حريث بن جابر الحنفي البكري قال الشيخ في رجاله في أصحاب علي عليه السلام: حريث بن جابر الحنفي. وكان حريث رئيس بني حنيفة، ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام المخلصين في ولائه، وشهد معه حرب صفين وكان شاعرا، قال نصر: وأمره علي عليه السلام على لهازم البصرة يوم صفين. وسيأتي في ترجمة حسان بن مخدوج عن نصر في كتاب صفين أنه لما عزل علي عليه السلام الأشعث بن قيس عن رياسة كندة وربيعة وجعل تلك الرياسة لحسان بن مخدوج وتكلم في ذلك أناس من أهل اليمن وقالوا يا أمير المؤمنين إن رياسة الأشعث لا تصلح إلا لمثله، وما حسان بن مخدوج مثل الأشعث، فغضبت ربيعة. قال حريث بن جابر: يا هؤلاء رجل برجل، وليس بصاحبنا عجز في شرفه وموضعه ونجدته وبأسه، ولسنا ندفع فضل صاحبكم وشرفه. فقال النجاشي في ذلك أبياتا تأتي في ترجمة حسان، ومن جملتها هذان البيتان:
فلولا أمير المؤمنين وحقه | علينا لاشجينا حريث بن جابر |
فلا تطبينا يا حريث فإننا | لقومك ردء في الأمور الغوامر |
وغضب رجال اليمنية، فتكلم حريث بن جابر فقال: يا هؤلاء لا تجزعوا فإنه إن كان الأشعث ملكا في الجاهلية وسيدا في الإسلام فان صاحبنا أهل هذه الرياسة وما هو أفضل منها. وذكر نصر في عبيد الله بن عمر بن الخطاب فقال: قد اختلف الرواة في قاتله فقالت همدان نحن قتلناه قتله هانئ بن الخطاب الهمداني، وقالت حضرموت: نحن قتلناه قتله مالك بن عمرو الحضرمي، وقالت بكر بن وائل نحن قتلنا قتله محرز بن الصحصح من بني تيم اللات بن ثعلبة. قال: وقد روي إن قاتله حريث بن جابر الحنفي، وكان رئيس بني حنيفة يوم صفين مع علي عليه السلام حمل عبيد الله بن عمر على صف بني حنيفة وهو يقول:
أنا عبيد الله ينميني عمر | خير قريش من مضى ومن غبر |
إلا رسول الله والشيخ الأغر | قد أبطأت عن نصر عثمان مضر |
والربعيون فلا سقوا المطر | وسارع الحي اليمانون الغرر |
#والخير في الناس قديما يبتدر
فحمل عليه حريث بن جابر الحنفي وهو يقول:
قد سارعت في نصرها ربيعه | في الحق والحق لهم شريعه |
فاكفف فلست تارك الوقيعة | في العصبة السامعة المطيعة |
حتى تذوق كأسها الفظيعة (القطيعة)
فطعنه فصرعه. فقال كعب بن جعيل شاعر أهل الشام يرثي عبيد الله. قال ابن أبي الحديد: والشعر يدل على إن ربيعة قتلته لا همدان ولا حضرموت. وذكر نصر عشرة أبيات أولها:
إلا إنما تبكي العيون لفارس | بصفين أجلت خيله وهو واقف |
يقول فيها:
وقرت تميم سعدها وربابها | وخالفت الخضراء فيمن يخالف |
وليس في الأبيات ما يدل على إن ربيعة قتلته إلا ما يمكن إن يكون في هذا البيت. وقال المسعودي في مروج الذهب: إن عبيد الله بن عمر برز أمام الناس في أربعة آلاف من الخضرية معممين بشقق الحرير الأخضر، وابن عمر يقدمهم وهو يقول: (أنا عبيد الله ينميني عمر) الرجز السابق، فناداه علي: ويحك يا ابن عمر علا م تقاتلني؟ قال: أطلب بدم عثمان. قال: أنت تطلب بدم عثمان، والله يطلبك بدم الهرمزان؟ وأمر علي الأشتر النخعي بالخروج إليه، فخرج الأشتر إليه وهو يقول:
إني أنا الأشتر معروف الشتر | إني انا الأفعى العراقي الذكر |
لست من الحي ربيع أو مضر | لكنني من مذحج البيض الغرر |
فانصرف عنه عبيد الله ولم يبارزه. ثم قال المسعودي: كان عبيد الله بن عمر إذا خرج إلى القتال قام إليه نساؤه فشددن عليه سلاحه ما خلا الشيبانية بنت هانئ بن قبيصة - وهو صاحب وقعة ذي قار مع كسرى التي انتصر فيها العرب على كسرى - فخرج في هذا اليوم وأقبل على الشيبانية وقال لها: إني قد عبأت اليوم لقومك وأيم الله إني لأرجو إن أربط بكل طنب من أطناب فسطاطي سيدا منهم. فقالت: ما أبغض إلي إن تقاتلهم. قال ولم؟ قالت: لأنه لم يتوجه إليهم صنديد إلا أبادوه، وأخاف إن يقتلوك، وكأني بك قتيلا وقد أتيتهم أسألهم إن يهبوا لي جيفتك! فرماها بقوس فشجها وقال لها: ستعلمين بمن آتيك من زعماء قومك. ثم توجه فحمل عليه حريث بن جابر الحنفي فطعنه فقتله، وقيل إن الأشتر النخعي هو الذي قتله، وقيل إن عليا ضربه فقطع ما عليه من الحديد حتى خالط سيفه حشوة جوفه، وان عليا قال حين هرب فطلبه ليقيد منه بالهرمزان: لئن فاتني في هذا اليوم لا يفوتني في غيره - وكان عبيد الله قتل الهرمزان لما قتل أبو لؤلؤة عمر فأراد علي إن يقيده به فهرب - وكلمت نساؤه معاوية في جيفته، فأمر إن تأتين ربيعة فتبذلن في جيفته عشرة آلاف، فاستأمرت ربيعة عليا فقال: إن جيفته لا يحل بيعها، فاجعلوا جيفته لبنت هانئ بن قبيصة الشيباني زوجته. فاتت القوم وقالت: أنا بنت هانئ بن قبيصة وهذا زوجي القاطع الظالم قد حذرته ما صار إليه فهبوا لي جيفته، ففعلوا وألقت إليهم بمطرف خز فأدرجوه فيه وكان قد شد في رجله طنب فسطاط من فساطيطهم. وهو قد كان وعدها إن يربط بكل طنب من أطناب فسطاطه سيدا من قومها، ففعل الله به ذلك. وفعل علي كما فعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لما بذل له مال في جيفة بعض المشركين. وقال الصلتان العبدي يذكر مقتل عبيد الله، وان حريث بن جابر الحنفي قتله من أبيات:
إلا يا عبيد الله ما زلت مولعا | ببكر لها تهدي اللقا والتهددا |
وكنت سفيها قد تعودت عادة | وكل امرئ جار على ما تعودا |
حباك أخو الهيجا حريث بن جابر | بجياشة تحكي (تهدي) الهدير المبددا |
قال نصر بن مزاحم في كتاب صفين: كان حريث بن جابر نازلا بين العسكرين في قبة له حمراء، وكان إذا التقى الناس للقتال أمدهم بالشراب من اللبن والسويق والماء، فمن شاء أكل أو شرب، وفي ذلك يقول الشاعر:
لو كان بالدهنا حريث بن جابر | لاصبح بحرا بالمفازة جاريا |
وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين ما يدل على رسوخ قدم حريث بن جابر وثباته في طاعة أمير المؤمنين عليه السلام - ولا بد من ذكر أول القصة باختصار ليرتبط الكلام وان طال قال ذكروا إن الناس لما رفعت المصاحف بصفين باحوا وقالوا: أكلتنا الحرب وقتلت الرجال. وقال قوم: نقاتل القوم على ما قتلناهم عليه أمس، ولم يقل هذا إلا قليل من الناس. ثم رجعوا عن قولهم مع الجماعة، وثارت الجماعة بالموادعة، فقام أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أنه لم يزل أمري معكم على ما أحب إلى إن أخذت منكم الحرب وقد والله أخذت منكم وتركت وأخذت من عدوكم فلم تترك وإنها فيهم أنكى وأنهك، إلا إني كنت أمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم مأمورا وكنت ناهيا فأصبحت منهيا وقد أحببتم البقاء وليس لي إن أحملكم على ما تكرهون. ثم قعد، وتكلمت رؤساء القبائل، فأما ربيعة، وهي الجبهة العظمى، فقام كردوس بن هانئ البكري فحث على طاعة علي عليه السلام بأبلغ كلام فقال أيها الناس! أنا والله ما تولينا معاوية منذ تبرأنا منه ولا تبرأنا من علي منذ توليناه وان قتلانا لشهداء وان أحياءنا لأبرار وان عليا لعلى بينة من ربه وما أحدث إلا الإنصاف وكل محق منصف فمن سلم له نجا ومن خالفه هلك. ثم قام شقيق بن ثور البكري فدعا إلى التحكيم والموادعة. ثم قام حريث بن جابر البكري فأيد ما قاله كردوس فقال: أيها الناس! إن عليا لو كان خلوا من هذا الأمر لكان المفزع إليه، فكيف وهو قائده وسائقه، وانه والله ما قبل من القوم اليوم إلا ما دعاهم إليه أمس ولو رده عليهم كنتم له أعنت ولا يلحد في هذا الأمر إلا راجع على عقبيه أو مستدرج بغرور فما بيننا وبين من طغى علينا إلا السيف. ثم قام خالد بن المعمر فكان كلامه أقرب إلى الموادعة إلا أنه علقها على رضا أمير المؤمنين عليه السلام، فقال في جملة كلامه: إنا لا نرى البقاء إلا فيما دعاك إليه القوم إن رأيت ذلك فإن لم تره فرأيك أفضل. ثم قام الحضين الربعي (هو الحضين بن المنذر بن وعلة الرقاشي) وهو من أصغر القوم سنا، فأيد قول كردوس وحريث فقال في جملة كلامه: أيها الناس، إنما بني هذا الدين على التسليم، وان لنا داعيا قد حمدنا ورده وصدره، وهو المصدق على ما قال، المأمون على ما فعل، فان قال لا قلنا لا وان قال نعم قلنا نعم. فبلغ ذلك معاوية فبعث إلى مصقلة بن هبيرة فقال يا مصقلة ما لقيت من أحد ما لقيت من ربيعة! قال: ما هم منك بأبعد من غيرهم، وأنا باعث إليهم فيما صنعوا. فبعث مصقلة إلى الربعيين فذم من أبى التحكيم مثل كردوس وحريث والحضين وندد بربيعة عموما، ومدح من دعا إلى الموادعة والتحكيم مثل خالد بن المعمر فقال:
لن يهلك القوم إن تبدى نصيحتهم | إلا شقيق أخو ذهل وكردوس |
وابن المعمر لا تنفك خطبته | فيها البيان وأمر القوم ملبوس |
أما حريث فان الله ضلله | إذ قام معترضا والمرء كردوس |
طأطأ حضين عناني فتنة جمحت | إن ابن وعلة فيها كان محسوس |
منوا علينا ومناهم وقال لهم | قولا تهيج له البزل القناعيس |
كل القبائل قد أدى نصيحته | إلا ربيعة رغم القوم محبوس |
فقال النجاشي يجيبه بأبيات ويمدح فيها كردوس بن هانئ تركنا ذكرها هنا ونذكرها في ترجمة كردوس. وقال خالد بن المعمر أبياتا يذكر هؤلاء الجماعة ومنهم حريث بن جابر:
وفت لعلي من ربيعة عصبة | بصم العوالي والصفيح المذكر |
شقيق وكردوس ابن سيد تغلب | وقد قام فيها خالد بن المعمر |
وقارع بالشورى حريث بن جابر | وفاز بها لولا حضين بن منذر |
لان حضينا قام فينا بخطبة | من الحق فيها منية المتخير |
أمرنا بمر الحق حتى كأنها | خشاش تفادى من خطام بقرقر |
وكان أبوه خير بكر بن وائل | إذا خيف من يوم أغر مشهر |
نماه إلى عليا عكابة عصبة | وأب أبي للدنية أزهر |
وقال الصلتان يذكرهم ومعهم حريث بن جابر:
شقيق بن ثور قام فينا بخطبة | يحدثها الركبان أهل المساعر |
بما لم يقف فينا خطيب بمثلها | جزى الله خيرا من خطيب وناصر |
وقد قام فينا خالد بن معمر | وكردوس الحامي ذمام العشائر |
بمثل الذي جاءا به حذو نعله | وقد بين الشورى حريث بن جابر |
فلا يبعدنك الدهر ما هبت الصبا | ولا زلت مسقيا باسحم ماطر |
ولا زلت تدعى في ربيعة أولا | باسمك في أخرى الليالي الغوابر |
وقال حريث بن جابر:
أتى نبأ من الأنباء ينمى | وقد يشفى من الخبر الخبير |