التصنيفات

أبو محمد الحسن بن محمد بن هارون بن إبراهيم

ابن عبد الله بن يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب ابن أبي صفرة الأزدي المعروف بالوزير المهلبي.

ولد ليلة الثلاثاء 26 المحرم سنة 291 بالبصرة وتوفي يوم السبت 24شعبان وقيل: 27 منه سنة 352 وقيل سنة 351 في طريق واسط وحمل إلى بغداد فوصل إليها ليلة الأربعاء شهر رمضان من السنة المذكورة ودفن في مقابر قريش في مقبرة النوبختية.

أقوال العلماء فيه

كان من أحسن الناس أخلاقا وفضلا وأدبا وشعرا ومن أكملهم عقلا وسياسة وزر لمعز الدولة أبي الحسين أحمد ابن بويه الديلمي ذكره صاحب اليتيمة فقال: كان من ارتفاع القدر وامتناع الصدر ونبل الهمة وفيض الكف وكرم الشيمة على ما هو مذكور مشهور وأيامه معروفة في وزارته لمعز الدولة وتدبيره أمور العراق وانبساط يده في الأموال مع كونه غاية في الأدب والمحبة لأهله وكان يترسل ترسلا مليحا ويقول الشعر قولا لطيفا يضرب بمثله المثل ولا يستحلي معه العسل يغذي الروح ويجلب الروح كما قال بعض أهل العصر.

(اه) وذكره ابن خلكان فقال: كان وزير معز الدولة أبي الحسين أحمد بن بويه الديلمي تولى وزارته يوم الاثنين 27 جمادى الأولى سنة 339 وكان من ارتفاع القدر واتساع الصدر وعلو الهمة وفيض الكف على ما هو مشهور به وكان غاية في الأدب والمحبة لأهله ومحاسنه كثيرة (اه) وذكره ياقوت في معجم الأدباء بترجمة طويلة لكن سقط أولها من النسخة المطبوعة. وفيها قال إبراهيم بن هلال الصابي كان أبو محمد يخاطب بالأستاذية وفي مرآة الجنان كان من رجال الدهر عزما وحزما وسؤددا وعقلا وشهامة ورأيه (اه) ومثله في شذرات الذهب مع زيادة وكان فاضلا شاعرا فصيحا حليما جوادا (اه) وقال ابن الأثير كان الوزير المهلبي كريما فاضلا ذا عقل ومروءة فمات بموته الكرم (اه) وفي فوات الوفيات: كان ظريفا نظيفا قد أخذ من الأدب بحظ وافر وله همة كبيرة وصدر واسع وكان جامعا لخلال الرئاسة صبورا على الشدائد.

تشيعه

يدل عليه قول ابن الأثير الأتي: وخاف المهلبي أن يقيم على تشدده في أمرهم فينسب إلى ترك التشيع ويرشد إليه دفنه في مقابر قريش التي هي مدافن الشيعة قديما وحديثا تبركا بجوار قبري الكاظمين عليهما السلام.

حاله قبل توليه الوزارة

ذكر صاحب اليتيمة نقلا عن مشايخه وذكر ابن خلكان في تاريخه أن الوزير المهلبي كان قبل اتصاله بمعز الدولة في شدة عظيمة من الضرورة والضائقة سافر مرة ولقي في سفره مشقة متعبة واشتهى اللحم فلم يقدر على ثمنه فقال ارتجالا:

وكان معه رفيق من أهل الأدب يقال له عبد الله الصوفي

وقيل أبو الحسن العسقلاني فاشترى له لحما بدرهم وطبخه وأطعمه وتفارقا وتنقلت بالمهلبي الأحوال وتولى الوزارة ببغداد لمعز الدولة فقال:

وضاقت الأحوال برفيقه وبلغه وزارة المهلبي وكتب إليه رقعة فيها:

فلما نظر فيها تذكره وهزته أريحية الكرم على حكم من قال:

وأمر له بسبعمائة درهم ووقع في رقعته {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل ألله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء} ثم دعا به فخلع عليه وقلده عملا يرتفق به قال الثعالبي ونظير البيتين قول بعضهم:

اتصاله بمعز الدولة

كان في أول أمره كاتبا عند معز الدولة قبل استيلائه على بغداد ثم وزر له قال ابن الأثير في حوادث سنة 334 إنه سار معز الدولة يريد بغداد والاستيلاء عليها فلما وصل إلى باجسرى اختفي المستكفي وابن شيرزاد أمير الأمراء وقدم أبو محمد الحسن بن محمد المهلبي صاحب معز الدولة إلى بغداد فاجتمع بابن شيرزاد وبالمستكفي فأظهر المستكفي السرور بقدوم معز الدولة.

توليه الوزارة لمعز الدولة

في فوات الوفيات كان كاتب معز الدولة ابن بويه ولما مات الصيمري قلده معز الدولة الوزارة مكانه وقربه وأدناه واختص به وعظم جاهه عنده وكان يدبر أمر الوزارة للمطيع من غير تسمية بالوزارة ثم جادت له الخلع من دار الخلافة بالسواد والسيف والمنطقة ولقبه المطيع بالوزارة ودبر الدولتين. وفي معجم الأدباء خرج معز الدولة ووزيره أبو جعفر الصيمري إلى الموصل لقتال ناصر الدولة فاستخلف الصيمري المهلبي وأبا الحسن طاراد بن عيسى على الأمور بمدينة السلام إلى أن عاد ثم خرج الصيمري إلى البطيحة لطلب عمران بن شاهين واستناب بحضرة معز الدولة أبا محمد وحده في سنة 338 فخدم أبو محمد معز الدولة خدمة خففت به عنه وخف على قلبه فقبله ومال إليه وقربه وبلغ أبا جعفر ذلك فثقل عليه فتطلب لأبي محمد الذنوب وتمحل ما أنكره عليه وأطلق فيه لسانه بالوقيعة والتهدد وبلغ أبا محمد ذلك فقلق واستشعر النكبة والهلاك لأنه لم يطمع من معز الدولة في نصرته عليه وعصمته منه فما راعه إلا ورود كتاب الطائر بوفاة الصيمري فجلس له في العزاء وأظهر له الحزن الشديد ولزم منزله واستدعاه معز الدولة وأمره بالحضور وتمشية الأمور إلى أن يقلد من يرى تقليده الوزارة وترشح للوزارة جماعة وسماهم قال ووسط أحدهم وهو أبو علي الحسن بن محمد الطبري والدة معز الدولة وبذل مائتي ألف درهم عاجلة على سبيل الهدية بمطالبة معز الدولة فجمل منها مائة وثمانين ألف درهم وقال: قد بقي بقية يسيرة إذا ظهر أمري حملتها فقال معز الدولة لا أفعل إلا بعد استيفاء المال فعلم الطبري أنه خدع وندم على ما حمله ثم حضر الجماعة المترشحون الخاطبون وكل منهم يعتقد أنه المختار المقلد وجلسوا في خركاه ينتظرون الإذن ثم أوصل القوم ووقفوا على مراتبهم ودخل أبو محمد بعدهم وقام في أخرياتهم فلما تكامل الناس أسر معز الدولة إلى أبي علي الحسن بن إبراهيم الخازن قولا لم يسمع فمشى إلى أبي محمد المهلبي وقبل يده وخاطبه بالأستاذية على ما كان أبو جعفر يخاطب به وحمله إلى الخزانة فخلع عليه القباء والسيف والمنطقة قال أبو إسحاق الصابي فوالله لقد رأيت الناس على طبقاتهم ممن أسميناه ومن يتلوهم من الجند وغيرهم والسعيد منهم من وصل إلى يده فقبلها وعاد أبو محمد إلى حضرة معز الدولة فخاطبه بالتعويل عليه في تقلد وزارته وتدبير دولته وشكره أبو محمد شكرا أطال فيه وخرج منصرفا إلى داره فقدم له شهري بمركب ذهب وسار أبو محمد سبكتكين الحاجب بين يديه والقواد والناس وذلك لثلاث بقين من جمادى الأولى سنة 339 ثم جددت له الخلع من دار الخلافة بالسواد والسيف والمنطقة فأثقلته هذه الخلع وكان ذا جثة والزمان صيف وقد مشى في تلك الصحون الكثيرة فسقط عند دخوله إلى حضرة المطيع لله ووقع على ظهره فأقيم وظن أنه يحصر لما جرى فقال: يا أمير المؤمنين:

ثم أكثر الشكر فاستحسنت منه هذه البديهة على تلك الصورة وركب إلى داره وجميع الجيش معه وحجاب الخلافة وحجاب معز الدولة بين يديه (اه) وقال ابن الأثير في حوادث سنة 339 في هذه السنة توفي أبو جعفر محمد ابن أحمد الصيمري وزير معز الدولة واستوزر معز الدولة أبا محمد الحسن بن محمد المهلبي في جمادى الأولى وكان يخلف الصيمري بحضرة معز الدولة فعرف أحوال الدولة والدواوين فامتحنه معز الدولة فرأى فيه ما يريد من الأمانة والكفاية والمعرفة بمصالح الدولة وحسن السيرة فاستوزره ومكنه من وزارته فأحسن السيرة وأزال كثيرا من المظالم خصوصا بالبصرة فإن البريديين كانوا قد أظهروا فيها كثيرا من المظالم فأزالها وقرب أهل العلم والأدب وأحسن إليهم وتنقل في البلاد لكثف ما فيها من المظالم وتخليص الأموال فحسن أثره رحمه أنه تعالى (اه).

جملة من أخباره

قال ابن الأثير في حوادث سنة 339 أن عمران ابن شاهين بعد مسير الصميري عنه زاد قوة وجرأة فأنفذ معز الدولة إلى قتاله روزبهان من أعيان عسكره فكسره عمران وغنم جميع ما معه وطمع أصحاب عمران في السلطان فصار إذا اجتاز بهم أحد من أصحاب السلطان يطلبون منه الخفارة وانقطع الطريق على البصرة إلا على الظهر فشكا الناس ذلك إلى معز الدولة فكتب إلى المهلبي بالمسير إلى واسط لهذا السبب وكان بالبصرة فأصعد إليها وأمده معز الدولة بالقواد والأجناد والسلاح وأطلق يده في الإنفاق فزحف إلى البطيحة وضيق على عمران وسد المذاهب عليه فانتهى إلى مضايق لا يعرفها إلا عمران وأصحابه وأحب روزبهان أن يصيب المهلبي ما أصابه من الهزيمة ولا يستبد بالظفر والفتح وأشار على المهلبي بالهجوم على عمران فلم يقبل منه فكتب إلى معين الدولة بعجز المهلبي ويقول: أنه يطاول لينفق الأموال فكتب معز الدولة بالعتب والاستبطاء فترك المهلبي الحزم وهجم بجميع عسكره على عمران وكان قد جعل الكمناء في تلك المضايق فخرج الكمناء على المهلبي وأصحابه ووضعوا فيهم السلاح فقتلوا وأغرقوا وأسروا وتأخر روزبهان ليسلم عند الهزيمة فسلم وألقى المهلبي نفسه في الماء فنجا سباحة وأسر عمران القواد والأكابر فاضطر معز الدولة إلى مصالحته وقال في حوادث سنة 340 في هذه السنة رفع إلى المهلبي أن رجلا يعرف بالبصري مات ببغداد وهو مقدم العزاقرية يدعي أن روح أبي جعفر محمد بن علي ابن أبي العزاقر قد حلت فيه وأنه خلف مالا كثيرا كان يجبيه من هذه الطائفة وأن له أصحابا يعتقدون ربوبيته وأن أرواح الأنبياء والصديقين حلت فيهم فأمر بالختم على التركة والقبض على أصحابه وعلى الذي قام بأمرهم بعده فلم يجد إلا مالا يسيرا ورأى دفاتر فيها أشياء من مذاهبهم وكان فيهم غلام شاب يدعي أن روح علي بن أبي طالب حلت فيه وامرأة يقال لها فاطمة تدعي أن روح فاطمة حلت فيها وخادم لبني بسطام يدعي أنه ميكائيل فأمر بهم المهلبي فضربوا ونالهم مكروه ثم أنهم توصلوا بمن ألقى إلى معز الدولة أنهم شيعة علي بن أبي طالب فأمر بإطلاقهم وخاف المهلبي أن يقيم على تشدده في أمرهم فينسب إلى ترك التشيع فسكت عنهم (اه) (أقول) محمد بن علي ابن أبي العزاقر كانت قد ظهرت منه مقالات ردية وخرجت فيه توقيعات من إمام أهل البيت عليه السلام فتبرأ منه أصحابنا وصلبه السلطان ببغداد.

وقال ابن الأثير في حوادث سنة 341 في هذه السنة سار يوسف بن وجيه صاحب عمان إلى البصرة فحضرها واستمد القرامطة فأمدوه بجمع كثير فبلغ الخبر إلى الوزير المهلبي وقد فرغ من الأهواز والنظر فيها فسار مجدا في العساكر إلى البصرة فدخلها قبل وصول يوسف إليها وشحنها بالرجال وأمده معز الدولة بالعساكر وما يحتاج إليه وتحارب هو وابن وجيه أياما ثم انهزم ابن وجيه وظفر المهلبي بمراكبه وما معه من سلاح وغيره، وقال أيضا في هذه السنة من ربيع الأول ضرب معز الدولة وزيره أبا محمد المهلبي بالمقارع مائة وخمسين مقرعة ووكل به في داره ولم يعزله من وزارته وكان نقم عليه أمورا ضربه بسببها. وقال في حوادث سنة 345 في هذه السنة خرج روزبهان بن ونداد خرشيد الديلمي على معز الدولة وسار إلى الأهواز في رجب وبها الوزير المهلبي فأراد محاربة روزبهان فاستأمن من رجاله جماعة إلى روزبهان فانحاز المهلبي عنه (اه) وقال في حوادث سنة 347 أنه فيها تجهز معز الدولة لحرب ناصر الدولة ومعه وزيره المهلبي وقال في حوادث سنة 350 في هذه السنة في المحرم مرض معز الدولة وامتنع عليه البول ثم كان يبول بعد جهد دما ويتبعه البول والحصى والرمل فاشتد جزعه وقلقه وأحضر الوزير المهلبي والحاجب سبكتكين فأصلح بينهما ووصاهما بابنه بختياره وقال في حوادث سنة 351 إن الوزير المهلبي أشار على معز الدولة أن يكتب على مساجد بغداد لعن الله الظالمين لآل محمد بدل ما كان يكتب.

مكارم أخلاقه

ومن مكارم أخلاقه العجيبة ما في معجم الأدباء قال هلال: حدثني جدي أبو إسحاق (الصابي) قال صاغ أبو محمد دواة ومرفعا وحلاهما حلية كثيرة مشرقة وكانت ذراعا وكسرا في عرض شبر وكذلك كانت آلاته عظاما حتى أن مخاد دسته مثل مساند الدمسوت إلى ما يجري هذا المجرى من آلات الاستعمال وقدمت الدواة بين يديه في مرفعها وأبو أحمد الفضل بن عبد الرحمن الشيرازي قائم وأنا إلى جانبه فتذاكرنا سرا حسن الدواة وجلالتها وعظمها ثم قال لي ما كان أحوجني إليها لأبيعها واتسع بثمنها قلت: وأي شيء يعمل الوزير قال: يدخل في حرامه وسمع أبو محمد ما جرى بيننا بالإصغاء منه إلينا وذهب ذلك علينا فاجتمعت مع أبي أحمد من غد فقال لي: عرفت خبر الدواة قلت: لا قال: جاءني البارحة رسول الوزير ومعه الدواة ومرفعها ومنديل فيه عشر قطع ثيابا حسابا وخمسة آلاف درهم وقال الوزير يقول: أنا عارف بأمرك في قصور المواد عنك وتضاعف المؤن عليك وأنت تعرف شغلي وانقطاعي به عن كل حق يلزمني وقد آثرتك بهذه الدواة لما ظننته من استحسانك إياها اليوم عند مشاهدتك لها وحملت معها ما تجدد به كسوتك وتصرفه في بعض نفقتك وانصرف الرسول وبقيت متحيرا متعجبا من اتفاق ما تجارينا به أمس وحارث هذا على أثره وتقدم أبو محمد بصياغة دواة أخرى على شكلها ومرفع مثل مرفعها فصيغت في أقرب مدة ودخلنا إلى مجلسه وقد فرغ منها وتركت بين يديه وهو يوقع منها ونظر أبو محمد إلي وإلى أبي أحمد ونحن نلحظها فقال: هيه من منكما يؤيدها بشرط الإعفاء من الدخول فخجلنا وعلمنا أنه كان قد سمع قولنا وقلنا: بل يمتدح الله مولانا وسيدنا الوزير بها ويبقيه حتى يهب ألفا مثلها قال ياقوت بعد نقل ذلك اللهم أنت جدد الرحمة والرضوان عليه في كل ساعة بل لحظة بل لمحة وعلى كل نفس شريفة وهمة عالية إنك العلي تحب معالي الأمور وأشرافها وتبغض سفاسفها (اه).

عطفه على الفقراء

في معجم الأدباء: تحدث أبو الحسين هلال ابن المحسن قال: حاث القاضي أبو بكر بن عبد الرحمن ابن خزيمة قال: كنت مع الوزير المهلبي بالأهواز فاتفق أن حضرت عنده في يوم من شهر رمضان والزمان صائف والحر شديد ونحن في خيش بارد فسمع صوت رجل ينادي على الناطف فقال: أما تسمح أيها القاضي صوت هذا البائس في مثل هذا الوقت والشمس فوق رأسه وحرها تحت قدميه ونحن نقاسي في مكاننا هذا البارد ما نقاسيه من الحر وأمر بإحضاره فرأى شيخا ضعيفا عليه قميص وهو بغير سراويل وفي رجله تاسومة مخلقة وعلى رأسه مئزر ومعه نبيخة فيها ناطف لا تساوي خمسة دراهم فقال له: ألم يكن لك أيها الشيخ في طرفي النهار مندوحة عن مثل هذا الوقت فتنفس وقال: ما أهون على الراقد سهر الساهد وقال:

فقال له الوزير: أراك متأدبا فمن أين لك ذلك فقال: إني أيها الوزير من أهل بيت لم يكن فيهم من صناعته ما ترى وأسر إليه أنه من ولد معن بن زائدة فأعطاه مائة دينار وخمسة أثواب وجعل ذلك رسما له في كل سنة (اه).

مزاحه

في معجم الأدباء: حدث إبراهيم بن هلال قال: كان أبو محمد المهلبي يناصف العشرة أوقات خلوته ويبسطنا في المزح إلى أبعد غاية فإذا جلس للعمل كان امرءا وقورا ومهيبا ومحذورا آخذا في الجد الذي لا يتخونه نقص ولا يتداخله ضعف فاتفق أن صعد يوما من طياره إلى داره وقد حقنه البول وما كان يعتريه من سلسه فقصد بعض الأخلية فوجده مقفلا وكذلك كانت عادته جارية في أخلية داره حفظا لها عن الابتذال فأبى أن يدعو الفراش ويحضر المفتاح فقال لي متنادرا على نفسه:

فقلت لعمري أنه موضع عجب وإذا وقع الاحتياط في الأصل فقد استغني عنه في الفرع فضحك وقال: أوسعتنا هجاء فقلت: وجدت مقالا فقال: اسكت يا فاعل يا صاح قال أبو إسحاق: وأجلسني معز الدولة لأكتب بين يديه وأبو محمد المهلبي قائم فحجبني عن الشمس فقال: كيف ترى هذا الظل فقلت: ثخين فقال: واعجبا أحسن وتسيء وضحك (اه).

السرف والبذح

في معجم الأدباء: حدث القاضي أبو علي التنوخي قال: شاهدت أبا محمد المهلبي قد ابتيع له في ثلاثة أيام ورد بألف دينار فرش به مجالس وطرحه في بركة عظيمة كانت في داره ولها فوارات عجيبة يطرح الورد في مائها وينفضه وبعد شربه عليه وبلوغه ما أراد منه أنهبه (اه) فانظر إلى فساد الزمان وأهله: المهلبي له في ثلاثة أيام ورد بألف دينار لا لشيء فيه فائدة إلا اللهو ومعصية الله بالشرب عليه وربما يكون في المملكة أو في جملة من أخذت منه هذه الألف الدينار من لا يقدر على القوت.

وفي فوات الوفيات: كان من ظرف الوزير المهلبي أنه إذا أراد أكل شيء من أرز بلبن وهريس وحلوى رقيق وقف إلى جانبه الأيمن غلام معه نحو من ثلاثين ملعقة زجاجا مجرورا وإلى جانبه الأيسر غلام فيأخذ الملعقة من الغلام الذي على يمينه ويأكل بها لقمة واحدة ثم يدفعها إلى الغلام الذي على يسار. لئلا يعيد الملعقة إلى فمه مرة ثانية (اه).

أخباره مع أبي الفرج الأصبهاني

في فوات الوفيات: كان أبو الفرج الأصبهاني وسخا في ثوبه ونفسه وفعله فواكل الوزير المهلبي على مائدة وقدمت سكباجة وافقت من أبي الفرج سعلة فندرت من فمه قطعة بلغم وقعت في وسط الصحن فقال المهلبي: إرفعوا هذا وهاتوا من هذا اللون في غير هذا الصحن ولم يبن في وجهه استكراه ولا داخل أبا الفرج حياء ولا انقباض ولما كثر على الوزير استمرار ما يجري من أبي الفرج جعل له مائدتين إحداهما كبيرة عامة والأخرى لطيفة خاصة يواكله عليها من يدعوه إليها وعلى صنعه ما كان يصنعه بأبي الفرج ما خلا من هجوه قال أبو الفرج:

قال: ويروى أن هذين البيتين للمتنبي رواهما له الكندي (اه).

ما كتبه الصاحب لابن العميد مما يتعلق بالمهلبي

في اليتيمة ما لفظه ما أخرج من كتاب الروزنامجة للصاحب إلى ابن العميد مما يتعلق بملح أخبار المهلبي (فصل) وردت أدام الله عز مولانا العراق فكان أول ما اتفق لي استدعاء مولاي الأستاذ أبي محمد أيده الله وجمعه بين ندمائه من أهل الفضل وبيني (إلى أن قال) فانصرفت وقد ورد الخبر بمضي أبي الفضل صاحب البري رضي الله عنه ورحمه وأنسأ أجل مولانا وما فيه فساعدت القوم على الجلوس للتعزية عنه لما كان يعرف من الحال بيني وبينه:

فما مكثت أن جاءني رسول الأستاذ أبي محمد أيده الله يستدعني فعرفته عذري وحسبته يعفيني فعاودني بمن استحضرني ثم ذكر أنه استدعاه إلى مجلس الشرب والغناء وأورد ما لا نحب ذكره من أفعال هؤلاء الأمراء الذين أفسدوا دينهم واتبعوا شهواتهم وقد انقضت أيام لذاتهم القصيرة ولقوا جزاء أعمالهم. ثم قال: وشاهدت من حسن مجلسه وخفة روح أدبه وإنشاده للصنوبري وطبقته ما طاب به الوقت وهشت له النفس وشاكل رقة ذلك الهوى وعذوبة ذلك اللمى فانصرفت عنه وجعلت ألقاه في دار الإمارة وهو على جملة من البر والتكرمة حتى عرفت خروجه إلى بستان بالياسرية لم ير أحسن منه ولا أطيب من يومه فيه لا إني حضرته ولكني حدثت بما جرى له فكتبت إليه شعرا:

في أبيات أخر تركتها لأنني أصون كتابي عن أن يشتمل على مثلها. قال: فاستطاب هذا الشعر وأعجب به واستدعاني من غده فحضرت وابنا المنجم في مجلسه وقد أعدا قصيدتين في مدحه فمنعهما من النشيد لأحضره فأنشدا وجودا. ثم ذكر من حضور مجالس اللهو والغناء والشراب ما ننزه كتابنا عن ذكر مثله.

أخباره مع الشعراء

في معجم الأدباء: قال أبو علي التنوخي حضرت أبا محمد في وزارته وقد دفع إليه شاعر رقعة صغيرة فقرأها وضحك وأمر له بألف دوهم وطرح الرقعة فقرأتها وإذا فيها:

وفي معجم الأدباء: قال حدث أبو النجيب شداد ابن إبراهيم الجزري الشاعر الملقب بالمظاهر قال: كنت كثير الملازمة للوزير أبي محمد المهلبي فاتفق إني غسلت ثيابي وأنفذ إلي يدعوني فاعتذرت بعذر فلم يقبله وألح في استدعاني فكتبت إليه:

فأنفذ لي جبة وقميصا وعمامة وسراويل وكيسا فيه خمسمائة درهم وقال: قد أنفذت لك ما تلبسه وتدفعه إلى الخياط ليصلح لك الثياب على ما تريد فإن كنت غسلت التكة واللالكة عرفني لأنفذ عوضهما (اه).

شهادة الحجلة

في معجم الأدباء: حدث أبو علي التنوخي قال: كان أبو محمد المهلبي يكثر الحديث على طعامه وكان طيب الحديث وأكثره مذاكرة بالأدب وضروب الحديث على المائدة لكثرة من يجمعهم عليها من العلماء والكتاب والندماء وكنت كثيرا ما أحضر فقدم إليه في بعض الأيام حجل فقال لي: أذكرني هذا حديثا ظريفا وهو ما أخبرني به بعض من كان يعاشر الراسبي الأمير -عامل خوزستان- وقال: كنت آكل معه يوما وعلى المائدة خلق عظيم فيهم رجل من رؤساء الأكراد المجاورين لعمله وكان ممن يقطع الطريق ثم استأمن فأمنه إذ قدم حجل فألقى الراسبي منه واحدة إلى الكردي كما تلاطف الرؤساء مؤاكليهم فأخذها الكردي وجعل يضحك فتعجب الراسبي من ذلك فقال: ما سبب هذا الضحك وما جرى ما يوجبه فقال: خبر كان لي فقال: أخبرني به فقال شيء ظريف ذكرته لما رأيت هذه الحجلة قال: فما هو قال كنت أيام قطع الطريق وأنا وحدي إذ استقبلني رجل وحده فصحت عليه فاستلم فأخذت ما معه وطالبته أن يتعرى ففعل ومضى لينصرف فخفت أن يلقاه في الطريق من يستفزه علي فأطلب وأنا وحدي فأؤخذ فقبضت عليه وعلوته بالسيف لأقتله فقال: يا هذا أي شيء بيني وبينك أخذت ثيابي ولا فائدة لك في قتلي فكتفته ولم ألتفت إلى قوله: وأقبلت أقنعه بالسيف فالتفت كأنه يطلب شيئا فرأى حجلة قائمة على الجبل فصاح يا حجلة اشهدي لي عند الله تعالى إني أقتل مظلوما فما زلت أضربه حتى قتلته وسرت فلما رأيت هذه الحجلة ذكرت حماقة هذا الرجل فضحكت فانقلبت عينا الراسبي في رأسه حردا وقال: لا جرم والله أن شهادة الحجلة عليك لا تضيع اليوم في الدنيا قبل الآخرة وما أمنتك إلا على ما كان منك من إفساد السبيل فأما الدماء فمعاذ الله أن أسقطها عنك يا ابن الفاعلة بالأمان وقد أجرى الله على لسانك الإقرار عندي يا غلمان اضربوا عنقه فبادر الغلمان إليه بسيوفهم حتى تدحرج رأسه على المائدة وجرت جثته وأتم الراسبي غداءه (اه).

تغير معز الدولة عليه ووفاته

في معجم الأدباء لما كانت سنة 351 لهج معز الدولة بذكر عمان وحدث نفسه بأخذها فأمر المهلبي بالخروج إليها فدافعه ورفع عليه من يزهده فيها فلم يزدد إلا لجاجا وكان أبو محمد أغضب حاشية معز الدولة فإنه ألزمهم تقسيطا في نفقة البناء الذي استحدثه من غير أن يخرج بأحد منهم إلى عسف فأحفظهم فعله فبعثوا معز الدولة على إخراجه فلما ألح عليه ضمن له أن يستخرج من هؤلاء جملة كبيرة يستعين بها في هذا الوجه فمكنه من ذلك بعد أن شرط عليه أخذ العفو وتجنب الإجحاف فقبض على جماعة وأخذ منهم ألفي ألف درهم منها خمسمائة ألف درهم من أبي علي الحسن ابن إبراهيم النصراني الخازن ومعز الدولة على نهاية العناية بأمره والثقة بأنه لا مال له وأظهر أبو علي الفقر وسوء الحال وأنه اقترض المال الذي أداه من الناس فشق ذلك على معز الدولة وظنه حقا واعتد أبو علي عقيب ذلك ومات فاعتقد معز الدولة أن أبا محمد قتله لما عامله به وأقبل عليه يلومه ويحلف له أنه يقيده به فلم يلتفت أبو محمد إلى ذلك وبادر إلى دار أبي علي وقبض على خادم له صغير كان يختصه ويثق به ومناه ووعده فدله على دفين كان لأبي علي في الدار فاستخرج منه عدة قماقم فيها نيف وتسعون ألف دينار وحملها إلى معز الدولة وقال له: هذا قدر أمانة خازنك الذي ظننت أني قتلته باليسير الذي أخذته لك منه وما فيه درهم من ماله وإنما اقترضه من أولادك وحرمك وغلمانك وشنع عليك ثم تتبع أسبابه وأخذ منهم تمام مائتي ألف دينار وقدر أبو محمد أن معز الدولة يمكنه من الحاشية الباقين ويعفيه من الخروج فلم يفعل وجد به جدا شديدا في الانحدار فانحدر في جمادى الآخرة من سنة 352 وتمادت أيامه بالبصرة للتأهب والاستعداد وامتنع العسكر المجرد من ركوب البحر فبلغ معز الدولة ذلك فاتهمه بأنه بعث العسكر على الشغب فكاتبه بالجد والإنكار عليه في توقفه وإلزام المسير ووجد أعداؤه طريقا للطعن عليه واغتنموا تنكر معز الدولة عليه وأقاموا في نفسه أنه انحدر من مدينة السلام وهو لا يعتقد العود إليها وأنه سيغلب على البصرة كما تغلب البريديون وأن العسكر الذي معه والعشائر هناك على طاعة له وعظموا عنده أمواله فتدوخ معز الدولة بأقاويلهم وعرف أبو محمد ذلك فأطلق لسانه فيهم وخرق الستر بينه وبينهم وتطابقت الجماعة في المشورة على معز الدولة بالقبض عليه والاعتياض من أمواله عما يقدر حصوله من عمان وجعلوه على ثقة من أنهم يسدون مسده فمال إلى قولهم وكتب إلى أبي محمد يعفيه من الإتمام إلى عمان ورسم له الانكفاء إلى مدينة السلام وعلم أبو محمد بالحال ووطن نفسه على الصبر وركوب أصعب المراكب فيه وأن يدخل فيما دخل فيه القوم ويتولى هو مصادرة نفسه وأصحابه وخصومه وأعدائه وكان مليا بذلك فهجمت عليه علته التي مات منها وتردد بين إفاقة ونكسة إلى أن وردت الكتب باليأس منه فأنفذ معز الدولة حينئذ أحد ثقاته على ظاهر العيادة له وباطن الاستظهار على ماله وحاشيته فألفاه في طريقه محمولا في محفة كبيرة مملوءة بالفرش الوثيرة ومعه فيها من يخدمه ويعلله ويتناوب في حملها جماعة من الحمالين فلما انتهى إلى زواطا قضى نحبه ومضى لسبيله وسقط الطائر بمدينة السلام ذلك فصودرت الجماعة ووقع السرف في الاستقصاء عليهم فلم يظهر لأبي محمد مال صامت ولا ذخيرة باطنة وبانت لمعز الدولة نصيحته وبطلان التكثيرات عليه وقد كان يصل إليه من حقوق الرقاب في ضياعه وما يأخذه من إقطاعه ويستثني به على عماله مال كثير يستوفيه جهرا من غير أن توقع فيه أمانة ويصرف جميعه في مؤونته ونفقاته وصلاته وهباته وإلى هدايا جليلة كان يتكلفها لمعز الدولة في أيام النواريز والمهاريج وعطف معز الدولة على الجماعة يطالبهم بالضمانات التي ضمنوها فاحتجوا بوفاته ووعدوا بالبحث عن ودائعه وتدافعت الأيام واندرج الأمر فكان الذي صح من مال أبي محمد ومال حرمه وأولاده وأسبابه خمسة آلاف ألف درهم فيها الصامت والناطق والباطن وأثمان الغلات وارتفاع الأملاك والأموال وأموال جماعة من التجار أخذت بالتأويلات وكانت وفاته سببا لصيانته عن عاجل ابتذالهم له وصيانتهم عن آجل بلواهم به وكانت مدة وزارته ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر ووفاته في يوم السبت لثلاث ليال بقين من شعبان سنة 352 وفي معجم البلدان أيضا: قال أبو علي التنوخي كنت في سنة 352 ببغداد فحضر أول يوم من شهر رمضان فاصطحبت أنا وأبو الفتح عبد الواحد ابن أبي علي الحسين بن هارون الكاتب في دار أبي الغنائم الفضل لابن الوزير أبي محمد المهلبي لتهنئته بالشهر عند توجه أبيه إلى عمان وبلغ أبو محمد إلى موضع من أنهار البصرة يعرف بعلي آباذ ففترت نيته عن الخروج إلى عمان واستوحش معز الدولة منه وفسد رأيه فيه واعتل المهلبي هناك ثم أمره معز الدولة بالرجوع عن علي آباذ وأن لا يتجاوزه وقد اشتدت علته والناس بين مرجف بأنه يقبض عليه إذا حصل بواسط أو عند دخوله إلى بغداد وقوم يرجفون بوفاته وخليفته إذ ذاك على الوزارة ببغداد أبو الفضل العباس بن الحسين بن عبد الله وأبو الفرج محمد بن العباس بن الحسين فجئنا إلى أبي الغنائم ودخلنا إليه وهو جالس في عرضي داره التي كانت لأبيه على دجلة على الصراة عند شباك على دجلة وهو في دست كبير عال جالس وبين يديه الناس على طبقاتهم فهنأناه بالشهر وجلسنا وهو إذ ذاك صبي غير بالغ إلا أنه محصل فلم يلبث أن جاء أبو الفضل وأبو الفرج خليفتا أبيه. فدخلا إليه وهنآه بالشهر فأجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره على طرف دسته في الموضع الذي فيه فضلة المخاذ إلى الدست ما تحرك لأحدهما ولا انزعج ولا شاركاه في الدست وأخذا معه في الحديث وزادت مطاولتهما وأمر الفضل يستدعي خادم الحرم فيساره فيمضي ويعود ويخاطبه سرا إلى أن جاءه بعد ساعة فساره فنهض فقال له أبو الفرج: إلى أين يا سيدي فقال: أهني من يجب تهنئته وأعود إليك وكان أبو الفضل زوج زينة ابنة أخت أبي الغنائم من أبيه وأمه تجني فحين دخل واطمأن قليلا وقع الصراخ وتبادر الخدم والغلمان ودعي الصبي وكان يتوقع أن يرد عليه خبر موت أبيه لأنه كان عالما بشدة علته فمسكه أبو الفرج وقال: اجلس اجلس وقبض عليه وخرج أبو الفضل وقد قبض على تجني أم الصبي ووكل بها خدما وختم الأبواب ثم قال للصبي: قم يا أبا الغنائم إلى مولانا يعني معز الدولة فقد طلبك وقد مات أبوك فبكى الصبي وسعى إليه وعلق بدراعته وقال: يا عم الله الله في يكررها فضمه أبو الفضل إليه واستعبر وقال: ليس عليك بأس ولا خوف وانحدروا إلى زبازبهم فجلس أبو الفرج في زبزبه وجلس أبو الفضل في زبزبه وأجلس الغلام بين يديه وأصعدت الزبازب تريد معز الدولة بباب الشماسية فقال أبو الفتح بن الحسين بن هارون ما رأيت مثل هذا قط ولا سمعت لعن الله الدنيا أليس الساعة كان هذا الغلام في الصدر معظما وخليفتا أبيه بين يديه وما افترقا حتى صار بين أيديهما ذليلا حقيرا ثم جرى من المصادرات على أهله وحاشيته ما لم يجر على أحد (اه). وفيما مضى من أخبار هذا الوزير وهذا الملك وغيرهما ما فيه معتبر بل هو عبرة العبر. وقال ابن الأثير في حوادث سنة 352 في هذه السنة سار الوزير أبو محمد المهلبي وزير معز الدولة في جمادى الآخرة في جيش كثيف إلى عمان ليفتحها فلما بلغ البحر اعتد واشتدت علته فأعيد إلى بغداد فمات في الطريق في شعبان وحمل تابوته إلى بغداد فدفن بها وقبض معز الدولة أمواله وذخائره وقبض على أهله وأصحابه وحبهم فاستعظم الناس ذلك واسقبحوه وكانت مدة وزارته 13 سنة و 3 أشهر ونظر في الأمور بعدها أبو الفضل العباس ابن الحسين الشيرازي وأبو الفرج محمد بن العباس ابن فسانجس من غير تسمية لأحدهما بوزارة (اه).

نثره

ما أخرج في اليتيمة من فصوله القصار.

القلب لا يملك بالمخاتلة، ولا يدر بالمجادلة، له أنعام كثير الشهود، وأفضال غزير المدود لم يعلم في أي حتف تورط، وأي شيء تأبط، محامد أقر بها الوافي والغضبان، وأوضحها الدليل والبرهان، كيس البيع رابح الشراء، حسن الأخذ والعطاء، يؤذي صدره ويمنعه النفث، ويجرح خاطره ويعوقه عن البث، لما أجاب أطاب، وتفسح في رحاب الصواب قد ألنت عريكة الدهر له، وكففت غرب الزمان عنه، يفور غيظا ويتميز حقدا ويتلظى غضبا ويزيد حنقا، قد قام بيني وبين وصلك حاجز من فعلك قد ابتذلت جديد وده ، واستحللت حرام صده، حلف يمين بر شهد بها تصديقي واستيقنتها نفسي، قد ترامت به البلدان والأسفار، ونبت عنه الأوطان والأوطان وضاقت به الأوطان والأقطار، تركت قلبه طافحا بوجده، ودمعه سافحا على خده قد أمرته أن يجعل رأيك سراجه، ورسمك منهاجه، وقد شربت وشلا من وده. ولبست سملا من عهده، لأكشفنه لكل ليل بارد ونهار واقد، اكفف عن لحم يكسبك بشما وفعل يعقبك ندما، مستثقل من كراه، ثمل من عناه. لست غفلا عن الدهر فتنكر نوائبه ولا مطيقا له فتدفع مصائبه، قد تناسخت الأيام قواه، وشأبت الحوادث هواه، تبدي وجه المطابق والموافق، وتخفي نظر المسارق والمنافق، لو أن البرق فطنته والريح جنبته والسد سوره لتغشاه حسي واستخرجه طلبي، لما خذلته أنصاره وقطعته أرحامه وقعدت عنه أشياعه أوليته من حمايتي عضدا ومن عنايتي مددا، وجدته أمد يدا من باعه وأبسط قعودا من قيامه، مكن موضع رجلك قبل مشيك، وتأمل عاقبة فعلك قبل سعيك، عصارة لؤم في قرارة خبث، غصن مهصور بالموت معصور بالتراب، قد خفف همه بالشكوى وحل حزنه بالبكاء كما حذيت النعل بالنعل وقد الشراك على المثل. يعدل عن النص إلى الخرص وعن الحس إلى الهجس، في حكمه صارم فصل، وفي يده خادم عدل سديد المذاهب سعيد المناقب نجيح المطالب، دلاء في إقامة ممهدة الحكايا وحركة وطيئة المطايا، دفعه إلى شفير واطلعه على حقير، استدعى حضوري خاليا واستدنى مجلسي مكرما، واستوفى مقالي مصغيا وأعطاني معروفه مسمحا ونزل على مسألتي مسهلا وقضى حاجتي مجملا وصرفني بالنجاح عجلا طيب المغرس زاكي المنبت نضير المنشأ رفيع الفرع لذيذ الثمر، متقلب بين استقبال شباب واستقلال حال وشرخ قصفه وفتاء ظرف، وجدت فيه مصطنعا وبه مستمتعا قد وفر همه على مطعم يجوده ومرقد يمهده أنا أتذمم من استئصال مثلك، واهب جرمك لفضلك، من ضاف الأسد قراه أظفاره، ومن حرك الدهر أراه اقتداره، وجدت فيه مع علو سنه وأخذ الأيام من جسمه بقية حسنة ومتعة حلوة، التصرف أسنى وأعلى والتسليم عفى وأصفى ومهما اخترت من الأمرين أمرا فعنايتي تحرسك فيه ونظري يمكنك منه.

ومن منثور كلامه ما في خاص الخاص للثعالبي قال: وقع الوزير المهلبي في رقعة أبي علي الحامي إليه: قرأت هذه الرقعة التي هي أدق من السحر وأرق من دموع الهجر وأطيب من الغنى بعد الفقر وأدل على فضلك من الصبح على الشمس فمرحبا بها وبكاتبها وماذا عليه لو يكن مكانها. وكتب إلى أبي عثمان الخالدي: وصلت القصيدة وأعجبتني براعة حسنها مع قصر رويها فإن الوزن القصير على الهاجس أضيق من المجال الضنك على الفارس.

حكمه المنثورة

قال الثعالبي في خاص الخاص: قال أبو محمد المهلبي الوزير من تعرض للمصاعب ثبت للمصائب (وله): من حنث في إيمانه وأخل بأمانته فإنما ينكث على نفسه (وله) لو لم يكن في تهجين رأي المفرد وتبيين عجز تدبير الأوحد إلا أن الاستلقاح وهو أصل كل شيء لا يكون إلا بين اثنين وأكثر الطيبات أقسام تؤلف وأصناف تجمع لكفى بذلك ناهيا عن الاستبداد وأمرا بالاستمداد (اه).

أشعاره

مر بعضها عند ذكر أخباره ونذكر هنا باقي ما وصل إلينا منها.

الغزل

في معجم الأدباء: قال الصاحب بن عباد أنشدني الأستاذ أبو محمد المهلبي لنفسه:

وقال ابن خلكان وغيره كان لمعز الدولة مملوك تركي في غاية الجمال يدعى الجامدار فبعث سرية لمحاربة بعض بني حمدان وجعل المملوك المذكور مقدم الجيش فقال فيه الوزير المهلبي:

وكذا كان فإنه ما نجح في تلك الحركة وكانت الكرة عليهم. قال ومن شعره النادر في الرقة قوله:

وقوله كما في المعجم واليتيمة وفي خاص الخاص أنها في مملوك مطرب:

وفي معجم الأدباء قرأت بخط المحسن بن إبراهيم الصابي أنشدني والدي قال أنشدني الوزير أبو محمد المهلبي لنفسه.

وقد صدق فإن هؤلاء الوزراء كسائر أرباب الدولة لم يكن لهم هم إلا قضاء شهواتهم ولا يبالون بشيء من أمور المسلمين كما أن من تسمى باسم الخلافة في عمرهم هو كذلك (إذا كان رب البيت بالطبل ضاربا) وفي معجم الأدباء من محمد بن عبيد الله بن سكرة الهاشمي من ولد المهدي (العباسي) أنه قال خرجت إلى الأهواز قاصدا للوزير أبي محمد الحسن بن محمد المهلبي مادحا له فلما وصلت إليه أنشدته:

وانصرفت فلما كان من الغد استدعاني وأنشدني لنفسه في غلام عليه ثوب أحمر:

وإنما أبدع في هذا المعنى ديك الجن فقال:

وقال أيضا:

وقال الصوري:

قال الصاحب فيما حكاه صاحب اليتيمة عن كتاب الروزنامجة كان فيما أنشدني الوزير المهلبي لنفسه في غلام.

وعن محاضرات الراغب قال الصاحب -ابن عباد- حضرت الوزير المهلبي يوما وقد جاءه خادم عن المطيع وفي يده رقعة وفيها غني لنا بيتان وهما:

فاجعلها أربعة أبيات فقال لي تفضل فقلت:

ما أخرجه صاحب اليتيمة من شعره في الغزل

فمن ذلك قوله:

وقوله:

يا منى نفسي ويا حسب_ي من حسب وطيب

وله في غلام اسمه غريب:

وقوله:

وله في غلام ناقه من علته.

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

ما أخرجه صاحب اليتمية من شعره في جاريته تجني من ذلك قوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

وقوله:

ما قاله في عمه أبي عيينة وصاحبته دنيا.

في اليتيمة عن الصابي أن أبا عيينة المهلبي الذي استفرغ نسيبه في صاحبته دنيا من عمومة الوزير المهلبي وكان المهلبي يحفظ أكثر أشعاره ويتأسف على ما فاته من زمانه فمن ذلك قوله:

وقوله لما تقلد الوزارة.

الصفات

قال يصف الصيد.

وقال يصف الرياض والثلج:

وقال في نحو ذلك.

وقال كما في معجم الأدباء.

وقال كما في فوات الوفيات.

الحماسة

قال كما في اليتيمة.

في الحساد

قال كما في اليتيمة:

وقال كما في معجم الأدباء.

شكوى الزمان

قال:

قال ابن خلكان: ومن المنسوب إليه في وقت الإضافة من الشعر ما كتبه إلى بعض الرؤساء وقيل إنهما لأبي نواس.

وفي معجم الأدباء حدث أبو محمد المهلبي قال كنت أيام حداثتي وقصر حالي وصغر تصرفي أسكن دارا لطيفة ونفسي مع ذلك تنازع في الأمور العظيمة إلا أن الجد قاعد والمقدور غير مساعد فأصبحت يوما وقد جاء المطر وازدادت الحجرة إظلاما وصدري بها ضيقا فقلت:

وقال كما قي فوات الوفيات:

الإخوانيات

قال لأبي إسحاق الصابي كما في اليتمية:

وله كما في معجم الأدباء:

وكتب الوزير المهلبي إلى الصاحب بن عباد:

ما أخرج من اليتمية من شعره في وصف كتب ابن العميد.

فمن ذلك قوله:

وله في مثل ذلك:

وقوله:

وقوله:

ما أخرج في اليتيمة من فصوله المردفة بأبيات الشعر.

(فصل) رأيته فصيح الإشارة لطيف العبارة.

فصل قد نظرته فرأيته جسما معتدلا وفهما مشتعلا.

فصل قد عمهم بنعمه وغمرهم بشيمه.

فصل كأن قلبه عين وكأن جسمه سمع.

فصل قد لاقت مناهجه وراقت مباهجه.

فصل قد اغتيل كمينه واجتيح عرينه.

فصل قد أدبته بزجرك وهذبته بهجرك.

فصل قد ضيعه الجملة ومنعه المهلة.

فصل مضطرب اللسان منتفض البيان.

فصل من تعرض للمصاعب فليتثبت للمصائب.

فصل وصلة متينة وقاعدة مكينة.

فصل أنه جريح سيفك وطريح خيفك.

فصل قد كثرت فتوقه واتسعت خروقه.

فصل قد خبا قبسه وكبا فرسه.

فصل ربما وفي ضنين وهفا أمين.

فصل قد حل بربح مأنوس وملك محروس.

فصل لئن فخر بعز لم يحضره وبيت لم يعمره.

فصل قتل الإنسان ظلم وقتل قاتله حكم.

فصل استقر بساحة خضرة واستبد بعيشة نضرة.

فصل عادل المكيال وازن المثقال.

فصل فإنهم بشاة تجهمهم وسرعة تهجمهم.

فصل قد علقت منه بحبل منهوك وستر مهتوك.

فصل أوحشت عني أبعادا لك وانعطافا عنك.

الحكم والمواعظ

قال كما في اليتيمة:

#يا عارفا بالداء مطرح السؤال عن الدواء #العلم عندي كالغذاء فهل نعيش بلا غذاء

وقال:

وقال:

وقال:

وقال:

مدحه

في فوات الوفيات: قال أبو إسحاق الصابي كنت يوما عند الوزير المهلبي وقد أخذ ورقة وكتب فيها فقلت بديها:

رثاؤه

لما مات رثاه أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن الحجاج الشاعر المشهور بقوله:

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 5- ص: 271