الحسين بن علي بن عبد الصمد يأتي بعنوان الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 6- ص: 121
الحسين بن علي بن محمد بن عبد الصمد الأصبهاني مؤيد الدين أبو إسماعيل الحسين بن علي بن محمد ابن عبد الصمد الأصبهاني الوزير المنشي المعروف بالطغرائي صاحب لامية العجم من ذرية أبي الأسود الدؤلي.
ولد سنة 453 في جي من أصبهان وقتل سنة 513 أو 514 أو 515 أو 518 عن عمر تجاوز الستين وناهز السبعين وفي شعره ما يدل على سنه بلغ 57 سنة لأنه قال وقد جاءه مولود:
هذا الصغير الذي وافى على كبر | أقر عيني ولكن زاد في فكري |
سبع وخمسون لو مرت على حجر | لبان تأثيرها في ذلك الحجر |
ولقد أقول لمن يسدد سهمه | نحوي وأطراف المنية شرع |
والموت في لحظات أحور طرفه | دوني وقلبي دونه يتقطع |
بالله فتش في فؤادي هل يرى | فيه لغير هوى الأحبة موضع |
أهون له لو لم يكن في طيه | عهد الحبيب وسره المستودع |
أصالة الرأي صانتني من الخطل | وحلية الفضل زانتني لدى العطل |
أقيموا بني أمي صدور مطيكم | فاني إلى قوم سواكم لأميل |
إذا ما لم تكن ملكا مطاعا | فكن عبدا لخالقه مطيعا |
وان لم تملك الدنيا جميعا | كما تهواه فاتركها جميعا |
هما نهجان من نسك وفتك | يحلان الفتى الشرف الرفيعا |
يا قلب ما لك والهوى من بعد ما | طاب السلو وأقصر العشاق |
أو ما بدا لك في الإفاقة والأولى | نازعتهم كأس الغرام أفاقوا |
مرض النسيم وصح والداء الذي | أشكوه لا يرجى له إفراق |
وهدا خفوق النجم والقلب الذي | ضمت عليه جوانحي خفاق |
يا من سما بجلاله | فخرا على كل الأنام |
وغدت مكارم كفه | تغني العفاة عن |
الغمام ان كنت قد نزهت | نفسك عن مساورة المدام |
فأسير جودك نحو ما | نزهت نفسك عنه ظام |
فامنن عليه بالشراب | وعش سعيدا ألف عام |
فالعمر يركض كالسحاب | وكل عيش كالمنام |
وأجل ما ادخر الفتى | شكر يبوح على الدوام |
من تاب من شرب المدام | ومن مقارفة الحرام |
وسمت به النفس العزوب | عن التورط في الآثام |
فاستحي ان تلقاه | منتجعا لإهداء المدام |
وابني أحق بما سالت | لديه من بلل الأوام |
فاستسقه فلديه ما | يغنيك عن سقي الغمام |
واسرق من الأيام حظك | من حلال أو حرام |
فالدهر ليس ينام عنك | وأنت عنه في منام |
جامل عدوك ما استطعت فإنه | بالرفق يطمع في صلاح الفاسد |
واحذر حسودك ما استطعت فإنه | ان نمت عنه فليس عنك براقد |
ان الحسود وان أراد توددا | منه أضر من العدو الحاقد |
ولربما رضي العدو إذا رأى | منك الجميل فصار غير معاند |
ورضا الحسود زوال نعمتك التي | أوتيتها من طارف أو تالد |
فاصبر على غيظ الحسود فناره | ترمي حشاه بالعذاب الخالد |
أوما رأيت النار تأكل نفسها | حتى تعود إلى الرماد الهامد |
تضفو على المحسود نعمة ربه | ويذوب من كمد فؤاد الحاسد |
من قاس بالعلم الثراء فإنه | في حكمه أعمى البصيرة كاذب |
العلم تخدمه بنفسك دائما | والمال يخدم عنك فيه نائب |
والمال يسلب أو يبيد لحارث | والعلم لا يخشى عليه سالب |
والعلم نقش في فؤادك راسخ | والمال ظل عن فنائك ذاهب |
هذا على الإنفاق يغزر فيضه | ابدا وذلك حين تنفق ناضب |
فصبرا معين الملك ان عن حادث | فعاقبة الصبر الجميل جميل |
ولا تيأسن من صنع ربك انه | ضمين بان الله سوف يديل |
فان الليالي إذ يزول نعيمها | تبشر ان النائبات تزول |
ألم تر أن الليل بعد ظلامه | عليه لأسفار الصباح دليل |
ألم تر ان الشمس بعد كسوفها | لها منظر يغشى العيون صقيل |
وان الهلال النضو يقمر بعد ما | بدا وهو شخت الجانبين ضئيل |
ولا تحسبن السيف يقصر كلما | تعاوره بعد المضاء كلول |
ولا تحسبن الدوح يقلع كلما | يمر به نفح الصبا فيميل |
فقد يعطف الدهر الأبي قياده | فيشفى عليل أو يبل غليل |
ويستأنف الغصن السليب مضاره | فيورق ما لم يعتوره ذبول |
ويرتاش مقصوص الجناحين بعد ما | تساقط ريش واستطار نسيل |
وللنجم من بعد الرجوع استقامة | وللحظ من بعد الذهاب قفول |
وبعض الرزايا يوجب الشكر وقعها | عليك واحداث الزمان شكول |
ولا غرو ان أخنت عليك فإنما | يصادم بالخطب الجليل جليل |
وأي قناة لم ترنح كعوبها | وأي جسام لم يصبه فلول |
أسأت إلى الأيام حتى وترتها | فعندك أضغان لها وذحول |
وصارفتها فيما أرادت صروفها | ولولاك كانت تنتحي وتصول |
وما أنت الا السيف يسكن غمده | ليردى به يوم النزال قتيل |
أما لك بالصديق يوسف أسوة | فتحمل وطء الدهر وهو ثقيل |
وما غض منك الحبس والذكر سائر | طليق له في الخافقين ذميل |
فلا تذعنن للخطب آذاك ثقله | فمثلك للامر العظيم حمول |
وان امرءا تعدو الحوادث عرضه | ويأسى لما يأخذنه لبخيل |
اما العلوم فقد ظفرت ببغيتي | منها فما احتاج ان أتعلما |
وعرفت أسرار الحقيقة كلها | علما أنار لي البهيم المظلما |
وورثت هرمس سر حكمته الذي | ما زال ظنا في الغيوب مرجما |
وملكت مفتاح الكنوز بحكمة | كشفت لي السر الخفي المبهما |
لولا التقية كنت أظهر معجزا | من حكمتي تشفي القلوب من العمى |
أهوى التكرم والتظاهر بالذي | علمته والعقل ينهي عنهما |
وأريد لا ألقى غيبا مؤسرا | في العالمين ولا لبيبا معدما |
والناس إما جاهل أو ظالم | فمتى أطيق تكرما وتكلما |
وكأنما الشمس المنيرة إذ بدت | والبدر يجنح للغروب وما غرب |
متحاربان لذا مجن صاغه | من فضة ولذا مجن من ذهب |
ايكية صدحت شجوا على فنن | فأشعلت ما خبا من نار أشجاني |
ناحت وما فقدت ألفا ولا فجعت | فذكرتني أوطاري وأوطاني |
طليقة من أسار الهم ناعمة | أضحت تجدد وجد الموثق العاني |
تشبهت بي في وجد وفي طرب | هيهات ما نحن في الحالين سيان |
ما في حشاها ولا في جفنها أثر | من نار قلبي ولا من ماء أجفاني |
يا ربة البانة الغناء تحضنها | خضراء تلتف أغصانا بأغصان |
ان كان نوحك إسعادا لمغترب | ناء عن الأهل ممني بهجران |
فقارضيني إذا ما اعتادني طرب | وجدا بوجد وسلوانا بسلوان |
ما أنت مني ولا يعنيك ما أخذت | مني الليالي ولا تدرين ما شاني |
أقول لنضوي وهي من شجني خلو | حنانيك قد أدميت كلمي يا نضو |
تعالي أقاسمك الهموم لتعلمي | بأنك مما تشتكي كبدي خلو |
تريدين مرعى الريف والبدو ابتغي | وما يستوي الريف العراقي والبدو |
هوى ليس يسلي القرب عنه ولا النوى | وشجو قديم ليس يشبهه شجو |
فاسر ولا فك ووجد ولا أسى | وسقم ولا برء وسكر ولا صحو |
عناء معن وهو عندي راحة | وسم زعاف طعمه في فمي حلو |
انظر تر الجنة في وجهه | لا ريب في ذاك ولا شك |
أما ترى فيه الرحيق الذي | ختامه من خاله مسك |
نجوم العلى فيكم تطلع | وغائبها نحوكم يرجع |
على يستقل فلا يستقر | به لهما دونكم مضجع |
توعدني في حب آل محمد | وحب ابن فضل الله قوم فأكثروا |
فقلت لهم لا تكثروا ودعوا دمي | يراق على حبي لهم وهو يهدر |
فهذا نجاح ظاهر لمعيشتي | وذاك نجاة أرتجي يوم أحشر |
حب اليهود لآل موسى ظاهر | وولاؤهم لبني أخيه بادي |
وامامهم من نسل هارون الأولى | بهم اهتدوا ولكل قوم هادي |
وارى النصارى يكرمون محبة | لنبيهم نجرا من الأعواد |
وإذا تولى آل أحمد مسلم | قتلوه أو وسموه بالالحاد |
هذا هو الداء العياء بمثله | ضلت حلوم حواضر وبوادي |
لم يحفظوا حق النبي محمد | في آله والله بالمرصاد |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 6- ص: 127
الحسين بن علي بن محمد بن عبد الله بن عبد الصمد الأستاذ مؤيد الدين أبو إسماعيل الأصبهاني: صاحب الفضائل المشهورة والأشعار السائرة، صدر العراق وشهرة الآفاق المعروف بالطغرائي نسبة إلى من يكتب الطغراء وهي الطرة التي تكتب
في أعلى المناشير فوق البسملة بالقلم الجلي تتضمن اسم الملك وألقابه، وهي كلمة أعجمية محرفة من الطرة.
كان آية في الكتابة والشعر حسن المعرفة باللغة والأدب، أقوم أهل عصره بصنعة الأدب. وكان محترما كبير الشأن جليل القدر خبيرا بصناعة الكيمياء له فيها تصانيف أضاع الناس بمزاولتها أموالا لا تحصى، وخدم السلطان ملك شاه بن الب أرسلان، وكان منشئ السلطان محمد مدة ملكه متولي ديوان الطغراء وصاحب ديوان الإنشاء، تشرفت به الدولة السلجوقية، وتشوفت إليه المملكة الأيوبية، وتنقل في المناصب والمراتب، وتولى الاستيفاء وترشح للوزارة، ولم يكن في الدولتين السلجوقية والإمامية من يماثله في الإنشاء سوى أمين الملك أبي نصر العتبي، وله في العربية والعلوم قدر راسخ، وله البلاغة المعجزة في النظم والنثر. ورد بغداد وأقام بها مدة طويلة وكان يسافر مع العسكر إلى الجبال والري وأصبهان إلى أن شرف بفضله وكماله.
قال الإمام محمد بن الهيثم الأصفهاني: كشف الأستاذ أبو إسماعيل بذكائه سر الكيمياء وفك رموزها واستخرج كنوزها وله فيها تصانيف منها: جامع الأسرار. وكتاب تراكيب الأنوار. وكتاب حقائق الاستشهادات. وكتاب ذات الفوائد. وكتاب الرد على ابن سينا في إبطال الكيمياء. ومصابيح الحكمة. وكتاب مفاتيح الرحمة. وله ديوان شعر وغير ذلك.
ولد سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة وقتل في الوقعة التي كانت بين السلطان مسعود بن محمد وأخيه السلطان محمود سنة خمس عشرة وخمسمائة صبرا بهمذان وقد جاوز الستين. وكان السبب في ذلك أنه كان كاتب الطغراء، والطغراء التوقيعات، لمحمد بن ملكشاه، ثم ولاه الإشراف على المملكة، وعزل عن ذلك، وأمره بملازمة بيته. وكان ابنه أبو محمد برسم الكتابة للطغراء للملك مسعود بن محمد، فقصده أبوه أبو إسماعيل من أصبهان راكبا في لجاوة وتبع، فلم يلحق بيعة المتولي بأصبهان من قبل السلطان محمود أخي مسعود. وكانت الحال بين الأخوين مسعود ومحمود غير
مستقيمة، وهما على الحرب والمنافسة على الملك، ووصل إلى السلطان محمود وهو على باب خوي فولاه وزارته، وعزم مسعود على محاربة أخيه، فكتب إليه يدعوه إلى الصلح ويخوفه وبال الخلف، ويبذل له البذول والإقطاعات، وبلوغ الأغراض والطلبات. فأجاب الأستاذ أبو إسماعيل عن مسعود بجواب يجلب المنافرة والمباينة، ويزيل الطاعة والموافقة، وخطب لمسعود بالسلطنة، وخوطب الأستاذ أبو إسماعيل بالوزير قوام الدين، وكان محمود في قل من العسكر، ووقعت بينهما وقعة بهمذان، فانهزم عسكر مسعود، ومضوا على وجوههم متمزقين، وأسر أصحاب السلطان محمود خلقا من أعيان أصحاب مسعود منهم الأستاذ أبو إسماعيل الطغرائي، فأمر السلطان بقتله لما في نفسه عليه مما تقدم ذكره، وقال: لم أقتله إلا لقلة دينه وسوء معتقده.
وروي أنه لما عزم السلطان محمود على قتل الطغرائي أمر به أن يشد إلى شجرة وأن يقف تجاهه جماعة بالسهام، وأن يقف إنسان خلف الشجرة يكتب ما يقول، وقال لأصحاب السهام لا ترموه حتى أشير إليكم، فوقفوا والسهام مفوقة لرميه، فأنشد الطغرائي في تلك الحالة:
ولقد أقول لمن يسدد سهمه | نحوي وأطراف المنية شرع |
والموت في لحظات أحور طرفه | دوني وقلبي دونه يتقطع |
بالله فتش عن فؤادي هل يرى | فيه لغير هوى الأحبة موضع |
أهون به لو لم يكن في طيه | عهد الحبيب وسره المستودع |
إذا ما لم تكن ملكا مطاعا | فكن عبدا لمالكه مطيعا |
وإن لم تملك الدنيا جميعا | كما تختار فاتركها جميعا |
هما سببان من ملك ونسك | ينيلان الفتى الشرف الرفيعا |
فمن يقنع من الدنيا بشيء | سوى هذين يحي بها وضيعا |
لا تجزعن إذا بالأمر ضقت به | ذرعا ونم وتوسد خالي البال |
فبين غفوة عين وانتباهتها | تنقل الأمر من حال إلى حال |
وما اهتمامك بالمجدي عليك وقد | جرى القضاء بأرزاق وآجال |
يا سيدي والذي مودته | عندي روح يحيا بها الجسد |
من ألم الظهر أستغيث وهل | يألم ظهر إليك يستند |
إني لأذكركم وقد بلغ الظما | مني فأشرق بالزلال البارد |
وأري العدا أن الإساءة منكم | خطأ وتلك سجية من عامد |
ما زلت أزهد في مودة راغب | حتى ابتليت برغبة في زاهد |
إن لم يكن سحرا هواك فإنه | والسحر قدا من أديم واحد |
ذكرتكم عند الزلال مع الظما | فلم أنتفع من برده ببلال |
وحدثت نفسي بالأماني فيكم | وليس حديث النفس غير ضلال |
يقر بعيني الركب من نحو أرضكم | يزجون عيسا قيدت بكلال |
أطارحهم جد الحديث وهزله | لأقطعهم عن سيرهم بمقال |
وأسأل عمن لا أريد وإنما | أريدكم من بينهم بسؤالي |
فيعثر ما بين الحديث ورجعه | لساني بكم حتى ينم بحالي |
وأطوي على ما تعلمون جوانحي | وأظهر للعذال أني سال |
فلا والذي عافاكم وابتلى بكم | فؤادي ما مر السلو ببالي |
وقد عشت دهرا لا أبالي من النوى | فعلمني الهجران كيف أبالي |
لك الخير قد عودتني منك عادة | نشأت عليها منذ أول حالي |
وكنت أرجي أن حالك ترتقي | فينمو بها حالي نمو هلال |
وأسمو إلى نيل الأماني وأقتضي | مواعيد دهر مولع بمطال |
فقد رابني منك الصدود وليته | صدود اشتغال لا صدود ملال |
وإن كان هذا منك دأبا تديمه | فإذنك لي حتى أزم جمالي |
وإلا فعد لي بالجميل فقد عفت | معالم آمالي وضاق مجالي |
فمثلي لا يرضى مقاما بذلة | وصبرا على جاه لديك مذال |
ومثلك لا يرضى بتضييع حرمتي | وتخييب آمال لديك طوال |
أصالة الرأي صانتني عن الخطل | وحيلة الفضل زانتني لدى العطل |
مجدي أخيرا ومجدي أولا شرع | والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل |
فيم الاقامة بالزوراء لا سكني | فيها ولا ناقتي فيها ولا جملي |
ناء عن الأهل صفر الكف منفرد | كالسيف عري متناه عن الخلل |
فلا صديق إليه مشتكى حزني | ولا أنيس إليه منتهى جذلي |
طال اغترابي حتى حن راحلتي | ورحلها وقرى العسالة الذبل |
وضج من لغب نضوي وعج لما | يلقى ركابي ولج الركب في عذلي |
أريد بسطة كف أستعين بها | على قضاء حقوق للعلا قبلي |
والدهر يعكس آمالي ويقنعني | من الغنيمة بعد الجد بالقفل |
وذي شطاط كصدر الرمح معتقل | لمثله غير هياب ولا وكل |
حلو الفكاهة مر الجد قد مزجت | بشدة البأس منه رقة الغزل |
طردت سرح الكرى عن ورد مقتله | والليل أغرى سوام النوم بالمقل |
والركب ميل على الأكوار من طرب | صاح وآخر من خمر الهوى ثمل |
فقلت أدعوك للجلى لتنصرني | وأنت تخذلني في الحادث الجلل |
تنام عيني وعين النجم ساهرة | وتستحيل وصبغ الليل لم يحل |
فهل تعين على غي هممت به | والغي يزجر أحيانا عن الفشل |
إني أريد طروق الحي من إضم | وقد حماه رماة من بني ثعل |
يحمون بالبيض والسمر اللدان به | سود الغدائر حمر الحلي والحلل |
فسر بنا في ذمام الليل معتسفا | فنفحة الطيب تهدينا إلى الحلل |
فالحب حيث العدا والأسد رابضة | حول الكناس لها غاب من الأسل |
نؤم ناشئة بالجزع قد سقيت | نصالها بمياه الغنج والكحل |
قد زاد طيب أحاديث الكرام بها | ما بالكرائم من جبن ومن بخل |
تبيت نار الهوى منهن في كبد | حرى ونار القرى منهم على القلل |
يقتلن أنضاء حب لا حراك به | وينحرون كرام الخيل والابل |
يشفى لديغ العوالي في بيوتهم | بنهلة من غدير الخمر والعسل |
لعل إلمامة بالجزع ثانية | يدب منها نسيم البرء في عللي |
لا أكره الطعنة النجلاء قد شفعت | برشقة من نبال الأعين النجل |
ولا أهاب الصفاح البيض تسعدني | باللمح من خلل الاستار والكلل |
ولا أخل بغزلان تغازلني | ولو دهتني أسود الغيل بالغيل |
حب السلامة يثني هم صاحبه | عن المعالي ويغري المرء بالكسل |
فإن جنحت إليه فاتخذ نفقا | في الأرض أو سلما في الجو فاعتزل |
ودع غمار العلا للمقدمين على | ركوبها واقتنع منهن بالبلل |
رضا الذليل بخفض العيش مسكنة | والعز تحت رسيم الأينق الذلل |
فادرأ بها في نحور البيد جافلة | معارضات مثاني اللجم بالجدل |
إن العلا حدثتني وهي صادقة | فيما تحدث أن العز في النقل |
لو أن في شرف المأوى بلوغ منى | لم تبرح الشمس يوما دارة الحمل |
أهبت بالحظ لو ناديت مستمعا | والحظ عني بالجهال في شغل |
لعله إن بدا فضلي ونقصهم | لعينه نام عنهم أو تنبه لي |
أعلل النفس بالآمال أرقبها | ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل |
لم أرض بالعيش والأيام مقبلة | فكيف أرضى وقد ولت على عجل |
غالى بنفسي عرفاني بقيمتها | فصنتها عن رخيص القدر مبتذل |
وعادة النصل أن يزهى بجوهره | وليس يعمل إلا في يدي بطل |
ما كنت أوثر أن يمتد بي زمني | حتى أرى دولة الأوغاد والسفل |
تقدمتني أناس كان شوطهم | وراء خطوي لو أمشي على مهل |
هذا جزاء امرئ أقرانه درجوا | من قبله فتمنى فسحة الأجل |
وإن علاني من دوني فلا عجب | لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل |
فاصبر لها غير محتال ولا ضجر | في حادث الدهر ما يغني عن الحيل |
أعدى عدوك أدنى من وثقت به | فحاذر الناس واصحبهم على دخل |
وإنما رجل الدنيا وواحدها | من لا يعول في الدنيا على رجل |
وحسن ظنك بالأيام معجزة | فظن شرا وكن منها على وجل |
غاض الوفاء وفاض الغدر وانفرجت | مسافة الخلف بين القول والعمل |
وشان صدقك عند الناس كذبهم | وهل يطابق معوج بمعتدل |
إن كان ينجع شيء في ثباتهم | على العهود فسبق السيف للعذل |
يا واردا سؤر عيش كله كدر | أنفقت صفوك في أيامك الأول |
فيم اقتحامك لج البحر تركبه | وأنت يكفيك منه مصة الوشل |
ملك القناعة لا يخشى عليه ولا | يحتاج فيه إلى الأنصار والخول |
ترجو البقاء بدار لا ثبات لها | فهل سمعت بظل غير منتقل |
ويا خبيرا على الأسرار مطلعا | اصمت ففي الصمت منجاة من الزلل |
قد رشحوك لأمر إن فطنت له | فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل |
اقنع تعز ولا تطمع تذل ولا | تكثر تمل ولا تغتر بالمهل |
تصدى وللحي المنيع رحيل | غزال أحم المقلتين كحيل |
تصدى وأمر البين قد جد جده | وزمت جمال واستقل حمول |
وفي الصدر من نار الصبابة جاحم | وفي الخد من ماء الجفون مسيل |
غزال له مرعى من القلب مخصب | وظل صفيق الجانبين ظليل |
تناصف فيه الحسن أما قوامه | فشطب وأما خصره فنحيل |
قريب من الرائين يطمع قربه | وليس إليه للمحب سبيل |
إذا سار لحظ المرء في وجناته | تضاءل عنه الطرف وهو كليل |
ولما استقل الحي وانصدعت به | نوى عن وداع الظاعنين عجول |
تراءى لنا وجه من الخد نير | وضاءت علينا نضرة وقبول |
فصبرا معين الملك إن عن حادث | فعاقبة الصبر الجميل جميل |
ولا تيأسن من صنع ربك إنه | ضمين بأن الله سوف يديل |
فإن الليالي إذ يزول نعيمها | تبشر أن النائبات تزول |
ألم تر أن الليل بعد ظلامه | عليه لإسفار الصباح دليل |
ألم تر أن الشمس بعد كسوفها | لها منظر يعشي العيون صقيل |
وان الهلال النضو يقمر بعد ما | بدا وهو شخت الجانبين ضئيل |
ولا تحسبن السيف يقصر كلما | تعاوره بعد المضاء كلول |
ولا تحسبن الدوح يقلع كلما | يمر به نفح الصبا فيميل |
فقد يعطف الدهر الأبي عنانه | فيشفى عليل أو يبل غليل |
ويرتاش مقصوص الجناحين بعد ما | تساقط ريش واستطار نسيل |
ويستأنف الغصن السليب نضارة | فيورق ما لم يعتوره ذبول |
وللنجم من بعد الرجوع استقامة | وللحظ من بعد الذهاب قفول |
وبعض الرزايا يوجب الشكر وقعها | عليك وأحداث الزمان شكول |
ولا غرو أن أخنت عليك فإنما | يصادم بالخطب الجليل جليل |
وأي قناة لم ترنح كعوبها | وأي حسام لم يصبه فلول |
أسأت إلى الأيام حتى وترتها | فعندك أضغان لها وذحول |
وصارفتها فيما أرادت صروفها | ولولاك كانت تنتحي وتصول |
وما أنت إلا السيف يسكن غمده | ليردى به يوم النزال قتيل |
أما لك بالصديق يوسف أسوة | فتحمل وطء الدهر وهو ثقيل |
وما غض منك الحبس والذكر سائر | طليق له في الخافقين زميل |
فلا تذعنن للخطب آدك ثقله | فمثلك للأمر العظيم حمول |
ولا تجزعن للكبل مسك وقعه | فإن خلاخيل الرجال كبول |
وصنع الليالي ما عدتك سهامها | وإن أجحفت بالعالمين جميل |
وإن امرءا تعدو الحوادث عرضه | ويأسى لما يأخذنه لبخيل |
أما العلوم فقد ظفرت ببغيتي | منها فما أحتاج أن أتعلما |
وعرفت أسرار الخليقة كلها | علما أنار لي البهيم المظلما |
وورثت هرمس سر حكمته الذي | ما زال ظنا في الغيوب مرجما |
وملكت مفتاح الكنوز بحكمة | كشفت لي السر الخفي المبهما |
لولا التقية كنت أظهر معجزا | من حكمتي تشفي القلوب من العمى |
أهوى التكرم والتظاهر بالذي | علمته والعقل ينهى عنهما |
وأريد لا ألقى غبيا موسرا | في العالمين ولا لبيبا معدما |
والناس إما جاهل أو ظالم | فمتى أطيق تكرما وتكلما |
أيكية صدحت شجوا على فنن | فأشعلت ما خبا من نار أشجاني |
ناحت وما فقدت انسا ولا فجعت | فذكرتني أو طاري وأوطاني |
طليقة من إسار الهم ناعمة | أضحت تجدد وجد الموثق العاني |
تشبهت بي في وجد وفي طرب | هيهات ما نحن في الحالين سيان |
ما في حشاها ولا في جفنها أثر | من نار قلبي ولا من ماء أجفاني |
يا ربة البانة الغناء تحضنها | خضراء تلتف أغصانا بأغصان |
إن كان نوحك إسعادا لمغترب | ناء عن الأهل ممني بهجران |
فقارضيني إذا ما اعتادني طرب | وجدا بوجد وسلوانا بسلوان |
ما أنت مني ولا يعنيك ما أخذت | مني الليالي ولا تدرين ما شاني |
كلي إلى السحب إسعادي فإن لها | دمعا كدمعي وإرنانا كارناني |
أقول لنضوي وهي من شجني خلو | حنانيك قد أدميت كلمي يا نضو |
تعالي أقاسمك الهموم لتعلمي | بأنك مما تشتكي كبدي خلو |
تريدين مرعى الريف والبدو أبتغي | وما يستوي الريف العراقي والبدو |
هناك هبوب الريح مثلك لاغب | ومثلي ماء المزن مورده صفو |
ومحجوبة لو هبت الريح أرقلت | إليها المهاري بالعوالي ولم يلووا |
صبوت إليها وهي ممنوعة الحمى | فحتام أصبو نحو من لا له نحو |
هوى ليس يسلي القرب عنه ولا النوى | وشجو قديم ليس يشبهه شجو |
فأسر ولا فك ووجد ولا أسى | وسقم ولا برء وسكر ولا صحو |
عناء معن وهو عندي راحة | وسم زعاف طعمه في فمي حلو |
ولولا الهوى ما شاقني لمع بارق | ولا هدني شجو ولا هزني شدو |
خبروها أني مرضت فقالت | أضنى طارفا شكا أم تليدا |
وأشاروا بأن تعود وسادي | فأبت وهي تشتهي أن تعودا |
وأتتني في خفية وهي تشكو | رقبة الحي والمزار البعيدا |
ورأتني كذا فلم تتمالك | أن أمالت علي عطفا وجيدا |
ثم قالت لتربها وهي تبكي | ويح هذا الشباب غضا جديدا |
زورة ما شفت غليلا ولكن | زيدت جمرة الفؤاد وقودا |
وتولت بحسرة البين تخفي | زفرات أبين إلا صعودا |
انظر تر الجنة في وجهه | لا ريب في ذاك ولا شك |
أما ترى فيه الرحيق الذي | ختامه من خاله مسك |
بالله يا ريح إن مكنت ثانية | من صدغه فأقيمي فيه واستتري |
وراقبي غفلة منه لتنتهزي | لي فرصة وتعودي منه بالظفر |
وإن قدرت على تشويش طرته | فشوشيها ولا تبقي ولا تذري |
ولا تمسي عذاريه فتفتضحي | بنفحة المسك بين الورد والصدر |
وباكري عذب ورد من مقبله | مقابل الطعم بين الطيب والخصر |
ثم اسلكي بين برديه على عجل | واستبضعي الطيب وأتيني على قدر |
ونبهيني دوين القوم وانتفضي | علي والليل في شك من السحر |
لعل نفحة طيب منك ثانية | تقضي لبانة قلب عاقر الوطر |
فديتك قد تنبهنا لدهر | عيون صروفه عنا نيام |
وجاد لنا الزمان بجمع شمل | تألف بعد ما انقطع النظام |
مدام تشبه التفاح ذوبا | وتفاح كما جمد المدام |
ومن نسج الربيع محبرات | تأنق في حواشيها الغمام |
وريان الصبا للحسن فيه | بدائع لا يحيط بها الكلام |
لنا من مسك صدغيه نجاد | ومن ألحاظ مقلته حسام |
ومجلسنا على ما فيه يومي | بنقصان وأنت له تمام |
فلا تعتل بالأشغال واحضر | على عجل وإلا والسلام |
دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 3- ص: 1106