ركن الدولة ابن بويه الحسن بن بويه بن فناخسرو الديلمي، ركن الدولة: من كبار الملوك في الدولة البويهية. كان صاحب أصبهان والري وهمذان وجميع عراق العجم. استوزر أبا الفضل ابن العميد، ثم ابنه أبا الفتح. واستمر في الملك 44 سنة وشهرا و9 أيام. وهو والد عضد الدولة (فناخسرو) ومؤيد الدولة (بويه) وفخر الدولة (على) قسم عليهم الممالك في حياته. وتوفى بالرى
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 185
ركن الدولة أبو علي الحسن بن بويه بن فناخسرو الديلمي وباقي نسبه ذكر في ترجمة أخيه معز الدولة أحمد ابن بويه في المجلد الثاني المجلد السابع مع437- 438.
ولد تقديرا سنة 284 وتوفي ليلة السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة 366 بالري ودفن في مشهده.
قاله ابن خلكان عن أبي إسحاق الصابي.
صفاته وأقوال العلماء فيه
كان ركن الدولة ملكا جليلا عظيما شجاعا موفقا كريما عاقلا مدبرا ناظرا في العواقب حسن التدبير في الحروب حليما محبا للعفو حسن النية كريم المقدرة حافظا للذمام وفي بالعهود رفيع الهمة شريف النفس بعيدا عن الدنايا وفيما يأتي من أخباره أدلة وشواهد على ذلك. فهو قد واقع العسكر المرسل إلى كازرون فهزمهم وهو في نفر يسير. ومن حسن تدبيره أنه لما قصده المرزبان خادعه وتواضع له ووعده أن يسلمه بعض البلاد وطاوله حتى جاءته النجدات فحاربه وهزمه. ولما واقعه منصور بن قراتكين وضاق به الأمر صبر حتى ظفر ولم يهرب ولو هرب لهلك ولما جاءه جيش خراسان بعدد لا قبل له به صبر وقاتلهم من وجه واحد حتى ملوا وصالحوه. ومن وفاته ابتداؤه لما ورد شيراز بزيارة قبر أخيه وسيره حافيا حاسرا ولزومه القبر ثلاثة أيام وفاء لحق أخيه الذي رباه. ومن علو همته أنه لم يقبل بمنع عسكر خراسان (الذين جاؤوا للغزاة) من دخول بلاده مجتمعين لما أشار عليه ابن العميد بذلك وقال: لا تتحدث الملوك إني خفت جمعا من الغزاة.
وساعده الحظ والتوفيق فهو لما كان رهينة عند مرداويج وقتل مرداويج وخرج ركن الدولة إلى الصحراء ليفك قيوده صادف ورود بغال عليها تبن فركبها هو وأصحابه. ولما جاء منصور بن قراتكين لحربه نحو همذان وصار بينهما مقدار عشرين فرسخا عدل منصور إلى أصبهان ولو قصد همذان لانحاز ركن الدولة عنه وكان ملك البلاد. ولما جاءته جيوش خراسان مرة بما لا طاقة له به وخرج لحربهم حمل خنزير بري على مقدمهم فشب به فرسه فوقع فمات وتفرقوا وكفاء الله شرهم. ولما وصل منصور أصفهان وخرج منها أصحاب ركن الدولة وأهله وأحبابه لم يلحقهم منصور ولو لحقهم لغنمهم. ولما واقعه منصور وضاق به الأمر أتاه الخبر بأن منصورا وعكره عادوا إلى الري وتركوا خيامهم فغنم ذلك وكان هذا من منع الله له وتوفيقه.
ومن حسن تدبيره أنه لما حاربه الغزاة الخرسانية وجيشهم أعظم من جيشه أمر من يسيرون إلى مكان ويثيرون غبرة شديدة ويرسلون من يخبره بوصول المدد فقويت بذلك على الخراسانية فهزموهم. ومن حلمه وحبه للعفو لأنه كان منهم جماعة في البلد كانوا أساؤوا كثيرا لهم الديلم ليقتلوهم فمنعهم وأطلق الأسارى وأمر لهم بنفقات وردهم إلى بلادهم.
ومن شرف نفسه وبعده عن الدنايا أنه لما استجار به إبراهيم بن المزربان ورده إلى ولايته وأشار عليه ابن العميد أن يعوضه عنها ويأخذها لأنه لا يقوم بشؤونها امتدح وقال لا يتحدث الناس عني أنه استجار بي إنسان وطمعت فيه، وعير ولده عضد الدولة بذلك ومن حسن نيته وكرم مقدرته أنه لما تهدده وشمكير أن ظفر به بما لم يجسر كاتبه على قراءته له: أمر أن يكتب له: والله لئن ظفرت بك لأعاملك بضد ما كتبت ولأحسن إليك وأكرمك. فلقي وشمكير سوء نيته ولقي ركن الدولة حسن نيته.
ومن مساعدة الحظ والتوفيق له أنه كان له عدو بطبرستان شديد العداوة فمات وعصى عليه إنسان بهمذان فلما أتاه خبر موت وشمكير مات لوقته وكفى الله ركن الدولة هم الجميع.
ومن وفائه: أنه لما سمع بقبض ولده عضد الدولة على ابن عمه بختيار ألقى نفسه عن سريره إلى الأرض وتمرغ عليها ومرض مرضا لم يستقل منه باقي حياته، لأن أأخاه كان قد رباه. وحرض أعداء عضد الدولة عليه وحجب رسله وهم بقتلهم وسبه وشتمه وتهدده ولم يرض حتى أخرجه من بغداد ورده إلى فارس وأخرج بختيار من محبسه ورده إلى ملكه هذا مع شدة محبته لعضد الدولة وتوسمه فيه النجابة وكون ابن أخيه بختيار ليس أهلا للملك ولا لتدبيره.
وقال ابن الأثير عند ذكر وفاته: أصيب به الدين والدنيا جميعا لاستكمال خلال الخير فيه وقال ابن خلكان: كان ملكا جليل المقدار عالي الهمة وكان صاحب أصبهان والري وهمذان وجميع عراق العجم وهو والد عضد الدولة فناخسرو ومؤيد الدولة أبي منصور بويه وفخر الدولة أبي الحسن علي وكان مسعودا رزق السعادة في أولاده الثلاثة وقسم عليهم الممالك فقاموا بها أحسن قيام. وكان ركن الدولة أوسط الأخوة الثلاثة وهم عماد الدولة أبو الحسن علي وركن الدولة المذكور ومعز الدولة أبو الحسين أحمد وكان عماد الدولة أكبرهم ومعز الدولة أصغرهم اه.
ابتداء دولته
كان لأبيه بويه المكنى بأبي شجاع ثلاثة أولاد وهم: عماد الدولة أبو الحسن علي. وركن الدولة أبو علي الحسن المترجم. ومعز الدولة أبو الحسن أحمد وكانوا في السن على هذا الترتيب وملكوا كلهم ومرت ترجمة معز الدولة أتي بابه وقد ذكرنا شيئا من ابتداء دولتهم في ترجمته. قال ابن الأثير في حوادث سنة 221 أنه خرج من بلاد الديلم جماعة لتملك البلاد، منهم ما كان بن كالي ومرداويج بن زيار وغيرهما. وخرج مع كل واحد منهم خلق كثير من الديلم. وخرج أولاد أبي شجاع في جملة من خرج وكانوا من جملة قواد ما كان بن كالي وجرت خطوب واستولى مرداويج على ما كان بيد ما كان من طبرستان وجرجان ومحمد ما كان إلى نيسابور مهزوما فلما رأى أولاد بويه ضعفه وعجزه قال له عماد الدولة وركن الدولة: نحن في جماعة وقد صرنا ثقلا عليك وعيالا وأنت مضيق والأصلح لك أن نفارقك لنخفف عنك مؤونتنا فإذا صلح أمرنا عدنا اليك. فأذن لهما فسارا إلى مرداويج فقبلهما أحسن قبول وخلع عليهما وأكرمهما وقلد علي بن بويه كرج وكذلك سائر قواد ما كان الواصلين إليه، قلد كل واحد منهم ناحية فساروا إلى الري وبها أخوه وشمكير بن زياد والحسين بن محمد الملقب بالعميد والد ابن العميد المشهور وهو وزير مرداويج وعرض عماد الدولة بغلة شهباء فارهة للبيع فاشتراها العميد بمائتي دينار فأخذ علي بن بويه منها عشرة دنانير ورد الباقي مع فدية تم ندم مرداويج على تولية القواد فكتب إلى أخيه وشمكير وإلى العميد بمنعهم فلما وقف العميد على هذا الكتاب أمر عماد الدولة بالميسر من ساعته إلى عمله ففعل. ونفعت البغلة - ولما أصبح العميد عرض الكتب على وشمكير فمنع القواد من الميسر وسأل عن محمد الدولة فأخبر بميسره فأراد أن ينفذ خلفه من يرده فقال له العميد: أنه لا يرجع إلا بقتال ويخرج عن طاعتنا، فتركه. ووصل محمد الدولة إلى كرج وافتتح أصبهان وكان بها المظفر بن ياقوت واستولى على أرجان وسار نحو النوبتدجان وأنفذ عماد الدولة أخاه ركن الدولة الحسن المترجم إلى كازرون وغيرهما من أعمال فارس فاستخرج منها أموالا جليلة. وفي تجارب الأمم: فاستخرج منها أموالا عظيمة وآثار ذخائر جليلة كانت للأكاسرة يتوارثها قوم هناك فزاد استخراجه على استخراج أخيه. قال ابن الأثير: وكان ابن ياقوت قد عاد إلى أصبهان فأنفذ عسكرا إلى كازرون فواقعهم ركن الدولة فهزمهم وهو في نفر يسير وعاد غانما سالما إلى أخيه اه. وقال ابن الأثير في حوادث سنة 322: فيها استولى مرداويج على الأهواز فلما بلغ عماد الدولة ذلك كاتب نائب مرداويج أن يتوسط الحال بينه وبين مرداويج ففعل وأجابه مرداويج إلى ذلك وأهدى له ابن بويه هدية جليلة وأنفذ أخاه ركن الدولة رهينة وفي حوادث سنة 323 قال: لما قتل مرداويج كان ركن الدولة ابن بويه رهينة عنده فبذل للموكلين مالا فأطلقوه فخرج إلى الصحراء ليفك قيوده فأقبلت بغال عليها تبن وعليها أصحابه وغلمانه فألقى التبن وكسر أصحابه قيوده وركبوا الدواب ونجوا إلى أخيه عماد الدولة بفارس قال فيها: جهز عماد الدولة أخاه ركن الدولة الحسن إلى بلاد الجبل وسير معه العساكر فسار إلى أصبهان فاستولى عليها وأزال عنها وعن عدة من بلاد الجبل نواب وشمكير وأقبل وشمكير وجهز العساكر نحوه وبقي هو وشمكير يتنازعان تلك البلاد وهي أصبهان وهمذان وقم وقاشان وكرج والري وكفكور وقزوين وغيرها. وفي حوادث 724 فيها كانت الري وأصبهان والجبل في يد ركن الدولة ابن بويه ويد وشمكير يتنازعان عليها وتمكن عماد الدولة وركن الدولة من بلاد فارس وبلاد الجبل وقال في حوادث سنة 327 فيها أرسل وشمكير بن زياد أخو مرداويج جيشا كثيفا من الري إلى أصبهان وبها أبو علي الحسن بن بويه وهو ركن الدولة في فأزالوه عنها واستولوا عليها وخطبوا فيها لوشمكير ثم سار ركن الدولة إلى بلاد فارس فنزل بظاهر اصطخر وسار وشمكير إلى قلعة الموت فملكها وعاد منها وقال في حوادث سنة 328 فيها سار ركن الدولة أبو علي الحسن بن بويه إلى واسط وكان سبب ذلك أن أبا عبد الله البريدي أنفد جيشا إلى السوس وقتل قائدا من الديلم فتحصن أبو جعفر الصيمري بقلعة السوس وكان على خراجها وكان معز الدولة أبو الحسين أحمد بن بويه بالأهواز فخاف أن يسير إليه البريدي من البصرة فكتب إلى أخيه ركن الدولة وهو بباب اصطخر عاد من أصبهان على ما ذكرناه يستنجده فلما أتاه كتاب أخيه سار إليه مجدا يطوي المنازل حتى وصل إلى السوس ثم سار إلى واسط ليستولي عليها إذ كان قد خرج عن أصبهان وليس له ملك ليستقل به فنزل بالجانب الشرقي وكان البريديون بالجانب الغربي فاضطرب رجال ابن بويه فاستأمن منهم مائة رجل إلى البريدي ثم سار الراضي وبجكم من بغداد نحو واسط لحربه فخاف أن يكثر الجمع عليه ويستأمن رجاله فيهلك لأنه كان له سنة لم ينفق فيهم مالا فعاد من واسط إلى الأهواز ثم إلى رامهرمز وسار من رامهرمز واستولى على أصبهان وأخرج عنها أصحاب وشمكير وقتل منهم واستأثر بضعة عشر قائدا وكان سبب ذلك أن وشمكير كان قد أنفذ عسكره إلى ما كان له على ما ذكرناه فخلت وشمكير من العساكر وسار ركن الدولة إلى أصبهان وبها نفر يسير من العساكر فهزمهم واستولى عليها وكاتب هو وأخوه عماد الدولة أبا علي بن محتاج يحرضانه على ما كان وشمكير ويعدانه المساعدة عليهما فصار بينهما بذلك مودة. وقال في حوادث سنة 329 سار أبو علي بن محتاج نحو الري فوصلها وبها وشمكير بن زياد أخوه مرداويج وكان عماد الدولة وركن الدولة ابنا بويه يكاتبان أبا علي ويحثانه على قصد وشمكير ويعدانه المساعدة وكان قصدهما أن تؤخذ الري من وشمكير فإذا أخذها أبو علي لا يمكنه المقام بها لسعة ولايته بخراسان فيغلبان عليها فبلغ ذلك وشمكير فكاتب ما كان ابن كالي يستقدمه فسار ما كان من طبرستان إلى الري وسار أبو علي وأتاه عسكر ركن الدولة ابن بويه فاجتمعوا معه بإسحاقا باذ والتقوا هم وشمكير فقتل ما كان وهرب وشمكير وقال في حوادث سنة 330 لما سمع ركن الدولة وأخوه عماد الدولة ابنا بويه بملك وشمكير الري طمعا فيه فسار ركن الدولة الحسن ابن بويه إلى الري واقتتل هو وشمكير فانهزم وشمكير واستأمن كثير من رجاله إلى ركن الدولة ثم أن الحسن بن الفيرزان راسل ركن الدولة وواصله فتزوج ركن الدولة بنت للحسن فولدت له ولده فخر الدولة عليا. وقال في حوادث سنة 334 فيها خلع الخليفة المستكفي على معز الدولة ولقبه معز الدولة ولقب أخاه عليا عماد الدولة ولقب أخاه الحسن ركن الدولة وأمر أن تضرب ألقابهم وكناهم على الدنانير والدراهم وقال في حوادث سنة 335 لما عاد أبو علي بن محتاج إلى خراسان رجع ركن الدولة إلى الري واستولى عليها وعلى سائر أعمال الجبل وأزال الخراسانية وعظم ملك بني بويه فإنه صار بأيديهم أعمال الري والجبل وفارس والأهواز والعراق ويحمل إليهم ضمان الموصل وديار بكر وديار مضر من الجزيرة. وقال في حوادث سنة 336 كان محمد بن عبد الرزاق بطوس فخالف على الأمير نوح بن نصر الأماني وكان منصور بن قراتكين صاحب جيش خراسان بمرو عند نوح فوصل إليها وشمكير منهزما من جرجان قد غلبه عليها الحسن بن الفيرزان فأمر نوح منصورا بالمسير إلى نيسابور ومحاربة محمد بن عبد الرزاق فسار منصور وشمكير إلى نيسابور ففارقها ابن عبد الرزاق وكاتب ركن الدولة ابن بويه واستأمن إليه فأمره بالوصول إلى الري فسار إليها فأكرمه ركن الدولة وأحسن إليه وحمل إليه شيئا كثيرا من الأموال وغيرها وسرحه إلى محاربة المرزبان قال: وفيها في ربيع الأول اجتمع ركن الدولة بن بويه والحسن بن الفيرزان وقصدوا بلاد وشمكير فالتقاهم وشمكير وانهزم منهم وملك ركن الدولة طبرستان وسار منها إلى جرجان فملكها واستأمن من قواد وشمكير مائة وثلاثة عشر قائدا. وفي سنة 337 سار المرزبان محمد بن مسافر صاحب أذربيجان إلى الري لأنه بلغه خروج عساكر خراسان إلى الري وأن ذلك يشغل ركن الدولة عنه ثم أنه كان أرسل رسولا إلى معز الدولة فأهانه وسبه وسب صاحبه وأخذ في جمع العساكر واستأمن إليه بعض قواد ركن الدولة وأطمعه في الري وأخبره أن من وراءه من القواد يريدونه واستشار أباه فنهاه عن قصد الري فلم يقبل فلما عرف ركن الدولة خبره كتب إلى أخويه عماد الدولة ومعز الدولة يستمدهما فسير إليه عماد الدولة ألفي فارس وسير إليه معز الدولة جيشا مع سبكتكين التركي وأنفذ عهدا من المطيع لله لركن الدولة بخراسان فلما صاروا بالدينور خالف الديلم على سبكتكين وكبسوه ليلا فركبه فرس النوبة ونجا واجتمع عليه الأتراك فعلم الديلم أن لا قوة لهم به فعادوا إليه وتضرعوا فقبل عذرهم وكان ركن الدولة قد شرع مع المرزبان في المخادعة وأعمال الحيلة فكتب إليه يتواضع له ويعظمه ويسأله أن ينصرف عنه على شرط أن يسلم إليه ركن الدولة زنجان وأبهر وقزوين وترددت الرسل في ذلك إلى أن وصله المدد من معز الدولة وعماد الدولة وأنفذ له الحسن بن الفيرزان عسكرا مع محمد بن ما كان فلما كثر جمعه قبض على جماعة ممن كان يتهمهم من قواده وسار إلى قزوين فعلم المرزبان عجزه عنه وأنف من الرجوع فالتقيا وانهزم عسكر المرزبان وأخذ أسيرا وحمل إلى سميرم فحبس بها وعاد ركن الدولة. وفي سنة 338 مات عماد الدولة بشيراز وأوصى إلى عضد الدولة ابن ركن الدولة فاستقر بشيراز واختلف إليها أصحابه فكتب معز الدولة إلى وزيره الصيمري وكان يحارب عمران بن شاهين أن يترك محاربته ويسير إلى شيراز ففعل ووصل ركن الدولة أيضا واتفقا على تقرير قاعدة عضد الدولة واستخلف ركن الدولة على الري علي بن كامل من أعيان أصحابه ولما وصل ركن الدولة إلى شيراز ابتدأ بزيارة قبر أخيه بإصطخر فمشى حافيا حاسرا ومعه العساكر ولزم القبر ثلاثة أيام إلى أن سأله القواد الأكابر ليرجع إلى المدينة فرجع وأقام تسعة أشهر وأنفذ إلى أخيه معز الدولة شيئا كثيرا من المال والسلاح وغيرهما وكان عماد الدولة في حياته هو أمير الأمراء فلما مات صار أخوه ركن الدولة أمير الأمراء. وفي سنة 339 في صفر سار منصور بن قراتكين من نيسابور إلى الري أمره الأمير نوح بذلك وركن الدولة ببلاد فارس فوصل منصور إلى الري وبها علي بن كامة خليفة ركن الدولة فسار عنها إلى أصبهان ودخل منصور الري وفرق العساكر في البلاد فملكوا بلاد الجبل إلى قرميسين وأزالوا عنها نواب ركن الدولة فبلغ الخبر ركن الدولة وهو بفارس فكتب إلى أخيه معز الدولة أمره بإنفاذ عسكر يدفع تلك العساكر عن النواحي المجاورة للعراق فسير سبكتكين الحاجب مع عسكر ضخم من الأتراك والديلم والعرب فخلف سبكتكين أثقاله وأسرى جريدة إلى من بقرميسين من الخراسانيين فكسبهم وهم غارون فقتل وأسر مقدمهم من الحمام واسمه بجكم فأنفذه مع الأسرى إلى معز الدولة فحبسه مدة تم أطلقه واجتمع الخراسانية بهمذان فقصدهم سبكتكين ففارقوها ودخلها سبكتكين حتى ورد عليه ركن الدولة فلما صار بينهما مقدار عشرين فرسخا عدل منصور إلى أصبهان ولو قصد همذان لانحاز ركن الدولة عنه وكان ملك البلاد بسبب اختلاف كان في عسكر ركن الدولة ولكنه عدل عنه لأمر يريده الله تعالى وتقدم ركن الدولة إلى سبكتكين بالميسر في مقدمته فلما أراد المسير شغب عليه الأتراك مرة بعد أخرى فقال ركن الدولة: هؤلاء أعداؤنا معنا والرأي أن نبدأ بهم فواقعهم واقتتلوا فانهزم الأتراك وبلغ الخبر معز الدولة فكتب إلى ابن أبي الشوك الكردي وغيره يأمرهم بطلبهم والإيقاع بهم فطلبوهم وأسروا منهم وقتلوا ومضى من سلم منهم إلى الموصل وسار ركن الدولة إلى أصبهان ووصلها ابن قراتكين فخرج من كان بها من أصحاب ركن الدولة وأهله وأسبابه وركبوا الصعب والذلول حتى البقر والحمير وبلغ كراء الثور والحمار إلى خان لنجان مائة درهم وهي على تسعة فراسخ من أصبهان فلم يمكنهم مجاوزة ذلك الموضع ولو صار إليهم منصور لغنمهم وأخذ ما معهم وملك ما وراءهم إلا أنه دخل أصبهان وأقام بها ووصل ركن الدولة فنزل بخان لنجان وجرت بينهما حروب عدة أيام وضاقت الميسرة على الطائفتين وبلغ بهم الأمر إلى أن ذبحوا دوابهم ولو أمكن ركن الدولة الانهزام لفعل ولكنه تعذر عليه ذلك واستشار وزيره أأأبا الفضل ابن العميد في بعض الليالي في الهرب فقال له: لا ملجأ لك إلا الله تعالى فانو للمسلمين خيرا وصمم العزم على حسن السيرة والإحسان إليهم فإن الحيل البشرية كلها تقطعت بنا وإن انهزمنا تبعونا وأهلكونا وهم أكثر منا فلا يفلت منا أحد فقال له: قد سبقتك إلى هذا فلما كان الثلث الأخير من الليل أتاهم الخبر أن منصورا وعسكره قد عادوا إلى الري وتركوا خيامهم وكان سبب ذلك أن الميرة والعلوقة ضاقت عليهم أيضا إلا أن الديلم كانوا يصبرون ويقنعون بالقليل من الطعام وإذا ذبحوا دابة أو جملا اقتسمه الخلق الكثير منهم وكان الخراسانية بالضد منهم لا يصبرون ولا يكفيهم القليل فشغبوا على منصور واختلفوا وعادوا إلى الري فكان عودهم في المحرم سنة 340 فأتى الخبر ركن الدولة فلم يصدقه حتى تواتر عنده فركب هو وعسكره فاحتوى على ما خلفه الخراسانية. حكى أبو الفضل ابن العميد قال: استدعاني ركن الدولة تلك الليلة الثلث الأخير وقال لي: قد رأيت الساعة في منامي كأني على دابتي فيروز وقد انهزم عدونا وأنت تسير إلى جانبي وقد جاءنا الفرج من حيث لا نحتسب فمددت عيني فرأيت على الأرض خاتما فأخذته فإذا فصه فيروزج فجعلته في أصبعي وتبركت به وانتبهت وقد أيقنت بالظفر فإن الفيروزج معناه الظفر ولذلك لقب الدابة فيروز قال ابن العميد: فأتى الخبر والبشارة بأن العدو قد رحل فما صدقنا حتى تواترت الأخبار فركبنا ولا نعرف سبب هزيمتهم وصرنا حذرين من كمين وسرت إلى جانب ركن الدولة وهو على فرسه فيروز فصاح ركن الدولة بغلام بين يديه ناولني ذلك الخاتم فأخذ خاتما من الأرض فناوله إياه فإذا هو فيروزج فجعله في إصبعه وقال: هذا تأويل رؤياي هذا الخاتم الذي رأيت منذ ساعة وهذا من أحسن ما يحكى وأعجبه وقال في حوادث سنة 341 فيها سار ركن الدولة من الري إلى طبرستان وجرجان فسار عنها وشمكير إلى ناحية نسا وأقام بها واستولى ركن الدولة على تلك البلاد وعاد عنها إلى الري واستخلف بجرجان الحسن بن فيرزان وعلي بن كامة فلما رجع ركن الدولة عنها قصدها وشمكير فانهزموا منه واستردها وشمكير. وقال في حوادث سنة 342 فيها هرب ديسم بن إبراهيم عن أذربيجان وكان قد استولى عليها وسبب هربه أن ركن الدولة كان قد قبض على بعض قواده واسمه علي بن ميسكي فأفلت من الحبس وقصد الجبل وجمع جمعا وسار إلى وهسوذان أخي المرزبان فاتفق معه وتساعدا على ديسم فانهزم ديسم إلى أرمينية ثم هرب عن أرمينية إلى بغداد فأكرمه معز الدولة ثم كاتبه أهله وأصحابه أذربيجان يستدعونه فرحل عن بغداد سنة 343 وطلب من معز الدولة أن ينجده بعسكر فلم يفعل لأن المرزبان قد كان صالح ركن الدولة وصاهره فلم يمكن معز الدولة مخالفة ركن الدولة. وفي سنة 342 كتب الأمير نوح إلى أبي علي ابن محتاج يأمره بالميسر في جيوش خراسان إلى الري وقتال ركن الدولة فسار أبو علي في جيوش كبيرة ومعه وشمكير إلى الري في ربيع الأول من هذه السنة وبلغ الخبر ركن الدولة فعلم أنه لا طاقة له بمن قصده فرأى أن يحفظ بلده ويقاتل عدوه من وجه واحد فحارب الخراسانيين بطبرك وأقام عليه أبو علي عدة شهور يقاتله فلم يظفر به وهلكت دواب الخراسانية وأتاهم الشتاء وملوا فاضطر أبو علي إلى الصلح فتراسلوا في ذلك فتصالحا وتقرر على ركن الدولة كل سنة مائتا ألف دينار وكتب وشمكير إلى الأمير نوح يعرفه أن أبا علي لم يصدق في الحرب وأنه مالأ ركن الدولة فاغتاظ نوح من أبي علي وأما ركن الدولة فإنه لما حاد عنه أبو علي سار نحو وشمكير فانهزم وشمكير من بين يديه إلى أسفراين واستولى ركن الدولة على طبرستان. وعزل نوح أبا علي عن خراسان فكاتب ركن الدولة في المصير إليه فأذن له. وفيها عاد رسل كان أرسلهم الخليفة إلى خراسان للصلح بين ركن الدولة ونوح صاحب خراسان فلما وصلوا إلى حلوان خرج عليهم ابن أبي الشوك في أكراده فنهبهم ونهب القافلة وأسر الرسل ثم أطلقهم وفي سنة 343 سار أبو علي ابن محتاج إلى الري فلقيه ركن الدولة وأكرمه وأقام الإنزال والضيافة له ولمن معه وطلب أبو علي أن يكتب له عهد من الخليفة بولاية خراسان فأرسل ركن الدولة إلى معز الدولة في ذلك فسير له عهدا بما طلب وسير له نجدة من عسكره فسار أبو علي إلى خراسان واستولى على نيسابور وخطب للمطيع بها وبما استولى عليه من خراسان ولم يكن يخطب له بها قبل ذلك ثم مات نوح وولي بعده ابنه عبد الملك فسير من بخارى بكر ابن مالك إلى خراسان وقدمه على جيوشها فتفرق عن أبي علي أصحابه فاضطر إلى الهرب فسار نحو ركن الدولة فأنزله معه بالري، وفيها سار ركن الدولة إلى جرجان ومعه أبو علي ابن محتاج فدخلها بغير حرب وانصرف وشمكير عنها إلى خراسان، وفيها خطب بمكة والحجاز لركن الدولة ومعز الدولة وولده عز الدولة بختيار وبعدهم لابن طغج صاحب مصر. وفي سنة 344 خرج عسكر خراسان إلى الري وبها ركن الدولة فكتب إلى أخيه معز الدولة يستمده فأمده بعسكر وسير من خراسان عسكر آخر إلى أصفهان وبها الأمير بويه ابن ركن الدولة فخرج بويه بالخزائن والحرم ولحقه مقدم العسكر الخراساني فأخذ الخزائن وسار في أثر بويه فاتصل بهم أبو الفضل بن العميد في تلك الساعة وبفضل صبره وتدبيره استنقذ الخزائن. وهزم الخراسانيين وأعاد أولاد ركن الدولة وحرمه إلى أصبهان واستنقذ أمواله كما مر تفصيله في ترجمة بويه ثم أن ركن الدولة راسل بكر بن مالك صاحب جيوش خراسان واستماله فاصطلحا على مال يحمله ركن الدولة إليه يكون الري وبلد الجبل أمره مع ركن الدولة وأرسل ركن الدولة إلى أخيه معز الدولة يطلب خلعا ولواء بولاية خراسان لبكر بن مالك فأرسل إليه ذلك (لأن الخليفة كان سخيا بمثل هذه الألوية والخلع) وفي سنة 345 وقعت فتنة بأصبهان بين أهلها وأهل قم بسبب المذاهب فأهل قم شيعة وأهل أصبهان بخلافهم وقتل بينهم قتلى ونهب أهل أصبهان أموال التجار من أهل قم فبلغ الخبر ركن الدولة فغضب لذلك وأرسل إليها فطرح على أهلها مالا كثيرا. وفي سنة 349 سار ركن الدولة من الري إلى جرجان فلقيه الحسن بن الفيرزان وابن عبد الرزاق فوصلهما بمال جليل وفي سنة 351 في المحرم سار ركن الدولة إلى طبرستان وبها وشمكير فنزل على مدينة سارية فحصرها. وفي سنة 355 وقع قتال بين إبراهيم ابن المرزبان وأبي القاسم بن مسيكي فانهزم إبراهيم حتى وصل إلى الري إلى ركن الدولة فأكرمه ركن الدولة وأحسن إليه وكان زوج أخت إبراهيم فبالغ في إكرامه لذلك وأجزل له الهدايا والصلات. وفيها في رمضان خرج من خراسان جمع عظيم يبلغون عشرين ألفا إلى الري بنية الغزاة فبلغ خبرهم إلى ركن الدولة وكثرة جمعهم وما فعلوه في أطراف بلاده من الفساد وأن رؤساءهم لم يمنعوهم عن ذلك فأشار عليه الأستاذ أبو الفضل ابن العميد هو وزيره بمنعهم من دخول بلاده مجتمعين فقال: لا تتحدث الملوك أنني خفت جمعا من الغزاة فأشار عليه بتأخيرهم إلى أن يجمع عسكره وكانوا متفرقين في أعمالهم فلم يقبل منه فقال له: أخاف أن يكون لهم مع صاحب خراسان مواطأة على بلادك ودولتك فلم يلتفت إليه فلما وردوا الري اجتمع رؤساؤهم وفيهم القفال الفقيه وحضروا مجلس ابن العميد وطلبوا مالا ينفقونه فوعدهم فاشتطوا في الطلب وقالوا: نريد خراج هذه البلاد جميعها فإنه لبيت المال وقد فعل الروم بالمسلمين ما بلغكم واستولوا على بلادهم وكذلك الأرمن ونحن غزاة وفقراء وأبناء سبيل فنحن أحق بالمال منكم وطلبوا جيشا يخرج معهم واشتطوا في الاقتراح فعلم ابن العميد حينئذ خبث سرائرهم وتيقن ما كان ظنه فيهم فرفق بهم وداراهم فعدلوا عنه إلى مشاتمة الديلم ولعنهم وتكفيرهم ثم قاموا عنه وشرعوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسلبون العامة بحجة ذلك ثم أنهم أثاروا الفتنة وحاربوا جماعة من الديلم إلى أن حجز بينهم الليل ثم باكروا القتال ودخلوا المدينة ونهبوا دار الوزير ابن العميد وجرحوه وسلم من القتل وخرج ركن الدولة إليهم في أصحابه وكان في قلة فهزمه الخراسانية فلو تبعوه لأتوا عليه وملكوا البلد منه لكنهم عادوا عنه لأن الليل أدركهم فلما أصبحوا راسلهم ركن الدولة ولطف بهم لعلهم يسيرون من بلده فلم يفعلوا. وكانوا ينتظرون مددا يأتيهم من صاحب خراسان فإنه كان بينهم مواعدة على تلك البلاد ثم إنهم اجتمعوا وقصدوا البلد ليملكوه فخرج ركن الدولة إليهم فقاتلهم وأمر نفرا من أصحابه أن يسيروا إلى مكان يراهم ثم يثيروا غبرة شديدة ويرسلوا إليه من يخبره أن الجيوش قد أتته ففعلوا ذلك وكان أصحابه قد خافوا لقلتهم وكثرة عدوهم فلما رأوا الغبرة وأتاهم من أخبرهم أن أصحابهم لحقوهم قويت نفوسهم وقال لهم ركن الدولة: احملوا على هؤلاء لعلنا نظفر بهم قبل وصول أصحابنا فيكون الظفر والغنيمة لنا فكبروا وحملوا حملة صادقة فكان لهم الظفر وانهزم الخراسانية وقتل منهم خلق كثير وأمر أكثر ممن قتل وتفرق الباقون فطلبوا الأمان فأمنهم ركن الدولة وكان قد دخل البلد جماعة منهم يكبرون كأنهم يقاتلون الكفار ويقتلون كل من رأوه بزي الديلم ويقولون هؤلاء رافضة فبلغهم خبر انهزام أصحابهم وقصدهم الديلم ليقتلوهم فمنعهم ركن الدولة ومنهم وفتح لهم الطرق ليعودوا ووصل بعدهم نحو ألفي رجل بالعدة والسلاح فقاتلهم ركن الدولة فهزمهم وقتل فيهم ثم أطلق الأسارى وأمر لهم بنفقات وردهم إلى بلادهم وكان إبراهيم بن المرزبان عند ركن الدولة فأثر فيهم آثار حسنة.
مكرمة لركن الدولة
قال ابن الأثير في حوادث سنة 355 فيها عاد إبراهيم ابن المرزبان إلى أذربيجان واستولى عليها وكان سبب ذلك أنه لما قصد ركن الدولة على ما ذكرنا وجهز العساكر معه وسير معه الأستاذ أبا الفضل ابن العميد ليرده إلى ولايته ويصلح له أصحاب الأطراف سار معه إليها واستولى عليها وأصلح له جستان بن شرمزن وقاده إلى طاعته وغيره من طوائف الأكراد ومكنه من البلاد وكان ابن العميد لما وصل إلى تلك البلاد ورأى كثرة دخلها وسعة مياهها ورأى ما يتحصل لإبراهيم منها فوجده قليلا لسوء تدبيره وطمع الناس فيه لاشتغاله بالشرب والنساء فكتب إلى ركن الدولة يعرفه الحال وبأن يعرفه من بعض ولايته بمقدار ما يتحصل له من هذه البلاد وأخذها منه فإنه لا يستقيم له حال مع الذين بها وأنها تؤخذ منه فامتنع ركن الدولة من قبول ذلك وقال: لا يتحدث الناس عني أني استجار بي إنسان وطمعت فيه وأمر أبا الفضل بالعود عنه وتسليم البلاد إليه ففعل وعاد حكى لركن الدولة صورة الحال وحذره خروج البلاد من يد إبراهيم وكان الأمر كما ذكره حتى أخذ إبراهيم وحبس.
وفي سنة 256 جهز الأمير منصور بن نوح صاحب خراسان وما وراء النهر الجيوش إلى الري لحرب ركن الدولة وسبب ذلك أن أبا علي بن إلياس أطمعه في ممالك بني بويه وحسن له قصدها فجهز منصور العساكر مع صاحب جيوش خراسان محمد بن إبراهيم بن سيمجور الدواتي وكاتب وشمكير والحسن بن الفيرزان يأمرهما بالتجهيز لذلك ليسير مع عسكره فلما بلغ الخبر ركن الدولة أتاه ما لم يكن في حسبانه وأخذه المقيم المقعد فسير أولاده وأهله إلى أصبهان وكاتب ولده عضد الدولة يستمده وكاتب ابن أخيه عز الدولة بختيار يستنجده فأما عضد الدولة فإنه جهز العساكر وسيرهم إلى طريق خراسان وأظهر أنه يريد قصد خراسان فبلغ الخبر أهل خراسان فأحجموا قليلا ثم ساروا حتى بلغوا الدامغان وبرز ركن الدولة في عساكره من الري نحوهم فاتفق موت وشمكير كان يتصيد فحمل عليه خنزير فشب به فرسه فألقاه فمات وذلك في المحرم سنة 357 وانتقض جميع ما كانوا فيه وكفى الله ركن الدولة شرهم ولما مات وشمكير قام ابنه بيستون مقامه وراسل ركن الدولة وصالحه فأمده ركن الدولة بالمال والرجال.
حسن النية وكرم المقدرة لركن الدولة
قال أبي الأثير ومن أعجب ما يحكى مما يرغب في حسن النية وكرم المقدرة أن وشمكير لما اجتمعت معه عساكر خراسان وسار كتب إلى ركن الدولة يتهدده بضروب من الوعيد والتهديد ويقول: وأنه لئن ظفرت بك لأفعلن بك وأصنعن بألفاظ قبيحة فلم يتجاسر الكاتب أن يقرأه فأخذه ركن الدولة فقرأه وقال للكاتب: اكتب إليه أما جمعك وأحشادك فما كنت قط أهون منك علي الآن وأما تهديدك وإيعادك فوالله لئن ظفرت بك لأعاملنك بضده ولأحسنن إليك ولأكرمنك فلقي وشمكير سوء نيته ولقي ركن الدولة حسن نيته وكان بطبرستان عدو لركن الدولة يقال له نوح ابن نصر شديد العداوة له لا يزال يجمع له ويقصد أطراف بلاده فمات الآن. وعصى عليه بهمذان إنسان يقال له أحمد ابن هارون الهمذاني لما رأى خروج عساكر خراسان وأظهر العصيان فلما أتاه خبر موت وشمكير مات لوقته وكفى الله ركن الدولة هم الجميع وفي سنة 357 عصى حبشي بن معز الدولة على أخيه بختيار فأرسل وزيره حتى احتال عليه وأسره وحبسه برامهرمز فأرسل عمه ركن الدولة فخلصه. وفي سنة 359 جهز ركن الدولة وزيره أبا الفضل ابن العميد في جيش كثيف وسيرهم إلى بلد حسنويه بن الحسين الكردي فإن حسنويه كان قد قوي واستفحل أمره لاشتغال ركن الدولة بما هو أهم منه ولأنه كان يعين الديلم على جيوش خراسان إذا قصدتهم فكان ركن الدولة يراعيه لذلك وكان يتعرض إلى القوافل وغيرها بخفارة فبلغ ذلك ركن الدولة فسكت عنه فلما كان الآن وقع بينه وبين سهلان بن مسافر خلاف وحرب فهزمه حسنويه وضيق عليه وعلى أصحابه حتى طلبوا الأمان فأخذهم عن آخرهم وبلغ ذلك إلى ركن الدولة فلم يحتمله فحينئذ أمر ابن العميد بالمسير إليه فتجهز وسار في المحرم ومعه ولده أبو الفتح فلما وصل همذان توفي وقام ولده مقامه فصالح حسنويه على مال أخذه منه وعاد إلى الري إلى خدمة ركن الدولة وفي سنة 361 تم الصلح بين الأمير منصور ابن نوح الأماني صاحب خراسان وما وراء النهر وبين ركن الدولة وعضد الدولة على أن يحملا إليه كل سنة مائة ألف وخمسين ألف دينار وكتب بينهم كتاب صلح شهد فيه أعيان خراسان وفارس والعراق وكان الذي سعى في هذا الصلح وقرره محمد بن إبراهيم بن سيمجور صاحب جيوش خراسان من جهة الأمير منصور. وفي سنة 364 قبض عضد الدولة على ابن عمه بختيار الملقب عز الدولة كما مر في ترجمة بختيار، فلما بلغ ذلك ركن الدولة ألقى نفسه عن سريره إلى الأرض وتمرغ عليها وامتنع عن الأكل والشرب عدة أيام ومرض مرضا لم يتقل منه باقي حياته. وكان محمد بن بقية قد عصى على الدولة وحاربه عضد الدولة فهزم عسكره عضد الدولة، فكتب ركن الدولة إليه وإلى من انتصر لبختيار يأمرهم بالثبات والصبر ويعرفهم أنه على المسير إلى العراق لإخراج عضد الدولة وإعادة بختيار. فاضطربت النواحي على عضد الدولة لما علموا إنكار أبيه عليه، فرأى إنفاذ أبي الفتح ابن العميد إلى أبيه يعرفه ما جرى له وما فرق من الأموال وضعف بختيار، أنه إن أعيد إلى حاله خرجت المملكة منهم وقال لأبي الفتح إن أجاب إلى ما تريد وإلا فقل له: إني أضمن العراق كل سنة بثلاثين ألف ألف درهم وأبعث بختيار وأخويه إليك فإن اختاروا أقاموا عندك وان اختاروا بعض بلاد فارس سلمته إليهم وإن أحببت أن تحضر إلى العراق وأعود أنا إلى فارس فالأمر إليك. فإن أجاب، وإلا فقل له: أيها السيد الوالد أنت مقبول الحكم والقول ولكن لا سبيل إلى إطلاق هؤلاء بعد مكافئتهم وسيقاتلونني بغاية ما يقدرون عليه فتنتشر الكلمة، فإن قبلت فأنا العبد الطائع، وإن أبيت فسأقتل بختيار وأخويه وأخرج عن العراق. فخاف ابن العميد أن يسير بهذه الرسالة وأشار أن يسير بها غيره ويسير هو بعد ذلك ويكون كالمشير على ركن الدولة. فأرسل عضد الدولة رسولا بذلك وسير بعده ابن العميد، فلما حضر الرسول وأدى بعض الرسالة وثب إليه ركن الدولة ليقتله فهرب، ثم رده بعد أن سكن غضبه، وقال: قل لفلان يعني عضد الدولة وسماه بغير اسمه وشتمه: خرجت إلى نصرة ابن أخي أو للطمع في مملكته؟! أما عرفت أني نصرت الحسن بن الفيرزان وهو غريب مني مرارا كثيرة أخاطر فيها بملكي ونفسي، فإذا ظفرت أعدت له بلاده ولم أقبل منه ما قيمته درهم واحد. ثم نصرت إبراهيم ابن المرزبان وأعدته إلى أذربيجان وأنفذت وزيري وعساكري في نصرته ولم أخذ منه درهما واحدا. كل ذلك طلبا لحسن الذكر ومحافظة على الفتوة، وتريد أن تمن علي أنت بدرهمين أنفقتهما علي وعلى أولاد أخي، ثم تطمع في ممالكهم وتهددني بقتلهم. فعاد الرسول ووصل ابن العميد فحجبه عنه ولم يسمع حديثه وتهدده بالهلاك. وأنفذ إليه يقول: لأتركنك وذلك الفاعل يعني عضد الدولة تجتهدان جهدكما ثم لا أخرج إليكما إلا في ثلثمائة جمازة وعليها الرجال، ثم أثبتوا إن شئتم. فوالله لا أقاتلكما إلا بأقرب الناس إليكما. وكان ركن الدولة يقول: إنني أرى أخي معز الدولة كل ليلة في المنام يعض على أنامله ويقول: يا أخي هكذا ضمنت لي أن تخلفني في ولدي. وكان ركن الدولة يحب أخاه محبة شديدة لأنه رباه فكان عنده بمنزلة الولد. ثم أن الناس سمعوا لابن العميد وتوسطوا الحال بينه وبين ركن الدولة وقالوا: إنما تحمل ابن العميد هذه الرسالة ليجعلها طريقا للخلاص من عضد الدولة والوصول إليك مر بما تراه، فأذن له بالحضور عنده، فضمن له إعادة عضد الدولة إلى فارس وتقرير بختيار بالعراق. فرده إلى عضد الدولة وعرفه جلية الحال فعاد العضد إلى فارس وأعاد بختيار. ثم جرى لبختيار ما مر في ترجمته. وقال ابن الأثير أيضا في حوادث سنة 366: في هذه السنة في المحرم توفي ركن الدولة أبو علي الحسن بن بويه واستخلف على ممالكه ابنه عضد الدولة: وكان ابتداء مرضه حين سمع بقبض بختيار ابن أخيه معز الدولة وخاف عضد الدولة أن يموت أبوه وهو على حال غضبه فيختل ملكه فأرسل إلى أبي الفتح ابن العميد وزير أبيه أن يتوصل إلى إحضاره عنده وأن يعهد إليه بالملك فسعى أبو الفتح في ذلك فأجابه إليه ركن الدولة، وكان قد وجد في نفسه خفة فسار من الري إلى أصبهان وأحضر ولده عضد الدولة من فارس مع سائر أولاده، وعمل أبو الفتح ابن العميد دعوة عظيمة حضرها ركن الدولة وأولاده والقواد والأجناد فلما فرغوا من الطعام عهد ركن الدولة إلى ولده عضد الدولة بالملك بعده وجعل لولده فخر الدولة أبي الحسن علي همذان وأعمال الجبل ولولده مؤيد الدولة أصبهان وأعمالها وجعلهما بحكم أخيهما عضد الدولة وأوصى ركن الدولة أولاده بالاتفاق وترك الاختلاف وخلع عليهم. ثم سار من أصبهان في رجب نحو الري فدام مرضه إلى أن توفي فأصيب به الدين والدنيا جميعا لاستكمال جميع خلال الخير فيه وكان عمره قد زاد على سبعين وكانت إمارته أربعا وأربعين سنة اه. وزاد ابن خلكان وشهرا وبضعة أيام وتولى بعده ولده مؤيد الدولة.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 5- ص: 28
ركن الدولة بن بويه اسمه أبو علي الحسن بن بويه.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 7- ص: 35
ركن الدولة الحسن بن بويه
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 10- ص: 0
ركن الدولة صاحب أصبهان الحسن بن بويه أمير أصبهان تقدم نسبه عند ذكر أخيه أحمد وهو ركن الدولة أخو معز الدولة الديلمي. كان ركن الدولة صاحب أصبهان والري وهمذان وجميع عراق العجم وهو والد عضد الدولة فناخسرو ومؤيد الدولة أبي منصور بويه وفخر الدولة أبي الحسن علي. وكان ركن الدولة ملكا جليل القدر عالي الهمة وكان ابن العميد أبو الفضل وزيره، ولما توفي ابن العميد استوزره ولده أبا الفتح عليا، وكان الصاحب ابن عباد وزير ولده مؤيد الدولة ولما توفي وزر لفخر الدولة وكان مسعودا في ملكه ورزق السعادة في أولاده الثلاثة، وقسم عليهم الممالك فقاموا بها أحسن قيام. وكان ركن الدولة المذكور أوسط الإخوة الثلاثة، وهم عماد الدولة أبو الحسن علي، وركن الدولة الحسن المذكور، ومعز الدولة أحمد أصغرهم. وملك أربعا وأربعين سنة وشهرا وتسعة أيام ومات بالري سنة ست وستين وثلاثمائة ومولده تقديرا سنة أربع وثمانين ومائتين.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 11- ص: 0
ركن الدولة بن بويه الحسن بن بويه.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 14- ص: 0
ركن الدولة السلطان ركن الدولة، أبو علي، الحسن بن بويه الديلمي، صاحب أصبهان وبلاد العجم، ووالد السلطان عضد الدولة، وهو أحد الإخوة الثلاثة الذين ملكوا البلاد بعد الفقر.
وكان هذا ملكا سعيدا، قسم ممالكه على أولاده، فقاموا بها أمثل قيام، وامتدت أيامه، وخضعت له الرعية، وولي خمسا وأربعين سنة.
ووزر له الوزير الأوحد، لسان البلغاء، أبو الفضل محمد بن العميد، ثم ابنه أبو الفتح بن العميد، ووزر لولديه مؤيد الدولة، وفخر الدولة الصاحب إسماعيل بن عباد.
مات في المحرم بالقولنج، سنة ست وستين وثلاث مائة، وله ثمانون سنة، وكان لا بأس بدولته.
ومات قبله بزمان أخوه عماد الدولة.
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 12- ص: 257