هذا الحديث بسنده عن عبد الله بن خباب إلا انه قال حتى جاء خبابا سهم فلما ثقل الحديث (وفي الاستيعاب) نزل الكوفة ومات بها سنة 37 منصرف علي عليه السلام من صفين وقيل بل مات سنة 39 بعد أن شهد مع علي صفين والنهروان وصلى عليه علي بن أبي طالب وكانت سنه إذ مات 63 سنة وقيل بل مات خباب سنة 19 بالمدين وصلى عليه عمر اه. (وفي الإصابة) نزل الكوفة ومات سنة 37 زاد ابن حبان منصرف علي عليه السلام من صفين وصلى عليه علي وقيل مات سنة 19 والأول اصح ويقال إنه أول من دفن بظهر الكوفة وعاش 63 سنة اه. وفي رجال العلامة طباطبائي أنه نزل الكوفة ومات بها سنة 37 بعد أن شهد صفين والنهروان مع أمير المؤمنين عليه السلام وكان عمره 63 وصلى عليه أمير المؤمنين عليه السلام وفي تهذيب التهذيب نزل الكوفة ومات بها سنة 37 وهو ابن 73 أو 63 وصلى عليه علي بن أبي طالب وحكى صاحب الاستيعاب أنه شهد صفين مع علي وقال أبو الحسن بن الأثير الصحيح أنه لم يشهد صفين منعه من ذلك مرضه فقال ابن حبان مات منصرف علي من صفين وصلى عليه علي اه. وقال ابن الأثير أيضا في حوادث سنة 37: : فيها مات خباب بن الأرت شهد بدرا وما بعدها وشهد صفين مع علي والنهروان وقيل لم يشهدها كان مريضا ومات قبل قدوم علي إلى الكوفة وقيل مات سنة 39 وكان عمره 63 سنة وفي التعليقة عن الشيخ أبي جعفر الطوسي أنه مات بالكوفة وصلى عليه أمير المؤمنين عليه السلام وقبره هناك وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين والطبراني وابن الأثير في الكامل أن خبابا مات بعد خروج أمير المؤمنين عليه السلام إلى صفين فروى نصر عن عبد الرحمن بن جندب قال: لما أقبل علي عليه السلام من صفين أقبلنا معه فجزنا النخيلة ورأينا الكوفة ورأينا بيوت الكوفة ثم مضى حتى جزنا دور بني عوف فإذا نحن عن إيماننا بقبور سبعة أو ثمانية فقال أمير المؤمنين عليه السلام ما هذه القبور فقال له قدامة بن عجلان الأزدي يا أمير المؤمنين إن خباب بن الأرت توفي بعد مخرجك فأوصى أن يدفن في الظهر وكان الناس يدفنون في دورهم وأفنيتهم فدفن الناس إلى جنبه فقال علي عليه السلام : رحم الله خبابا قد أسلم راغبا وهاجر طائعا وعاش مجاهدا وابتلى في جسده أحوالا ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا. فجاء حتى وقف عليهم ثم قال: السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات أنتم لنا سلف وفرط ونحن لكم تبع وبكم عما قليل لاحقون اللهم اغفر لنا ولهم وتجاوز عنا وعنهم ثم قال: الحمد لله الذي جعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا الحمد لله الذي جعل منها خلقنا وفيها يعيدنا وعليها يحشرنا طوبى لمن ذكر المعاد وعمل للحساب وقنع بالكفاف ورضي عن الله بذلك اه. وذكر نحوه ابن الأثير في أسد الغابة وفي الكامل وقال أيضا في حوادث سنة 37 وفيه مات خباب بن الأرت شهد بدرا وما بعدها وشهد صفين مع علي عليه السلام والنهروان وقيل لم يشهدهما كان مريضا ومات قبل قدوم علي عليه السلام إلى الكوفة اه. وفي الإصابة روى الطبراني من طريق زيد بن وهب قال لما رجع علي عليه السلام من صفين مر بقبر خباب فقال: رحم الله خبابا أسلم راغبا وهاجر طائعا وعش مجاهدا وابتلي في جسمه أحولا ولن يضيع الله أجره اه. (أقول) ) لا يبعد أن يكون موته في غياب علي عليه السلام بصفين سنة 37 لأن الوقعة كانت في تلك السنة ومن قال: إن وفاته منصرف علي عليه السلام من صفين وأنه صلى عليه لعله توهم ذلك من تأبينه له فظن أنه كان حاضرا عند وفاته ومن قال إنه توفي سنة 39 لعله بناه على أنه توفي بعد النهروان أو بنى أن وفاته بعد النهروان على أنه توفي سنة 39 والظاهر أنه وقع تصحيف بين 37 و39 وأن الصواب الأول وكذلك الظاهر أن الخلاف في مدة عمره نشأ من التصحيف بين الستين والسبعين لتقارب الحروف في الرسم أما القول بأنه مات بالمدينة سنة 19 فالظاهر أنه اشتباه برجل آخر. في أسد الغابة الصحيح أنه مات سنة 37 وأنه لم يشهد صفين فإنه كان مريضا قد طال به المرض فمنعه من شهودها وأما الخباب الذي مات سنة 19 فهو مولى عتبة بن غزوان ذكره أبو عمر أيضا وقد ذكر ابن منده وأبو نعيم أن خباب بن الأرت مولى عتبة بن غزوان وليس كذلك إنما خباب مولى عتبة بن غزوان رجل آخر يأتي ذكره وهما قد ذكرا فيمن شهد بدرا من بني نوفل بن عبد مناف من حلفائهم عتبة بن غزوان وخباب مولى عتبة ثم قال أبو نعيم عن مولى عتبة إنه لم يعقب ولا نعرف له رواية فكفى بهذا دليلا على أنهما اثنان لأن ابن الأرت قد أعقب عدة أولاد منهم عبد الله قتله الخوارج أيام علي عليه السلام ولابن الأرت رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم إن بني زهرة غير بني نوفل وقد ذكر ابن إسحاق وغيره من أصحاب السير من شهد بدرا من بني زهرة من حلفائهم خباب بن الأرت وذكروا أيضا من حلفاء بني نوفل خباب مولى عتبة بن غزوان فظهر أن مولى عتبة غير خباب بن الأرت اه.
أقوال العلماء فيه
قال ابن أبي الحديد هو قديم الإسلام قيل إنه كان سادس ستة وشهد بدرا وما بعدها من المشاهد وهو معدود في المعذبين في الله وهو أول من دفن بظهر الكوفة وذكر الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم خباب بن الأرت مقتصرا على ذلك وقال بحر العلوم الطباطبائي في رجاله: خباب بن الأرت التميمي أبو عبد الله أحد السابقين الأولين الذين عذبوا في الدين فصبروا على أذى المشركين روي أن قريشا أوقدت له نارا وسحبوه عليه فما أطفأها إلا ودك ظهره وكان أثر النار ظاهرا عليه في جسده، وقال اليافعي في تاريخه وفضائل صهيب وسلمان وأبي ذر وخباب لا يحيط بها كتاب اه. وذكره محمد بن سعد كاتب الواقدي في الطبقات الكبير في موضعين في البدريين من المهاجرين وفي الكوفيين فقال: سمعت من يذكر أنه رجل من العرب من بني سعد بن زيد مناة بن تميم وكان أصابه سباء فاشترته أم أنمار فأعتقته ونزل في الكوفة وابتنى بها دارا في جهار سوج خنيس وتوفي بها روى بسنده أنه أسلم قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وقبل أن يدعو فيها وكان من المستضعفين الذين يعذبون بمكة ليرجع عن دينه وقال خباب: لقد رأيتني يوما أخذوني وأوقدوا لي نارا ثم سلقوني فيها ثم وضع رجل رجله على صدري فما اتقيت الأرض إلا بظهري ثم كشف عن ظهره فإذا هو قد برص وروى أيضا أن المقداد بن عمرو وخباب بن الأرت لما هاجرا إلى المدين نزلا على كلثوم بن الهدم فلم يبرحا منزله حتى توفي قبل أن يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر بيسير فتحولا فنزلا على سعد بن عبادة فلم يزالا عنده حتى فتحت بنو قريظة وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين خباب بن الأرت وجبر بن عتيك وشهد خباب بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما مرض اكتوى بطنه سبعا وقال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ’’لا ينبغي لأحد أن يتمنى الموت لتمنيته وأتى بكفنه قباطي فبكى’’ ثم قال: لكن حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم كفن في بردة فإذا مدت على قدمه قلصت عن رأسه وإذا مدت على رأسه قلصت عن قدميه حتى جعل عليه أذخر ولقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أملك دينارا ولا درهما وأن في ناحية بيتي في تابوتي لأربعين ألف وألف ولقد خشيت أن تكون قد عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا وعاده نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أبشر يا أبا عبد الله إخوانك تقدم عليهم غدا فبكى وقال عليها من حالي إما أني ليس بي جزع ولكن ذكرتموني أقواما وسميتموهم لي إخوانا وإنما أولئك مضوا بأجورهم كما هي وإني أخاف أن يكون ثواب ما تذكرون من تلك الأعمال ما أوتينا بعدهم اه وروى الحاكم بسنده عن خباب قال: لقد خشيت أن يذهب بأجورنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصبنا من الدنيا قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وفي أسد الغابة بسنده قيل له: إن أصحابك اجتمعوا إليك لتحدثهم أو لتأمرهم قال: بم آمرهم ولعلي آمرهم بما لست فاعلا. وفي الدرجات الرفيعة كان خباب من فقراء المسلمين وخيارهم كان فضلا من المهجرين الأولين وكان في الجاهلية قينا يعمل السيوف روي أن الزبير وعثمان تكالما فقال الزبير: إن شئت تقاذفنا فقال عثمان: أنا لبعر يا أب عبد الله فقال الزبير: بل بضرب خباب وريش المقعد يعني بالسيوف والسهام (والمقعد) بفتح العين المهملة رجل كان يريش السهام وكان مبتلى في جثمانه مرض لا يزايله اه وفي شرح النهج هو معدود في المعذبين في الله سأله عمر بن الخطاب أيام خلافته ما لقيت من أهل مكة فقال: انظر إلى ظهري فقال خباب أوقدوا لي نارا وسحبت عليه فما أطفأها إلا ودك ظهري وجاء خباب إلى عمر فجعل يقول: ادنه ادنه ثم قال: : ما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا أن يكون عمار بن ياسر وابنه عبد الله بن خباب هو الذي قتله الخوارج فاحتج أمير المؤمنين عليه السلام وطالبهم بدمه اه.
(وفي الاستيعاب) كان قينا (حدادا) يعمل السيوف في الجاهلية وكان فاضلا من المهاجرين الأولين وشهد بدرا وما بعدها من المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان قديم الإسلام ممن عذب في الله وصبر على دينه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آخى بينه وبين تميم مولى خراش بن الصمة وقيل: بل آخى بينه وبين حبر بن عتيك والأول أصح نزل الكوفة ومات بها سئل عما لقي من المشركين فقال: انظر إلى ظهري أوقدت لي نارا وسحبت عليها فما أطفأها إلا ودك ظهري (الودك الشحم) وعدة في الاستيعاب ممن فضل عليا على غيره وفي أسد الغابة هو من السابقين الأولين إلى الإسلام وممن عذب في الله كان سادس ستة في الإسلام ألبسوه الدرع الحديد وصهروه في الشمس فبلغ منه الجهد ما شاء أن يبلغ من حر الحديد والشمس قال الشعبي: إن خبابا صبر ولم يعط الكفار ما سألوه فجعلوا يلصقون ظهره بالرضف حتى ذهب لحم متنه ونزل الكوفة ومات بها.
(وفي الإصابة) كان من السابقين الأولين روى البارودي أنه أسلم سادس ستة وهو أول من أظهر إسلامه وعذب عذابا شديدا لأجل ذلك ثم شهد المشاهد كلها وكان يعمل في السيوف في الجاهلية ثبت ذلك في الصحيحين وثبت فيهما أيضا أنه تمول وأنه مرض مرضا شديدا حتى كاد أن يتمنى الموت اه. وفي أسد الغابة قال بعض العلماء أن خباب بن الأرت لم يكن قينا وإنما القين مولى عتبة بن غزوان والله أعلم.
أخباره
في سيرة ابن هشام عن ابن اسحاق في إسلام عمر أن أخته فاطمة وزوجها سعيد بن عمرو بن نفيل ورجل من بني عدي بن كعب اسمه نعيم بن عبد الله النحام كانوا قد أسلموا وهم مستخفون بإسلامهم وكان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن فخرج عمر يوما متوحشا سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكر له أنه مع جماعة من أصحابه قريبا من أربعين رجلا وامرأة في بيت عند الصفا فيهم عمه حمزة وأبو بكر وعلي بن أبي طالب فلقيه نعيم بن عبد الله فقال: أين تريد فقال: أريد محمدا هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش وسفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها فأقتله فقال: لقد غرتك نفسك من نفسك أترى بني عبد الله مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم قال: وأي أهل بيتي قال: أختك فاطمة وزوجها ابن عمك فرجع عمر إلى أخته وخنته وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها سورة طه يقرئهما إياها فلما سمعوا حسه تغيب خباب في مخدع لهم وجعلت فاطمة الصحيفة تحت فخذها وقد سمع عمر حين دنا إلى البيت قراءة خباب عليهما فقال: ماهذه الهمهمة التي سمعت قالا: ما سمعت شيئا قال: بلى لقد أخبرت إنكما تابعتما محمد على دينه وبطش بختنه فقامت إليه أخته لتكفه عن زوجها فضربها فشجها فقالا له: لقد أسلمن وآمنا بالله ورسوله فاصنع ما بدا لك فلما رأى ما بأخته من الدم ندم وقال لأخته: أعطني الصحيفة التي سمعتكم تقرأون آنفا فقالت: إنا نخشاك عليها فحلف لها ليردنها إذا قرأها فقالت: إنك نجس على رجسك فقال فاغتسل فلما قرأ منها صدرا قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه فلما سمع ذلك خباب خرج إليه ودعاه إلى الإسلام فقال: دلني على محمد لآتيه فأسلن فدله فطرق الباب فنظر إيه رجل من خلل الباب متوحشا السيف فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حمزة: ائذن له بالدخول فان كان جاء يريد خيرا بذلناه له وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’ائذن له’’ فلما دخل أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع ردائه ثم جبذه جبذة شديدة وقال: ’’ما جاء بك والله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة’’ قال: جئتك لأومن بالله ورسوله (الحديث) .
وفي سيرة ابن هشام أيضا قال ابن إسحاق: كان خباب بن الأرت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قينا بمكة يعمل السيوف وكان قد باع من العاص بن وائل سيوفا عملها له حتى إذا كان له عليه مال فجاء يتقاضاه قال له: يا خباب أليس يزعم محمد صاحبكم هذا الذي أنت على دينه أن في الجنة ما ابتغى أهلها من ذهب وفضة أو ثياب أو خدم قال خباب: بلى قال: فانظروني إلى يوم القيامة حتى أرجع إلى تلك الدار فأقضيك هناك حقك فوالله لا تكون أنت وأصحابك آثر عند الله مني ولا أعظم حظا في ذلك فأنزل الله تعالى فيه: {أرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا} إلى قوله تعالى: {ونرثه ما يقول ويأتينا فردا}. وروى محمد بن سعد هذا الخبر في الطبقات بسنده إلى خباب بنحو آخر قال: كنت رجلا قينا وكان لي على العاص بن وائل دين فأتيته أتقاضاه فقال لي لن أقضيك حتى تكفر بمحمد فقلت له: لن أكفر به حتى تموت ثم تبعث قال: إني لمبعوث من بعد الموت فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد فنزلت فيه: {أرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا - إلى قوله - فردا}.
نزول بعض الآيات فيه وفي جماعة مثله
في خباب وجماعة من فقراء المؤمنين أنزل الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} الآية روى الواحدي في أسباب النزول بسنده عن خباب بن الأرت قال: فينا نزلت كنا ضعفاء عند النبي صلى الله عليه وسلم بالغداة والعشي فعلمنا القرآن والخير فجاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزازي فقال: إنا من أشرف قومنا وإنا نكره أن يرونا معهم فأطردهم إذا جالسناك قال: نعم قالوا: لا نرضى حتى نكتب بيننا كتابا فآتوا بأديم ودواة فنزلت هذه الآيات. أخبرنا أبو بكر الحارثي أخبرنا أبو بكر بن حبان حدثنا أبو يحيى الرازي حدثنا سهل بن عثمان حدثنا أسباط بن محمد عن أشعث عن كركوس عن ابن مسعود قال: مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند خباب بن الأرت وصهيب وبلال وعمار قالوا: يا محمد رضيت بهؤلاء أتريد أن تكون تبعا لهؤلاء فأنزل الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم} وروى الثعلبي في تفسيره بإسناده عن عبد الله بن مسعود قال: مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب وخباب وبلال وعمار وغيرهم من ضعفاء المسلمين فقالوا: يامحمد أرضيت بهؤلاء من قومك أفنحن نكون تبعا لهم أهؤلاء الذين من الله عليهم أطردهم عنك فلعلك إن طردتهم اتبعناك فأنزل من الله تعالى {ولا تطرد} الخ. وفي مجمع البيان قال سلمان وخباب: فينا نزلت هذه الآية جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزازي وذووهم من المؤلفة قلوبهم فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا مع بلال وصهيب وعمار وخباب في ناس من ضعفاء المؤمنين فحقروهم وقالا: يا رسول الله لو نحيت هؤلاء عنك حتى نخلو بك فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن يرونا مع هؤلاء الأعبد ثم إذا انصرفنا فإن شئت فأعدهم إلى مجلسك فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فقال له: اكتب لنا بهذا على نفسك كتابا فدعا بصحيفة وأحضر عليا عليه السلام ليكتب ونحن قعود في ناحية إذا نزل جبرائيل بقوله: {ولا تطرد الذين يدعون} إلى قوله: {أليس الله بأعلم الشاكرين} فنحى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة وأقبل علينا ودنونا منه وهو يقول: ’’كتب ربكم على نفسه الرحمة’’ فكنا نقعد معه فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله عز وجل: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم} الآية فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا ويدنو حتى كادت ركبنا أن تمس ركبتيه فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم وقال لنا: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي معكم المحيا ومعكم الممات. وفي مجمع البيان في تفسير قوله تعالى: { واصبر نفسك} الآية: نزلت الأولى في سلمان وأبي ذر وصهيب وعمار وخباب وغيرهم من فقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن المؤلفة قلوبهم جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وذووهم فقالوا: يا رسول الله إن جلست في صدر المجلس ونحيت عنا هؤلاء وأرواح صنانهم وكانت عليهم جباب الصوف جلسنا نحن إليك وأخذنا عنك فلا يمنعنا من الدخول عليك إلا هؤلاء فلما نزلت الآية قام النبي صلى الله عليه وسلم يلتمسهم فأصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله عز وجل فقال: ’’الحمد الله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي معكم المحيا ومعكم الممات’’ اه. وقد أطبق المفسرون على نزول هذه الآيات في خباب وأصحابه واستقصاء الروايات فيها يطول به الكلام.
وروى نصر في كتاب صفين بسنده عن ابن عباس أن خباب بن الأرت وجماعة أخذهم المشركون فقتلوا بعضهم وعذبوا بعضهم وذلك بعدما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة حتى قالوا بعضه ما أراد المشركون ثم أرسلوا فنزلت فيهم هذه الآية {والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون}.
وفي معجم البلدان أن عثمان بن عفان أقطع خباب بن الأرت استينا قرية بالكوفة.
روايته والراوون عنه
في الإصابة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذيل المذيل روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا كثيرا وفي أسد الغابة روى عنه ابنه عبد الله ومسروق بن الأجدع وقيس بن سنجرة وأبو ميسرة عمرو بن شرحبيل والشعبي وحارثة بن مضرب وغيرهم وزاد صاحب تهذيب التهذيب وروى عنه أبو أمامة الباهلي وأبو معمر عبد الله بن الشخير وعلقمة بن قيس وأبو وائل وحارثة بن مضرب وأبو الكنود الأزدي وأبو ليلى الكندي قال: وأرسل عنه مجاهد والشعبي وسليمان بن أبي هند.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 6- ص: 304