الشيخ حسن ابن الشيخ محمد السبيتي العاملي الكفراوي توفي سنة 1289.
(السبيتي) بلفظ المصغر أصله السبتي نسبة إلى سبته من بلاد المغرب لأن أصلهم منها جاؤوا من عهد غير بعيد إلى بلاد صفد ثم انتقلوا منها إلى خرائب أرزيه ثم إلى كفرة وتوطنوها إلى اليوم.
كان عالما فاضلا أديبا شاعرا يتعاطى الطب ذكره الشيخ محمد آل مغنية في كتابه جواهر الحكم فقال قرأ مع أخيه الشيخ علي وخاله الشيخ محمد علي عز الدين في جبل عاملة عند الشيخ حسن مروة ثم عند السيد علي آل إبراهيم ثم توجه إلى العراق فاستقام مدة مديدة يشتغل وأخوه الأكبر الشيخ علي بعاملة يمده بالدراهم ثم عاد إلى بلاده عالما فاضلا محققا مدققا من العلماء الأبدال المبرزين لم يلف مثله في عاملة في جودة القريحة وحدة الفطنة وشدة الذكاء وفي النحو سيبويه زمانه ومع فضله وغزارة علمه كان ريض النفس كريم الأخلاق كرمه يحاكي الغيث عند انسجامه وكان أبي النفس ما تنازل للدنيا ولا سلمها زمام قياده عالي الهمة شريف النفس عفيفا وقورا مهيبا جليلا ألوفا مناصحا باذلا كريما متلافا ومهما كانت القضايا وعظمت فهو حلال مشكلاتها كشاف معضلاتها كم وكم من وافد عليه خرج من عنده موفورا وكم وكم أغاث ورد الظلامة عن أقوام وأرجع الحق للآخرين وكان يتعاطى الطبابة وظهرت له فيها إصابات غريبة دلت على معرفته وجود قريحته وشفي على يده جماعة من عضال الداء وسمعته بصور قال عن مريض أن مرضه انتقل إلى درجة لا يمكن معها الصحة ولا يعيش أكثر من عشرين يوما فكان كما قال ولما توفي حضرت جنازته واجتمع فيها خلق كثير وكان يوما مشهودا (اه) سافر إلى العراق مع خاله الشيخ محمد علي آل عز الدين وذكره أخوه الشيخ علي ابن الشيخ محمد السبيتي في بعض مجاميعه أنه أرسل إلى أخيه وخاله المذكورين أيام اشتغالهما بالعراق بكتاب فيه نثر وشعر وذلك في 16 شوال سنة 1263 قال وفي تلك السنة كانت الحرب بين عرب عنزة بين محمد السمير ونايف الشعلان ومن جملة القصيدة قوله :
ألا هل ترجع الأيام دهرا | ولو نفسي تفيض على البشير |
ودون مناي ظن ليس يصحو | وجمع الشمل في كف القدير |
فما هجهجت عن بالي هموما | جهلت لها المساء من البكور |
تمسك بالوصي أبي حسين | وبالسبطين شبر مع شبير |
يا أيها الخل الذي بفخاره | وبمجده قد طاول الأفلاكا |
والماجد الندب الذي مهما تكل | يوما إليه من الأمور كفاكا |
المخلص النائي إذا استغـ | ـنيت والداني إليك إذا الملح لحاكا |
والصادق الود الذي بصفاته | ووفائه أعيا الورى إدراكا |
الحافظ العهد الذي أملكته | ودي على طول المدى أملاكا |
المجتبى الحسن الفعال ومن إذا | خطب عراك بنفسه واساكا |
إني لأمنحك المحبة والوفا | أبدا وإن عذبتني بنواكا |
ما ذقت طارقة النوى في هجرتي | وأبيك إلا حين شط حماكا |
أبغي الأنيس فلا أرى لي مؤنسا | إلا التردد حيث كنت أراكا |
خل يحن إليك مذ فارقته | لولا عوائقه سرى مسراكا |
يا ليت شعري يا أخي هل الذي | يوم الودع شجا أخاك شجاكا |
هيهات لست أرى كقلبي رقة | وصفا وإن كنت الجدير بذاكا |
تنسى السلام وما بلغت أخي إلى | دار السلام فما الذي أنساكا |
ما ذاك إلا أن أسباب الهوى | كانت ظواهر لم تنط بحشاكا |
هذا ولم ترد الشآم فكيف لو | وافيتها ولك الخليط هناكا |
سرعان ما تسلو الخليل فعاذر | من قال ما أجفاك ما أجفاكا |
لكنني وأخائك المحفوظ لا | أسلوك لا أجفوك لا أنساكا |
فعسى الإله كما قضى بالنأي من | بعد النوى يقضي لنا بلقاكا |
وسقى المهيمن عهدك الماضي وإن | أظمى الفؤاد مضيه وسقاكا |
وعليك بل وعلى البلاد وأهلها | مني السلام بقدر ما أهواكا |
يا ماجدا ساد الورى بكماله | وبمجده قد طاول الأفلاكا |
والسيد الندب الكريم متى ترد | يوما إليه من الأمور كفاكا |
والحافظ الواعي إذا أنسيـ | ـت والداني إليك إذا الملح لحاكا |
والعالم الحبر الذي بسنائه | وصفاته أعيا الورى إدراكا |
الكاظم الغيظ الوفي ومن إذا | خطب عراك بنفسه وأساكا |
لا أبتغي خلا سواك ولا هوى | أبدا وإن عذبتني بنواكا |
ما كنت أدري بالصبابة والهوى | وأبيك إلا حين شط حماكا |
وأروم طيفك في المنام فلا أرى | إلا التردد حيث كنت أراكا |
صب يؤرقه النوى من بعدكم | لولا عوائقه سرى مسراكا |
قسما بخالص عهدنا إن الذي | يوم الودع شجا أخاك شجاكا |
تالله لست أرى لغيرك موثقا | وصفا وإن كنت الجدير بذاكا |
ما ساءني إن قلت ما بلغ المدى | دار السلام فما الذي أنساكا |
فرعيت عهدي لا أرى أسبابه | كانت ظواهر لم تنط بحشاكا |
وتقول مقصدك الشآم فهل إذا | وافيتها ولك الخليط هناكا |
ترعى مواثيق العهود وعاذل | من قال ما أجفاك ما أجفاكا |
قسما بصادق ودك المحفوظ لا | أجفوك لا أسلوك لا أنساكا |
فعسى الزمان كما قضى بالبعد من | بعد اللقا يقضي لنا بلقاكا |
وعليك بل وعلى الأولى نقضوا الولا | مني السلام بقدر ما أهواكا |
أيا سيدا أدنى مآثره الوفا | وأكرم من تنمى إليه المكارم |
لكم قصبات السبق في كل موقف | وما أنتم إلا البحور الخضارم |
فلا غرو إن قلدتني بفرائد | لها القلم الجاري بكفك ناظم |
عداك عتابي لم أكن عنك ساليا | ولم أتخذ خلا سواك ينادم |
ولست كمن ضاعت حقوقي لديهم | فعهدك محفوظ وودك دائم |
وما ضرني من قال عني أنني | جفوت وهل من ألسن الناس سالم |
هواي مع الركب الشآمي مصعد | جنيب وجسمي بالعراق مقيد |
أقول لإلف أمه كنت آنسا | به وحسام البين عني مغمد |
لك الخير أنى سرت عنه وليس لي | سواك أخ بر على الدهر مسعد |
رحلت و للأحشاء مني تلهف | عليك وآماق تجود وترفد |
فيا أيها الخل الذي سار ظاعنا | تغور به الوجناء طورا وتنجد |
أتدري رعاك الله إني بعدما | ترحلت عني مستهام مسهد |
أخو فكر أرعى النجوم كأنني | عليها رقيب والخلائق هجد |
أروح بهم ثم أغدو بمثله | وجمر الغضى في مهجتي يتوقد |
وإن فؤادي مذ تناءيت موثق | لديك وجسمي بالغريين مصفد |
حليف ضنا لم تبق فيه بقية | سوى نفس في صدره يتردد |
وخفف ما بي من جوى وصبابة | كتاب أتى بالدر منك منضد |
تناط بأمثال اللآلي فصوله | وألفاظه منها على السمع أعود |
فنظم يروح ابن العميد بحسنه | عميدا وفرسان البلاغة شهد |
وغير عجيب أن ناظم عقده | على مثله منا الخناصر تعقد |
ولا بغريب أن ناسج برده | جواد بميدان الفصاحة أوحد |
أخو فطنة كالسيف والسيف صارم | وذو فكر كالبحر والبحر مزبد |
أما وعهود للتصافي قديمة | وميثاقها عندي وثيق مؤكد |
وعقد إخاء شده الله بيننا | وبينك يبلى الدهر وهو مجدد |
لئن عاد لي دهري بقربك ثانيا | فتلك المنى والعود يا رب أحمد |
هنالك عني تنجلي كل كربة | رمتني على عمد بها للنوى يد |
وأغدو وأمسي ناعم البال في أخ | على الدهر لي منه حسام مهند |
فلا زال ماكر الزمان موفقا | لنهج الهدى والحق يهدي ويرشد |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 5- ص: 252