أبو العلاء الهمذاني الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن سهل العطار: شيخ همذان، وإمام العراقيين في القراآت. وله باع في التفسير والحديث والأنساب والتواريخ. كان لا يغشى السلاطين ولا يقبل منهم شيئا ولا مدرسة ولا رباطا، ولا تأخذه في الله لومة لائم، مع التقشف في الملبس. له تصانيف، منها (زاد المسير) في التفسير، خمسون جزاءا، و (الوقف والابتداء) في القراآت، (معرفة القراءة) نحو 20 جزءا

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 181

الحافظ أبو العلاء العطار الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد، أبو العلاء، الحافظ العطار. كان إمام همذان في علوم القراءات والحديث والأدب والزهد وحسن الطريقة والتمسك بالسنن. قرأ القرآن بأصبهان على أبي علي الحداد وغيره، وبواسط على أبي العز محمد بن الحسين القلانسي، وببغداد على البارع الحسين بن محمد بن الدياس وعلى جماعة آخرين، وصنف في القراءات كتبا حسنة وفي علوم القرآن والحديث. وسمع ببلده من جماعة وبأصبهان وببغداد وبخراسان وحصل الأصول الكثيرة والكتب الكبار الحسان بالخطوط المعتبرة، وحدث بأكثر مسموعاته وسمع منه الكبار والحفاظ ورووا عنه وتردد إلى بغداد مرات ثم عاد إلى همذان وعمل دارا للكتب وخزانة وأوقف جميع كتبه فيها وانقطع لإقراء القرآن ورواية الحديث إلى آخر عمره ومولده سنة ثمان وثمانين وأربعمئة وتوفي سنة تسع وستين وخمسمئة. قال: حفظت كتاب الجمل للجرجاني في النحو في يوم واحد من الغداة إلى العصر وقال: حفظت يوما ثلاثين ورقة من القراءة وكان يقول: لو أن أحدا يأتي إلي بحديث واحد من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبلغني لملأت فمه ذهبا وحفظ كتاب الجمهرة لابن دريد وكتاب المجمل لابن فارس وكتاب النسب للزبير بن بكار وصنف العشرة، والمفردات في القراءات، والوقف والابتداء والتجويد، والمئات، والعدد، ومعرفة القراء، وهو نحو العشرين مجلدا. وله زاد المسافر نحو خمسين مجلدا. وجمع بعضهم كتابا في أخباره وأحواله وكراماته وما مدح به من الشعر وما كان عليه وأورد من ذلك ياقوت في معجم الأدباء قطعة جيدة، وكان إماما في النحو واللغة.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 11- ص: 0

الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل بن سلمة بن عثكل بن حنبل بن إسحاق العطار الحافظ، أبو العلاء الهمذاني المقرئ: من أهل همذان، مات في تاسع عشر جمادى الأولى سنة تسع وستين وخمسمائة، وذكره بعض الثقات من أهل العلم فذكر له مناقب كثيرة، وذكر نسبه وولادته فقال: هو أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل بن سلمة بن عثكل بن إسحاق العطار الهمذاني، وكان عثكل من العرب. وأما ولادته فإنها كانت يوم السبت قبل طلوع الشمس الرابع عشر من ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة بهمذان، وذكر من مناقبه: سمعته رحمه الله يقول: سلمت في صغري إلى رجل معلم- قال:
سماه ونسيت اسمه- قال: وكنت أحفظ عليه القرآن، فحفظت عليه إلى سورة يوسف، ثم أجرى الله لساني بحفظ الباقي من القرآن دفعة واحدة من غير تحفظ وتكرار فضلا منه جل جلاله. وسار في ليلة واحدة في طلب الحديث من جرباذقان الى أصفهان، وسمعته يقول: لما حججت كنت أمشي في البادية راجلا قدام القافلة أحيانا مع الدليل، وأحيانا أخلف الدليل، حتى عرفني الدليل واستأنس بي ومال إلي وهو
يسير على ناقة له تكاد ترد الريح، وكنت أرى الدليل يتعجب من قوتي على السير، وكان أحيانا يضرب ناقته ويمعن في السير، وكنت لا أخلي الناقة تسبقني، فقال لي الدليل يوما: تقدر أن تسابق ناقتي هذه؟ فقلت: نعم، فضربها وعدوت معها فسبقتها.
قال: وكان كثير الحفظ للعلوم، كثير المجاهدة في تحصيلها، فسمعته يقول رحمه الله: حفظت «كتاب الجمل» في النحو لعبد القاهر الجرجاني في يوم واحد من الغداة الى وقت العصر. قال: وسمعت الشيخ أبا حفص عمر بن الحسين الوشاء المقرئ يقول: سمعت الإمام الحافظ رحمه الله يقول: حفظت يوما ثلاثين ورقة من القراءة. قال: وسمعت الإمام الحافظ أبا بكر محمد بن شيخ الاسلام الحافظ أبي العلاء قال: سمعت الشيخ الصالح إبراهيم المرجي قال: سمعت الشيخ رحمه الله يقول: لو أن أحدا أتاني بحديث واحد من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبلغني لملأت فاه ذهبا. قال: وكان الشيخ رحمه الله حفظ «كتاب الجمهرة» لأبي بكر ابن دريد و «كتاب المجمل» لابن فارس و «كتاب النسب» للزبير بن بكار. قال: وبلغني عن الثقة أن الحافظ أبا جعفر رحمه الله كان يقول: لو أن الله تعالى يقول لي يوم القيامة:
ماذا أتيتني به؟ أقول ربي وسيدي أتيتك بأبي العلاء العطار.
قال: وكان الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الجوزي، رحمه الله، يملي يوما في الجامع بأصفهان، وعنده جماعة من المحدثين، إذ دخل الشيخ الحافظ أبو العلاء، رحمه الله، من باب الجامع، فلما نظر الحافظ أبو القاسم إليه أمسك من الاملاء، ونظر إلى أصحابه وقال: أيها القوم إن الله عز وجل يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها، وهذا الرجل المقبل من جملتهم، قوموا نسلم عليه، فقاموا واستقبلوه وسلموا عليه واعتنقوه.
قال: وكان يقرأ على الشيخ أبي العز المقرئ القلانسي الواسطي رحمه الله، وكان يفضله على أصحابه، فشق ذلك عليهم، فاجتمع بعضهم يوما وفيهم الشيخ أبو العلاء رحمه الله، فسألهم الشيخ أبو العز عن اختلاف القراء في قوله تعالى: {كوكب دري يوقد} وأقاويل الأئمة فيها، فسقط في أيديهم وتاهوا في شرحها، وما أجابوا بطائل، ثم أقبل الشيخ أبو العز على الشيخ رحمه الله وقال: تكلم أنت فيها يا أبا العلاء، فشرع فيها الشيخ وعد بضعة عشر قولا، وأدى فيها حقها بأحسن إشارة وأبلغ عبارة، فلما فرغ نظر الشيخ أبو العز إلى أصحابه الحاضرين وقال: بهذا أفضله عليكم، لو أمهلتكم مدة لما قدرتم على الذي ذكر هو بديهة من غير عزيمة سابقة وروية سالفة.
قال: وكان محترما عند الخلفاء والسلاطين، كتب إليه المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين كتابا من جملته: وبعد فإن الأب القديس النفيس خامس أولي العزم، وسابع السبعة على الجزم، وارث علم الأنبياء، حافظ شرع المصطفى أبا العلاء، ثم ذكر كلاما واستدعى منه الدعاء.
قال: وسمعت ولده أبا محمد عبد الغني بن الشيخ الحافظ أبي العلاء رحمه الله يقول: لما أدخل أبي على أمير المؤمنين المقتفي لأمر الله، رضي الله عنه، بعد استدعاء أمير المؤمنين إياه، كان يأمره خواص الخليفة بتقبيل الأرض في المواضع، وكان يأبى ذلك، فلما أكثروا عليه قال: دعوني إنما السجود لله تعالى، فكفوا عنه حتى وصل إليه، وسلم بالخلافة عليه، فقام له أمير المؤمنين وأجلسه، ثم كلمه ساعة وسأل منه الدعاء فدعا، وأذن له في الرجوع فرجع، وكانوا قد أحضروا الخلعة والصلة فاستعفى عن ذلك فأعفي، وخرج من بغداد حذرا من فتنة الدنيا وآفاتها.
وحدثني غير واحد أن السلطان محمدا لما دخل عليه داره نصحه كثيرا ووعظه، وكان السلطان جالسا بين يديه مقبلا عليه بوجهه مصغيا إلى كلامه، فلما قام ليخرج أمره بتقدمة رجله اليمنى وأخذه الطريق من الجانب الأيمن.
وسمعت الإمام أبا بشر الثاني رحمه الله يقول: سمعت عبد الغني بن سرور المقدسي يقول: كنت يوما في خدمة الحافظ أبي طاهر السلفي بثغر الاسكندرية نقرأ الحديث، فجرى ذكر الحفاظ إلى أن انتهى الكلام إلى ذكر الحافظ أبي العلاء رحمه الله، فأطرق الحافظ أبو طاهر عند ذكره، ثم رفع رأسه وقال: قدمه دينه، قدمه دينه.
قال: وسمعت أبا بشر محمد بن محمد بن منصور المقرئ الخطيب بشيراز يذكر الحافظ أبا العلاء، رضي الله عنه، ويثني عليه، ثم أنشد يقول:

قال: وسمعت الامام أبا نصر أحمد بن الامام الحافظ أبي الفرج ابن عبد الملك بن الشعار يقول: سمعت الامام أبا الحسن الحراني يقول: كنت أطوف بالكعبة فرأيت شيخا في الطواف، فلما نظرت إليه تفرست فيه الخير والصلاح، وانتظرته حتى قضى طوافه، فدنوت منه وسلمت عليه، فرد علي السلام، فسألته عن الوطن فسمى لي موضعا بعيدا، ذكره أبو الحسن ونسيه أبو نصر، قال أبو الحسن:
أي شيء المقصد بعد بلوغك بيت ربك؟ فقال: مقصدي الحافظ أبو العلاء، فتعجبت في نفسي وقلت: ستظفر إن شاء الله بمقصودك وتنال مطلوبك، وبكيت حتى غلبني البكاء، فقال: ومم بكاؤك؟ فقلت: ان الحافظ أبا العلاء الذي تقصده وتأمل بلوغه قد كنت مستفيدا منه كذا وكذا سنة، قرأت عليه القرآن ختما، وسمعت منه الحديث الكثير، فتعجب من قولي وقام إلي وقبل بين عيني، وهو يفديني بأبيه وأمه، وغاب عني.
قال: وسمعت أبا بشر يقول: لما دخلت على الامام أبي المبارك المقرئ بشيراز جعل يذكر شيخ الاسلام الحافظ أبا العلاء الهمذاني، رحمه الله، ويثني عليه، ثم أنشد متمثلا:
قال: رحل إليه رجل من أقصى المغرب، وكان له حظ في كل علم، ومدحه بقصيدة هي من غرر القصائد، وذكر أحواله في سفرته وما أصابه من التعب والمشاق، ومن شعره فيه أيضا:
قال: وسمعت الشيخ، رحمه الله، يقول يوما لمن حضره: إن خلف أبو العلاء دينارا أو درهما بعد موته فلا تصلوا عليه. وكان، رحمه الله، لا يبقي على الذهب والفضة، وكل ما آتاه الله منها يصرفه في اليوم، وينفقه في قضاء الديون ومراعاة الناس، فمات ولم يخلف دينارا ولا درهما، حتى بيعت داره وقضي منه دينه.
قال: وكان، رحمه الله، شديد التمسك بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان لا يسمع باطلا أو يرى منكرا إلا غضب لله ولم يصبر على ذلك ولم يداهن؛ قال: سمعت أبا رشيد راشد بن إسماعيل المعدل يقول: كنت عند الشيخ يوما، فدخل عليه أبو الحسين العبادي الواعظ زائرا، وجلس عنده زمانا، وجعل يكلم الشيخ إلى أن جرى في كلامه: وعزمت غير مرة على الاتيان إلى الخدمة لكني منعني كون الكوكب الفلاني في البرج الفلاني، فزبره الشيخ وقال: السنة أولى أن تتبع، فقام العبادي خجلا وخرج.
وكان من ورعه في رواية الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يترجم الحديث للعامة
رعاية منه للصدق. واستدعي منه بهمذان أن يفسر للناس حديثا واحدا فأجاب وقعد لذلك، فلما شرع في الكلام قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. واستدعي منه ثانيا بالكرخ كذلك، فروى حديثا في فضائل الأعمال وفي بعض ألفاظه «حتى يدخل الجنة»، ففسر لفظة الجنة قبل أن يفسر لفظة «حتى يدخل»، كأنه قدم لفظة «الجنة» على لفظة «حتى يدخل» في ترجمته، فاستغفر ورجع وأتى بها على الوجه المنطوق به في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان رحمه الله يتحرج عن القصص والكلام فيها والتنميق والتكلف حذرا من الزيادة والنقصان.
ولما قصد السلطان محمد بغداد وحاصرها، وخالف الإمام المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين، رضي الله عنه، كان الشيخ، رحمه الله، يقرأ «صحيح البخاري» بهمذان على الشيخ عبد الأول، رحمه الله، على اسليهر يحضره لسماع الكتاب عامة أهل البلد من الأمراء والفقهاء والعلماء والصوفية والعوام، فصرح القول قائما على المنبر بأن السلطان ومن معه من جنوده خارجة مارقة، ثم قال: لو أن رجلا من عسكر أمير المؤمنين رمى رجلا من أصحاب السلطان بسهم، وجاءه آخر من غير الفريقين فنزع السهم من جراحته، يكون هو أيضا خارجيا باغيا، وكرر القول في ذلك مرارا.
قال: وسئل الشيخ رحمه الله عن سبب أكثر اشتغاله بعلم الكتاب والسنة فقال:
إني نظرت في ابتداء أمري فرأيت أكثر الناس عن تحصيل هذين العلمين معرضين، وعن دراستهما لاهين، فاشتغلت بهما وأنفقت عمري على تحصيلهما حسبة.
قال: ورأى رحمه الله قلة رغبة الخلق في تحصيل العلم والرحلة ولقاء الشيوخ، فاتخذ مهدا وعزم على المضي إلى بغداد وأصفهان للرواية، ورفع منائر العلم وإحياء السنة حسبة، فمنعه الضعف والكبر، وأدركته المنية وهو على هذه النية.
قال: سمعت الثقة يقول: سمعت الشيخ رحمه الله يقول: كنت واقفا يوما على باب دار الشيخ أبي العز القلانسي رحمه الله في حر شديد أنتظر الاذن، فمر بي إنسان فرآني على تلك الحال واقفا، فقال لي: أيها الرجل لو أنك تصير إماما يقرأ
عليك ويقتدى بك، أهكذا كنت تفعل أنت بطلبة العلم ومن يأتيك من الغرباء؟ فذرفت عيناي فقلت: لا إن شاء الله، وأشهدت الله تعالى في نفسي في تلك الحال على أني لا آخذ على التعليم والاقراء والتحديث أجرا، ولا أبخل بعلمي على أحد، وأبذله حسبة، فكان كما قال، ويقعد لطلبة العلم من أول النهار إلى آخره.
قال: وكان الشيخ رحمه الله لا يرى طول نهاره إلا كاتبا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو مطالعا له، أو مشتغلا به، أو مصغيا إلى قراءة القرآن وطلبة العلم، هكذا كان دأبه بالنهار، ويجعل ليلته ثلاثة أثلاث، يكتب في ثلث، ويتفكر في ثلث، وينام في ثلث. وكان كثيرا ما يقول عند انتباهه من النوم: يا كريم أكرمنا، وكان من كرامته على الناس وإقبال الناس عليه والتبرك به أنه كان يصعب عليه المرور يوم الجمعة في مضيه ورجوعه لازدحام الخلق عليه، وكان جماعة من الشبان يتحلقون حواليه يدفعون عنه زحمة الناس، وهو يمر في وسطهم مطرقا لا يشتغل بأحد، وهو يقول: يا من أظهر الجميل وستر على القبيح.
قال: سمعت العدل عمر بن محمد يقول: دخلنا على الإمام الحافظ أبي العلاء رضي الله عنه وهو يكتب، فقعدنا عنده ساعة، فوضع ما في يده وقام ليتوضأ، فنظرنا فيما كتب فإذا هو قد بيض كل موضع فيه اسم من أسماء الله تعالى أو ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعجبنا من ذلك، فلما رجع سألناه عن ذلك فقال: إني لما كنت أكتب ذلك شككت في الوضوء فما جوزت أن أكتب بيدي أسماء الله تعالى أو ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وأنا شاك في الوضوء.
وكان الشيخ رحمه الله إذا نزل بالناس شدة أو بلاء يجيء إليه الناس ويسألونه الدعاء فيقول: اللهم إني أخاف على نفسي أكثر مما يخافون على أنفسهم. وكان كثيرا ما يقول: ليتني كنت بقالا او حلاجا، ليتني نجوت من هذا الأمر رأسا برأس لا علي ولا ليا.
قال: وسمعت والدي يحكي عن الامام عبد الهادي بن علي رحمة الله عليه أنه قال: كنت أمشي يوما مع الشيخ الامام الحافظ رحمه الله في الشتاء في وحل شديد، وفي رجليه مداس خفيفة يكاد يدخل فيها الطين، فقلت له: يا أخي لو لبست مداسا غير هذا يصلح للشتاء، فقال: إذا لبست غيرها لهت عيني عن النظر إليها، فربما
نظرت إلى منكر أو فاحشة، وفي دوام نظري إليها وحفظي لها عن الوحل شغل عن ذلك وحفظ للبصر.
قال: وكراماته مشهورة بين الناس، منها: ما كتب به إلي الشيخ أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المقرئ قال: سمعت الأستاذ بهلة الطحان يقول: حملت أحمال الحنطة من دار الشيخ رضي الله عنه لأطحنها لأهله، فلما طحنتها ووضعت بعضها على بعض قصد بعض من في الطاحونة من المستحقين أن يأخذ شيئا من ذلك الدقيق ليخبز منه رغيفا، فصحت عليه ومنعته من الأخذ، فلما رددت الأحمال إلى دار الشيخ من الغد تبسم الشيخ في وجهي وقال: ويلك يا بهلة، لم منعت الرجل أن يأخذ قبضات من الدقيق؟! فتحيرت من قوله، وقبلت في الحال رجليه، وتبت على يديه، واستغفرت الله عز وجل عما سلف مني من الذنوب، وصرت معتقدا في كرامات أولياء الله تعالى.
قال: سمعت أبا محمد عبد الله بن عمر يقول: كنت يوما في خدمة الشيخ رضي الله تعالى عنه نأكل الغداء فدق الباب داق، فقمت وفتحت له الباب، فإذا بالشيخ الصالح مسعود النعال، فاستأذنت له، فدخل وقعد عند الشيخ إلى الطعام، فلما كان بعد ساعة نظر إلى مسعود وقال: يا مسعود لو أن النطفة التي قدر الله عز وجل في سابق علمه أن يخلق منها خلقا صبت على الأرض لظهر منها ذلك الخلق، فلما سمع مسعود النعال هذا الكلام انزعج وبكى وصاح، فتعجبنا من تلك الحالة، فلما سكن سألته عن سبب انزعاجه وتواجده من كلام الشيخ، فقال لي: اعلم أني تزوجت امرأة منذ سنين كثيرة وما رزقت منها ولدا، وأني جئت اليوم لأسأل منه الدعاء حتى يرزقني الله عز وجل ولدا صالحا، فقبل سؤالي إياه حدثني بما في قلبي، وأظهر لي سري، وأسمعني ما سمعتم. قال: ثم دعاه الشيخ رضي الله عنه ودعا له، وسأل الله عز وجل له الولد، وناوله شيئا من بقية الطعام وقال: أطعمها أهلك، قال: ثم رأيته بعد ذلك بمدة فقال: قد رزقني الله عز وجل والحمد لله ابنا وبنتا ببركة دعاء الشيخ وهمته.
قال: وسمعت الشيخ أبا عبد الله يقول: سمعت الشيخ أبا بكر عبد الغفار بن محمد بن عبد الغفار- وكان خال ولد الشيخ رضي الله عنه- يقول لي: هل علمت
سبب وفاة أختي، يعني التي كانت حليلة الشيخ رحمة الله عليهما؟ قلت: لا، قال قالت أختي: كان للشيخ في الدار بيت مختص به لا يدخله غيره، وكان يأذن لي في بعض الليالي بدخولي فيه، وفي أكثر الأوقات وأغلب الليالي يغلق الباب على نفسه ويخلو فيه بنفسه، وأبيت أنا في الدار وحدي، فاشتد ذلك علي حتى أقلق نهاري وأسهر ليلي، فبينا أنا متفكرة في بعض تلك الليالي إذ قلت في نفسي: لم لا أقوم فأرتقي الرواق وأنظر إليه من كوة البيت لأقف على حاله، فقمت وارتقيت الرواق، فقبل بلوغي الكوة رأيت نورا عظيما وضياء ساطعا من البيت أضاء منه شيء، فتقدمت ونظرت في البيت، فرأيت الشيخ جالسا في مكانه، وحوله جماعة يقرأون عليه، وكنت أرى سوادهم وأسمع حسهم غير أني لا أرى صورهم، فهالني ذلك ووقعت مغشيا علي لا أشعر شيئا، إلا أني رأيت الشيخ واقفا على رأسي، فأقامني وتلطف بي وقال لي: ماذا دهاك؟ فقصصت عليه قصتي، فقال لي: كفي عن هذا ولا تخبري بما رأيت أحدا من الناس إن كنت تريدين رضاي، فقبلت منه ذلك وكتمت سره حتى أمرضني، وحملت مريضة إلى دار أبي؛ قال الامام أبو عبد الله وقال لي الشيخ أبو بكر واشتد عندنا مرضها، وكنا نسألها عن سبب مرضها، وكانت تعلل بأشياء، إلى أن وقعت في هول الموت وسياق النزع، ثم نظرت إلينا وبكت ثم قالت: أوصيكم بزوجي أبي العلاء واسترضائه، والآن بدا لي أن أخبركم بسبب موتي، ثم قصت علينا هذه القصة، وفارقت الدنيا، رحمها الله.
قال: وسمعت الشيخ أبا العلاء أحمد بن الحسن الحداد العارف يقول: سمعت الشيخ عمر بن سعد بن عبد الله بن حذيفة من نسل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه يقول: كنت مع الحافظ أبي العلاء في بعض الأسفار، فأدركنا شيخا من أهل الحديث، وانتخب عليه الحافظ جزءا من مسموعه وسماعه عليه، وارتحلنا من عنده فوصلنا إلى نهر عظيم، فلما عبرنا النهر وقع ذلك الجزء منا وضاع، وضاق قلب الحافظ لذلك ضيقا شديدا، فلما كان بعد ذلك بأيام استقبلنا رجل حسن الوجه حسن الشارة وسلم علينا، ثم أقبل على الحافظ وقال: ما الذي أصابكم وما سبب حزنك؟
فقص عليه الحافظ قصة الجزء وكيفية ضياعه، فقال: خذ القلم واكتب عني جميع ما ضاع عنك في ذلك الجزء، وأخذ الحافظ القلم متعجبا ننظر إليه وهو يملي والحافظ
يكتب إلى أن فرغ، فلما فرغ الحافظ أخذ ببعض ثيابه فقال: أنشدك الله من أنت؟
فقال: أنا أخوك الخضر، وبعثت إليك لهذا الأمر، ثم غاب عنا فلم نره.
سمعت الشيخ الصالح سنقر بن عبد الله غلام شيخنا أبي طاهر محمد بن الحسن بن أحمد العطار، رحمه الله ابن الشيخ رضي الله عنه يقول: إني خدمت الشيخ رضي الله عنه سنين كثيرة فرأيت العجائب الكثيرة في خلواته، منها: أنه قام ليلة ليتوضأ فقال لي: استق الماء من البئر، فجئت وأرسلت الدلو فيها، فلما بلغ الدلو إلى رأس البئر نظرت فيها فإذا الدلو مملوءة ذهبا أحمر أضاء الدار حمرته، فصحت صيحة عظيمة، فقال لي: أيها الشيخ ماذا أصابك؟ فأريته الدلو فاسترجع، ثم استأخر وقال لي: اقلب الدلو في البئر فإنا نطلب الماء لا الذهب، قال: فقلبتها، ثم أخذ الدلو من يدي واستقى الماء وقال لي: يا سنقر إياك إياك أن تخبر بما رأيت أحدا من الناس ما دمت حيا.
قال: رأيت بخط الثقة، ذكر أنه نقل من خط الشيخ أبي الفتح محمد بن الحسين بن وهب: سمعت الشيخ أبا عبد الله الحسين بن إبراهيم بن الحسين بن جعفر الجوزقاني يقول: كنت نائما ذات ليلة، فرأيت فيما يرى النائم كأن الناس يهرعون إلى رباط أبي الفرج أحمد بن علي المقرئ رحمة الله عليه، قال: فسألت ما لهؤلاء؟ فقالوا: إن أنس بن مالك رضي الله عنه نزل في رباط المقرئ، ففرحت وأسرعت وقصدت الإمام الحافظ أبا العلاء وأخبرته بذلك، فلما سمع مني فرح ونشط، وقام وأخذ جزءا واحدا من أحاديث أنس بن مالك رضي الله عنه وجاء معي حتى دخلنا الرباط، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في الرباط، ورأينا أنس بن مالك عن يساره، فقدمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلمنا عليه وجلسنا بين يديه، فاستأذنه أبو العلاء في قراءة ذلك الجزء عليه فأذن له، فابتدأ أبو العلاء بالقراءة، وقرأ ذلك الجزء قراءة حسنة مبينة صحيحة، ورأيته صلى الله عليه وسلم يتبسم من الفرح مرة إلى وجهه ومرة إلى وجهي، فلما قرأ الجزء انتبهت من النوم وقمت وتوضأت وصليت الصلاة شكرا لله تعالى على ما رأيت في المنام.
قال: وسمعت الشيخ عمر بن أبي رشيد بن طاهر الزاهد يقول: رآني يوما الشيخ علي الشاذاني صاحب الكرامات الظاهرة فقال: يا عمر اذهب إلى الحافظ أبي
العلاء وقبل جبينه عني، فإني رأيت الليلة في المنام من قبل جبهته موفيا محتسبا غفر الله له.
قال: وسمعت الشيخ الزاهد، وكان من الأبدال إن شاء الله يقول: سمعت الشيخ سعيدا المتقي، وكان من الصالحين يقول: رأيت جنات عدن مفتوحة أبوابها، وإذا الناس كلهم وقوف ينظرون دخول شخص، فلما قرب من الباب وكاد يدخل جنة عدن سألت من هذا الشخص الذي يدخل جنة عدن قبل دخول الخلائق؟ فقالوا:
الحافظ أبو العلاء ومن كان يحبه في الله عز وجل، فتضرعت وبكيت وقلت: وأنا أيضا ممن يحبه في الله عز وجل، دعوني أدخل، فقال شخص: صدق دعوه يدخل، فدخلت مع القوم وهم يقولون: {ادخلوها بسلام آمنين}.
قال المصنف: وحكى لي الشيخ الإمام أبو عبد الله زبير بن محمد بن زبير المشكاني رحمه الله قال: رأيت ليلة من الليالي في المنام كأن الإمام أبا العلاء رضي الله عنه يمشي إلى الحج، وهو جالس في المهد متربع، والمهد يمشي في الهواء بين السماء والأرض، فعدوت خلفه، فنزل المهد من السماء إلى الأرض، وشيء مثل الوتد حتى خرج من ذلك المهد، فتعلقت به، فقام المهد يمشي في الهواء وأنا متعلق به حتى وصلنا الفرات، فأخذني العطش، فقلت للحافظ، إني عطشان أريد أشرب، فقال لي: تعال حتى نشرب من زمزم، فمشينا حتى وصلنا مكة، فدخلت الحرم، وشربت من ماء زمزم، ورأيت في الحرم خلقا كثيرا، ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الحافظ أبي العلاء جالسا على تل في الحرم أعلى من سطح الحرم، وما معهما أحد غيرهما، وهما يستقبلان الكعبة وينظران إلى فوق، ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم مع أحد نحو فوق الكعبة، وإذا أراد أن يتكلم قام إليه، ورأيت شيخنا أبا العلاء شاخصا ببصره إلى الذي يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فوق الكعبة، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا، فقلت في نفسي: أذهب فأبصر من الذي يكلم النبي صلى الله عليه وسلم وينظر إليه الحافظ أبو العلاء، فتقدمت ونظرت إلى فوق الكعبة فرأيت عرش الرحمن جل جلاله واقفا فوق الكعبة، ورأيت الرحمن جل جلاله عليه، فأشار إلي النبي صلى الله عليه وسلم أن «أسأل الله تبارك وتعالى»، فسألت الله تعالى أربع حاجات، فسمعته يقول بالفارسية، كردم، وسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة ففعل، فنويت الرجوع، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتذهب؟ فوقفت أنتظر أمره، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفارسية:
شكرانه گو، فوقفت وقرأت: {قل هو الله أحد} خمسمائة مرة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسن، فرجعت وتركت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا مع الحافظ أبي العلاء على ذلك التل وينظران إلى الله عز وجل.
وقد مدحه أفاضل عصره بأشعار كثيرة، منهم أبو عبد الله محمد بن عبد الله المغربي وقد خرج الشيخ فحجبت الشمس غمامة فقال لي في ذلك:
وقد مدحه أبو عبد الله المغربي هذا بقصائد حسان، وقد أفردها الشيخ الإمام أبو عبد الله محمد بن محمود بن إبراهيم بن الفرج مؤلف هذه المناقب رحمه الله، والأصل يشتمل على ستة أجزاء بخطه كلها رحمه الله، وقد ذكر فيه بعد ذكر القصائد التي ذكرتها:
سمعت أبا بشر محمد بن محمد بن محمد بن هبة الله بن عبد الله بن سهل رحمه الله يقول: كان أبو عبد الله المغربي بأصفهان في مدرسة النظام وهو يقرأ القرآن، فلما بلغ قوله عز وجل: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} قام وصرخ وترك أمتعته وكتبه وأقبل إلى الصحراء هائما، وما رؤي بعد ذلك ولا سمع له خبر ولا أثر.
وأنشد موفق بن أحمد المكي الخطيب في مدحه:
وأنشد أيضا في مدحه:
وأنشد الإمام العلامة أفضل الدين أبو عمرو عثمان بن عبد الملك بن عبيد الله بن أحمد بن سعيد الدمانخير الكرخي رحمة الله عليه في مدحه:
وهي طويلة.
ولموفق الدين مكي خطيب خوارزم أشعار كثيرة في مدحه منها:
قال: وسمعت الثقة يقول: سمعت الشيخ رضي الله عنه يقول: لما مات فلان- أحد أصدقائه ذكر اسمه ونسيته- شق علي موته، وأثر في وفاته، فكنت بعد ذلك أكتب كل سنة كتاب الوصية، وأنا سمعت منه حينئذ صغيرا وهو يقول غدا من شهر رجب، شهر الله الأصم، وأنا أريد أن أجدد مع ربي عهدا. وهذا كتاب وصيته: بسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا عبد القادر اليوسفي وهبة الله بن أحمد الشيباني قالا، أخبرنا أبو علي الحسن بن علي التميمي، أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنهما، حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عنده. وأخبرنا الشيخ أبو القاسم زاهر بن طاهر بن محمد بن محمد الحافظ، أخبرنا أبو عثمان سعد بن محمد النجيرمي، أخبرنا أبو الخير الحنبلي وأبو بكر محمد بن أحمد بن عقيل قالا، أخبرنا أبو بكر محمد بن حفص بن جعفر حدثنا إسحاق بن إبراهيم الغضبي، حدثنا خالد بن يزيد الأنصاري، حدثني محمد بن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من لم يحسن الوصية عند الموت كان نقصا في مروءته وعقله، قيل: وكيف يوصي؟ قال يقول: اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، إني أعهد إليك في دار الدنيا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبدك ورسولك، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث حق، والحساب والقدر حق والميزان حق، وأن الدين كما وصفت، وأن الاسلام كما شرعت، وأن القول كما حدثت، وأن القرآن كما أنزلت، جزى الله محمدا صلى الله عليه وسلم عنا خير الجزاء، وحيا محمدا منا بالسلام. اللهم يا عدتي عند كربتي، ويا صاحبي عند شدتي، ويا ولي نعمي إلهي وإله آبائي، لا تكلني إلى نفسي طرفة عين، فإنك إن تكلني إلى نفسي أقرب من الشر وأتباعد من الخير، فآنسني في قبري من وحشتي، واجعل لي عهدا يوم ألقاك، ثم يوصي بحاجته. وتصديق هذه الوصية في القرآن {لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا} فهذا عهد الميت.
وهذه وصيته سنة إحدى وعشرين وخمسمائة، ونقلتها من خطه: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد العطار طوعا، في صحة عقله وبدنه وجواز أمره، أوصى وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وخلق كل شيء فقدره تقديرا {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين}، ويشهد أن محمدا عبده أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله عليه وعلى أصحابه وسلم تسليما كثيرا، ويشهد أن الجنة حق، والنار حق، والبعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، وأنه جل وعز جامع الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم، في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، ويشهد أن صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وهو أول المسلمين، وأنه رضي بالله ربا، وبالاسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، وبالقرآن إماما، وبالمؤمنين إخوانا، وأنه يدين لله عز وجل بمذهب أصحاب الحديث، ويتضرع إلى الله عز وجل ويتوسل إليه بجميع كتبه المنزلة وأسمائه الحسنى وكلماته التامات وجميع ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين، أن يحييه على ذلك حيا ويميته على ذلك إذا توفاه، وأن يبعثه عليه يوم الدين، وأوصى نفسه وخاصته وقرابته ومن سمع وصيته بتقوى الله، وأن يعبدوه في العابدين، ويحمدوه في الحامدين، ويذكروه في الذاكرين، ولا يموتن إلا وهم مسلمون، وأوصى إلى الشيخ أبي مسعود إسماعيل بن أبي القاسم الخازن في جميع تركته وما يخلفه بعده، وفي قضاء ديونه واقتضاء ديونه وإنفاذ وصاياه، وذكره في ذلك بتقوى الله وإيثار طاعته، وحذره أن يبدل شيئا من ذلك أو يغيره، وقد قال الله تعالى {فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم} وكتب هذه الوصية موصيها الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن العطار في يوم الثلاثاء السابع من ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وخمسمائة.
قال: وحدثني من شهد قبض روح الشيخ رضي الله عنه قال: كنا قعودا في ذلك الوقت، وكنا نحب أن نلقنه كلمة الشهادة رعاية للسنة، ومع هذا كنا نخشى من هيبته ونحذر سوء الأدب، فبقينا متحيرين حتى قلنا للرجل من أصحاب الشيخ: اقرأ أنت سورة يس، فرفع الرجل صوته يقرأ السورة، وكنا ننظر إليه ونراقب حاله، فدهش القارئ وأخطأ في القراءة، ففتح الشيخ عينه ورد عليه، فسررنا بذلك وحمدنا الله عز وجل. ثم جيء إليه بقدح فيه شيء من الدواء، ووضع القدح على شفته فولى وجهه ورد القدح بفيه وفتح عينه وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله رافعا بها صوته، وفاضت نفسه رحمه الله ورضي عنه وأرضاه، وجعل أعلى الجنان مأواه، وكان ذلك قبيل العشاء الآخرة ليلة الخميس التاسع عشر من جمادى الأولى عام سبعة وستين وخمسمائة، ودفن يوم الخميس في مسجده، وصلى عليه ابنه الإمام ركن الدين شيخ الإسلام ابو عبد الله أحمد القائم مقامه وخليفته على أولاده وأصحابه واتباعه رحمه الله. والكتاب الذي يشتمل على مناقبه كتاب ضخم جليل، وإنما كتبت هذه النبذة ليستدل به على فضله ومرتبته، رحمة الله عليه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبيه محمد وآله أجمعين.

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 2- ص: 840

أبو العلاء الهمذاني الإمام الحافظ المقرئ العلامة شيخ الإسلام أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل بن سلمة بن عثكل بن إسحاق بن حنبل الهمذاني العطار، شيخ همذان بلا مدافعة.
مولده في ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربع مائة.
وأول سماعه في سنة خمس وتسعين، وبعدها سمع من عبد الرحمن بن حمد الدوني، وخلق بهمذان. وسمع ببغداد من أبي القاسم بن بيان، وأبي علي بن نبهان، وأبي علي بن المهدي، وطبقتهم. وبأصبهان من أبي علي الحداد، ومحمود الأشقر، وخلق. وقرأ
بالروايات الكثيرة على الحداد، وعلى أبي عبد الله البارع، وأبي بكر المزرفي، وجماعة.
وارتحل إلى خراسان، فسمع من محمد بن الفضل الفراوي ’’صحيح مسلم’’، وما زال يسمع ويرحل ويسمع أولاده. وآخر قدماته إلى بغداد، وكان بعد الأربعين، فقرأ لأولاده على أبي الفضل الأرموي، وابن ناصر، وابن الزاغوني، فحدث إذ ذاك بها وأقرأ.
فتلا عليه بالعشرة أبو أحمد عبد الوهاب بن سكينة.
وروى عنه هو وأبو المواهب ابن صصرى، وعبد القادر بن عبد الله الرهاوي، ويوسف بن أحمد الشيرازي، ومحمد بن محمود الحمامي، وعتيق بن بدل المكي، وأولاده: أحمد، وعبد البر، وفاطمة، وأسباطه: القاضي علي، ومحمد، وعبد الحميد، بنو عبد الرشيد بن علي بن بنيمان، وآخرون.
وروى عنه بالإجازة أبو الحسن ابن المقير، وغيره.
قال أبو سعد السمعاني: هو حافظ متقن، ومقرئ فاضل، حسن السيرة، جميل الأمر، مرضي الطريقة، عزيز النفس، سخي بما يملكه، مكرم للغرباء، يعرف الحديث والقراءات والآداب معرفة حسنة، سمعت منه بهمذان.
وقال الحافظ عبد القادر: شيخنا أشهر من أن يعرف؛ تعذر وجود مثله من أعصار كثيرة، على ما بلغنا من سير العلماء والمشايخ، أربى على أهل زمانه في كثرة السماعات، مع تحصيل أصول ما سمع، وجودة النسخ، وإتقان ما كتبه بخطه؛ فإنه ما كان يكتب شيئا إلا منقوطا معربا، وأول سماعه من الدوني سنة495، وبرع على حفاظ عصره في حفظ ما يتعلق بالحديث من الأنساب والتواريخ والأسماء والكنى والقصص والسير.
ولقد كان يوما في مجلسه، وجاءته فتوى في أمر عثمان -رضي الله عنه، فأخذها، وكتب فيها من حفظه، ونحن جلوس، درجا طويلا، ذكر فيه نسبه، ومولده، ووفاته، وأولاده، وما قيل فيه، إلى غير ذلك.
وله التصانيف في الحديث، وفي الزهد والرقائق، وقد صنف كتاب ’’زاد المسافر’’ في خمسين مجلدا، وكان إماما في الحديث وعلومه.
وحصل من القراءات ما إنه صنف فيها العشرة والمفردات، وصنف في الوقف والابتداء، وفي التجويد، وكتابا في ماءات القرآن، وفي العدد، وكتابا في معرفة القراء في نحو من عشرين مجلدا، استحسنت تصانيفه، وكتبت، ونقلت إلى خوارزم وإلى الشام، وبرع عنده
جماعة كثيرة في القراءات. وكان إذا جرى ذكر القراء يقول: فلان مات عام كذا وكذا، ومات فلان في سنة كذا وكذا، وفلان يعلو إسناده على فلان بكذا.
وكان عالما إماما في النحو واللغة. سمعت أن من جملة ما حفظ كتاب الجمهرة. وخرج له تلامذة في العربية أئمة يقرؤون بهمذان، وبعض أصحابه رأيته، فكان من محفوظاته كتاب الغريبين لأبي عبيد الهروي، إلى أن قال: وكان مهينا للمال، باع جميع ما ورثه، وكان من أبناء التجار، فأنفقه في طلب العلم، حتى سافر إلى بغداد وإلى أصبهان مرات ماشيا يحمل كتبه على ظهره، سمعته يقول: كنت أبيت ببغداد في المساجد، وآكل خبز الدخن.
قال: وسمعت أبا الفضل بن بنيمان الأديب يقول: رأيت أبا العلاء العطار في مسجد من مساجد بغداد يكتب وهو قائم؛ لأن السراج كان عاليا، إلى أن قال: فعظم شأنه في القلوب؛ حتى إن كان ليمر في همذان فلا يبقى أحد رآه إلا قام، ودعا له؛ حتى الصبيان واليهود، وربما كان يمضي إلى بلدة مشكان يصلي بها الجمعة، فيتلقاه أهلها خارج البلد؛ المسلمون على حدة، واليهود على حدة، يدعون له، إلى أن يدخل البلد.
وكان يفتح عليه من الدنيا جمل، فلم يدخرها، بل ينفقها على تلامذته، وكان عليه رسوم لأقوام، وما كان يبرح عليه ألف دينار همذانية أو أكثر من الدين، مع كثرة ما كان يفتح عليه.
وكان يطلب لأصحابه من الناس، ويعز أصحابه ومن يلوذ به، ولا يحضر دعوة حتى يحضر جماعة أصحابه، وكان لا يأكل من أموال الظلمة، ولا قبل منهم مدرسة قط ولا رباطا، وإنما كان يقرئ في داره، ونحن في مسجده سكان.
وكان يقرئ نصف نهاره الحديث، ونصفه القرآن والعلم، ولا يغشى السلاطين، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يمكن أحدا في محلته أن يفعل منكرا، ولا سماعا، وكان ينزل كل إنسان منزلته، حتى تألفت القلوب على محبته وحسن الذكر له في الآفاق البعيدة، حتى أهل خوارزم الذين هم معتزلة مع شدته في الحنبلة.
وكان حسن الصلاة لم أر أحدا من مشايخنا أحسن صلاة منه، وكان متشددا في أمر الطهارة؛ لا يدع أحدا يمس مداسه، وكانت ثيابه قصارا، وأكمامه قصارا، وعمامته نحو سبعة أذرع.
وكانت السنة شعاره ودثاره اعتقادا وفعلا، بحيث إنه كان إذا دخل مجلسه رجل، فقدم رجله اليسرى كلفه أن يرجع، فيقدم اليمنى، ولا يمس الأجزاء إلا على وضوء، ولا يدع شيئا قط إلا مستقبل القبلة تعظيما لها.
قلت: هذا لم يرد فيه ثواب.
إلى أن قال: سمعت من أثق به عن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي أنه قال في الحافظ أبي العلاء، لما دخل نيسابور: ما دخل نيسابور مثلك. وسمعت الحافظ أبا القاسم علي بن الحسن يقول -وذكر رجلا من أصحابه رحل: إن رجع ولم يلق الحافظ أبا العلاء ضاعت رحلته.
قلت: كان أبو العلاء الحافظ في القراءات أكبر منه في الحديث، مع كونه من أعيان أئمة الحديث، له عدة رحلات إلى بغداد وأصبهان ونيسابور.
أخبرنا أبو سعية صبيح الأسود، أخبرنا أبو الحسن ابن المقير، أخبرنا أبو العلاء الهمذاني مكاتبة، أخبرنا أبو علي المقرئ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أحمد بن خلاد، حدثنا محمد بن غالب، حدثنا القعنبي، عن مالك، عن خبيب بن عبد الرحمان، عن حفص بن عاصم، عن أبي سعيد، أو عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ’’سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله؛ إمام عادل..’’، وذكر الحديث.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا نصر بن عبد الرزاق، أنبأنا الحافظ أبو العلاء الهمذاني، أخبرنا أبو علي محمد بن محمد الهاشمي، أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا أبو بحر محمد بن الحسن، حدثنا علي بن الفضل الواسطي، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا أبو مالك الأشجعي سعد بن طارق، عن ربعي، عن حذيفة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ’’المعروف كله صدقة، وإن آخر ما تعلق به الجاهلية من كلام النبوة: إذا لم تستحي فافعل ما شئت’’.
توفي أبو العلاء الهمذاني بها، في جمادى الأولى، سنة تسع وستين وخمس مائة، وله نيف وثمانون سنة.
وفيها: مات صاحب الشام الملك نور الدين محمود بن زنكي التركي عن بضع وخمسين سنة، والمسند أبو عبد الله أحمد بن علي بن المعمر العلوي النقيب ببغداد، وأبو الحسن دهبل بن علي بن كاره الحريمي، وشيخ النحو أبو محمد سعيد بن المبارك بن الدهان البغدادي، ومسند المغرب أبو الحسن علي بن أحمد بن حنين الكناني بفاس عن ثلاث وتسعين سنة، والمسند أبو محمد عبد الله بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن النرسي، وأبو إسحاق بن قرقول الحمزي، وأبو تميم سلمان بن علي الرحبي الخباز، وعبد النبي بن المهدي الخارجي المتغلب على اليمن، والفقيه عمارة بن علي اليمني شاعر وقته، وأبو شجاع محمد بن الحسين المادرائي الحاجب.
وفي أولاد الحافظ أبي العلاء جماعة نجباء؛ أصغرهم الحافظ الرحال مفيد همذان أبو بكر محمد بن الحسن، سمع من أبي الوقت والباغبان، وبأصبهان من أبي رشيد عبد الله بن عمر، والحافظ أبي موسى، وقرأ كثيرا، وحصل الأصول، روى عنه أبو الحسن ابن القطيعي، مات كهلا سنة خمس وست مائة.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 15- ص: 287

الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد ..........

  • دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 4- ص: 303

الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل الحافظ العلامة المقرئ شيخ الإسلام أبو العلاء الهمذاني العطار. شيخ همذان.
مولده سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة، قرأ بالروايات على أبي علي الحداد وأكثر عنه ولازمه مدة، وعلى مقرئ واسط أبي العز القلانسي، وأبي عبد الله البارع، وأبي بكر المزرفي، وطائفة.
وسمع من أبي القاسم بن بيان، وأبي علي بن نبهان، وابن الحصين، وخلائق ببغداد، وأبي عبد الله محمد بن الفضل الفراوي، وطائفة بنيسابور، ثم رحل ثاني مرة إلى بغداد فأسمع ابنه، ثم قدم الثلاثين وخمسمائة فأكثر، ثم بعد عام أربعين، قرأ عليه بالروايات أبو أحمد بن سكينة، وأبو الحسن بن الدباس، ومحمد بن محمد الكيال.
وحدث عنه أبو المواهب بن صصري، والحافظان عبد القادر، وأبو يعقوب يوسف بن أحمد الشيرازي، ومحمد بن محمود الحمامي وآخرون، وخاتمة أصحابه بالإجازة ابن المقير.
قال أبو سعد السمعاني: حافظ متقن، ومقرئ فاضل، حسن السيرة، مرضي الطريقة، عزيز النفس، سخي بما يملكه، مكرم للغرباء، يعرف القراءات والحديث والأدب معرفة حسنة، سمعت منه.
وقال عبد القادر الحافظ: شيخنا أبو العلاء برع على حفاظ عصره في حفظ ما يتعلق بالحديث من الأنساب والتواريخ والأسماء والكنى والقصص والسير. ولقد كان يوما في مجلسه فجاءته فتوى في عثمان بن عفان رضي الله عنه فكتب من حفظه ونحن جلوس درجا طويلا في أخباره.
وله تصانيف، منها: «زاد المسافر» في خمسين مجلدا، وكان إماما في القرآن وعلومه وحصل من القراءات ما إنه صنف فيها «العشرة»، و «المفردات»، وصنف في الوقف والابتداء، وفي التجويد، والماءات، والعدد و «معرفة القراء» وهو نحو من عشرين مجلدا، واستحسنت تصانيفه وكتبت ونقلت إلى خوارزم وإلى الشام.
وبرع عنده جماعة كثيرة في القراءات، وكان إذا جرى ذكر القراء يقول: فلان مات عام كذا، ومات فلان في سنة كذا، وفلان يعلو إسناده على فلان بكذا.
وكان إماما في النحو واللغة، سمعت أن من جملة ما حفظ كتاب «الجمهرة».
وخرج له تلامذة في العربية أئمة يقرءون بهمذان، وبعض أصحابه رأيته، فكان من محفوظاته كتاب «الغريبين» للهروي.
وكان مهينا للمال باع جميع ما ورثه، وكان من أبناء التجار فأنفقه في طلب العلم حتى سافر إلى بغداد وأصبهان مرات ماشيا يحمل كتبه على ظهره. سمعته يقول: كنت أبيت ببغداد في المساجد وآكل خبز الدخن.
وسمعت أبا الفضل بن بنيمان الأديب يقول: رأيت أبا العلاء في مسجد من مساجد بغداد يكتب وهو قائم لأن السراج كان عاليا، فعظم بعد ذلك شأنه في القلوب حتى إنه كان يمر في همذان فلا يبقى أحد رآه إلا قام ودعا له حتى الصبيان واليهود. وربما كان يمضي إلى بلدة مشكان فيصلي بها الجمعة فيتلقاه أهلها خارج البلد، المسلمون على حدة، واليهود على حدة، يدعون له إلى أن يدخل البلد.
وكان يفتح عليه من الدنيا جمل فلا يدخرها بل ينفقها على تلامذته، وكان عليه رسوم لأقوام وما كان يبرح عليه ألف دينار همذانية أو أكثر من الدين مع كثرة ما كان يفتح عليه.
وكان يطلب لأصحابه من الناس، ويعز أصحابه ومن يلوذ به، ولا يحضر دعوة حتى يحضر جماعة أصحابه، وكان لا يأكل أموال الظلمة، ولا قبل منهم مدرسة قط ولا رباطا، وإنما كان يقرئ في داره.
وكان لا يغشى السلاطين، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يمكن أحدا أن يعمل في مجلسه منكرا ولا سماعا.
وكان ينزل كل إنسان منزلته حتى تألفت القلوب على محبته، وحسن الذكر له في الآفاق البعيدة، حتى أهل خوارزم الذين هم معتزلة مع شدته في الحنبلية.
وكان حسن الصلاة، لم ير أحدا يمس مداسه، وكانت ثيابه قصارا، وأكمامه قصارا، وعمامته نحو سبعة أذرع.
وكانت السنة شعاره ودثاره اعتقادا وفعلا، بحيث إنه كان إذا دخل مسجده رجل فقدم رجله اليسرى كلفه أن يرجع فيقدم اليمنى، ولا يمس الأجزاء إلا على وضوء، ولا يدعو شيئا قط إلا مستقبل القبلة معظما لها.
مات أبو العلاء بهمذان ليلة الخميس رابع عشر جمادى الأولى سنة تسع وستين وخمسمائة.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 0( 0000) , ج: 1- ص: 132

الحسن بن أحمد بن الحسن العطار، أبو العلاء الحافظ المقري الهمذاني.
قال ابن السمعاني: حافظ متقن، ومقرئ فاضل، حسن السيرة، جميل الأثر، مرضي الطريقة، سخي بما يملكه، يعرف الحديث والأدب والقراءات معرفةً حسنة.
وقال عبد القادر بن عبد الله الرهاوي: هو أشهر من أن يعرف، بل يعذر وجود مثله في أعصار كثيرة على ما بلغنا من سير العلماء والمشايخ، وأكثر في الثناء عليه.
وله مناقب في تاريخ ابن النجار في نحو ورقتين.

  • مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة صنعاء، اليمن-ط 1( 2011) , ج: 3- ص: 1

أبو العلاء الهمذاني الحافظ العلامة المقرئ شيخ الإسلام الحسن ابن أحمد بن الحسن بن أحمد بن سهل العطار
شيخ همذان
ولد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة
وتلا على ابن الحداد ولازمه وأكثر عنه وسمع من ابن الحصين وأبي عبد
الله الفراوي وخلائق ورحل وآخر أصحابه بالإجازة ابن المقير
وكان حافظًا متقناً مقرئاً فاضلا حسن السيرة إمامًا في القرآن وعلومه يعرف القراءات والحديث والأدب معرفة تامة إمامًا في النحو واللغة وكان من محفوظه الجمهرة لابن دريد وكتاب الغريبين للهروي
برع على حفاظ عصره فيما يتعلق بالحديث من الأنساب والتواريخ والأسماء والكنى والقصص والسير
صنف في القراءات وغيرها وخرج له تلامذة في القراءات والعربية وكان لا يغشى السلاطين ولا يقبل منهم شيئا ولا مدرسة ولا رباطًا ولا تأخذه في الله لومة لائم مع التقشف في الملبس مات في جمادى الأولى سنة تسع وستين وخمسمائة

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1403) , ج: 1- ص: 474

والحافظ الكبير أبو العلاء الحسن بن احمد بن الحسن الهمذاني العطار

  • دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 172

أبو العلاء الهمذاني
الحافظ، العلامة، المقرئ، شيخ الإسلام، الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل، العطار.
ولد سنة ثمانٍ وثمانين وأربع مئة.
وقرأ بالروايات على: أبي علي الحداد - وأكثر عنه ولازمه - وعلى: مقرئ واسط أبي العز القلانسي، وأبي بكر المزرفي، وطائفة.
وسمع بنيسابور من: أبي عبد الله الفراوي وغيره، وببغداد من أبي القاسم بن بيان، وأبي علي بن نبهان، وابن الحصين، وخلقٌ. ثم رحل مرة ثانية إلى بغداد فأسمع ابنه، ثم قدم بعد الثلاثين وخمس مئة فأكثر، ثم بعد سنة أربعين.
قرأ عليه بالروايات: أبو أحمد بن سكينة، وأبو الحسن بن الدباس.
وحدث عنه: أبو المواهب بن صصرى، والحافظ عبد القادر، والحافظ يوسف بن أحمد الشيرازي، وآخرون؛ آخر من روى عنه بالإجازة أبو الحسن بن المقير.
قال أبو سعد السمعاني: حافظٌ، متقنٌ، مقرئٌ، فاضل، حسن السيرة، مرضي الطريقة، عزيز النفس، سخي بما يملكه، مكرمٌ للغرباء، يعرف القراءات والحديث والأدب معرفة حسنة، سمعت منه.
وقال عبد القادر الحافظ: شيخنا أبو العلاء أشهر من أن يعرف، بل تعذر وجود مثله في أعصارٍ كثيرة على ما بلغنا من السير، أربى على أهل زمانه في كثرة السماعات، مع تحصيل أصول ما سمع، وجودة النسخ، وإتقان ما كتبه بخطه؛ ما كان يكتب شيئاً إلا منقطاً معرباً، وأول سماعه
من عبد الرحمن بن حمد الدوني في سنة خمس وتسعين وأربع مئة، برع على حفاظ عصره في حفظ ما يتعلق بالحديث من الأنساب والتواريخ والأسماء والكنى والقصص والسير، ولقد كان يوماً في مجلسه فجاءته فتوى في عثمان رضي الله عنه، فكتب من حفظه - ونحن جلوس - درجاً طويلاً في أخباره.
وله التصانيف، منها: ’’زاد المسافر’’ في خمسين مجلداً، وكان إماماً في القرآن وعلومه، وحصل من القراءات ما إنه صنف فيها العشرة، والمفردات، وصنف في الوقف والابتداء، وفي التجويد، والماءات، والعدد، ومعرفة القراء؛ وهو نحوٌ من عشرين مجلداً، استحسنت تصانيفه، وكتبت ونقلت إلى خوارزم وإلى الشام، وبرع عنده جماعةٌ كثيرةٌ في القراءات، وكان إذا جرى ذكر القراء يقول: مات فلان عام كذا، ومات فلان في سنة كذا، وفلان يعلو إسناده على فلان بكذا، وكان إماماً في النحو واللغة، سمعت أن من جملة ما حفظ كتاب ’’الجمهرة’’، وخرج له تلامذةً في العربية أئمةً يقرؤون بهمذان، وبعض أصحابه رأيته؛ فكان من محفوظاته كتاب ’’الغريبين’’ للهروي.
إلى أن قال: وكان مهيناً للمال، باع جميع ما ورثه - وكان من أبناء التجار - فأنفقه في طلب العلم، حتى سافر إلى بغداد وأصبهان مراتٍ ماشياً يحمل كتبه على ظهره، سمعته يقول: كنت أبيت ببغداد في المساجد، وآكل خبز الدخن، وسمعت أبا الفضل بن بنيمان الأديب يقول: رأيت أبا العلاء في مسجدٍ من مساجد بغداد يكتب وهو قائم؛ لأن السراج كان عالياً.
إلى أن قال: فعظم شأنه في القلوب، حتى إن كان يمر في همذان فلا يبقى أحدٌ رآه إلا قام، ودعا له، حتى الصبيان واليهود، وربما كان يمضي إلى بلدة مشكان يصلي بها الجمعة، فيتلقاه أهلها خارج البلد: المسلمون على حدة، واليهود على حدة يدعون له، إلى أن يدخل البلد، وكان يفتح عليه من الدنيا جملٌ، فلم يدخرها، بل ينفقها على تلامذته، وكان عليه رسومٌ لأقوامٍ، وما كان يبرح عليه ألف دينار همذانية أو أكثر من الدين مع كثرة ما كان يفتح عليه.
وكان يطلب لأصحابه من الناس، ويعز أصحابه ومن يلوذ به، ولا يحضر دعوةً حتى يحضرها جماعة أصحابه.
وكان لا يأكل من أموال الظلمة، ولا قبل منهم مدرسةً قط ولا رباطاً، وإنما كان يقرئ في داره، ونحن في مسجده سكان، وكان بقرئ نصف نهاره الحديث، ونصف القرآن والعلم، وكان لا يغشى السلاطين، ولا تأخذه في الله لومة لائمٍ، ولا يمكن أحداً أن يعمل في مجلسه منكراً ولا سماعاً، وكان ينزل كل إنسان منزلته، حتى تألفت
القلوب على محبته، وحسن الذكر له في الآفاق البعيدة، حتى أهل خوارزم الذين هم معتزلة مع شدته في الحنبلية.
وكان حسن الصلاة، لم أر أحداً من مشايخنا أحسن صلاةً منه، وكان متشدداً في أمر الطهارة؛ لا يدع أحداً يمس مداسه، وكانت ثيابه قصاراً وأكمامه قصاراً، وعمامته نحو سبعة أذرع.
وكانت السنة شعاره ودثاره اعتقاداً وفعلاً، بحيث إنه كان إذا دخل مجلسه رجلٌ فقدم رجله اليسرى كلفه أن يرجع فيقدم اليمنى، ولا يمس الأجزاء الأعلى طهارة، ولا يدع شيئاً قط إلا مستقبل القبلة تعظيماً لها.
إلى أن قال: سمعت من أثق به يحدث عن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي أنه قال في الحافظ أبي العلاء لما دخل نيسابور: ما دخل نيسابور مثلك. وسمعت الحافظ أبا القاسم علي بن الحسن يقول - وذكر رجلاً من أصحابه رحل - : إن رجع ولم يلق الحافظ أبا العلاء ضاعت رحلته.
مات أبو العلاء في جمادى الأولى سنة تسع وستين وخمس مئة.
وفيها: مات المسند النقيب أبو عبد الله أحمد بن علي بن المعمر العلوي ببغداد. وأبو الحسن دهبل بن علي بن كارة الحريمي الحنبلي؛ سمع الحسين بن البسري. وشيخ العربية أبو محمد سعيد بن المبارك بن الدهان البغدادي. والمسند أبو محمد عبد الله بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن النرسي. ومسند المغرب أبو الحسن علي بن أحمد بن أبي بكر بن حنين الكناني القرطبي، ثم الفاسي؛ وله ثلاث وتسعون سنة. وملك الشام العادل نور الدين محمود بن زنكي التركي، رحمهم الله تعالى.

  • مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان-ط 2( 1996) , ج: 4- ص: 1