التصنيفات

أبو العشائر الحسين بن علي بن الحسين بن حمدان بن حمدون التغلبي العدوي
مات أسيرا في بلاد الروم ولم نعلم تاريخ موته على التحقيق لكنا نعلم أنه مات في أواسط المائة الرابعة لأنه مات في حياة أبي فراس الذي قتل سنة 357 بدليل رثاء أبي فراس له كما يأتي.
الصواب في اسمه ونسبه وكنيته
الصواب في اسمه ونسبه ما ذكرن وما في ديوان المتنبي المطبوع من أنه الحسن بن علي بن الحسن بن الحسين بن حمدان ليس بصحيح فالحسن الأول تصحيف الحسين والحسن الثاني زيادة لعدم وجوده في كلام المترجمين والمؤرخين وكذلك ما وجدن في نسخة مخطوطة قديمة من ديوان المتنبي من أنه الحسن مكبرا ابن علي ليس بصحيح يدل على ذلك وجوده في كثير من كتب التاريخ والأدب الحسين مصغرا ويدل عليه صراحة قول أبي فراس من قصيدة يخاطب بها أبا العشائر المذكور لما أسر:

ويدل عليه أيضا قول المتنبي فيه من قصيدة:
وقوله فيه أيضا من أبيات:
وقوله:
كما مر في ج 22. وليس المراد به هنا الحسين بن سعيد أخو أبي فراس أولا لأن أخا أبي فراس لا يكني بأبي العشائر ثانيا لأنه في الديوان المخطوط القديم جدا المشار إليه آنفا المرتب على الممدوحين لا على الحروف ذكر أولا أبا العشائر الحسين بن علي بن الحسين بن حمدان ثم ذكر مدائح المتنبي فيه على نسق واحد ومنها المدائح المشار إليها التي سم فيها الحسين فدل على أنه هو المذكور أولا وهو الحسين بن علي لا الحسين بن سعيد بل ليس للمتنبي مدح في الحسين بن سعيد أصلا وقد عبر أبو فراس عن أبي العشائر في شعره بأخي مرارا كثيرة ولعل ذلك هو الذي أوهمنا فذكرنا خطا في ج 7 أن أبا العشائر اسمه الحسين بن حمدان أخو أبي فراس وذكرنا في ج 10 فيما استدركن على ج 7 ان الحسين بن حمدان أخو أبي فراس ابن حمدان والصواب ان أخا أبي فراس الحسين بن سعيد بن حمدان كنيته أبو عبد الله ولا يكنى بأبي العشائر وان أبا العشائر كنية الحسين بن حمدان فقط وان المكنى به يسمى الحسين مصغرا لا الحسن مكبرا. وأبو العشائر المترجم كما يظهر من نسبه المذكور هو ابن ابن عم سيف الدولة وأبي فراس وما ذكرن في ج 8 من أنه ابن أخي سيف الدولة ليس بصواب وكان من مشير أمراء بني حمدان البارزين المقدمين وكان فارسا شجاعا شاعرا مجيدا ممدحا وللمتنبي فيه مدائح كثيرة موجودة في ديوانه ومدحه السري الرفا ومدحه أبو وراسله أبو فراس، وأبو العشائر أسير وقد شهد له المتنبي بالشاعرية والتقدم بالإمارة كما يأتي وكفى بهذه الشهادة من مثل المتنبي المعلوم حاله في عنجهيته وتعاظمه واحتقاره من عد.
أخباره مع أبي فراس
كان أبو فراس متزوجا ابنة أبي العشائر وكتب أبو فراس إلى أبي العشائر عند أسره إلى بلد الروم وكان قد لحقه أبو فراس إلى مرعش فلم يصل إليه وكتب أبو فراس إلى أبي العشائر وهو في الأسر بهذه القصيدة:
قال ابن خالويه مات أبو العشائر أسيرا في بلاد الروم وتقول عليه بالموت قبل الموت فكتب إليه أبو فراس هذه القصيدة أقول وأبياتها في ديوان أبي فراس الذي جمعن نحو من 72 بيتا وهي في المطبوع ناقصة وهذا منتخبها ويذكر في هذه القصيدة طلبه له لما أسر ووصوله إلى مرعش في أثره ولم يلحقه ويمدح سيف الدولة ويحثه على فدائه:
ونحن أناس لا تزال سراتنا=لها مشرب مر المذاق ومطعم
ثم تخلص إلى مدح سيف الدولة فقال:
إلى أن قال يذكر الروم:
#ومات أبو العشائر في الأسر فقال أبو فراس يرثيه:
مدائح السري الرفا في أبي العشائر.
قال السري الرفا الموصلي يمدح أبا العشائر:
إلى أن قال:
أخباره مع المتنبي
كان أبو العشائر أول من لقيه المتنبي من بني حمدان واتصل به ومدحه ثم أوصله أبو العشائر إلى سيف الدولة ومر طرف من أخباره معه في ترجمة المتنبي ج 8 وذكرنا هناك عن ياقوت الرومي ان المتنبي بعد خروجه من الاعتقال لم يزل في خمول وضعف حال حتى اتصل بأبي العشائر بن حمدان وكان والي أنطاكية من قبل سيف الدولة ومدحه بعدة قصائد ذكرنا هناك بعضا من جملة منها وشهد له المتنبي بالتقدم في الشعر مع ما عرف من تيه المتنبي وشدة ترفعه واحتقاره الشعراء وغيرهم ففي الصبح المنبي: سئل المتنبي عن سبب تراجع شعره بعد مفارقة سيف الدولة فقال قد تجوزت في قولي وأعفيت طبعي واغتنمت الراحة منذ فارقت آل حمدان وفيهم من يقول. وذكر شعرا لأبي فراس. وفيهم من يقول وذكر شعرا لأبي زهير مهلهل بن نصر بن حمدان وفيهم من يقول:
يعني أبا العشائر.
وفي اليتيمة أخبرني جماعة من أهل الأدب أن المتنبي لما عوتب في آخر أيامه على تراجع شعره إلى آخر ما مر سوى إنه لم يذكر أبا فراس وهو الأقرب إلى خلق المتنبي. ومن مدائح المتنبي في أبي العشائر قوله من قصيدة:
وقال ابن خالويه في شرح ديوان أبي فراس: كبس عسكر الأخشيد مع يانس المؤنسي أبا العشائر وهو منصرف من الميدان غرة بأنطاكية فأصابته نشابة في وجهه خرج نصلها بعد أيام فشد في أوساطهم فلم يزل يضرب و يحتمي حتى تخلص من الجيش اه‍. وهذه غاية الشجاعة والإقدام أن يلقى جيش الأخشيد وحده وقد كبسه على حين غرة فلم ينهزم ولكنه جعل يضرب فيهم ويبدي النخوة والحمية حتى تخلص منهم وسلم ولم يقدروا عليه بعد ما أصابته نشابة في وجهه بقي نصلها فيه أياما وفي ذلك يقول أبو فراس في رائيته الطويلة:
أراد بجده الحسين بن حمدان والميدان الساحة التي كانوا يتمرنون فيها على السباق واجراء الخيول واللعب بالكرة وأمثال ذلك وذكر جامع ديوان المتنبي هذه القصة فقال كما في نسخة مخطوطة قديمة من هذا الديوان دون النسخ المطبوعة ما صورته: كان جيش للسلطان اي الأخشيد الذي كان في دمشق قد كبس أنطاكية وقصد دار أبي العشائر فلم يجده بها لبكوره إلى الميدان فعاد من الميدان وتفرق الناس عنه ولقي أول الخيل في السوق فهزمها إلى باب فارس فأصابه سهم في خده فاضربه وضرب رجلا منهم على رأسه فقتله وكثر الناس عليه ورجع حتى خرج من باب مسلمة ومضى إلى حلب ثم إلى الرقة وعاد بعد ذلك إلى أنطاكية واتصل خبر عودته بأبي الطيب وهو بالرملة فسار متوجها إلى طرابلس فعاقه ابن كيغلغ عن طريقه شهوة إن يمتدحه فلم يفعل وهجاه بالقصيدة الميمية وسار إلى دمشق وتوجه منها إلى أنطاكية هذا ما في النسخة المخطوطة واقتصر في المطبوعة على قوله وقال يمدح أبا العشائر ويذكر ايقاعه بأصحاب باقيس (يانس) ومسيره من دمشق، والقصيدة التي مدح بها المتنبي أبا العشائر أولها:
يقول فيها:
وابن كيغلغ كان بالرملة فمر به المتنبي مجتازا إلى أبي العشائر ليمدحه فطلب منه ابن كيغلغ ان يمدحه فاعتذر بيمين عليه ان لا يقول شعرا إلى مدة فحبسه ابن كيغلغ عنده لتنقضي المدة فهرب في أثنائها وهجا ابن كيغلغ بذلك الهجاء المقذع القبيح وجاء إلى أبي العشائر فمدحه وأشار إلى ذلك في هجاء ابن كيغلغ فقال:
وهذا يدل على اشتهار شعر المتنبي وانتشار صيته إلى الغاية وعلى أنفته الشديدة حتى صار يرغب في مدحه جميع الأمراء ويبذل له الصاحب بن عباد نصف ما يملك ليمدحه فيأبى ويأنف من مدح الوزير المهلبي. وخرج أبو العشائر ذات يوم يتصيد بالأنشون ومعه أبو الطيب فأرسل بازيا على حجلة فأخذها فقال أبو الطيب ارتجالا من أبيات:
فقال له أبو العشائر أفي هذه السرعة قلت هذا فقال مجيبا ارتجالا أسرع من اللمح:
ودخل المتنبي على أبي العشائر وعنده إنسان ينشده شعرا في وصف بركة في داره فقال ارتجالا:
وقال المتنبي أيضا يمدحه من قصيدة:
وكان عنده أبو الطيب في بعض الليالي فنهض لينصرف وقت انصرافه فسأله الجلوس فجلس فخلع عليه ثيابا نفيسة، ثم نهض لينصرف فسأله الجلوس فجلس فأمر بثمن جارية فحمل إليه ونهض فسأله الجلوس فجلس فأمر له بقود مهره فقال له ابن الطواشي الكاتب لا تبرحن الليلة يا أبا الطيب فقال:
كان ابن الطواشي أراد بقوله لا تبرحن الليلة ان المصلحة عدم ذهابك فإنك كلما أردت ان تذهب أو قلت بيتا من الشعر جاءتك جائزة ومن كانت هذه حاله لا ينبغي له الذهاب وكأنه أخرجه مخرج المزاح والمداعبة فأجابه المتنبي بان كرم الممدوح ليس بسبب بقائي ولا يضر بهؤذهابي فكما ان هبوب الريح رهوا اي سهلا ليس باذني وسرى الغمام ليس بمشيئتي بل له طبع كذلك الممدوح الكرم له طبيعة. وأراد أبو العشائر سفرا فقال أبو الطيب عند توديعه إياه ارتجالا من أبيات:
يقول أعلى قناة الحسين في ذلك المأزق أوسطها لأنه يحمل الكمي برمحه فيتأطر الرمح للينه حتى يصير أوسطه أعلاه ويكون الكمي منكسا:
يعني أن أثوابنا التي خلعها علينا إذا رآها الناس علينا علموا فرط كرمه فكأنها تنشد مدائحه كما قال نصيب: ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب
وقال قوم لأبي العشائر انه ما كناك وانما تعرف بكنيتك وهو اعتراض بارد فقال:
وأخرج إليه أبو العشائر درعا حسنا أراه إياه بميافارقين فقال أبو الطيب:
وضرب لأبي العشائر مضرب بميافارقين على الطريق فكثر سائله وغاشيته فقال له إنسان جعلت مضربك على الطريق فقال أحب ان تذكر هذا يا أبا الطيب فقال من أبيات:
وفي ديوان المتنبي انه دخل على المترجم يوما فوجده بيده بطيخة من ند في غشاء من خيزران على رأسها قلادة لؤلؤ فحياه المترجم بها وقال أي شيء تشبه هذه يا أبا الطيب فقال:
ثم إن المتنبي فسدت حاله مع أبي العشائر ففي نسخة من الديوان مخطوطة انه انتسب له بعض من رماه على باب سيف الدولة ليلا بعد قوله:
وا حر قلباه ممن قلبه شبم إلى أبي العشائر وذكر انه هو الذي أمره بذلك
ونحوه في شرح العكبري لديوان المتنبي. وفي الديوان المطبوع كان أبو العشائر قد غضب على أبي الطيب فأرسل غلمانا له ليوقعوا به فلحقوه بظاهر حلب ليلا فرماه أحدهم بسهم وقال خذه وانا غلام أبي العشائر فقال أبو الطيب:
ويفهم من ذلك أن سبب غضب أبي العشائر عليه هو إساءته الأدب مع سيف الدولة في تلك القصيدة التي أولها: واحر قلباه ممن قلبه شبم فان السبب في إنشائه تلك القصيدة انه جرى له خطاب مع قوم متشاعرين وظن الحيف عليه والتحامل من سيف الدولة وربما يكون أبو فراس من أولئك الذين يسميهم المتنبي متشاعرين فغضب أبو العشائر لصهره ولابن عمه هذا مع إحسانه العظيم إلى المتنبي وكونه السبب في اشتهاره واتصاله بسيف الدولة فهو ينسب سيف الدولة في تلك القصيدة إلى عدم العدل في معاملته بقوله:
ثم يزيد في سوء الأدب فينسبه إلى أنه لا يفرق بين الجيد والرديء ولا بين النور والظلمة بقوله:
ثم يفتخر في هذه القصيدة بما لا يفتخر به أمام ملك كسيف الدولة وبما يقتضي انه خير منه بل خير من الأنبياء والمرسلين كقوله:
ثم يجئ بإساءة الأدب بلون آخر فينسب سيف الدولة إلى أنه يطلب عيبه ولا عيب فيه ويفعل ما يكرهه الله ويأباه الكرم بقوله:
ثم يتهدد سيف الدولة بمفارقته وانه سيندم على ذلك فيقول:
فهذا تفصيل ما أجملوه في سبب غضب أبي العشائر عليه.
أشعاره
مرت شهادة المتنبي له بالتقدم في الشعر ببيتين قالهما ومن شعره قوله أورده الثعالبي:
وفي اليتيمة أنشدت لأبي العشائر:
وله في غلام أورده في اليتيمة:
وليكن هذا آخر الجزء السادس والعشرين من أعيان الشيعة وكان الفراغ من إعادة النظر فيه ثانيا في أحد الربيعين من سنة 1367 بمدينة بيروت على يد مؤلفه الفقير إلى عفو ربه الغني محسن الأمين الحسيني العاملي حامدا مصليا مسلما.
التقريظ
جاءتنا هذه القصيدة من صاحب التوقيع السامي بفضله والدال بجميل فعله على طيب أصله واننا لنعترف بالعجز عن أداء بعض حقه وواجب شكره أحسن الله جزاءه في الدنيا والآخرة قال حفظه الله:
إلى امام عصره العلامة الأكبر مولانا سيادة السيد محسن الأمين المعظم دام ظله العالي ارفع هذه القصيدة اعترافا بفضله العظيم وبما يسديه من الخدم الجلي للاسلام والمسلمين في هذا العصر المادي الذي كادت تجهل فيه.
القيم الروحية السامية:
النبطية 14 جمادى الأولى سنة 1367.
سليمان ظاهر
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين وسلم تسليما. ورضي الله عن التابعين لهم باحسان وتابعي التابعين وعن العلماء والصالحين إلى يوم الدين. وبعد فيقول العبد الفقير إلى عفو ربه الغني محسن ابن المرحوم السيد عبد الكريم الحسيني العاملي المعروف بالأمين نزيل دمشق الشام عامله الله بفضله ولطفه: هذا هو الجزء السابع والعشرون من كتابنا أعيان الشيعة وفق الله لإكماله بالنبي وآله عليه وعليهم أفضل الصلاة ويجعله خالصا لوجهه الكريم وحجابا بيننا وبين نار الجحيم ومنه تعالى نستمد المعونة والهداية والتوفيق والتسديد وهو حسبنا ونعم الوكيل.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 6- ص: 106