حيان بن قيس النابغة الجعدي توفي بأصفهان حوالي سنة 65.
في ملك عبد الملك بن مروان وكان من المعمرين أدرك الجاهلية وأدرك المنذر بن المحرق ونادمه بالحيرة وعاش إلى ملك ابن الزبير وعبد الملك بن مروان قال عمر بن شبة عاش 180 سنة وقال أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين 200 سنة وقال ابن قتيبة عمر 220 سنة وعن الأصمعي أنه عاش 230 سنة قال أبو الفرج بعد نقل قول ابن قتيبة وما ذاك بمنكر لأنه أنشد عمر بن الخطاب أبياته التي يقول فيها (ثلاثة أهلين أفنيتهم) فقال له عمر كيف لبثت مع كل أهل قال ستين سنة فهذه مائة وثمانون ثم عمر بعدهم فمكث بعد قتل عمر إلى خلافة عثمان وعلي ومعاوية ويزيد وقدم علي بن الزبير بمكة وقد دعا لنفسه فاستماحه ومدحه وبين هؤلاء وعمر نحو ما ذكر ابن قتيبة بل لا شك أنه بلغ هذا السن اه وقوله: (ثلاثة أهلين أفنيتهم) شطر بيت من قصيدة. في الاستيعاب روى عمر بن شبة عن أشياخه أنه أنشد عمر بن الخطاب.
لقيت أناسا فأفنيتهم | وأفنيت بعد أناس أناسا |
ثلاثة أهلين أفنيتهم | وكان الإله هو المستآسا |
في خزانة الأدب المستآس المستعاض مستفعل من الأوس وهو العطية عوضا وبعدهما.
وعست بعيشين أن المنو | ن تلقى المعايش فيها خساسا |
فحينا أصادف غراتها | وحينا أصادف منها شماسا |
شهدتهم لا أرجي الحيا | ة حتى تساق بسعر كئاسا |
الخلاف في اسمه ونسبه:
قيل اسمه حيان بن قيس بن عبد الله وهو الذي صححه أبو الفرج في الأغاني وقيل اسمه قيس بن عبد الله وقيل اسمه عبد الله. في الأغاني هو على ما ذكر أبو عمرو الشيباني والقحذمي وهو الصحيح حيان بن قيس بن عبد الله بن وححوح بن عدس (بضم العين وفتح الدال) بن ربيعة بن جعدة (بفتح الجيم) بن كعب بن ربيع بن عامر بن صعصعة ابن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة ابن قيس بن عيلان بن مضر ويكنى أبا ليلى قال وقيل ابن عمر بن عدس مكان وحوح ثم قال هذا النسب الذي عليه الناس اليوم مجتمعون وقد رويت روايات تخالف هذا ذكر الكلبي عن أبيه أن خصفة الذي يقول الناس فيه خصفة بن قيس بن عيلان إنما هي أم عكرمة أو حاضنته وهي امرأة من أهل هجر وكان قيس بن عيلان قد مات وعكرمة صغير فربته فكان قومه يقولون هذا عكرمة بن خصفة فبقيت عليه. قال أبو الفرج عن محمد بن سلام. هو قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة بن صعصعة وقال ابن الأعرابي هو قيس بن عبد الله بن عمرو بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة ووافق ابن سلام في بعض نسبه وهذا وهم ممن قال أن اسمه قيس وليس يشك في أنه كان له أخ يقال له وحوح بن قيس وهو الذي قتله بنو أسد ورثاه النابغة اه وفي الإصابة يحتمل كون وحوح أخاه لأمه وفي القاموس سماه قيس بن عبد الله وذكر نسبه صاحب تاج العروس قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة ابن وحوح وفي الاستيعاب اختلف في اسمه فقيل قيس بن عبد الله وقيل حيان بن قيس ابن عبد الله ابن عمرو بن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وقيل اسمه حيان بن قيس بن عبد الله بن وحوح بن عدس بن ربيعة بن جعدة.
وفي معجم الشعراء للمرزباني اسمه قيس بن عبد الله ابن عدس بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة هكذا نسبه أبو عبيدة وابن الكلبي ومحمد بن سلام ولقيط وأكثر أهل العلم وقال القحذمي اسمه حيان بن قيس ابن عبد الله بن وحوح بن عدس بن ربيعة بن جعدة يكنى أبا ليلى.
أمه
في الأغاني أمه فاخرة بنت عمرو بن جابر بن شحنة الأسدي.
تلقينه بالنابغة
وفي القاموس النابغة الرجل العظيم الشأن والنابغة في الشعر من قال الشعر وأجاده ولم يكن في ارث الشعر. وفي الأغاني أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد قرأت على القحذمي: قال الجعدي الشعر في الجاهلية ثم أجبل دهرا ثم نبغ بعد في الشعر في الإسلام ثم روى عن ابن الأعرابي أقام النابغة الجعدي ثلاثين سنة لا يتكلم ثم يتكلم بالشعر اه وفي الدرجات الرفيعة يقال أجبل الشاعر إذا صعب عليه قول الشعر فانقطع كأنه وصل إلى جبل من قولهم أجبل الحافر إذ أفضى إلى الجبل والصخر الذي لا يحيك فيه المعول. وفي لسان العرب: وقد قالوا نابغة قال الشاعر: ونابغة الجعدي بالرمل بيته.
عليه صفيح من تراب موضع قال سيبوه أخرج الألف واللام وجعل كواسط.
من لقب بالنابغة من الشعراء
هم ثمانية ذكرهم صحب القاموس (الأول) النابغة الجعدي صاحب الترجمة (الثاني) النابغة الذبياني زياد بن معاوية قال أبو الفرج قال القحذمي أسن من نابغة بني ذبيان فان الجعدي عمر مع المنذر بن المحرق قبل النعمان بن المنذر وكان النابغة الذبياني مع النعمان بن منذر وفي عصره ومات قبل الجعدي. ولم يدرك الإسلام (الثالث) نابغة بني شيبان عبد الله بن المخارق (الرابع) نابغة بني الديان يزيد بن أبان الحارثي (الخامس) نابغة بني قتال بن يربوع الحارث بن كعب اليربوعي (السادس) النابغة بن لأي الغنوي (السابع) الحارث بن عدوان التغلبي (الثامن) النابغة العدواني ولم يسم.
أقوال العلماء فيه
هو من فحول الشعراء المخضرمين أي الذين أدركوا الجاهلية و الإسلام في تاج العروس قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا له روى عنه يعلى بن الأشدق وقد وقع لنا حديثه عاليا في ثمانيات النجيب وعشاريات الحافظ بن حجر وفي الأغاني عن ابن إسلام كان الجعدي النابغة قديما شاعرا مفلقا طويل العمر في الجاهلية والإسلام وفي الاستيعاب عن عمر ابن شبة كان النابغة الجعدي شاعرا مقدما إلا أنه كان إذا هاجى غلب هاجى أوس بن مغراء وليلى الأخيلية وكعب بن جعيل فغلبوه وهو أشعر منهم مرارا ليس فيهم من يقرب منه وكذلك قال فيه ابن سلام وغيره وكان يذكر في الجاهلية كلمته التي أولها:
الحمد لله لا شريك له | من لم يقلها فنفسه ظلما |
وأورد صاحب الدرجات الرفيعة بعد هذا البيت أبيات منها وهي:
المولج الليل في النـ | ـهار ليلا يفرج الظلما |
الخافض الرافع السماء على الـ | ـأرض ولم يبن تحتها دعما |
ثم عظاما أقامها عصب | ثمة لحما كساه فالتحما |
ثم كسى الرأس والعواتق أبـ | ـشارا عليها تخاله أدما |
من نطفة قدها مقدرها | يخلق منها الإنسان والنمسا |
واللون والصوت والمعاييش والأر | زاق شيء وفرق الكلما |
ثمة لابد أن سيجمعكم | والله جهدا شهادة قسما |
فائتمروا الآن ما بدا لكم | واعتصموا ما وجدتم عصما |
في هذه الأرض والسماء ولا | عصمة منه إلا لمن عصما |
وهي قصيدة طويلة قال المؤلف: هذا الشعر قد اشتمل على بيان عظمته تعالى وبديع خلقه وعلى أوضح دليل على قدرته وحكمته ولطيف صنعه مما دل على رجاحة عقله ودقة فهمه لا سيما وقد نظمها في الجاهلية قال صاحب الاستيعاب وفي القصيدة ضروب من دلائل التوحيد والإقرار بالبعث والجزاء والجنة والنار وصفة بعض ذلك على نحو شعر أمية بن أبي الصلت وقد قيل: إن هذا الشعر لأمية ولكنه قد صححه يونس بن حبيب وحماد الراوية ومحمد بن سلام وعلي بن سليمان الأخفش للنابغة الجعدي اه وقالا لمرزباني في معجم الشعراء: تروى لأمية بن أبي الصلت والصحيح أنها للنابغة وفي الأغاني أنه دخل على الحسنين عليهما السلام يودعهما فاستنشداه شيئا من شعره فأنشدهما هذه القصيد فقالا: يا أبا ليلى ما كنا نروي هذا الشعر إلا لأمية بن أبي الصلت فقال: يا ابني رسول الله إني لصاحب هذا الشعر وأول من قاله وإن السروق لمن سرق شعر أمية اه يعني أن شعر أمية لشهرته لا يمكن لأحد أن يسرقه فإن سرقه أحد دل على أنه سروق مبالغ في السرقة وفي الأغاني أيضا عن أبي عبيدة معمر بن المثنى كان النابغة الجعدي ممن فكر في الجاهلية وأنكر الخمر والسكر وما تفعل بالعقل وهجر الأزلام والأوثان وكان يذكر دين إبراهيم والحنيفة ويصوم ويستغفر ويتوقع أشياء لعواقبها وشهد مع علي بن أبي طالب صفين وفي الاستيعاب وفد النابغة على النبي صلى الله عليه وسلم مسلما وأنشده ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أيضا أنه وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم وحسن إسلامه وله أخبار حسان ثم حكى عن محمد بن سلام أن النابغة الجعدي والشماخ بن ضرار ولبيد ابن ربيعة وأبو ذؤيب الهذلي طبقة اه وقال المرزباني في معجم الشعراء كان شاعرا مفلقا طويل البقاء في الجاهلية والإسلام وهو أحد المعمرين وكف بصره بعد أن أسلم وحسن إسلامه وبلغ إلى فتنة ابن الزبير ومات بأصفهان وهو أحد نعات الخيل وكان في صحابة علي بن أبي طالب عليه السلام وله مع معاوية أخبار.
أخباره
عمر النابغة طويلا كما عرفت. عن السجستاني في كتاب المعمرين فلما أتت عليه مائة واثنتا عشرة سنة قال:
مضت ماءة لعام ولدت فيه | وعشر بعد ذاك وحجتان |
فأبقى الدهر والأيام مني | كما أبقى من السيف اليماني |
تفلل وهو مأثور جراز | إذا جمعت بقائمه اليدان |
ألا زعمت بني سعد باني | وما (ألا) كذبوا كبير السن فاني |
فن يحرص على كبري فاني | من الفتيان أزمان الخنان |
الخنان مرض أصاب الناس في أنوفهم وحلوقهم وربما أخذ النعم وربما قتل اه وهو بضم الخاء المعجمة وبعدها نون مخففة في القاموس الخنان كغراب زكام الإبل وزمن الخنان كان في عهد المنذر بن ماء السماء وماتت الإبل منه. وفي الاستيعاب: كان أول من أنشده رسول الله صلى الله عليه وسلم قصيدته الرائية قال: وهو قصيدة مطولة نحو مائتي بيت وما أظن إلا وقد أنشده الشعر كله وأوله:
خليلي غضا ساعة وتهجرا | ولوما على ما أحدث الدهر أو ذرا |
تذكرت والذكرى تهيج للفتى | ومن حاجة المحزون أن يتذكرا |
نداماي عند المنذر بن محرق | أرى اليوم منهم ظاهر الأرض مقفرا |
كهول وفتيان كأن وجوههم | دنانير مما شيف في أرض قيصرا |
تقضى زمان الوصل بيني وبينها | ولم ينقض الشوق الذي كان أكثرا |
واني لأستشفي برؤية جارها | إذا ما لقائيها علي تعذرا |
وألقى على جيرانها مسحة الهدى | وان لم يكونوا لي قبيلا ومعشرا |
ترديت ثوب الذل يوم لقيتها | وكان ردائي نخوة وتجبرا |
حسبنا زمانا كل بيضاء شحمة | ليالي إذ نغزو جذامة وحميرا |
إلى أن لقينا الحي بكر بن وائل | ثمانين ألفا دار عين وحسرا |
فلما قرعنا النبع بالنبع بعضه | ببعض أبت عيدانها أن تكسرا |
سقيناهم كأسا سقونا بمثلها | ولكننا كنا على الموت أصبرا |
بنفسي وأهلي عصبة أسلمية | يعدون للهيجة عناجيج ضمرا |
وقالوا لنا أحيوا لنا من قتلتم | لقد جئتم أدا من الأمر منكرا |
ولسنا نرد الروح في جسم ميت | وكنا نسل الروح ممن تيسرا |
نميت لا ونحيي كذاك صنيعنا | إذا البطل الحامي إلى الموت هجرا |
ملكنا فلم نكشف قناعا لحرة | ولم نستلب إلا الحديد المسمرا |
ولو أننا شئنا سوى ذاك أصبحت | كرائمهم فينا تباع وتشترى |
ولكن أحسابا نمتنا إلى العلى | وآباء صدق أن نروم المحقرا |
وإنا لقوم ما نعد خيلنا | إذا ما التقينا أن تحيد وتنفرا |
وينكر يوم الروع ألوان خيلنا | من الطعن حتى نحسب الجون أشقرا |
وليس بمعروف لنا أن نردها | صحاحا ولا مستنكرا أن تعقرا |
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا | وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا |
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ’’إلى أين يا أبا ليلى قال فقلت إلى الجنة قال: نعم إن شاء الله’’ قال صاحب الاستيعاب وهو من أحسن ما قيل من الشعر في الفخر بالشجاعة سباطة ونقاوة وجزالة وحلاوة قال: ولما أنشدته:
ولا خير في حلم إذا لم يكن له | بوادر تحمي صفوه أن يكدرا |
ولا خير في جهل إذا لم يكن له | حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا |
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’لا يفضض الله فاك’’ وكان من أحسن الناس ثغرا وكان إذا سقطت له سن نبتت أخرى وقال بعضهم: نظرت إليه كان البرد المهل يتلألأ ويبرق ما سقطت له سن ولا نقلت لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’أجدت لا يفضض الله لك فاك’’. في الدرجات الرفيعة وهذه القصة رويت متسلسلة بالشعراء من رواية دعبل بن علي الشاعر عن أبي نواس عن والبة بن الحباب عن الفرزدق عن الطرماح عن النابغة وهي في كتاب الشعراء لأبي زرعة الرازي. ويقول فيها:
أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى | ويتلو كتابا كالمجرة نيرا |
وجاهدت حتى ما أحس ومن معي | سهيلا إذا ما لاح ثم تمورا |
أقيم على التقوى وأرضى بفعلها | وكنت من النار المخوفة أحذرا |
وفي الاستيعاب عن الهيثم بن عدي رعت بنو عامر بالبصرة في الزرع فبعث أبو موسى الأشعري في طلبها فتصارخوا يا آل عامر فخرج النابغة الجعدي ومعه عصابا فأتى به أبو موسى فقال له: ما أخرجك قال: سمعت داعيا قومي فخرجت فضربه أسواطا فقال النابغة يهجوه:
رأيت البكر بكر بني ثمود | وأنت أراك بكر الأشعرينا |
فإن تك لابن عفان أمينا | فلم يبعث بك البر الأمينا |
فيا قبر النبي وصاحبيه | ألا يا غوئنا لو تسمعونا |
ألا صلى إلهكم عليكم | ولا صلى على الأمراء فينا |
وروى بسنده عن عروة بن الزبير فقال: أقحمت السنة نابغة بني جعد فدخل على عبد الله بن الزبير في المسجد الحرام فأنشده من أبيات:
أتاك أبو ليلى تجوب به الدجى | دجى الليل جواب الفلاة عرمرم |
لتجبر منه جانبا دعدعدت به | صروف الليالي والزمان المصمم |
فأعطاه سبع قلائص وفرسا وأوقر له الركاب برا وتمرا وثيابا من ماء الصدقة، وفي معجم الشعراء للمرزباني روي أنه لما أنشد النبي صلى الله عليه وسلم:
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا | وأنا لنرجو فوق ذلك مظهرا |
قال له: أين المظهر يا أبا ليلى فقال: أجل إن شاء الله تعالى. قال: ثم أنشدته:
فلا خير في حلم إذا لم تكن له | بوادر تحمي صفوه أن يتكدرا |
ولا خير في جهل إذا لم يكن له | حليم إذا ما أورد الماء أصدرا |
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ’’أجدت لا يفضضن الله فاك’’ فيقال: إنه بلغ عشرين ومائة سنة لم تسقط له سن اه وفي المجموع الرائق تأليف هبة الدين ابن أبي محمد الحسن الموسوي في نسخة مخطوطة رأيتها في قم سنة 1353: أخبرني أبو الحسين بن زنجي اللغوي البصري في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة عن أبي عبد الله النمري عن ابن دريد الأزدي وأخبرني أبو الحسين علي بن المظفر العلامة البندنيجي عن أبي أحمد بن عبد الله بن سعيد العسكري عن ابن دريد الأزدي عن أبي حاتم السجستاني عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال: قال أبو ذؤيب الهذلي بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليل (الحديث) ثم قال: وبهذا الإسناد أن النابغة الجعدي خرج من منزله وسأل عن حال الناس فلقيه عمران بن حصين وقبس بن صرمة وقد عادا من السقيفة فقال: ما وراءكما فقال عمران بن حصين إن كنت أدري فعلي بدنة من كثرة التخليط أف من آفة وقال قيس بن صرمة:
أصبحت الأمة في أمر عجب | والملك فيهم قد غدا لمن غلب |
فقد قلت قولا صادقا غير كذب=إن غدا يهلك أعلام العرب
وقال النابغة: فما فعل أبو الحسن علي قيل: مشغول بتجهيز النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
قولا لأصلع هاشم إن أنتما | لاقيتماه لقد حللت أرومها |
وإذا قريش بالنجار تسجلت | كنت الجدير بها وكنت زعيمها |
وعليك سلمت الغداة بإمرة | للمؤمنين فما رعت تسليمها |
نكئت على عمد هنالك عهده | فتبوأت نيرانها وجحيمها |
وتخاصمت يوم السقيفة والذي | فيه الخصام غدا يكون خصيمها |
وفي الأغاني بسنده دخل النابغة الجعدي على عثمان ليودعه فقال: وأين تريد يا أبا ليلى قال: ألحق بابلي فأشرب من ألبانها فاني منكر لنفسي إلى أن قال: فدخل على الحسن والحسين فودعهما(الحديث) وقد تقدم.
وفي الأغاني بسنده لما خرج علي عليه السلام إلى صفين خرج معه نابغة بني جعدان فساق به يوما فقال:
قد علم المصران والعراق | أن عليا فحلها العتاق |
أبيض جحجاح له رواق | وأمه غال بها الصداق |
أكرم من شد به نطاق | إن الأولى جاروك لا أفاقوا |
لهم سياق ولكم سياق | قد علمت ذلكم الرفاق |
سقتم إلى نهج الهدى وساقوا | إلى التي ليس لها عراق |
#في ملة عادتها النفاق
وفي الأغاني أغار المنتشر الباهلي على اليمن فرجع مظفرا فوجد بني جعدة قد قتلوا ابنا له فأغار على بني جعدة فقتل منهم ثلاثة نفر فتصدعت باهلة فلحقت فرقة منهم يقال لهم: بنو وائل بعقال بن خويلد العقيلي فأجارهم فقال النابغة في ذلك قصيدة منها:
أيا دار سلمى بالحرورية أسلمي | إلى جانب الصمان فالمتثلم |
أقامت به البردين ثم تذكرت | منازلها بين الدخول فجرثم |
ومسكنها بين الغروب إلى اللوى | إلى شعب ترعى بهن فعيهم |
لياي تصطاد الرجال بفاحم | وأبيض كالأغريض لم يتثلم |
فأبلغ عقال إن غاية داحس | بكفيك فاستأخر لها أو تقدم |
تجير علينا وائلا في دمائنا | كأنك عما ناب أشياعنا عمي |
كليب لعمري كان أكثر ناصرا | وأيسر جرما منك ضرج بالدم |
رمى ضرع ناب فاستمر بطعنة | كحاشية البرد اليماني المسهم |
وما يشعر الرمح الأصم كعوبه | بثروة الأبلج المتوسم |
وقال بحساس أغثني بشربة | تفضل بها طولا علي وأنعم |
فقال تجاوزت الأحص وماءه | وبطن شبيث وهو ذو مترسم |
وفي الاستيعاب مما يستحسن ويستجاد للنابغة الجعدي قوله:
فتى كملت خيراته غي أنه | جواد فما يبقي من المال باقيا |
فتى تم فيه ما يسر صديقه | على أن فيه ما يسوء الأعاديا |
وفي الأغاني كان معاوية كتب إلى مروان فأخذ أهل النابغة على معاوية وعنده عبد الله بن عامر ومروان فأنشده:
من راكب يأتي ابن هند بحاجتي | على الناي والأنباء تنمى وتجلب |
ويجبر عني ما أقول ابن عامر | ونعم الفتى يأوي إليه المعصب |
فان تأخذوا أهلي ومالي بظنة | فاني لحراب الرجال مجرب |
صبور على ما يكره المرء كله | سوى الظلم إني إن ظلمت سأغضب |
فالتفت معاوية إلى مروان فقال: ما ترى فقال: أرى أن لا ترد عليه شيئا فقال: ما أهون والله عليك أن ينحجر هذا في غار ثم يقطع عرضي ثم تأخذه العرب فترويه أما والله إن كنت لممن يرويه أردد عليه كل شيء أخذته منه اه. وإنما كتب معاوية إلى مروان بأخذ أهل النابغة وحبسهم ونهب ماله لأنه حضر صفين مع علي أمير المؤمنين عليه السلام وكان مواليا له فانتقم منه بهذا العدوان الشنيع من حبس الأهل وسلب المال بغير حق ولولا خوفه من هجوه لما رد عليه ما أخذ منه ولكان رأيه فيه رأي مروان ومع ذلك ففي الإصابة عن أبي نعيم في تاريخ أصبهان أن معاوية كان قد سير النابغة إلى أصبهان مع الحارس بن عبد الله بن عوف بن أحزم وكان ولي أصبهان من قبل علي وكانت وفاته بها وعن تاريخ الإسلام للذهبي أن النابغة قال هذه الأبيات:
المرء يهوى أن يعيـ | ـش وطول عمر قد يضره |
وتتابع الأيام حتـ | ـى ما يرى شيئا يسره |
تغنى بشاشته ويبـ | ـقى بعد حلو العيش مره |
ثم دخل بيته فلم يخرج حتى مات وكان موته في أيام عبد الملك بن مروان. وفي الإصابة قال أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين أنه عاش مائتي سنة وهو القائل:
قالت أمامة كم عمرت زمانة | وذبحت من عنز على الأوثان |
ولقد شهدت عكاظ قبل محلها | فيها وكنت أعد ملفتيان |
والمنذر بن محرق في ملكه | وشهدت يوم هجائنا النعمان |
وعمرت حتى جاء أحمد بالهدى | وقوارع تتلى من القرآن |
ولبست في الإسلام ثوبا واسعا | من سيب لا حرم ولا منان |
ومن شعره في الحكم قوله كما في الدرجات الرفيعة:
وكم من أخي عيلة مقتر | تأتي له حتى انجبر |
وآخر قد كان جم الغنى | أتته الحوادث حتى افتقر |
وكم غائب كان يخشى الردى | فآب وأودى الذي في الحضر |
وللصمت أفضل في حينه | من القول في خطل أو هذر |
عليك من أمرك ما تستطيـ | ـع وما ليس يعنيك منه فذر |
وما البغي إلا على أهله | وما الناس إلا كهذا الشجر |
ترى الغصن في عنفوان الشبا | ب يهتز في بهجة قد نضر |
زمانا من الدهر ثم التوى | فعاد إلى صفرة فنكسر |
وبينا الفتى يعجب الناظريـ | ـن مال على عطفه فانعقر |
فأحمد ربي بإحسانه | إلي وأشكر فيمن شكر |
هداني بنعمته للهدى | وشق المسامع لي والبصر |
وأحسن ربي فيما مضى | وأرجو المعافاة فيما غبر |