التصنيفات

الأمير جهجاه ابن الأمير مصطفى الحرفوشي الخزاعي البعلبكي أمير بعلبك وتوابعها
توفي حوالي سنة 1225.
(جهجاه) من الأسماء العربية سمي به بعض الصحابة كما مر وكان المترجم من أمراء بني الحرفوش تولى حكم بلاد بعلبك مدة بعد أبيه الأمير مصطفى حوالي سنة 1201 وبقي في الحكم حوالي 24 سنة وكان شهما شجاعا عالي الهمة وجرت في أيامه فتن وحروب وحوادث كثيرة على عادة ذلك العصر. ويظهر من قصيدة للمترجم باللسان العامي أرسلها إلى أخيه الأمير سلطان وذكرت في مجلة العرفان م 9 إن المترجم كان قد ذهب إلى العراق إلى بني عمه خزاعة (الخزاعل) بسبب ضغط بني عمه عليه وأخذ هم الإمارة منه وانه ذهب إلى العراق كفا للشر ورعاية لحرمة أخت الأمراء ولا يعلم من هي من أخواتهم. ولكن مؤرخي ذلك العصر لم يشيروا إلى ذهابه للعراق وسببه وإنما فهم ذلك من هذه القصيدة ويظهر منها إن والي الشام أرسل محمد آغا العبد متسلما (حاكما) على بلاد بعلبك وان ذلك كان في مدة غياب المترجم في العراق وان المترجم لما علم بذلك من كتاب أرسلته إليه أخت الأمراء حركته الحمية العربية وعاد من العراق إلى سورية وحارب محمد آغا العبد وقتله يقول فيها:

وقد أشار الأمير حيدر الشهابي في تاريخه إلى هذه الواقعة فقال في سنة 1201 كان الوالي على دمشق حسين باشا بطال فبعد دخوله دمشق أرسل محمد آغا العبد الذي كان حاكما في البقاع متسلما على بلاد بعلبك وكان قد رجع الأمير جهجاه ابن الأمير مصطفى الحرفوشي -يعني من العراق- فجمع عسكرا وكبس محمد آغا في بعلبك وقتل جماعة من أصحابه وهرب محمد آغا إلى دمشق وكان الوالي يومئذ قد هم بالخروج إلى الحج فلم يتمكن من إرسال عسكر إلى بعلبك ’’انتهى’’ ولم يذكر إن محمد آغا قتل لكن الأمير جهجاه يصرح في قصيدته كما مر بأنه قتله وهو اعرف بذلك ولعله قتله في وقعة أخرى. وفي التاريخ المذكور انه في سنة 1202 عزل بطال باشا عن ولاية دمشق وتولى مكانه إبراهيم باشا الأظن وبعد دخول إبراهيم باشا إلى دمشق أرسل عسكره إلى بلاد بعلبك وكبس الأمير جهجاه الحرفوشي فانكسر عسكر الدولة وقتل منهم جماعة ثم أرسل الأمير يوسف الشهابي فاستعطف خاطر إبراهيم باشا على الأمير جهجاه ورجع إلى حكم بلاد بعلبك. وفيه انه في سنة 1203 ثار المماليك بالجزار وأطلقوا عليه الرصاص فسلم لأنه بلغه إن بين المماليك والخيالة خناء في داره فعزم على قتلهم وهجم عليهم فأطلقوا عليه الرصاص وخرج سليم باشا والمماليك من عكا وتبعهم العسكر وسار سليم باشا وسليمان باشا بالعسكر إلى صور وحضرت إليهم المتأولة والصفدية وسلموهم أمر بلادهم ثم رجع سليم باشا بالعسكر إلى نواحي عكا وجرت بينهم وقعة انهزم فيها عسكر سليم باشا وهرب هو إلى دمشق وهرب سليمان باشا إلى دير القمر ثم أرسل الجزار عسكرا إلى البقاع برجال وادي التيم ومعهم محمد آغا العبد بمائة خيال من وجاق الدولة لقتال سليمان باشا والأمير يوسف الشهابي فأرسل إليهم الأمير يوسف عسكرا مع بعض بني عمه وحضر أيضا الأمير جهجاه الحرفوشي بعسكر من بلاد بعلبك فانكسر عسكر الجزار ورجعت عساكر الأمير يوسف أكثرها إلى بلادها ورجع الأمير جهجاه إلى بلاده ثم أعاد الجزار العسكر فانكسر عسكر الأمير يوسف. وفي كتاب دواني القطوف انه في سنة 1806 م (1221 ه‍( مر جرجس باز مدبر الأمير يوسف الشهابي وأولاده وعسكر لبنان عائدين من مقاتلتهم لسكان الضنية وظفرهم بهم فاحتفل بلقائهم الأمير جهجاه الحرفوشي حسب عادة العصر وكان الأمير صديقا لجرجس المذكور فبقي عنده أياما ثم عاد إلى دير القمر وفي هذه الأثناء نوى الأمير بشير الشهابي إن يأخذ الكرك من الحرافشة فتوسط الأمر جرجس باز إكراما لمودة جهجاه فعدل عن نيته.
وفي بعض التواريخ العاملية التي نشرت في مجلة العرفان ج 27 م 29 ص 678 انه في شهر ربيع الثاني سنة 1204 ه‍ صارت وقعة بين والي الشام - إبراهيم باشا -وبين البعلبكيين-والمراد الأمير جهجاه- وكانت الغلبة فيها لعسكر الوالي وأخذ واحريم الأمير إلى الشام وفي تاريخ الأمير حيدر انه بعد إن وصلت حريم بني الحرفوش إلى دمشق أرسل إبراهيم باشا متسلما إلى بعلبك اسمه إبراهيم آغا فعدل في حكمه وأحبته الرعايا. وفيه انه في سنة 1204 حضر إلى دير القمر الأمير قاسم ابن الأمير حيدر الحرفوشي ملتجئا إلى الأمير بشير الكبير فأرسل معه عسكرا ليرفع الأمير جهجاه ابن الأمير مصطفى عن حكم بلاد بعلبك ويولي الأمير قاسما مكانه وحين وصل العسكر بلاد بعلبك التقاهم الأمير جهجاه وكسرهم وسلب منهم كثيرا من الخيل والسلاح ولم يرد إن يقتل أحدا منهم وأسر الأمير مراد ابن الأمير شديد أبي اللمع ولما وصل إمام الأمير جهجاه أطلقه مكرما ثم إن الأمير قاسما جمع عسكرا من بلاد الشوف وبلاد بعلبك وكبس ابن عمه الأمير جهجاه في مدينة بعلبك فخرج إليه برجاله والتقوا خارج المدينة فهجم الأمير قاسم على الأمير جهجاه إلى وسط العسكر وقبل وصوله إليه أصابته رصاصة فقتلته وعمره 17 سنة. وفي دواني القطوف انه في سنة 1807 م عزل إبراهيم باشا عن ولاية الشام وخلفه كنج يوسف باشا فبينما كان يتأهب لإرسال الخلع إلى الأمير جهجاه المذكور بولاية بعلبك تغير وعدل عن قصده فجمع جهجاه رجاله وألقى الفتن ليظهر لذلك الوزير انه لا يمكن لغيره إن يحفظ زمام الأحكام ويدبر شؤون تلك الجهة فأرسل إليه الخلع وكان ذلك بتوسط الأمير بشير الشهابي الكبير وجرجس باز ’’انتهى’’. وفي تاريخ الأمير حيدر انه سنة 1209 قتل الأمير جهجاه الحرفوشي ابن عمه الأمير داود وسمل أعين أخوته أولاد الأمير عمر. وفي سنة 1214 رجع الأمير بشير إلى بعلبك وقدم له الأمير جهجاه الحرفوشي الذخائر الوافرة. وفي دواني القطوف انه في سنة 1810 م 1225 ه‍ عزل گنج يوسف باشا عن ولاية الشام ووليها سليمان باشا والي عكا وذلك في أثناء ثورة الوهابيين فدخل سليمان باشا دمشق وأمامه الأمير بشير ومعهما طنوس شبلي المعلوف وهو الذي توسط أمر إعادة الحكم إلى صديقه الأمير جهجاه الحرفوشي مرارا وكان سليمان باشا قد فوض إلى الأمير بشير اختياره العمال قبل زحفهم لحرب الوهابيين فاختار الأمير جهجاه الحرفوشي لبعلبك ولما كان الأمير
جهجاه يعلم برغبة الأمير بشير في أخذ الكرك كتب له وثيقة ببيعها إلى أولاده الأمراء قاسم وخليل وأمين ومن ذلك الحين أصبحت ملك الشهابيين ’’انتهى’’. وفي تاريخ بعلبك: كان الأمير جهجاه بطلا شجاعا مقداما مذكورا. (أقول) وتخلصه من يد العسكر الذين قبضوا على أبيه وذهابه للعراق ثم رجوعه وأخذ ه الإمارة وكسره عسكر الدولة مرارا وبقاؤه في الإمارة كل هذه المدة مع كثرة مناوئيه من أقربائه وغيرهم وانتصاره عليهم واستمالة الحكام إليه كما يأتي تفصيله: كله يدل على مزيد شجاعة وإقدام وحزم وتدبير حتى إن الجزار الطاغية لم يقدر عليه وكذلك الأمير بشير. وفي تاريخ بعلبك أيضا انه تولى ايالة دمشق درويش باشا بن عثمان باشا الصادق الكرجي بعد سنة من حكم الأمير مصطفى والد جهجاه بلاد بعلبك فأرسل عسكرا لكبس الأمير مصطفى في بعلبك فقبضوا عليه وعلى أحد أخوته وسبوا حريم بني الحرفوش ونهبوا المدينة وساقوا الأمير مصطفى وأخاه إلى دمشق فأمر درويش باشا بشنق الأمير مصطفى وأرسل إلى بعلبك حاكما من عنده يدعى سليم آغا. وأما الأمير جهجاه الذي نجا من يد العسكر فإنه سار إلى عرب خزاعة أبناء عمه في العراق واستنجدهم على استرجاع بعلبك فاعتذروا إليه وأمدوه بمال وفير وأعطوه فرسا صفراء كريمة الأصل فعاد إلى بعلبك سنة 1208 ه‍ 1786 م ’’انتهى’’ ومنه يعلم سبب ذهابه إلى العراق الذي ذكرنا إن سببه ضغط بني عمه عليه وأخذ هم الإمارة كما قد تدل عليه قصيدته العامية المذكورة هناك ولكن الصواب إن سببه القبض على أبيه وعليه فتخلص هو وذهب إلى العراق وقتل أبوه ثم بلغه قتل أبيه وسبي حريمهم وأرسلت له بعض حرائرهم كتابا فتحمس وعاد وأخذ الإمارة ومنه يعلم أيضا إن ما ذكرناه نقلا عن بعض التواريخ العاملية من أنه في سنة 1204 صارت وقعة بين والي الشام وبين البعلبكيين وكانت الغلبة لعسكر الوالي وأخذوا حريم الأمير إلى الشام وزدنا عليه إن المراد بالوالي إبراهيم باشا وبالأمير جهجاه ليس بصواب بل الظاهر إن الوالي هو درويش باشا والأمير هو الأمير مصطفى لا جهجاه لأن ذلك هو الذي ذكره المؤرخون كما سمعت أما إبراهيم باشا الأظن الذي ولي دمشق بعد حسين بطال باشا الذي ولي بعد درويش باشا فهو وان كان في عهد إمارة جهجاه على بعلبك وأرسل عسكرا وكبس جهجاها إلا إن جهجاها كسر عسكر الأظن وقتل منهم جماعة كما مر ولم يذكر أحد من المؤرخين إن عسكر الأظن غلب جهجاها وسبى الحريم. ثم قال في تاريخ بعلبك بعد ما ذكر رجوع الأمير جهجاه من العراق إلى بعلبك سنة 1201: وكان قد ولي دمشق حسين بطال باشا وعزل سليم آغا عن بعلبك وولاها محمد آغا العبد وكان زنجيا فذهب الأمير جهجاه إلى زحلة وجمع مائة مقاتل لاسترجاع بعلبك ولما فرغ من تنظيمها توجه إلى المدينة وقد لف اللباد على حوافر الخيل لئلا يسمع لها صوت فدخلوها تحت جنح الليل وقتلوا كل من صادفوه في طريقهم وانهزم محمد آغا إلى دمشق (1) وكان الوالي قد هم بالخروج إلى الحج فلم يتمكن من إرسال عسكر إلى بعلبك فلما عاد سنة 1202 ه‍ 1787 م أرسل المنلا إسماعيل بألف ومائتي فارس فالتقاه الأمير جهجاه وأخوه الأمير سلطان بأهل زحلة وكمنت فرق منهم في مضيق القرية فلما وصل الفرسان إلى المضيق أطلقوا عليهم الرصاص وخرجوا إليهم وتلاحم الفريقان فانهزمت عساكر المنلا وتبعهم رجال الأمير إلى قرية السلطان إبراهيم واثخنوا فيهم ولم يصب من رجال الأمير إلا نفر قليل ورجع الأمير جهجاه إلى بعلبك وقبض على أزمة الأحكام. وفي تاريخ الأمير حيدر انه في هذه السنة أي سنة 1202 بعد رجوع بطال باشا من الحج عزل عن دمشق وتولى مكانه إبراهيم باشا الأظن وبعد دخول إبراهيم باشا إلى دمشق أرسل عسكرا إلى بلاد بعلبك وكبس الأمير جهجاه الحرفوشي فانكسر عسكر الدولة وقتل منهم جماعة ثم أرسل الأمير يوسف فاستعطف خاطر إبراهيم باشا على الأمير جهجاه وعاد إلى حكم بلاد بعلبك. فصاحب تاريخ بعلبك جعل هذه الوقعة مع عسكر بطال باشا والأمير حيدر جعلها مع عسكر الأظن. وفي تاريخ بعلبك ذكر خبر خروج الأمير قاسم على ابن عمه بأبسط مما ذكرناه قال: في سنة 1789 م 1204 ه‍ خرج على الأمير جهجاه ابن عمه الأمير قاسم ابن الأمير حيدر يريد انتزاع إمارة بعلبك من يده فطلب قاسم من الأمير بشير الكبير المساعدة فلباه وأرسل له عسكرا إلى زحلة وأمر أهلها إن يتوجهوا مع العسكر وأرسل أمرا إلى الأمراء اللمعيين إن يشدوا برجالهم أزر العسكر المجتمع في زحلة فأطاعوا فزحف إذ ذاك الأمير قاسم بالعسكر إلى بعلبك فلاقاه الأمير جهجاه برجاله في ارض أبلح وانتشب بينهم القتال فدحر الأمير قاسم ومن معه وارتد راجعا إلى زحلة بعد إن سلبت خيولهم وأسلحتهم وقبض على الأمير مراد بن شديد اللمعي فأمر جهجاه برد أسلحته وجواده وأطلقه مكرما ولما بلغ الأمير بشير انهزام عسكره جرد جيشا أخر بقيادة أخيه الأمير حسن ولما وصلوا إلى بلاد بعلبك أخلى لهم الأمير جهجاه المدينة فدخلوها ولكن ما لبثوا إن خرجوا منها لقلة الزاد فيها ولما لم ينجح الأمير قاسم في أمره التجأ إلى أحمد باشا الجزار فأمر الأمير بشير إن يسعفه ثانيا فوجهه الأمير إلى بعلبك وأصحبه بمشايخ الدروز ورجالهم فلما وصلوا إلى بعلبك خرج إليهم جهجاه إلى ظاهر المدينة فهجم الأمير قاسم على الأمير جهجاه وهو في وسط معسكره فأصابته رصاصة قبل إن يصل إليه فخر صريعا فعاد العسكر الشهابي إلى حيث أتى دون قتال. قال وفي سنة 1806 م 1221 ه‍ وقعت النفرة بين الأمير جهجاه وأخيه الأمير سلطان فظاهر جميع الحرافشة سلطانا لاستبداد جهجاه بهم فحنق جهجاه ونزح إلى بلاد عكار وبقي هناك إلى إن أصلح بينهما الأمير بشير الكبير سنة 1807 م 1222 ه‍ فتولى جهجاه على بعلبك وأعمالها إلى إن توفي بعد سنين قليلة فحكم بعده أخوه الأمير أمين.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 4- ص: 250