السيد حسن ابن السيد يوسف ابن السيد إبراهيم الحسيني العاملي الحبوشي المعروف بمكي
ولد في قرية حبوش ’’قرب النبطية’’ 1260 وتوفي في شهر رمضان سنة 1324 بقرية التحتا ودفن فيها بجنب داره وعمل على ضريحه قبة.
كان عالما فاضلا متقنا محمود السيرة غاية في حسن الخلق وسخاء النفس وعلو الهمة والسعي في قضاء حوائج المؤمنين والتواضع يخدم أضيافه بنفسه.
قرأ المقدمات في جبل عامل في مدرسة جبع ورئيسها الفقيه الشيخ عبد الله آل نعمة الشهير فقرأ فيها العلوم الآلية عند أحد طلابها الشيخ مهدي آل شمس الدين ثم لما غادر المذكور جبع غادرها معه إلى قرية مجدل سلم من عمل جبل هونين في بلاد بشارة من جبل عامل ثم هاجر عام 1287 إلى العراق إلى النجف الأشراف فقرأ السطوح في الفقيه والأصول وحضر خارجا في الفقيه درسي الشيخ محمد الكاظمي والشيخ محمد طه نجف وفي الأصول درسي الفاضل ملا محمد الشرابياني والشيخ ملا كاظم الخراساني وإذا جاء إلى الكاظمية يحضر
درس الفقيه الشيخ محمد حسن آل ياسين وكتب في الفقه والأصول تقريرات من دروس أساتيذه ثم عاد إلى جبل عامل سنة 1309 بعد مجيئنا إلى النجف بأقل من سنة فدعاه أهل النبطية التحتا للإقامة عندهم فسكنها وابتنى بها دارا له وأنشأ فيها مدرسة وبنى جامعها بناهما له المحسن الشهير الحاج حيدر جابر من ماله الخاص ثم زيد في المدرسة واجتمع عنده طلاب كثيرون واستفادوا منه وحج بعد مجيئه إلى جبل عامل بمدة قليلة بذل له الحاج محمد علي ابن الحاج عباس رضا الدمشقي
فحج معه وبعد رجوعه من الحج بنى المدرسة ثم جاءه أجله فأصيب بفالج وسكتة دماغية عقيب حادث مؤلم ولم يطل مرضه أكثر من اثني عشر يوما فخربت المدرسة شأن مدارس جبل عامل التي كثيرا ما يكون عمرها مقرونا بعمر صاحبها فجدد بناءها الحاج حسين وأخوه يوسف أولاد الحاج إسماعيل ابن الحاج سليمان الزين وصرفا عليها مبلغا وافرا من المال رجاء أن يعود إليها الطلاب فلم يتم ذلك لأن المدارس الدينية في جبل عامل أصبحت أثرا بعد عين.
تخلف من الذكور بولد واحد هو السيد محمد من أهل الفضل والذكاء والنبل.
مراثيه
رثاه شعراء جبل عامل وأدباؤه فقال الشيخ سليمان ظاهر:
راش الردى أسهما أردى بها الحسنا | هيهات تبصر وجها بعده حسنا |
قد أنطقت كل دمع من محاجرنا | إذ أخرست منه ذاك المقول اللسنا |
عين به اكتحلت طيب الكرى زمنا | اليوم إنسانها قد فارق الوسنا |
وهي القوب التي ارتادت فضائله | اليوم تنتحب الأحزان والشجنا |
ودر فضل به زينت مسامعنا | عليه قد سال منا مدمعا هتنا |
قضى وكم قد قضى فرضا وناقلة | وكم لنا أوضح الأحكام والسننا |
نفس غلت بعدما غالى الزمان بها | فكيف يرخصها سوم الردى ثمنا |
يا راحلا رحلت بالصبر أينقة | وظاعنا وبغير الدين ما ظعنا |
كانت حياتك للأيام موعظة | و اليوم أوعظ منها لابسا كفنا |
عليك حزنا قلوب الناس قد عقرت | أن تعقر الناس في أحزانها البدنا |
أخلصت سعيك في سر وفي علن | ولم تخالف خوافي سرك العلنا |
ما خلت يضمر منك اللحد شخص نهى | ضميره غير سر الله ما ضمنا |
لقد حملت على الجيد الذي بندى | آلائك الغر قد قلدته مننا |
أعزز علينا بأن نلقاك في جدث | ولم تكن ترتضي أفق السما سكنا |
أعزز علينا وضرع المزن مفتقر | لفيض كفك نستسقي لك المزنا |
وكل غادية للعفو رائحة | على ضريحك تزجي عارضا هتنا |
لعمرك لقد جب الردى غارب الهدى | وجذ أصول العرف من حيث تفرع |
وجر علينا الدهر أثواب غدره | فلم يبق في قوس التصبر منزع |
أأطلب من بعد ابن يوسف سلوة | لقد أعجز السلوان من بات يطمع |
فلا الدار من بعد النوى لي منزل | ولا مربع اللذات عندي مربع |
أقلب طرفي في الديار فلا أرى | سوى مهجة حرى وقلب يوزع |
فأين لسان الدين والحكمة التي | بنيرها ليل الجهالة يقشع |
وأين البهاء الطلق والمقول الذي | بصارمه عنق المشاكل يقطع |
وقفت حيال القبر أبكيه خاشعا | وما كنت قبل الآن في الخطب أخشع |
أنادي وهذا القبر بيني وبينه | فلا ناطق إلا الصدى حين يرجع |
ولا مسعد إلا حنين ولوعة | ولا مسعف إلا زفير وأدمع |
ليبكك يا غوث الصريخ وغيثه | أبي غدا بالضيم والذل يقرع |
ليبكك وفاد لجودك أسرعوا | يخب بهم داعي الرجاء ويوضع |
سلام على الدار التي خف أهلها | وجدبهم حادي المنون فأسرعوا |
سلام على الركب الذين تحملوا | وأزمع عنا الصبر ساعة أزمعوا |
وحيا الحيا قبرا به الحسن الرضا | أقام وفيه الدين والرشد مودع |
أن يحملوك أبا الهادي فما حملوا | إلا الهدى والنهى والمكرمات معا |
أو يدفنوك على رغم فما دفنوا | إلا التقى والندى والزهد والورعا |
خطب دهى الإسلام فأقم وقعه | أذكى بقلب الدين حر أوار |
أدمعت فوادحه العيون وروعت | قلب الوصي ومهجة المختار |
نزلت بحامية الهدى غوث الورى | زاد المقل وكعبة الزوار |
ولوت بعليم عامل وفخارها | وزعيمها في حلبة المضمار |
من صفوة الغر الذين وجوههم | منها تضيء مطالع الأقمار |
المرتدي بالفضل عز نظيره | حسن السجايا طيب الأخبار |
كم حل عقدة مشكل في عامل | عقدت عراة أنامل الأقدار |
ولكم له فيها مآثر لم تزل | بالحمد مشرقة كضوء نهار |
يا وحشة الدنيا وقد عثر الردى | بمقيلنا في الدهر كل عثار |
أن يرفعوك على السرير فإنما | رفعوا بنعشك حكمة الجبار |
أو يدفنوا بالرمس شخصك إنما | دفنوا به سرا من الأسرار |
فعلى ثرى الحسن بن يوسف ديمة | بالعفو تسبق هاطل الأمطار |
قضى حسن الأخلاق والسيد الذي | بدست العلى والمجد كان له الصدر |
فلا الدهر يصفو مذ رحلت مقوضا | ولا العيش مذ فارقتنا ريق نضر |
فكيف طويتم طود فضل بحفرة | بجانبه يستصغر البر والبحر |
سقى الله قبرا ضم شخصك والتقى | وجاد عليه من مراحمه القطر |
حميت ذمار الجار بالهمة التي | تقاعس عن مقدارها الفيلق المجر |
نهضت بأعباء الرياسة صاعدا | إلى غاية ينحط عن شأوها النسر |
سلكت حزون المشكلات وسهلها | وغيرك سهل المشكلات له وعر |
ملكت زمام الأمر وانقادت الورى | إليك ولم يدخلك تيه ولا كبر |
لويت عن الدنيا عنان مطامع | فكفك من لذاتها أبدا صفر |
ولا قارعتك الحادثات بمعرك | يفت القوى إلا عليك لك النصر |
ذكرتك أندى الناس في الجدب راحة | إذا ما توالت فيه أزمنة غبر |
فقدتك طلاع الثنايا بمعضل | يتيه به من غيرك اللب والفكر |
ثوى الحسن السامي فخارا وقد عفت | ربوع المعالي فهي قفراء بلقع |
وكيف بدت يد الأقدار قادته مصعبا | وكان به صرف المقادير يدفع |
ليوم فقدنا فيه غوث بني الورى | منار الهدى يوم من الحشر أروع |
عجبت لقبر ضمه وعلومه | وجدواه من خط البسيطة أوسع |
فبورك لحد فيه أكرم سيد | ثوى بل به سر المهيمن مودع |
ذاك علامة الزمان ومن عز | نظيرا ما بيننا ومثيلا |
عزة النفس والأباء أحلتـ | ـه مقاما فوق السهى ومقيلا |
كيف آراؤك القواضب كف | الدهر ألقت بصفحتيها فلولا |
كيف أزمعت عن مدارس فيها | كم على الحق قد أقمت دليلا |
لك فيها جواهر لامعات | كم أبانت شرائعا وأصولا |
لك فيها مسالك واضحات | كم بها أدرك الأنام وصولا |
سرت نحو النعيم سيرا حثيثا | حيث جاورت والرسول الرسولا |
عرفوا قدرك الذي قد تعالى | فحبوك النعظيم والتبجيلا |
إن تفارق أبا محمد دارا | سوف تقصي شبانها والكهولا |
فجميل الجميل بعدك باق | حفظته الأنام جيلا فجيلا |
غالت صروف الردى من هاشم علما | سامي الذرى وركينا راسي الركن |
وطبق الكون خطب حل في رجل | قد طوق الناس بالأفضال والمنن |
لا العيش من بعده تحلو مشاربه | ولا تطيب لعين لذة الوسن |
ولا الزمان الذي تزهو نضارته | لما مضى حسن بالمنظر الحسن |
يا مزنة الجود في العام المحيل ويا | فرد الزمان عليك الدمع كالمزن |
لك المآثر غر لا تزال بها | تحدو الركائب من شام إلى يمن |
يا معدن الرشد يا بدر الهداية يا | بحر الفضائل يا علامة الزمن |
دفنت والمكرمات اليوم في جدث | أدرجت والعرف والإحسان في كفن |
لقد ألانت يد الأقدار منه فتى | صعب القياد لغير الله لم يلن |
لله نافذة القضاء الجاري | أودت بعين المجد حامي الجار |
وأنهار فيها للهداية شامخ | ما كان لولا الموت بالمنهار |
يا ناعي الحسن الزكي نعيت للد | ين الحنيف مجدد الآثار |
أنعاه للحدثان كان يرده | من عزمه بالصارم البتار |
أنعاه للأسحار في غلس الدجى | يجلو دجاها منه بالأنوار |
أنعاه للأيتام يكفل أمرهم | بيمين نيل بالجدى مدرار |
خطب دهى الإسلام فادح وقعه | فلتبكين مقل الورى إسلامها |
ملأ البلاد مآتما رزء عرا | كل البلاد عراقها وشامها |
عجبا لنفس كان يرهبها الردى | كيف انثنت تعطي القضاء زمامها |
كم أرهبت صرف الزمان بهمة | قد أوطأت شهب السما أقدامها |
كم شاد صرحا للهداية والتقى | وشريعة الهادي أقام نظامها |
يستأصل الخطب الملم بعزمه | مستصغرا في النائبات عظامها |
وإذا عرت نوب الزمان وأبهمت | جلى بثاقب رأيه إبهامها |
أن يدفنوك ففي ضريحك أودعوا الـ | ـإيمان والتقوى معا وأمامها |
يا تربة الحسن الزكي بك انطوى | غيث الأنام وقاتل إعدامها |
حياك من عفو الإله سحائب | وسقاك منهل الغيوث ركامها |
يا راحلا والصبر يتبع ركبه | رفقا بأفئدة ملكت زمامها |
ومقوضا ترك البرية بعده | تذري المدامع شيخها وغلامها |
جعلت مدامعها وحر زفيرها | حزنا عليك شرابها وطعامها |
جادت ثراه من الرضا هتانة | لم يحك وكاف السحاب ركامها |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 5- ص: 394