أبو العلاء الهمذاني الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن سهل العطار: شيخ همذان، وإمام العراقيين في القراآت. وله باع في التفسير والحديث والأنساب والتواريخ. كان لا يغشى السلاطين ولا يقبل منهم شيئا ولا مدرسة ولا رباطا، ولا تأخذه في الله لومة لائم، مع التقشف في الملبس. له تصانيف، منها (زاد المسير) في التفسير، خمسون جزاءا، و (الوقف والابتداء) في القراآت، (معرفة القراءة) نحو 20 جزءا
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 181
الحافظ أبو العلاء العطار الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد، أبو العلاء، الحافظ العطار. كان إمام همذان في علوم القراءات والحديث والأدب والزهد وحسن الطريقة والتمسك بالسنن. قرأ القرآن بأصبهان على أبي علي الحداد وغيره، وبواسط على أبي العز محمد بن الحسين القلانسي، وببغداد على البارع الحسين بن محمد بن الدياس وعلى جماعة آخرين، وصنف في القراءات كتبا حسنة وفي علوم القرآن والحديث. وسمع ببلده من جماعة وبأصبهان وببغداد وبخراسان وحصل الأصول الكثيرة والكتب الكبار الحسان بالخطوط المعتبرة، وحدث بأكثر مسموعاته وسمع منه الكبار والحفاظ ورووا عنه وتردد إلى بغداد مرات ثم عاد إلى همذان وعمل دارا للكتب وخزانة وأوقف جميع كتبه فيها وانقطع لإقراء القرآن ورواية الحديث إلى آخر عمره ومولده سنة ثمان وثمانين وأربعمئة وتوفي سنة تسع وستين وخمسمئة. قال: حفظت كتاب الجمل للجرجاني في النحو في يوم واحد من الغداة إلى العصر وقال: حفظت يوما ثلاثين ورقة من القراءة وكان يقول: لو أن أحدا يأتي إلي بحديث واحد من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبلغني لملأت فمه ذهبا وحفظ كتاب الجمهرة لابن دريد وكتاب المجمل لابن فارس وكتاب النسب للزبير بن بكار وصنف العشرة، والمفردات في القراءات، والوقف والابتداء والتجويد، والمئات، والعدد، ومعرفة القراء، وهو نحو العشرين مجلدا. وله زاد المسافر نحو خمسين مجلدا. وجمع بعضهم كتابا في أخباره وأحواله وكراماته وما مدح به من الشعر وما كان عليه وأورد من ذلك ياقوت في معجم الأدباء قطعة جيدة، وكان إماما في النحو واللغة.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 11- ص: 0
الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل بن سلمة بن عثكل بن حنبل بن إسحاق العطار الحافظ، أبو العلاء الهمذاني المقرئ: من أهل همذان، مات في تاسع عشر جمادى الأولى سنة تسع وستين وخمسمائة، وذكره بعض الثقات من أهل العلم فذكر له مناقب كثيرة، وذكر نسبه وولادته فقال: هو أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل بن سلمة بن عثكل بن إسحاق العطار الهمذاني، وكان عثكل من العرب. وأما ولادته فإنها كانت يوم السبت قبل طلوع الشمس الرابع عشر من ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة بهمذان، وذكر من مناقبه: سمعته رحمه الله يقول: سلمت في صغري إلى رجل معلم- قال:
سماه ونسيت اسمه- قال: وكنت أحفظ عليه القرآن، فحفظت عليه إلى سورة يوسف، ثم أجرى الله لساني بحفظ الباقي من القرآن دفعة واحدة من غير تحفظ وتكرار فضلا منه جل جلاله. وسار في ليلة واحدة في طلب الحديث من جرباذقان الى أصفهان، وسمعته يقول: لما حججت كنت أمشي في البادية راجلا قدام القافلة أحيانا مع الدليل، وأحيانا أخلف الدليل، حتى عرفني الدليل واستأنس بي ومال إلي وهو
يسير على ناقة له تكاد ترد الريح، وكنت أرى الدليل يتعجب من قوتي على السير، وكان أحيانا يضرب ناقته ويمعن في السير، وكنت لا أخلي الناقة تسبقني، فقال لي الدليل يوما: تقدر أن تسابق ناقتي هذه؟ فقلت: نعم، فضربها وعدوت معها فسبقتها.
قال: وكان كثير الحفظ للعلوم، كثير المجاهدة في تحصيلها، فسمعته يقول رحمه الله: حفظت «كتاب الجمل» في النحو لعبد القاهر الجرجاني في يوم واحد من الغداة الى وقت العصر. قال: وسمعت الشيخ أبا حفص عمر بن الحسين الوشاء المقرئ يقول: سمعت الإمام الحافظ رحمه الله يقول: حفظت يوما ثلاثين ورقة من القراءة. قال: وسمعت الإمام الحافظ أبا بكر محمد بن شيخ الاسلام الحافظ أبي العلاء قال: سمعت الشيخ الصالح إبراهيم المرجي قال: سمعت الشيخ رحمه الله يقول: لو أن أحدا أتاني بحديث واحد من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبلغني لملأت فاه ذهبا. قال: وكان الشيخ رحمه الله حفظ «كتاب الجمهرة» لأبي بكر ابن دريد و «كتاب المجمل» لابن فارس و «كتاب النسب» للزبير بن بكار. قال: وبلغني عن الثقة أن الحافظ أبا جعفر رحمه الله كان يقول: لو أن الله تعالى يقول لي يوم القيامة:
ماذا أتيتني به؟ أقول ربي وسيدي أتيتك بأبي العلاء العطار.
قال: وكان الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الجوزي، رحمه الله، يملي يوما في الجامع بأصفهان، وعنده جماعة من المحدثين، إذ دخل الشيخ الحافظ أبو العلاء، رحمه الله، من باب الجامع، فلما نظر الحافظ أبو القاسم إليه أمسك من الاملاء، ونظر إلى أصحابه وقال: أيها القوم إن الله عز وجل يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها، وهذا الرجل المقبل من جملتهم، قوموا نسلم عليه، فقاموا واستقبلوه وسلموا عليه واعتنقوه.
قال: وكان يقرأ على الشيخ أبي العز المقرئ القلانسي الواسطي رحمه الله، وكان يفضله على أصحابه، فشق ذلك عليهم، فاجتمع بعضهم يوما وفيهم الشيخ أبو العلاء رحمه الله، فسألهم الشيخ أبو العز عن اختلاف القراء في قوله تعالى: {كوكب دري يوقد} وأقاويل الأئمة فيها، فسقط في أيديهم وتاهوا في شرحها، وما أجابوا بطائل، ثم أقبل الشيخ أبو العز على الشيخ رحمه الله وقال: تكلم أنت فيها يا أبا العلاء، فشرع فيها الشيخ وعد بضعة عشر قولا، وأدى فيها حقها بأحسن إشارة وأبلغ عبارة، فلما فرغ نظر الشيخ أبو العز إلى أصحابه الحاضرين وقال: بهذا أفضله عليكم، لو أمهلتكم مدة لما قدرتم على الذي ذكر هو بديهة من غير عزيمة سابقة وروية سالفة.
قال: وكان محترما عند الخلفاء والسلاطين، كتب إليه المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين كتابا من جملته: وبعد فإن الأب القديس النفيس خامس أولي العزم، وسابع السبعة على الجزم، وارث علم الأنبياء، حافظ شرع المصطفى أبا العلاء، ثم ذكر كلاما واستدعى منه الدعاء.
قال: وسمعت ولده أبا محمد عبد الغني بن الشيخ الحافظ أبي العلاء رحمه الله يقول: لما أدخل أبي على أمير المؤمنين المقتفي لأمر الله، رضي الله عنه، بعد استدعاء أمير المؤمنين إياه، كان يأمره خواص الخليفة بتقبيل الأرض في المواضع، وكان يأبى ذلك، فلما أكثروا عليه قال: دعوني إنما السجود لله تعالى، فكفوا عنه حتى وصل إليه، وسلم بالخلافة عليه، فقام له أمير المؤمنين وأجلسه، ثم كلمه ساعة وسأل منه الدعاء فدعا، وأذن له في الرجوع فرجع، وكانوا قد أحضروا الخلعة والصلة فاستعفى عن ذلك فأعفي، وخرج من بغداد حذرا من فتنة الدنيا وآفاتها.
وحدثني غير واحد أن السلطان محمدا لما دخل عليه داره نصحه كثيرا ووعظه، وكان السلطان جالسا بين يديه مقبلا عليه بوجهه مصغيا إلى كلامه، فلما قام ليخرج أمره بتقدمة رجله اليمنى وأخذه الطريق من الجانب الأيمن.
وسمعت الإمام أبا بشر الثاني رحمه الله يقول: سمعت عبد الغني بن سرور المقدسي يقول: كنت يوما في خدمة الحافظ أبي طاهر السلفي بثغر الاسكندرية نقرأ الحديث، فجرى ذكر الحفاظ إلى أن انتهى الكلام إلى ذكر الحافظ أبي العلاء رحمه الله، فأطرق الحافظ أبو طاهر عند ذكره، ثم رفع رأسه وقال: قدمه دينه، قدمه دينه.
قال: وسمعت أبا بشر محمد بن محمد بن منصور المقرئ الخطيب بشيراز يذكر الحافظ أبا العلاء، رضي الله عنه، ويثني عليه، ثم أنشد يقول:
فسار مسير الشمس في كل موطن | وهب هبوب الريح في الشرق والغرب |
فسار مسير الشمس في كل موطن | وهب هبوب الريح في الشرق والغرب |
سعى إليك على قرب ومن بعد | من كان ذا رغبة في العلم والسند |
حتى أناخ بمغناك الكريم وقد | كلت ركائبه في الخبت والسند |
كذاك أثرى وما أوعت أنامله | لكن وعى قلبه ما شاء من مدد |
وما أناخ بمغنى غيركم أحد | إلا ونودي ما بالربع من أحد |
وقد قصدتك من أقصى المغارب لا | أبغي سواك لوحي الواحد الصمد |
وما امتطيت سوى رجلي راحلة | وقد غنيت عن العيرانة الأجد |
وهذه رحلة بكر كشفت لها | عن ساق ذي عزمات غير متئد |
عناية لم تكن قبلي لذي طلب | وحظوة لكم في غابر الأبد |
هل كان قبلك حبر أمه رجل | وسار مدة حول سير مجتهد |
أبا العلاء العلاء الكل إنك في | أقصى العراق مقيم منه في بلد |
وقد فشا لك ذكر في البلاد كما | فاحت أزاهر روض للغمام ندي |
ظهرت فأخفت وجهها الشمس هيبة | وشوقا إلى مرآك أسبلت الدمعا |
ولما رأت مسعاك كفت شوؤنها | لئلا ترى حيا يصدك عن مسعى |
وقد كان ذاك القطر أيضا دلالة | على أن مولى الجمع قد رحم الجمعا |
ولا شك أن الله يرحم أمة | حللت بها قطعا أقول بذا قطعا |
حفظ الامام أبي العلاء الحافظ | بالرجل ينكت هام حفظ الجاحظ |
عمرو بن بحر بحره من جدول | متشعب من بحر بحر الحافظ |
ما إن رأينا قبل بحرك من له | بحر طفوح كالأتي اللافظ |
أحييت ما قد فاظ من سنن العلا | والعلم قبلك في انتزاع الفائظ |
بهظ البرايا عبء أدنى علمه | أعظم به من عبء علم باهظ |
كم واعظ لي أن أجاور مجده | لو كان ينجع في وعظ الواعظ |
غاظ الأعادي جاهه كعلومه | فرددت غيظهم بهذا الغائظ |
وليس اعتراف الحاسدين بفضله | لشيء سوى أن ليس يمكنهم جحد |
بدا كعمود الفجر ما فيه شبهة | فهل لهم من أن يقروا به بد |
صبرا فأيام الهموم تزول | والدهر يعطيك المنى وينيل |
ويبين من فلك السعادة باقيا | قمر الأماني والنحوس أفول |
لا تأيسن إذا تلم ملمة | إن الشدائد تعتري وتحول |
والفضل لا يزري به عدم الغنى | أفليس يحسن في الرماح ذبول |
ما إن يضر العضب بعد مضائه | يوم القراع إذا عرته فلول |
لا تشتغل بالعسر واطو مشمرا | بسط الفيافي والشعاب مقيل |
والبس سواد الليل مرتديا به | إن التجلد للرجال جميل |
حتى تنيخ العيس في كنف العلا | حيث التكرم بالنجاح كفيل |
كنف الإمام القرم قطب الدين من | جوب الفلا إلا إليه فضول |
صدر الزمان أبي العلاء سميدع | غر المعالي في ذراه تقيل |
بقيت بقاء الدهر في الناس خالدا | أيا خير من في الأرض خالا ووالدا |
لتروي أحاديث النبي محمد | وتحيي مسانيدا وتزوي معاندا |
فهذا دعائي بالحجون وبالصفا | وهذا مرامي حيث ما كنت ساجدا |
دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 2- ص: 840
أبو العلاء الهمذاني الإمام الحافظ المقرئ العلامة شيخ الإسلام أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل بن سلمة بن عثكل بن إسحاق بن حنبل الهمذاني العطار، شيخ همذان بلا مدافعة.
مولده في ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربع مائة.
وأول سماعه في سنة خمس وتسعين، وبعدها سمع من عبد الرحمن بن حمد الدوني، وخلق بهمذان. وسمع ببغداد من أبي القاسم بن بيان، وأبي علي بن نبهان، وأبي علي بن المهدي، وطبقتهم. وبأصبهان من أبي علي الحداد، ومحمود الأشقر، وخلق. وقرأ
بالروايات الكثيرة على الحداد، وعلى أبي عبد الله البارع، وأبي بكر المزرفي، وجماعة.
وارتحل إلى خراسان، فسمع من محمد بن الفضل الفراوي ’’صحيح مسلم’’، وما زال يسمع ويرحل ويسمع أولاده. وآخر قدماته إلى بغداد، وكان بعد الأربعين، فقرأ لأولاده على أبي الفضل الأرموي، وابن ناصر، وابن الزاغوني، فحدث إذ ذاك بها وأقرأ.
فتلا عليه بالعشرة أبو أحمد عبد الوهاب بن سكينة.
وروى عنه هو وأبو المواهب ابن صصرى، وعبد القادر بن عبد الله الرهاوي، ويوسف بن أحمد الشيرازي، ومحمد بن محمود الحمامي، وعتيق بن بدل المكي، وأولاده: أحمد، وعبد البر، وفاطمة، وأسباطه: القاضي علي، ومحمد، وعبد الحميد، بنو عبد الرشيد بن علي بن بنيمان، وآخرون.
وروى عنه بالإجازة أبو الحسن ابن المقير، وغيره.
قال أبو سعد السمعاني: هو حافظ متقن، ومقرئ فاضل، حسن السيرة، جميل الأمر، مرضي الطريقة، عزيز النفس، سخي بما يملكه، مكرم للغرباء، يعرف الحديث والقراءات والآداب معرفة حسنة، سمعت منه بهمذان.
وقال الحافظ عبد القادر: شيخنا أشهر من أن يعرف؛ تعذر وجود مثله من أعصار كثيرة، على ما بلغنا من سير العلماء والمشايخ، أربى على أهل زمانه في كثرة السماعات، مع تحصيل أصول ما سمع، وجودة النسخ، وإتقان ما كتبه بخطه؛ فإنه ما كان يكتب شيئا إلا منقوطا معربا، وأول سماعه من الدوني سنة495، وبرع على حفاظ عصره في حفظ ما يتعلق بالحديث من الأنساب والتواريخ والأسماء والكنى والقصص والسير.
ولقد كان يوما في مجلسه، وجاءته فتوى في أمر عثمان -رضي الله عنه، فأخذها، وكتب فيها من حفظه، ونحن جلوس، درجا طويلا، ذكر فيه نسبه، ومولده، ووفاته، وأولاده، وما قيل فيه، إلى غير ذلك.
وله التصانيف في الحديث، وفي الزهد والرقائق، وقد صنف كتاب ’’زاد المسافر’’ في خمسين مجلدا، وكان إماما في الحديث وعلومه.
وحصل من القراءات ما إنه صنف فيها العشرة والمفردات، وصنف في الوقف والابتداء، وفي التجويد، وكتابا في ماءات القرآن، وفي العدد، وكتابا في معرفة القراء في نحو من عشرين مجلدا، استحسنت تصانيفه، وكتبت، ونقلت إلى خوارزم وإلى الشام، وبرع عنده
جماعة كثيرة في القراءات. وكان إذا جرى ذكر القراء يقول: فلان مات عام كذا وكذا، ومات فلان في سنة كذا وكذا، وفلان يعلو إسناده على فلان بكذا.
وكان عالما إماما في النحو واللغة. سمعت أن من جملة ما حفظ كتاب الجمهرة. وخرج له تلامذة في العربية أئمة يقرؤون بهمذان، وبعض أصحابه رأيته، فكان من محفوظاته كتاب الغريبين لأبي عبيد الهروي، إلى أن قال: وكان مهينا للمال، باع جميع ما ورثه، وكان من أبناء التجار، فأنفقه في طلب العلم، حتى سافر إلى بغداد وإلى أصبهان مرات ماشيا يحمل كتبه على ظهره، سمعته يقول: كنت أبيت ببغداد في المساجد، وآكل خبز الدخن.
قال: وسمعت أبا الفضل بن بنيمان الأديب يقول: رأيت أبا العلاء العطار في مسجد من مساجد بغداد يكتب وهو قائم؛ لأن السراج كان عاليا، إلى أن قال: فعظم شأنه في القلوب؛ حتى إن كان ليمر في همذان فلا يبقى أحد رآه إلا قام، ودعا له؛ حتى الصبيان واليهود، وربما كان يمضي إلى بلدة مشكان يصلي بها الجمعة، فيتلقاه أهلها خارج البلد؛ المسلمون على حدة، واليهود على حدة، يدعون له، إلى أن يدخل البلد.
وكان يفتح عليه من الدنيا جمل، فلم يدخرها، بل ينفقها على تلامذته، وكان عليه رسوم لأقوام، وما كان يبرح عليه ألف دينار همذانية أو أكثر من الدين، مع كثرة ما كان يفتح عليه.
وكان يطلب لأصحابه من الناس، ويعز أصحابه ومن يلوذ به، ولا يحضر دعوة حتى يحضر جماعة أصحابه، وكان لا يأكل من أموال الظلمة، ولا قبل منهم مدرسة قط ولا رباطا، وإنما كان يقرئ في داره، ونحن في مسجده سكان.
وكان يقرئ نصف نهاره الحديث، ونصفه القرآن والعلم، ولا يغشى السلاطين، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يمكن أحدا في محلته أن يفعل منكرا، ولا سماعا، وكان ينزل كل إنسان منزلته، حتى تألفت القلوب على محبته وحسن الذكر له في الآفاق البعيدة، حتى أهل خوارزم الذين هم معتزلة مع شدته في الحنبلة.
وكان حسن الصلاة لم أر أحدا من مشايخنا أحسن صلاة منه، وكان متشددا في أمر الطهارة؛ لا يدع أحدا يمس مداسه، وكانت ثيابه قصارا، وأكمامه قصارا، وعمامته نحو سبعة أذرع.
وكانت السنة شعاره ودثاره اعتقادا وفعلا، بحيث إنه كان إذا دخل مجلسه رجل، فقدم رجله اليسرى كلفه أن يرجع، فيقدم اليمنى، ولا يمس الأجزاء إلا على وضوء، ولا يدع شيئا قط إلا مستقبل القبلة تعظيما لها.
قلت: هذا لم يرد فيه ثواب.
إلى أن قال: سمعت من أثق به عن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي أنه قال في الحافظ أبي العلاء، لما دخل نيسابور: ما دخل نيسابور مثلك. وسمعت الحافظ أبا القاسم علي بن الحسن يقول -وذكر رجلا من أصحابه رحل: إن رجع ولم يلق الحافظ أبا العلاء ضاعت رحلته.
قلت: كان أبو العلاء الحافظ في القراءات أكبر منه في الحديث، مع كونه من أعيان أئمة الحديث، له عدة رحلات إلى بغداد وأصبهان ونيسابور.
أخبرنا أبو سعية صبيح الأسود، أخبرنا أبو الحسن ابن المقير، أخبرنا أبو العلاء الهمذاني مكاتبة، أخبرنا أبو علي المقرئ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أحمد بن خلاد، حدثنا محمد بن غالب، حدثنا القعنبي، عن مالك، عن خبيب بن عبد الرحمان، عن حفص بن عاصم، عن أبي سعيد، أو عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ’’سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله؛ إمام عادل..’’، وذكر الحديث.
أخبرنا أحمد بن إسحاق، أخبرنا نصر بن عبد الرزاق، أنبأنا الحافظ أبو العلاء الهمذاني، أخبرنا أبو علي محمد بن محمد الهاشمي، أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا أبو بحر محمد بن الحسن، حدثنا علي بن الفضل الواسطي، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا أبو مالك الأشجعي سعد بن طارق، عن ربعي، عن حذيفة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ’’المعروف كله صدقة، وإن آخر ما تعلق به الجاهلية من كلام النبوة: إذا لم تستحي فافعل ما شئت’’.
توفي أبو العلاء الهمذاني بها، في جمادى الأولى، سنة تسع وستين وخمس مائة، وله نيف وثمانون سنة.
وفيها: مات صاحب الشام الملك نور الدين محمود بن زنكي التركي عن بضع وخمسين سنة، والمسند أبو عبد الله أحمد بن علي بن المعمر العلوي النقيب ببغداد، وأبو الحسن دهبل بن علي بن كاره الحريمي، وشيخ النحو أبو محمد سعيد بن المبارك بن الدهان البغدادي، ومسند المغرب أبو الحسن علي بن أحمد بن حنين الكناني بفاس عن ثلاث وتسعين سنة، والمسند أبو محمد عبد الله بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن النرسي، وأبو إسحاق بن قرقول الحمزي، وأبو تميم سلمان بن علي الرحبي الخباز، وعبد النبي بن المهدي الخارجي المتغلب على اليمن، والفقيه عمارة بن علي اليمني شاعر وقته، وأبو شجاع محمد بن الحسين المادرائي الحاجب.
وفي أولاد الحافظ أبي العلاء جماعة نجباء؛ أصغرهم الحافظ الرحال مفيد همذان أبو بكر محمد بن الحسن، سمع من أبي الوقت والباغبان، وبأصبهان من أبي رشيد عبد الله بن عمر، والحافظ أبي موسى، وقرأ كثيرا، وحصل الأصول، روى عنه أبو الحسن ابن القطيعي، مات كهلا سنة خمس وست مائة.
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 15- ص: 287
الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد ..........
دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 4- ص: 303
الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل الحافظ العلامة المقرئ شيخ الإسلام أبو العلاء الهمذاني العطار. شيخ همذان.
مولده سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة، قرأ بالروايات على أبي علي الحداد وأكثر عنه ولازمه مدة، وعلى مقرئ واسط أبي العز القلانسي، وأبي عبد الله البارع، وأبي بكر المزرفي، وطائفة.
وسمع من أبي القاسم بن بيان، وأبي علي بن نبهان، وابن الحصين، وخلائق ببغداد، وأبي عبد الله محمد بن الفضل الفراوي، وطائفة بنيسابور، ثم رحل ثاني مرة إلى بغداد فأسمع ابنه، ثم قدم الثلاثين وخمسمائة فأكثر، ثم بعد عام أربعين، قرأ عليه بالروايات أبو أحمد بن سكينة، وأبو الحسن بن الدباس، ومحمد بن محمد الكيال.
وحدث عنه أبو المواهب بن صصري، والحافظان عبد القادر، وأبو يعقوب يوسف بن أحمد الشيرازي، ومحمد بن محمود الحمامي وآخرون، وخاتمة أصحابه بالإجازة ابن المقير.
قال أبو سعد السمعاني: حافظ متقن، ومقرئ فاضل، حسن السيرة، مرضي الطريقة، عزيز النفس، سخي بما يملكه، مكرم للغرباء، يعرف القراءات والحديث والأدب معرفة حسنة، سمعت منه.
وقال عبد القادر الحافظ: شيخنا أبو العلاء برع على حفاظ عصره في حفظ ما يتعلق بالحديث من الأنساب والتواريخ والأسماء والكنى والقصص والسير. ولقد كان يوما في مجلسه فجاءته فتوى في عثمان بن عفان رضي الله عنه فكتب من حفظه ونحن جلوس درجا طويلا في أخباره.
وله تصانيف، منها: «زاد المسافر» في خمسين مجلدا، وكان إماما في القرآن وعلومه وحصل من القراءات ما إنه صنف فيها «العشرة»، و «المفردات»، وصنف في الوقف والابتداء، وفي التجويد، والماءات، والعدد و «معرفة القراء» وهو نحو من عشرين مجلدا، واستحسنت تصانيفه وكتبت ونقلت إلى خوارزم وإلى الشام.
وبرع عنده جماعة كثيرة في القراءات، وكان إذا جرى ذكر القراء يقول: فلان مات عام كذا، ومات فلان في سنة كذا، وفلان يعلو إسناده على فلان بكذا.
وكان إماما في النحو واللغة، سمعت أن من جملة ما حفظ كتاب «الجمهرة».
وخرج له تلامذة في العربية أئمة يقرءون بهمذان، وبعض أصحابه رأيته، فكان من محفوظاته كتاب «الغريبين» للهروي.
وكان مهينا للمال باع جميع ما ورثه، وكان من أبناء التجار فأنفقه في طلب العلم حتى سافر إلى بغداد وأصبهان مرات ماشيا يحمل كتبه على ظهره. سمعته يقول: كنت أبيت ببغداد في المساجد وآكل خبز الدخن.
وسمعت أبا الفضل بن بنيمان الأديب يقول: رأيت أبا العلاء في مسجد من مساجد بغداد يكتب وهو قائم لأن السراج كان عاليا، فعظم بعد ذلك شأنه في القلوب حتى إنه كان يمر في همذان فلا يبقى أحد رآه إلا قام ودعا له حتى الصبيان واليهود. وربما كان يمضي إلى بلدة مشكان فيصلي بها الجمعة فيتلقاه أهلها خارج البلد، المسلمون على حدة، واليهود على حدة، يدعون له إلى أن يدخل البلد.
وكان يفتح عليه من الدنيا جمل فلا يدخرها بل ينفقها على تلامذته، وكان عليه رسوم لأقوام وما كان يبرح عليه ألف دينار همذانية أو أكثر من الدين مع كثرة ما كان يفتح عليه.
وكان يطلب لأصحابه من الناس، ويعز أصحابه ومن يلوذ به، ولا يحضر دعوة حتى يحضر جماعة أصحابه، وكان لا يأكل أموال الظلمة، ولا قبل منهم مدرسة قط ولا رباطا، وإنما كان يقرئ في داره.
وكان لا يغشى السلاطين، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يمكن أحدا أن يعمل في مجلسه منكرا ولا سماعا.
وكان ينزل كل إنسان منزلته حتى تألفت القلوب على محبته، وحسن الذكر له في الآفاق البعيدة، حتى أهل خوارزم الذين هم معتزلة مع شدته في الحنبلية.
وكان حسن الصلاة، لم ير أحدا يمس مداسه، وكانت ثيابه قصارا، وأكمامه قصارا، وعمامته نحو سبعة أذرع.
وكانت السنة شعاره ودثاره اعتقادا وفعلا، بحيث إنه كان إذا دخل مسجده رجل فقدم رجله اليسرى كلفه أن يرجع فيقدم اليمنى، ولا يمس الأجزاء إلا على وضوء، ولا يدعو شيئا قط إلا مستقبل القبلة معظما لها.
مات أبو العلاء بهمذان ليلة الخميس رابع عشر جمادى الأولى سنة تسع وستين وخمسمائة.
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 0( 0000) , ج: 1- ص: 132
الحسن بن أحمد بن الحسن العطار، أبو العلاء الحافظ المقري الهمذاني.
قال ابن السمعاني: حافظ متقن، ومقرئ فاضل، حسن السيرة، جميل الأثر، مرضي الطريقة، سخي بما يملكه، يعرف الحديث والأدب والقراءات معرفةً حسنة.
وقال عبد القادر بن عبد الله الرهاوي: هو أشهر من أن يعرف، بل يعذر وجود مثله في أعصار كثيرة على ما بلغنا من سير العلماء والمشايخ، وأكثر في الثناء عليه.
وله مناقب في تاريخ ابن النجار في نحو ورقتين.
مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة صنعاء، اليمن-ط 1( 2011) , ج: 3- ص: 1
أبو العلاء الهمذاني الحافظ العلامة المقرئ شيخ الإسلام الحسن ابن أحمد بن الحسن بن أحمد بن سهل العطار
شيخ همذان
ولد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة
وتلا على ابن الحداد ولازمه وأكثر عنه وسمع من ابن الحصين وأبي عبد
الله الفراوي وخلائق ورحل وآخر أصحابه بالإجازة ابن المقير
وكان حافظًا متقناً مقرئاً فاضلا حسن السيرة إمامًا في القرآن وعلومه يعرف القراءات والحديث والأدب معرفة تامة إمامًا في النحو واللغة وكان من محفوظه الجمهرة لابن دريد وكتاب الغريبين للهروي
برع على حفاظ عصره فيما يتعلق بالحديث من الأنساب والتواريخ والأسماء والكنى والقصص والسير
صنف في القراءات وغيرها وخرج له تلامذة في القراءات والعربية وكان لا يغشى السلاطين ولا يقبل منهم شيئا ولا مدرسة ولا رباطًا ولا تأخذه في الله لومة لائم مع التقشف في الملبس مات في جمادى الأولى سنة تسع وستين وخمسمائة
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1403) , ج: 1- ص: 474
والحافظ الكبير أبو العلاء الحسن بن احمد بن الحسن الهمذاني العطار
دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 172
أبو العلاء الهمذاني
الحافظ، العلامة، المقرئ، شيخ الإسلام، الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن سهل، العطار.
ولد سنة ثمانٍ وثمانين وأربع مئة.
وقرأ بالروايات على: أبي علي الحداد - وأكثر عنه ولازمه - وعلى: مقرئ واسط أبي العز القلانسي، وأبي بكر المزرفي، وطائفة.
وسمع بنيسابور من: أبي عبد الله الفراوي وغيره، وببغداد من أبي القاسم بن بيان، وأبي علي بن نبهان، وابن الحصين، وخلقٌ. ثم رحل مرة ثانية إلى بغداد فأسمع ابنه، ثم قدم بعد الثلاثين وخمس مئة فأكثر، ثم بعد سنة أربعين.
قرأ عليه بالروايات: أبو أحمد بن سكينة، وأبو الحسن بن الدباس.
وحدث عنه: أبو المواهب بن صصرى، والحافظ عبد القادر، والحافظ يوسف بن أحمد الشيرازي، وآخرون؛ آخر من روى عنه بالإجازة أبو الحسن بن المقير.
قال أبو سعد السمعاني: حافظٌ، متقنٌ، مقرئٌ، فاضل، حسن السيرة، مرضي الطريقة، عزيز النفس، سخي بما يملكه، مكرمٌ للغرباء، يعرف القراءات والحديث والأدب معرفة حسنة، سمعت منه.
وقال عبد القادر الحافظ: شيخنا أبو العلاء أشهر من أن يعرف، بل تعذر وجود مثله في أعصارٍ كثيرة على ما بلغنا من السير، أربى على أهل زمانه في كثرة السماعات، مع تحصيل أصول ما سمع، وجودة النسخ، وإتقان ما كتبه بخطه؛ ما كان يكتب شيئاً إلا منقطاً معرباً، وأول سماعه
من عبد الرحمن بن حمد الدوني في سنة خمس وتسعين وأربع مئة، برع على حفاظ عصره في حفظ ما يتعلق بالحديث من الأنساب والتواريخ والأسماء والكنى والقصص والسير، ولقد كان يوماً في مجلسه فجاءته فتوى في عثمان رضي الله عنه، فكتب من حفظه - ونحن جلوس - درجاً طويلاً في أخباره.
وله التصانيف، منها: ’’زاد المسافر’’ في خمسين مجلداً، وكان إماماً في القرآن وعلومه، وحصل من القراءات ما إنه صنف فيها العشرة، والمفردات، وصنف في الوقف والابتداء، وفي التجويد، والماءات، والعدد، ومعرفة القراء؛ وهو نحوٌ من عشرين مجلداً، استحسنت تصانيفه، وكتبت ونقلت إلى خوارزم وإلى الشام، وبرع عنده جماعةٌ كثيرةٌ في القراءات، وكان إذا جرى ذكر القراء يقول: مات فلان عام كذا، ومات فلان في سنة كذا، وفلان يعلو إسناده على فلان بكذا، وكان إماماً في النحو واللغة، سمعت أن من جملة ما حفظ كتاب ’’الجمهرة’’، وخرج له تلامذةً في العربية أئمةً يقرؤون بهمذان، وبعض أصحابه رأيته؛ فكان من محفوظاته كتاب ’’الغريبين’’ للهروي.
إلى أن قال: وكان مهيناً للمال، باع جميع ما ورثه - وكان من أبناء التجار - فأنفقه في طلب العلم، حتى سافر إلى بغداد وأصبهان مراتٍ ماشياً يحمل كتبه على ظهره، سمعته يقول: كنت أبيت ببغداد في المساجد، وآكل خبز الدخن، وسمعت أبا الفضل بن بنيمان الأديب يقول: رأيت أبا العلاء في مسجدٍ من مساجد بغداد يكتب وهو قائم؛ لأن السراج كان عالياً.
إلى أن قال: فعظم شأنه في القلوب، حتى إن كان يمر في همذان فلا يبقى أحدٌ رآه إلا قام، ودعا له، حتى الصبيان واليهود، وربما كان يمضي إلى بلدة مشكان يصلي بها الجمعة، فيتلقاه أهلها خارج البلد: المسلمون على حدة، واليهود على حدة يدعون له، إلى أن يدخل البلد، وكان يفتح عليه من الدنيا جملٌ، فلم يدخرها، بل ينفقها على تلامذته، وكان عليه رسومٌ لأقوامٍ، وما كان يبرح عليه ألف دينار همذانية أو أكثر من الدين مع كثرة ما كان يفتح عليه.
وكان يطلب لأصحابه من الناس، ويعز أصحابه ومن يلوذ به، ولا يحضر دعوةً حتى يحضرها جماعة أصحابه.
وكان لا يأكل من أموال الظلمة، ولا قبل منهم مدرسةً قط ولا رباطاً، وإنما كان يقرئ في داره، ونحن في مسجده سكان، وكان بقرئ نصف نهاره الحديث، ونصف القرآن والعلم، وكان لا يغشى السلاطين، ولا تأخذه في الله لومة لائمٍ، ولا يمكن أحداً أن يعمل في مجلسه منكراً ولا سماعاً، وكان ينزل كل إنسان منزلته، حتى تألفت
القلوب على محبته، وحسن الذكر له في الآفاق البعيدة، حتى أهل خوارزم الذين هم معتزلة مع شدته في الحنبلية.
وكان حسن الصلاة، لم أر أحداً من مشايخنا أحسن صلاةً منه، وكان متشدداً في أمر الطهارة؛ لا يدع أحداً يمس مداسه، وكانت ثيابه قصاراً وأكمامه قصاراً، وعمامته نحو سبعة أذرع.
وكانت السنة شعاره ودثاره اعتقاداً وفعلاً، بحيث إنه كان إذا دخل مجلسه رجلٌ فقدم رجله اليسرى كلفه أن يرجع فيقدم اليمنى، ولا يمس الأجزاء الأعلى طهارة، ولا يدع شيئاً قط إلا مستقبل القبلة تعظيماً لها.
إلى أن قال: سمعت من أثق به يحدث عن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي أنه قال في الحافظ أبي العلاء لما دخل نيسابور: ما دخل نيسابور مثلك. وسمعت الحافظ أبا القاسم علي بن الحسن يقول - وذكر رجلاً من أصحابه رحل - : إن رجع ولم يلق الحافظ أبا العلاء ضاعت رحلته.
مات أبو العلاء في جمادى الأولى سنة تسع وستين وخمس مئة.
وفيها: مات المسند النقيب أبو عبد الله أحمد بن علي بن المعمر العلوي ببغداد. وأبو الحسن دهبل بن علي بن كارة الحريمي الحنبلي؛ سمع الحسين بن البسري. وشيخ العربية أبو محمد سعيد بن المبارك بن الدهان البغدادي. والمسند أبو محمد عبد الله بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن النرسي. ومسند المغرب أبو الحسن علي بن أحمد بن أبي بكر بن حنين الكناني القرطبي، ثم الفاسي؛ وله ثلاث وتسعون سنة. وملك الشام العادل نور الدين محمود بن زنكي التركي، رحمهم الله تعالى.
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان-ط 2( 1996) , ج: 4- ص: 1