الشيخ جواد ابن الشيخ محمد ابن الشيخ شبيب ابن الشيخ إبراهيم بن صقر النجفي المعروف بالشيخ جواد الشبيبي.
ولد ببغداد سنة 1281 وتوفي بها سنة 1363.
ونقل إلى النجف الأشرف فدفن هناك بتشييع كبير مشى فيه الوزراء والنواب والأكابر والوجوه واستقبل في النجف بتشييع اشتركت فيه جميع الطبقات وفي مقدمتهم العلماء والشيوخ والأدباء وأغلقت الأسواق وضاق الصحن الشريف بجماهير المشيعين وبعد الصلاة عليه دفن بمقبرته الخاصة وأقيم له مجلس الفاتحة في دار آل الشبيبي بالكرادة الشرقية وفي النجف الأشرف أقامه الشيخ محمد حسن المظفر وفي الكاظمية أقامه السيد محمد صادق الهندي في فرع مدرسة منتدى النشر الدينية وفي الديوانية وفي العمارة وفي القورنة. وهو والد الفاضل شاعر العصر الشيخ محمد رضا الشبيبي.
أقوال المترجمين فيه
شيخ شعراء العراق واحد أعلامه وأعيانه ولد في بغداد حيث توفي أبوه بعد أيام قليلة من ولادته وكان مقيما فيها فرازا من تحكم بعض شيوخ (المنتفق) ففارقت والدته بغداد بعد أشهر إلى النجف وفيها إذا ذاك طائفة من أهله وذويه مقيمين للتحصيل وأقامت به قليلا إلى إن أنفد أبوها (الشيخ صادق اطيمش) من حملها إليه في المنتفق. وكان الشيخ صادق فقيها كبيرا وأديبا ضليعا يرجع إلى رياسة وإمامة في تلك الديار وله فيها ضياع ومزارع معروفة إلى اليوم فنشأ المترجم في كنف جده لأمه وتعلم القراءة والكتابة وجود الخط حتى اشتهر فيه وكان جده المذكور كثير الرعاية له والعناية به حريصا على تربيته وتهذيبه حتى شدا الشعر والأدب صبيا فزاد إعجابه به وأحبه حبا شديدا وصار يغذيه بهذا ومثله إلى إن توفي رحمه الله سنة 1296 معمرا فلم يطل مقامه في المنتفق بعد جده وفارق تلك البلاد إلى النجف ومنها إلى بغداد مترددا بينها وبين مشهد الكاظمين مقبلا على درس المبادئ ثم فضل إلى النجف لدرس الفقه والأصول فأخذ عن جماعة منهم السيد عبد الكريم الأعرجي شارح القوانين المعروف والشيخ أحمد المشهدي وجماعة آخرين ووجد بخطه نبذة في الأصول كتبها أيام درسه غير أنه كان مسوقا منذ نشأته كما تقدم إلى الأدب منظومه ومنثوره فصرف وكده واستفرع جهده فيهما وقد تميز بالترسل والبيان حتى سمع من غير واحد من رجال الفن انه اكتب كتاب هذه الديار وذلك على الأساليب العربية القديمة ورسائله معروفة مشهورة وله من المجاميع الدر المعثور على صدور الدهور وهو مجموع رسائله ومكاتباته وله ديوان شعر ولكنه فقد أخيرا فيما فقد من المسودات الخطيرة الخاصة به بسبب الكوارث الداخلية التي ألمت بالبلاد أخيرا على إن كثيرا من شعره مما يتناقله الرواة وقد نشرت له المجلات قليلا من القصائد والمقاطيع ولقد اعرض عن النظم والكتابة في أواخر حياته حيث أقام في الكرادة الشرقية وهي ضاحية من ضواحي بغداد المعروفة وذلك بين أولاده وأحفاده في كرامة موفورة.
وذكره الشيخ علي الجعفري في كتابه الحصون المنيعة في طبقات الشيعة فقال: تتلمذ في أصول الفقه على السيد عبد الكريم الأعرجي الكاظمي حين اقامته في النجف وعلى السيد مهدي الحكيم وفي الأدب على الشيخ محسن ابن الشيخ خضر والسيد محمد سعيد الحبوبي ’’انتهى’’ وقال الأستاذ جعفر الخليلي صاحب جريدة الهاتف النجفية ما حاصله: كان اسمه من الشهرة بحيث لا أذكر اسم الأدب بجميع فنونه إلا وكانت له من المناسبة ما تجعل الاتصال وثيقا باسم الشبيبي الكبير وكان عدد أدباء العربية الموهوبين في عصره كبيرا جدا وعلى كبر هذا العدد فقد كان في الرعيل الأول من المتفوقين والعباقرة وقد كنت اعلم أنه من رواد مجالس آل الشيخ عباس الجعفري والسيد علي العلاق والسيد حسين القزويني ومن أقران الشيخ هادي ابن الشيخ عباس الجعفري والشيخ عبد الكريم الجزائري والشيخ عبد الحسين الجواهري والشيخ آقا رضا الأصفهاني والسيد علي العلاق والسيد جعفر الحلي والسيد باقر الهندي وكنت اعلم إن لهؤلاء تاريخا حافلا بالفضيلة والكرامة وإليهم يرجع الفضل في بناء النهضة الأدبية وكذلك له مع الطبقة التي تليهم كالشيخ عبد الحسين الحلي والشيخ عبد الرضا آل الشيخ راضي والشيخ عبد الحسين الحياوي وغيرهم وله مع هذه الطبقات نوادر ونكات غاية في الرقة ومساجلات شعرة كثيرية وكان هو المجلي في شعره ونثره ونوادره وسرعة خاطره ’’انتهى’’.
بعض نوادره
في جريدة الهاتف: قال له بعض العلماء لا تنس إن ولدت سنة وفاة الشيخ مرتضى الأنصاري فقال وأي شيء في ذلك فقال إن تاريخ وفاته بحساب الجمل (ظهر الفساد) فقال له وأنت من الذين ولدوا في ذلك التاريخ فيما أذكر قال لا بل أنا ولدت قبل وفاته بأربع سنين فقال فإذا تاريخ ولادتك (ظهر الفسا). وبلغه إن الشيخ جواد عليوي وقد ثنى على الثمانين تزوج بفتاة صغيرة وانه يعالج نفسه بالأدوية فكتب إلى بعض أصدقائه يقول:
(جوادك) من بعد الثمانين صاهل | فمن ذا يجاريه ومن ذا يطاول |
وقائلة ما ذا تحاول نفسه | فقلت لها فتح الحصون تحاول |
فقالت أبا لسيف الذي هو حامل | وما سيفه في الروع إلا حمائل |
ومن عجب إن الصياقل لم تكن | تعالجه بل عالجته الصيادل |
دعها تلفت فلا بنفف | لتجوبها حزنا وصفصف |
حرف تكاد لضعفها | من خط سطر الركب تحذف |
إن أذملت فقل الظليم | لمرتمى البيداء قد زف |
تستل من نفس الصبا | روحا بجسم البرق تقذف |
وتلوح في لجج السراب | كأنها صرح مسجف |
أمقف القلم الذي | من دونه الرمح المثقف |
تجري سلافة ريقه | فتعبها الأفكار قرقف |
ورد الفصاحة لم يكن | لولاه بالإملاء يقطف |
جوف العدو يضيف من | نفثات أرقمه المجوف |
فكأنه قلم القضا | إن جر يوما ما توقف |
أيا ظبي الصريم عضى فؤادي | مقيلك حيث تأوي لا الصريم |
جرى فيك الغرام على اختلاف | فصبر ظاعن وجوى مقيم |
وشوق صح في قلب سقيم | به من لحظك الماضي كلوم |
سرى من مقلتيك له سقام | فأعداه وقد يعدي السقيم |
أيطعنني قوامك وهو خوط | ويصرعني هواك وأنت ريم |
أعقيق ما شفه الحسن أم فم | شق قلب البروق لما تبسم |
وعلى وجنتيك خط يراع | الحسن حرفا بمسكة الخال معجم |
أيها المجتلي المحيا أبدرا | مشرقا قد جلوت من مطلع التم |
أم صفات الضيا تجلت فشمنا | أنجما من توقب النجم أنجم |
يا عرب أين جيادكم وهي التي | لم يثنها في الروع جذب عنان |
المنجبات اللقب تحمل غلمة | الفوا عناق معاطف المران |
والجاعلات من السبيب مراوحا | يخفقن فوق مناكب الفرسان |
يحملن مردا لا يداف خضابهم | إلا بمطروق النجيع القاني |
سل عن مواكبها التي كم غيرت | ما بين ذي قار إلى حلوان |
يخبرك (يوم القادسية) كم لها | أثر يرق بصفحة الإيوان |
قادت مداينه وكم من معقل | ينقاد للتسليم والإذعان |
واستبدلت عصف الهياج بأرضها | عن دوح ذاك العصف والريحان |
وغدت مراقب للنسور مع الطلى | بين التلاع الحر والكثبان |
واستعبد العرب الغطارف فرسها | فهوت مرازبهم إلى الأذقان |
سجدت ونيران الوغى حمر الظبا | للسلم لا لعبادة النيران |
يا من يفر ولا مفر لهارب | وطأت قراه كتيبة الحدثان |
سيدور دهر الغافلين عن القضا | والدهر كالأفلاك ذو دوران |
سل قنة الإيوان فارغة الذرى | إن كان تنطق قنة الإيوان |
أين استقل العدل يخنق بنده | من بعد ناشره أنوشروان |
أم أين هرمزه وقادة جيشه | أم أين ما تركت بنو ساسان |
أين البساط تفننت بصنيعة | أيد نسجن بأبدع الألوان |
ما بين ياقوت وبين زمرد | حسك ربطن الدر بالمرجان |
فإذا نظرت رأيت زهر حديقة | فيها حياض الماس كالغدران |
كانت مجالي للطلى أزهارها | فغدت لأظفار الخطوب مجان |
لاهون كم بسطوه تحت زجاجهم | والدهر يطويه بأي بنان |
أضحى غنيمة فاتحين شعارهم | في الأرض نشر إقامة وأذان |
ركبوا المذاكي للجهاد مصاعبا | ملس المتون رخية الارسان |
الدافعون بطارق حبل العدى | والفاتحون مغالق البلدان |
أخذوا على الدول الطريق فلا ترى | فيها الطريق لخائف عينان |
واستقبلتهم بالخضوع حصونها | فغدت مخازنها بلا إحصان |
علقت رقابهم الظبا مسنونه | كعلاقة الأرواح بالأبدان |
سالت دروعهم على بحر العدى | وسيوفهم بالغدر والخلجان |
وتلونت بحرا يصادم لجمهم | فطمى الردى حيث التقى البحران |
لواء الدين لف فلا جهاد | وباب العلم سد فلا اجتهاد |
تخارست المقاول والمواضي | فليس لها جدال أو جلاد |
بكيت معسكر الإسلام لما | أطيح عميده وهو العماد |
كأن لم تركز الخرصان فيه | وتصبح في مواكبه الجياد |
تزاحفت الخصوم فهل سديد | وأرجفت الثغور فهل سداد |
أقائد جحفل التوحيد من ذا | بعدل صفه وبمن يقاد |
تصيدك العدى في الجو نسرا | ونسر الشهب فيهم لا يصاد |
وارهبهم جناح منك أضحت | تفيا في قوادمه العباد |
إذا وصفوا كتائبه استكانت | لعز مليكه الدول البعاد |
مليك غير إن العلم تاج | له من فوق مفرقه انعقاد |
ومصلح أمة لو لم يقمها | بنهضته لأقعدها الفساد |
فما نفرت وفيها لها ائتلاف | ولا اشتجرت وفيه لها اتحاد |
أتاها والقلوب بها سقام | وجاهدها فابرأها الجهاد |
وساق الجيش مطلعه (سعيد) | وفي مجرى ظلائعه السداد |
تجمهر لا يعد وليس يأتي | على أوصاف قائده العداد |
يسير المسلمون على سناه | وفي الفلوات منه بها يقاد |
كأن الخيل يرسلها سرايا | كواكب في السماء لها طراد |
كان عداك في الهيجاء زرع | دنا منه بمنصلك الحصاد |
كأن البرلج من حديد | تسيل به الأباطح والوهاد |
كأنك يا نجاتهم سفين | تسايرها الهداية والرشاد |
أرادوا النصر ينتج بابن آن | وأمر الله يعقم ما أرادوا |
ورد نفيرهم لم يلو جيدا | إلى العقبى وعقباها ارتداد |
تحايدت القبائل عنك لما | رأوا إن الحياة هي الحياد |
هو البارق العلوي ينبض عرقه | وتجلو لك الآثار في الأرض مزنه |
وميض من الآراء لا ما تخاله | وقطر من الأقلام لا ما تظنه |
وما السيف مصقول الفرند بمائج | كما ماج من عضب البصيرة متنه |
إذا ملك الإنسان رأيا ومزيرا | تمنع عن فتح الملمات حصنه |
وكيف وعضب الرأي يهبر ضربه | وزج اليراع الصلب يبهر طعنه |
ألا قطعت من زندها يد كاسل | مقيم على لهو وقد جد ظعنه |
يشيد مصل الصرح جسما على الهوى | ويهدمه من حيث يثبت ركنه |
فيا راكب الخمسين والعيش مشرع | تصادم في ردم من الذعر سفنه |
أما لك من إمارة السوء زاجر | يسوس لك الجاش الذي لا تعنه |
فهل بعد غور الماء عن مغدر الصبا | يرنح في روض الشبيبة غصنه |
أتى الشيب بالشهباء وهي كتيبة | بها حرب خطب مرهب مرجحنه |
بما ذا يقي منه وقد خانه الصبا | وأصبح مقلوبا عليه مجنه |
يبكيه أرجاف الظنون ومن بكى | لها حق لا تضحك الدهر سنه |
وتسهره الآمال والفوز ضائع | عليها كما قد ضيع النوم جفنه |
شرى الخسر من باع الحياة بموته | ولا ثمن إلا الملام وغبنه |
هوى بجناح الطيش ينفض ريشه | وأصبح رهن الذاريات مكنه |
يفاخر في تلك الرفات دفائنا | يعز عليها إن يؤخر دفنه |
إذا ما اقتفى المرء الذليل ابن نفسه | بأخلاقه فالعز إن يهتك ابنه |
أرى المجد في الإنسان ثغرا يسده | ونهجا على الذكر الجميل يسنه |
جمال الفتى إحسانه وجميله | وليس جميلا بالفتى الضرب حسنه |
وليس سواء مزئر حول غيله | وباغم سرب يشرئب أغنه |
يدك أبو الأشبال هضبة قرنه | وخشف الظبا بالفهر يكسر قرنه |
أحب المخلى يطلق الجد رأيه | وابغضه والقيد باللهو سجنه |
وأعشق من تصبي الفنون فؤاده | فلا فن إلا وهو بالجد فنه |
وأهوى نزيفا جامه ما يصوغه | وألفاظه الصهباء والفكر دنه |
جلاها سراجا في الغبوق ومثلها | توقد في قلب الدجنة ذهنه |
أمنت بها خطف المخاوف إنما | تخوفها من طال بالنوم أمنه |
فشمر لها ذيل المجد وردعها | به خاطب العلياء تعبق ردنه |
فدى لمنير الليل في جمرة الذكا | خمود دخان الموقدين يجنه |
إذا ما جرى ذكر المصافات للعلا | تراكض من خلف الترائب ضغنه |
يسل كهاما من لسان وكم نبا | وفي ملس أعراض الكرام يسنه |
فلم يمتلئ إلا بنقص صواعه | ولم يستقم إلا على البخس وزنه |
أحلته أحلام الكرى منبت | المنى فاهز له المرعى الذي فيه سمنه |
بمن لذاتك بيتا من علا سمكا | صير غداي غداة الأربعا سمكا |
وخصني فيه فردا لا يشاركني | سواك فالنفس تأبى الشرك والشركا |
أما اعتبرت بهم يوم الهريسة مذ | ألقوا أناملهم من فوقها شبكا |
قالوا لنا سرر البني نقسمها | ما بيننا والبقايا في الجلود لكا |
ألسنا الناظمين على طلانا | ولاءك غير منتثر العقود |
إذ سلك القلادة عد خيطا | فسلك ولاك من حبل الوريد |
تكتمت لولا إن دمعي فاضحي | وأعرضت لولا ما تجن جوانحي |
وقلت لداعي الحب سمعا وطاعة | فعن موقفي في العشق لست ببارح |
وما أنا ممن يضعف الشيب نفسه | وان أصبحت تبيض سود مسابحي |
أحن فما رعد السحاب بمرجف | وأبكي فما دمع الرباب بسافح |
يطارحني في الدوح من ليس قلبه | كقلبي ولا أوكاره كمطارحي |
علوت صياصي العز وهي فوارع | ودانيت أبراج النجوم اللوامح |
إذا كان كل المجد بعض مطامعي | فنيل الثريا من أقل مطامحي |
وظن سماك الشهب إني أعزل | وكم اعزل يقوى على طعن رامح |
عبرت له نهر المجرة ضاربا | لاسنمة الأمواج في يد سابح |
تلاحظني في ضفتيه نجومه | فهل كنت في الأفلاك أول سائح |
كأني من تحت النيازك حاسر | تهاوت عليه بارقات الصفائح |
من السعد لو نصل الهلال يريحني | فأصبح مذبوحا لأشرف ذابح |
فكن يا ضراح الشهب موضع حفرتي | فما في ثرانا موضع للضرائح |
تجاور فيها الجائرون وأسسوا | بهذا الفضا أحدوثة من فضائح |
قرون حديد اطلعوا من سقوفها | وقالوا لها هذي السماء فناطحي |
أما كان في (فرعون) يا قوم عبرة | تذكركم في كارثات الجوائح |
فيا مصلحيها بالفساد أقمتم | من الظلم سدا في طريق المصالح |
وما كفتا ميزانكم لتعادل | إذا اغتصب المرجوح كفة راجح |
ربحتم بسوق الدهر يا باعة العلا | ومن خسر العلياء ليس برابح |
ويا ابنة أحلى الطير طوقا وبزة | وآلفها للمغرس المتفاوح |
تورين أم تورين نار صبابتي | تراكم هذا الشك فيك فصارحي |
متى تحمل الآمال وهي عقائم | وتمشي بها الأيام مشي اللواقح |
ويعدل هذا الدهر ما بين أهله | ويفرق فيه بين غر وقارح |
ويمسي سواء في النعيم وفي الشقا | أبو جوسق وابن الصحاري الصحاصح |
فهذا يحييه النسيم بنافح | وذلك يشويه السموم بلافح |
يحركني من ليس يدرك غايتي | ولم يدر ما تصبو إليه جوارحي |
إلى سكن مما يخال وظيفة | إليها انتهت آمال غاد ورائح |
فقلت له هيهات أثلم عزتي | وأنسفها بالقارعات الفوادح |
وتأبى طباع الأعزب الحر غادة | يراودها عن نفسها ألف ناكح |
وما العيش إلا تحت عيني باغم | فقد سئمت أذناي تغريد صادح |
فلا دام يا أهل المقاصير ظلكم | إذا دام تحت الشمس أهل البطايح |
ولا طوت الدنيا بكم عمر ساعة | طيوركم بعد النياق الطلائح |
عداك إذا كفوا الأذى عنك كافهم | وأما أبوا إلا الكفاح فكافح |
وان لم تصانعهم لضعفك عنهم | وأعوزك الباع الطويل فصافح |
واخمد شرار الحقدان كنت مصلحا | فكم أحرقت شعبا شرارة قادح |
فان (سرابا) حين ذيدت عن الروا | مشت فوق بحر من دم الشوس طافح |
رجاؤك يعلو للسحاب وتارة | يرود الروا عند العيون النواضح |
ومن كان من ضرع السحابة ريه | يشق عليه الحوم حول الضحاضح |
أمر كريما بالمآسد رابطا | بها الجاش باجتياز المنابح |
وأمنع نفسي عن مقاذعة العدى | وارتق أذني دون كذب المدائح |
ثمار المعالي حيث يقتطف العز | ورد الأيادي عن تناولها عجز |
تقحم قطوف المجد لا تخف الأذى | فليس لشوك في يد المجتني وخز |
وباعد قراب الضيم إن كنت مرهفا | فما المنصل الفصال بالغمد يهتز |
ولا تخش لو أثريت فضلا خصاصة | ففضلك مال لا يقاومه كنز |
تواضع به ترفع فكم حط شاهقا | إلى هوة بذخ الجهالة والنبز |
وفاوض به من دون كعبك رأسه | فلم تزر عند الفضل بالأخفش العنز |
أرى الناس غرسا ما تساوت ثماره | وهل يتساوى المر في الطعم والمز |
فلا تحسب العاري من الجهل عاريا | فحلته من نسج حكمته خز |
وما الرزق إلا السحب يرسلها القضا | فاندية غزر وأودية غرز |
وكم عقدت يوما على المرء شدة | كما جاء معقودا لممتحن رمز |
ففرج عنها موسع الخلق لطفه | وعاد عليها من عنايته طرز |
الأم قعود النفس عما ترومه | وترضى بان يغزى حماها ولا تغزو |
سأقذف في العاني الظلوم جنونه | فلا الرفق يجديه ولا ينفع الحرز |
وما المرء من يصيبك زيا وبزة | فقد تخشن الأخلاق إن نعم البز |
بل المرء من يعتز بالله والأبا | وأهون بخلق بالخليقة يعتز |
لسان الفتى يجني عليه وكم يد | بمفصلها من فعلها يقع الحز |
تفاوتت الأخلاق وضعا ورفعة | وضدان مخفوض القرارة والنشز |
رهان العلى خذه فخلفك طارد | بدهم الليالي شأنه الحث والحفز |
ولا تهمز الإنسان بالغيب باطلا | فيوشك غن حق ينص بك اللمز |
إذا كنت لم تنسب لنفسك مجدها | فما شرف الإنسان يعزى ولا يعزو |
وان لم تثقف صعدة العمر ناشئا | فيا قرب ما تعسو ولا ينفع الغمز |
بنو الدهر جان لم يؤأخذ بذنبه | وآخر لا يجني نواصيه تجتز |
وما كسرت شهب البزاة فريسها | وجاءت به صيدا ليأكله الوز |
وكم منهل جار تحامته أنفس | وحامت ظماء حيث ينتزف النز |
بموردها يقضي على نزعاتها | فأما بها ذل وأما لها عز |
مذاب وجنته في الكأس أم ذهب | ولؤلؤ رصف الصهباء أم حبب |
وهذه الراح أم شمس تحف بها | من السقاة بأبراج الهوى شهب |
يستلها من فم الإبريق ذو هيف | تكاد تحكيه لكن فاتها الشنب |
سكبت بلؤلؤ ثغرك المنضود | كف الشبيبة ريقه العنقود |
يفتر عن نور الأقاح وينثني | عن مثل خوط البانة الأملود |
يا غاية الحسن البعيد وشعلة | القلب الوقيد وفتنة المعمود |
إجارة هذا القصر نوحك مزعج | لآنسة فيه أكبت على العزف |
أدرت الرحى في الليل يقلق صوتها | وجارتك الحسناء تنقر بالدف |
وجاورت هاتيك القصور شواهقا | بدار بلا بهو وبيت بلا سقف |
لا تشتكي دجلة نقصانها | ألم يزدها فيضان الخمور |
فيا أولي الأمر أحفظوا عهدها | ما هكذا كانت ولاة أمور |
أما اعتبرتم بالأولى قبلكم | كم تركوا جناتهم والقصور |
وأضعية الآمال بعد مناصب | حفظت مقاعدها لغير كفاة |
من كل كأس يستجد لنفسه | حللا ولكن من جلود عراة |
يا مفقر العمال إن يك غيرهم | سببا لإثراء البلاد فهات |
تسافل الصدق بأرقى العصور | واحتجب الحق بعهد السفور |
وانتشر الرعب بهذا الفضا | فكل يوم هو يوم النشور |
وانتبه الفاجر من نومه | إلى الدعارات ونام الغيور |
لا يفخر الداني إذا ما علا | إن اللباب المحض تحت القشور |
عبد الرضا أفي رضا | عن دهره أم في سخط |
وهل صفا زمانه | أم لازم ذاك النمط |
قلبي يحبكم يا عابثين به | إن تبعدوا ادن أو إن تقطعوا أصل |
واليتكم وعلي القدر والدكم | فالفوز لي بولائي اليوم آل علي |
أعاد بعدك ليل الهم ساهره | معلقا بالسواري السبع ناظره |
أراه أوله حتى استشاط عنا | فقام يبعث بين الشهب آخره |
يا ناهي الطرف لا تعلق به سنة | امنن عليه وكن بالغمض أمره |
ما بين غاية مسراها ومبدئه | إلا بمقدار قول السائق اندفعي |
تحملت وهي حبلى في ثمانية | صبحا فقيل لها قبل الغروب ضعي |
إذا وجد السلوان نهجا إلى قلبي | فأكذب ما ضمته جانحتي حبي |
وان بات ما يدعونه الصبر ساعة | إلى جانبي لا نمت يوما على جنب |
لقد جل خطبا فقد أحبابي الأولى | وهل بعد فقدان الأحبة من خطب؟ |
وكنت إذا شطت بي الدار عنهم | قنعت بلذات الرسائل والكتب |
أحبة قلبي إن عدمت وصالكم | فلن تفقدوا وصلي ولن تعدموا قربي |
وان لم أكن قضيت فيكم مآربي | فاني سأقضي في محبتكم نحبي |
أحبة قلبي ندبة استلذها | كما التذ صادي القلب بالبارد العذب |
حبيب لقلبي الحزن من بعد بعدكم | فيا ليت حزني ليس يبرح عن قلبي |
ويا ليتني شاطرتكم لوعة الردى | ولو كان شطري في فم الأسد الغلب |
سرى الطيف منكم طارقا فاستفزني | وما بي من مس سوى دهشة اللب |
أغالط عن عرفانه العين تارة | وأدمعها عن صدق عرفانها تنبي |
وأشكو إليه تارة حرقة النوى | كما يشتكي صب إلى واله صب |
أأحبابنا ما هذه شيمة الحب | هجرتم بلا عتب وجرتم بلا ذنب |
بعدتم وكنا يوم كنا وكنتم | رضيعي لبان لا نمل من القرب |
سرت بكم أيدي الركائب خلسة | وكنتم لدى المسرى مصابيح للركب |
أناطوا عليكم في السرى حجب البلى | وكنتم بحورا لا تكفف بالحجب |
أناخوا إلى تعريسة ليس بينها | وبين البلى شيء سوى مطرح الجنب |
يودع منكم كل ترب فؤاده | ويودعه فيما يهال من الترب |
اللمأزق الضنك استقدتم ولم يكن | تفسح ذاك الضيق بالخلق الرحب |
وفي الموطن الأقصى الجديب سكنتم | فهلا بقلب في محبتكم خصب؟ |
أراني وقد سارت وزمت حمولهم | إلى منزل لولا فواضلهم جدب |
لكا لطائر المحصوص منه جناحه | يهم فلا يستطيع شيئا سوى الوثب |
يرى فرخه المصطاد في كف غاشم | بقفر بلا ماء لديه ولا حب |
فما هو إلا ناظر الطرف واجم | وأحشاؤه تغلي من الروع والرعب |
أبا جعفر يا من إذا العضب خانني | وضعت يدي منه على صارم عضب |
ومن إن دهت قلبي ضروب من الأسى | توقيت عنها منه بالرجل الضرب |
أجدك أرشدني لصحب أودهم | فقد قل لما بنت عن ناظري صحبي |
أأصحب من بالود يخفي لي القلا | ويجعل صدق القول نهجا إلى الكذب |
ويبدي صفاء تحته الكدر الذي | تعودت إن لا يغتدي كأسه شربي |
يزينك منه المدح ما دمت شاهدا | فان غبت عنه شأن عرضك بالثلب |
ألا لا ترجي منه شكرا لنعمة | وهل تترجى عقرب لسوى اللسب |
أرى الدهر حربا للكرام وآيتي | على كرمي إن الزمان اغتدى حربي |
ثني صرفه نحوي كتيبة غدره | فأودى بفرد دثاب عن جحفل لجب |
أخي أدبا لكنما هو والدي | حنوا وفي الإذعان لي ولدي الصلبي |
تمثله الذكرى لعيني فتنثني | على ذلك التمثال معقودة الهدب |
وتبصره في الوهم نورا فتغتدي | لإشراقة الموهوم سافحة الغرب |
فطورا أحييه تحية وامق | وطورا له أشكو شكاية ذي عتب |
وطورا أحابيه المقال مواربا | حياء لأني لم أشاطره في الكرب |
أبا جعفر عذرا إليك فإنه | وحقك لم يسلمك بدئي ولا غبي |
مضيت ولما امض لكن إذا غدا | بقائي من غير اختياري فما ذنبي؟ |
بحسبك إني لم أجد لك ثانيا | فإن أنت ما شاهدت لي ثانيا حسبي |
بكيتك للعرب الكرام فإنه | بفقدك ولى ذاهبا كرم العرب |
وللأدب السامي الذي دار حائرا | عليك كدور الفلك يجري على القطب |
وللخلق الزاكي الذي زانه الوفا | كما زينت بيض المعاصم بالقلب |
يقولون ابنه وعدد صفاته | ولم يحص من قبلي امرؤ عدد الشهب |
رأوا إن نظم الشعر سهل فسرهم | ركوبي في المسرى على المركب الصعب |
أبا لشعر اقضي واجبا قد زعمتهم | لندب عليه لا أمل من الندب |
ولو إنني نظمت آراب مهجتي | قريضا لما قضيت أو نلت من إرب |
وما نظمي الأشعار إلا تعلة | وبثا لحزن ضاق عن حمله قلبي |
فها أنا لا أطريه لكن أبثه | حنيني كترب حن شوقا إلى ترب |
وكيف يطيق المدح والنوح ثاكل | يروح ويغدو مستهاما بلا لب |
إذا نفسه فاءت أهاب بها الجوى | وان سكنت قال الزفير لها هبي |
ترف رفيف (الفخت) ريعت فلم يطق | من الروع تغريدا على غصنها الرطب |
يا ليت أحبابنا يوم النوى رمقوا | جسمي أهل بي من فرط الجوى رمق |
وليتهم يوم جد البين واحتملوا | أوحوا إلي بأنا سوف نفترق |
ما ضر لو إنها عاجت ركائبهم | علي ثم إذا شاءوا بي انطلقوا |
ما ضر لو إنهم في بينهم سعدوا | إذا أراحوا لتوديع الذين شقوا |
عمري لو إنهم عاجوا لنم بهم | منهم على البعد عرف العنبر |
العبق من لي بشق طريق نحوهم فلقد | سدت أمامي بفيض الأدمع الطرق |
وكيف تبصرهم عيني ومقلتها | فيما تصوب به إنسانها غرق |
قد أعنقت بهم الحدباء مسرعة | يا ليتها دق منها الصلب والعنق |
لو إنها عقلت من فوق غاربها | ما انفك للسير عن أرساغها الوهق |
لو خبرتني بأخبار الذين مضوا | أشجيتها بأحاديث الذين بقوا |
تماسكوا وهم أرسى حجى وعلوا | على النوائب إلا إنهم صعقوا |
ولا غرابة إن ساخت حلومهم | فإنهم من حديد الأرض ما خلقوا |
إن الرياح إذا هزت عواصفها | دوحا تناثر قسرا حوله الورق |
ما لي أرى هذه الآفاق شاحبة | أهل ترى لمصاب يحزن الأفق؟ |
وما لهذي الدراري لا تقر على | حال أهل يعتريها الهم والقلق؟ |
وما لأحداقها في الناس شاخصة | أبينهم فقدت إنسانها الحدق؟ |
قالوا جزعت ومن لي إن يطاوعني | صبر توزعنه الأرزاء والحرق |
أومى إلي وقد سارت ظعونهم | مودعا ثم ولى وهو منطلق |
قالوا حزنت ومن لي أن يبارحني | اليم حزن عليه القلب منطبق |
حزنت والحزن من أهل الحجى كمد | في النفس يظهره في المضجع الأرق |
ولا يضير اسود الغاب إن حزنت | ما لم يلم بها ذعر ولا رهق |
أحبابنا لا بعدتم عن دياركم | ولا علا فوقها من وحشة غسق |
هيهات أفرق من رزء بغيركم | من بعدكم دام رزئي و انتهى الفرق |
ذكرتكم ظامئا والماء ملء فمي | فما علمت سوى إني به شرق |
قد راعني إن عيشي اسود بعدكم | ولم يرعني هذا الأبيض اليقق |
وشفني إنني ما شمت طيفكم | ليلا وما شف جسمي إنني ارق |
أدمت حشاشتي الأرزاء بعدكم | فأعجب لها كيف تندى وهي تحترق! |
ما خلت أنا وقد شابت ذوائبنا | على المودة قبل الموت نفترق |
ما خلت إن عهودا بيننا سلفت | في ساعة بالردى تمحى وتنسحق |
ما خلت إن القضا الجاري يؤخرني | فيمن لورد الردى أحبابه سبقوا |
ما خلت إني أبقى بعدهم فأرى | عرج الضباع مع الآساد تستبق |
لقد تسافلت الأيام حين غدت | أذنابها هي والأعناق تتسق |
هيهات يصلح منها فاسد أبدا | وهل يعود جديدا مطرف خلق؟ |
سمعا أبا جعفر مني مقال أخ | ما في مودته كذب ولا ملق |
سبقتني واراني غير مبتعد | إلا بمقدار إن يغدو لك السبق |
إذا ابتعدنا فان البعد يزلفنا | أو افترقنا فانا سوف نتفق |
كم حلبة بك للآداب قد نشطت | وموكب بك للعلياء يتسق |
كنا إذا ما تسابقنا لها فرقا | جليت أنت وصلت خلفك الفرق |
إذا تخلق يوما بالوفا أحد | فإنه بك يا رب الوفا خلق |
وان تصنع للجود امرؤ شهدت | كفاك انك من طبع به خلق |
محسد بخلال لا يخالطها | بطبعها حسد للناس أو حنق |
عف السريرة ما زالت ضمائرها | تبدو كما انشق في صدر الدجى فلق |
إن خصه الجدب عاما سر خاطره | إن الأنام جميعا أخصبوا وسقوا |
لهفي له وعليه كلما نظرت | عيني لآثاره في الفضل تأتلق |
سقاه من صيب الرضوان هامره | ومن دموعي حيا كالمزن مندفق |
أخب وراء الفكر والفكر شارد | لقد ذعرته الحادثات الشدائد |
وانشد صبري أين ولى ولا أرى | سوى انه نحو الأحبة قاصد |
ألا أيها الصبر الذي اجتازني لهم | ترسم مغانيهم فإنك رائد |
إذا طاب مثوى القوم عدلي ألتجي | إليهم وما ظني بأنك عائد |
آيست من السلوى وخبت فلم أجد | خليلا يواسي أو خليا يساعد |
ولا غرو إن عز النصير فإنه | (إذا عظم المطلوب قل المساعد) |
وما ضائري إني فريد إذا غدت | تساعدني من مقلتي الفرائد |
وهل تسعد الثكلى بحزن أجيرة | تراوع إن جد الأسى وتحايد |
ومن صارع الآساد ليس تهوله | إذا ساورته في حماه الأساود |
يسائلني النوام ما أنت واجد | وأجدر بي لو قيل من أنت فاقد |
وما هم من الوجد الذي يجهلونه | وهل يعرف الوجد المبرح راقد |
لقد فقدت نعشا فراحت تروده | وتندبه عمر الزمان الفراقد |
وظل السهى يصحو ويغفي صبابة | وحزنا عليه فهو يقظان هاجد |
فقدت أخا برا إذا ما هززته | بمغمده قالته منها المغامد |
تخيرته مما أجنت وأبطنت | كنوز الليالي واصطفته المحامد |
أخو نجدة امضي من السهم مارقا | وأسرع من برق سرى وهو راكد |
وقالوا ابتدل عنه على البعد مثله | فقلت لهم (ما كل عذراء ناهد) |
أرى ألف جيد غير إني لا أرى | بها واحدا فيه تناظ القلائد |
عذيري من الأيام يغمزن صعدتي | فادفع عنها تارة وأحايد |
أعاتبها عما جنت وكأنها | إذا عوتبت عما جنته جلامد |
إذا كان حر العتب لم يلف معتبا | ولا مصغيا للعتب فالعتب بارد |
سفاه عتاب المرء أيام دهره | فبالعتب لا يزكو ويصلح فاسد |
ولو ساع عتب الدهر حملت متنه | ذنوبا عليها من مشيبي شواهد |
مشيب وهجر وافتراق وغربة | بشقة ارض اقربوها أباعد |
إذا صدرت عنها الأماني ظوامنا | فقد أسنت منها لهن الموارد |
خطوب أعدت للورى أيقلها | على الكتد الواهي من الناس واحد |
أصابر منها ما استطعت بمهجة | تعاني الذي لم تستطع وتكابد |
ثقي إن تبيدي يا بقايا حشاشتي | وشيكا فان الصبر قبلك بائد |
إذا كان عقبى الناس إن يردوا الردى | فيا ليته لا كان للناس والد |
وان كان عقبى الشيب إن يفقد الفتى | أحبته يا ليت لا شاب ماجد |
لئن ساءني لقيا المنية يافعا | فما سرني إني مع الشيب خالد |
لو إن حياتي في يدي اخترت خيرها | وعفت لعمري كلما هو زائد |
فما هذه الأعمار إلا مخازن | بها المنتقى والساقطات الردائد |
حياة الفتى كالبرق يسري وخلفه | زوابع تخفي ضوءه ورواعد |
لقل غناء الظل للدوح وارفا | إذا عملت فيه الأكف العواضد |
وقل بقاء الورد في الروض زاهيا | إذا ولجته الحاصبات الحواصد |
إلا ليت شعري هل أبيت بنجوة | من الوجد أم إني مدى الدهر واجد |
وهل أردن ماء الفرات عشية | أم إني من دمعي برغمي وارد |
وهل ترجع الأيام يوما كعهدها | فترعى عهود قد خلت ومعاهد |
رعى الله عهدا من حبيب تكثرت | بقربي له بين الأنام الحواسد |
بذلت له ودي وما كان ضائعا | وما هو من بعد المنية نافد |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 4- ص: 282