التصنيفات

الصاحب عميد الجيوش أبو علي الحسين ابن أبي جعفر أستاذ هرمز بن الحسن الديلمي
ولد سنة 352 وتوفي ببغداد ليلة الجمعة 19 جمادي الأولى سنة 401 من سكتة لحقته وذلك في حياة والده لأن والده توفي سنة 406 وكان عمره 49 سنة وتولى تجهيزه والصلاة عليه ودفنه الشريف الرضي ودفن بمقابر قريش (الكاظمية اليوم) كذا في تاريخ ابن الأثير وديوان الشريف الرضي وفي ديوان مهيار ودفن في المشهد بباب التبن على صاحبه السلام وقد عمت الفجيعة.
ورثاه الرضي ومهيار الديلمي كما يأتي.
وعميد الجيوش لقبه به بهاء الدولة كما يأتي.
اختلاف النسخ في اسمه
في ذيل تجارب الأمم وفي تاريخ ابن الأثير رسم اسمه الحسن مكبرا في عدة مواضع وفي النجوم الزاهرة وشذرات الذهب ومرآه الجنان رسم اسمه الحسين مصغرا ولم يتيسر لنا معرفة الصحيح من ذلك فترجمناه هنا وأشرنا إليه في الحسين كما مر.
أقوال العلماء فيه
قال ابن الأثير في حوادث سنة 401 كان أبوه أبو جعفر أستاذ هرمز من حجاب عضد الدولة وجعل عضد الدولة عميد الجيوش في خدمة ابنه صمصام الدولة فلما قتل اتصل بخدمة بهاء الدولة فلما استولى الخراب على بغداد وظهر العيارون وانحلت الأمور بها أرسله إليها فأصلح الأمور وقمع المفسدين وقتلهم وكانت ولايته ثمان سنين وأربعة أشهر وسبعة عشر يوما (ا هـ) ولكنه ذكر كما سيأتي أن ولايته كانت سنة 390 حين ولاه بهاء الدولة الأهواز فإلى سنة وفاته وهي سنة 401 يكون قد مضى له 11 سنة فإذا أسقطنا منها سنة بسبب الكسر أو سنتين كان الباقي تسع سنين أو أكثر والله العالم قال: ومن محاسن أعمال عميد الجيوش إنه حمل إليه مال كثير قد خلفه بعض التجار المصريين وقيل له: ليس للميت وارث فقال: لا يدخل خزانة السلطان ما ليس لها يترك إلى أن يصح خبره فلما كان بعد مدة جاء أخ للميت بكتاب من مصر بأنه مستحق للتركة فقصد باب عميد الجيوش ليوصل الكتاب فرآه يصلي على روشن داره فظنه بعض الحجاب فأوصل الكتاب إليه فقضى حاجته فلما علم التاجر أن الذي أخذ الكتاب كان عميد الجيوش عظم الأمر عنده فأظهر ذلك فاستحسنه الناس ولما وصل التاجر إلى مصر أظهر الدعاء
له فضج الناس بالدعاء له والثناء عليه فبلغه الخبر فسره ذلك (ا هـ) .
وفي النجوم الزاهرة في حوادث سنة 401 فيها توفي أبو علي الأمير عميد الجيوش واسمه الحسين بن أبي جعفر كان أبوه من حجاب عضد الدولة بن بويه وجعل ابنه هذا برسم صمصام الدولة فخدم المذكور صمصام الدولة وبهاء الدولة فولاه بهاء الدولة العراق فقدمها والفتن قائمة فقتل وصلب وغرق حتى بلغ من هيبته أنه أعطى غلاما له صينية فضة فيها دنانير فقال: خذها على رأسك وسر من النجمي إلى الماصر الأعلى فإن أعترضك معترض فأعطه إياها واعرف المكان فجاء الغلام وقد انتصف الليل وقال: مشيت الحد جميعه فلم يلقني أحد (ا هـ) .
وفي تاريخ أبي الفداء في حوادث سنة 401 فيها توفي عميد الجيوش أبو علي ابن أستاذ هرمز وكان أميرا من جهة بناء الدولة على العسكر وعلى الأمور ببغداد.
وفي مرآة الجنان في حوادث 401 فيها توفي عميد الجيوش أبو علي الحسين بن أبي جعفر وخدم بهاء الدولة وترقت مرتبته فولاه نائبا عنه بالعراق فأحسن سياستها وأبطل عاشوراء الرافضة وأباد الحرامية والشطار وصار عدله ذا اشتهار وفي عدله وهيبته حكايات ذكرها العلماء و الأخيار (ا هـ) ومشى على نهجه صاحب شذرات الذهب فقال في حوادث سنة 401 فيها توفي أبو علي عميد الجيوش الحسين بن أبي جعفر إلى آخر ما مر عن اليافعي باختصار واليافعي صاحب مرآة الجنان رجل خرافي قد شحن كتابه بخرافات نسبها إلى الأولياء لم يتفق مثلها للأنبياء والمرسلين ولا لأولي العزم منهم لو جمعت لكانت جزءا
كبيرا منها ما ذكره قبيل هذا إن فقيها غضب عليه والي اليمن فأرسل خمسة عشر رجلا فضربوه بسيوفهم فلم تقطع فيه ثم كرروا الضرب حتى آلمتهم أيديهم فلم يؤثر فيه فأخبروا الوالي فأمرهم بكتمانه وسئل الفقيه فقال: كنت أقرأ سورة يس فلم أشعر بالضرب وله عشرات الحكايات في كتابه من هذا القبيل ومن هذه حاله لا يستغرب منه مثل هذا الكلام أن يسمي أيام الحزن على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشوراء الرافضة وهي عاشوراء الرسول والزهراء وآل البيت الطاهرين عليهم الصلاة والسلام وانظر إلى ابن الأثير حين أشار إلى ذلك كيف قال كما يأتي:
ومنع السنية والشيعة من إظهار مذاهبهم.
صفاته وأحواله
لم يذكره الخطيب في تاريخ بغداد مع أنه بغدادي وتوفي قبل الخطيب
باثنتين وستين سنة.
كان عميد الجيوش أميرا عاقلا حازما مهيبا حسن التدبير حسن السيرة قوي السياسة بعيد النظر مصيب الرأي عارفا بوجوه الحيلة وأمور الحرب وقيادة الجيوش له مكانة في نفوس العامة والخاصة يعده الملوك والأمراء لمهام الأمور وإصلاح ما فسد منها مما يعجز غيره عن إصلاحه لما يعرفون من عقله وحزمه وحسن تدبيره وقدرته على ما لا يقدر عليه غيره ويخطبون وده ويطلبون انحيازه إلى جانبهم ويستنجدونه عند ملماتهم فينجدهم ويحافظون على رضاه ويخافون سخطه ويرسلونه عند حصول المعضلات والفتن فيصلحها ويعيد الأمن إلى نصابه تولى عدة مناصب في الدولة البويهية فأظهر حزما وكفاءة كل هذا ولم تتجاوز 49 سنة.
جعله عضد الدولة -وهو العاقل المدبر البعيد النظر- في خدمة ابنه صمصام الدولة بمنزلة الوزير له يدبر أموره ويتولى شؤونه ولولا علمه بكفاءته لما أوكل أمور ابنه وفلذة كبده إليه وكان هو وأبوه صاحبا دولة بني بويه في عصرهما ومقدماها ويدل على عقله وحزمه وحسن تدبيره وقوة سياسته وعدله وهيبته وبعد نظره وإصابة رأيه ومعرفته بوجوه الحيلة وأمور الحرب وقيادة الجيوش ومكانته في نفوس العامة والخاصة و انتداب الملوك والأمراء له لمهام الأمور وإصلاح الفساد الذي يعجز عنه وخطبهم وده وطلبهم انحيازه إليهم واستنجادهم به ما يأتي من أخباره. و إذا كان عميد الجيوش قد تمكن من سياسة الملك وإقامة الهيبة في ذلك الزمان الفاسد الذي تشعبت فيه أمور الولاة والحكام والأمراء وقلت هيبة السلطان كما يدل على ذلك ما سيأتي من الأخبار ذل ذلك على رجاحة عقله وسداد رأيه وقوة نفسه.
ومما يدل على عدله وحسن سيرته ما يأتي من أنه لما استعمله بهاء الدولة على خوزستان عمرها وحمل لبهاء الدولة أموالا جليلة مع حسن سيرة في أهلها وعدل بعد ما أفسد أحوالها غيره وصادر أهلها وإلى ذلك يشير مهيار بقوله في مرثيته:

ومما يدل على إصابة رأيه وحسن تدبيره وبصيرته بعواقب الأمور انحيازه إلى بهاء الدولة بعدما كان في جانب خصمه.
ومن دلائل مكانته في قلوب العامة والخاصة إن بغداد زينت عند قدومه كما مر وأن الشريف الرضي تولى تجهيزه ودفنه والصلاة عليه كما مر أيضا ويدل عليه أيضا اعتذار الرضي عن تلقيه له حين توجه من واسط إلى بغداد لشكاة لحقته بكتاب خاص ضمنه أبياتا رائية تأتي فذلك يدل على أن الرضي في مكانته وعلة نفسه كان عليه وعلى أمثاله أن يستقبلوه ويدل عليه أيضا رثاؤه له ووصفه بعظيم الأوصاف ورثاء مهيار له ووصفه بمثل ذلك كما يأتي.
وممن خطب وده من الملوك ابنا بختيار كما يأتي فأبى عقله وبصيرته بالأمور موافقتهما وبهاء الدولة بعدما كان يحاربه وينابذه أضافه إلى نفسه وولاه واعتمد عليه في مهامه كما أتي.
ليس هو الذي صنف له
المرتضى الانتصار
وجدت في بعض المواضع ولا أتذكره الآن أن الشريف المرتضى صنف بأمره كتاب الانتصار فيما انفردت به الإمامية في المسائل الفقهية لقوله في أوله إني محتمل ما رسمته الحضرة السامية الوزيرية العميدية الخ وهو اشتباه لأن قوله الوزيرية صريح في أن من رسم ذلك كان وزيرا والمترجم لم يلي الوزارة لأحد في وقت من الأوقات وإنما ولي على العراق وخوزستان كما يأتي فالعميدية وإن صح نسبتها إليه لتلقيبه بعميد الجيوش لكن الوزيرية لا يصح فيها ذلك والذي يغلب على الظن أن المراد به الحسن بن مفضل بن سهلان الرامهرمزي المولود (361) والمتوفى (414) وزير سلطان الدولة ابن بويه ولي وزارته سنة (406) ولقب بعميد أصحاب الجيوش وبنى سورا على مشهد أمير المؤمنين وابنه الحسين عليهما السلام و المرتضى توفي (436) .
أخباره
كان أبوه أستاذ هرمز من حجاب عضد الدولة كما مر ولما مات عضد الدولة سنة 372 وتولى بعده على العراق ولده صمصام الدولة وعلى بلاد فارس ولده الآخر شرف الدولة كان المترجم لا يزال في بغداد في خدمة صمصام الدولة في رتبة النقابة -والظاهر أنها من رتبة أمراء الجيوش- إلى سنة 374 فذكر صاحب ذيل تجارب الأمم أنه في هذه السنة كان المتولي بعمان أستاذ هرمز -والد المترجم- من قبل شرف الدولة فما زال أبو بكر محمد بن شاهويه يفتل له في الذروة والغارب حتى آمال أستاذ هرمز عن شرف الدولة إلى صمصام الدولة وساعد على ذلك أن ولده أبا الحسن علي بن أستاذ هرمز كان عند صمصام الدولة -وقد جعله صمصام الدولة نقيبا- فخطب أستاذ هرمز بعمان لصمصام الدولة ففرح بذلك صمصام الدولة وأحضر المترجم وخلع عليه ونقله من رتبة النقابة إلى رتبة الحجبة ثم إن شرف الدولة ملك العراق سنة 376 وقبض على صمصام الدولة وحبسه في قلعة بسيراف ولم يذكر المؤرخون ما جرى للمترجم بعد القبض على صمصام الدولة من سنة 376 إلى سنة 378 التي توفي فيها شرف الدولة وأطلق الموكلون بالقلعة بعد وفاته صمصام الدولة وملك بلاد الفرس إلى سنة 379 التي ملك بها أخوة بهاء الدولة العراق إلى سنة 381 وهو نحو من أربع سنين أو أكثر ولم يجر له ذكر إلا في حوادث سنة 381 كما يأتي أنه وصل أبو علي بن أستاذ هرمز إلى فارس وقرب من خدمة صمصام الدولة ولم يذكر من أين أتى فوصل فأين كان المترجم في مدة هذه السنين الأربع وأين كان عند القبض على صمصام الدولة أبقي في بغداد وانضاف إلى شرف الدولة.
فلما مات شرف الدولة جاء من بغداد إلى فارس وقرب من خدمة صمصام الدولة وكيف ينضاف إلى شرف الدولة مع سخط شرف الدولة على أبيه أستاذ هرمز لما مر فيكون ساخطا عليه أيضا أم ذهب إلى فارس مستخفيا لما ملك شرف الدولة بغداد فلما ولي صمصام الدولة فارس انضاف إليه وولاه بعض النواحي ثم جاء إلى فارس وقرب من خدمة صمصام الدولة أو جاء من بغداد إلى فارس ليس في كلام المؤرخين ما يعين شيئا من ذلك أو غيره.
بقية أخباره مرتبة على السنين
في ذيل تجارب الأمم حوادث سنة 381 أن خلف بن أحمد بن الليث بن الصفار
-صاحب سجستان- كان قد ورد العراق أيام معز الدولة وخلع عليه وولي سجستان وهادنه عضد الدولة فلما توفي عضد الدولة وملك شرف الدولة ثم توفي وملك الصمصام الدولة فارس جهز خلف جيشا مع ابنه عمرو وملك كرمان فجهز إليه صمصام الدولة جيشا مع العباس بن أحمد الحاجب فكانت الدائرة على عمرو وذلك في المحرم سنة 382 وعاد عمرو إلى سجستان فقتله أبوه ووصل أبو علي بن أستاذ هرمز إلى فارس وقرب من خدمة صمصام الدولة فشرع في إنفاذ أستاذ هرمز أبيه إلى كرمان وقرر الأمر معه و استعيد العباس وتوجه أستاذ هرمز.
قال صاحب تجارب الأمم في حوادث سنة 383: فيها ورد الخبر باستيلاء أولاد بختيار على القلعة التي كانوا محبوسين فيها وهي قلعة خرشنة فإنهم استمالوا حافظ القلعة فأفرج عنهم وأرسلوا إلى أهل النواحي المطيفة بالقلعة فاجتذبوا منهم عدة كثيرة واجتمعوا تحت القلعة فأرسل صمصام الدولة أبا علي بن أستاذ هرمز (من شيراز) في عسكر فلما قرب من القلعة تفرق من كان اجتمع تحتها من الرجال وتحصن بنو بختيار والديلم فيها ونزل أبو علي عليها وراسل أحد وجوه الديلم الذين في القلعة وأطمعه في الإحسان والزيادة في المنزلة فاستجاب له وأنزل إليه حبلا من أعلى القلعة ليرتقي به الرجال إلى بابها وكان على سن من الجبل فصعد بعض أصحابه فلما دنا من الباب اضطربت يده على الحبل فوقع مترديا وأحجم الباقون فصب بين أيديهم أموالا وبسط منهم آمالا وابتدر قوم منهم فصعدوا إلى القلعة واحد بعد واحد وفتحوا الباب وملكوها وقبض على أولاد بختيار وكانوا ستة وكتب بالفتح إلى صمصام الدولة (ا هـ) وقال صاحب تجارب الأمم في حوادث سنة 384 أن صمصام الدولة انهزم في حرب له مع عسكر بهاء الدولة وسار إلى شيراز ومعه الصاحب أبو علي بن أستاذ هرمز وقال في حوادث سنة 388: فيها سار بهاء الدولة من واسط إلى الموضع المعروف بالقنطرة البيضاء وثبت أبو علي بن أستاذ هرمز بازائه وجرت بين الفريقين وقائع كثيرة (ا هـ) وذلك أن أبا علي الحسن بن أستاذ هرمز كان بالأهواز في مقابل عسكر بهاء الدولة وصمصام الدولة كان بشيراز.
قال وأقام بهاء الدولة شهرين أو أكثر يطلب مناجزة الديلم وهم يقصدون مدافعته وكان أبو علي بن إسماعيل الملقب بالموفق يباشر الحرب ويتولى التدبير وهو من أصحاب بهاء الدولة.
ورتب أبو علي بن أستاذ هرمز حيلة فكشفها أبو علي بن إسماعيل بألمعيته ودهائه وذلك أن أصحاب بهاء الدولة الموكلين بالطرق ظفروا برجل معه زنبيل دستنبوا فحملوه إلى المعسكر فقال أنا عابر سبيل أتعيش بهذا المشموم فهددوه فأقر بأنه رسول الفرخان إلى الصاحب أبي علي بن أستاذ هرمز بملطف معه فيه إنا سائرون إليك من طريق كذا وعند قرب وصولنا تصمد للقاء القوم فقلق بهاء الدولة لذلك قلقا شديدا فأرسل بهاء الدولة إلى أبي علي بن إسماعيل وأراه الملطف فقال هذا محال وأحضر الرجال فوعده بالجميل فأصر على قوله الأول فضربه أشد الضرب فأقر بأن أبا علي بن أستاذ هرمز استدعاه وأعطاه هذا الملطف وقال تعرض للوقوع في أيدي أصحاب بهاء الدولة واصبر للمكروه إن أصابك فإني أحسن إليك فسكن بهاء الدولة
قليلا ولكنه قال للحواشي إن القول الأول هو الصحيح وأن الضرب أحوج الرجل إلى القول الثاني.
وفي ذيل تجارب الأمم في حوادث سنة 388- 389 أن ابني بختيار وهما أبو القاسم اسبام وأبو نصر شهفيروز خرجا على صمصام الدولة وكان أستاذ هرمز والد المترجم مقيما بنسا فاجتمع إليه نسوة من نساء أكابر الديلم المقيمين بخوزستان عند أبي علي ولده وكن يجبرين مجرى الرجال في قوة الحزم وأصالة الرأي والمشاركة في التدبير فقلن له أنت وولدك اليوم صاحبا هذه الدولة ومقدماها ومعك مال وسلاح وإنما يراد مثل ذلك للمدافعة عن النفس والجاه فالصواب أن تفرق ما معك على الديلم الذين عندك وتمضي بهم إلى شيراز وتسير صمصام الدولة إلى الأهواز ومتى لم تقبل هذه المشورة وثب هؤلاء الديلم عليك ونهبوك وحملوها إلى ابني بختيار فغلب عليه حب المال وكان الأمر كما قالته النسوة وانحل أمر الصمصام الدولة بخروج ابني بختيار وكان المترجم بالأهواز فقال الجند لصمصام الدولة نسير بك إلى الأهواز ونلحقك بأبي علي بن أستاذ هرمز وعسكرك المقيمين معه فلم يفعل و انتهى أمره بأن أخذه أصحاب ابن بختيار وقتلوه في ذي الحجة سنة 388.
وفي ذيل تجارب الأمم أنه في سنة 389 دخل أبو علي بن أستاذ هرمز في طاعة بهاء الدولة وشرح الحال في ذلك أنه جاء في تلك الحال التي كان فيها المترجم يحارب عسكر بها الدولة كتاب له من ابني بختيار المذكورين يذكران فيه سكونهما إليه وتعويلهما عليه ويبسطان أمله ويأمرانه بأخذ البيعة لهما على الديلم قبله والمقام على الحرب فلم يثق بوفائهما بعد قتله أخويهما.
قال وحقيق بمن قتل للملوك شقيقا أن يكون على نفسه شفيقا وبقي مترددا في أمره ثم رأى أن الدخول في طاعة بهاء الدولة أصوب فجمع وجوه الديلم وشاورهم في ذلك فأجمع رأيهم على الاعتزاء إلى ابني بختيار والثبات على حرب بهاء الدولة فلم يوافقهم على ذلك وقال إن وراثة هذا الملك قد انتهت إلى بهاء الدولة وإن نحن عدلنا إلى من داره عنا نائية أضعنا الحزم والصواب الدخول في طاعة بهاء الدولة بعد التوثيق منه فامتنعوا وقالوا كيف نسلم نفوسنا للأتراك وبيننا وبينهم ما تعلم فقال إذا كان هذا رأيكم فإني أسلم ما معي من المال والعدة إليكم وأنصرف بنفسي عنكم ثم وضع أكابرهم على
ما يقولونه ويفعلونه وأنفذ إلى أبي علي بن إسماعيل المقدم عند بهاء الدولة من يلتمس منه شرابا للعلة التي به فقال ابن إسماعيل لبهاء الدولة أنه ما طلب شرابا ولكنه أراد أن يفتح لنا في مراسلته بابا فأنفذ بهاء الدولة رسولا يقول له قد كنت أنت والديلم معذورين قبل اليوم في محاربتي حين كانت المنازعة بيني وبين أخي أما الآن فقد حصل ثأري وثأركم في أخي عند من سفك دمه فأجابه المترجم بعد السمع والطاعة أن الديلم مستوحشون والاجتهاد في رياضتهم واقع وسأل إنفاذ أبي أحمد الطبيب لمعرفة قديمة كانت بينهما فقال له المترجم قد علمت اصطناع صمصام الدولة إياي وماوسعني إلا الوفاء له وقد صارت طاعة هذا الملك لازمة لي وهؤلاء الديلم قد استمرت بهم الوحشة واستحمكت بينهم وبين الأتراك التراث والذحول
، وبلغهم أن الإقطاعات ستؤخذ منهم وتعطى للأتراك ومتى لم يظهر ما تطمئن به نفوسهم لم ينقادوا فأعطاهم بهاء الدولة من الإيمان بالتجاوز عن كل إساءة سابقة ما سكنت له نفوسهم وطلبوا أن يحلف لهم أبو علي بن إسماعيل فامتنع فألزمه بهاء الدولة بذلك وصار المترجم إلى بهاء الدولة و اختلط العسكران وذلك سنة 389 وقال قبل ذلك بيوم أو يومين قتل الديلم أبا الفتح بن الفرج نقيب نقبائهم -والنقيب مقدم العسكر- فاستدعى أبو علي بن إسماعيل أخاه سهلان من بغداد وسيطا معه ليستميله فلما استقر معه للدخول في طاعة بهاء الدولة أعمل المترجم المكيدة في أمره بأن قال للديلم هذا رجل شرير وهو خبير بأموركم فإن اجتمع مع ابن إسماعيل أظهر له أسراركم فأجمع رأيهم على قتله فقتلوه وإلى إصابة رأيه وحسن تدبيره وبصيرته بعواقب الأمور يشير الشريف الرضي بقوله في مرثيته:
وقال ابن الأثير في حوادث سنة 390 فيها استعمل بهاء الدولة أبا علي الحسن بن أستاذ هرمز على خوزستان وكانت قد فسدت أحوالها بولاية أبي جعفر الحجاج لها فعمرها أبو علي ولقبه بهاء الدولة عميد الجيوش وحمل إلى بهاء الدولة منها أموالا جليلة مع حسن سيرة في أهلها وعدل.
وقال ابن الأثير أيضا أنه في سنة 392 اختلت الأحوال ببغداد وظهر أمر العيارين واشتد الفساد وقتلت النفوس ونهبت الأموال وأحرقت المساكن فبلغ ذلك بهاء الدولة فسير إلى العراق لحفظه أبا علي بن أستاذ هرمز ولقبه عميد الجيوش ووصل أبو علي إلى بغداد فأقام السياسة ومنع المفسدين فسكنت الفتنة وأمن الناس ا هـ وقد مر أنه لقبه عميد الجيوش سنة 390.
وقال أيضا في سنة 393 كانت الحرب بين أبي علي بن أبي جعفر أستاذ هرمز وبين أبي جعفر الحجاج وسبب ذلك أن أبا جعفر كان نائبا عن بهاء الدولة بالعراق فجمع وغزا واستناب بعده عميد الجيوش أبا علي فأقام أبو جعفر بنواحي الكوفة ولم يستقر بينه وبين أبي علي صلح وكان أبو جعفر قد جمع جمعا من الديلم والأتراك وخفاجة فجمع أبو علي أيضا جمعا كثيرا وسار إليه والتقوا بنواحي النعمانية فاقتتلوا قتالا عظيما وأرسل أبو علي بعض عسكره فأتوا أبا جعفر من ورائه فانهزم أبو جعفر فلما أمن أبو علي سار من العراق إلى خوزستان وأتاه الخبر إن أبا جعفر قد عاد إلى الكوفة فرجع إلى العراق وجرى بينه وبين أبي جعفر منازعات ومراجعات إلى أن آل الأمر إلى الحرب فاستنجد كل واحد منهما ببني عقيل وبني خفاجة وبني أسد فبينا هم كذلك أرسل بهاء الدولة إلى عميد الجيوش يستدعيه فسار إليه إلى خوزستان لأجل أبي العباس بن واصل صاحب البطيحة.
وإلى ذلك يشير الشريف الرضي بقوله في مرثيته له:
وإلى ذلك أيضا يشير مهيار في مرثيته له بقوله:
وقال ابن الأثير في حوادث سنة 393 أيضا: وفيها اشتدت الفتنة ببغداد و انتشرت العيارون والمفسدون فبعث بهاء الدولة عميد الجيوش أبا علي بن أستاذ هرمز إلى العراق ليدبره أمره فوصل إلى بغداد فزينت له وقمع المفسدين ومنع السنية والشيعة من إظهار مذاهبهم ونفى بعد ذلك ابن المعلم فقيه الإمامية واستقام البلد ا هـ.
وربما يستغرب مستغرب إقدامه على نفي الشيخ المفيد فقيه الإمامية الجليل العظيم الشأن، ولكن إذا علم أن في ذلك مصلحة الشيخ المفيد والشيعة وسائر المسلمين لم يستغرب ذلك فليس عضد الدولة الذي كان يزور الشيخ المفيد في داره حيا ليقيم الأود وتحفظ هيبته البلد وكذلك منع الطائفتين من إظهار مذاهبهم التي يؤول إظهارها إلى وقوع المنازعات والمجادلات واشتعال نار الفتن وقد وقع مثل من الحسن بن المظفر بن سهلان وزير سلطان الدولة البويهي كما مر في ترجمته فإنه أخرج الشيخ المفيد من بغداد لتسكين الفتنة.
وفي ديوان مهيار: قال يرثي الصاحب عميد الجيوش أبا علي ابن أستاذ هرمز وكانت درست بوروده العراق معالم الفساد وانتشرت الهيبة والكف عن أذية أهل الفضل والعفة بعد أظلال الفتن وغلبة الدعارة والمخافة ا هـ.
وقال ابن الأثير في حوادث سنة 394 أنه فيها غلب أبو العباس بن واصل على البطيحة ولما سمع بهاء الدولة بحاله وقوته خافه على البلاد فسار من فارس إلى الأهواز لتلافي أمره وأحضر عنده عميد الجيوش من بغداد وجهز معه عسكرا كثيفا وسيرهم إلى أبي العباس فأتى إلى واسط وعمل ما يحتاج إليه من سفن وغيرها وسار إلى البطائح وفرق جنده في البلاد لتقرير قواعدها وسمع أبو العباس بمسيره إليه فأصعد إليه من البصرة وأرسل يقول له ما أحوجتك تتكلف الانحدار وقد أتيتك فخذ لنفسك ووصل إلى عميد الجيوش وهو على تلك الحال من تفرق العسكر عنه فلقيه فيمن معه بالصليق فانهزم عميد الجيوش ووقع من معه بعضهم على بعض ولقي عميد الجيوش شدة إلى أن وصل إلى واسط وذهب ثقله وخيامه وخزائنه فأخبر خازنه أنه قد دفن في الخيمة ثلاثين ألف دينار وخمسين ألف درهم فأنفذ من أحضرها فقوي بها.
وقال ابن الأثير في حوادث سنة 395 قد ذكرنا انهزام عميد الجيوش من أبي العباس بن واصل فلما انهزم أقام بواسط وجمع العساكر عازما على العود إلى البطائح وكان أبو العباس قد ترك بهذا نائبا له فلم يتمكن من المقام بها ففارقها إلى صاحبه فأرسل عميد الجيوش إليها نائبا من أهل البطائح فعسف الناس وأخذ الأموال ولم يلتفت إلى عميد الجيوش فأرسل إلى بغداد.
وقال ابن الأثير في حوادث سنة 396: في هذه السنة سير عميد الجيوش عسكرا إلى البندنجيين وجعل المقدم عليهم قائدا كبيرا من الديلم فلما وصلوا إليها سار إليهم جمع كثير من الأكراد فاقتتلوا فانهزم الديلم وغنم الأكراد رحلهم ودوابهم وجرد المقدم عليهم من ثيابه فأخذ قميصا من رجل سوادي وعاد راجلا حافيا ولم يكن مقامهم غير أيام قليلة.
وقال ابن الأثير أيضا في حوادث سنة 397: فيها جمع أبو جعفر الحجاج جمعا كثيرا وأمده بدر بن حسنويه بجيش كثير فسار فحصر بغداد وسبب ذلك أن أبا جعفر كان نازلا على قلج حامي طريق خراسان وكان قلج مباينا لعميد الجيوش فتوفي قلج فجعل عميد الجيوش على حماية الطريق أبا الفتح بن عناز مكانه وكان عدوا لبدر فحقد ذلك بدر فاستدعى بدر أبا جعفر الحجاج وجمع له جمعا كثيرا وسيرهم إلى بغداد وكان علي بن مزيد الأسدي قد عاد من عند بهاء الدولة بخوزستان مغضبا فاجتمع معهم فزادوا على عشرة آلاف فنزلوا على فرسخ من بغداد وأقاموا شهرا وكان عميد الجيوش عند بهاء الدولة لقتال أبي العباس بن واصل كما مر وببغداد أبو الفتح بن عناز فحفظوا البلد وأتاهم خبر انهزام أبي العباس وقوة بهاء الدولة ففت ذلك في أعضادهم فتفرقوا وراسل أبو جعفر في إصلاح حاله مع بهاء الدولة فأجيب فحضر عنده بتستر فلم يلتفت إليه لئلا يستوحش عميد الجيوش ا هـ فتراه كيف أعرض عن أبي جعفر مع مكانته لئلا يستوحش عميد الجيوش وهذا يدل على مكانة عميد الجيوش من بهاء الدولة وشدة افتقاره إليه.
وقال الشريف الرضي يمدحه بأبيات أرسلها إليه لما توجه من واسط إلى بغداد ضمن كتاب يعتذر فيه من تأخره عن تلقيه لشكاة لحقته وذلك في المحرم سنة 396 كما في الديوان قال:
ويدل على ذلك أيضا قول مهيار الديلمي في مرثيته له:
وقال ابن الأثير وفي سنة 397 قتل أبو العباس بن واصل صاحب البصرة وكان قد عظم أمره فسار بهاء الدولة من فارس إلى الأهواز ليحفظ خوزستان منه وكان في البطائح مقابل عميد الجيوش فلما فرغ منه سار إلى الأهواز و بها بهاء الدولة فملكها وعاد منها على صلح مع بهاء الدولة كما مر ثم تجدد ما أوجب عوده إلى الأهواز بجيشه وبهاء الدولة مقيم بها فجرت بينه وبينه خطوب وحروب انتهت بانهزام أبي العباس حتى وصل خانقين وبلغ خبره إلى أبي الفتح بن عناز وهو في طاعة بهاء الدولة فحصره وأخذ وصار به إلى بغداد فسيره عميد الجيوش إلى بهاء الدولة فلقيهم في الطريق قاصد من بهاء الدولة يأمر بقتله فقتل.
وقال ابن الأثير أيضا في حوادث سنة 397: فيها أمر بهاء الدولة عميد الجيوش بالمسير إلى بلاد بدر بن حسنويه لأنه كان في نفسه عليه حقد لما اعتمده في بلاده فجمع عسكرا وسار يريد فأرسل إليه بدر ما أقنعه وصالحه و أخذ منه ما كان أخرجه على تجهيز الجيش وعاد منه. وقال في حوادث سنة 401 -وهي السنة التي توفي فيها المترجم- فيها خطب قرواش بن المقلد للعلوي المصري فأرسل القادر إلى بهاء الدولة يعرفه ذلك فكتب بهاء الدولة إلى عميد الجيوش يأمره بالمسير إلى حرب قرواش وأطلق له مائة ألف دينار ينفقها في العسكر فسار عميد الجيوش إلى حرب قرواش فأرسل يعتذر وقطع خطبة العلوي وأعاد خطبة القادر.
وقال ابن الأثير أيضا في حوادث سنة 401: وفيها وقع حرب بين بني مزيد فاستنجد سند الدولة أبو الحسن بن مزيد عميد الجيوش فانحدر إليه عجلا في زبزبه في ثلاثين ديلميا ووصل الخبر إلى عميد الجيوش بهزيمة أبي الحسن بن مزيد وهو منحدر فعاد ا هـ.
و أما أن الملوك والأمراء كانوا يعدونه لمهام الأمور وإصلاح ما لا يقدر على إصلاحه غيره فيدل عليه ما يأتي من أنه لما استولى الخراب على بغداد وظهر العيارون وانحلت الأمور بها وقتلت النفوس ونهبت الأموال وأحرقت المساكن بعثه بهاء الدولة إلى العراق لحفظه فأقام السياسة وقمع المفسدين وسكن الفتنة وأصلح الأمور وأمن الناس.
مراثيه
تقدم أنه رثاء الشريف الرضي ومهيار الديلمي ومر بعض أبيات من قصيدتيهما ومن قصيدة الشريف الرضي التي رثاه بها قوله:
ويدل كلامه في هذه القصيدة على أن للمرثي ولد أو قرابة يلقب بالقوام ويمكن كونه الملك قوام الدين الذي للشريف الرضي فيه مدائح كثيرة ورثاء و إن لم يكن من قرابة المرثي بل ربما دل كلامه ذلك على أن الباقي أجل قدرا من المرثي وذلك يرجح كون المراد الملك قوام الدين حيث يقول:
وفي هذه القصيدة أبيات من الحكم يناسب أن لا يخلو كتابنا منها وهي قوله:
وقال مهيار الديلمي في مرثيته من قصيدة أولها:
منها يخاطب الموت:
منها في ذكر الأعداء:
يقول فيها:
ومنها:
ومنها يذكر أنهما من أصل واحد فارسيان:
ومنها يذكر دفنه في مشهد الكاظمين عليهما السلام:
أراد بالشهيد الإمام موسى الكاظم وبالإمام حفيده محمد الجواد عليهما السلام.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 5- ص: 452