جرير بن عبد الله البجلي توفي بقرقيسيا 51 وقيل سنة 54 وقيل توفي بالكوفة سنة 51 قاله الحاكم في المستدرك وقيل مات بالسراة في ولاية الضحاك بن قيس على الكوفة قاله في الاستيعاب وغيره.
نسبه:
في الاستيعاب هو جرير بن عبد بن جابر وهو الشليل بن مالك بن نصر بن ثعلبة بن جشم بن عريف بن حزيمة بن عدي بن مالك بن سعد بن نذير بن عمرو بن الغوث البجلي يكنى أبا عمرو وقيل أبا عبد الله قال واختلف في بجلية فقيل ما ذكرنا وقيل إنهم من ولد أنمار بن نزار على ما ذكرناه في كتاب القبائل ولم يختلفوا أن بجيلة أمهم نسبوا إليها وهي بجلية بنت صعب بن علي بن سعد العشيرة قال ابن إسحاق وبجيلة هو ابن أنمار بن نزار بن معد بن عدنان ’’أه’’ وقول صاحبي أسد الغابة والإصابة في نسبه يخالف هذا في مواضع، وفي أسد الغابة الشليل بفتح الشين المعجمة وبلامين بينهما مثناة تحتيه وحزيمة بفتح الحاء المهملة وكسر الزاي ونذير بفتح النون وكسر الذال المعجمة. وفي المستدرك للحاكم جرير بن عبد الله بن مالك بن نصر بن ثعلبة بن جشم بن عوف بن شليل بن حزيمة بن سكن بن علي بن مالك بن زيد بن قيس بن عبقر بن أنمار.
أقوال العلماء فيه:
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: جرير بن عبد الله أبو عمرو ويقال أبو عبد الله البجلي سكن الكوفة وقدم الشام برسالة أمير الؤمنين عليه السلام إلى معاوية وأسلم في السنة التي قبض فيها النبي صلى الله عليه وسلم وقيل أن أطوله كان ستة اذرع ذكره محمد بن إسحاق ’’أه’’، وذكره الشيخ أيضا في أصحاب علي عليه السلام، وفي الخلاصة في القسم الأول: جرير بن عبد الله البجلي قدم الشام برسالة امير المؤمنين إلى معاوية ’’أه’’ وفي حواشي الخلاصة للشهد الثاني: أقوال إن إرسال علي عليه السلام وإن دل على مدح أولا لكن مفارقته له عليه السلام ولحوقه بمعاوية كما هو معلوم مشهور يدفع ذلك المدح ويخرجه من هذا القسم وسيرته وتخريب علي داره بالكوفة بعد لحوقه بمعاوية مشهور’’أه’’ وفي منهج المقال بعد نقله أقوال وكذا ما روي أن مسجده بالكوفة من المساجد المحدثة فرحا بقتل الحسين عليه السلام وكذا ما روي ان مسجده بالكوفة من المساجد المحدثة فرحا بقتل الحسين عليه السلام وكذا انحرافه عن أهل البيت وروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم من رؤية الله سبحانه وتعالى وقد خلط في عقله في أواخر عمرة وفي التهذيب علي بن محمد بن محبوب عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن عمرو بن عثمان عن محمد بن عذافر بن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام قال بالكوفة مساجد ملعونة ومساجد مباركة ثم قال فأما المساجد الملعونة فمسجد ثقيف ومسجد الأشعث ومسجد جرير بن عبد الله ومسجد سماك ابن أبي خراشة ’’أه’’. ورواه الصدوق في الخصال عن محمد بن الحسن عن احمد بن إدريس عن محمد بن أحمد عن أبي إسحاق إبراهيم بن هاشم عن عمرو بن عثمان عن محمد بن عذافر عن أبي حمزة الثمالي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام نحوه. وفي الخصال أيضا في الصحيح عن صفوان بن يحيى عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام نهى عن الصلاة في خمسة مساجد بالكوفة مسجد الأشعث بن قيس الكندي ومسجد جرير بن عبد الله البجلي ومسجد سماك بن مخرمة ومسجد شبت بن ربعي ومسجد تميم الحديث ويأتي في آخر الترجمة ما يزيد سوء حاله وضوحا وفي الطبقات الكبير لابن سعد: جرير بن عبد الله يكنى أبا عمرو اسلم في السنة التي قبض فيها النبي صلى الله عليه وسلم ووجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذي الخلصة فهدمه ونزل الكوفة بعد ذلك وابنتي دارا في بجيلة وتوفي بالسراة في ةلاية الضحاك بن قيس على الكوفة وكانت ولاية الضحاك سنتين ونصفا بعد زياد بن أبي سفيان ’’أه’’ هكذا يقول ابن سعد: زياد ابن أبي سفيان ويقول رسول الله صلى الله عليهوسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر. وفي الاستيعاب: قال ابن إسحاق جرير بن عبد الله البجلي سيد قبيلته يعني بجيلة قال أبو عمر كان إسلامي في العام الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جرير أسلمت قبل موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعين يوما ما ثم روى بالأسناد عن جرير قال ما حجبني رسول الله صلى الله عليهوسلم منذ أسلمت ولا رآني قط إلا ضحك وتبسم وقال رسول الله صلى الله عليى وسلم حين اقبل وافدا عليه يطلع عليكم خير ذي يمن كأنه علىوحهه مسحة ملك فطلع جرير وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذي كلاع وذي رعين ظلم في اليمن وفيه فيما روى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه وروى أنه قال ذلك في صفوان بن امية الجمحي وفي جرير قال الشاعر:
لولا جرير هلكت بجيله | نعم الفتى وبئس القبيله |
فقال عمر ما مدح من هجي قومه وكان عمر يقول جرير بن عبد الله يوسف هذه الأمة يعني في حسنه (وفي أسد الغابة وهو سيد قومه) وهو الذي قال لعمر حين وجد في مجلسه رائحة من بعض جلسائه قال عزمت على صاحب هذه الرائحة إلا قام فتوضاء فقال جرير بن عبد الله علينا كلنا يا أمير المؤمنين فاعزم قال عليكم كلكم عزمت ثم قال يا جرير ما زلت سيدا في الجاهلية والإسام نزل جرير الكوفة وسكنها وكان له بها دارا ثم تحول إلى قرقيسياء ومان بها وقيل مات بالسراة ثم روى بسنده عن جرير قال لي رسول الله ألا تكفيني ذا الخلصة فقلت يا رسول الله إني رجل لا أثبت على الخيل فصك في صدري وقال اللهم ثبته وأجعله هاديا مهديا فخرجت في خمسين من قومي قأتيناهم فأحرقناها وفي أسد الغابة: وهي بيت فيه صنم لخثعم أرسله ليهدمه ثم ذكر في الاستيعاب أنه قدم على عمر من عند سعد ابن أبي وقاص فسأله عنه فأكثر الثناء عليه. ثم قال وجرير القائل: الخرس خير من الخلابة والبكم خير من البذاء -الخلابة الخديعة باللسان- وكان جرير رسول علي إلى معاوية فحبسه مدة طويلة ثم رده برق مطبوع غير مكتوب وبعث معه من يخبر بمناجزته له في خبر طويل مشهور ’’أه’’ وفي أسد الغابة كان لجرير في الحروب بالعراق القادسية وغيرها أثر عظيم وكانت بجيلة متفرقة فجمعهم عمر بن الخطاب وجعل عليهم جريرا. ثم روى بسنده عن محمد بن إسحاق قال لما انتهت إلى عمر مصيبة أهل الجسر قدم عليه جرير بن عبد الله من اليمن في ركب من بجيلة وعرفجة بن هرثمة وكان عرفجة يومئذ سيد بجيلة وكان حليفا لهم من الأزد فقال لهم عمر قد علمتم ما كان من المصيبة في إخوانكم بالعراق فسيروا وأنا أخرج إليكم من كان منكم في قبائل العرب وأجمعهم إليكم فجمع إليهم بطونا من بجيلة وأمر عليهم عرفجة بن هرثمة فغضب من ذلك جرير فقالت بجيلة استعملت علينا رجلا ليس منا فقال عرفجة بن هرثمة صدقوا لست منهم ولكني من الأزد فقال عمر فاثبت على منزلتك فدافعهم كما يدافعونك فأبى وأمر عمر جريرا على بجيلة فسار بهم إلى العراق وأقام جرير بالكوفة ولما أتى علي الكوفة وسكنها سار جرير عنها إلى قرقيسيا ثم روى عنه مسندا قال خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة البدر فقال إنكم ترون ربكم يوم القيامة كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته قال وكان يخضب بالصفرة ’’أه’’ وفي الإصابة اختلف في وقت إسلامه ففي الطبراني الأوسط من طريق حصين بن عمر الأحمسي عن جرير لما بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- أتيته فقال ما جاء بك قلت جئت لأسلم فألقى إلي كساءه وقال إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه، حصين فيه ضعف ولو صح يحمل على المجاز وجزم ابن عبد البر بأنه أسلم قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بأربعين يوما وهو غلط ففي الصحيحين عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له استنصت الناس في حجة الوداع وجزم الواقدي بأنه وفد على النبي -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان سنة عشر وفيه عندي نظر لما عن جرير قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن أخاكم النجاشي قد مات أخررجه الطبراني والنجاش مات قبل سنة عشر، سكن جرير الكوفة وأرسله علي رسولا إلى معاوية ثم اعتزل الفريقين وسكن قرقيسيا حتى مات وروى الطبراني من حديث علي مرفوعا: جرير منا أهل البيت ’’أه’’ وفي تاريخ بغداد ذكره في مشهوري الصحابة الذين وردوا المدائن فقال جرير بن عبد الله وساق نسبه وذكر الاختلاف فيه ثم قال وكان سيدا في قومه وبسط له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثوبا ليجلس عليه وقت مبايعته وقال لأصحابه إذا جاءكم كريم وم فأكرموه ووجهه إلى الخلصة طاغية دوس فهدمها ودعا له حين بعثه إليها وشهد جرير مع المسلمين يوم المداائن وله فيها أخبار مأثورة ذكرها أهل السير ولما مصرت الكوفة نزلها فمكث بها إلى خلافة عثمان ثم بدت الفتنة فانتقل إلى قرقيسيا فسكنها إلى أن مات ودفن بها ثم روى بسنده عن علي بن أبي طالب لا نسبوا جرير بن عبد الله إن جريرا منا أهل البيت ’’أه’’ وفي المستدرك للحاكم كان قد أقام في الفتنة بقرقيسيا ثم انتقل منها إلى الكوفة وبها توفي ’’أه’’ ولم يذكر في تاريخ دمشق لابن عساكر في النسخة المطبوعة ويظهر أن فيها نقصا في حرف الجيم فإنه لم يذكر فيها جارية بن قدامة السعدي مع أنه ورد دمشق كما مر وهذا يدل على حصول النقص في النسخة قطعا ولم يذكر فيها جرير بن عبد الله مع وروده دمشق على معاوية وكونه من المشهورين والله أعلم.
أخباره:
قال نصر في كتاب صفين: لما بويع علي عليه السلام وكتب إلى العمال في الآفاق كتب إلى جرير بن عبد الله البجلي وكان جرير عاملا لعثمان على ثغر همذان فكتب إليه مع زحر بن قيس الجعفي فلما قرأ الكتاب قام فقام أيها الناس هذا كتاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو المأمون على الدين والدنيا وقد كان من أمره وأمر عدوه ما نحمد الله عليه وقد بايعه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان ولو جعل هذا الأمر شورى بين المسلمين كان أحقهم بها ألا وإن البقاء في الجماعة والفناء في الفرقة وعلي حاملكم على الحق ما استقمتم فإن ملتم أقام ميلكم فقال الناس سمعا وطاعة رضينا، فأجاب جرير وكتب جواب كتابه بالطاعة وكان مع علي رجل من طيء ابن أخت لجرير فحمل زحر بن قيس شعرا له إلى خاله جرير وهو:
جرير بن عبد الله لا تردد الهدى | وبايع عليا إنني لك ناصح |
فإن عليا خير من وطئ الحصا | سوى أحمد والموت غاد ورائح |
ودع عنك قول الناكثين فإنما | أولاك أبا عمرو كلاب نوابح |
وبايعه إن بايعته بنصيحة | ولا يك معها في ضميرك قادح |
فإنك إن تطلب به الدين تعطه | وإن تطلب الدنيا فبيعك رابح |
وإن قلت عثمان بن عفان حقه | علي عظيم والشكور مناصح |
فحق علي إذا وليك كحقه | وشكرك ما أوليت في الناس صالح |
وإن قلت لا نرضى عليا إمامنا | فدع عنك بحرا ضل فيه السوابح |
أبى الله إلا أنه خير دهره | وأفضل من ضمت عليه الأبطح |
وقال جرير في ذلك:
أتاك كتاب علي فلم | نرد الكتاب بأرض العجم |
ولم نعص ما فيه لما أتى | ولما نضام ولما نلم |
ونحن ولاة على ثغرها | نضيم العزيز ونحمي الذمم |
نساقيهم الموت عند اللقاء | بكأس المنايا ونشفي القرم |
طحناهم طحنة بالقنا | وضرب سيوف تطير اللمم |
مضينا يقينا على ديننا | ودين النبي مجلي الظلم |
أمين الإله وبرهانه | وعدل البرية والمعتصم |
رسول المليك ومن بعده | خليفتنا القائم المدعم |
عليا غنيت وصي النبي | نجالد عنه غواة الأمم |
له الفضل والسبق والمكرمات | وبيت النبوة لا يهتضم |
وقال رجل:
لعمر أبيك والأنباء تنمى | لقد جلى بخطبته جرير |
وقال مقالة جدعت رجالا | من الحيين خطهم كبير |
بدا بك قبل أمته علي | ومخك إن رددت الحق زير |
أتاك بأمره زحر بن قيس | وزحر بالتي حدثت خبير |
كنت بما أتاك به سميعا | وكدت إليه من فرح تطير |
فأنت بما سعدت به ولي | وأنت لما تعد له بصير |
ونعم المرء أنت له وزير | ونعم المرء أنت له أمير |
فأحرزت الثواب ورب جاد | حدا بالركب ليس له بعير |
ليهنك ما سبقت به رجالا | من العلياء والفضل الكبير |
قال ثم أقبل جرير سائرا من ثغر همذان حتى ورد على علي عليه السلام بالكوفة فبايعه ودخل فيما دخل فيه الناس من طاعة علي واللزوم لأمره. وروى نصر بسنده عن الشعبي أن عليا عليه السلام حين قدم البصرة نزع جريرا عن همذان فجاء حتى نزل الكوفة فأراد علي أن يبعث إلى معاوية رسولا فقال جرير ابعثني إليه فإنه لم يزل لي مستنصحا وودا فآتيه فأدعوه إلى أن يسلم لك هذا الأمر ويجامعك على الحق على أن يكون أميرا من أمرائك وعاملا من عمالك ما عمل بطاعة الله واتبع ما في كتاب الله وادعوا أهل الشام إلى طاعتك وولايتك وجلهم قومي وأهل بلادي وقد رجوت أن لا يعصوني فقال له الأشتر لا تبعثه ودعه ولا تصدقه فوالله إني لأظن هواه هواهم ونيته نيتهم فقال له علي دعه حتى ننظر ما يرجع به إلينا فبعثه علي عليه السلام، وفي تاريخ اليعقوبي أنه لما نهاه الأشتر عن إرساله قال دعه يتوجه فإن نصح كان ممن أدى أمانته وإن داهن عليه وزر من أؤتمن ولم يؤد الأمانة ووثق به فخالف الثقة ويا ويحهم مع من يميلون ويدعونني فوالله ما أردتهم إلا على إقامة حق ولا يريدهم غيري إلا على باطل ’’أه’’ قال نصر وقال له حين أراد أن يبعثه إن حولي من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهل الدين والرأي من قد رأيت وقد اخترتك عليهم لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيك أنك من خير ذي يمن أئت معاوية بكتابي فإن دخل فيما دخل فيه المسلمون وإلا فانبذ إليه وأعلمه أني لا أرضى به أميرا وأن العامة لا ترضي به خليفة فانطلق جرير حتى أتى الشام ونزل بمعاوية فدخل عليه فحمد الله وأثنى عليه وقال أما بعد يا معاوية فإنه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين وأهل المصرين وأهل الحجاز وأهل اليمن وأهل مصر وأهل العروض عمان وأهل البحرين واليمامة فلم يبق إلا أهل هذه الحصون التي أنت فيها لو سال عليها سيل من أوديته غرقها وقد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك إلى مبايعته هذا الرجل ودفع إليه كتاب علي بن أبي طالب الذي أوله أما بعد فإن بيعتي لزمتك بالمدينة وأنت بالشام فلما قرأ الكتاب قام جرير فخطب خطبة قال في آخرها: أيها الناس إن أمر عثمان قد أعيا من شهده فما أظنكم بمن غاب عنه وإن الناس بايعوا عليا غير واتر ولا موتور وكان طلحة والزبير ممن بايعه ثم نكثا ببيعته على غير حدث ألا أن هذا الدين لا يحتمل الفتن ألا وإن العرب لا تحتمل السيف وقد كانت بالبصرة أمس مللحمة إن يشفه البلاء بمثلها فلا بقاء للناس وقد بايعت العامة عليا ولو ملكنا والله أمورنا لم نختر لها غيره ومن خالف هذا استعتب فادخل يا معاوية فيما دخل فيه الناس فإن قلت استعملني عثمان ثم لم يعزلني فإن هذا أمر لو جاز لم يقم لله دين وكان لكل أمرى ما في يديه ولكن الله لم يجعل للآخر من الولاة حق الأول وجعل تلك أمورا موطأة وحقوقا ينسخ بعضها بعضا فقال معاوية انظر وننظر واستطلع رأي أهل الشام فلما فرغ جرير من خطبته أمر معاوية فنادى الصلاة جامعة فلما اجتمع الناس صعد المنبر وخطب خطبة قال في آخرها: أيها الناس قد علمتم أني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وخليفة عثمان بن عفان عليكم وأني ولي عثمان وقد قتل مظلوما والله يقول: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا وأنا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان فقام أهل الشام بأجمعهم فأجابوا إلى الطلب بدم عثمان واستحثه جرير بالبيعة، فقال: يا جرير إنها ليست بخلسة وإنه أمر له ما بعده فأبلعني ريقي انظر ودعا ثقاته فأشار عليه أخوة عتبة ابن أبي سفيان بعمرو بن العاص وقال له أثمن له بدينه فإنه من عرفت فكتب معاوية إلى عمرو وهو بالسبع من فلسطين إنه كان من أمر طلحة والزبير ما قد بلغك وقد قدم علينا جرير بن عبد الله في بيعة علي وقد حبست نفسي عليك تأتيني فأتاه عمرو وجعل له مصر طعمة على أن يساعده على حرب علي عليه السلام ثم قال ما ترى في علم قال أرى فيه خيرا أتاك في هذه البيعة خير أهل العراق ومن عند خير الناس في أنفس الناس ودعواك أهل الشام إلى رد هذه البيعة خطر شديد ورأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكندي -رئيس اليمامة- وهو عدو لجرير المرسل إليك فأرسل إليه ووطن له ثقاتك فليفشوا في الناس أن عليا قتل عثمان فكتب إلى شرحبيل أن جرير بن عبد الله قدم علينا من عند علي بن أبي طالب بأمر فظيع فأقدم ودعا معاوية جماعة فأمرهم أن يلقوه ويخبروه أن عليا قتل عثمان وجاء شرحبيل فدخل على معاوية فقال معاوية يا شرحبيل إن جرير بن عبد الله يدعونا إلى بيعة علي وعلي خير الناس لولا أنه قتل عثمان بن عفان وحبست نفسي عليك وإنما أنا رجل من أهل الشام أرضى بما رضوا وأكره ما كرهوا فقال شرحبيل أخرج فأنظر فخرج فلقيه هؤلاء فكلهم يخبره بأن عليا قتل عثمانت فغضب وقال لمعاوية لئن بايعت عليا لنخرجنك من الشاك، قال معاوية ما كنت لأخالف عليكم قال فرد هذا الرجل إلى صاحبه إذن فعرف معاوية أن شرحبيل قد نفذت بصيرته في حرب أهل العراق وأن الشام كله مع شرحبيل وقال شرحبيل للحصين بن نمير إبعث إلى جرير أتيتنا بأمر ملفف لتلقينا في لهوات الأسد وأردت أن تخلط الشام بالعراق وأطرأت عليا وهو قاتل عثمان والله سائللك عما قلت يوم القيامة فقال جرير أما قولك إني جئت بأمر ملفف فكيف يكون ملففا وقد اجتمع عليها المهاجرون والأنصار وقوتل على رده طلحة والزبير وأما قولك أني ألقيتك في لهوات الأسد ففي لهواته ألقيت نفسك وأما خلط الشام بالعراق فخلطهما على حق خير من فراقهما على باطل وأما قولك إن عليا قتل عثمان فوالله ما في يدك من ذلك إلا القذف بالغيب من مكان بعيد، ولكنك ملت إلى الدنيا وشيء كان في نفسك علي زمن سعد بن ابن أبي وقاص فبلغ معاوية قول الرجلين فبعث إلى جرير فزجره ولم يدر ما أجابه أهل الشام وكتب جرير إلى شرحبيل:
شرحبيل يا ابن الصمت لا تتبع الهوى | فمالك في الدنيا من الدين من بدل |
وقل لابن حرب مالك اليوم حرمة | تروم بها ما رمت فاقطع له الأمل |
شرحبيل إن الحق قد جد جده | وإنك مأمون الأديم من النغل |
فأورد ولا تفرط بشيء تخافه | عليك ولا تعجل فلا خير في العجل |
ولا تك كالمجري إلى شر غاية | فقد خرق السربال واستنوق الجمل |
وقال ابن هند في علي عضيهة | ولله في صدر ابن أبي طالب أجل |
وما لعلي في ابن عفان سقطة | بأمر ولا جلب عليه ولا قتل |
وما كان إلا لازما قعر بيته | إلى أن أتى عثمان في بيته الأجل |
فمن قال قولا غير هذا فحسبه | من الزور والبهتان قول الذي احتمل |
وصي رسول الله من دون أهله | وفارسه الحامي (الأولى) به يضرب المثل |
فلما قرأ شرحبيل الكتاب ذعر وفكر وقال هذه نصيحة لي في ديني ودنياي، ولا والله لا أعجل في هذا الأمر بشيء وفي نفسي منه فلفف له معاوية الرجال يدخلون إليه ويخرجون ويعظمون عنده قتل عثمان ويرمون به عليا ويقيمون الشهادة الباطلة والكتب المختلفة حتى أعادوا رأيه وشحذوا عزمه ’’أه’’ وذلك لما سبق في علم الله من شقاثه وروى نصر أيضا بسنده عن الشعبي أن شرحبيل قال لمعاوية إن كنت رجلا تجاهد عليا وقتلة عثمان استعملناك علينا وإلا عزلناك واستعملنا غيرك ثم جاهدنا معه حتى ندرك دم عثمان أو نهلك فقال جرير يا شرحبيل مهلا فإن الله قد حقن الدماء ولم الشعث وجمع أمر الأمة ودنا من هذه الأمة سكون فإياك أن تفسد بين الناس وأمسك عن هذا القول قبل أن يظهر منك قول لا تستطيع رده قال لا والله لا اسره أبدا ثم قام فتكلم، فقال الناس صدق صدق القول ما قال والرأي ما رأى فأيس جرير عند ذلك من معاوية ومن عوام أهل الشام. وروى نصر أيضا أن معاوية أتى جريرا في منزله فقال يا جرير إني قد رأيت رأيا قال: هاته قال أكتب إلى صاحبك يجعل لي الشام ومصر جباية فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده بيعة في عنقي وأسلم له هذا الأمر وأكتب إليه بالخلافة فقال جرير أكتب بما أردت وأكتب معك فكتب معاوية بذلك إلى علي فكتب علي إلى جرير أما بعد فإنما أراد معاوية أن لا يكون لي في عنقه بيعة وأن يختار من أمره ما أحب وأراد أن يرثك حتى يذوق أهل الشام وإن المغيرة بن شعبة كان قدر أشار علي أن استعمل معاوية على الشام وأنا بالمدينة فأبيت ذلك عليه ولم يكن الله ليراني اتخذ المضلين عضدا فإن بايعك الرجل وإلا فأقبل. قال فخرج جرير يتجسس الأخبار فإذا هو بغلام يتغنى على قعود له وهو يقول:
حكيم وعمار الشجا ومحمد | واشتر والمكشوج جروا الدواهيا |
وقد كان فيها للزبير عجاجة | وصاحبه الأدنى ااشاب النواصبا |
فأما علي فاستغاث ببيته | فلا آمر فيها ولم يكن ناهيا |
وقل في جميع الناس ما شئت بعده | وإن قلت أخطا الناس لم تك خاطيا |
وإن قلت عم القوم فيه بفتنة | فحسبك من ذاك الذي كان كافيا |
فقولا لصحاب النبي محمد | وخصا الرجال الأقربين المواليا |
أيقتل عثمان بن عفان وسطكم | على غير شيء ليس إلا تماديا |
فلا نوم حتى نستبيح حريمكم=ونخضب من أهل الشنان العواليا
قال جرير يا ابن أخي من أنت قال أنا غلام من قريش وأصلي من ثقيف أنا ابن المغيرة بن الأخنس قتل أبي مع عثمان يوم الدار فجب جرير من قوله وكتب بشعره إلى علي فقال علي والله ما أخطأ الغلام شيئا، قال نصر وفي حديث صالح بن صدقة قال أبطأ جرير عند معاوية حتى اتهمه الناس وقال علي وقت لرسولي وقتا لا يقيم بعده إلا مخدوعا أو عاصيا وأبطأ على علي حتى أيس منه قال وفي حديث محمد وصالح بن صدقة قالا: وكتب علي إلى جرير بعد ذلك: أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل وخذه بالأمر الجزم ثم خيره بين حرب مجلية أو سلم محظية فإن اختار الحرب فانبذله وإن اختار السلم فخذ بيعته، فلما انتهى الكتاب إلى جرير أتى معاوية فأقرأه الكتاب فقال يا معاوية إنه لا يطبع على قلب إلا بذنب ولا ينشرح إلا بتوبة ولا أظن قلبك إلا مطبوعا أراك قد وقفت بين الحق والباطل كأنك تنتظر شيئا في يدي غيرك فقال معاوية ألقاك بالفيصل أول مجلس إن شاء الله، فلما بايع معاوية أهل الشام وذاقهم قال يا جرير الحق بصاحبك واكتب إليه بالحرب. وروى نصر بأسناده أنه لما رجع جرير إلي علي كثر قول الناس في التهمة لجرير في أمر معاوية فاجتمع جرير والشتر عند علي فقال الأشتر أما والله يا أمير المؤمنين لو كنت أرسلتني إلى معاوية لكنت خيرا من ههذا الذي أرخى من خناقه وأقام حتى لم يدع بابا يرجو روحه إلا فتحه أو بابا يخاف غمه إلا سده فقال جرير والله لو أتيتهم لقتلوك وخوفه بعمرو وذي الكلاع وحوشب ذي ظليم وقد زعموا أنك من قتلة عثمان فقال الأشتر لو أتيته والله يا جرير لم يعيني جوابها ولم يثقل علي محملها ولحملت معاوية على خطة أعجله فيها عن الفكر، قال فائتهم إذن قال الآن وقد أفسدتهم ووقع بينهما الشر. وروى أيضا بسنده عن الشعبي قال اجتمع جرير والأشتر عند علي فقال الأشتر أليس قد نهيتك يا أمير المؤمنين أن تبعث جريرا وأخبرتك بعداوته وغشه وأقبل الأشتر يشتمه ويقول يا أخا بجيلة إن عثمان اشترى منك دينك بهمذان والله ما أنت بأهل أن تمشي فوق الأرض حيا إنما أتيتهم لتتخذ عندهم يدا بمسيرك إليهم ثم رجعت إلينا من عندهم تهددنا بهم وأنت والله منهم ولا أرى سعيك إلا لهم ولئن أطاعني فيك أمير المؤمنين لحبسنك وأشباهك في محبس لا تخرجون منه حتى تستبين هذه الأمور ويهلك الله الظالمين قال جرير وددت والله أنك كنت مكاني بعثت إذا والله لم ترجع قال فلما سمع جرير ذلك لحق بقرقيسيا ولحق به أناس من قيس ويسير من قومه ولم يشهد صفين من قيس غير تسعة عشر ولكن أحمس شهدها منهم سبعمائة رجل وخرج علي إلى دار جرير فشعث منها وحرق مجلسه وخرج أبو زرعة بن عمرو بن جرير فقال أصلحك الله إن فيها أرضا لغير جرير فخرج علي منها إلى دار ثوبر بن عامر فحرقها وهدم منها وكان ثوير رجلا شريفا وكان قد لحق بجرير وقال الأشتر فيما كان من تخويف جرير إياه بعمرو وحوشب ذي ظليم وذي الكلاع:
لعمرك يا جرير لقول عمرو | وصاحبه معاوية الشآمي |
وذي كلع وحوشب ذي ظليم | أخف علي من زف النعام |
إذا اجتمعوا علي فخل عنهم | وعن باز مخالبه دوامي |
فلست بخائف ما خوفوني | وكيف أخاف أحلام النيام |
وهمهم الذي حاموا عليه | من الدنيا وهمي ما أمامي |
فإن أسلم أعمهم بحرب | يشيب طولها راس الغلام |
وإن أهلك فقد قدمت أمرا | أفوز بفلجه يوم الخصام |
وقد زاروا إلي وأوعدوني | ومن ذامات من خوف الكلام |
وقال السكوني:
تطاول ليلي يا لحب السكاسك | لقول أتانا عن جرير ومالك |
أجر عليه ذيل عمرو عداوة | وما هكذا فعل الرجال الحوانك |
فأعظم بها حزا عليك مصيبة | وهل يهلك الأقوام غير التماحك |
فإن تبقيا تبق العراق بغبطة | وفي الناس مأوى للرجال الصعالك |
وإلا فليت الأرض يوما بأهلها | تميد إذا ما أصبحنا في الهوالك |
فإن جريرا ناصح لإمامه | حريص على غسل الوجوه الحوالك |
ولكن أمر الله في الناس بالغ | يحل منايا بالنفوس الشوارك |
’’أه’’ وقال ابن الأثير فخرج جرير إلى قرقيسيا وكتب إلى معاوية فكتب إليه معاوية يأمره بالقدوم عليه وذكر ابن الأثير أن سبب العداوة بين شرحبيل وجرير، أن شرحبيل كان قد سيره عمر بن الخطاب إلى العراق إلى سعد ابن أبي وقاص فقدمه وقربه فحسده الأشعث بن قيس الكندي لمنافسة بينهما فوفد جرير البجلي على عمر فقال له الشعث إن قدرت أن تنال من شرحبيل عند عمر فافعل فقال شعرا نال فيه من شرحبيل فاستقدمه عمر وسيره إلى الشام فلما قدم جرير على معاوية بكتاب علي في البيعة انتظر معاوية قدوم شرحبيل لما يعلم من عداوته لجرير فقال النجاشي:
شرحبيل ما للدين فارقت أمرنا | ولكن لبغض المالكي جرير |
وقولك ما قد قلت عن أمر أشعث | فأصبحت كالحادي بغير بعير |
’’أه’’ وقد ظهر من مجموع ما مر أن الرجل ختم أعماله بسيئها بمفارقته عليا عليه السلام حتى هدم داره سواء أكان ذهب إلى معاوية أو قام بفرقيسيا وهي في ملك معاوية وإيما الخطيب إلى الاعتذار عنه بقوله السابق ثم بدت الفتنة فانتقل إلى قرقيسيا غير صواب، خذل الحق كمن نصر الباطل والله تعالى قد أوجب قتال الطائفة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله، والرواية السابقة عن علي عليه السلام أنه قالجرير منا أهل البيت وأمثالها يوجب الشك في صدقها أنه لم يكن له مع أهل البيت عمل يوجب له هذا سوى مفارقته إياهم إلى عدوهم. وعن شرح النهج روى يحيى البرمكي عن العمش عن جرير والأشعث أنهما خرجا إلى جبانة بالكوفة فمر بهما ضب يعدو وهما في ذم علي فنادياه يا أبا حسل هلم يدك نبايعك بالخلافة فبلغ عليا عليه السلام ذلك فقال إنهما يحشران يوم القيامة وإمامها ضب ’’أه’’ وعن شرح النهج أيضا قال جماعة من مشايخنا البغداديين كان جرير بن عبد الله البجلي يبغض عليا عليه السلام وهدم علي دار جرير ’’أه’’ ومر في أوائل الترجمة ما يزيد سوء حاله وضوحا فراجع.
من روى عن جرير
في الاستيعاب روى عنه أنس بن مالك وقيس ابن أبي حازم وهمام بن الحارث والشعبي وبنوه عبيد الله والمنذر وإبراهيم وزاد في اسد الغابة أبا وائل وأبا زرعة بن عمرو بنجرير وغيرهم ’’أه’’.