أبو محمد الحسن ابن أبي الهيجاء عبد الله ابن حمدان التغلبي العدوي الحمداني الملقب ناصر الدولة صاحب الموصل أخو سيف الدولة

توفي في ربيع الأول سنة 358 عن نحو ستين سنة ودفن بتل توبة شرقي الموصل.

مر الكلام على بني حمدان عموما في ترجمة أبي فراس الحارث بن سعيد الحمداني والمترجم كان من أشهر أمرائهم كان أميرا بالموصل ونواحيها جليلا ممدحا ذائع الصيت وهو أخو سيف الدولة وأكبر منه سنا وله مكانة عظيمة في دولة بني العباس.

تشيعه

في مجالس المؤمنين: تشيعه وجميع سلسلته مستغن عن البيان وكان في خدمة الشيخ الأجل محمد بن محمد ابن النعمان المفيد يستفيد أصول الدين وفروعه ويزيد في إعزاز الشيخ وإكرامه وصنف الشيخ باسم ناصر الدولة رسالة في الإمامة كما ذكرناه في المجلس الخامس عند تفصيل كتب المفيد اه. ولكن الذي ذكره في كتب المفيد هو كتاب الرسالة إلى الأميرين أبي عبد الله وأبي طاهر ابني ناصر الله وله في مجلس جرى في الإمامة اه.

سمو أخلاقه

ومن أخلاقه العالية ما حكاه الثعالبي في خاص الخاص قال: سخط ناصر الدولة أبو محمد الحمداني على كاتب له مره بلزوم منزله وأجرى عليه مشاهرته فقيل له في ذلك فقال: أن الملوك يؤدبون بالهجران ولا يعاقبون بالحرمان.

أخباره

قال ابن الأثير في حوادث 314 فيها أنسد الأكراد العرب بأرض الموصل وطريق خراسان وكان عبد الله ابن حمدان يتولى الجميع وهو ببغداد وابنه ناصر الدولة بالموصل فكتب إليه أبوه يأمره بجمع الرجال والانحدار إلى تكريت ففعل وسار إليها فوصلها في شهر رمضان واجتمع بأبيه وأحضر العرب وطالبهم بما أحدثوا في عمله (الخبر).

وقال ابن الأثير في حوادث سنة 317 فيها منتصف المحرم وقعت فتنة بالموصل فركب أمير الموصل الذي لقب بعد بناصر الدولة ليسكن الناس فلم يسكنوا ولا كفوا ثم دخل بينهم ناس من العلماء وأهل الدين فأصلحوا بينهم قال: وفيها أقر المقتدر بالله ناصر الدولة الحسن ابن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان على ما بيده من أعمال باقردي وبازبدا وعلى إقطاع أبيه وضياعه. وفيها في شعبان ظهر بالموصل خارجي يعرف بابن مطر وقصد نصيبين فسار إليه ناصر الدولة ابن حمدان فقاتله فأسره وفيها قلد نحرير الصغير أعمال الموصل فسار إليها فمات بما في هذه السنة ووليها بعده ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان في المحرم من سنة 318 وفي حوادث سنة 318 قال فيما في ربيع الأول عزل ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان عن الموصل ووليها بعده سعيد ونصر وولي ناصر الدولة ديار ربيعة ونصيبين وسنجار والخابور ورأس عين ومعها من ديار بكر ميافارقين وارزن ضمن ذلك بمال مبلغه معلوم فسار إليها.

خبره مع مؤنس المظفر

كان مؤنس هذا من أمراء بني العباس وقوادهم من الموالي قال ابن الأثير في حوادث سنة 320 فيها في المحرم سار مؤنس المظفر إلى الموصل مغاضبا للمقتدر فكتب الحسين بن القاسم الوزير إلى سعيد وداود ابني حمدان وإلى ابن أخيهما ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان يأمرهم بمحاربة مؤنس وصده عن الموصل فاجتمع بنو حمدان في ثلاثين ألفا فانهزم بنو حمدان وعاد إليه ناصر الدولة فصار معه وأقام مؤنس في الموصل تسعة أشهر ثم انحدر إلى بغداد وفي تجارب الأمم لابن مسكويه ص 233 أن مؤنسا لما استوحش من المقتدر وعزم على الانصراف إلى الموصل كتب الحسين بن القاسم (وزير المقتدر) إلى داود وسعيد ابني حمدان والحسن بن عبد الله بن حمدان (ناصر الدولة) بمحاربته ودفعه عن الموصل. في صلة عريب لكامل ابن الأثير: ونفذت كتب الوزير عن المقتدر إلى جمير من بالغرب من القواد كبني حمدان وصاحب دمشق وصاحب مصر وولاة ديار وبيعة والجزيرة وأذربيجان وأرمينية والشامية بأخذ الطرق على مؤنس ومن معه ومحاربتهم ثم أن مؤنسا فكر في أمره فلم يجد أوثق عنده وأشكر ليده من بني حمدان وفي تجارب الأمم فامتنع داود بن حمدان من قتال مؤنس لإحسانه إليه إحسانا عظيما جدا فما زال أهله به حتى غيروا رأيه على تكره شديد. وفي صلة عريب أن داود أرسل رسولا إلى مؤنس عنه وعن رؤساء بني حمدان بأنهم شاكرون لنعمته ولا يدرون كيف الخلاص هما وقعوا فيه فإن أطاعوا سلطانهم كفروا نعمة مؤنس إليهم وإن أطاعوا مؤنسا نسبوا إلى الخلع وسألوه العدول عن بلدهم فأجابهم مؤنس قد كنت ظننت بكم غير هذا فإذا خالفتم الظن فليس إلى العدول عنكم سبيل وأرجو أن إحساني إليكم سيكون من أنصاري عليكم وخذلانكم غير صارف لفضل الله عني وباكر مؤنس السير فالتقت مقدمته مع مقدمة بني حمدان فقتل من مقدمة بني حمدان جماعة وأسر نحو ثلاثين رجلا ووقع القتال بين عسكر مؤنس وعسكر بني حمدان وكان مع مؤنس 843 فارسا و 630 راجلا كان بنو حمدان في عساكر عظيمة فانكسر عسكر بني حمدان وأبو السرايا إلى بغداد مستنجدين وانحاز الحسن بن عبد الله ابن حمدان (ناصر الدولة المترجم) إلى جبال معلثايا واجتمع إليه بها بعض غلمانه وغلمان أهله فسار إليه بعض أصحاب مؤنس فهزمه وفرق جمعه وعبر الحسن إلى الجانب الغربي هاربا مفلولا ثم استأمن إلى مؤنس لما ضاقت به الأرض وانقطع رجاؤه من إمداد السلطان فأمنه مؤنس وفرح بقدومه وقال له: نحسن في ضيافتك منذ سبعة أشهر علي كره لك فشكره الحسن اه. وقال ابن الأثير في حوادث سنة 321 فيها اجتمعت بنو ثعلبة إلى بني أسد القاصدين إلى أرض الموصل ومن معهم من طيء فصاروا يدا واحدة على بني مالك ومن معهم من تغلب وقرب بعضهم من بعض للحرب فركب ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان في أهله ورجاله ومعه أبو الأغر ابن سعيد بن حمل أن للصلح بينهم فتكلم أبو الأغر فطعنه رجل من حزب بني ثعلبة فقتله فحمل عليهم ناصر الدولة ومن معه فانهزموا وقتل منهم وملكت بيوتهم وأخذ حريمهم وأموالهم ونجوا على ظهور خيولهم وتبعهم ناصر الدولة إلى الحديثة.

قتل ناصر الدولة عمه سعيد بن حمدان والد أبي فراس

قال ابن مسكويه في تجارب الأمم وابن الأثير في حوادث سنة 323 فيها قتل ناصر الدولة أبو محمد الحسن ابن عبد الله بن حمدان عمه أبا العلاء سعيد بن حمدان وسبب ذلك أن أبا العلاء ضمن الموصل وديار ربيعة سرا وخلع عليه وكان بها ناصر الدولة ابن أخيه أميرا فسار عن بغداد في خمسين غلاما من غلمانه وأظهر أنه متوجه ليطلب من ابن أخيه ما عليه من مال الضمان للخليفة ولما عرف ابن أخيه خبر موافاته خرج من الموصل مظهرا أنه خرج لتلقيه واعتمد أن يخالفه في الطريق فلا يراه فوصل أبو العلاء ودخل دار ابن أخيه وسأل عنه فقيل أنه خرج إلى لقائك فقعد ينتظره فلما علم ناصر الدولة بحصوله في الدار أنفذ جماعة من غلمانه فقبضوا عليه وقيدوه ثم أنفذ جماعة غيرهم فقتلوه ولما قتل ناصر الدولة عمه أبا العلاء واتصل الخبر بالراضي عظم ذلك عليه وأمر أبا علي بن مقلة الوزير بالمسير إلى الموصل والإيقاع بناصر الدولة قال ابن مسكويه في تجارب الأمم: ذكر أن أبا الحسن علي بن عيسى كتب إلى ناصر الدولة عن الراضي بالانفراج عن ضمانه وأن لا يحمل شيئا إلى الحضرة من ماله وأن يمنع من حمل المسيرة إلى بغداد فأخذ أبو علي بن مقلة الوزير خط علي بن عيسى بذلك وأشهد عليه وبعث بالكتاب إلى الراضي فبعث الراضي فحمل علي بن عيسى إلى الوزير أبي علي فلم يأذن بدخوله عليه واعتقله في حجرة من داره وصادره على خمسين ألف دينار فيقال أن طليبا الهاشمي كان قال لعلي بن عيسى عن الراضي أن يكاتب ناصر الدولة ويتوسط بينهما على أن يحمل ناصر الدولة إلى الراضي سرا سبعين ألف دينار في نجوم وشرط عليه ناصر الدولة أن يحميه ويقره على ضمانه ولا يقبل زيادة عليه فحمل بعض تلك النجوم وأخر الباقي وأنكر الخليفة كل ما جرى وذكر أنه لم يصل إليه شيء فدل ذلك على فساد الأمور وأن الوسطاء كانوا يحتالون للحصول على الأموال والخليفة لا علم له وسار الوزير إلى الموصل بالعساكر وخلف ابنه أبا الحسن وكيلا عنه في الوزارة وتدبير الأمور وكان قبل شخوصه أطلق أبا الحسن علي بن عيسى وأخرجه إلى ضيعته بالصافية. ولما قرب الوزير أبو علي من الموصل رحل عنها ناصر الدولة ودخل بلد الزوزان وتبعه الوزير إلى جبل التنين ثم عاد عنه وأقام بالموصل يجبي مالها ويستلف من التجار فجمع منها أربعمائة ألف دينار ولما طال مقامه بها احتال سهل بن هاشم كاتب ناصر الدولة فبذلك لأبي الحسين ابن الوزير أبي علي ونائب أبيه في الوزارة ببغداد ليكتب إلى أبيه يستدعيه فكتب إليه أن الأمور بالحضرة قد اختلفت وإن تأخرت لم نأمن من حدوث ما يبطل به أمرنا فانزعج الوزير لذلك واستعمل على الموصل علي بن خلف ابن طناب (طباب) على أعمال الخراج بالموصل وديار ربيعة وقلد ماكرد الديلمي أعمال المعاون بها وتقدم بتوفية التجار ما أستسلفه منهم وانحدر إلى بغداد وكان قبل أن ينحدر من الموصل كتبه إلى ولده بإزالة التوكيل عن علي بن عيسى وأن يكتب إليه أجمل خطاب ويخيره بين الانصراف إلى مدينة السلام والمقام بالصافية ففعل وسبب ذلك أن الوزير أبا علي كان كتب إلى ناصر الدولة يدعوه إلى الطاعة ويسأل له الأمان فقال للرسول ليس بيني وبين هذا الرجل - يعني ابن مقلة - عمل ولا أقبل ضمانه لأنه لا عهد له ولا وفاء ولا ذمة ولا أسمع منه شيئا إلا أن يتوسط علي بن عيسى بيني وبينه ويضمن لي عنه فهذا الذي دعا الوزير إلى الإحسان إلى علي ابن عيسى. فلما فارق الوزير الموصل عاد ناصر الدولة إليها من الزوزان وحارب ماكرد الديلمي فانهزم ناصر الدولة ثم عاد وجمع عسكرا آخر فالتقوا على باب الروم من أبواب نصيبين فانهزم ماكرد إلى الرقة وانحدر منها في الفرات إلى بغداد وانحدر أيضا ابن طباب (طناب) واستولى ناصر الدولة على الموصل وديار يضمن البلاد فأجيب ابن خالويه في شرح وبيعة وكتب للخليفة يسأله الصفح وأن إلى ذلك واستقرت البلاد عليه اه. قال ابن خالويه في شرح ديوان أبي فراس كان أبو ثابت الخبيبي العلاء بن عمرو هو وأهل بيته أعداء لأهل هذا البيت بني حمدان فظافر ماكرد الديلمي بنصيبين وجمع عشيرته فسار إليهم الأميران (ناصر الدولة وسيف الدولة) وأبو عبد الله (الحسين بن سعيد بن حمدان أخو أبي فراس) فأوقعوا بهم وقتل العلاء وماكرد وفي ذلك يقول أبو فراس في رائيته الطويلة:

استيلاء ناصر الدولة على أردبيل وأذربيجان

يظهر من ديوان أبي فراس ومن ابن خالويه في شرح ديوان أبي فراس أن ناصر الدولة استولى على أردبيل وأذربيجان بواسطة ابن عمه الحسين بن سعيد أخي أبي فراس قال ابن خالويه في شرح ديوان أبي فراس سار أبو عبد الله الحسين ابن أبي العلاء سعيد بن حمدان إلى آذربيجان بمجموعة وبها رستم بن سارية الساري فلقيه في مجموعه فهزمه الحسين واستقامت له آذربيجان اه. وفي ذلك يقول أبو فراس في رائيته المشهورة:

أخذ آذربيجان من ناصر الدولة

قال ابن الأثير في حوادث سنة 326 فيها تغلب لشكري ابن مرد على آذربيجان وكان بها يومئذ ديسم بن إبراهيم الكردي فهزمه لشكري وامتنع عليه أهل أردبيل وأرسلوا إلى ديسم يعرفونه الحال وواعدوه يوما يخرجون فيه إلى قتال لشكري ويأتي من ورائه ففعل وانهزم لشكري أقبح هزيمة ثم جمع عسكرا وسار نحو ديسم فانهزم ديسم وقصد وشمكير بالري فسير معه عسكرا وكاتب عسكر لشكري وشمكير بأنهم معه ومتى رأوا عسكره صاروا معه على لشكري فظفر لشكري بالكتب فلما قرب منه عسكر وشمكير سار إلى بلاد الأرمن قاصدا الموصل فنهب أرمينية وسبى ثم أن أرمينيا كمن له كمينا في مضيق فقتله وعاد عسكره وولوا عليهم ابنه لشكرستان وأرادوا قصد بلاد طرم الأرمني ليدركوا ثأرهم فمنعهم طرم وقتل الكثير وسار لشكرستان ومن سلم معه إلى ناصر الدولة بن حمدان بالموصل فأقام بعضهم عنده وانحدر بعضهم إلى بغداد فسير إلى الذين أقاموا عنده مع ابن عمه أبي عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان إلى ما بيده من أذربيجان لما أقبل نحوه ديسم ليستولي عليه وكان أبو عبد الله من قبل ابن عمه ناصر الدولة على معاون آذربيجان فقصاه ديسم وقاتله فلم يكن لابن حمدان به طاقة ففارق أذربيجان واستولى عليها ديسم.

أخبار ناصر الدولة مع الراضي

قال ابن مسكويه وابن الأثير في حوادث سنة 327 في هذه السنة في المحرم سار الراضي بالله وبجكم ومعهما قاضي القضاة إلى الموصل وديار ربيعة لأن ناصر الدولة ابن حمدان أخر المال الذي عليه من ضمان البلاد التي بيده فاغتاظ الراضي منه بسبب ذلك فلما بلغوا تكريت أقام الراضي بها وأنفذ بجكم إلى الموصل في الجانب الشرقي من دجلة فتلقته زوارق أنغذها ناصر الدولة فيها دقيق وشعير وحيوان هدية إلى الراضي فأخذها بجكم وفرق ما فيها على حاشيته وأصحابه وعبر فيها إلى الجانب الغربي فلقيه ناصر الدولة بالكحيل على ستة فراسخ من الموصل فاقتتلوا أشد القتال فانهزم أصحاب بجكم ثم حمل بجكم بنفسه على ناصر الدولة حملة صادقة فانهزم هو وأصحابه وساووا إلى نصيبين وتبعهم بجكم فلما بلغ نصيبين سار ابن حمدان إلى أمد وكتب بجكم إلى الراضي بالفتح فسار من تكريت في الماء يريد الموصل وظهر ابن رائق من استتاره واستولى على بغداد فكتب الراضي إلى بجكم بذلك فعاد عن نصيبين فسار ناصر الدولة من آمد إلى نصيبين فاستولى عليها وعلى ديار ربيعة وتسلل أصحاب بجكم إلى بغداد وأنفذ ابن حمدان قبل أن يتصل به خبر ابن رائق بطلب الصلح ويعجل خمسمائة ألف درهم ففرح بجكم وجاءه الفرج بأن ابتدأ بنو حمدان بطلب الصلح وكان فكر في تسليم الموصل والانحدار إلى بغداد لدفع ابن رائق فركب من وقته وأنهى ذلك إلى الراضي فامتنع الراضي لشدة غيظه على ناصر الدولة فعرفه أن الصواب في إجابته والمبادرة إلى بغداد فأجاب إليه وأنفذ بجكم من يومه بالخلع واللواء إلى ناصر الدولة وأنفذ القاضي ابن أبي الشوارب ليستحلف ناصر الدولة ويقبض مال التعجيل فاستحلفه ورجع بالمال وانحدر الراضي وبجكم إلى بغداد وقال أبو بكر الصولي في كتاب الأوراق كان الراضي قبل خروجه يذكر أمر نهوضه فنشير عليه أن لا يفعل فلم يقبل وكرهت العامة خروج السلطان إلى الموصل لمحبتهم لناصر الدولة وعنايته بإنفاذ الدقيق إليها ولبره بالأشراف وما تصدق على الضعفاء بسر من رأى وبغداد ولكفاية أخيه سيف الدولة على الناس أمر الثغور والغزو وعنايته بغزو الصائفة وغيرها ووردت كتب ناصر الدولة إلى الراضي وإلى بحكم يضمن لهما أكثر مما ظن أنه يبذله له وأشارت عليه بالرجوع فلم يقبل.

أخبار ناصر الدولة مع ابن رائق

كان أبو بكر محمد بن رائق قد ملك الشام من الأخشيدية في خلافة الراضي وفي سنة 329 عاد من الشام إلى بغداد في خلافة المتقي وصار أمير الأمراء - وأمير الأمراء بمنزلة القائد الأعلى للجيوش - قال ابن الأثير وسبب ذلك أن الأتراك البجكمية لما ساروا إلى الموصل لم يروا عند ابن حمدان ما يريدون فساروا نحو الشام إلى ابن رائق وكان فيهم من القواد تورون وغيرهم فأطمعوه في العود إلى العراق ثم وصلت إليه كتب المتقي يستدعيه فاستخلف على الشام وسار عنها فلما وصل إلى الموصل تنحى عن طريقه ناصر الدولة ابن حمدان فتراسلا واتفقا على أن يصطلحا وحمل إليه ابن حمدان مائة ألف دينار.

وفي مروج الذهب: لما أفضت الخلافة إلى المتقي غلب على الأمر أبو الوفاء تورون التركي واشتد أمر البريديين بالبصرة وصار لهم جيشان جيش في الماء في الشذرات والطيارات والسماويات والدبادب وهذه أنواع من المراكب يقاتل فيها صغار وكبار وجيش في البر عظيم فانحدر تورون إلى واسط لحرب البريديين وكانوا ملكوا واسط فكانت بينهم سجالا والمتقي لا أمر له ولا نهي اه. وقال ابن الأثير في حوادث سنة 330 أن أبا عبد الله البريدي استولى على بغداد وأرسل أخاه أبا الحسين.

هرب المتقي إلى الموصل واستجارته

بسيف الدولة وناصر الدولة ومعه

ابن رائق والوزير ابن مقلة في المرة الأولى

قال ابن خالويه في شرح ديوان أبي فراس: قد ذكرت من الأخبار التي أوردها أبو فراس في شعره ما حدثني به الثقات ممن شاهد تلك الأحوال وإن كانت مآثر ابني حمدان ومن تبعهما من بنيه لا تحتاج إلى إقامة دليل وأنا الآن أذكر بمشاهدتي ومشاهدة أهل هذا العصر وذكره أبو فراس. سيفه الدولة وناصر الدولة وما فعلاه عند استجارة المتقي بهما وذلك أن البريديين لما هزموا محمد بن رائق وفتحوا بغداد ونهبوا دار الخلافة خرج المتقي ومحمد بن رائق والوزير ابن مقلة هاربين فتلقاهم سيف الدولة بتكريت بالتكريم وحمل إلى جميعهم ما عمهم من الأموال وغير ذلك وسار بهم إلى أخيه ناصر الدولة فأجار المتقي وقاما بنصرته وقد كان يروي خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام: كأني ببني العباس على ظهور الأفراس يستنجدون العرب سائر الناس وقد غلبهم (غلب عليهم) عبيد بني أغنام غصبوهم الكرامة فما يجيرهم إلاهم. فكان سيف الدولة يقول صدق أمير المؤمنين صلوات الله عليه لقد جهدت في المتقي وفي ابنه أن يركبا العماريات والمهارى فأبيا إلا ظهور دوابهما ثم سار بهم إلى الموصل فقام ناصر الدولة بنصرته فسماه ناصر الدولة وقال الشاعر:

وسار سيف الدولة بين يديه إلى أن هزم البريديين وفتح بغداد فسماه سيف الدولة اه. وقال ابن الأثير في حوادث سنة 330 أنه لما استولى البريديون على بغداد هرب الخليفة وابن رائق من بغداد وكان المتقي قد أنفذ إلى ناصر الدولة يستمده على البريديين فأرسل أخاه سيف الدولة علي ابن عبد الله بن حمدان نجدة له في جيش كثيف فلقي المتقي وابن رائق بتكريت خدمة عظيمة وسار معه إلى الموصل فغارقهما ناصر الدولة إلى الجانب الشرقي - كأنه خاف على نفسه من ابن رائق وتوجه نحو معلثايا وترددت الرسل بينه وبين ابن رائق حتى تعاهدا واتفقا فحضر ناصر الدولة ونزل على دجلة بالجانب الشرقي.

قتل ابن رائق

فعبر إليه الأمير أبو منصور ابن المتقي وابن رائق يسلمان عليه فنثر الدنانير والدراهم على ولد المتقي فلما أرادوا الانصراف من عنده ركب ابن المتقي وأراد ابن رائق الركوب فقال له ناصر الدولة تقيم اليوم عندي لنتحدث فيما نفعله به فاعتذر ابن رائق بابن المتقي فألح عليه ابن حمدان فاستراب به وجذب كمه من يده فقطعه وأراد الركوب فشب به الفرس فسقط فصاح ابن حمدان بأصحابه اقتلوه فقتلوه وألقوه في دجلة وأرسل ابن حمدان إلى المتقي يقول أنه علم أن ابن رائق أراد أن يغتاله ففعل به ما فعل فرد عليه المتقي ردا جميلا وأمره بالمسير إليه فسار ابن حمدان إلى المتقي فخلع عليه ولقبه ناصر الدولة وجعله أمير الأمراء وخلع على أخيه ابن الحسن علي ولقبه سيف الدولة. وقال ابن خالويه في شرح ديوان أبي نواس: لما حصل ابن رائق بالموصل على ناصر الدولة ليقتله نسبته ناصر الدولة بالفتكة وأمر به فضربه عبد الله ابن أبي العلى ضربة خر منها ميتا. وكان ابن رائق قتل عمارة العقيلي وجماعة من بني نمير فقال في ذلك أبو فراس وهو صبي:

اه. وقال أبو فراس في روايته الطويلة يذكر قتل ابن رائق:

قال ابن الأثير: في حوادث سنة 330 ولنا قتل ابن رائق هرب الجند من أبي الحسين البريدي لأنه لما استولى على بغداد أساء السيرة فنفرت منه قلوب الجند وغيرهم ثم تحالف تورون التركي وتوشتكين على عكس البريدي فأخبره توشتكين بذلك فسار تورون ومعه جملة من الأتراك إلى الموصل فقوي بهم ابن حمدان واستعمل ناصر الدولة على أعمال الخراج بديار مضر وهي الرها وحران والرقة علي ابن طياب فحارب خليفة ابن رائق وقتله واستولى عليها.

عود المتقي إلى بغداد

قال ابن الأثير وانحدر ناصر الدولة هو والمتقي إلى بغداد فلما قاربوها هرب أبو الحسين البريدي منها إلى واسط ودخل المتقي بغداد ومعه بنو حمدان في جيوش كثيرة اه. ويدل شعر أبو فراس الآتي أن الجيش كان عشرين ألفا. وإلى هذه الوقائع يشير أبو فراس الحارث بن سعيد بن عبد الله الحمداني ابن عم ناصر الدولة وسيف الدولة في قصيدته العصماء الرائية الطويلة البالغة زيادة على 240 بيتا التي يذكر فيها مفاخر قومه وعشيرته بقوله:

وفي تجارب الأمم وخلع المتقي على ناصر الدولة وأخيه وطوقا بطوقين وأربعة أسورة ذهبا وعلى أبي عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان بطوق واحد وسوارين ذهبا.

الحرب بين بني حمدان والبريدي

قال ابن الأثير في حوادث سنة 330 لما هرب أبو الحسين البريدي إلى واسط ووصل بنو حمدان والمتقي إلى بغداد فخرج بنو حمدان عن بغداد نحو واسط وكان أبو الحسين قد سار من واسط إليهم ببغداد فأقام ناصر الدولة بالمدائن وسير أخاه سيف الدولة وابن عمه أبا عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان - أخا أبي فراس - في الجيش إلى قتال أبي الحسين بفرسخين واقتتلوا عدة أيام وكان تورون والأتراك مع ابن حمدان فانهزم سيف الدولة ومن معه إلى المدائن وبها ناصر الدولة فردهم وأضاف إليهم من كان عنده من الجيش فعاودوا القتال فانهزم أبو الحسين البريدي وأسر جماعة من أعيان أصحابه وقتل جماعة وعاد أبو الحسين منهزما إلى واسط وعاد ناصر الدولة إلى بغداد وبين يديه الأسرى على الجمال ثم أن سيف الدولة انحدر بأصحابه ومعه الجيش اه. وفي تجارب الأمم أن المتقي لقب أبا الحسن علي بن عبد الله بن حمدان لما فتح هذا الفتح سيف الدولة وأنفذ إليه خلعا.

إصلاح ناصر الدولة العيار ببغداد

ولما عاد ناصر الدولة إلى بغداد نظر في العيار فرآه ناقصا فأمر بإصلاح الدنانير فضرب دنانير سماها الإبريزية عيارها خير من غيرها فكان الدينار بعشرة دراهم فبيع هذا الدينار بثلاثة عشر درهما.

ناصر الدولة وعدل البجكمي

قال ابن الأثير في حوادث سنة 331 كان عدل حاجب بجكم فلما قتل بجكم صار عدل مع ابن رائق فلما قتل ناصر الدولة ابن رائق كما مر صار عدل في جملة ناصر الدولة فسيره ناصر الدولة مع علي بن خلف بن طياب إلى ديار مضر والشام الذي كان بيد ابن رائق وكان بالرحبة من جهة ابن رائق رجل اسمه مسافر بن الحسن فلما قتل ابن رائق استولى مسافر على الناحية فأرسل إليه ابن طياب عدلا جيش ففارق الرحبة من غير قتال وملكها عال وكاتب هو ببغداد من البجكمية فأتوه مستخفين فقوي بهم واستولى على طريق الفرات وبعض الخابور ثم أن مسافرا جمع جمعا وسار إلى قرقيسيا فأخرج منها أصحاب عدل وملكها ثم أن عدلا ملك بلاد الخابور ثم سار يريد نصيبين لعلمه ببعد ناصر الدولة عن الموصل فاتصل خبره بالحسين بن سعيد ابن حمدان فجمع الجيش وسار إليه إلى نصيبين فلقيه عدل في جيشه فاستأمن أصحاب عدل إلى ابن حمدان إلا نفرا يسيرا فأسره ابن حمدان وأسر معه ابنه فسمل عدلا وسيرهما إلى بغداد فشهر وهو وابنه فيها اه. وفي ذلك يقول أبو فراس في رائيته المشار إليها آنفا يذكر أخاه الحسين:

وفي مرآة الجنان لليافعي في حوادث سنة 331 فيها قلل ناصر الدولة بن حمدان رواتب المتقي وأخذ صناعته وصادر العمال وكرهه الناس وقال ابن الأثير في حوادث سنة 331 أيضا فيها تزوج الأمير أبو منصور ابن المتقي بابنة ناصر الدولة ابن حمدان وكان الصداق ألف ألف درهم والحمل مائة ألف دينار وفي مرآة الجنان وزوج ابنته بابن المتقي على مائة ألف دينار. وفيها قبض ناصر الدولة على الوزير أبي إسحاق القرايطي ورتب مكانه أبا العباس أحمد بن عبد الله الأصبهاني وكان أبو عبد الله الكوفي يدبر الأمور وكان ناصر الدولة ينظر في قصص الناس وتقام الحدود بين يديه ويفعل ما يفعل صاحب الشرطة.

خروج ناصر الدولة وأخيه

من العراق إلى الموصل

في مرآة الجنان لليافعي في حوادث سنة 331: فيها هاجت الأمراء بواسط على سيفه الدولة فهرب وسار أخوه ناصر الدولة إلى الموصل فنهبت داره ونزح خلق كثير من بغداد من تتابع الفتن والخوف إلى الشام ومصر اه. وقال ابن الأثير في حوادث سنة 331 لما كان سيف الدولة مقيما بواسط بعد انحدار البريديين عنها كان توزون وخجنحج يتحكمان عليه ثم أن ناصر الدولة أنفذ إلى أخيه مالا ليفرقه في الأتراك فأسمعاه المكروه وثارا به فأخفاه عنهما وسيره إلى بغداد ثم كبسوه ليلا فهرب إلى بغداد وأما ناصر الدولة فإنه لما بلغه الخبر برز ليسير إلى الموصل فركب المتقي إليه وسأله التوقف فأظهر له الإجابة ثم سار إلى الموصل ونهبت داره وكانت إمارته ببغداد ثلاثة عشر شهرا وخمسة أيام اه. ولحق به أخوه سيفه الدولة وقال ابن خالويه في شرح ديوان أبي فراس: فلما غدرت الأتراك بالأميرين واصعدا إلى ديارهما كاتبهما الخليفة بالرجوع فأبيا وقال الخليعي يمدح ناصر الدولة.

وفي مروج الذهب أن المتقي كاتب ناصر الدولة وسيف الدولة أن ينجدوه ويستنقذوه مما هو فيه ويفوض إليهما الملك والتدبير.

إرسال ناصر الدولة عامله على طريق

الفرات وديار مضر والعواصم وحمص

قال ابن الأثير في حوادث سنة 332 فيها استعمل ناصر الدولة ابن حمدان أبا بكر محمد بن علي بن مقاتل على طريق الفرات وديار مضر وجند قنسرين والعواصم وحمص وأنفذه إليها من الموصل ومعه جماعة من القواد ثم استعمل بعده في هذه السنة ابن عمه الحسين بن سعيد بن حمدان على ذلك فلما وصل إلي الرقة منعه أهلها فقاتلهم فظفر بهم وأحرق من البلد قطعة وأخذ رؤساء أهلها وسار إلى حلب.

استيلاء ناصر الدولة على آذربيجان

قال ابن خالويه في شرح ديوان أبي فراس سار أبو عبد الله الحسين ابن أبي العلاء سعيد بن حمدان إلى آذربيجان بمجموعه فهزم صاحبها واستقامت له أذربيجان اه. وقال ابن الأثير في حوادث سنة 332 إن ناصر الدولة سير ابن عمه أبا عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان ليتولي على آذربيجان وكان الروس قد خرجوا إلى مدينة بردعة وملكوها فجمع محمد بن المرزبان أمير تلك البلاد الناس لحربهم فحاربهم مرارا وانكسر إلى أن غلبهم أخيرا والتجأ من بقي إلى حصن شهرستان فحاصرهم فيه فأتاه الخبر بوصول الحسين بن سعيد بن حمدان إلى سلماس فترك على الروسية من يحاصرهم وساو إلى حمدان فاقتتلوا ثم نزل الثلج فتفرق أصحاب ابن حمدان ثم أتاه كتاب ناصر الدولة يخبره بموت توزون وأنه يريد الانحدار إلى بغداد ويأمره بالعود إليه فرجح اه. ولكن ابن الأثير ذكر بعد ذلك أن توزون مات سنة 334 في المحرم وفي ذلك يقول أبو فراس في رائيته المقام إليها الإشارة :

خروج المتقي من بغداد إلى ناصر

الدولة بالموصل في المرة الثانية

قال ابن الأثير في حوادث سنة 332 فيها صعد المتقي إلى الموصل لأن محمد بن ينال الترجمان وأبا الحسين ابن مقلة الترجمان كانا قد سعيا بتوزون إلى المتقي وخوفاه منه فعزم على الإصعاد إلى ابن حمدان الدولة ابن حمدان يطلب منه شيئا فأنفذهم مع ابن عمه أبي عبد الله حمدان فلما وصلوا إلى بغداد خرج فأنفذ المثنى إلى ناصر ليصحبوه إلى الموصل فأنفذهم مع ابن عه أبي عبد الله الحسين بن سعيد ابن حمدان فلما وصلوا إلى بغداد خرج المنقي إليهم في حرمه وأهله ووزيره وأعيان بغداد وانحدر سيف الدولة وحده إلى المتقي بتكريت فأرسل المتقي إلى ناصر الدولة يستدعيه ويقول له لم يكن الشرط معك إلا أن تنحدر إلينا فانحدر إليه إلى تكريت وركب المتقي إليه فلقيه بنفسه وأكرمه وأصعد المتقي إلى الموصل وأقام ناصر الدولة بتكريت وسار توزون نحو تكريت فالتقى هو وسيف الدولة ابن حمدان تحت تكريت بفرسخين فاقتتلوا ثلاثة أيام ثم انهزم سيف الدولة وغنم توزون والأعراب سواده وسواد أخيه ناصر الدولة وعادا من تكريت إلى الموصل ومعهما المتقي وشغب أصحاب توزون عليه فعاد إلى بغداد وعاد سيف الدولة انحدر فالتقى هو وتوزون بحربي فانهزم سيف الدولة مرة ثانية وتبعه توزون ولما بلغ سيف الدولة إلى الموصل سار عنها هو وأخوه ناصر الدولة والمتقي ومن معهم إلى نصيبين ودخل توزون الموصل فسار المتقي إلى الرقة وتبعه سيف الدولة وأرسل المتقي إلي توزون يذكر أنه استوحش منه لاتصاله بالبريدي فإن آثر رضاه يصالح سيف الدولة وناصر الدولة ليعودا إلى بغداد فتم الصلح وعقد الضمان على ناصر الدولة لما بيده من البلاد ثلاث سنين كل سنة بثلاثة آلاف وستمائة ألف درهم وعاد تورون إلى بغداد وأقام المتقي عند بني حمدان بالموصل ثم ساروا عنها إلى الرقة فأقاموا بها اه. وفي مروج الذهب فخرج المتقي إلى الموصل فلما بلغ توزون ذلك رجع إلى بغداد وقصد بني حمدان فكان التقاؤهم بعكبرا فكانت بينهم سجالا ثم كانت بتوزون عليهم فرجع إلى بغداد ثم جمعوا له أيضا ورجعوا إليه فتركهم حتى قربوا إلى بغداد فخرج عليهم فلقيهم فهزمهم بعد مواقعات كانت بينهم وسار هو حتى دخل الموصل وخرج عنها إلى مدينة بلد فصالحوه على مال حملوه إليه فرجع إلى بغداد وسار المتقي إلى نصيبين ورجع عنها إلى الرقة فنزلها وذلك 332.

إرادة المتقي العود إلى بغداد

قال ابن الأثير في حوادث سنة 332 وفيها أرسل المتقي إلى توزون يطلب العود إلى بغداد لأنه رأى من بني حمدان تضجرا به فلقي توزون رسوليه بغاية الرغبة فاستوثقا من توزون وخلفاه بمحضر القضاة والعدول وغيرهم وكتبوا خطوطهم وقال في حوادث سنة 333 كان المتقي قد كتب إليه الأخشيد محمد بن طغج متولي مصر يشكو حاله ويستقدمه إليه فأتاه من مصر فلما وصل إلى حلب سار عنها أبو عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان وكان ابن مقاتل بها الذي ولاه ناصر الدولة الحسين بن حمدان - فلما علم برحيله عنها اختفى فلما قدمها الأخشيد ظهر إليه فأكرمه الأخشيد واستعمله على خراج مصر وانكسر عليه ما بقي من المصادرة التي صادره بها ناصر الدولة ومبلغه خمسون ألف دينار وسار الأخشيد إلى الرقة وحمل إلى المتقي هدايا عظيمة وإلى وزيره وأصحابه واجتهد بالمتقي ليسير معه إلى مصر والشام فلم يقبل وأشار عليه بالمقام مكانه ولا يرجع إلى بغداد وخوفه من توزون فلم يفعل وفي مروج الذهب واتصلت كتب توزون بالمتقي وتواترت رسله يسأله الرجوع إلى الحضرة وأشهد توزون القضاة والفقهاء والشهود وأعطى العهود والمواثيق بالسمع والطاعة للمتقي وأنفذ إليه كتب القضاة والشهود بما بذل من الإيمان وأعطى من العهود وأشار بنو حمدان على المتقي أن لا ينحدر وخوفوه من توزون وحذروه أمره فإنه لا يأمنه على نفسه فأبى إلا مخالفتهم والثقة بما ورد عليه من توزون (أقول) وهذا ينافي ما مر عن ابن الأثير من أن المتقي رأى من بني حمدان تضجرا ثم قال المسعودي وقد كان بنو حمدان أنفقوا على المتقي نفقة واسعة عظيمة طول مقامه عندهم واجتيازه بهم يكثر وصفها بإكثار المخبرين لنا بتحديدها اه.

رجوع المتقي إلى بغداد

قال ابن الأثير في حوادث سنة 333 فسار المتقي إلى بغداد فلما وصل إلى هيت أرسل من جدد اليمين على توزون وحضر توزون فلقيه بالسندية ونزل فقبل الأرض وقال: قد وفيت بيميني ثم سمله فأعماه فصاح وصاح من عنده الحرم والخدم فأمر توزون بضرب الدبادب لئلا تظهر أصواتهم وهيهات أن يكون وفي يمينه.

ما جرى لناصر الدولة في خلافة المستكفي

قال ابن الأثير في حوادث سنة 333 أيضا فيها سار توزون ومعه المستكفي من بغداد يريدان الموصل وتصد ناصر الدولة لأنه كان قد حمل المال الذي عليه من ضمان البلاد واستخدم غلمانا هربوا من توزون وكان الشرط بينهم أنه لا يقبل أحدا من عسكر توزون وترددت الرسل في الصلح فاصطلحوا وانقاد ناصر الدولة لحمل الملك وعاد المستكفي وتوزون إلى بغداد. وقال في حوادث سنة 334 فيها مات توزون ببغداد وكان ابن شيرزاد بهيت فعزم على عقد الإمارة لناصر الدولة ابن حمدان فاضطربت الأجناد وعقدوا الرياسة عليهم لابن شيرزاد وصار يخاطب الأمراء وزاد الأجناد زيادة كثيرة فضاقت عليه الأموال فأرسل إلى ناصر الدولة يطالبه بحمل المال ويعده برد الرياسة إليه فأنفذ له خمسمائة ألف درهم وطعاما كثيرا ففرقها في عسكره فلم يؤثر فظلم الأمر في تقسيط الأموال واستعمل على تكريت الفتح الشكري فسار إلى ناصر الدولة بالموصل وسار معه فأقره على تكريت.

الحرب بين ناصر الدولة ومعز الدولة

قال ابن الأثير في حوادث سنة 334 فيها سير معز الدولة معسكرا فيهم موسى قيادة وينال كوشة إلى الموصل في مقامته فلما نزلوا عكبرا أوقع ينال كوشة بموسى قيادة ونهب مواده ومضى هو ومن معه إلى ناصر الدولة وكان قد خرج من الموصل نحو العراق ووصل ناصر الدولة إلى سامراء وقعت الحرب بينه وبين أصحاب معز الدولة بعكبرا فلما سار عن بغداد لحق ابن شيرزاد - وهو أمير الأمراء - بناصر الدولة وعاد إلى بغداد مع عسكر لناصر الدولة فاستولوا عليها ودبر ابن شيرزاد الأمور بها نيابة عن ناصر الدولة وناصر الدولة يحارب معز الدولة ثم سار ناصر الدولة من سامراء إلى بغداد فأقام بها فلما سمع معز الدولة الخبر سار إلى تكريت فنهبها لأنها كانت لناصر الدولة وعاد الخليفة معه إلى بغداد فنزلوا بالجانب الغربي ونزل ناصر الدولة بالجانب الشرقي ولم يخطب للمطيع ببغداد ثم وقعت الحرب بينهم ببغداد وانتشرت أعراب ناصر الدولة بالجانب الغربي فمنعوا أصحابه معز الدولة من المسيرة والعلف فغلت الأسعار على الديلم وكان السعر عند ناصر الدولة رخيصا كانت تأتيه المسيرة في دجلة من الموصل ومنع ناصر الدولة من المعاملة بالدنانير التي عليها اسم المطيع وضرب دنانير ودراهم على سكة سنة 331 وعليها اسم المتقي واستعان ابن شيرزاد بالعيارين والعامة على حرب معز الدولة فكان يركب في الماء وهم معه يقاتل الديلم وفي بعض الليالي عبر ناصر الدولة في ألف فارس لكبس معز الدولة فلقيهم اسفهدوست فهزمهم وكان من أعظم الناس شجاعة وضاق الأمر بالديلم حتى عزم معز الدولة على العود إلى الأهواز وقال: نعمل معهم حيلة هذه المرة فإن أفادت وإلا عدنا فرتب ما معه من المعابر بناحية التمارين وأمر وزيره أبا جعفر الصيمري واسفهدوست بالعبور ثم أخذ معه باقي العسكر وأظهر أنه يعبر في قطربل وسار ليلا ومعه المشاعل على شاطئ دجلة فسار أكثر عسكر ناصر الدولة بإزائه ليمنعوه من العبور فتمكن الصيمري واسفهدوست من العبور فعبروا وتبعهم أصحابهم فلما علم معز الدولة بعبور أصحابه عاد إلى مكانه فعلموا بحيلته فلقيهم ينال كوشة في جماعة أصحاب ناصر الدولة فهزموه واضطرب عسكر ناصر الدولة وملك الديلم الجانب الشرقي وأعيد الخليفة إلى داره في المحرم سنة 335 واستقر معز الدولة ببغداد وأقام ناصر الدولة بعكبرا وأرسل في الصلح بغير مشورة من الأتراك التوزونية فهموا بقتله فسار عنهم مجدا نحو الموصل ثم استقر الصلح بينه وبين معز الدولة في المحرم سنة 335 وفي مروج الذهب قال: أن المستكفي قبض عليه أحمد بن بويه الديلمي وسمل عينيه وذلك أن الحرب لما طالت بين أبي محمد الحسن بن عبد الله بن حمدان وكان في الجانب الشرقي وبين أحمد بن بويه الديلمي وكان في الجانب الغربي والمستكفي معه اتهم الديلمي المستكفي بمسالمة بني حمدان ومكاتبهم بأخباره واطلاعهم على أسراره مع ما كان تقدم له في نفسه فسمل عينيه وولى المطيع وأعمل الديلمي الحيلة فأظهر أنه يريد السفر بالديلم فحملهم في السفن مع بوقات ودبادب في الليل وألقاهم في مواضع كثيرة من الشارع إلى الجانب الشرقي فتوجهت له على بني حمدان الحيلة فخرجوا نحو الموصل من بعد أحداث كثيرة بين الأتراك وبينهم ببلاد تكريت واستوثق الأمر لأحمد بن بويه الديلمي اه. وهذا يخالف ما ذكره ابن الأثير من وجوه (أولا) أن ابن الأثير ذكر أن الذي سمل المستكفي هو المطيع لا ابن بويه فقال: ولما بويع المطيع سلم إليه المستكفي فسمله (ثانيا) أنه ذكر كما مر أن الذي كان مع معز الدولة لما كان يحارب ابن حمدان هو المطيع لا المستكفي (ثالثا) أنه ذكر أن سبب قبض ابن بويه على المستكفي أن علم القهرمانة صنعت دعوة عظيمة حضرها جماعة من قواد الديلم والأتراك فاتهمها معز الدولة أنها فعلت ذلك لأخذ البيعة عليهم للمستكفي وأن يزيلوا معز الدولة لا لأنه اتهمه بمراسلة بني حمدان والله أعلم ويدل كلام آخر للمسعودي أن معز الدولة لما كان يحارب ناصر الدولة ببغداد كان معه المستكفي وإن المطيع وهو الفضل ابن المقتدر كان في ذلك الوقت مختفيا ببغداد ولم يكن قد ولي الخلافة حيث قال: كان المستكفي حين ولي الخلافة طلب الفضل بن المقتدر لما كان بينهما من العداوة فهرب الفضل وقيل: أنه هرب إلى أحمد بن بويه الديلمي - معز الدولة - منتصرا وأحسن إليه أحمد ولم يظهره فلما مات توزون ودخل الديلمي إلى بغداد وخرج الأتراك عنها سار إلى ناصر الدولة وانحدر معه فكان بينه وبين ابن بويه الديلمي من الحرب ما قد اشتهر وانحاز الديلمي إلى الجانب الغربي ومعه المستكفي والمطيع مختف ببغداد والمستكفي يطلبه أشد الطلب.

حرب تكين وناصر الدولة

قال ابن الأثير ولما هرب ناصر الدولة من الأتراك ولم يقدروا عليه اتفقوا على تأمير الشيرازي وقبضوا على ابن قرابة وعلى كتاب ناصر الدولة ومن تخلف من أصحابه وقبض ناصر الدولة على ابن شيرزاد. ولم يلبث ناصر الدولة بالموصل بل سار إلى نصيبين ودخل تكين والأتراك الموصل وساروا في طلبه فمضى إلى سنجار فتبعه تكين إليها فسار ناصر الدولة من سنجار إلى الحديثة فتبعه تكين وكان ناصر الدولة قد كتب إلى معز الدولة يستصرخه فسير الجيوش إليه فسار ناصر الدولة من الحديثة إلى الحسن فاجتمع هناك بعسكر معز الدولة وفيهم وزيره أبو جعفر الصيمري وساروا بأسرهم إلى الحديثة لقتال تكين فالتقوا بها واقتتلوا قتالا شديدا فانهزم تكين والأتراك بعد أن كادوا يستظهرون فلما انهزموا تبعهم العرب من أصحاب ناصر الدولة فأدركوهم وأكثروا القتل فيهم وأسروا تكين وحملوه إلى ناصر الدولة فسله فأسماه وحمله إلى قلعة من قلاعه فسجنه بها (اه). وقال ابن خالويه: كانت الأتراك البجكمية مع ناصر الدولة الحسن ابن عبد الله بن حمدان لما غزا من نواحي سمياط حتى نزل على حصني ورتنيس فافتتحهما فكبسوه في الليل فعبر إلى أصحابه وكانوا ألفي فارس فاجتمعت العجم مع الأتراك فلم يفلت منهم أحد وأخذ رئيسهم تكين الشيرازي فسمله وفي ذلك يقول أبو فراس في قصيدته الراية:

في معجم البلدان: ورتنيس بالفتح ثم السكون وفتح التاء وكسر النون ثم ياء وسين مهملة حصن في بلاد سمياط وقيل أنه من قرى حران كانت به وقعة لسيف الدولة ابن حمدان قال أبو فراس:

وفيه أيضا قلز بكسر أوله وتشديد ثانيه وكسره أيضا وآخره زاي مرج ببلاد الروم قرب سميساط كانت لسيف الدولة بن حمدان قال فيه أبو فراس بن حمدان:

وفي أعمال حلب بلد يقال له: كلز أظنه غيره وقال في كلز أظنها قلز الذي تقدم ذكرها وهذه قرية من نواحي مزاز بين حلب وأنطاكية اه. وكان في عبارته نقصا فإنه قال: هو مرج ثم قال: كانت لسيف الدولة فلعل الأصل كانت لسيف الدولة فيه وقعة ولكن ظاهر ما في الديوان أن الوقعة كانت لناصر الدولة لا لسيف الدولة. قال ابن الأثير وسار ناصر الدولة والصيمري إلى الموصل نزلوا شرقيها وركب ناصر الدولة إلى خيمة الصيمري فدخل إليه ثم خرج من عنده إلى الموصل ولم يعد إليه فحكى عن ناصر الدولة أنه قال: ندمت حين دخلت الخيمة فبادرت وخرجت وحكي عن الصيمري أنه قال: لما خرج ناصر الدولة من عندي ندمت حيث لم أقبض عليه اه.

الخلاف بين معز الدولة وناصر الدولة ثانيا

قال ابن الأثير في سنة 336 أظهر معز الدولة أنه يريد أن يسير إلى الموصل فترددت الرسل بينه وبين ناصر الدولة واستقر الصلح وحمل المال إلى معز الدولة فسكت عنه.

عصيان جمان على ناصر الدولة

وقال في سنة 337 سار معز الدولة من بغداد إلى الموصل قاصدا لناصر الدولة فلما سمع ناصر الدولة بذلك سار عن الموصل إلى نصيبين ووصل معز الدولة فملك الموصل وأراد أن يملك جميع بلاد ناصر الدولة فأتاه الخبر من أخيه ركن الدولة أن عساكر خراسان قد قصدت جرجان والري ويستمده فاضطر إلى مصالحة ناصر الدولة واستقر الصلح على أن يؤدي ناصر الدولة عن الموصل وديار الجزيرة كلها والشام كل سنة ثمانية آلاف ألف درهم ويخطب في بلاده لعماد الدولة وركن الدولة ومعز الدولة بني بويه.

محاولة اغتيال نجا منها ناصر الدولة

في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي أبي علي محسن ابن القاضي أبي القاسم علي بن محمد ابن أبي الفهم التنوخي قال: قد جرى في عصري أنه لما خرج معز الدولة إلى الموصل في سنة 337 وانهزم ناصر الدولة من بين يديه أنفذني مولاي لأكون بحضرة معز الدولة وحضرة أبي جعفر الصيمري كاتبه وأوصل كتبه إليهما فسمعت حاشية الصيمري يتحدثون أنه جاء ركابي من ركابية معز الدولة وقال له: أيها الأمير إن قتلت لك ناصر الدولة أي شيء تعطيني قال له: ألف دينار قال: فائذن لي أن أمضي وأحتال في اغتياله فأذن له فمضى إلى أن دخل عسكره وعرف موضع مبيته من خيمته ورصد الغفلة حتى دخلها ليلا وناصر الدولة نائم وبالقرب من مرقده شمعة مشتعلة وفي الخيمة غلام نائم فعرف موضع رأسه من المرقد ثم أطفأ الشمعة واستل سكينا طويلا ماضيا كان في وسطه وأقبل يمشي في الخيمة ويتوقى أن يعثر بالغلام وهو يريد موضع ناصر الدولة فإلى أن وصل إليه انقلب ناصر الدولة من جانبه الذي كان نائما عليه إلى الجانب الآخر فزحف في الفراش فصار رأسه وجسده على الجانب الآخر في المخاد والفراش بينه وبين الموضع الذي كان فيه وبلغ الركابي الفراش وهو لا يظن إلا أنه فيه فوجأ الموضع بالسكين بجميع قوته وعنده أنه قد أثبتها في صدر ناصر الدولة وتركها وخرج من تحت أطناب الخيمة وسار إلى معز الدولة وأخبره أنه قتل ناصر الدولة وطالبه بالجعالة فقال: اصبر حتى ترد جواسيسي بصحة الخبر وبعد يومين ورد الجواسيس وأخبروا بسلامة ناصر الدولة وذكروا له خبر السكين فأحضر معز الدولة الركابي وسلمه إلى أبي جعفر محمد بن أحمد الصيمري الهلالي وقال له: أكفني أمر هذا الركابي فإن من تجاسر على الملوك لم يجز أن آمنه على نفسي فغرقه الصيمري سرا اه.

بعض أخبار ناصر الدولة

قال ابن الأثير في سنة 337 قصد المرزبان محمد ابن مسافر صاحب آذربيجان الري وهي لركن الدولة فراسله ناصر الدولة يعده المساعدة ويشير عليه أن يبتدئ ببغداد. وفي سنة 342 هرب ديسم بن إبراهيم عن آذربيجان وكان قد استولى عليها وسار إلى ناصر الدولة بالموصل يستنجد فلم ينجده.

عوده الاختلاف بين معز الدولة وناصر الدولة

في سنة 745 خرج روزبهان بن ونداذ خرشيد الديلمي على معز الدولة فخرج معز الدولة من بغداد لقتاله فلما بلغ ناصر الدولة ذلك سير العساكر من الموصل مع ولده أبي المرجا جابر لقصد بغداد والاستيلاء عليها ثم أن معز الدولة أسر روزبهان وسير سبكتكين إلى أبي المرجا بن ناصر الدولة وكان بعكبرا فلم يلحقه لأنه لما بلغه الخبر عاد إلى الموصل وفي سنة 346 تجهز معز الدولة وسار نحو الموصل لقصد ناصر الدولة وبذل له مالا وضمن البلاد منه في كل سنة بألفي درهم وحمل إليه مثلها فعاد معز الدولة بسبب خراب بلاده ثم أن ناصر الدولة في سنة 347 منع حمل المال فسار إليه معز الدولة ومعه الوزير المهلبي ففارقها ناصر الدولة إذا قصده أحد سار عن الموصل واستصحب معه جميع الكتاب والوكلاء ومن يعرف أبواب المال ومنافع السلطان وربما جعلهم في قلاعه وكان يأمر العرب بالإغارة على العلاقة ومن يحمل الميرة فكان الذي يقصد بلاد ناصر الدولة يبقى محصورا مضيقا عليه فلما قصده معز الدولة هذه المرة فعل ذلك به فضاقت الأقوات على معز الدولة وعسكره وبلغه أن بنصيبين من الغلات السلطانية شيئا كثيرا فسار عن الموصل نحوهما فلما توسط الطريق بلغه أن أولاد ناصر الدولة أبا المرجا جابر وهبة الله بسنجار في عسكر فسير إليهم عسكرا فلم يشعر أولاد ناصر الدولة بالعسكر إلا وهو معهم فعجلوا عن أخذ أثقالهم وانهزموا ونهب عسكر معز الدولة ما تركوه ونزل في خيامهم فعاد أولاد ناصر الدولة إليهم وهم غارون فوضعوا السيف فيهم فقتلوا وأسروا وأقاموا بسنجار وسار معز الدولة إلى نصيبين ففارقها ناصر الدولة إلى ميافارقين ففارقه أصحابه وعادوا إلى معز الدولة مستأمنين فلما رأى ناصر الدولة ذلك سار إلى أخيه سيف الدولة بحلب وكان أصحاب ناصر الدولة في حصونه ببلد الموصل والجزيرة يغيرون على أصحاب معز الدولة بالبلد فيقتلون فيهم ويأسرون منهم ويقطعون المسيرة عنهم ثم راسل سيف الدولة معز الدولة في الصلح فامتنع معز الدولة من تضمين ناصر الدولة مرة بعد أخرى فضمن سيف الدولة البلاد منه بألفي ألف درهم وتسعمائة ألف درهم وإطلاق من أسر من أصحابه بسنجار وغيرها وكان ذلك في المحرم سنة 348 وعاد معز الدولة إلى العراق ورجع ناصر الدولة إلى الموصل اه. وقال السري الرفا يمدح سيف الدولة ويذكر موافاة أخيه ناصر الدولة إليه بحلب ودخول الديلمي الموصل من قصيدة:

يقول فيها مشيرا إلى ناصر الدولة:

وفي معجم البلدان الفنيدق من أعمال حلب كانت به عدة وقعات وهو الذي يعرف اليوم بتل السلطان بينه وبين حلب خمسة فراسخ وبه كانت وقعات الفنيدق بين ناصر الدولة ابن حمدان وبني كلاب من بني مرداس في سنة 452 فأسره بنو كلاب اه. وناصر الدولة توفي كما مر سنة 358 فلا بد أن يكون التاريخ مغلوطا ولعل صوابه 352 والله أعلم قال ابن الأثير وفي سنة 353 سار معز الدولة من بغداد إلى الموصل وملكها لأن ناصر الدولة كان قد استقر الصلح بينه وبين معز الدولة على ألف ألف درهم يحملها ناصر الدولة كل سنة فلما حصلت الإجابة من معز الدولة بذل زيادة ليكون اليمين أيضا لولده أبي تغلب فضل الله الغضنفر معه وأن يحلف معز الدولة لهما فلم يجب إلى ذلك وتجهز معز الدولة وسار إلى الموصل فلما قاربها سار ناصر الدولة إلى نصيبين ووصل معز الدولة إلى الموصل وملكها وسار يطلب ناصر الدولة فلما قارب معز الدولة نصيبين فارقها ناصر الدولة وملكها معز الدولة ولم يعلم أي جهة قصد ناصر الدولة فخاف أن يخالفه إلى الموصل فعاد عن نصيبين نحو الموصل وكان أبو تغلب ابن ناصر الدولة قد قصد الموصل وحارب من بها من أصحاب معز الدولة وكانت الدائرة عليه فانصرف بعد أن أحرق منهم معز الدولة وأقام معز الدولة ببرقعيد فبلغه أن ناصر الدولة نزل جزيرة ابن عمر فرحل إلى الجزيرة فلم يجد بها ناصر الدولة وسأل عنه فقيل: أنه بالحسنية ولم يكن كذلك وإنما كان قد جمع أولاده وعساكره وسار إلى الموصل فأوقع بمن فيها من أصحاب معز الدولة وقتل وكثيرا وفي الأسرى أمراء معز الدولة وملك جميع ما خلفه الدولة من مال وسلاح وغيره وحمل جميعه مع الأسرى إلى قلعة كواشي فلما سمع معز الدولة ذلك سار يقصده فرحل ناصر الدولة إلى سنجار فلما بلغ ذلك معز الدولة عاد إلى نصيبين فسار أبو تغلب ابن ناصر الدولة إلى الموصل فنزل بظاهرها فلما سمع بذلك معز الدولة سار إلى الموصل ففارقها أبو تغلب وأقام عند الزاب وراسل معز الدولة في الصلح فأجابه لأنه علم متى فارق الموصل عادوا وملكوها ومتى أقام بها لا يزال مترددا وهم يغيرون على النواحي وعقد عليه ضمان الموصل وديار ربيعة والرحبة وما كان في يد أبيه بمال قرره وإطلاق من عنده من الأسرى ورحل معز الدولة إلى بغداد وفي تجارب الأمم أن أبا بكر بن قرابة - وهو وجه وله جاه وسعة مال لكنه مخلط - فآل أمره إلى أن أسر وصودر حتى لم يبق له بقية واضطر إلى أن يخدم ناصر الدولة: محمد بن حمدان برزق مائة دينار في كل شهر اه.

أخباره مع أخيه سيف الدولة

كان ناصر الدولة أسن من سيف الدولة ولكن الدولة كان أبعد صيتا وأرفع منزلة ومات سيف الدولة في حياة أخيه ناصر الدولة قبله بسنتين لأن سيف الدولة مات سنة 356 وناصر الدولة سنة 358 وفي أعلام النبلاء: قال في المختار من الكواكب المضية أن ناصر الدولة أكبر سنا من سيف الدولة وأقدم منزلة عند الخلفاء وكان سيف الدولة كثير التأدب معه وجرت بينهما يوما وحشة فكتب إليه سيف الدولة:

وقال الثعالبي أنشدني غير واحد لسيف الدولة في أخيه ناصر الدولة أبي محمد:

وقال ابن الأثير في حوادث سنة 347 أنه لما هرب ناصر الدولة من معز الدولة سار إلى أخيه سيف الدولة بحلب فلما وصل خرج إليه ولقيه وبالغ في إكرامه وخدمه بنفسه حتى أنه نزع خفه بيديه ثم راسل معز الدولة وأصلح الحال كما ذكرناه في أخبار ناصر الدولة مع معز الدولة وهذا يدل على سمو أخلاق سيف الدولة وفي تاريخ اليافعي المسمى بمرآة الجنان: كان أخوه سيف الدولة يتأهب معه لسنه ومنزلته عند الخلفاء وكان هو كثير المحبة لسيفه الدولة.

قبض ابن ناصر الدولة عليه ووفاته

فلما توفي سيف الدولة حزن عليه ناصر الدولة وتغيرت أحواله وضعف عقله فبادره ولده أبو تغلب الغضنفر عمدة الدولة فحبسه في حصن السلامة ومنعه من التصرف وقام بالمملكة ولم يزل ناصر الدولة معتقلا إلى أن مات اه. وفي شذرات الذهب نقلا عن العبر نحوه وقال ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة 356 فيها قبض أبو تغلب بن ناصر الدولة على أبيه وحبسه في القلعة لأنه كان قد كبر وساءت أخلاقه وضيق على أولاده وأصحابه وخالفهم في أغراضهم للمصلحة فضجروا منه وكان فيما خالفهم فيه أنه لما مات معز الدولة عزم أولاده على قصد العراق وأخذه من بختيار فنماهم وقال لهم: إن معز الدولة قد خلف مالا يستظهر به ابنه عليكم فاصبروا حتى يتفرق ما عنده من المال ثم اقصدوا وفرقوا الأموال فإنكم تظفرون به لا محالة فوثب عليه أبو تغلب فقبضه ورفعه إلى القلعة ووكل به من يخدمه ويقوم بحاجاته وما يحتاج إليه فخالفه بعض إخوته وانتشر أمرهم وصار قصاراهم حفظ ما في أيديهم واحتاج أبو تغلب إلى مداراة عز الدولة بختيار وتجديد ضمان البلاد ليحتج به على إخوته اه. وهذه ثمرة سوء التدبير ومخالفة كبير السن والأخذ بالرأي الفطير ومن أين يمكنهم أخذ بغداد وعضد الدولة وأبوه لهم بالمرصاد وهم أقوى منهم وأثقبه رأيا قال ابن الأثير وكان أبو تغلب وأبو البركات وأختهما جميلة أولاد ناصر الدولة من زوجته فاطمة بنت أحمد الكردية وكانت الدولة وأبوه لهم بالمرصاد وهم أقوى منهم وأثقبه رأيا قال ابن الأثير وكان أبو تغلب وأبو البركات وأختهما جميلة أولاد ناصر الدولة من زوجته فاطمة بنت أحمد الكردية وكانت مالكة أمر ناصر الدولة وكان قد أقطع ولاه حمدان مدينة الرحبة وماردين وغيرهما فاتفقت فاطمة مع ابنها أبي تغلب وقبضوا ناصر الدولة فابتدأ ناصر الدولة يدبر في القبض عليهم فكاتب ابنه حمدان يستدعيه ليتقوى به فظفر أولاده بالكتاب فخافوا أباهم وحملهم خوفه على نقله إلى قلعة كواشي وعاش ناصر الدولة شهورا ومات في ربيع الأول سنة 358 ودفن بتل توبة شرقي الموصل اه. وكان ذلك سبب الخلاف والحرب بينهم كما ذكر في تراجمهم وفي ذلك عبرة توجب الحذر من تفضيل بعض الأولاد لئلا يتحاسدوا وترشد إلى أن أصل البلاء من النساء.

مدائحه

للسري الرفا الموصلي فيه عدة مدائح منها قوله من قصيدة:

وقال السري الرفا أيضا فيه الشراب :

وقال السري الرفا لناصر الدولة وقد عزم على المسير إلى العراق :

وقال السري الرفا يهنئ ناصر الدولة بعيد الأضحى ويذكر شغب الأتراك:

وقال السري الرفا يمدح الأميرين ناصر الدولة من قصيدة:

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 5- ص: 136