أبو العباس حمدان بن حمدون بن الحارث ابن منصور بن لقمان العدوي التغلبي
هكذا في مروج الذهب وفي غيره الحارث بن لقمان.
هل حمدان اسمه أحمد
ذكرنا في ج 8 أحمد بن حمدون وانه أخو حمدان هذا. ولكن يظن أن أحمد هو حمدان بعينه وان أصل حمدان أحمد فتصرف فيه فقيل حمدان كما يسمونه حمود وكما يقول أهل العصر فيمن أوله عبد عبود ونحو ذلك ويدل عليه قول ابنه سعيد والد أبي فراس كما يأتي في ترجمته:
أنا سعيد وأبي أحمد | بالسيف ضري وبه أنفع |
وعندي نسخة مخطوطة من ديوان أبي فراس علق على هامشها نقلا عن ابن خالويه في شرح قوله: وكان له جد من القوم مائر كان جده أبو العباس أحمد بن حمدون مار المعتضد وحاشيته وقت إصعاده إلى حرب الطولونية ولقد حدث عن أبي العباس حمدان بن حمدون قال كنت عديل المعتضد في طريقه ذلك من الحديثة إلى رأس عين إلى آخر ما يأتي في صدر العبارة جعله أحمد وفي آخرها حمدان فدل على أنهما واحد وربما يدل على التغاير بين أحمد وحمدان قول أبي فراس في رائيته الطويلة:
ومنا الذي ضاف الإمام وجيشه | ولا جود إلا ما تضيف العساكر |
فقال ومنا ولم يقل وجدي كما قال في بيت آخر:
وجدي الذي انتاش البلاد وأهلها | وللدهر ناب فيهما وأظافر |
ولو كان أحمد هو حمدان لكان جده فيكون المراد بقوله ومنا أحمد وبقوله جدي حمدان والله أعلم.
أقوال العلماء فيه وأخباره
هو جد سيف الدولة وناصر الدولة وأبي فراس الأدنى واليه ينتسب بنو حمدان. كان أميرا مطاعا جوادا نهاية في الجود فارسا شجاعا عالي الهمة له آثار عظيمة وأعمال جليلة وفيه يقول أبو فراس:
حمدان جدي خير من وطئ الحصى | وأبي سعيد في المكارم أوحد |
وقال ابن خالويه في شرح ديوان أبي فراس: قد ذكرت من الأخبار التي ذكرها أبو فراس في شعره ما حدثني به الثقات ممن شاهد تلك الأحوال وان كانت مآثر أبي العباس حمدان ومن تبعه من بنيه لا تحتاج إلى دليل اه. ومن أخباره ما ذكر ابن الأثير في حوادث سنة 254 أن مساور بن عبد الحميد الخارجي كان قد استولى على أكثر أعمال الموصل وقوي أمره فجمع له الحسن بن أيوب المعدوي التغلبي وكان خليفة أبيه بالموصل عسكرا كثيرا منهم حمدان بن حمدون جد الأمراء الحمدانية وفي حوادث سنة 260 أن اساتكين وهو من أكابر قواد الأتراك في خلافة المعتمد استعمل على الموصل إسحاق بن أيوب التغلبي فخرج في جمع يبلغون عشرين ألفا منهم حمدان بن حمدون التغلبي. وفي حوادث سنة 266 قال فيها فارق إسحاق بن كنداج أحمد بن موسى بن بغا وسبب ذلك أن أحمد لما ولى موسى بن انامش ديار ربيعة أنكر ذلك إسحاق بن كنداج وفارق عسكره وسار إلى بلد فأوقع بالأكراد اليعقوبية وسار إلى الموصل فقاطع أهلها على مال قد أعدوه وكان بمعلثابا قائد كبير اسمه علي بن داود هو المخاطب له عن أهل الموصل والمدافع فسار ابن كنداج إليه فلما بلغه الخبر فارق معلثايا وعبر دجلة ومعه حمدان بن حمدون إلى إسحاق بن أيوب التغلبي العدوي فاجتمعوا نحو خمسة عشر ألفا فعبر إليهم ابن كنداج في ثلاثة آلاف تصافوا للحرب فأرسل مقدم عسكره ميسرة بن أيوب إلى ابن كنداج أن احمل علي لانهزم ففعل فانهزمت ميسرة ابن أيوب وتبعها الباقون فسار حمدان بن حمدون وعلي بن داود إلى نيسابور. وفي حوادث سنة 267 فيها كانت وقعة بين إسحاق بن كنداجيق وإسحاق بن أيوب وحمدان بن حمدون ومن اجتمع إليهما من ربيعة وتغلب وبكر واليمن فهزمهم ابن كنداجيق وفي حوادث 272 فيها دخل حمدان بن حمدون وهارون الشاري مدينة الموصل وصلى بهم الشاري في جامعها. وفيها نزل بنو شيبان ومن معهم بين الزابين من اعمال الموصل وعاثوا وأفسدوا واجمع هارون الخارجي على قصدهم وكتب إلى حمدان بن حمدون التغلبي في المجيء إليه إلى الموصل وساروا جميعا إلى نهر الخازر وقاربوا حلل بني شيبان فوافقه طليعة لبني شيبان على طليعة هارون فانهزمت طليعة هارون وانهزم هارون. وفي حوادث 279 فيها اجتمع الخوارج ومقدمهم هارون بن عبد الله الشاري ومتطوعة أهل الموصل وغيرهم وحمدان بن حمدون التغلبي على قتال بني شيبان لأنهم قصدوا الإغارة على الموصل وأعمالها فالتقوا واقتتلوا وانهزمت بنو شيبان ولما لم يجدوا مفرا عادوا وقاتلوا فكسروا أهل الموصل وأنصارهم ومن ذلك يعلم أن الأمراء وغيرهم ومنهم هارون الشاري كانوا يستعينون به في حروبهم مما دل على شجاعته ومكانته أما اتصاله بهارون الشاري مع مباينته له في المذهب فيجوز أن يكون للاستعانة به على دفع الفساد أو تحصيل بعض المآرب. وقال الطبري وابن الأثير في حوادث سنة 281 فيها خرج المعتضد إلى الموصل قاصدا لحمدان بن حمدون قال ابن الأثير لأنه بلغه انه مال إلى هارون الشاري ودعا له وكأنها وشاية كاذبة وسار المعتضد عامدا لقلعة ماردين وكانت يد حمدان بن حمدون فلما بلغه مجيء المعتضد هرب وخلف ابنه الحسين بها فنزل عسكر المعتضد عليها فحاربهم من فيها يومهم ذلك وفي الغد صعد المعتضد إلى باب القلعة وصاح يا ابن حمدون فأجابه الحسين لبيك فقال افتح الباب ويلك ففتحه فقعد المعتضد في الباب وأمر بنقل ما فيها من المال والأثاث وبهدمها قال المسعودي وكان حمدان أنفق عليها أموالا جليلة ثم وجه خلف حمدان بن حمدون فطلب أشد الطلب وأخذت أموال له كانت مودعة فجئ بها إلى المعتضد. وفي حوادث سنة 282 قال كتب المعتضد من الموصل إلى حمدان بن حمدون بالمسير إليه فتحصن في قلاعه وغيب أمواله وحرمه فوجه إليه المعتضد الجيوش مع وصيف موشكير ونصر القشوري وغيرهما. وكان لحمدان قلعة بموضع يعرف بدير الزعفران من ارض الموصل وقال المسعودي أن القعلة تعرف بالصوارة نحو عين الزعفران وفيها الحسين ابنه فقصدها العسكر فطلب الحسين الأمان فأومن وصار إلى المعتضد وسلم القلعة فأمر بهدمها وأغذ وصيف موشكير السير في طلب حمدان وكان بموضع يعرف بباسورين بين دجلة ونهر عظيم والماء زائد فعبر أصحاب وصيف إليه فركب هو وأصحابه ودافعوا عن أنفسهم حتى قتل أكثرهم فركب حمدان زورقا كان معدا له في دجلة ومعه كاتب له نصراني وحمل معه مالا وعبر إلى الجانب الغربي من دجلة من ارض ديار ربيعة وقد اللحاق بالأعراب لما حيل بينه وبين أكراده الذين في الجانب الشرقي وعبر في أثره نفر يسير من الجند فاقتصدوا أثره حتى أشرفوا على دير كان قد نزله فهرب ومعه كاتبه ونزلا في زورق وخلفا المال في الدير فحمل إلى المعتضد وخرجوا في طلبه فلحقوه فخرج من الزورق إلى ضيعة له بشرقي دجلة فكرى دابة أو كيله وسار ليله كله إلى أن وافق مضرب إسحاق بن أيوب العنبري في عسكر المعتضد مستجيرا به فأحضره إسحاق إلى المعتضد فأمره بالاحتفاظ به وحبسه وبث الخيل في طلب أسبابه فظفر بكاتبه وعدة من قراباته وغلمانه وذلك في آخر المحرم من هذه السنة وهكذا كان جزاء المعتضد لحمدان على إحسانه إليه كما مر فنكبه بعد ما استجار به ولم يتبع سنة الكرام في العفو والصفح ونكب أقاربه وسائر بني حمدان الذين كانوا سدا في وجه الروم. وفي حوادث سنة 283 أن المعتضد سار في هذه السنة إلى الموصل بسبب هارون بن عبد الله الشاري الخارجي من الخوارج الصفرية فوجه إليه المعتضد الحسين بن حمدان وجرى للحسين ما تقدم في ترجمته حتى قبض على الشاري واتي به إلى المعتضد فانصرف المعتضد إلى بغداد فوصلها في ربيع الأول من هذه السنة وخلع على الحسين بن حمدان وإخوته وأمر بحل قيود أبيه حمدان بن حمدون والتوسعة عليه والإحسان إليه ووعد بإطلاقه. ومن آثاره العظيمة وأعماله الجليلة ما ذكره ابن خالويه في شرح ديوان أبي فراس قال عم أبو العباس حمدان بلد الموصل وديار ربيعة بالميرة ثلاثة أعوام تواترت بالمحل والقحط فسمي مكايد المحل. وقيل إنه وهب في سنة واحدة ثلاثة آلاف كر والكر يومئذ ظنه بثلاثة آلاف درهم ووفد عليه فيمن وفد بنو حبيب وكانوا أعداءه وأعداء أهل بيته فساواهم بأقرب عترته وفيه يقول شاعر غيرهم:
ما زلت في كيد المعيشة جاهدا | حتى أتيت مكايد المحل |
أعطى وقد بخل الزمان ولج في | إعطائه إذ لج في البخل |
وبنى حمدان هذا سورا على مدينة ملطية أنفق عليه تسعين ألف دينار ووقف عليه أربعمائة حجرة من خيله قال أبو فراس قال سيف الدولة دخلتها أنا وعمي أبو العلى في سنة 318 فقرأت اسم جدي على سورها قال ودخلتها أنا مع سيف الدولة بعد فتحها بعشرين سنة وقد اجتزنا بها في بعض غزواته وقصدنا موضع الاسم فوجدناه مكتوبا وفي ذلك يقول أبو فراس في قصيدته الرائية التي يفتخر فيها بآبائه:
وجدي الذي انتاش الديار وأهلها | وللدهر ناب فيهما وأظافر |
ثلاثة أعوام يكايد محلها | أشم طويل الساعدين عراعر |
فأبوا بجدواه وآب بشكرهم | وما منهما في صفقة المجد خاسر |
أسى داء ثغر كان أعيا دواؤه | وفي قلب ملك الروم داء مخامر |
بنى الثغر الباقي على الدهر ذكره | تتايح فيه السابقات الضوامر |
وسوف على رغم العدو يعيدها | معود رد الثغر والثغر دائر |
الظاهر أن المراد بهذا البيت سيف الدولة:
ولما ألمت بالديارين أزمة | جلالها وناب الموت كاشر |
كفت غدوات الغيث درات كفه | فأمرع باد واجتني العيش حاضر |
ويقول فيها مشيرا إلى سيف الدولة:
أبو الفيض مار الجيش حولا محرما | وكان له جد من القوم مائر |
قال ابن خالويه في شرح ديوان أبي فراس: كانت العرب تدعو سيف الدولة أبا الفيض لفيضه عليهم بالإحسان وسرنا معه إلى ديار بكر سنة 33 وأقام يمير الناس على طبقاتهم مدة مقامه وكان جده أبو العباس حمدان بن حمدون مار المعتضد وحاشيته وقت اصعاده إلى حرب الطولونية ولقد حدث عن أبي العباس حمدان قال كنت عديل المعتضد في طريقه ذلك من الحديثة إلى رأس عين وهو يتمنى أن يصير إليه الأمر فيكافئني فلما وصل إليه الأمر لم يبتدئ بغيره فاخذ منه أموالا نحو ثلاثمائة ألف دينار وحبسه إلى أن اخذ ابنه الحسين هارون الشاري فسال الحسين في إطلاق أبيه فأطلقه اه. وكان المعتضد كما مر نكب بني حمدان وحبس منهم جماعة فيهم المترجم بعد إحسانهم إليه وتقديمهم الميرة له في مسيره لحرب الطولونية ثم خرج هارون الشاري على المعتضد فأشار عليه بدر المعتدي بإنفاذ الحسين ابن حمدان في جيش فأنفذه وأبوه محبوس فأوقع بالشاري وأسره وقتل رجاله وسار به متوجها إلى المعتضد وخالفه موسكير إلى الموصل فلم ير الحسين بها فكتب إلى المعتضد بهزيمته ومطابقته للشاري فأمر بقتل أبيه حمدان فسأله بدر التوقف وقدم الحسين بالشاري فحكمه المعتضد في ثلاث حوائج أحداها إطلاق أبيه فأطلقه كما مر في ترجمة الحسين.