الشيخ أبو البحر شرف الدين جعفر بن محمد بن حسن بن علي ابن ناصر بن عبد الإمام العبدي من عبد القيس بن شن بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار الشيخ أبو البحر شرف الدين جعفر بن محمد بن حسن بن علي ابن ناصر بن عبد الإمام العبدي من عبد القيس بن شن بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان الخطي البحراني الشهير بالشيخ جعفر الخطي
توفي سنة 1028 بفارس.
والخطي نسبة إلى الخط بفتح الخاء المعجمة وتكسر وبالطاء المهملة المشددة قرية من قرى البحرين وفي القاموس مرفأ السفن بالبحرين واليه تنسب الرماح الخطية لأنها تباع به لا أنه منبتها شاعر مطبوع جزل الألفاظ حسن السبك من شعراء المئة الحادية عشرة في أوائلها مدح أمراء البحرين وساداتها ووفد على الشيخ بهاء الدين العاملي بأصفهان حين زار الرضا عليه السلام ومدحه بقصيدة فريدة ونال عنده حظوة ونوه البهائي باسمه وله ديوان شعر كبير حاو لجميع فنون الشعر جمعه في حياته راويته ومنشده الحسن بن محمد الغنوي الهذلي بأمر السيد الشريف جعفر بن عبد الجبار بن حسين العلوي الموسوي وصدره بخطبة طويلة مسجعة مجنسة على عادة أهل ذلك العصر، عثرنا منه على نسخة مخطوطة قديمة في جبل عامل قد ذهب منها أول الخطبة ويسير من آخر الديوان لكنها مغلوطة. وذكره السيد علي خان في السلافة وأثنى عليه بالأسجاع المعروفة في ذلك العصر فمما قاله: ناهج طرق البلاغة والفصاحة الزاخر الباحث الرحيب المساحة الحكيم الشعر الساحر البيان فأتى بكل مبتدع مطرب ومخترع في حسنه مغرب ومع قرب عهده فقد بلغ ديوان شعره من الشهرة المدى وقد وقفت على فرائده التي جمعت فرأيت مالا عين رأت ولا أذن سمعت وكان قد دخل الديار العجمية فقطن منها بفارس حتى اختطفته أيدي المنون وكانت وفاته سنة 1028 ولما دخل أصبهان اجتمع بالشيخ بهاء الدين محمد العاملي وعرض عليه أدبه فاقترح عليه معارضة قصيدته الرائية المشهورة فعارضها بقصيدة طنانة -وذكرها- وذكره صاحب سلك الدرر فلم يزد على ما نقله عن صاحب السلافة شيئا وفي أمل الآمل الشيخ أبو البحر جعفر بن محمد بن حسن بن علي بن ناصر بن عبد الإمام الخطي البحراني عالم فاضل أديب شاعر صالح جليل معاصر روى عن شيخنا البهائي له ديوان شعر حسن ذكره السيد علي خان في سلافة العصر وأثنى عليه بالعلم والفضل والأدب وأورد له شعرا كثيرا وفي الطليعة كان فاضلا مشاركا في العلوم أديبا شاعرا جزل اللفظ والمعنى فخم الأسلوب قوي العارضة
شعره
ها نحن نختار من شعره القسم الأوفر ناقلين له من ديوانه الذي عندنا مرتبا على الأبواب:
حسنت غيه له وفساده | واستباحت صلاحه ورشاده |
وأتاحت له الشقاوة خود | سميت -وهي كاسمها- بسعاده |
ذات وجه اهدى سناه إلى البد | ر وفرع اعدى الظلام سواده |
فهو ليل أطل فوق نهار | وعلا فرع بانة مياده |
وثنايا كأنها في انتظام | ما على صفح جيدها من قلادة |
أترى قتله يحل بلا ذنـ | ـب وينسى اقراره بالشهادة |
ويعاني ما قد علمت من الوجـ | ـد ويقضي ولا ينال مراده |
وقال سنة 1005:
قل لمن فاقت البدور كمالا | واستطالت على الغصون اعتدالا |
وأعارت مها الفلا النظر | الفاتر والجيد أتحفته الغزالا |
وأفادت سلافة الخمر لونا | عندميا ومرشفا سلسالا |
وقضى حسنها الذي فتن الناس | بأن لا يروا لها أمثالا |
إنني بالذي ينادي بيا | رب ابتهالا سبحانه وتعالى |
لمشوق إليك شوقا يذيب | الحجر الصلد أو يهد الجبالا |
أقطع الليل ساهرا لا أرى | الغمض ولا بالنهار أنعم بالا |
لا تسيئي يا أحسن الناس وجها | لفتى أسوأ البرية حالا |
يا خليلي لا تلوما على الحب | امرأ لا يطاوع العذالا |
أبلغا ربة الملاحة إني | في هواها لا أسمع الأقوالا |
كيف أمسى وصلي الحلال حراما | عندها والدم الحرام حلالا |
وله في الدو بيت وهو من أوزان العجم سنة 1001:
يا من جرحت حشاشة المشتاق | ظلما بشبا صوارم الأحداق |
لم يبق هواك في إلا رمقا | ردي الماضي أو اذهبي بالباقي |
يا من بهواه سيط لحمي ودمي | لا نالك ما تراه بي من ألم |
إن لم تهب الحياة في وصلك لي | فامنن كرما وردني للعدم |
يا محرق مهجتي بنار الصد | هل عن خطأ قتلك لي أم عمد |
إن كنت أمنت من دمي طالبه | فالله مطالب بثار العبد |
وقال معارضا بيتي الحماسي:
ولما رأيت الكاشحين تتبعوا | هوانا وأبدوا دوننا نظرا شزرا |
جعلت وما بي من صدود ولا قلى | أزوركم يوما وأهجركم شهرا |
بقوله وذلك سنة 999 وهو في القطيف قبل هجرته إلى البحرين:
لما رأيت وشاة الحي ترصدنا | باعين لا عداها غائل الرمد |
جعلت لا عن قلى مني أزوركم | أنا وأهجركم بضعا من الأبد |
وقال في تلك السنة:
كتمت سر هواه ما استطعت فما | أفاد كتمانه والدمع يهتكه |
ثم انثنى معرضا والقلب في يده | هلا جفاني وقلبي كنت أملكه |
وقال في تلك السنة:
كأنه غصن بان تحت بدر دجى | على نقى من رمال الإبرقين نشا |
بتنا وبات يعاطينا مروقة | من ريقه لو حساها الميت لانتعشا |
وقال بعد ما هاجر إلى البحرين سنة 1000:
أما لفراقنا هذا اجتماع | ولا لمدى تقاطعنا انقطاع |
حملنا بعدكم يا أهل نجد | من الأشواق ما لا يستطاع |
مننتم آنفا بالقرب منكم | فهل لزمان وصلكم ارتجاع |
رحلتم بالنفوس فليت شعري | أكان لكم بأنفسنا انتفاع |
وخلفتم جسوما باليات | على جمر الغرام لها اضطجاع |
وأكبادا وأفئدة مراضا | بها من لاعج الشوق انصداع |
وأجفانا دوامي ساهرات | لها عن خاطب الغمض امتناع |
كأن قلوبنا لما استقلت | ركائبكم ضحى ودنا الوداع |
فراخ قطا تخطفها بزاة | وعرج ظبا تعاورها سباع |
أهيم بكم أسى وأضيق وجدا | وما بيني وبينكم ذراع |
فكيف وبيننا آذي بحر | وبيد في مفاوزها اتساع |
إلا حيا الحيا أحياء قوم | أراعوا بالفراق ولم يراعوا |
وظبي من ظباء الإنس حال | يروع القانصين ولا يراع |
يبارزني بالحاظ مراض | فتصرعني له وأنا الجشاع |
ذكرت جماله والخيل حسرى | عوابس قد أضر بها القراع |
وسمر الخط مركزها التراقي | وبيض الهند مغمدها النخاع |
فما لبس الخمار على محيا | كغرته ولا عقد القناع |
وقال سنة 1005:
لو تمرضون وحوشيتم لعدتكم | سعيا فما لي مريضا لم تعودوني |
إن لم تروني أهلا إن أزار فمن | إحسانكم شرفوا قدري فزوروني |
ما بي وحقكم حمى ولا مرض | بل من هوى في صميم القلب مكنون |
لو إن بالراسيات الشم أيسره | ذابت فكيف بشخص صيغ من طين |
وقال في هذه السنة:
يا خليلي احبسا الركب إذا ما | جئتما عن أيمن الحي الخياما |
أبلغا سعدى عن الصب -الذي | غادرته غرض السقم- السلاما |
واسألاها وارفقا جهدكما | عجبا واستفهماها لا ملاما |
ما لها تحمل أعباء دمي | وهي لا تستطيع من ضعف قياما |
وبريق لاح وهنا بعد ما | هدأ الطائر في الوكر فناما |
بت أرنوه بعين ثرة | تكف الأدمع سحا وانسجاما |
وهو يفري حلل الليل كما | جرد الفارس في الحرب حساما |
وصبا هبت سحيرا فروت | خبرا أوقع في القلب كلاما |
حدثت إن عريبا باللوى | نقضوا العهد ولم يرعوا ذماما |
واستحلوا من دم الصب ولم | يرقبوا إلا ولم يخشوا آثاما |
يا عريبا حللوا سفك دمي | إنما حللتمو شيئا حراما |
نمتمو عن سهري ليلا بكم | ومنعتم جفن عيني إن يناما |
ما لكم بدلتموني بالرضا | منكم سخطا وبالوصل انصراما |
فارحموا مضنى له بعدكم | كبد حرى وصبا مستهاما |
كلما عن له ذكركم | أسبلت أجفانه الدمع سجاما |
وإذا غنت حمامات الحمى | حمت النوم وأهدته الحماما |
لا يلذ العيش في يقظته | لا ولا يألف بالليل المناما |
فهو بين اليأس منكم والرجا | ميت حي فداووه لماما |
وكان جالسا في بعض الليالي القمرة في دهليز المشهد ذي المنارتين من
البحرين في فتيان لهم انس بالأدب فمر بهم غلام راكب حين طر شاربه
اسمه إبراهيم فسألوه إن يقول فيه فقال بديها:
مر سمي الخليل راكب | كأنه البدر في الكواكب |
ويلاه من آس عارضيه | والويل من خضرة الشوارب |
فقال بعض الفتيان:
لا يحذر الله في اختلاس | النفوس ظلما ولا يراقب |
فقال هو:
كأنما قده قضيب | وسود الحاظه قواضب |
تفعل أصداغه بقلبي | أضعاف ما تفعل العقارب |
فقال الفتى:
فإن دنا فالسرور دان | وان نأى فالعذاب واصب |
وله:
وشادن مرضت أجفانه فغدا | قلبي لها عائدا فانصاع معلولا |
فمات قلبي وما ماتت لواحظه | ليقضي الله أمرا كان مفعولا |
وله:
خذ بالبكا إن الخليط مقوض | فمصرح بفراقهم ومعرض |
وأذب فؤادك فالنصير على الهوى | عين تفيض ومهجة تتقضض |
هاتيك أحداج تشد وهذه | أطناب أخبية تحل وتنقض |
ووراء عيسهم المناخة عصبة | أكبادهم -وهم وقوف- تركض |
يتخافتون ضني فمطلق أنة | ومطامن من زفرة ومخفض |
قبضوا بأيديهم على أكبادهم | والشوق ينزع من يد ما تقبض |
فإذا هم أمنوا المراقب صرحوا | بشكاتهم وان استرابوا عرضوا |
وقال وهو بمحروسة شيراز سنة 1010:
وليل اشبنا طرتيه بأوجه | يريك سناهن الأهلة سودا |
وجوه لو استجلي سناهن أكمه | ثنى الطرف مكشوف الغطاء حديدا |
فيا لك يوما لو أشار بيمنه | لأيام عاد لانقلبن سعودا |
وقال وهو بشيراز وضمنه قول أمير المؤمنين علي عليه السلام من أحبنا أهل
البيت فليستعد للفقر جلبابا:
إني لأعجب من هواي وجعلكم | هجري على عكس القضية دابا |
وكأنكم قلتم إلا من حبنا | فليستعد هجرنا جلبابا |
واجتاز ببعض حوانيت شيراز فرأى غلاما اسمه عيسى يبيع القند فقال:
ألا تستخبر العلق النفيسا | ومن أهدى لكل حشا رسيسا |
ومن سمي بعيسى وهو ممن | أمات من النفوس بضد عيسى |
ليترك بيع قند وليبعنا | لماه ونحن ننقده النفوسا |
المديح والتهاني
قال يشكر إنعام الشريف العلوي السيد ناصر بن سليمان الحسيني القاروني وكان له به مزيد خصوصية وذلك سنة 1008:
يا موردا لا يغيض النزح جمته | ولا يلم بصافي ورده كدر |
ودوحة ما زكت أعراقها ونمت | إلا وقد طاب منها الظل والثمر |
ما ذا عسى يبلغ المثني بمدحته | على امرئ أبواه الشمس والقمر |
لقد رفعت أبا حسان منزلة | شماء يخسا عن إدراكها البصر |
وكان للشريف العلوي أبي عبد الرؤوف حسين بن قاضي القضاة أبي جعفر عبد الرؤوف الحسيني الموسوي من حسن الصنيع لديه ما يوجب الشكر فقال يشكره ويثني عليه ويعتذر إليه من تأخير، مدحه سنة 1009:
حتام امطل سيدي شكر اليد | والام يمهلني التقاضي سيدي |
فلأشكرن له وأشكر بعده | دهرا أرانيه وبل به يدي |
ولأحمدن ملمة صرفت له | وجهي ومهما جر نفعا يحمد |
ولأجلون عليه كل خريدة | عذراء تهزأ بالعذارى الخرد |
ولأفرغن على مقلد مجده | دررا يهش لهن كل مقلد |
ما زال يكنفني بغر صلاته | حتى أنار ظلام حظي الأسود |
ويرم من حال لوى بصلاحها | دهر تعاورها بكفي مفسد |
فسما بصنع فتى أسف بعزمه | ذل الخمول إلى الحضيض الأوهد |
وأعز بالاكرام نفسا طالما | كانت تروح على الهوان وتغتدي |
اسدى إلي يدا يضيق بها الثنا | ذرعا ولم أبسط يد المسترفد |
كرم أراح من السؤال عفاته | حتى ابتدأ بالعرف من لم يجتد |
قد قلت للساعي لإدراك الغنى | يتبرض الأوشال عن أمل صدي |
يطوي المفاوز داخلا في فدفد | بيد المطي وخارجا من فدفد |
طورا تخب به القلاص وتارة | يرمي به آذي بحر مزبد |
هذي وفود الحمد صادرة فخذ | بطريقها تبلغك أعذب مورد |
يدعو الظماة إليه صفو جمامه | وتقول للصادي عذوبته رد |
حاشى ندى العلوي إن طلب امرؤ | معه الثراء ومد كف المجتدي |
هو من إذا فوقت سهمك راميا | غرض المنى وذكرته لم يصرد |
ومتى جمعت يديك مفتدحا به | زند الرجا أورى ولما يصلد |
ومتى أظللك ليل نحس فاستنر | بوضئ غرته صباح الأسعد |
يا أيها الساعي ليدرك شأوه | أسرفت في إخفاق سعيك فاقعد |
أو يمكن الساعي المجد لحوق من | يجري بأقدام النبي محمد |
من دوحة بسقت فناجى فرعها | هام السماك وحك فرق الفرقد |
ومضت مخايله لنا فسفرن عن | نفس مؤيدة وعزم أيد |
ويد صناع بالجميل وهمة | طماحة لسداد ثغر السؤدد |
ومعاطف تفتر عند المدح عن | حركات مطرد الكعوب مسدد |
يا غلطة الدهر التي ما عودت | يد جوده بعطية المتعمد |
فههتني فأنا العيي وإنني | لينوب عن عمل الصوارم مذودي |
أمعاشر الشعراء ضاق أخوكم | بمديح سيده فهل من مسعد |
يا أيها المدلي بوفر ثنائه | قابل به نعمى حسين ينفد |
والشكر يقصر عن مطاولة امرئ | إن يشكروا ماضي نداه يجدد |
لا زلت محسودا على ما فيك من | نيل وما قدر امرئ لم يحسد |
إن العلى أفق متى استجليتها | ألفيت أنجمها عيون الحسد |
لا عذر للعلوي إن أبصرته | بعد الفطام يشب غير محسد |
فليهن والدك الخلود وان قضى | فالمرء ما أدلى بمثلك يخلد |
وقال في أخيه عبد القاهر بن عبد الرؤوف وهو يومئذ بالقطيف وبعث بها إليه بالبحرين يتشوق إليه ويذكر غرضا في نفسه وذلك في سنة 1012:
يا نسيم الشمال أدي رسالاتي | وبلغ تحيتي وسلامي |
واحتقب عبأ ما أبثك من فرط | اشتياق ولوعة وغرام |
لفتى هاشم أخي السؤدد العواد | رب الهبات والإنعام |
إن دهرا قضى ببعدي عن | نادية أولى مقصر بملام |
ومحبا عانى الفراق ولم يقض | لاقوى امرئ على الآلام |
أشخصتني عنه النوى بعد ما | طال ثوائي بجوه ومقامي |
وصلتني بغيره وأخو الصحة | يدري ما قدرها في السقام |
يا أخا هاشم بن عبد مناف | دعوة من أخي رجال كرام |
أي غبن تراه لي غير مكثي | بين قوم لا يفهمون كلامي |
ما مقامي فيهم وحاشاك إلا | كمقام اليقظان بين النيام |
تجتلي العين منهم صور الأنس | وهم من عوامل الإنعام |
ليت إني بدلتهم وهم البيض | لسام بالسود من نسل حام |
من غبي لا يملك الفرق فيما | بين وسطى يديه والإبهام |
ولئيم واهي المروة لا يفرق | بين الإكرام والإيلام |
غير إن السراة من هاشم الغر | رعوا حرمتي وحاطوا ذمامي |
أوسعوني كرامة ألحقتني | بهم مع تباين الأرحام |
معشر آثروا السماح على المال | وحاطوا أعراضهم بالحطام |
ألفوا بذلة النفايس في السلم | وبذل النفوس في الإقدام |
فهم المطعمون والعام حام | وهم المانعون واليوم دامي |
أخذوا عن (عليهم) حين تنبو البيض | قط الطلا وقد الهام |
من كعبد الحميد إن نكص الذمر | وحرت مواطئ الأقدام |
بطل يسخن العيون القريرات | بضرب يقر عين الحمام |
يوجر القرن كل فوهاء تبدي | لك ما خلف ظهره من أمام |
غير إن لا سلو عن تلكم الدار | ولا عن أولئك الأقوام |
يا أخا الفضل والنباهة والسؤدد | والذكر والأيادي الجسام |
لا تكلني إلى انتقالي ومكثي | في أناس سواكم ومقامي |
فعلوقي بكم وان نأت الدار | علوق الأرواح بالأجسام |
إنها خطة جاء لها الحظ | فعفوا عن زلة الأيام |
قال الغنوي راويته وجامع ديوانه في سنة 1016 دخل أصفهان واتصل بحضرة شيخ مشايخ الإسلام سفير الأئمة عليهم السلام بهاء الملة والدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي الحارثي الهمداني وعرض عليه أدبه فاقترح عليه إجازة قصيدته المسماة بروح الجنان في مدح صاحب الزمان عليه السلام ومطلعها:
سرى البرق من نجد فهيج تذكاري | عهودا بحزوي والعذيب وذي قار |
فقال أبو البحر (أقول) ويقال انه استمهله ثلاثا ثم لم يقبل لنفسه ذلك فقال ارتجالا وتخلص في آخرها إلى مدح صاحب الزمان عليه السلام:
هي الدار تستسقيك مدمعك الجاري | فسقيا فأجدى الدمع ما كان للدار |
فلا تستضع دمعا تريق مصونه | لعزته ما بين نوءي وأحجار |
فأنت امرؤ قد كنت بالأمس جارها | وللجار حق قد علمت على الجار |
عشوت إلى اللذات فيها على سنا | شموس وجوه ما يغبن وأقمار |
فأصبحت قد أنفقت أطيب ما مضى | من العمر فيها بين عون وأبكار |
نواصع بيض لو أفضن على الدجى | سناهن لاستغنى عن الأنجم الساري |
حرائر ينصرن الأصول بأوجه | تغص بأمواه النضارة أحرار |
معاطير لم تغمس يد في لطيمة | لهن ولا استعبقن جونة عطار |
أبحنك ممنوع الوصال نوازلا | على حكم ناه كيف شاء وأمار |
أذابت تستسقي الثغور مدامة | أتتك فحيتك الخدود بأزهار |
أموسم لذاتي وسوق مآربي | ومجنى لباناتي ومنهب أوطاري |
سقتك برغم المحل أخلاف مزنة | تلف إذا جاشت سهولا بأوعار |
وفج كما شاء المجال حشوته | بعزمة عواد على الهول كرار |
تمرس بالأسفار حتى تر كنه | لدقته كالقدح أرهفه الباري |
إلى ماجد يعزى إذا انتسب الورى | إلى معشر بيض أماجد أخيار |
ومضطلع بالفضل زر قميصه | على كنز آثار وعيبة أسرار |
سمي النبي المصطفى وأمينه | على الدين في إيراد حكم وإصدار |
به قام بعد الميل وانتصبت به | دعائم قد كانت على جرف هار |
فلما أناخت بي على باب داره | مطاياي لم أذمم مغبة أسفاري |
نزلت بمغشي الرواقين داره | مثابة طراق وكعبة زوار |
فكان نزولي إذ نزلت بمغدف | على المجد فضل البرد عار من العار |
أساع على رغم الحوادث مشربي | وأعذب ورد العيش لي بعد أمرار |
وأنقذني من قبضة الدهر بعدما | ألح بأنياب علي وأظفار |
جهلت على معروف فضلي فلم يكن | سواه من الأقوام يعرف مقداري |
قال الغنوي راويته وجامع ديوانه: لما أنشد الشيخ هذا البيت وكان عنده جماعة من أعيان البحرين وسادتهم قال الشيخ وهؤلاء يعرفون مقدارك إنشاء الله وأشار إلى القوم بيده.
على أنه لم يبق فيما أظنه | من الأرض قطر لم تطبقه أخباري |
ولا غرو فالإكسير أكبر شهرة | وما زال من جهل به تحت أستار |
متى بل بي كفا فليس بآسف | على درهم إن لم ينله ودينار |
فيا ابن الأولى أثنى الوصي عليهم | بما ليس تثني وجهه يد إنكار |
بصفين إذ لم يلف من أوليائه | -وقد عض ناب للوغى- غير فرار |
وأبصر منهم جن حرب تهافتوا | على الموت إسراع الفراش إلى النار |
سراعا إلى داعي الحروب يرونها | -على شربها الأعمار- مورد أعمار |
أطاروا غمود البيض واتكلوا على | مفارق قوم فارقوا الحق فجار |
وأرسوا وقد لاثوا على الركب الحبا | بروكا كهدي أبركوه لجزار |
قال الغنوي جامع ديوانه: ورد في الأخبار إن همدان وهم حي من اليمن -ينتهي إليهم نسب الممدوح- كانوا ممن صبر يوم صفين فروى إنهم في بعض أيامها حين استحر القتل ورأوا فرار الناس عمدوا إلى أغماد سيوفهم فكسروها وعقلوا أنفسهم بعمائهم وبركوا للقتل (والحبا) جمع حبوة وهو سبته يشد بها الظهر والركب (وهمدان) بسكون الميم والدال المهملة القبيلة وفتح الميم البلد وهي أول عراق العجم.
فقال وقد طابت هنالك نفسه | رضى وأقروا عينه أي إقرار |
فلو كنت بوابا على باب جنة | كما أفصحت عنه صحيحات آثار |
لأثقلت ظهري بالصنيع فلم أكد | أنوء بأعباء ثقلن وأوقار |
وروضت فكري بعد ما صاح نبته | بمنبعق من ماء فضلك مدرار |
وكلفتني جريا وراءك بعدما | بلغت مكانا دونه يقف الجاري |
فجشمتنيها خطة لا ينالها | توثب مستوفي الجناحين طيار |
وأين مجاراة السكيت مجليا | تناول شأو السبق في كل مضمار |
وألزمتني مدح امرئ لو مدحته | بشعر بني حواء دع عنك أشعاري |
لقصرت عن مقدار ما يستحقه | علاه فإقلالي سواء وإكثاري |
إمام هدى طهر نقي إذا انتمى | إلى سادة غر الشمائل أطهار |
وبر لبر ما نسبت فصاعدا | إلى آدم لم ينمه غير أبرار |
ومنتظر ما أخر الله وقته | لشيء سوى إبراز حق وإظهار |
له عزمة تثني القضاء وهمة | تؤلف بين الشاة والأسد الضاري |
وعضب أغبته الغمود وينتضى | لإدراك ثارات سبقن وأوتار |
أبا القاسم انهض واشف غل عصابة | قضى وطرا من ظلمها كل كفار |
إلام وحتام المنى وانتظارنا | سحائب قد أظللتنا دون أمطار |
ذوت نضرة الصبر الجميل وآذنت | بيبس لإهمال تمادى وإنظار |
أبح حرم الجور المنيع جنابه | بجر خميس يملأ الأرض جرار |
به كل مسجور العزيمة مظهر | -على خشية الجبار- هيبة جبار |
إذا حطم الرمح انتضى السيف معملا | لاسمر عسال وأبيض بتار |
أزرتك منزور الثناء فلم يكن | جزائي على مقدار شعري ومقداري |
ودونكها عذراء لم تجل مثلها | على أحد إلاك أستار أفكاري |
ولا زال تسليم المهيمن واصلا | إليك به سيرا عشي وأبكار |
قال الحسن بن محمد الغنوي الهذلي منشد الخطي وراويته: كنت قد توليت إنشاد هذه القصيدة على الشيخ المشار إليه بداره المحروسة بأصفهان في شهر رجب في السنة السادسة عشرة بعد الألف للالتماس الصادر عن أبي البحر فاستحسنها واستجادها وكتب له رقعة بيده المباركة ما هذا لفظه:
أيها الأخ الأعز الفاضل الألمعي بدر سماء أدباء الأعصار وغرة سيماء بلغاء الأمصار أيم الله إني كلما سرحت بريد نظري في رياض قصيدتك الغراء ورويت رائد فكري من حياض خريدتك العذراء زاد بها ولعي وهيامي واشتد إليها ولهي وأوامي فكأنه عناها من قال:
قصيدتك الغراء يا فرد دهره | تنوب عن الماء الزلال لمن يظمأ |
فنروي متى نروي بدايع لفظها | ونظمى إذا لم نرو يوما لها نظما |
ولعمري لا أراك إلا أخذا فيها بأزمة أوابد اللسن تقودها حيث أردت وتوردها أنى شئت وارتدت حتى كان الألفاظ تتحاسد على التسابق إلى لسانك والمعاني تتغاير في الإنثيال على جنانك والسلام.
وذكر له إن سلطان صحار مهنا بن هديف ينتمي إلى بني تغلب بن وائل من نسل عمر بن كلثوم صاحب المعلقة فقال فيه رعاية لجانب النسب وأرسلها إليه من القطيف إلى صحار:
إنا إذا جار الزمان وسامنا | ظلما وجشمنا ركوب الحيف |
لذنا على بعد الديار بجانب | أمسى يجير على الشتا والصيف |
دفء إذا ما القر عض وناسم | صرد إذا ما فار وهج الصيف |
وندا إذا ما كان عام مجدب | واستثقل الطائي ذكر الضيف |
يعتد إعطاء المئين كواملا | نقصا فيكمل عدهن بنيف |
لا يطلب العلات إن تنزل به | في دفع نائبة بلم وبكيف |
وردى إذا ما كان يوم كريهة | ودعي بحي على قراع السيف |
مولى موالي تغلب ابنة وائل | وحسام يمناها الفتى ابن هديف |
وسبيكة النسب التي لم ترم في | مصفاتها أيدي الوصوم بزيف |
من لي بحضرته التي من زارها | فكأنما قد زار وادي الخيف |
يا رب إن لم تقض لي بلقائه | في يقظة فامنن بها في الطيف |
وكان بينه وبين بعض ذوي الشهرة من أهل القطيف من المعرفة ما دعاه إلى طلب عمامة منه وهناه بعيد الفطر ولم يصرح باسمه إبقاء على الشيمة عن الإشادة بذكر من قعد به جده ونهض به وجده وذلك سنة 1017:
هلا سألت الربع من سيهات | عن تلكم الفتيان والفتيات |
ومجر أرسان الجياد كأنها | فوق الصعيد مسارب الحيات |
ومجد فات السفن أدنى برها | من بحرها ومبارك الهجمات |
حيث المسامع لا تكاد تفيق من | ترجيع نوتي وصوت حداة |
إن القطيف وان كلفت بحبها | وعلت على استيطانها زفراتي |
إذ حيث جزت رأيت فيها مدرجي | طفلا وأترابي بها ولداتي |
لأجل ملتمسي وغاية منيتي | إني أقيم بتلكم الساحات |
فسقى الغمام إذا تحمل ركبه | تلك الرحاب الفيح والعرصات |
واجتازت المزن العشار فطبقت | بالسقي من عتك إلى نبكات |
حتى توشح بالجميم وتكتسي | ربواتها بنواجم الزهرات |
أفلان إني قد بدا لي عندكم | غرض يهجن بذكره أبياتي |
فوصلته بك وهو بعث عمامة | فضية ذهبية العذبات |
واصفح وعد عن الإساءة إنما | شيم الكرام تجاوز الهفوات |
إذ من يكلفك اليسير كمن يسوم | الغيث واحدة من القطرات |
اني وان عض الزمان بغاربي | أو فلت الأيام حد شباتي |
لاصون عن مدح اللئام ترفعا | شعري واقصر دونهم خطواتي |
واستجلها عذراء بنت سويعة | من حر ما جادت به كلماتي |
لو تنشد الطائي ألغى عندها | (أحبب إلي بطيف سعدى الآتي) |
واستقبل العيد المبارك من قرا | رمضان من صوم ومن صلوات |
وقال يمدح بعض الأشراف:
عذيري من هذا العذول المفند | يردد وجدي بالملام المردد |
فهب إن هذا اللوم منك نصيحة | فاقبلها لو كان قلبي في يدي |
وأهيف ما الغصن الرطيب ببالغ | مدى قده في نضرة وتأود |
يعرض للتقبيل خدا كما جلت | يدا صيقل متن الحسام المهند |
ويبسم عن أصفى من الدر كارع | بأعذب من ماء الغمام وأبرد |
وقال اسل عني بعدما قد تعرضت | لواحظه بيني وبين تجلدي |
سقى منحنى الدارات من سفح عاقل | حيا مبرق داني الشابيب مرعد |
لعمر أبي والفضل يعزى لأهله | لقد بخل الطائي جود محمد |
فتى إن ثقل هاتيك خطة سؤدد | على النجم أو أعلى من النجم يصعد |
وذي نائل ما الغيث في ناقع الصفا | بانقع يوما منه للأمل الصدي |
متى تاته مسترفدا تلق مصدرا | ركاب الغنى منه على أثر مورد |
فما سود النساب وجه صحيفة | بأبيض منه وجه أصل ومحتد |
كلا طرفيه حين تنسبه إلي | علي وخير المرسلين محمد |
لعمري لقد أولى الجميل تبرعا | وما سيم شيئا من نداه المجدد |
ووالاه حتى ضقت ذرعا بشكره | وأكثرت من قولي لزائره قد |
وشتان فينا باخل بعد موعد | ومبتدئ بالعرف من غير موعد |
فما عارض كل على الريح مشيه | على سوقها إياه سوق المقيد |
أجش إذا ما كف عن سيله طغى | وان رد من ريعان طاغيه يزبد |
لجوج كان الأرض إذ تستكفه | -وغصت بسقياه- تقول له زد |
بأغزر منه يوم صوب سماحه | إذا أهوأ خبا ناره كل موقد |
يمينا بأيديهن تدرع الفلا | كما صيح في أعقاب رجل مشرد |
نجائب مقطوع بها كل شقة | تروح بها الأرواح حسرى وتغتدي |
نواحل كالقسيان مما تعسفوا | بها كل تيهاء المعالم فدفد |
نوافر من أفيائهن ترى لها | على الأين إجفال النعام المطرد |
عوامد للبيت الحرام بفتية | ثقال الاداوي من تقى وتعبد |
لا عوز إن يأتي أب بشبيهه | سماحة نفس في طهارة مولد |
فتى بذ أرباب الكهولة يافعا | وطال ذوي الأسنان في سن أمرد |
أبي غير من أدعوه إن لم أكافه | بما طاب من نشر الثناء المخلد |
مدائح لم يسمح بها فكر شاعر | ولا أفتر عن أمثالها فم منشد |
أنا الكوكب الوقاد والعلم الذي | به كل من غمت مساريه يهتدي |
متى أدع عاصي القول يأت مطاوعا | وان يدع غيري طائع القول يقعد |
وقال يمدح بعض الأشراف:
خليلي مرا بي على جانبي قبا | بحيث ظباء الإنس تحجبها الظبا |
وعوجا على حي بمنعرج اللوى | لعلي أرى في ذلك الحي زينبا |
لئن حجبت خلف الخباء فأعين | لنا أبدا صور إلى ذلك الخبا |
هوى منع اللوام فضل قياده | وقيد بالحاظ الحسان فأصحبا |
أمستجلبا ود الرجال بعتبها | أظنك علمت الطماعة أشعبا |
لك الخير إن لم تدر ما خلق الورى | تعال فسل عما جهلت المجربا |
أنبئك إني ما شكوت لصاحب | فأشكي ولا استعتبت خلا فاعتبا |
جزى كل شخص منهم عن إخائه | بأسوأ ما جوزي مسيء وعوقبا |
ترى كل مولود على اللؤم لم يكن | ليعرف أما غير ذاك ولا أبا |
بني هاشم ماذا لكم عند حاتم | دعوه فقد غادرتم جوده هبا |
متى ما يطاوله حباء وليدكم | يطله وما دانى النهوض وما حبا |
تأخر قليلا عن أبيك تأدبا | فمثلك من راعى أباه تأدبا |
فلست بمسبوق على الفضل أنه | لكم دون من في الأرض شرقا ومغربا |
متى تطلبوه موجفين فإنما | توافونه يسعى لكم متطلبا |
وقال يمدح السيد الشريف جعفر بن عبد الجبار بن حسين العلوي الموسوي وهو الذي جمع ديوان الخطي برسمه وذلك سنة 1024:
بعثت طيفها فزار طروقا | فشجا وامقا وهاج مشوقا |
اخليلي ولا سبيل إلى نصري | ولكن يدعو الصديق الصديقا |
أولم يأن للذي أسكرته | حدق البيض ساعة إن يفيقا |
أوقفتني الأيام في قبضة الحب | وما كنت للبلاء مطيقا |
وبنفسي خريدة لا أرى الوصف | يؤدي مما حوته حقوقا |
تملأ السور والخلاخيل أعضادا | تقض البرى ملأ وسوقا |
وتسوم الأزر الملاثة سوم القلب | ما لا يطيقه إن يطيقا |
منظر مبهج أفيض عليه الحسن | من كل جانب وأريقا |
لا ترى الزهر عنده باسم الثغر | ولا منظر الرياض أنيقا |
لخط عين كالسهم رشت أعإليه | وأصلحت نصله والفوقا |
فوقه حاجب كما حقق الكاتب | نونا في طرسه التحقيقا |
وفم كاستدارة الميم يبدي | لك درا مفصلا وعقيقا |
وخدود شرقن بالحسن حمر | لا ترى عندها الشقيق شقيقا |
أيها الغادة التي لا أرى المرزوق | من غير وصلها مرزوقا |
إن عينا تراك يوما من الدهر | لعين لا تعدم التوفيقا |
لي عين ما إن تفيق بكاء | وفؤاد ما إن يقر خفوقا |
أفلا يستمد قلبك في الرقة | لفظا أسمعتنيه رقيقا |
لا أرى للرجاء فيك مجالا | لا ولا للسلو عنك طريقا |
كلما قلت إن أن يقضي الدهر | حقوقي قضى علي عقوقا |
إن أولى الورى بخالص ودي | جعفر قد غدا بذاك خليقا |
وكريم اعتد منه على اللأواء | كفا طلقا ووجها طليقا |
سار ما سار أولوه فأعلى السمك | مما بنوا وسد الفتوقا |
وحما ما حموا وزاد وأعطى | فوق ما قد أعطوا وأدى الحقوقا |
فسما لم يعقه شيء وجاز الأفق | سعيا واستخم العيوقا |
يا ابن عبد الجبار إن طبت فرعا | فلقد طبت بعد ذاك عروقا |
لو مدحناك بالذي فيك سمنا | سعة العمر لا القراطيس ضيقا |
لست أدري ماذا أقول وان كنت | أعد المفوه المنطيقا |
فاستمعها لو أنشدوها أبا الطيب | ما كاد إن يسيغ الريقا |
وقال يشكر أنعام بعض العلويين:
يا أكرم الناس أعماما وأخوالا | وأحسن الناس أقوالا وأفعالا |
ومن إذا قلت حسبي من عطائك لي | وحسن صنعك عندي قال لي لالا |
نفسي فداؤك من مولى جوائزه | تأتي بلا طلب للناس إرسالا |
إن زين المال أقوأما سواك فقد | زينته والفتى من زين المالا |
الرثاء
قال يرثي الحسين عليه السلام:
معاهدهم بالأبرقين هوامد | سقين عهاد المزن تلك المعاهد |
أسائلها عن أهلها وهي لم تحر | جوابا وهل يستنطق العجم ناشد |
لك الخير لا تذهب بحلمك دمنة | محاها البلا واستوطنتها الأوابد |
فما هي إن خاطبتها بمجيبة | وان جاوبت لم تشف ما أنت واجد |
ولكن هلم الخطبة في رزء سيد | قضى ظمأ والماء جار وراكد |
كأني به في ثلة من رجاله | كما حف بالليث الأسود والحوارد |
إذا اعتلقوا سمر الرماح وجردوا | سيوفا اعارتها البطون الأساود |
فليس لها إلا الصدور مراكز | وليس لها إلا النحور مغامد |
يلاقون شدات الكماة بأنفس | إذا غضبت هانت عليها الشدائد |
إلى إن ثووا في الترب صرعى كأنهم | نخيل أمالتهن أيد عواضد |
أولئك أرباب الحفاظ سمت بهم | إلى الغاية القصوى النفوس المواجد |
ولم يبق إلا واحد الناس واحدا | يكابد من أعدائه ما يكابد |
يكر فينثالون عنه كأنهم | مها خلفهن الضاريات شوارد |
يحامي وراء الطاهرات مجاهدا | بأهلي وبي ذاك المحامي المجاهد |
فما الليث ذو الأشبال هيج على الطوى | بأشجع منه حين قل المساعد |
ولا سمعت أذني ولا أذن سامع | بأثبت منه في اللقا وهو واحد |
إلى إن أسأل الطعن والضرب نفسه | فخر كما أهوى إلى الأرض ساجد |
فلهفي له والخيل منهن صادر | خضيب الحوامي من دماء ووارد |
فأي فتى ظلت خيول أمية | تعادي على جثمانه وتطارد |
وأعظم شيء إن شمرا له على | جناجن صدر ابن النبي مقاعد |
فشلت يداه حين يفري بسيفه | مقلد من تلقى إليه المقالد |
وان قتيلا أحرز الشمر شلوه | لاكرم مفقود يبكيه فاقد |
لقى بمحاني الطف شلوا ورأسه | ينوء به لدن من الخط مائد |
ولهفي على أنصاره وحماته | وهم لسراحين الفلاة موائد |
مضمخة أجسادهم فكأنما | عليهن من حمر الدماء مجاسد |
تضئ بهم أكناف عرصة كربلا | وتظلم منهم أربع ومشاهد |
فيا كربلا طلت السماء وربما | تناول عفوا حظ ذي السعي قاعد |
لانت وان كنت الوضيعة نلت من | جوارهم ما لم تنله الفراقد |
سررت بهم مذ آنسوك وساءني | محاريب منهم أوحشت ومساجد |
بذا قضت الأيام ما بين أهلها | مصائب قوم عند قوم فوائد |
ليهنك إن أمسي ثراك لطيبه | تعطر منه في الجنان الخرائد |
وان أنس لا أنس النساء كأنها | قطا ريع من أوكاره وهو هاجد |
خوارج من أبياتها وهي بعدها | لأرجاس حرب بالحريق مواقد |
نوادب لو إن الجبال سمعنها | تداعت أعإليهن فهي سواجد |
إذا هن أبصرن الجسوم كأنها | نجوم على ظهر الفلاة رواكد |
وشمن رؤساء كالبدور تقلها | رماح كاشطان الركي موائد |
تداعين يلطمن الخدود بعولة | تصدع منها القاسيات الجلامد |
ويخمشن بالأيدي الوجوه كأنها | دنانير أبلاهن بالحك ناقد |
وظلن يرددن المناح كأنما | تعلم منهن الحمام الفواقد |
فيا وقعة ما أحدث الدهر مثلها | يبيد الليالي ذكرها وهو خالد |
لألبست هذا الدين أثواب ذلة | ترث لها الأيام وهي جدائد |
واتفق خروج أعيان القطيف منها لأمر وسكنوا البحرين سنة 999 وبقوا مدة توفي فيها شيخهم الأكبر أبو علي عبد الله بن ناصر بن حسين بن المقلد من بني وائل سنة 1001 ودفن بمقبرة الشيخ راشد في جبانة أبي عنبرة فقال يرثيه من قصيدة أنشدها سابع موته:
خليلي من أبناء بكر ووائل | قفا واندبا شيخا به فجعت بكر |
لئن بليت أكفانك البيض في الثرى | فما بلي المعروف منك ولا الذكر |
(أفال) سقيت صوب كل مجلجل | من المزن هام لا يجف له قطر |
ليهنك فخرا إن ظفرت بتربة | يعفر خدا دون إدراكها الغفر |
ثوى فيك من آل المقلد سيد | هو الذهب الإبريز والعالم الصفر |
فتى كرمت آباؤه وجدوده | وطابت مساعيه فتم له الفخر |
عفيف نقي البرد من كل زلة | وفي أذنه عن كل فاحشة وقر |
ويا بلد الخط اعتراك لفقده | مدى الدهر كسر لا يرام له جبر |
ولو خلد المعروف في الناس واحدا | لخلد عبد الله نائله الغمر |
بنية اصبروا فالصبر أجمل | حلة تردى بها من مس جانبه الضر |
ودونكم من لجة الفكر درة | منظمة يعنو لها النظم والنثر |
وعذراء من حر الكلام خريدة | بأمثالها في الشعر يفتخر الشعر |
وما مهرها إلا قبولكم لها | لقد كرمت ممهورة وغلا المهر |
وقال يرثي الشريف العلوي أبا الحسين محمد بن سلمان القاروني سنة 1008 من قصيدة وأنشدت بمسجد ماثنا من كتكتان أوال من البحرين:
يا للرزية لم يسمع بها أحد | إلا وأجهش من حزن لها وبكى |
تبت يد الدهر لم يعلم بأي فتى | أودى وأي همام سيد فتكا |
شهادة الله في التنزيل كافية | في فضلهم ما رواه جابر وحكى |
ما مد يوما إلى الدنيا وزينتها | طرفا ولا كان في اللذات منهمكا |
لو سامنا فيك محتوم القضا بدلا | فداك كل امرئ منا وقل لكا |
وطلب منه شيء يكتب على قبر زوجة السيد عبد الرؤوف المتقدم
ذكره فقال سنة 1019:
إن نقلت من شوامخ الشرف | إليك يا قبر درة الشرف |
فغير بدع فالدر أكثره | حسنا وأنقى ما كان في الصدف |
وقال يرثي العقيلة الكريمة ملوك بنت السيد الشريف عبد الرؤوف زوجة الشريف العلامة ماجد بن هاشم وقد توفيت بعد عودها من الحج بيوم واحد ودفنت بشيراز بمدفن السيد أحمد بن موسى الكاظم عليه السلام سنة 1020 من قصيدة:
بكيتك لو إن الدموع تذيل | من الحزن أو يطفى بهن غليل |
له الله من دهر كان صروفه | لها أبدا عند الأنام ذحول |
أبى إن يرينا وجه يوم وما به | على اثر ماض رنة وعويل |
إلا في سبيل الله أقمار أوجه | لها أبدا تحت التراب أفول |
ولا كالتي أمسى بها الترب آنسا | وأوحش منها منزل ومقيل |
وعائدة من حجها لم يكن لها | على غير أصحاب القبور نزول |
كان لم تؤب بعد المغيب ولم يكن لها | بعد إزماع الرحيل قفول |
وقد أذهب البشرى المصاب وقبحت | يد الحزن وجه البشر وهو جميل |
فيا ابنة من لو كان بعد محمد | رسول لما أمسى سواه رسول |
وزوجة من لو فتش الخلق لم يكن | ليلفى له في العالمين مثيل |
وأخت الذين استفرغوا الجهد في العلى
فأثرى بهم عاف وعز نزيل وأم الذي -والسن خمس- جرى إلى مدى لذوي الخمسين عنه نكول:
لئن قل بعد العود لبثك فالأسى | عليك وان طال الزمان يطول |
ويا أصبر الناس الذين نراهم | واحملهم للعب ء وهو ثقيل |
عزاء ولا أرضاه لكن مقالة | بها أبدا يوصي الخليل خليل |
ودونكما كالروض باكره الحيا | وهبت جنوب فوقه وقبول |
واني للخل الذي لا ترونه | يميل مع النعماء حيث تميل |
لسانكم الطلق الذي إن رميتم | به قائلا لم يدر كيف يقول |
وسيفكم العضب الذي إن ضربتم | به لم يصافح مضربيه فلول |
وان كان فيكم من يناجيه ظنه | علي بشيء ما عليه دليل |
خلا إن مدحا سار لي فيه لم تزل | شوارده في الخافقين تجول |
وقال يرثي العلوية خديجة بنت السيد عبد الرؤوف وتوفيت عقيب أختها ملوك ومريم بنت الخواجة علي بن منصور الهزمية والسيد جمال الدين بن سليمان بن عبد الرؤوف وتوفي بعد رجوعه من الحج سنة 101.
ألا يا قوم ما للدهر عندي | لأسرف في الإساءة والتعدي |
تخرم أسرتي فبقيت فردا | أبارز نائبات الدهر وحدي |
إذا استعظمت فقد أخ كريم | رماني من أخ ثان بفقد |
مصائب هان عند الناس فيها | عظيم الرزء في مال وولد |
أناخت بركها ببني علي | نزول أخي قرى فيهم ورفد |
قروهن النفوس وليس بشيء | أعز من النفوس قرى لو فد |
فاضحوا بعد جمعهم فرادى | كما نثرت يد خرزات عقد |
فيا الله ما رمت الليالي | به السادات من سلفي معد |
سقى الأجداث شرقي المصلى | وان رفعت إلى جنات خلد |
حيا متهزم الأطباء إن لم | يكن دمعي على الأجداث يجدي |
وجر بها نسيم الريح ذيلا | يمر به على بان ورند |
فكم حملت إلى ساحاتها من | قنا خطية وسيوف هند |
كهول كالرماح اللدن شيب | وأغلمة كبيض الهند مرد |
وكل كريمة الأبوين ليست | كهند في النساء ولا كدعد |
عفيفة ما يكن الخدر ملأى الملاءة | من صلاحية وزهد |
ولا مثل التي بالأمس أودت | طهارة مولد وسمو جد |
قضت نحبا على آثار أخرى | توافي ساعيين معا لوعد |
فيا لكريمتي حسب ودين | ويا لعقيلتي شرف ومجد |
ونال الصهر ثالثة فأودت | خلالهما كان الرزء يعدي |
ثلاث ما سمت علياء بيت | بغور في مناكبها ونجد |
على مثل لهن تقى ودينا | وطيب مغارس ووفور رشد |
أولئك خير من وراه ستر | وأكرم من سحبن فضول برد |
سجاياها إذ ذم السجايا | ضوارب دون غيبتها بسد |
ولم يعرفن غير البيت دارا | سوى لحد سكن به ومهد |
إما لو كن للعرب الأولى قد | نظرن إلى البنات بعين زهد |
إذا كرمت بناتهم عليهم | وما أودت لهم أنثى بوأد |
إما لو كان غير الموت مدت | يداه لهن والآجال تردي |
لكادت إن تسوخ الأرض مما | تظل بها جياد الخيل تردي |
عليها الشوس من عليا قريش | أولي النجدات والعزم الأشد |
إذا استصرختهم وافوا غضابا | كما هجهجت في غابات أسد |
بكل مثقف الأنبوب لدن المهز | وكل مصقول الفرند |
كأنك تستكف الخطب منهم | بذي الحرمين أو عمرو بن ود |
بني عبد الرؤوف وكل حي | لمصرعه أخو سير مجد |
عزاءكم فأوفى الناس أجرا | أخو ضراء قابلها بحمد |
فداكم من يكاشركم ويخفي | لكم تحت الضلوع غليل |
حقد أنبئكم وما في ذاك بأس | فهذا الناس من هاد ومهدي |
باني خير من أرعيتموه | لكم ودا وأوفاة بعهد |
فقد جربتم الإخوان غيري | وأكثرتم فهل سدوا مسدي |
ودونكم بلا من عليكم | ثناء مبرز في النظم فرد |
يجيد الحفر عن ماء المعاني | فينبطه وحفر الناس يكدي |
تشاركني الورى في الشعر دعوى | على إني المبرز فيه وحدي |
وقال يعزي بعض الأعيان عن طفل سنة 1023:
عزيز أمرنا لك بالتعزي | غداة أصبت بالولد الأعز |
لعمر أبي لقد رمت الليالي | بحز في الحلوق وأي حز |
لبدر غاب قبل تمام نور | وغصن جب قبل تمام درز |
وسيف فل قبل أوان سل | ورمح دق قبل أوان هز |
فغادرنا بحزن مستقر | نكابده وعقل مستفز |
عجبت لقرب ما جئنا نهني | أباه به وما جئنا نعزي |
فيا ابن مبارك بن حسين صبرا | فشيطان الأسى بالصبر مخزي |
فمثلك لا تلين له قناة | لعجم في الخطوب ولا لغمز |
بذا حكم القضاء فمن معزى | على ما فات منه ومن معزي |
هي الأيام لا تبقي كبيرا | لعظم جلالة ولفرط عز |
ولا تبقي صغير السن بقيا | لجامعة عليه ولا لحرز |
وعذري في التأخر عنك حمى | أكابد حرها وأذى شكنز |
وها أنا ذا أخو جفن قريح | لرزئكم وقلب مشمئز |
أنا الخل الذي لا عيب فيه | سوى إخلاص ود وهو مجزي |
فان قدمت فضلك عند غيري | وبار فإنني لك في المحز |
وقال يرثي بعض أعيان القطيف وهو السيد حسن بن محمد بن جعفر بن علي بن أبي سنان وقد أرسله أبوه قبل وفاته في سفر فاعترضهم قوم من الأعراب فعاثوا فيهم نهبا وسلبا وقتلا فأصابته جراحات قاتلة وبقي ملقى في البر بين الإحساء والقطيف فنقل بعد يومين وبه رمق وعولج فما برئ حتى شلت يداه وسقط بعض أنامله وجرت عليه بعد ذلك مصادرات من حاكم القطيف ألجاته إلى الهجرة إلى أوال فقبض الحاكم ضياعه وأملاكه واستغلها مدة ثم استأمن له الشريف العلامة ماجد بن هاشم الحسيني فأمنه فرجع إلى وطنه فمات ابنه في أثناء قدومه وكان بين أبي البحر وبينه صحبة أكيدة فكتب إليه يعزيه وبعث بها إليه في القطيف سنة 1028:
ألا تستنطق الدمن الخوالي | فتسألها عن الحي الحلال |
عواطل بعد ما كانت زمانا | بأنس القاطنين بها حوالي |
دعاهم ريب دهرهم فبانوا | سراعا والمقيم إلى ارتحال |
ولا تبقى على الحدثان شم | الهضاب ولا منيفات القلال |
غداة نعي لنا حسن وقالوا | هوى من أفقه نجم المعالي |
سل الأجداث ماذا من جميل | بها قد أودعوه ومن جمال |
ألا قولوا لحمير حيث كانت | أولي العزمات والهمم العوالي |
وفرسان الحروب إذا تداعت | فوارسها بحي على النزال |
أصابكم الحمام فلم يهبكم | بأشرف أول فيكم وتالي |
على حين استتب له علاه | وقيل قد استوى ضوء الهلال |
أما لو كان ثار عند غير المنية | والنفوس إلى زوال |
لا وجفنا عليه الخيل شعثا | تعادى في الأعنة كالسعالي |
عليها كل ضرغام إذا ما | استطال السلم حن إلى القتال |
واجلبنا ببيض الهند تدمى | مضاربها وبالسمر الطوال |
خليلي ازجرا السحب الغوادي | على ما تشتكيه من الكلال |
إذا جاوزن سيف أوال صبحا | وشارفن القطيف مع الزوال |
فصبا ما حملن من الروايا | على قبر بجرعاء الشمال |
أرى الأيام تقسم ظالمات | فتبدلنا الأسافل بالأعالي |
فتترك من تراه الناس كلا | على المولى وتذهب بالموالي |
فيا ابن أبي سنان وكل ثاو | وان طال المدى فإلى انتقال |
عزاء فالنفوس إلى فناء | وصبرا فالقطين إلى زيال |
فمثلك تستمد الصبر منه | على الباساء أعيان الرجال |
على ما ناب في نفس وآل | كما شمت العدو به ومال |
فلستم في القطيف أشد حزنا | عليه اليوم منا في أوال |
أما والراقصات بكل فج | تعادى في الأزمة كالسعالي |
إذا شارفنا مكة كدن شوقا | يطرن وان عقلن مع العقال |
عليها كل عريان الضواحي | كنصل السيف حودث بالصقال |
لقد عقدت لك الأيام مني | وفاء غير منصرم الحبال |
وعد عن استماعك شعر غيري | فأين حصى الطريق من اللئالي |
ونعي إليه السيد الشريف ناصر بن عبد الجبار الحسيني الموسوي وكان
قادما من شيراز إلى الحويزة فقضى بقرب بهبهان من فارس وأبو البحر يومئذ
بشيراز فقال يرثيه:
هتفت بدمع العين وهو سجوم | دمن حبس على البلى ورسوم |
من كل شاخصة الطلول كأنها | مما جلت عنها السيول رقوم |
فكأن قامة كل أشعت ماثل | ألف ودارة كل نؤي ميم |
تلك المنازل ما لطارقها قرى | إلا بلابل أنفس وهموم |
لله ما تركوا غداة وداعهم | لمتيم في القلب منه كلوم |
مستعبر يصل الدموع بزفرة | كادت لمعوج الضلوع تقيم |
أأحبتي إن طاب عندكم الكرى | ليلا فلي عين عليه تحوم |
فسلوا بي الليل الطويل فإنه | بالساهرين وبالنيام عليم |
هل زار بعدكم الرقاد محاجري | أومر مجتازا بها التهويم |
ذوي الرقاد هبوا القليل لناظري | من ذاك فهو السائل المحروم |
يا دارهم والعهد مسؤول ومن | لم يرع ذمة صاحب مذموم |
وسمتك حالية الربيع ففي الحشا | مما محتك يد الخطوب وسوم |
ونحتك أنفاس الرياح مريضة | وأتى ثراك الريح وهو نسيم |
كم راح في أكناف دوحك جؤذر | يعطو إلى الأغصان منه وريم |
فمتى تمد لحاجة فتنا لها | كفي وأطول ساعدي جذيم |
فليحس مر الضيم ثاكل ناصر | فالمرء ما فقد النصير مضيم |
ولئن حسدت به فها أنا ذا كما | شاء الحواسد بعده مرحوم |
أفتى الفتوة والمروءة والحجى | بعدا ليومك انه لمشوم |
فلئن تبوأت النعيم فعندنا | مما نكابده عليك جحيم |
وكأنما الأيام آلى صرفها | إن لا يدوم على الزمان كريم |
لشربت شرب الهيم أعمار الورى | هلا صدرت كما صدرن الهيم |
لم ينج منك أزل ينطف ماؤه | علقا ولا جهم اللقاء شتيم |
وطويل قادمة الجناح له إذا | سيم الهوان بجوه تدويم |
ماض يشيعه إلى أوطاره | هجن بهن من الدماء وشوم |
وأثيث عرعرة السنام كأنها | نبت على بعض الهضاب عميم |
تخبط الأحياء حتى لم يكد | ليسيم خشيته السوام مسيم |
تتناذر الأحياء صولته فما | حي وليس له عليه هجوم |
ارجاله وأخص منكم جعفرا | ولشأنكم ولشأنه التعظيم |
قمر المحافل لا يشك بأنه | للبدر في حسن الرؤي قسيم |
المرتضى الشيم التي لو قسمت | في الناس ما كان امروء مذموم |
وذوي مودته وأولكم فتى | الدنيا أبو إسحاق إبراهيم |
قلم الخلافة والذي لقضائه | في أهلها التأخير والتقديم |
قلم تحاط به البلاد ويحفظ | الإقليم فالإقليم فالإقليم |
حاجاتنا في الدهر إن تبقوا لنا | فابقوا بقاء النيرات ودوموا |
وأنا أبو الكلم اللواتي روضها | أبدا على رعي الخطوب جميم |
من كل معلمة كما نشرت من | طي البرود يزينه الشبهيم |
هن النجوم فان سما متمرد | لسمائهن فإنهن رجوم |
وأتاه نعي السيد الشريف عبد القاهر بن عبد الرؤوف الحسيني الموسوي من البحرين وهو يومئذ بشيراز فقال يرثيه وبعث بها إلى البحرين سنة 1028:
ما بال عينك لا تجود بمائها | والنفس قد طويت على غمائها |
وتكرهت نفسي البقاء وإنني | لأرى النفوس تحوم حول بقائها |
مرضت بصحتها فلم أر قبلها | نفسا دواء الخلق اقتل دائها |
أو تشتهي النفس الحياة وغارة | الأيام من قدامها وورائها |
وشجا يغاديها إذا هي أصبحت | وأسى يراوحها لدى إمسائها |
واستدرجت قومي فالحق كهلها | بغلامها ورجالها بنسائها |
ممن يقيل الحمد بين بروده | أو من يبيت الصون ملء ملائها |
ومجاهر بالنعي ما حابى به | نفسي بما يبقي على حوبائها |
ألقى على الأسماع من إنبائه | ما يمنع الأجفان من إغفائها |
لنعت إلى المعروف بيت قصيدة | ولسورة الإحسان آيائها |
نفسا لو انتظر الفداء بها افتدت | بنفيس ما تحوي بنو حوائها |
وأخا المروة إن يعد سواه من | أجنادها عدته من أمرائها |
لتغض أبناء العلى أبصارها | من بعده وتكف من خيلائها |
فلقد أطار الدهر أجمل حلة | عنها وغير من جميل روائها |
الهجاء
بلغه عن بعض فتيان القطيف انه يقول الشعر فاستنشد منه شيئا فلم يرتضه فبلغ ذلك الفتى فوقع فيه ببعض الكلمات في معرض الشكاية فقال أبو البحر وذلك سنة 1007:
يا خليلي من ذؤابة شيبا | ن ويدعى لما ينوب الخليل |
إن هذا الفتى الذي وسم الشعر | بعار ما إن نراه يزول |
قد نضا مدية الجهالة يفري | ودج الفضل فهو منه قتيل |
يا حماة القريض هبوا لأخذ الثأر | فالخطب لو علمتم جليل |
وخذوا بالتراث من قاتل الشعر | فما الحزم إن تضاع الذحول |
وأكول عرضي فما ساعة حتى | غدا بعد ذاك وهو أكيل |
مد لي ساعدا قصيرا فلم يلبث | إلى إن ثناه باع طويل |
وإذا ما العزيز حاول ذلي | وأبى الله فالعزيز ذليل |
وقال فيه أيضا وبنى قصيدته على مطلع لراويته الغنوي وهو هذا:
اعمل لنفسك مثقالا ومعيارا | وأسرر أباك بأن يلقاك عطارا |
فقال أبو البحر:
أو فاتخذ لك سندانا ومطرقة | واعمل متى شئت سكينا ومسمارا |
أو فاتخذ لك منشارا وقشترة | وكن على مدد الأيام نجارا |
أو فاتخذ لك مزمارا ودبدبة | وعش لك الخير طبالا وزمارا |
أو كن فديتك صفارا فليس على | علياك باس إذا أصبحت صفارا |
أو كن كصاحبك الأدنى أبي حسن | أعني عليا فتى عمران زرارا |
أو فأبلغ ابن مهنى في بزازته | أو فامش خلف فتى شنصوه قصارا |
أو فأسأل ابن مهنى علم صنعته | مما يفيدك بالدينار قنطارا |
أو عالج الاتن من أدوائهن وكن | شروى خميس بن خضاموه بيطارا |
أو فاقتلع من (رشالا) الطين متخذا | ضع الجرار وعش في (الخط) جرارا |
أو فاقتن الاتن وأحمل فوقها حطبا | فخير شيء إذا أصبحت حمارا |
أو فاحمل الفخ فيها حيث شئت فصد | به لصبية أهل الخط أطيارا |
وان سمعت مقالي فامض متكلا | على إلهك في الأبوام بحارا |
وان ترفعت عن هذا فحي على | استغفار ربك تلق الله غفارا |
أو قيما في بيوت الله تسمعنا | إذ انك العذب آصالا وأسحارا |
أو منشدا مدح مولى الناس حيدرة | أو قارئا في نواحي السوق أخبارا |
ولا تلم بربع الشعر إن له | ظعنا تأخرت عن مسراه إذ سارا |
قد حلقت بنفيس الشعر طائرة | عنقاء مغرب فاقعد عنه إذ طارا |
وهاكها كشواظ النار لافحة | أثناء قلبك لا تألوه أسعارا |
وقال:
يا راحلا للقبور علك أن | تسأل فيها هنالك ابن حجر |
هل أحرقت غيره صواعقه | أو ألقمت واحدا سواه حجر |
الحنين إلى الأهل والأوطان
كان سبب اتصاله بشيراز انه بعد ما فتح الأمير الكبير كمال الدين بن يحيى الكردي الفيروز آبادي البحرين وكشف عنها من كان فيها من الإفرنج ومن انضم إليهم من الأعراب وقفل الأمير راجعا فتوجه معه الشريف أبو عبد الله الحسين بن عبد الرؤوف ومعهما أبو البحر لعرض ما جرى من الأمور إلى الجهة الخانية فوصلوا شيراز وعرضوا إلى الحضرة الخانية ذلك فبلغهم السؤول وأنالهم المأمول وتوجه الشريف إلى ناحية الدورق وتأخر أبو البحر فتشوق إلى سكنه ونزع إلى وطنه فقال:
سلام يغادي جوكم ويراوحه | ونشر ثناء تنتحيكم روائحه |
أأحبابنا والمرء يا ربما دعا | أخا الناي إن ضاقت عليه منادحه |
هل الدهر مدنيني إليكم فمبرد | لهيب اشتياق يرمض القلب لافحه |
ومجمد دمع كلما هتفت به | دواعي هواكم أقرح الجفن سافحه |
كفى حزنا إني بشيراز مفرد | أباكر ما يضني الحشا وأراوحه |
وحلف هموم لو تضيفن يذبلا | تضاءل واستعلت عليه أباطحه |
وأشياء ضاق النظم عنها وبعضها | يلوذ بظل الاستقالة شارحه |
أحن فلا ألفي سوى هاتف الضحى | يطارحني شكوى النوى وأطارحه |
يقطع آناء النهار بنوحه | إلى إن يرى وجه الظلام يصافحه |
وان له بعد الهدو لعولة | وأخرى وأشجى النوح مالج نائحه |
شكا وحشتي سجن ونأي فأجهشت | له رقة مما يحن جوارحه |
يكاد إذا هز الجناح فخانه | تقض بترجيع الحنين جوانحه |
خلا انه ذو رفعة فمتى دعا | تجبه على قرب المكان صوادحه |
واني إذا ما اشتقتكم حال دونكم | ودوني غيطان الفلا وصحاصحه |
وملتطم الأمواج ما عبثت به | يد الريح إلا وامتطى النجم طافحه |
يشن علي البعد غارات جوره | وتهتف بي من كل فج صوائحه |
سقى (جد حفص) الغيث سحا ولو سما | لها الدمع أغناها عن الغيث راشحه |
ولا زال خفاق النسيم إذا سرى | عليلا يماسي جوها ويصابحه |
بلاد أقام القلب فيها فلم يزل | وان طوحت بالجسم عنها طوائحه |
هل الله مستبق ذمامي بعودة | إليها تريني العيش قد هش كالحه |
ويصبح هذا البعد قد ريض صعبه | وأمكن من فضل المقادة جامحة |
وقال وهو بشيراز سنة 1012 حين عاد متوجها إلى خراسان وبعث بها
إلى أهله بالبحرين:
يا من نأت بهم الديار فأصبحوا | مستوطنين على النوى الألبابا |
إن تكسب الألقاب من يدعى بها | شرفا فقد شرفتم الألقابا |
فارقتكم فجعلت زقوم الأسى | زادا وغساق الدموع شرابا |
أكذاك كل مفارق أم لم يكن | قبلي محب فارق الأحبابا |
يا منتهى الآراب هذي مهجتي | قد قطعت من بعدكم آرابا |
وتأسفي إني غداة وداعكم | لم اقض من توديعكم آرابا |
ما ذقت عذب القرب إلا رده | وشك التفرق والبعاد عذابا |
يا هل ترون لنازح قذفت به | أيدي البعاد لجد حفص ايابا |
لا تحسب (البحرين) إني بعدها | متبوئ دارا ولا أصحابا |
ما أصبحت (شيراز) وهي حبيبة | عندي بأبهج من (أوال) جنابا |
ما كنت بالمبتاع دارة سروها | يوما بفاران ولا بمقابا |
لئن اقتعدت مطا البعاد وعزني | وشك التلاقي والدنو طلابا |
لأسيرن لكم وان طال المدى | مارق من محض الثناء وطابا |
وقال وبعث بها إلى القطيف:
يا ساكني (الخط) في قلبي لكم خطط | معمورة بمعانيكم مغانيها |
يا هل ترون لمحني الضلوع على | ذكر الديار وقوفا في محانيها |
وزفرة لو ثوى اليوم الخليل بها | أودى ولم يغن عنه برده فيها |
وعبرة لو دعي نوح ليسلكها | بفلكه قال بسم الله مجريها |
ومقلة ألفت فرط السهاد فلو | رد الرقاد إليها كان يؤذيها |
ماذا على الطير إذا بلى الضنا جسدي | فخف لو حملتني في خوافيها |
إن يقعد الطير عن حملي لكم وسرت | ريح الصبا فاطلبوني في مساريها |
تلقي لكم جسدا لو إن علته | يدعى المسيح لها ما كان يبريها |
لقد تضاءل حتى لو قذفت به | في مقلة ما أحسته مآقيها |
ومستريح إلى ترجيع نغمته | أضحى يبث صباباتي ويبديها |
فما تثنت به اعطاف بانته | إلا ثنا وجه سلواني تثنيها |
ومستطير كأن الريح تلهبه | إذا استمر عليه خفق ساريها |
أشيمة خلبا والعين تبصره | بعبرة سال حتى غص واديها |
ومستميت السرى لو مر ناسمه | بشعرة لم يكد مسراه يثنيها |
سرى فأسرى الكرى عني وأنزل بي | صبابة بت تخفيني وأخفيها |
يا ويح نفسي أما شيء يعن لها | إلا وظل لبلواها يعنيها |
إن أومض البرق أشجاها وإن هتفت | ورق الحمى بات حر الشوق يحميها |
وإن تنسم علوي الرياح لها | ألفيته لقصي الوجد يدنيها |
لقد منيت بما اخترت المنون له | يا قوم لو أعطيت نفس أمانيها |
وقال على لسان الشريف العلوي أبي أحمد عبد القاهر بن عبد الرؤوف الحسيني وهما يومئذ مع جماعة من أشراف البحرين وكبرائها بمحروسة شيراز متوجهين إلى الحضرة الشاهية بناحية شماخير وبعث بها الشريف إلى أهله بالبحرين سنة 1016:
يا نازلين على نأي المحل بهم | بحيث يجمع شمل الجسم بالروح |
لو كان في وسع جهدي إن أبثكم | شوقي وأشكو لكم جهدي وتبريحي |
أضقت متسع الأوراق عنه ولو | حملته الريح أو هي قوة الريح |
لا شيء أسعد مني إن تراجع بي | إليكم طول تبكيري وترويحي |
لولاكم ما أعرت السمع صادحة | إن أقصرت قلت من وجد لها نوحي |
ناحت ولو وجدت وجدي بكم لبكت | مثلي بدمع على الخدين مسفوح،وقال أيضا على لسان هذا الشريف وقد التمس منه ذلك بعد دخولهما أصفهان حين توجهوا صاعدين وبعث بها إلى أهله بالبحرين: |
لي بعدكم زفرة لو يستضيء بها | سار لأغنته عن ضوء المصابيح |
وأدمع إن جرت حمرا فلا عجب | فقد مررن بأجفان مجاريح |
فهل يبل إذا استسقى لقاءكم | غليل ظام دوين الورد مطروح |
وهل إذا عز قرب إن يزوركم | عني بفرط اشتياقي ناسم الريح |
وقال وهو بشيراز وبعث بها إلى أهله بالبحرين:
ما لي وما لصوادح الأوراق | يكثرن جنح الليل من إقلاقي |
ملأت حشاي أسى لما أملته من | قصص الغرام علي والأشواق |
أنزلن بي أحزان يعقوب لما | اسمعنه لي من غنا إسحاق |
لو كان عن حزن بكاؤك لانبرت | فوق الخدود مدامع الآماق |
ولما خضبتن الأكف وزينت | أعناقكن بحلية الأطواق |
ولما افترشتن الغداة نواعم إلا | غصان بين نواعم الأوراق |
شوقي إلى القوم الذين محلهم | قلبي وان بعدوا على أحداقي |
فارقتهم لم الو من جيد | لتوديع ولم اعطف يدا لعناق |
حمامات شيراز رفقا بنا | لهجتن بالنوح ما عندنا |
علام وانتن عند القرين | في بارد الظل داني الجنا |
تجاورن فاكهة غضة | وآونة غضا لينا |
ننوح اشتياقا وتغريدكن | غناء فشتان ما بيننا |
لحا الله أبطلنا في الغرام | دعوى وأكذبنا السنا |
وأكثرنا عند الآفة | مبيتا وأجمدنا أعينا |
ألا قل لساكن وادي المحل | هل وردوا في الهوى وردنا |
فيا هل علمتم وأنتم هناك | ما عندنا منكم ها هنا |
يمينا بكل أمون العثار | أفضى مني من عليها منا |
لسكان ظهر مني من أوال | أول مطلبنا والمنى |
فيا صاحبي والفتى ربما | أحال على خله ما عنا |
سألتك إلا طرقت الخيام | وقلت لسكانها معلنا |
أأنتم على حفظ تلك العهود | أم نقض البعد ذاك البنا |
الا رب قوم أباحوا لنا | من الوصل أطيب ما يجتنى |
وفيهم من الحسن ما فيهم | فلم نر ذلك مستحسنا |
يريدون سلواننا عنكم | وان كان ذلك لم يسلنا |
فلا تنكرن علينا الرحيل | غداة نأى الركب عنكم بنا |
فبالرغم إن يستقل المحب | عمن يحب وان يظعنا |
وقال أيضا وأرسل بها إلى أهله بالبحرين:
يا نزولا بين إجراع الحمى | بعدكم عن عيني النوم حمى |
هل تعيرون جفوني هجمة | أم ترون النوم شيئا حرما |
أرسلت من دمعها في حبكم | عارضا يهمي وتيارا طما |
وأسالت ذاك دمعا فإذا | طال هذا البعد أجرته دما |
إن عينا لا تراكم لا ترى | فرق ما بين هداها والعمى |
وكذاك السمع يشكو بعدكم | عارض الوقر به والصمما |
سادتي أسلمت في الحب لكم | أفينجو سالما من أسلما |
إن أكن أذنبت في حبكم | فأقيلوني ذنوبي كرما |
وقال أيضا وأرسلها إلى أهله بالبحرين:
يا من نأى فجعلت بعد فراقه | اسم الوجوه بنظرة المستبدل |
ما إن وجدت لقرب غيرك لذة | إلا وكنت على البعاد الذلي |
سأقول والأمثال يرسلها الفتى | فيما يشاء مقالة المتمثل |
(نقل فؤادك حيث شئت فإنه | ما الحب إلا للحبيب الأول) |
(كم منزل في الأرض يألفه الفتى | وحنينه أبدا لأول منزل) |
وقال أيضا وأرسلها إلى أهله بالبحرين:
صاح ما وجدي بسكان المحل | بالذي تحويه أرقام السجل |
غير إني أبعث الريح لهم | بسلام إن تعده لا يمل |
وكلام يستمل الوجد من | خاطر ملآن من ذاك ويملي |
كلما أعطشني اليأس | بهيهات من وصل تعللت بعلي |
لئن استحللتم قتلي فما | أنتم في سعة منه وحل |
واستشفتني يد الشوق فلو | قمت في الشمس لما أبصرت ظلي |
يا نسيما هب من نحوهم | هات بالله عن الحي فقل لي |
أعلى العهد هم أم ضيعوا | ما لنا من ذمة فيهم وآل |
ما تسلينا بشيء حسن | عن هواهم فرأينا ذاك يسلي |
قل لسكان الحمى عن نازح | قذف الدهر به نائي المحل |
إن ترامى البعد بي عنكم فلم | أراكم إلا بكتب أو برسل |
فلأنتم نصب عيني أينما | كنت مجموعا بكم في البعد شملي |
وقال:
عج بالمطي على معالم بوري | بمحل لذاتي وربع سروري |
واستنس (كذا) رياها ففي عرصاتها | عند العبور بهن نشر عبير |
لم تجعل العبرات خدي معبرا | إلا على مري بها وعبوري |
هل لي إلى تلك المنازل عودة | يخبو بها وجدي وفرط زفيري |
وكريمة الطرفين جر على التقى | والدين فاضل ذيلها المجرور |
ومهفهف زرت غلائله على | غصن يميل به النسيم نضير |
رشا جراحاتي جبار عنده | أبدا وكسري ليس بالمجبور |
أنا أسعد الثقلين إن أدناهم | مني رواحي نحوهم وبكوري |
فأما وفتلاء المرافق جسرة | تخدي بمشبوح الذراع جسور |
إن يعي عيدي النجار بكوره | نهضت فطار بها جناح الكور |
يرمي بها الميقات غير مقصر | حتى يتم النسك بالتقصير |
لأجشمن الناجيات إليهم | والسفن قطع مفاوز وبحور |
ولألقين بحر وجهي نحوهم | حرين حر هوى وحر هجير |
فعسى ابتذال الصون يفضي بي إلى | من صين تحت اكلة وستور |
فأبيت قد ألقيت أعباء السرى | وأرحت ظهر مطيتي وبعيري |
اني إذا هاب الزيارة مدع | يدلي بدعوى في المحبة زور |
خاطرت بالنفس النفيسة في هوى | ظبي كلفت به هناك غرير |
إن حار دون لقائه عزمي فلا | متعت منه بالعيون الحور |
يا من أسير كل يوم نحوهم | كتبي إذا أعيا علي مسيري |
وأقول معتذرا إذا سيرتها | لا يسقط الميسور بالمعسور |
آه وقل على (أوال) تأوهي | فإذا جننت بها فغير كثير |
هيهات ما (شيراز) وافية بما | في تلك لي من نعمة وحبور |
بلد تعادل صيفها وشتاؤها | في الطيب للمقرور والمحرور |
يتكأد الرزق العباد وانه | فيها على باغيه غير عسير |
إن طبق المحل البلاد فإننا | في روضة من خصبها وغدير |
إن أنس لا أنس الربيع بها وما | يجلوه من نواره والنور |
يلقي لمجتاز النسيم كرامة | أنماط ديباج وفرش حرير |
أملى السحاب عليه من إنشائه | فأتاك بالمنظوم والمنثور |
والماء منه مطلق ومقيد | يلقاك بالممدود والمقصور |
يستوقف الأسماع بين تدفق | كرجيع قهقهة وبين خرير |
تتلو بلابله عليك وورقه | أسفار إنجيل وصحف زبور |
فكأنما اطرح الغناء عليهما | قيس وقد غنى بشعر جرير |
لا شيء أبهج منظرا من صحوه | والشمس فيه كدارة البلور |
هذي مزاياها وكم علقت يدي | فيها بذمة صاحب وعشيري |
هذا على سري الأمين وذاك إن | خذل النصير على الخطوب نصيري |
يا جادها الهتن الملث وأصبحت | عرضا لمحلول النطاق غزير |
وافر أحزاني بهم وأباتني | معهم بطرف في الدنو قرير |
وقال وهو بشيراز وبعث بها إلى أهله بالبحرين ومر منها سبعة أبيات في الغزل سهوا، وفي البيت الرابع هكذا (ووراء عيسهم المناخة) صوابه (المثارة) بدل المناخة وهذا ما بقي منها:
لي بالعقيق سقى العقيق حشاشة | طاحت وراء الركب ساعة قوضوا |
لم تلو راجعة ولم تلحق بهم | حتى وهت مما تطيح وتنهض |
ردوه أحيى برده أو فالحقوا | كلي به فالكل لا يتبعض |
من ناشد لي بالعقيق حشاشة | طاحت وراء الركب ساعة قوضوا |
إني رضيت بما أراقوا من دمي | عمدا على سخط القبيل فهل رضوا |
فهناهم صفو الزلال وان هم | بالريق يوم وداعهم لي اجرضوا |
باتوا أصحاء الجسوم وعندنا | منهم على النأي المصح الممرض |
ولقد دعوت ووجه شوقي مقبل | بهم ووجه الصبر عني معرض |
الصفات
وقال يصف بلدة شيراز 1012:
إن شيراز بلدة لا يكاد | الوصف يأتي وإن تناهى عليها |
لو رآها امرئ وادخل عدنا | سال الله إن يعود إليها |
وكتب إلى صاحبه الغنوي بعدما سافر إلى شيراز يصف صعوبة الطريق
ويصف بلدة شيراز فقال من جملة كلام:
وهي قوى الحديد، وتلوي بصبر الجليد وسموم يشوي الأحجار، ويشوه الأبشار، (إلى إن قال): فرأينا بلدة هي ثانية الجنان، في طيب المكان وراحة الجنان، ورفاهة السكان ما سلكت جهة إلا ورأيت ما يفرج الكروب من الطرق اللحبة، والميادين الرحبة والحدائق الأنيقة، والقدود الرشيقة، والمدارس المنيفة، والمزارات الشريفة، والحمامات النظيفة والأسواق العامرة المهدية لكل عين قرة، ولكل قلب مسرة، والجوامع الجامعة، والمنابر اللامعة، والمنارات الشاهقة وأما عذوبة مائها ولطيف هوائها فلا يزال يبرزهما التمثيل على مقر التخييل.
وقال يصف بعض الجواد بين بربغي وسلما أباد:
وطرق سلكناها فما زال ضيقها | يجور بنا حتى ضللنا بها القصدا |
فلو إن ذا القرنين أدرك بعضها | لصيره من دون يأجوجه سدا |
وقال يصف حلواء البرشتوه وهو رطب ينزع قشره ونواه ويجعل فيه شيء من الدقيق المقلو والسمن سنة 1013:
باءت حنيفة بالخسران إذ عكفت | دون الأنام من الحلوا على صنم |
لو أنه من (برشتوه) وقد عكفت | عليه لاتبعتها سائر الأمم |
حلواء لو جعلت مثقالها دية | بكر لما طالبتها تغلب بدم |
ولو تكرم منها مادر بقرى | ضيف لما وصف الطائي بالكرم |
ولو أتيح لأهل النار فاشتغلوا | بأكلها ما رأوا للنار من ألم |
قال الغنوي: ركبت أنا وأبو البحر يوما للصيد فأرسلت الكلاب على الأرانب فكانت عقلا لشواردها وقيودا لأوابدها فقال أبو البحر يصفها:
ولم أر كالكلاب ذوات عدو | على أثر الأرانب والظباء |
متى أرسلتهن وراء صيد | فجاذبهن أهداب النجاء |
علقن به ولو كانت يداه | تشد بذيل عاصفة الهواء |
وقال في دولاب القميعيات بالجنينة سنة 1023:
يا غاديات السحب لا تتجاوزي | في السقي دولاب القميعيات |
سقيا يفي بحقوق ماضي عيشنا | فيه ويسلفنا فيها حقوق الآتي |
لم أنس أياما جنيت مبكرا | ثمر المنى فيها ولا ليلات |
روض كما فرشت مطارف سندس | تذكو عليه نواجم الزهرات |
يستوقف الأبصار بين شقيقة | حمراء ياقوتية الورقات |
وعرارة صفراء أنهت صقلها | شمس الضحى ذهبية الصفحات |
لا شيء أبهج منظرا من صحوة | والشمس فيه صقيلة المرآة |
تعدي على حر القلوب ببردها | نسماته مسكية النفحات |
ألفت بلابله الصفير فرد ذا | ما قال ذاك تسابب الجارات |
وتناوحت فيه الحمام كما | تداولت اليهود قراءة التوراة |
والماء ترسله جداوله كما | جاريت بين الخيل في الحلبات |
وزهت عناقد كرمه لما غدت | بنواضر الأوراق ملتحفات |
تبدو فتسترها كما وأريت في | خضر البراقع أوجه الفتيات |
وخريدة ألحاظها يسرعن في | قتل النفوس بطيئة الحركات |
بانية الأعطاف كثبانية | الأرداف هاروتية النظرات |
أوقات لذات مضت فسقى الحيا | ما فات عن هاتيكم الأوقات |
لا شيء أوجع للحشا وأمض من | عيش مضت لمضيه لذاتي |
ذهبت بشاشته وبات شجاه لي | في الحلق بين ترائبي ولهاتي |
وكان أتيا من قرية كتكتان توبلي في جزيرة أوال من البحرين وتعرف قديما بمري بكسر الميم وتشديد الراء ثم الياء والمثناة التحتية متوجها لمنزله بقرية البلاد ومعه ابنه حسان وبينهما خليج من البحر وهو في حال الجزر فلما توسطه وثب بعض الحيتان وتعرف بالسبيطية طافر في وجهه فشق وجنته اليمنى فأنشأ هذه القصيدة يصف بها تلك الحال.
برغم العوالي والمهندة البتر | دماء أراقتها سبيطية البحر |
إلا قد جنا بحر البلاد وتوبلي | علي بما ضاقت به ساحة البر |
فويل بني شن بن أفصى وما الذي | رمتهم به أيدي الحوادث من وتر |
دم لم يرق من عهد نوح ولا جرى | على حد ناب للعدو ولا ظفر |
تحامته أطراف القنا وتعرضت | له الحوت يا بؤس الحوادث والدهر |
لعمر أبي الأيام إن باء صرفها | بثار امرئ من كل صالحة مثري |
ولا غرو فالأيام بين صروفها | وبين ذوي الأخطار حرب إلى الحشر |
إلا أبلغ الحيين بكرا وتغلبا | وما الغوث إلا عند تغلب أو بكر |
أيرضيكما إن امرأ من بنيكما | وأي امرئ للخير يدعى وللشر |
يراق على غير الظبا دم وجهه | ويجري على غير المثقفة السمر |
وتنبو نيوب الليث عنه وينثنى | أخو الحوت عنه دامي الفم والثغر |
أنا الرجل المشهور ما من محلة | من الأرض إلا قد تخللها ذكري |
فان أمس في قطر من الأرض إن لي | بريد اشتهار في مناكبها يسري |
تولع بي صرف القضاء ولم تكن | لتجري صروف الدهر الأعلى الحر |
توجهت من مري ضحى فكأنما | توجهت من مري إلى العلقم المر |
تلجلجت جزر القريتين مشمرا | وشبلي معي والماء في أول الجزر |
فما هو إلا إن فجئت بطافر | من الحوت في وجهي ولا ضربة الفهر |
لقد شق يمنى وجنتي بنطحة | وقعت لها دامي المحيا على قطري |
فخيل لي إن السماوات أطبقت | علي وأبصرت الكواكب في الظهر |
وقمت كهدي ند من يد ذابح | وقد بلغت سكينه ثغرة النحر |
يطوحني نزف الدماء كأنني | نزيف طلا مالت به نشوة الخمر |
ووافيت بيتي ما راني امرئ ولم | يقل إن هذا جاء من ملتقى الكر |
فها هو قد أبقي بوجهي علامة | كما اعترضت في الطرس إعرابة الكسر |
فان يمح شيئا من محياي أثرها | بمقدار أخذ المحو من صفحة البدر |
فلا غرو فالبيض الرقاق أدلها | على العتق ما لاحت به سمة الأثر |
وقل بعد هذا للسبيطية افخري | على سائر الشجعان بالفتكة البكر |
ولو هم غير الحوت بي لتواثبت | رجال يخوضون الحمام إلى نصري |
فأما إذا ما عز ذاك ولم يكن | لأدرك ثأري منه ما مد في عمري |
فلست بمولى الشعر إن لم أزجه | بكل شرود الذكر أعدى من العر |
أضر على الأجفان من حادث العمى | وأبلى على الآذان من عارض الوقر |
يخاف على من يركب البحر شرها | وليس بمأمون على سالك البر |
تجوس خلال البحر تطفح تارة | وترسو رسو الغيص في طلب الدر |
لعمر أبي الخطي إن بات ثأره | لدى غير كفو وهو نادرة العصر |
فثار علي بات عند ابن ملجم | وأعقبه ثار الحسين لدى شمر |
وبلغه عن بعض الأوداء من أهل الاشتغال بتحصيل المعارف الدينية وهو أبو الحسين الشيخ زاهر بن علي بن يوسف انه جعل يتصيد هذا النوع من السمك بسيف (دمستان) فشكر صنعه وأرسل إليه بهذه الأبيات:
جزى الله عنا زاهرا في صنيعه | بنا خير ما يجزي على الخير منعم |
تتبع أقصى ثأرنا فأصابه | فما طل منا عند نصرته دم |
درى إن عند الحوت بعض دمائنا | فخاض إليه البحر والبحر مفعم |
فأصبح صيادا وما كان قبلها | بشيء سوى صيد الفضائل يعلم |
فحياه عني ما حط رحله | من الأرض محلول النطاقين مرزم |
وقال يجيب الشريف العلوي ناصر بن سليمان القاروي عن قصيدة يصف فيها الكسكوس وهو سمك صغار دقاق يشبه أنامل النساء والناس تستملحه:
يا أخا هاشم أهلا | بالذي قلت وسهلا |
وجزاك الله عما | قلت فوق الفضل فضلا |
لبس الكسكوس من | مدحك ثوبا ليس يبلى |
فهو أشهى كل | مأكول وأعلاه وأغلى |
وهو أشهى لي من | الكنعد والميد المقلي |
لا ترى الآكل منه | ألف رطل يتملى |
ما تراءى من بعيد | لي يوما قط إلا |
سلم القلب عليه | وعليه البطن صلى |
كثغور البيض لونا | وبنان البيض شكلا |
يا بديع الوصف هلا | زدت في وصفك هلا |
فملأت السمع وصفا | حين فات الفم أكلا |
ولعل الله إن يجعل | هذا القول فعلا |
خمرياته
وقال وهو مع روايته الغنوي في بيته بقربة سار من أوال لإملاء شعره عليه والغنوى مشتغل بكتابة ديوان الخطي:
أخي نطق القمري بعد سكوت | وهبت صبا الأسحار بعد خفوت |
فبادر بها ضوء الصباح فإنها | شرابي الذي أحيا عليه وقوتي |
فإنك لو وليتني الحكم لم يكن | مقيلي إلا عندها ومبيتي |
كميتا إذا استوصفتنيها وجدتها | ترفع عن وصفي لها ونعوتي |
كأنك تستذكي بها نشر عنبر | شديخ ومسك في الكؤوس فتيت |
على وجه ممشوق القوام كأنه | إذا ما ثنته الريح طاقة توت |
وصيف ولكن الجمال أحله | من العز فيما شاء والجبروت |
وأفرغه في قالب الحسن ربه | فجاء به أعجوبة الملكوت |
أقيمة الدن اصنعي عندنا يدا | وقومي فسقينا المدام سقيت |
وحكمك فيها فاطلبي وتحكمي | بسومك تعطي ما أردت وشيت |
فأهون شيء يا لك الخير عندنا | إذا غضبت عذالنا ورضيت |
ويا ربة العود ابسطي من نفوسنا=عليه بشيء من غناه غنيت
وله:
عاطنيها قبل ابتسام الصباح | فهي تغنيك عن سنا المصباح |
أنت تدري إن المدامة نار | فاقتدحها بالصب في الأقداح |
فهي تمحو بضوئها صبغة الليل | فيغدو وجه الدجى وهو ضاحي |
وإذا ما أحاط بي وفدهم | مهديا لي طرائف الأتراح |
فأهداها لي وردية كدم | الكبش أسأل ته مدية الذباح |
فهي تقصي أما دنت وارد الهم | وتدني شوارد الأفراح |
ألحفت في السوآل من فكاك | لا سير ما إن له من براح |
مزجوها فقيدوها فلو تترك | صرفا طارت بغير جناح |
الكتب والرسائل
وقال عن لسان شخص بعث بها لاخ له غائب يتشوقه ويشكو بعده:
سادتي إن نأت الدار بكم | فلكم في ساحة القلب مقام |
ما حمام الأيك لما بنتم | عن محاني الربع لي الاحمام |
كلما رجع في تغريده | راجعتني صبوات وغرام |
فهو مثلي في معاطاة الجوى | فكلانا حلف شجو مستهام |
غير إني لا أرى أجفانه | أبدا تندى ولي دمع سجام |
ساهرا لم أدر ما النوم إذا | ضم هذا الناس في الليل المنام |
وعليكم من كئيب مدنف | طلقت أجفانه النوم السلام |
وقال وهو بشيراز وصدر بها كتابا به إلى الإمام الشريف العلامة أبي علي ماجد بن هشام الحسيني البحراني إلى البحرين سنة 1010:
أهدي ثناء متى فضت لطائمه | ضاعت فضاع زكي المسك والعود |
لسيد لو دعتني بعض أنعمه | لشكرها ضاق عنه وسع مجهوي |
لو ساع إن تعبد الناس امرءا لعلى | جعلته لعلاه الدهر معبودي |
جلت فلم يشك ظهري ثقل محملها | حتى تخاذل عن أطواقها جيدي |
فاسأل الله إن يدني المزار به | برغم ما حال من يم ومن بيد |
وقال وصدر بها كتابا بعثه لولده أبي الفرج حسان جوابا عن كتاب بعثه إليه فيه بيتان أنشأهما ولم يكن له أنس بالنظم قبل ذلك وهو يومئذ بشيراز سنة 1022:
يا من يبل بما يقول أوأمي | وتبوخ نار صبابتي وغرامي |
بيتان جاءا منك كانا نعمة | رجحت بما عندي من الإنعام |
إن الهلال تراه أصغر ما ترى | جرما ويبدو بعد بدر تمام |
ولربما أخذاك طيب نشره | زهر الحدائق وهو في الأكمام |
ثان طال بالإباء غيري إنني | بك ما أطول مفاخرا وأسامي |
لا زلت مكلوءا على منآك عن | عيني بعين الواحد العلام |
وقال وصدر بها رسالة إلى الشيخ المقدس المبرور أبي محمد ناصر بن عطاء الله الناوري السعدي:
سلام يفوق الراح لطفا ورقة | تخلص عن قلب امرئ مخلص الود |
ونشر ثناء مثلما هبت الصبا | فجاءت وفي أنفاسها نفحة الورد |
إلى المنتمي فخرا إلى خير دوحة | سمت وزكت أعراقها في بني سعد |
وانك قد قدمت عندي صنائعا | تجل مكافاة عن الشكر والحمد |
فأصبح غصني من نوالك مورقا | وكفي بما أوليتها من جدي تجدي |
وقال وصدر بها رسالة بعث بها لبعض أعيان القطيف وهو الحاج الرضي محمد بن جعفر بن علي بن أبي سنان:
سلام على مولى تملك بره | وإحسانه رقي فصرت له عبدا |
وسوغني ما ضاق ذرعي بشكره | عوارف فضل لا أطيق لها عدا |
أبا جعفر إني ومن ضربت له | بطون المطايا تحمل الشيب والمردا |
لا رعى لك الود الذي أنت أهله | على حين لا يرعى امرئ لامرئ ودا |
جزى الله عني ابن الغنية ضعف ما | جزى محسنا من خلقه بفعاله |
لعمري لقد أولى الجميل تبرعا | وبادر بالمعروف قبل سؤاله |
وأعجب ما لاقيته منه بعثه | إلي بجسم الشنفري بعد خاله |
حلت الخمر وكانت حراما | وبلأى ما ألمت تحل |
فاسقنيها يا سواد بن عمرو | إن جسمي بعد خالي لخل |
إلا في سبيل اللهو كأس مدامة | أتتنا بلون طعمه غير ثابت |
حكت بنت بسطام بن قيس صبيحة | وأمست لجسم الشنفري بعد ثابت |
يشير إلى الصهباء بنت بسطام بن قيس بن مسعود من بني ذهل بن شيبان أحد مشاهير العرب في الشجاعة.
وكتب إليه يستهديه تمرا سنة 1016:
الأقل لاحفى الناس بي وأبرهم | وأرغبهم فيما لدي من الشكر |
أخي الخلق السهل الذي لو أحاله | على الدهر لم يشك امرؤ قسوة الدهر |
وذي الشيم الغر التي لو أفاضها | على الليل لاستغنى عن الأنجم الزهر |
ومبتكر المعروف لو جاء غيره | بعون الأيادي جاء منهن بالبكر |
لك الخير بيت أقفرت حجراته | من التمر يستهديك شيئا من التمر |
فبادر به فالوقت كاد لقربه | يريك على قنوانه يانع البسر |
وقال:
يا طرس قل لأخي السماحة والندا | وفتى المروءة والكريم المنعم |
يا من إذا جرح الأنام زمانهم | رجعوا إليه رجوعهم للمرهم |
أصبحت منذ اليوم ضيقة يدي | فابعث إلي ولو بعثت بدرهم |
أنا غرس أنعمك التي لا عذر لي | إن لم أواصل غرس تلك الأنعم |
فلأشكرنك ما حييت فان أمت | فلتشكرنك بعد موتي أعظمي |
الاعتذار
وكان قد رقي عليه إلى بعض خواص الديوان بعض الهناة فبعث إليه بشيء من عتاب على يد بعض أصحابه من أهل البحرين فكتب يعتذر إليه:
خليلي من عليا لؤي بن غالب | أمدكما ربي بأسنى المواهب |
ولا زلتما خدني سمو ورفعة | تنيف على هام النجوم الثواقب |
ألا أبلغا عني خميس بن ناصر | مقال امرئ في وده غير كاذب |
لقد جاءك الأعداء عني بفرية | فلست لها ما دمت حيا بصاحب |
وما ذاك إلا إنني كنت غائبا | وما حاضر عند الخصوم كغائب |
ولو شاهدوني لم يفيضوا بكلمة | وللأسد خوف في قلوب الثعالب |
فلا تطمع الأعداء في فإنما | أتوك بأقوال -كرمت- كواذب |
ست الذي قومت سكة دارنا | وقد رميت ممن يقص بحاصب |
فبارت فما المرزوق منها بظافر | وهانت فما المحروم منها بخائب |
وأكملتها من بعد نقصان وزنها | وسيرتها في شرقها والمغارب |
و أنت الذي لولا سماحة كفه | لما مد للمعروف راحة طالب |
فقد جاءني عنك المكرم جمعة | أخو الفضل والإحسان في زي عاتب |
واستزاره صديقه حسن بن محمد بن ناصر بن علي بن غنية فقعد به
عنه مرض الزكام فقال يعتذر إليه عن تأخره عنه سنة 1016:
سلام إذا استعبقت رياه أجلبت | عليك مساريه برائحة العطر |
وخالص شكر لا يغب كما صفت | ورقت على راووقها نطف الخمر |
يؤديهما مولى وقفت ثناءه | عليك فلم يهتف بزيد ولا عمرو |
تملكت بالبر المضاعف رقه | فأصبح عبدا وهو في جلدة الحر |
وينهو إليك الحال إن قعوده | على فرط ما استسعيته لك من عذر |
توخى دماغي لا يزايل ساعة | كما عكفت أم الفراخ على الوكر |
ولولاه لم أقعد ولو حال بينكم | وبيني أطراف المثقفة السمر |
وأغب زيارته للمذكور واستزاره فأقعده عنه عذر وبعث إليه بهذه الأبيات وأصحبها شيئا من زهر الرازقي في هذه السنة:
سقى الوسمي ربع أبي علي | وعاقر داره صوب الولي |
ولا برحت رياح البشر تسري | إليه بالغداة وبالعشي |
فتى ما زلت أدعوه وليا | حميما عند خذلان الولي |
حملت به على الأيام حتى | أراني طاعة الدهر العصي |
وكان أشاب ناصيتي ولكن | رآه فرد لي سن الصبي |
هل الأيام مؤذنة بضرب | الخباء بذلك الكنف الوطي |
ومنعشتي بغرته التي من | رآها فاز بالحظ السني |
وما الأمد الذي قد حال بيني | وبين حماه بالأمد القصي |
فيحوجني لاجراء المذاكي | إليه ولا لأعمال المطي |
ولكني منيت بدهر سوء | على ضعفي له حكم القوي |
ولما لم أزر ناديه عجزا | بعثت له بزهر الرازقي |
بعثت به لخدمته لعلي | أراه بأعين الزهر الجني |
وقال يعتذر إلي الشريف العلوي عبد الرؤوف بن ماجد بن سليمان الحسيني القاروني سنة 1012:
قل لمن يرجع الحوائج للخلق | ويرجو نوافل المعروف |
إن لي حاجة إلى خالق الخلق | ومولى الشريف والمشروف |
حاجتي إن يمد سبحانه لي | في بقاء الشريف عبد الرؤوف |
فبقاء الشريف خير لمثلي | من مئين أنالها وألوف |
عنده مجتنى الندى ولديه | شجر المكرمات داني القطوف |
فلئن قلت فيه ما قلت بالأمس | فهذي الأيام ذات صروف |
ولئن ساءه هجائي فهذا البدر | يرمى في تمه بالخسوف |
ثم يستقبل الضياء كما كان | وينجاب عنه ثوب الكسوف |
وحدود السيوف تمهى لتمضي | حيث ما وجهت حدود السيوف |
والقنا اللدن لا يسدد للطعن | بغير التقويم و التثقيف |
وكذاك الأقلام يرهفها الكاتب | حتى تجيد وضع الحروف |
هكذا توقظ الكرام بواخز القول | من نومهم عن المعروف |
يا أخا هاشم بن عبد مناف | أنت دف ء الشتا وبرد المصيف |
لا تكلني إلى ثناي فما عندك | موف على الثناء الموفي |
يا فديناك بالنفوس وبالأموال | من تالد لنا وطريف |
خلنا من خلائق سبقت منك | دعتنا للوم والتعنيف |
واقتبل ودنا وخذ من ثنانا | حبرا كالبرود في التفويف |
وعوتب من بعض الجهات على الانقطاع عن مألوف اتصاله وتردده فقال يعتذر سنة 1007:
قل لاحفى الأنام بي يا كتابي | وتقاضاه لي برد الجواب |
والتثم راحتيه عني ويا بشراي | إن نبت يا كتابي منابي |
ذي المعالي التي أرتنا المسامي | ناكصا دونها على الأعقاب |
والفعال التي نطقن فأفصحن | بما طبن عن أصول طياب |
فهي مما جلته من كرم الأنساب | تدعى شواهد الأنساب |
فلو إني استعنت بالناس في حصر | مساعيه ضاق عنها حسابي |
ما وقوفي عن إن ألم بمغناه | لهجر يظنه واجتناب |
ولعندي إلى الوقوف بهاتيك | النواحي وتلكم الأبواب |
مثلما عند ذي المخافة للأمن | وما عند ذي الصدا للشراب |
غير إني سمعت من السن الناس | كلاما فرى علي اهابي |
ودعاني إلى مفارقة الدار | وهجر الأهلين والأصحاب |
فلعمري لقد منيت بأمر | شاب رأسي له أو إن شبابي |
قسما بالركاب تهفو إلى البيت | بركب تراهقوا للثواب |
حلفة إن كذبت فيها رماني الله | من عنده بصوت عذاب |
إنني واليمين جهدي وبالمرصاد | ربي للحالف الكذاب |
لبرئ مما تعاطاه أهل الزور | عني وطاهر الأثواب |
فأسلموا وأنعموا وان رغم | الأعداء في رفعة وعز جناب |
وقال يعتذر إلى الشريف أبي عبد الله بن عبد الرؤوف الحسيني العلوي حين أنكر منه ما كان يألفه من أنسه وعنايته وتوسم فيه المكافأة على ما يجن فقال يعتذر عن هذا الوهم وبعث بها إليه سنة 1019:
يا سيدا عظمت مواقع | فضله عندي وجلت |
هذي مواهبك التي | سقت الورى نهلا وعلت |
ما بالها كثرت على | غيري وعني اليوم قلت |
لم أدر أي خطيئة | عثرت بها قدمي وزلت |
خطب لعمر أبي تضيق | به السماء وما أظلت |
والأرض تعجز عن | تحملها جفاك وما أقلت |
وسيوف عتبك يا أعز | العالمين علي سلت |
أحسين إني والذي | عنت الوجوه له وذلت |
لعلى الوفاء كما علمت | وان جفت نفس وملت |
تربت يد علقت بغيرك | أو بفضل سواك بلت |
هذا وان مدت يدي | لسواك تسأله فشلت |
وكتب إلى الشيخ عبد الله بن إبراهيم بن عبد المحسن إلى القطيف يعتذر عن تأخير مراسلته وقد عاتبه في ذلك سنة 1018:
ألا قل لعبد الله عني مقالة | تدل على ودي وصدق ولائي |
وحقك ما تركي مديحك ظنة | عليك بتقريظي ولا بثنائي |
ولا مدح من كلفتني بامتداحه | وان كان ممن يستحق هجائي |
فاني وان أصبحت والشعر حرفتي | وكنت امرأ في عدة الشعراء |
لا ملك نهجا في الوفاء يريك من | تقدم من أهل الوفاء ورائي |
وان يدا أوليتنيها وان مضى | بها الدهر باق ذكرها ببقائي |
أراك بعيني عاجزا عن جزائها | فيصرف وجهي عن لقاك حيائي |
ولست امرأ إن غاب غاب وفاؤه | ولكنني إن أنا يدن وفائي |
رويدا فلو غولبت لم تأخذ الورى | بغلبك في أكرومة وسخاء |
ولولا وجوه في القطيف أخافها | لما طال بالبحرين عنك ثوائي |
وقال يعاتب الشريف السيد ناصر بن سليمان العلوي القاروني على أمر بينهما سنة 1004:
ما كنت أحسب والأيام مولعة | بخفض شان أخي العلياء والحسب |
إني أمد لأندى العالمين بدا | يدي لأعلق ما أوتيه من نشب |
ولو غدا وهو أعلى من أبي كرب | شانا وأصبحت من فقر أخا كرب |
حتى سألتك يا أحنى الأنام على | ضعفي قويت ويا أحفى البرية بي |
فظلت توسعني مطلا يضيق به | صدري ويضطرني كرها إلى الغضب |
إني لأعجب والأيام ما خلقت | إلا لتحدث أطوارا من العجب |
من ضامن لي إن لو غبت عن وطني | أو مت أعقبني بالخير في عقبي |
وإنني في مجال العمر أسأله | ما لا يقال له شيئا فلم يهب |
أما الوفاء فشيء قد سمعت به | ولن تراه ولو أمعنت في الطلب |
وقال يعاتبه أيضا:
نبت بي أرضكم فرحلت عنها | فخير من إقامتي الرحيل |
إذا ذل العزيز بأرض قوم | وطال على العزيز بها الذليل |
فليس يسوع فيها المكث إلا | لمن أودى بهمته الخمول |
فمكة وهي أشرف كل أرض | تحمل ظاعنا عنها الرسول |
فيا ابن الناهضين بكل عبء | من العلياء محمله ثقيل |
ومن مدحوا بوحي الله فيهم | ففيه لهم غنى عما أقول |
أعيذك إن يحيف علي دهر | وأنت بسد خلاتي كفيل |
فصافحك الغدو بصفو ودي | وخالصتي وناجاك الأصيل |
ودونكها كما رقت شمال | وراقت في زجاجتها شمول |
وقال يعاتب العلامة الشريف ماجد البحراني سنة 1021:
يا ذا الذي ألف الثواء وذكره | قطع البلاد مغربا ومشرقا |
أهدي إليك على الدنو تحية | أذكى من المسك الفتيق وأعبقا |
وأطيل عتبي في تأخر موعد | لي يا أبر القائلين وأصدقا |
حاشاك إن رجع امرؤ أعلقته | حبل الرجاء من المطالب مخفقا |
لا شيء أبرح غلة من وارد | أدلى بادوام الدلاء وما استقى |
من يستعن فيما يروم بماجد | لم يرم حاجته بسهم أفوقا |
العالم العلم البعيد المرتقى | والمورد العذب القريب المستقى |
شمس العلى نجم الهدى طود النهى | بحر الندى ركن الرجا كنز التقى |
أثنى الثناء علي حين صرفته | لأحق مولى بالثناء وأخلقا |
ذكر جرى مجرى الرياح وشهرة | أخذت على القمرين إن لا يشرقا |
يا منتقى الأخلاق أي وسيلة | أدلي بها بعد الكلام المنتقى |
لولا وداد أحكمت أسبابه | ما بيننا وسائل لن تخلقا |
ما فهمت بالشكوى إليك ولم أكن | يوما بحرف في العتاب لأنطقا |
قم غير مأمور عليك وجد في | تقصير عمر الوعد طال بك البقا |
وكان قد طلب من رجلين من أخوانه تتنا فأبطأ عليه فكتب إليهما يعاتبهما:
يا طرس قل لخليلي اللذين هما | كالعين في اختلاف النفع والإذن |
يمنا يدي ويسراها ومن ملكا | رقي بما أسلفا عندي من المنن |
السيد الندب درويش وصاحبه | جمال عطارة الأمصار والمدن |
أنس المجالس نجم الدين أطرب من | شدا ومن بمراعاة اللحون عني |
هداكما الله إني ما صحبتكما | إلا وأرجوكما عونا على الزمن |
ولألبستكما في كل نائبة | إلا لأنكما من أحسن الجنن |
فما لي اليوم أستعطيكما (تتنا) | وهان لا بارك الرحمن في التتن |
فتجبهاني برد لا يقوم له | صبري ولا ينقضي عنده حزني |
ما كان عذركما قولا لأسمعه | فان فتنتكما من أعظم الفتن |
لو سمتمانيه بيعا كنت جئتكما | سعيا بما شئتما فيه من الثمن |
إني لأنشد إذ خيبتما أملي | بيتا لبعض ذوي الألباب والفطن |
(ما كنت أول سار غره قمر | ورائد أعجبته خضرة الدمن) |
وقاكما الله عتبي إن أيسره | لا يستقر عليه الروح في البدن |
وسلم الله ربي كل شارقة | عليكما ما شدت ورقاء في غصن |
وقال يعاتب بعض أشراف البحرين سنة 1022:
أمولى كل من يولي الهبات | وأطولهم يدا في المكرمات |
وأنداهم إذا ما كان عام | تجف به ضروع الغاديات |
يمينك لا تشل لها بنان | تحل عرى الأمور المشكلات |
وأنت أحق هذا الناس طرا | بفضل ثنا وأبعد عن هنات |
علام تعم هذا الناس فضلا | وإحسانا وتعرض عن صلاتي |
ولم يكشف لغيرك حر وجهي | ولم تفتح بمسالة لهاتي |
الملح والنوادر
وقال وأرسلها إلى بعض أودائه المسمى براشد يستهديه أرزا
قل لأعلى الورى محلا ورتبه=واجل الأنام قدرا وانبه
والكريم الذي بنى لذوي | الآمال في ساحة (المنامة) كعبه |
وأبوه من قد علمنا وأما | أمه فهي بالبتولة أشبه |
خير بين خيرين تربى | طاهر العرض عن خني ومسبه |
رحم الله والديه وأبقاه | بقاء الدنيا وأعلى كعبه |
إن قوما من الأحبة عندي | واعز الورى علي الأحبه |
وببيتي ما شئت والحمد لله | ولكن ما فيه حبة شنبة |
ودعاني إلى استماحتك الود | الذي قد علمته والصحبة |
فلئن جاء ما التمست فشكرا | ولئن كان غير ذاك فغضبه |
فرمى الله من يعاديك يا | راشد أما بحبة أو بجربه |
فلئن تاب بعد ذاك وإلا | فرماه بطعنة أو بحربه |
ومن اغتاظ من دعائي ولم | يرض بما قلت فيك فهو ابن قحبه |
المواعظ والمناجاة
قال وهو مريض:
يا من إذا وقف الوفود ببابه | ولووا أكفهم على أسبابه |
رجعوا وقد ملأوا حقائب عيسهم | ما لا يهم الفقر إن يحظى به |
ارحم غريبا أفردته يد النوى | فشكا إليك وأنت تعلم ما به |
وقال وفيه الغزل وذكر الشيب والشباب والموعظة:
الجفن أرقتموه هجود | أو لدمع أرقتموه جمود |
أجميل إني أبيت على | الجمر غراما بكم وأنتم رقود |
وأسيغ الشجى وأنتم على الماء | كما تشتهي العطاش ورود |
أوجه ما الحليم حين يراهن | حليم ولا الرشيد رشيد |
كل من أعطيت من الحسن حظا | ما عليه لمستزيد مزيد |
وتراءت لو تعبد الناس وجها | لم يكن غير وجهها معبود |
فالأمان الأمان من نظرات | لا يقينا من باسهن الحديد |
عجب عيثهن فينا ولا | عدة إلا مجاسد وبرود |
أو كما تنظر الظباء عيون | وكما تنثني الغصون قدود |
صاح ما للبيض الغواني عن البيض | اللواتي في عارضي تحيد |
أو للبيض عن سناهن أو ما | كان ناش عن صدورهن صدود |
مذهب جائر عن القصد منقوض | وحكم مستهجن مردود |
يا رعى عني الصبا ولياليه | وأيامه اللدان الغيد |
يوم حظي من المسرة واف | وشرابي صاف وعيشي رغيد |
من عذيري من طالعات يريك | العمر رثا لباسهن الجديد |
كلما ذدتهن عدن كما عاد | لورد الحياض سرح طريد |
لا أرى صفقة بأخسر للمرء | ويجري القضا بما لا تريد |
من هجوم المشيب وهو ذميم | وتولي الشباب وهو حميد |
إن من لا يرى البياض | بفوديه ولو مات قبله لسعيد |
يا عبيد الدنيا رويدا فان | الحظ مما تعطيكموه زهيد |
وحياء من ربكم فكم السيد | يعفو وكم تسئ العبيد |
وحذارا من موقف تخرس | الألسن فيه فذو البيان بليد |
واشتروا هذه النفوس من الموت | فما إن على العذاب جليد |
الأغراض المختلفة
والتمس منه بعض الصدور أبياتا تنقش على باب داره فقال:
أنا ارفع الأبواب إلا إنني | أدنى لباغي العرف مما دوني |
ما أغلقوني دون طالب حاجة | كلا ولا في وجهه ردوني |
أنا غوث منتجع وعصمة خائف | راج وموئل طالب مسكين |
لم تفخر الأبواب إلا طلتها | فخرا لأني باب شمس الدين |
واستفسر السيد الشريف الفاضل رضي الدين بن عبد الله الحسيني القاروني إلى الشريف العلامة ماجد البحراني في بعض المطالب فأبطأ عليه فقال يتقاضاه:
إلا قولوا لسيدنا الرضي | أخي المعروف والخلق الرضي |
علام جرى فلم يستول يوما | على الأمد القصي ولا الدني |
فلم ينعته واصفه بشيء | فما هو بالسريع ولا البطي |
وما الأمد الذي أجرى إليه | فقصر عنه بالأمد القصي |
ولم أكدى وما ألقت يداه | بآلتها إلى حسي بكي |
وما طرح المزادة حين ألقى | بها إلا على السيل الآتي |
وقال:
أبا هاشم إن التي كنت واصفا | لها أمس والأحوال سوف تحول |
وقفت على أشياء منها تريبني | وقد يستصح الجسم وهو عليل |
مخايل دلتني ظواهرها على | بواطن طرفي دونهن كليل |
وما أنا عن سر الأنام بباحث | ولا عن أمور العالمين سؤول |
بن معد بن عدنان الخطي البحراني الشهير بالشيخ جعفر الخطي
توفي سنة 1028 بفارس.
والخطي نسبة إلى الخط بفتح الخاء المعجمة وتكسر وبالطاء المهملة المشددة قرية من قرى البحرين وفي القاموس مرفأ السفن بالبحرين واليه تنسب الرماح الخطية لأنها تباع به لا أنه منبتها شاعر مطبوع جزل الألفاظ حسن السبك من شعراء المئة الحادية عشرة في أوائلها مدح أمراء البحرين وساداتها ووفد على الشيخ بهاء الدين العاملي بأصفهان حين زار الرضا عليه السلام ومدحه بقصيدة فريدة ونال عنده حظوة ونوه البهائي باسمه وله ديوان شعر كبير حاو لجميع فنون الشعر جمعه في حياته راويته ومنشده الحسن بن محمد الغنوي الهذلي بأمر السيد الشريف جعفر بن عبد الجبار بن حسين العلوي الموسوي وصدره بخطبة طويلة مسجعة مجنسة على عادة أهل ذلك العصر، عثرنا منه على نسخة مخطوطة قديمة في جبل عامل قد ذهب منها أول الخطبة ويسير من آخر الديوان لكنها مغلوطة. وذكره السيد علي خان في السلافة وأثنى عليه بالأسجاع المعروفة في ذلك العصر فمما قاله: ناهج طرق البلاغة والفصاحة الزاخر الباحث الرحيب المساحة الحكيم الشعر الساحر البيان فأتى بكل مبتدع مطرب ومخترع في حسنه مغرب ومع قرب عهده فقد بلغ ديوان شعره من الشهرة المدى وقد وقفت على فرائده التي جمعت فرأيت مالا عين رأت ولا أذن سمعت وكان قد دخل الديار العجمية فقطن منها بفارس حتى اختطفته أيدي المنون وكانت وفاته سنة 1028 ولما دخل أصبهان اجتمع بالشيخ بهاء الدين محمد العاملي وعرض عليه أدبه فاقترح عليه معارضة قصيدته الرائية المشهورة فعارضها بقصيدة طنانة -وذكرها- وذكره صاحب سلك الدرر فلم يزد على ما نقله عن صاحب السلافة شيئا وفي أمل الآمل الشيخ أبو البحر جعفر بن محمد بن حسن بن علي بن ناصر بن عبد الإمام الخطي البحراني عالم فاضل أديب شاعر صالح جليل معاصر روى عن شيخنا البهائي له ديوان شعر حسن ذكره السيد علي خان في سلافة العصر وأثنى عليه بالعلم والفضل والأدب وأورد له شعرا كثيرا وفي الطليعة كان فاضلا مشاركا في العلوم أديبا شاعرا جزل اللفظ والمعنى فخم الأسلوب قوي العارضة
شعره
ها نحن نختار من شعره القسم الأوفر ناقلين له من ديوانه الذي عندنا مرتبا على الأبواب:
حسنت غيه له وفساده | واستباحت صلاحه ورشاده |
وأتاحت له الشقاوة خود | سميت -وهي كاسمها- بسعاده |
ذات وجه اهدى سناه إلى البد | ر وفرع اعدى الظلام سواده |
فهو ليل أطل فوق نهار | وعلا فرع بانة مياده |
وثنايا كأنها في انتظام | ما على صفح جيدها من قلادة |
أترى قتله يحل بلا ذنـ | ـب وينسى اقراره بالشهادة |
ويعاني ما قد علمت من الوجـ | ـد ويقضي ولا ينال مراده |
قل لمن فاقت البدور كمالا | واستطالت على الغصون اعتدالا |
وأعارت مها الفلا النظر | الفاتر والجيد أتحفته الغزالا |
وأفادت سلافة الخمر لونا | عندميا ومرشفا سلسالا |
وقضى حسنها الذي فتن الناس | بأن لا يروا لها أمثالا |
إنني بالذي ينادي بيا | رب ابتهالا سبحانه وتعالى |
لمشوق إليك شوقا يذيب | الحجر الصلد أو يهد الجبالا |
أقطع الليل ساهرا لا أرى | الغمض ولا بالنهار أنعم بالا |
لا تسيئي يا أحسن الناس وجها | لفتى أسوأ البرية حالا |
يا خليلي لا تلوما على الحب | امرأ لا يطاوع العذالا |
أبلغا ربة الملاحة إني | في هواها لا أسمع الأقوالا |
كيف أمسى وصلي الحلال حراما | عندها والدم الحرام حلالا |
يا من جرحت حشاشة المشتاق | ظلما بشبا صوارم الأحداق |
لم يبق هواك في إلا رمقا | ردي الماضي أو اذهبي بالباقي |
يا من بهواه سيط لحمي ودمي | لا نالك ما تراه بي من ألم |
إن لم تهب الحياة في وصلك لي | فامنن كرما وردني للعدم |
يا محرق مهجتي بنار الصد | هل عن خطأ قتلك لي أم عمد |
إن كنت أمنت من دمي طالبه | فالله مطالب بثار العبد |
ولما رأيت الكاشحين تتبعوا | هوانا وأبدوا دوننا نظرا شزرا |
جعلت وما بي من صدود ولا قلى | أزوركم يوما وأهجركم شهرا |
لما رأيت وشاة الحي ترصدنا | باعين لا عداها غائل الرمد |
جعلت لا عن قلى مني أزوركم | أنا وأهجركم بضعا من الأبد |
كتمت سر هواه ما استطعت فما | أفاد كتمانه والدمع يهتكه |
ثم انثنى معرضا والقلب في يده | هلا جفاني وقلبي كنت أملكه |
كأنه غصن بان تحت بدر دجى | على نقى من رمال الإبرقين نشا |
بتنا وبات يعاطينا مروقة | من ريقه لو حساها الميت لانتعشا |
أما لفراقنا هذا اجتماع | ولا لمدى تقاطعنا انقطاع |
حملنا بعدكم يا أهل نجد | من الأشواق ما لا يستطاع |
مننتم آنفا بالقرب منكم | فهل لزمان وصلكم ارتجاع |
رحلتم بالنفوس فليت شعري | أكان لكم بأنفسنا انتفاع |
وخلفتم جسوما باليات | على جمر الغرام لها اضطجاع |
وأكبادا وأفئدة مراضا | بها من لاعج الشوق انصداع |
وأجفانا دوامي ساهرات | لها عن خاطب الغمض امتناع |
كأن قلوبنا لما استقلت | ركائبكم ضحى ودنا الوداع |
فراخ قطا تخطفها بزاة | وعرج ظبا تعاورها سباع |
أهيم بكم أسى وأضيق وجدا | وما بيني وبينكم ذراع |
فكيف وبيننا آذي بحر | وبيد في مفاوزها اتساع |
إلا حيا الحيا أحياء قوم | أراعوا بالفراق ولم يراعوا |
وظبي من ظباء الإنس حال | يروع القانصين ولا يراع |
يبارزني بالحاظ مراض | فتصرعني له وأنا الجشاع |
ذكرت جماله والخيل حسرى | عوابس قد أضر بها القراع |
وسمر الخط مركزها التراقي | وبيض الهند مغمدها النخاع |
فما لبس الخمار على محيا | كغرته ولا عقد القناع |
لو تمرضون وحوشيتم لعدتكم | سعيا فما لي مريضا لم تعودوني |
إن لم تروني أهلا إن أزار فمن | إحسانكم شرفوا قدري فزوروني |
ما بي وحقكم حمى ولا مرض | بل من هوى في صميم القلب مكنون |
لو إن بالراسيات الشم أيسره | ذابت فكيف بشخص صيغ من طين |
يا خليلي احبسا الركب إذا ما | جئتما عن أيمن الحي الخياما |
أبلغا سعدى عن الصب -الذي | غادرته غرض السقم- السلاما |
واسألاها وارفقا جهدكما | عجبا واستفهماها لا ملاما |
ما لها تحمل أعباء دمي | وهي لا تستطيع من ضعف قياما |
وبريق لاح وهنا بعد ما | هدأ الطائر في الوكر فناما |
بت أرنوه بعين ثرة | تكف الأدمع سحا وانسجاما |
وهو يفري حلل الليل كما | جرد الفارس في الحرب حساما |
وصبا هبت سحيرا فروت | خبرا أوقع في القلب كلاما |
حدثت إن عريبا باللوى | نقضوا العهد ولم يرعوا ذماما |
واستحلوا من دم الصب ولم | يرقبوا إلا ولم يخشوا آثاما |
يا عريبا حللوا سفك دمي | إنما حللتمو شيئا حراما |
نمتمو عن سهري ليلا بكم | ومنعتم جفن عيني إن يناما |
ما لكم بدلتموني بالرضا | منكم سخطا وبالوصل انصراما |
فارحموا مضنى له بعدكم | كبد حرى وصبا مستهاما |
كلما عن له ذكركم | أسبلت أجفانه الدمع سجاما |
وإذا غنت حمامات الحمى | حمت النوم وأهدته الحماما |
لا يلذ العيش في يقظته | لا ولا يألف بالليل المناما |
فهو بين اليأس منكم والرجا | ميت حي فداووه لماما |
مر سمي الخليل راكب | كأنه البدر في الكواكب |
ويلاه من آس عارضيه | والويل من خضرة الشوارب |
لا يحذر الله في اختلاس | النفوس ظلما ولا يراقب |
كأنما قده قضيب | وسود الحاظه قواضب |
تفعل أصداغه بقلبي | أضعاف ما تفعل العقارب |
فإن دنا فالسرور دان | وان نأى فالعذاب واصب |
وشادن مرضت أجفانه فغدا | قلبي لها عائدا فانصاع معلولا |
فمات قلبي وما ماتت لواحظه | ليقضي الله أمرا كان مفعولا |
خذ بالبكا إن الخليط مقوض | فمصرح بفراقهم ومعرض |
وأذب فؤادك فالنصير على الهوى | عين تفيض ومهجة تتقضض |
هاتيك أحداج تشد وهذه | أطناب أخبية تحل وتنقض |
ووراء عيسهم المناخة عصبة | أكبادهم -وهم وقوف- تركض |
يتخافتون ضني فمطلق أنة | ومطامن من زفرة ومخفض |
قبضوا بأيديهم على أكبادهم | والشوق ينزع من يد ما تقبض |
فإذا هم أمنوا المراقب صرحوا | بشكاتهم وان استرابوا عرضوا |
وليل اشبنا طرتيه بأوجه | يريك سناهن الأهلة سودا |
وجوه لو استجلي سناهن أكمه | ثنى الطرف مكشوف الغطاء حديدا |
فيا لك يوما لو أشار بيمنه | لأيام عاد لانقلبن سعودا |
إني لأعجب من هواي وجعلكم | هجري على عكس القضية دابا |
وكأنكم قلتم إلا من حبنا | فليستعد هجرنا جلبابا |
ألا تستخبر العلق النفيسا | ومن أهدى لكل حشا رسيسا |
ومن سمي بعيسى وهو ممن | أمات من النفوس بضد عيسى |
ليترك بيع قند وليبعنا | لماه ونحن ننقده النفوسا |
يا موردا لا يغيض النزح جمته | ولا يلم بصافي ورده كدر |
ودوحة ما زكت أعراقها ونمت | إلا وقد طاب منها الظل والثمر |
ما ذا عسى يبلغ المثني بمدحته | على امرئ أبواه الشمس والقمر |
لقد رفعت أبا حسان منزلة | شماء يخسا عن إدراكها البصر |
حتام امطل سيدي شكر اليد | والام يمهلني التقاضي سيدي |
فلأشكرن له وأشكر بعده | دهرا أرانيه وبل به يدي |
ولأحمدن ملمة صرفت له | وجهي ومهما جر نفعا يحمد |
ولأجلون عليه كل خريدة | عذراء تهزأ بالعذارى الخرد |
ولأفرغن على مقلد مجده | دررا يهش لهن كل مقلد |
ما زال يكنفني بغر صلاته | حتى أنار ظلام حظي الأسود |
ويرم من حال لوى بصلاحها | دهر تعاورها بكفي مفسد |
فسما بصنع فتى أسف بعزمه | ذل الخمول إلى الحضيض الأوهد |
وأعز بالاكرام نفسا طالما | كانت تروح على الهوان وتغتدي |
اسدى إلي يدا يضيق بها الثنا | ذرعا ولم أبسط يد المسترفد |
كرم أراح من السؤال عفاته | حتى ابتدأ بالعرف من لم يجتد |
قد قلت للساعي لإدراك الغنى | يتبرض الأوشال عن أمل صدي |
يطوي المفاوز داخلا في فدفد | بيد المطي وخارجا من فدفد |
طورا تخب به القلاص وتارة | يرمي به آذي بحر مزبد |
هذي وفود الحمد صادرة فخذ | بطريقها تبلغك أعذب مورد |
يدعو الظماة إليه صفو جمامه | وتقول للصادي عذوبته رد |
حاشى ندى العلوي إن طلب امرؤ | معه الثراء ومد كف المجتدي |
هو من إذا فوقت سهمك راميا | غرض المنى وذكرته لم يصرد |
ومتى جمعت يديك مفتدحا به | زند الرجا أورى ولما يصلد |
ومتى أظللك ليل نحس فاستنر | بوضئ غرته صباح الأسعد |
يا أيها الساعي ليدرك شأوه | أسرفت في إخفاق سعيك فاقعد |
أو يمكن الساعي المجد لحوق من | يجري بأقدام النبي محمد |
من دوحة بسقت فناجى فرعها | هام السماك وحك فرق الفرقد |
ومضت مخايله لنا فسفرن عن | نفس مؤيدة وعزم أيد |
ويد صناع بالجميل وهمة | طماحة لسداد ثغر السؤدد |
ومعاطف تفتر عند المدح عن | حركات مطرد الكعوب مسدد |
يا غلطة الدهر التي ما عودت | يد جوده بعطية المتعمد |
فههتني فأنا العيي وإنني | لينوب عن عمل الصوارم مذودي |
أمعاشر الشعراء ضاق أخوكم | بمديح سيده فهل من مسعد |
يا أيها المدلي بوفر ثنائه | قابل به نعمى حسين ينفد |
والشكر يقصر عن مطاولة امرئ | إن يشكروا ماضي نداه يجدد |
لا زلت محسودا على ما فيك من | نيل وما قدر امرئ لم يحسد |
إن العلى أفق متى استجليتها | ألفيت أنجمها عيون الحسد |
لا عذر للعلوي إن أبصرته | بعد الفطام يشب غير محسد |
فليهن والدك الخلود وان قضى | فالمرء ما أدلى بمثلك يخلد |
يا نسيم الشمال أدي رسالاتي | وبلغ تحيتي وسلامي |
واحتقب عبأ ما أبثك من فرط | اشتياق ولوعة وغرام |
لفتى هاشم أخي السؤدد العواد | رب الهبات والإنعام |
إن دهرا قضى ببعدي عن | نادية أولى مقصر بملام |
ومحبا عانى الفراق ولم يقض | لاقوى امرئ على الآلام |
أشخصتني عنه النوى بعد ما | طال ثوائي بجوه ومقامي |
وصلتني بغيره وأخو الصحة | يدري ما قدرها في السقام |
يا أخا هاشم بن عبد مناف | دعوة من أخي رجال كرام |
أي غبن تراه لي غير مكثي | بين قوم لا يفهمون كلامي |
ما مقامي فيهم وحاشاك إلا | كمقام اليقظان بين النيام |
تجتلي العين منهم صور الأنس | وهم من عوامل الإنعام |
ليت إني بدلتهم وهم البيض | لسام بالسود من نسل حام |
من غبي لا يملك الفرق فيما | بين وسطى يديه والإبهام |
ولئيم واهي المروة لا يفرق | بين الإكرام والإيلام |
غير إن السراة من هاشم الغر | رعوا حرمتي وحاطوا ذمامي |
أوسعوني كرامة ألحقتني | بهم مع تباين الأرحام |
معشر آثروا السماح على المال | وحاطوا أعراضهم بالحطام |
ألفوا بذلة النفايس في السلم | وبذل النفوس في الإقدام |
فهم المطعمون والعام حام | وهم المانعون واليوم دامي |
أخذوا عن (عليهم) حين تنبو البيض | قط الطلا وقد الهام |
من كعبد الحميد إن نكص الذمر | وحرت مواطئ الأقدام |
بطل يسخن العيون القريرات | بضرب يقر عين الحمام |
يوجر القرن كل فوهاء تبدي | لك ما خلف ظهره من أمام |
غير إن لا سلو عن تلكم الدار | ولا عن أولئك الأقوام |
يا أخا الفضل والنباهة والسؤدد | والذكر والأيادي الجسام |
لا تكلني إلى انتقالي ومكثي | في أناس سواكم ومقامي |
فعلوقي بكم وان نأت الدار | علوق الأرواح بالأجسام |
إنها خطة جاء لها الحظ | فعفوا عن زلة الأيام |
سرى البرق من نجد فهيج تذكاري | عهودا بحزوي والعذيب وذي قار |
هي الدار تستسقيك مدمعك الجاري | فسقيا فأجدى الدمع ما كان للدار |
فلا تستضع دمعا تريق مصونه | لعزته ما بين نوءي وأحجار |
فأنت امرؤ قد كنت بالأمس جارها | وللجار حق قد علمت على الجار |
عشوت إلى اللذات فيها على سنا | شموس وجوه ما يغبن وأقمار |
فأصبحت قد أنفقت أطيب ما مضى | من العمر فيها بين عون وأبكار |
نواصع بيض لو أفضن على الدجى | سناهن لاستغنى عن الأنجم الساري |
حرائر ينصرن الأصول بأوجه | تغص بأمواه النضارة أحرار |
معاطير لم تغمس يد في لطيمة | لهن ولا استعبقن جونة عطار |
أبحنك ممنوع الوصال نوازلا | على حكم ناه كيف شاء وأمار |
أذابت تستسقي الثغور مدامة | أتتك فحيتك الخدود بأزهار |
أموسم لذاتي وسوق مآربي | ومجنى لباناتي ومنهب أوطاري |
سقتك برغم المحل أخلاف مزنة | تلف إذا جاشت سهولا بأوعار |
وفج كما شاء المجال حشوته | بعزمة عواد على الهول كرار |
تمرس بالأسفار حتى تر كنه | لدقته كالقدح أرهفه الباري |
إلى ماجد يعزى إذا انتسب الورى | إلى معشر بيض أماجد أخيار |
ومضطلع بالفضل زر قميصه | على كنز آثار وعيبة أسرار |
سمي النبي المصطفى وأمينه | على الدين في إيراد حكم وإصدار |
به قام بعد الميل وانتصبت به | دعائم قد كانت على جرف هار |
فلما أناخت بي على باب داره | مطاياي لم أذمم مغبة أسفاري |
نزلت بمغشي الرواقين داره | مثابة طراق وكعبة زوار |
فكان نزولي إذ نزلت بمغدف | على المجد فضل البرد عار من العار |
أساع على رغم الحوادث مشربي | وأعذب ورد العيش لي بعد أمرار |
وأنقذني من قبضة الدهر بعدما | ألح بأنياب علي وأظفار |
جهلت على معروف فضلي فلم يكن | سواه من الأقوام يعرف مقداري |
على أنه لم يبق فيما أظنه | من الأرض قطر لم تطبقه أخباري |
ولا غرو فالإكسير أكبر شهرة | وما زال من جهل به تحت أستار |
متى بل بي كفا فليس بآسف | على درهم إن لم ينله ودينار |
فيا ابن الأولى أثنى الوصي عليهم | بما ليس تثني وجهه يد إنكار |
بصفين إذ لم يلف من أوليائه | -وقد عض ناب للوغى- غير فرار |
وأبصر منهم جن حرب تهافتوا | على الموت إسراع الفراش إلى النار |
سراعا إلى داعي الحروب يرونها | -على شربها الأعمار- مورد أعمار |
أطاروا غمود البيض واتكلوا على | مفارق قوم فارقوا الحق فجار |
وأرسوا وقد لاثوا على الركب الحبا | بروكا كهدي أبركوه لجزار |
فقال وقد طابت هنالك نفسه | رضى وأقروا عينه أي إقرار |
فلو كنت بوابا على باب جنة | كما أفصحت عنه صحيحات آثار |
لأثقلت ظهري بالصنيع فلم أكد | أنوء بأعباء ثقلن وأوقار |
وروضت فكري بعد ما صاح نبته | بمنبعق من ماء فضلك مدرار |
وكلفتني جريا وراءك بعدما | بلغت مكانا دونه يقف الجاري |
فجشمتنيها خطة لا ينالها | توثب مستوفي الجناحين طيار |
وأين مجاراة السكيت مجليا | تناول شأو السبق في كل مضمار |
وألزمتني مدح امرئ لو مدحته | بشعر بني حواء دع عنك أشعاري |
لقصرت عن مقدار ما يستحقه | علاه فإقلالي سواء وإكثاري |
إمام هدى طهر نقي إذا انتمى | إلى سادة غر الشمائل أطهار |
وبر لبر ما نسبت فصاعدا | إلى آدم لم ينمه غير أبرار |
ومنتظر ما أخر الله وقته | لشيء سوى إبراز حق وإظهار |
له عزمة تثني القضاء وهمة | تؤلف بين الشاة والأسد الضاري |
وعضب أغبته الغمود وينتضى | لإدراك ثارات سبقن وأوتار |
أبا القاسم انهض واشف غل عصابة | قضى وطرا من ظلمها كل كفار |
إلام وحتام المنى وانتظارنا | سحائب قد أظللتنا دون أمطار |
ذوت نضرة الصبر الجميل وآذنت | بيبس لإهمال تمادى وإنظار |
أبح حرم الجور المنيع جنابه | بجر خميس يملأ الأرض جرار |
به كل مسجور العزيمة مظهر | -على خشية الجبار- هيبة جبار |
إذا حطم الرمح انتضى السيف معملا | لاسمر عسال وأبيض بتار |
أزرتك منزور الثناء فلم يكن | جزائي على مقدار شعري ومقداري |
ودونكها عذراء لم تجل مثلها | على أحد إلاك أستار أفكاري |
ولا زال تسليم المهيمن واصلا | إليك به سيرا عشي وأبكار |
قصيدتك الغراء يا فرد دهره | تنوب عن الماء الزلال لمن يظمأ |
فنروي متى نروي بدايع لفظها | ونظمى إذا لم نرو يوما لها نظما |
إنا إذا جار الزمان وسامنا | ظلما وجشمنا ركوب الحيف |
لذنا على بعد الديار بجانب | أمسى يجير على الشتا والصيف |
دفء إذا ما القر عض وناسم | صرد إذا ما فار وهج الصيف |
وندا إذا ما كان عام مجدب | واستثقل الطائي ذكر الضيف |
يعتد إعطاء المئين كواملا | نقصا فيكمل عدهن بنيف |
لا يطلب العلات إن تنزل به | في دفع نائبة بلم وبكيف |
وردى إذا ما كان يوم كريهة | ودعي بحي على قراع السيف |
مولى موالي تغلب ابنة وائل | وحسام يمناها الفتى ابن هديف |
وسبيكة النسب التي لم ترم في | مصفاتها أيدي الوصوم بزيف |
من لي بحضرته التي من زارها | فكأنما قد زار وادي الخيف |
يا رب إن لم تقض لي بلقائه | في يقظة فامنن بها في الطيف |
هلا سألت الربع من سيهات | عن تلكم الفتيان والفتيات |
ومجر أرسان الجياد كأنها | فوق الصعيد مسارب الحيات |
ومجد فات السفن أدنى برها | من بحرها ومبارك الهجمات |
حيث المسامع لا تكاد تفيق من | ترجيع نوتي وصوت حداة |
إن القطيف وان كلفت بحبها | وعلت على استيطانها زفراتي |
إذ حيث جزت رأيت فيها مدرجي | طفلا وأترابي بها ولداتي |
لأجل ملتمسي وغاية منيتي | إني أقيم بتلكم الساحات |
فسقى الغمام إذا تحمل ركبه | تلك الرحاب الفيح والعرصات |
واجتازت المزن العشار فطبقت | بالسقي من عتك إلى نبكات |
حتى توشح بالجميم وتكتسي | ربواتها بنواجم الزهرات |
أفلان إني قد بدا لي عندكم | غرض يهجن بذكره أبياتي |
فوصلته بك وهو بعث عمامة | فضية ذهبية العذبات |
واصفح وعد عن الإساءة إنما | شيم الكرام تجاوز الهفوات |
إذ من يكلفك اليسير كمن يسوم | الغيث واحدة من القطرات |
اني وان عض الزمان بغاربي | أو فلت الأيام حد شباتي |
لاصون عن مدح اللئام ترفعا | شعري واقصر دونهم خطواتي |
واستجلها عذراء بنت سويعة | من حر ما جادت به كلماتي |
لو تنشد الطائي ألغى عندها | (أحبب إلي بطيف سعدى الآتي) |
واستقبل العيد المبارك من قرا | رمضان من صوم ومن صلوات |
عذيري من هذا العذول المفند | يردد وجدي بالملام المردد |
فهب إن هذا اللوم منك نصيحة | فاقبلها لو كان قلبي في يدي |
وأهيف ما الغصن الرطيب ببالغ | مدى قده في نضرة وتأود |
يعرض للتقبيل خدا كما جلت | يدا صيقل متن الحسام المهند |
ويبسم عن أصفى من الدر كارع | بأعذب من ماء الغمام وأبرد |
وقال اسل عني بعدما قد تعرضت | لواحظه بيني وبين تجلدي |
سقى منحنى الدارات من سفح عاقل | حيا مبرق داني الشابيب مرعد |
لعمر أبي والفضل يعزى لأهله | لقد بخل الطائي جود محمد |
فتى إن ثقل هاتيك خطة سؤدد | على النجم أو أعلى من النجم يصعد |
وذي نائل ما الغيث في ناقع الصفا | بانقع يوما منه للأمل الصدي |
متى تاته مسترفدا تلق مصدرا | ركاب الغنى منه على أثر مورد |
فما سود النساب وجه صحيفة | بأبيض منه وجه أصل ومحتد |
كلا طرفيه حين تنسبه إلي | علي وخير المرسلين محمد |
لعمري لقد أولى الجميل تبرعا | وما سيم شيئا من نداه المجدد |
ووالاه حتى ضقت ذرعا بشكره | وأكثرت من قولي لزائره قد |
وشتان فينا باخل بعد موعد | ومبتدئ بالعرف من غير موعد |
فما عارض كل على الريح مشيه | على سوقها إياه سوق المقيد |
أجش إذا ما كف عن سيله طغى | وان رد من ريعان طاغيه يزبد |
لجوج كان الأرض إذ تستكفه | -وغصت بسقياه- تقول له زد |
بأغزر منه يوم صوب سماحه | إذا أهوأ خبا ناره كل موقد |
يمينا بأيديهن تدرع الفلا | كما صيح في أعقاب رجل مشرد |
نجائب مقطوع بها كل شقة | تروح بها الأرواح حسرى وتغتدي |
نواحل كالقسيان مما تعسفوا | بها كل تيهاء المعالم فدفد |
نوافر من أفيائهن ترى لها | على الأين إجفال النعام المطرد |
عوامد للبيت الحرام بفتية | ثقال الاداوي من تقى وتعبد |
لا عوز إن يأتي أب بشبيهه | سماحة نفس في طهارة مولد |
فتى بذ أرباب الكهولة يافعا | وطال ذوي الأسنان في سن أمرد |
أبي غير من أدعوه إن لم أكافه | بما طاب من نشر الثناء المخلد |
مدائح لم يسمح بها فكر شاعر | ولا أفتر عن أمثالها فم منشد |
أنا الكوكب الوقاد والعلم الذي | به كل من غمت مساريه يهتدي |
متى أدع عاصي القول يأت مطاوعا | وان يدع غيري طائع القول يقعد |
خليلي مرا بي على جانبي قبا | بحيث ظباء الإنس تحجبها الظبا |
وعوجا على حي بمنعرج اللوى | لعلي أرى في ذلك الحي زينبا |
لئن حجبت خلف الخباء فأعين | لنا أبدا صور إلى ذلك الخبا |
هوى منع اللوام فضل قياده | وقيد بالحاظ الحسان فأصحبا |
أمستجلبا ود الرجال بعتبها | أظنك علمت الطماعة أشعبا |
لك الخير إن لم تدر ما خلق الورى | تعال فسل عما جهلت المجربا |
أنبئك إني ما شكوت لصاحب | فأشكي ولا استعتبت خلا فاعتبا |
جزى كل شخص منهم عن إخائه | بأسوأ ما جوزي مسيء وعوقبا |
ترى كل مولود على اللؤم لم يكن | ليعرف أما غير ذاك ولا أبا |
بني هاشم ماذا لكم عند حاتم | دعوه فقد غادرتم جوده هبا |
متى ما يطاوله حباء وليدكم | يطله وما دانى النهوض وما حبا |
تأخر قليلا عن أبيك تأدبا | فمثلك من راعى أباه تأدبا |
فلست بمسبوق على الفضل أنه | لكم دون من في الأرض شرقا ومغربا |
متى تطلبوه موجفين فإنما | توافونه يسعى لكم متطلبا |
بعثت طيفها فزار طروقا | فشجا وامقا وهاج مشوقا |
اخليلي ولا سبيل إلى نصري | ولكن يدعو الصديق الصديقا |
أولم يأن للذي أسكرته | حدق البيض ساعة إن يفيقا |
أوقفتني الأيام في قبضة الحب | وما كنت للبلاء مطيقا |
وبنفسي خريدة لا أرى الوصف | يؤدي مما حوته حقوقا |
تملأ السور والخلاخيل أعضادا | تقض البرى ملأ وسوقا |
وتسوم الأزر الملاثة سوم القلب | ما لا يطيقه إن يطيقا |
منظر مبهج أفيض عليه الحسن | من كل جانب وأريقا |
لا ترى الزهر عنده باسم الثغر | ولا منظر الرياض أنيقا |
لخط عين كالسهم رشت أعإليه | وأصلحت نصله والفوقا |
فوقه حاجب كما حقق الكاتب | نونا في طرسه التحقيقا |
وفم كاستدارة الميم يبدي | لك درا مفصلا وعقيقا |
وخدود شرقن بالحسن حمر | لا ترى عندها الشقيق شقيقا |
أيها الغادة التي لا أرى المرزوق | من غير وصلها مرزوقا |
إن عينا تراك يوما من الدهر | لعين لا تعدم التوفيقا |
لي عين ما إن تفيق بكاء | وفؤاد ما إن يقر خفوقا |
أفلا يستمد قلبك في الرقة | لفظا أسمعتنيه رقيقا |
لا أرى للرجاء فيك مجالا | لا ولا للسلو عنك طريقا |
كلما قلت إن أن يقضي الدهر | حقوقي قضى علي عقوقا |
إن أولى الورى بخالص ودي | جعفر قد غدا بذاك خليقا |
وكريم اعتد منه على اللأواء | كفا طلقا ووجها طليقا |
سار ما سار أولوه فأعلى السمك | مما بنوا وسد الفتوقا |
وحما ما حموا وزاد وأعطى | فوق ما قد أعطوا وأدى الحقوقا |
فسما لم يعقه شيء وجاز الأفق | سعيا واستخم العيوقا |
يا ابن عبد الجبار إن طبت فرعا | فلقد طبت بعد ذاك عروقا |
لو مدحناك بالذي فيك سمنا | سعة العمر لا القراطيس ضيقا |
لست أدري ماذا أقول وان كنت | أعد المفوه المنطيقا |
فاستمعها لو أنشدوها أبا الطيب | ما كاد إن يسيغ الريقا |
يا أكرم الناس أعماما وأخوالا | وأحسن الناس أقوالا وأفعالا |
ومن إذا قلت حسبي من عطائك لي | وحسن صنعك عندي قال لي لالا |
نفسي فداؤك من مولى جوائزه | تأتي بلا طلب للناس إرسالا |
إن زين المال أقوأما سواك فقد | زينته والفتى من زين المالا |
معاهدهم بالأبرقين هوامد | سقين عهاد المزن تلك المعاهد |
أسائلها عن أهلها وهي لم تحر | جوابا وهل يستنطق العجم ناشد |
لك الخير لا تذهب بحلمك دمنة | محاها البلا واستوطنتها الأوابد |
فما هي إن خاطبتها بمجيبة | وان جاوبت لم تشف ما أنت واجد |
ولكن هلم الخطبة في رزء سيد | قضى ظمأ والماء جار وراكد |
كأني به في ثلة من رجاله | كما حف بالليث الأسود والحوارد |
إذا اعتلقوا سمر الرماح وجردوا | سيوفا اعارتها البطون الأساود |
فليس لها إلا الصدور مراكز | وليس لها إلا النحور مغامد |
يلاقون شدات الكماة بأنفس | إذا غضبت هانت عليها الشدائد |
إلى إن ثووا في الترب صرعى كأنهم | نخيل أمالتهن أيد عواضد |
أولئك أرباب الحفاظ سمت بهم | إلى الغاية القصوى النفوس المواجد |
ولم يبق إلا واحد الناس واحدا | يكابد من أعدائه ما يكابد |
يكر فينثالون عنه كأنهم | مها خلفهن الضاريات شوارد |
يحامي وراء الطاهرات مجاهدا | بأهلي وبي ذاك المحامي المجاهد |
فما الليث ذو الأشبال هيج على الطوى | بأشجع منه حين قل المساعد |
ولا سمعت أذني ولا أذن سامع | بأثبت منه في اللقا وهو واحد |
إلى إن أسأل الطعن والضرب نفسه | فخر كما أهوى إلى الأرض ساجد |
فلهفي له والخيل منهن صادر | خضيب الحوامي من دماء ووارد |
فأي فتى ظلت خيول أمية | تعادي على جثمانه وتطارد |
وأعظم شيء إن شمرا له على | جناجن صدر ابن النبي مقاعد |
فشلت يداه حين يفري بسيفه | مقلد من تلقى إليه المقالد |
وان قتيلا أحرز الشمر شلوه | لاكرم مفقود يبكيه فاقد |
لقى بمحاني الطف شلوا ورأسه | ينوء به لدن من الخط مائد |
ولهفي على أنصاره وحماته | وهم لسراحين الفلاة موائد |
مضمخة أجسادهم فكأنما | عليهن من حمر الدماء مجاسد |
تضئ بهم أكناف عرصة كربلا | وتظلم منهم أربع ومشاهد |
فيا كربلا طلت السماء وربما | تناول عفوا حظ ذي السعي قاعد |
لانت وان كنت الوضيعة نلت من | جوارهم ما لم تنله الفراقد |
سررت بهم مذ آنسوك وساءني | محاريب منهم أوحشت ومساجد |
بذا قضت الأيام ما بين أهلها | مصائب قوم عند قوم فوائد |
ليهنك إن أمسي ثراك لطيبه | تعطر منه في الجنان الخرائد |
وان أنس لا أنس النساء كأنها | قطا ريع من أوكاره وهو هاجد |
خوارج من أبياتها وهي بعدها | لأرجاس حرب بالحريق مواقد |
نوادب لو إن الجبال سمعنها | تداعت أعإليهن فهي سواجد |
إذا هن أبصرن الجسوم كأنها | نجوم على ظهر الفلاة رواكد |
وشمن رؤساء كالبدور تقلها | رماح كاشطان الركي موائد |
تداعين يلطمن الخدود بعولة | تصدع منها القاسيات الجلامد |
ويخمشن بالأيدي الوجوه كأنها | دنانير أبلاهن بالحك ناقد |
وظلن يرددن المناح كأنما | تعلم منهن الحمام الفواقد |
فيا وقعة ما أحدث الدهر مثلها | يبيد الليالي ذكرها وهو خالد |
لألبست هذا الدين أثواب ذلة | ترث لها الأيام وهي جدائد |
خليلي من أبناء بكر ووائل | قفا واندبا شيخا به فجعت بكر |
لئن بليت أكفانك البيض في الثرى | فما بلي المعروف منك ولا الذكر |
(أفال) سقيت صوب كل مجلجل | من المزن هام لا يجف له قطر |
ليهنك فخرا إن ظفرت بتربة | يعفر خدا دون إدراكها الغفر |
ثوى فيك من آل المقلد سيد | هو الذهب الإبريز والعالم الصفر |
فتى كرمت آباؤه وجدوده | وطابت مساعيه فتم له الفخر |
عفيف نقي البرد من كل زلة | وفي أذنه عن كل فاحشة وقر |
ويا بلد الخط اعتراك لفقده | مدى الدهر كسر لا يرام له جبر |
ولو خلد المعروف في الناس واحدا | لخلد عبد الله نائله الغمر |
بنية اصبروا فالصبر أجمل | حلة تردى بها من مس جانبه الضر |
ودونكم من لجة الفكر درة | منظمة يعنو لها النظم والنثر |
وعذراء من حر الكلام خريدة | بأمثالها في الشعر يفتخر الشعر |
وما مهرها إلا قبولكم لها | لقد كرمت ممهورة وغلا المهر |
يا للرزية لم يسمع بها أحد | إلا وأجهش من حزن لها وبكى |
تبت يد الدهر لم يعلم بأي فتى | أودى وأي همام سيد فتكا |
شهادة الله في التنزيل كافية | في فضلهم ما رواه جابر وحكى |
ما مد يوما إلى الدنيا وزينتها | طرفا ولا كان في اللذات منهمكا |
لو سامنا فيك محتوم القضا بدلا | فداك كل امرئ منا وقل لكا |
إن نقلت من شوامخ الشرف | إليك يا قبر درة الشرف |
فغير بدع فالدر أكثره | حسنا وأنقى ما كان في الصدف |
بكيتك لو إن الدموع تذيل | من الحزن أو يطفى بهن غليل |
له الله من دهر كان صروفه | لها أبدا عند الأنام ذحول |
أبى إن يرينا وجه يوم وما به | على اثر ماض رنة وعويل |
إلا في سبيل الله أقمار أوجه | لها أبدا تحت التراب أفول |
ولا كالتي أمسى بها الترب آنسا | وأوحش منها منزل ومقيل |
وعائدة من حجها لم يكن لها | على غير أصحاب القبور نزول |
كان لم تؤب بعد المغيب ولم يكن لها | بعد إزماع الرحيل قفول |
وقد أذهب البشرى المصاب وقبحت | يد الحزن وجه البشر وهو جميل |
فيا ابنة من لو كان بعد محمد | رسول لما أمسى سواه رسول |
وزوجة من لو فتش الخلق لم يكن | ليلفى له في العالمين مثيل |
لئن قل بعد العود لبثك فالأسى | عليك وان طال الزمان يطول |
ويا أصبر الناس الذين نراهم | واحملهم للعب ء وهو ثقيل |
عزاء ولا أرضاه لكن مقالة | بها أبدا يوصي الخليل خليل |
ودونكما كالروض باكره الحيا | وهبت جنوب فوقه وقبول |
واني للخل الذي لا ترونه | يميل مع النعماء حيث تميل |
لسانكم الطلق الذي إن رميتم | به قائلا لم يدر كيف يقول |
وسيفكم العضب الذي إن ضربتم | به لم يصافح مضربيه فلول |
وان كان فيكم من يناجيه ظنه | علي بشيء ما عليه دليل |
خلا إن مدحا سار لي فيه لم تزل | شوارده في الخافقين تجول |
ألا يا قوم ما للدهر عندي | لأسرف في الإساءة والتعدي |
تخرم أسرتي فبقيت فردا | أبارز نائبات الدهر وحدي |
إذا استعظمت فقد أخ كريم | رماني من أخ ثان بفقد |
مصائب هان عند الناس فيها | عظيم الرزء في مال وولد |
أناخت بركها ببني علي | نزول أخي قرى فيهم ورفد |
قروهن النفوس وليس بشيء | أعز من النفوس قرى لو فد |
فاضحوا بعد جمعهم فرادى | كما نثرت يد خرزات عقد |
فيا الله ما رمت الليالي | به السادات من سلفي معد |
سقى الأجداث شرقي المصلى | وان رفعت إلى جنات خلد |
حيا متهزم الأطباء إن لم | يكن دمعي على الأجداث يجدي |
وجر بها نسيم الريح ذيلا | يمر به على بان ورند |
فكم حملت إلى ساحاتها من | قنا خطية وسيوف هند |
كهول كالرماح اللدن شيب | وأغلمة كبيض الهند مرد |
وكل كريمة الأبوين ليست | كهند في النساء ولا كدعد |
عفيفة ما يكن الخدر ملأى الملاءة | من صلاحية وزهد |
ولا مثل التي بالأمس أودت | طهارة مولد وسمو جد |
قضت نحبا على آثار أخرى | توافي ساعيين معا لوعد |
فيا لكريمتي حسب ودين | ويا لعقيلتي شرف ومجد |
ونال الصهر ثالثة فأودت | خلالهما كان الرزء يعدي |
ثلاث ما سمت علياء بيت | بغور في مناكبها ونجد |
على مثل لهن تقى ودينا | وطيب مغارس ووفور رشد |
أولئك خير من وراه ستر | وأكرم من سحبن فضول برد |
سجاياها إذ ذم السجايا | ضوارب دون غيبتها بسد |
ولم يعرفن غير البيت دارا | سوى لحد سكن به ومهد |
إما لو كن للعرب الأولى قد | نظرن إلى البنات بعين زهد |
إذا كرمت بناتهم عليهم | وما أودت لهم أنثى بوأد |
إما لو كان غير الموت مدت | يداه لهن والآجال تردي |
لكادت إن تسوخ الأرض مما | تظل بها جياد الخيل تردي |
عليها الشوس من عليا قريش | أولي النجدات والعزم الأشد |
إذا استصرختهم وافوا غضابا | كما هجهجت في غابات أسد |
بكل مثقف الأنبوب لدن المهز | وكل مصقول الفرند |
كأنك تستكف الخطب منهم | بذي الحرمين أو عمرو بن ود |
بني عبد الرؤوف وكل حي | لمصرعه أخو سير مجد |
عزاءكم فأوفى الناس أجرا | أخو ضراء قابلها بحمد |
فداكم من يكاشركم ويخفي | لكم تحت الضلوع غليل |
حقد أنبئكم وما في ذاك بأس | فهذا الناس من هاد ومهدي |
باني خير من أرعيتموه | لكم ودا وأوفاة بعهد |
فقد جربتم الإخوان غيري | وأكثرتم فهل سدوا مسدي |
ودونكم بلا من عليكم | ثناء مبرز في النظم فرد |
يجيد الحفر عن ماء المعاني | فينبطه وحفر الناس يكدي |
تشاركني الورى في الشعر دعوى | على إني المبرز فيه وحدي |
عزيز أمرنا لك بالتعزي | غداة أصبت بالولد الأعز |
لعمر أبي لقد رمت الليالي | بحز في الحلوق وأي حز |
لبدر غاب قبل تمام نور | وغصن جب قبل تمام درز |
وسيف فل قبل أوان سل | ورمح دق قبل أوان هز |
فغادرنا بحزن مستقر | نكابده وعقل مستفز |
عجبت لقرب ما جئنا نهني | أباه به وما جئنا نعزي |
فيا ابن مبارك بن حسين صبرا | فشيطان الأسى بالصبر مخزي |
فمثلك لا تلين له قناة | لعجم في الخطوب ولا لغمز |
بذا حكم القضاء فمن معزى | على ما فات منه ومن معزي |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 4- ص: 157