جميلة بنت ناصر الدولة الحسن ابن عبد الله بن حمدان ابن حمدون التغلبي
توفيت حدود سنة 373 كانت هي وأخوها أبو تغلب فضل الله وأبو البركات أولاد ناصر الدولة من زوجته فاطمة بنت أحمد الكردية وكانت من الجلالة والكرم على جانب عظيم وحجت سنة 366 أو 367 فعملت من التجمل ما لم يعمله ملك ومن الكرم والعطاء ما لم يفعله أمير ولا ملك وما انسى جود حاتم ففي كتاب أحسن القصص تأليف أحمد بن أبي الفتح الشريف الحائري الاصفهاني في سنة 367 ه حجت جميلة ابنة ناصر الدولة بن حمدان والي الموصل وكركوك وديار بكر وذكر ابن كثير إن جميلة في هذا السفر كان معها أربعمائة محمل ذهب مزينة بأنواع الزينة لا يعلم في أيها هي وكان في كل واحد منها جارية وخادم فلما وصلت إلى مكة نثرت على الفقراء عشرة آلاف دينار من الذهب الأحمر وأحسنت كثيرا إلى الموالي وأهل الحرمين بحيث صار ذلك مشهورا إلى اليوم. وفي مجموع الغرائب للكفعمي: ذكر حجة جميلة ابنة ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان. وأقامت من المروءة ما لا يحكى مثله عن ملك وملكة فأفردت للرجال المنقطعين ثلاثمائة جمل، ونثرت على الكعبة عشرة آلاف دينار، وأعتقت ثلاثمائة عبد وثلاثمائة جارية، وسقت جميع أهل الموسم السويق. وفي تاريخ اليافعي المسمى (بمرآة الجنان) في حوادث سنة 366 في نسخة مخطوطة رأيتها بطهران سنة 1353 في مكتبة محتشم السلطنة، والذي في النسخة المطبوعة فيه نقصان عنها قال: فيها حجت جميلة بنت الملك ناصر الدولة بن حمدان ابن حمدون، وصار حجها يضرب به المثل فإنها أغنت المجاورين وقيل كان معها أربعمائة كجاوة فيها ثمانمائة وصيفة لا يدري في أيها هي لكونهن كلهن في الحسن والزينة يشبهنها، ونثرت على الكعبة لما دخلتها عشرة آلاف دينار. وفي مسودة الكتاب - ولا أعلم الآن من أين نقلته-: جميلة بنت ناصر الدولة الحمداني كانت من أشهر نساء زمإنها بالجود والسخاء، وقد بذلت من الأموال في سفر حجها ما أنست به جود حاتم وحج أم جعفر زبيدة، وقد بذلت في يوم واحد في البيت عشرة آلاف دينار، وأعتقت ثلاثمئة عبد ومئتي جارية، ووهبت خمسمائة راحلة إلى مشاة الحج، وسقت الحاج كله أحسن أقسام المشروبات، وفعلت من الخيرات وأفعال البر ما يعجز البيان عن وصفه حتى صار عامها يضرب به المثل فيقال: عام جميلة. وذكر ابن الأثير في تاريخه في حوادث سنة 367: إن عضد الدولة لما طرد ابن عمه بختيار عن بغداد حلفه إن لا يقصد ولاية أبي تغلب بن ناصر الدولة بن حمدان لمودة ومكاتبة كانت بينهما، وكان حمدان أخو أبي تغلب مع بختيار، فحسن له حمدان قصد الموصل، فنكث وقصدها فلما صار إلى تكريت أرسل إليه أبو تغلب إن يقبض على أخيه حمدان ويسلمه إليه وإذا فعل سار معه بعساكره وقاتل عضد الدولة فقبض على حمدان وسلمه إليه، وسار أبو تغلب بعشرين ألف مقاتل مع بختيار لقتال عضد الدولة وخرج عضد الدولة فقاتلهما وهزمهما، واسر بختيار فقتله وسار إلى الموصل فملكها وولى عليها أبا الوفاء طاهر بن محمد، وسير سرية في طلب أبي تغلب عليها أبو الوفاء، فانتهت الهزيمة بأبي تغلب إلى آمد، وعاد عنه أبو الوفاء ونازل ميافارقين وبث سراياه في الحصون المجاورة لها فافتتحها، فلما سمع أبو تغلب بذلك سار عن آمد نحو الرحبة هو وأخته جميلة، وأرسل إلى عضد الدولة يسأله الصفح، فأحسن جوابه وبذل له اقطاعا يرضيه على إن يطأ بساطه فلم يجبه أبو تغلب إلى ذلك. وفي سنة 369 قتل أبو تغلب بالرملة في حرب بينه وبين الفضل من قواد العزيز صاحب مصر ودغفل بن المفرج الطائي، وكانت معه أخته جميلة وزوجته بنت عمه سيف الدولة فلما قتل حملهما بنو عقيل إلى حلب إلى سعد الدولة ابن سيف الدولة، فأخذ
أخته وسير جميلة إلى الموصل -وبئسما فعل- فسلمت إلى أبي الوفاء نائب عضد الدولة فأرسلها إلى بغداد فاعتقلت في حجرة في دار عضد الدولة (انتهى ملخص ما ذكره ابن الأثير) ولم يذكر ما جرى لها بعد ذلك، ولا شك إن عضد الدولة بما جبل عليه من جميل الصفات والأخلاق - صإنها واحترمها، وأول دليل على ذلك أنه اعتقلها في حجرة في داره، ولئن أساء ابن عمها سعد الدولة فلم يحفظها وأرسلها إلى الموصل وفعل ما تأباه الشيمة العربية، ودل بفعله هذا على سقوط نفسه، فلقد كان الأولى بعضد الدولة إن لا يقبل ارسالها إليه ويأمر بردها إلى أهلها مكرمة فعل الكرماء في الإحسان إلى النساء، ولكنه أخذها بجريرة أخيها أبي تغلب الذي قابل إحسان عضد الدولة بالإساءة، فبينما عضد الدولة يحلف ابن عمه بختيار إن لا يقصد ولاية أبي تغلب حفظا لمودته، إذا بأبي تغلب يجرد العساكر ويسير مع بختيار الأحمق لقتال عضد الدولة الملك العظيم الذي ليس باستطاعته مقابلته، وربما كانت هي تساعده في الحرب، وكيفما كانالأمر فما رواه ابن الأثير هين محتمل، إنما الأنكى من ذلك كله الذي لا يستطاع سماعه ما رواه صاحب كتاب أحسن القصص المقدم ذكره: من إن نائب عضد الدولة قبض على جميلة بنت ناصر الدولة وأرسلها إلى عضد الدولة فأمر بسبب عدم إطاعة أخيها أبي غالب (كذا) بن ناصر الدولة إن تركب على بعير عارية ينادي عليها: هذه قبيحة أخت أبي مغلوب، ثم أمر إن تغرق في دجلة. قال: وكان عضد الدولة خلاصة آل بويه، وفي كل حال كان في مقدمة سلاطين الزمان، لا عيب فيه سوى ما فعله من قلة المروءة بحق جميلة، وتوفي عضد الدولة بعد هذه الواقعة. ومع عدم ذكر ابن الأثير وغيره من المؤرخين المعتمدين لذلك واقتصاره على ما مر، لا يظن بصحة هذا الذي ذكره، وان صح فهو لطخة سوداء في سيرة عضد الدولة، والله أعلم.
وفي النجوم الزاهرة إنها حجت سنة 366 ومعها أخواها إبراهيم وهبة الله ولما رأت الكعبة نثرت عليها عشرة آلاف دينار وسقت جميع أهل الموسم السويق بالسكر والثلج وقتل أخوها هبة الله في الطريق (لأنه جرى قتال بين أصحابها وبين الحجاج الخراسانيين على الماء فأصابه سهم فقتله وفي نسخة إن المقتول إبراهيم) وأعتقت ثلاثمائية عبد ومائتي جارية وفرقت المال في المجاورين حتى أغنتهم وخلعت على كبار الناس خمسين ألف ثوب ثم ضرب الدهر ضرباته واستولى عضد الدولة بن بويه على أموالها وحصونها فإنه كان خطبها فامتنعت ولم يدع لها شيئا إلى إن احتاجت وافتقرت فانظر إلى هذا الدهر كيف يرفع ويضع.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 4- ص: 222