أبو ذر الغفاري جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد، من بني غفار، من كنانة بن خزيمة، أبو ذر: صحابي، من كبارهم. قديم الإسلام، يقال أسلم بعد أربعة وكان خامسا. يضرب به المثل في الصدق. وهو أول من حي رسول الله (ص) بتحية الإسلام. هاجر بعد وفاة النبي (ص) إلى بادية الشام، فأقام إلى أن توفي أبو بكر وعمر وولى عثمان، فسكن دمشق وجعل ديدنه تحريض الفقراء على مشاركة الأغنياء في أموالهم، فاضطرب هؤلاء، فشكاه معاوية (وكان والي الشام) إلى عثمان (الخليفة) فاستقدمه عثمان إلى المدينة، فقدمها واستأنف نشر رأيه في تقبيح منع الأغنياء أموالهم عن الفقراء، غفعلت الشكوى منه، فأمره عثمان بالرحلة إلى الربذة (من قرى المدينة) فسكنها إلى أن مات. وكان كريما لا يخزن من المال قليلا ولا كثيرا، ولما مات لم يكن في داره ما يكفن به. ولعله أول اشتراكي داردته الحكومات. روى له البخاري ومسلم 281 حديثا. وفي اسمه واسم أبيه خلاف. ولأبي منصور ظفر بن حمدون البادرائي كتاب (أخبار أبي ذر) قرأه عليه النجاشي. ومثله (أخبار أبي ذر) لابن بابويه القمي
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 140
أبو ذر الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه جندب بن جنادة وقيل برير.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 349
جندب بن جنادة أبو ذر الغفاري
وفي الاستيعاب ويقال أبو الذر والأول أكثر
توفي بالربذة سنة 31 أو 32 وقيل سنة 24 والأول أصح صلى الله عليه وآله وسلم ابن مسعود ومات بعده في ذلك العام وقيل صلى عليه مالك بن الحارث الأشتر.
(والربذة) بفتح الراء المهملة والباء الموحدة والذال المعجمة على وزن قصبة في القاموس هي مدفن أبي ذر الغفاري قرب المدينة. وفي المصباح المنير: هي قرية كانت عامرة في صدر الإسلام وبها قبر أبي ذر الغفاري وهي في وقتنا هذا دراسة لا يعرف لها رسم وهي من المدينة في جهة الشرق على طريق الحاج نحو ثلاثة أيام، هكذا أخبرني به جماعة من أهل المدينة سنة 723 وفي الخلاصة (جندب) بالجيم المضمومة والنون الساكنة والدال المهملة المفتوحة والباء الموحدة (وجنادة) بالجيم المضمومة والنون والدال المهملة بعد الألف (والغفاري) بكسر الغين وتخفيف الفاء نسبة إلى غفار قبيلة.
الخلاف في اسمه
في الاستيعاب: اختلف في اسمه اختلافا كثيرا فقيل جندب بن جنادة وهو أكثر وأصح ما قيل فيه إن شاء الله تعالى وقيل بدر بن جندب ويقال برير بن عشرقة وبرير بن جنادة ويقال برير بن جنادة كذا قال ابن إسحاق وقيل بر بن جندب أيضا عن ابن إسحاق ويقال جندب بن عبد الله (أو جندب بن عبد) ويقال جندب بن سكن والمشهور المحفوظ جندب بن جنادة وزاد في باب الكنى وقيل برير بن عبد الله وفي الطبقات الكبير لابن سعد بسنده عن عبد الله المجمر قال اسم أبي ذر جندب بن جنادة قال وكذلك قال محمد بن عمر (الواقدي) وهشام بن محمد بن السائب الكلبي وغيرهما من أهل العلم قال محمد بن عمر سمعت أبا معشر نجيحا يقول اسم أبي ذر برير بن جنادة وفي رجال ابن داود قيل اسمه برير بالباء المفردة المفتوحة والراء المكسورة والياء المثناة تحت والراء أخيرا وفي أسد الغابة المشهور انه جندب بن حنادة وقيل اسمه بر وقيل بالتصغير وقيل اسمه السكن بن جنادة وفي المستدرك للحاكم بإسناده عن أبي عبيدة معمر بن المثنى أبو ذر الغفاري جندب بن جنادة الخ قال ابن سلام ويقال اسمه يزيد وبسنده عن محمد بن عبد الله بن نمير قال أبو ذر جندب بن جنادة الخ وأما ما ذكر من إن اسمه يزيد فقد روي إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سماه به وفي الدرجات الرفيعة: أبو ذر الغفاري اسمه جندب بن جنادة على الأصح.
نسبته
في الاستيعاب: اختلف فيما بعد جنادة أيضا فقيل جندب بن جنادة ابن قيس بن عمرو بن مليل بن صعير بن حرام بن غفار وقيل جندب بن جنادة بن صعير بن عبيد بن حرام بن غفار وقيل جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار وزاد في الكنى: وقيل جندب بن سفيان بن جنادة بن عبيد بن الواقفة بن حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن اليأس بن مضر بن نزار الغفاري وفي طبقات ابن سعد الكبير أبو ذر واسمه جندب بن جنادة بن كعيب بن صعير بن الوقعة بن حرام بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن اليأس بن مضر وفي أسد الغابة المشهور انه جندب بن جنادة بن سكن وقيل ابن عبد الله والاختلاف في أبيه كالاختلاف في اسمه إلا في السكن قيل يزيد بن عرفة (عشرقة) وقيل اسمه هو السكن بن جنادة بن قيس بن بياض بن عمرو بن مليل بلامين مصغرا ابن صعير بمهملتين مصغرا ابن حرام بمهملتين ابن غفار وقيل اسم جده سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار قال ووقع في رواية لابن ماجة إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لأبي ذر يا جنيدب بالتصغير وهذا الاختلاف في اسمه واسم أبيه أسنده كله ابن عساكر إلى قائليه وقال هو إن بريرا تصحيف بريق وكذا زيد ويزيد وعرفة ولا وجود له في تاريخ ابن عساكر المطبوع مع أنه ورد الشام وذلك يدل على نقصان النسخة المطبوعة كما ذكرناه في جارية بن قدامة وغيره، وفي المستدرك بسنده عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال أبو ذر الغفاري جندب بن جنادة ابن سفيان بن عبيد بن حرام (وبسنده) عن محمد بن عبد الله بن نمير قال أبو ذر جندب بن جنادة بن قيس بن عمرو بن صعير بن حرام بن غفار وفي الدرجات الرفيعة اسمه جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن ربيعة ابن حرام بن غفار وقيل اسم أبيه برير بموحدة مصغرا وبكسر أو عشرقة أو عبد الله أو السكن ويأتي ما ذكره أصحابنا من الخلاف في اسمه. أمه
في الاستيعاب: أمه رملة بنت الرفيعة -أو الوقيعة- من بني غفار بن مليل أيضا وفي الإصابة يقال إنه أخو عمرو بن عبسة لامه وأسلمت أمه معه لما اسلم وأخوه انيس. وفي المستدرك للحاكم أمه رملة بنت الوقيعة من بني غفار.
صفته
في أسد الغابة في الأسماء: كان أبو ذر آدم طويلا أبيض الرأس واللحية وفي باب الكنى كان أبو ذر طويلا عظيما اخرجه أبو عمر ولم أجده في الاستيعاب. وفي الطبقات الكبير بسنده عن الأحنف بن قيس رأيت أبا ذر رجلا طويلا آدم البيض الرأس واللحية وفي الإصابة كان طويلا أسمر اللون نحيفا وفيها عن رجل من بني عامر دخلت مسجد منى فإذا شيخ معروق آدم عليه حلة قطري فعرفت انه أبو ذر بالنعت.
خبر إسلامه
في الاستيعاب في باب الكنى: له في إسلامه خبر حسن يروى من حديث ابن عباس عنه ومن حديث عبد الله بن الصامت عنه ثم ذكر سنده من حديث ابن عباس أنه قال لما بلغ أبا ذر مبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة قال لأخيه انيس: اركب إلى هذا الوادي واعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء واسمع من قوله ثم ائتني فانطلق الأخ حتى قدم مكة وسمع من قوله ثم رجع إلى أبي ذر فقال رأيته يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويأمر بمكارم الأخلاق وسمعت منه كلاما ما هو بالشعر فقال ما شفيتني فيما أردت فتزود وحمل شنة له فيها ماء حتى قدم مكة فأتى المسجد فالتمس النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يعرفه وكره إن يسال عنه حتى أدركه الليل فاضطجع فرآه علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) فقال كان الرجل غريب قال نعم قال انطلق إلى المنزل فانطلقت معه لا يسألني عن شيء ولا أسأل ه قال فلما أصبحت من الغد رجعت إلى المسجد فبقيت يومي حتى أمسيت وسرت إلى مضجعي فمر بي علي فقال أ ما إن للرجل إن يعرف منزله فأقامه وذهب به معه وما يسال واحد منهما صاحبه عن شيء حتى إذا كان اليوم الثالث فعل ذلك فأقامه علي معه ثم قال له ألا تحدثني ما الذي أقدمك هذا البلد؟ قال إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني فعلت ففعل فأخبره (علي رضي الله عنه) انه نبي وان ما جاء به حق وانه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم فإذا أصبحنا فابتغي فاني رأيت شيئا قمت كاني أريق الماء فان مضيت فاتبعني حتى تدخل معي مدخلي. قال فانطلقت ودخلت معه وحييت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بتحية الإسلام فقلت السلام عليك يا رسول الله فكنت أول من حياه بتحية الإسلام فقال وعليك السلام من أنت قلت رجل من بني غفار فعرض علي الإسلام فأسلمت وشهدت إن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) راجع إلى قومك فأخبرهم وأكتم امرك عن أهل مكة فاني أخشاهم عليك فقلت والذي نفسي بيده لأصوتن بها بين ظهرانيهم فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته أشهد إن لا إله إلا الله وأشهد إن محمدا رسول الله فثار القوم إليه وضربوه حتى أضجعوه واتى العباس فأكب عليه وقال ويلكم ألستم تعلمون انه من بني غفار وان طريق تجارتكم إلى الشام عليهم وأنقذه منهم ثم عاد من الغد إلى مثلها وثاروا عليه فضربوه فأكب عليه العباس فأنقذه ثم لحق بقومه فكان هذا أول إسلام أبي ذر. ورواه الحاكم في المستدرك بسنده نحوه ثم روى في الاستيعاب بسنده عن يزيد بن أبي حبيب قال: قدم أبو ذر على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو بمكة فاسلم ثم رجع إلى قومه فكان يسخر بآلهتهم ثم إنه قدم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة (الحديث) وفي المستدرك للحاكم بسنده عن أبي ذر قال كنت ربع الإسلام اسلم قبلي ثلاثة نفر وأنا الرابع اتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت السلام عليك يا رسول الله أشهد إن لا إله إلا الله وأشهد إن محمدا رسول الله فرأيت الاستبشار في وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
مؤاخاته
في الطبقات الكبير لابن سعد قال محمد بن إسحاق آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أبي ذر الغفاري والمنذر بن عمرو أحد بني ساعدة وانكر محمد بن عمر. الواقدي - هذه المؤاخاة بين أبي ذر والمنذر بن عمرو وقال لم تكن المؤاخاة إلا قبل بدر فلما نزلت آية المواريث انقطعت المؤاخاة وأبو ذر حين اسلم رجع إلى بلاد قومه فأقام بها حتى مضت بدر وأحد والخندق ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة بعد ذلك وفي رجال بحر العلوم: آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين المنذر بن عمرو في المؤاخاة الثانية وهي مؤاخاة الأنصار مع المهاجرين وكانت بعد الهجرة بثمانية أشهر وروى
الكشي في ترجمة سلمان الفارسي بسنده عن جعفر عن أبيه في حديث إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخى بين أبي ذر وسلمان. وروى الكليني في روضة الكافي بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين سلمان وأبي ذر واشترط على أبي ذر إن لا يعصي سلمان.
أقوال العلماء فيه
ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال: جندب بن جنادة الغفاري أبو ذر رحمه الله وقيل جندب بن السكن وقيل اسمه برير بن جنادة مهاجري مات في زمن عثمان بالربذة وذكره في أصحاب علي عليه السلام فقال جندب بن جنادة ويقال جندب بن السكن يكنى أبا ذر أحد الأركان الأربعة وفي الفهرست جندب بن جنادة ويقال أبو ذر الغفاري رحمه الله أحد الأركان الأربعة له خطبة يشرح فيها الأمور بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرنا بها الحسين بن عبيد الله عن الدرري عن الحسن بن علي البصري عن العباس بن بكار عن الأشهب عن أبي رجاء العطاردي قال خطب أبو ذر وذكرها بطولها وفي الخلاصة جندب بن جنادة الغفاري أبو ذر وقيل جندب بن السكن وقيل اسمه يزيد بن جنادة مهاجري أحد الأركان الأربعة روي عن الباقر عليه السلام انه لم يتغير مات في زمن عثمان بالربذة، له خطبة يشرح فيها الأمور بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال الشهيد الثاني في حواشي الخلاصة قوله مات في زمن عثمان توفي أبو ذر سنة 32 وصلى عليه ابن مسعود وقدم المدينة فأقام عشرة أيام فمات عاشرها، قوله أحد الأركان الأربعة وهم سلمان والمقداد وأبو ذر وحذيفة وقال ابن داود في رجاله جندب بضم الدال وفتحها ابن جنادة أبو ذر الغفاري وقيل جندب بن السكن بالفتحتين وقيل اسمه برير بالباء المفردة المفتوحة والراء المكسورة والياء المثناة تحت والراء أخيرا ومراده بذلك الرد على العلامة في قوله إن جندب بفتح الدال وفي قوله وقيل اسمه يزيد فان أحدا لم يقل إن اسمه يزيد وإنما قيل اسمه برير وفي منهج المقال في رجال الكشي أحاديث كثيرة في مدحه إلا انه لشهرته بالكنية نذكره في باب الكنى إن شاء الله ونورد تلك الأحاديث هناك وقال في باب الكنى أبو ذر رحمه الله اسمه جندب وقيل برير تقدم فكأنه لما وصل إلى باب الكنى نسي انه لم يذكرها في باب الأسماء ففاته ذكرها في البابين، وفي الاستيعاب في باب الأسماء: كان إسلام أبي ذر قديما يقال بعد ثلاثة ويقال بعد أربعة وقد روي عنه أنه قال أنا ربع الإسلام وقيل كان خامسا ثم رجع إلى بلاد قومه بعدما اسلم فأقام بها حتى مضت بدر وأحد و الخندق ثم قدم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصحبه إلى إن مات ثم خرج بعد وفاة أبي بكر إلى الشام فلم يزل بها حتى ولي عثمان ثم استقدمه عثمان لشكوى معاوية فنفاه وأسكنه الربذة فمات بها، روي عنه جماعة من الصحابة وكانوا أوعية العلم المبرزين في الزهد والورع والقول بالحق. وفي باب الكنى: كان من كبار الصحابة قديم الإسلام يقال اسلم بعد أربعة فكان خامسا ثم انصرف إلى بلاد قومه فأقام بها حتى قدم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وفي أسد الغابة: هو أول من حيا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتحية الإسلام وكان يعبد الله قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بثلاث سنين وبايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على إن لا تأخذه في الله لومة لائم وعلى إن يقول الحق وان كان مرا وفي الإصابة: أبو ذر الغفاري الزاهد المشهور الصادق اللهجة كان من السابقين إلى الإسلام ثم ذكر خبر إسلامه عند مسلم من طريق عبد الله بن الصامت عن أبي ذر وفي أوله صليت قبل إن يبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث وجهني الله وهذا معنى ما مر عن أسد الغابة انه صلى قبل البعثة بثلاث سنين. وفي الطبقات الكبير لابن سعد بسنده عن عبد الله بن الصامت الغفاري عن أبي ذر في حديث أنه قال: وقد صليت يا ابن أخي قبل إن ألقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث سنين فقالت لمن؟ قال لله فقلت أين توجه قال أتوجه حيث يوجهني الله أصلي عشاء حتى إذا كان من أخر السحر ألفيت كاني خفاء حتى تعلوني الشمس (الحديث) ورواه في حلية الأولياء بسنده عن أبي ذر مثله وروى في حلية الأولياء أيضا بسنده عن أبي ذر: صليت قبل الإسلام بأربع سنين قيل له من كنت تعبد قال اله السماء قيل فأين كانت قبلتك قال حيث وجهني الله عز وجل. وروى ابن سعد في الطبقات - بسنده كان أبو ذر رجلا يصيب الطريق وكان شجاعا يتفرد وحده بقطع الطريق ويغير على الصرم في عماية الصبح على ظهر فرسه أو على قدميه كأنه السبع فيطرق الحي ويأخذ ما أخذ ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام (الحديث) (أقول) هذا ينافي ما ذكره ابن سعد في طبقاته أيضا قال أخبرنا محمد بن عمر حدثني نجي أبو معشر قال كان أبو ذر يتاله في الجاهلية ويقول لا إله إلا الله ولا يعبد الأصنام الحديث فمن يكون متألها لا يكون من قطاع الطريق. نعم روى ابن سعد بإسناده في حديث إن أبا ذر بعد ما اسلم قال يا رسول الله إني منصرف إلى أهلي وناظر متى يؤمر بالقتال فالحق بك فاني أرى قومك عليك جميعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أصبت! فانصرف فكان يكون بأسفل ثنية غزال فكان يعترض لعيرات قريش فيقتطعها فيقول: لا أرد إليكم منها شيئا حتى تشهدوا إن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله، فان فعلوا رد عليهم ما أخذ منهم وان أبوا لم يرد عليهم شيئا، فكان على ذلك حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومضى بدر وأحد ثم قدم فأقام بالمدينة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وروى أيضا بسنده في أخر الحديث الذي فيه انه كان يتأله: انه بعدما اسلم رأى امرأة تطوف بالبيت وتدعو بأحسن دعاء في الأرض وتقول: أعطني كذا وكذا، ثم قالت في أخر ذلك يا اساف ويا نائلة! فقال أبو ذر انكحي أحدهما صاحبه فتعلقت به وقالت أنت صابئ، فجاء فتية من قريش فضربوه وجاء ناس من بني بكر فنصروه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله أما قريش فلا أدعهم حتى أثأر منهم ضربوني، فخرج حتى أقام بعسفان، وكلما أقبلت عير لقريش يحملون الطعام ينفر بهم على ثنية غزال فتلقي أحمالها فجمعوا الحنط قال يقول أبو ذر لقومه: لا يمس أحد حبة حتى يقولوا لا إله إلا الله، فيقولون لا اله إلا الله ويأخذون الغرائر. وروى في الطبقات أيضا بإسناده عن أبي ذر: كنت في الإسلام خامسا، وبإسناده عن حكام بن أبي الوضاح البصري: كان إسلام أبي ذر رابعا أو خامسا. وبسنده عن أبي ذر في حديث أنه قال: ما زال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى ما ترك لي الحق صديقا. وفي المستدرك للحاكم: ذكر مناقب أبي ذر الغفاري ثم روى بسنده عن مصعب بن عبد الله الزبيري قال أبو ذر جندب بن جنادة وقيل يزيد بن جنادة، توفي بالربذة سنة 32 واختلفوا فيمن صلى عليه فقيل عبد الله بن مسعود وقيل جرير بن عبد الله البجلي. وعن ابن حجر في التقريب: تقدم إسلامه وتأخرت هجرته فلم يشهد بدرا، ومناقبه كثيرة جدا. وفي الدرجات الرفيعة: وقال غير ابن حجر اسلم خامس خمسة ثم رجع أي ارض قومه وقدم بعد الهجرة، وكان من أكابر العلماء والزهاد كبير الشأن، كان عطاؤه في السنة أربعمائة دينار، وكان لا يدخر شيئا. ثم قال: كان أبو ذر من أعاظم الصحابة وكبرائهم الذين أوفوا بما عاهدوا عليه الله وهو أحد الأركان الأربعة وكفاه شرفا ما رواه في وصيته المشهورة التي أوصاه بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال له يا رسول الله بأبي أنت وأمي أوصني بوصية ينفعني الله بها! فقال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم وأكرم بك يا أبا ذر! انك منا أهل البيت، واني موصيك بوصية فاحفظها، ثم ذكر الوصية قال: ولولا طولها وما اشترطناه على أنفسنا من الاختصار لأوردناها وسنذكرها بتمامها عند ذكر وصايا النبي صلى الله عليه وآله وسلم له وفي حلية الأولياء: ومنهم العابد الزهيد، القانت الوحيد، رابع الإسلام، ورافض الأزلام قبل نزول الشرع والاحكام، تعبد قبل الدعوة بالشهور والأعوام، وأول من حيا الرسول بتحية الإسلام، لم تكن تأخذه في الحق لائمة اللوام، ولا تفزعه سطوة الولاة والحكام أول من تكلم في علم البقاء والفناء، وثبت على المشقة والعناء، وحفظ العهود والوصايا، وصبر على المحن والرزايا، ! واعتزل مخالطة البرايا، إلى إن حل بساحة المنايا. أبو ذر الغفاري رضي الله عنه. خدم الرسول، وتعلم الأصول، ونبذ الفضول. وقد قيل: إن التصوف التأله والتدله، عن غلبات التوله. ثم قال وكان أبو ذر رضي الله تعالى عنه للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ملازما وجليسا، وعلى مسألته والاقتباس منه حريصا، وللقيام على ما استفاد منه انيسا سأله عن الأصول والفروع، وسأله عن الايمان والإحسان، وسأله عن رؤية ربه تعالى، وسأله عن أحب الكلام إلى الله تعالى، وسأله عن ليلة القدر أترفع مع الأنبياء أم تبقى، وسأله عن كل شيء حتى عن مس الحصا في الصلاة تخلى من الدنيا وتشمر للعقبى وعانق البلوى إلى إن لحق بالمولى. وأراد بمس الحصا ما رواه هو بسنده عن أبي ذر: سالت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كل شيء حتى سألته عن مس الحصا فقال: مسه أو دع ثم روى بسنده عن أبي ذر كنت رابع الإسلام اسلم قبلي ثلاثة وأنا الرابع. وفي رجال بحر العلوم: جندب بن جنادة أبو ذر الغفاري رابع الإسلام وخادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واحد الحواريين الذين مضوا على منهاج سيد المرسلين ثم ذكر بدء إسلامه وذهابه إلى بلاد قومه ثم هجرته إلى المدينة ومؤاخاته وقال ثم شهد مشاهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولزم بعده أمير المؤمنين عليه السلام وكان من المجاهرين بمناقب أهل البيت عليهم السلام ومثالب أعدائهم لم تأخذه في الله لومة لائم عند ظهور المنكر وانتهاك المحارم ثم ذكر ما قاله فيه النبي والوصي عليهما السلام ثم قال وكان بينه وبين عثمان مشاجرة في مسالة من مسائل الزكاة فتحا كما عند رسول لله صلى الله عليه وآله وسلم فحكم لأبي ذر على عثمان. قال وذكر ابن شهراشوب انه ثاني اثنين صنفا في الإسلام. قال: وروي انه لما اشتد انكار أبي ذر على عثمان نفاه إلى الشام وأخذ في النكير عليه وعلى معاوية، وكان يقول: والله إني لأرى حقا يطفى وباطلا يحيى وصادقا مكذبا وأثرة بغير تقى وصالحا مستأثرا عليه، فكتب معاوية إلى عثمان: إن أبا ذر قد صرف قلوب أهل الشام عنك وبغضك إليهم، فلا يستفتون غيره ولا يقضي بينهم إلا هو. فكتب إلى معاوية إن أحمل أبا ذر على ناب صعبة وقتب ثم ابعث به مع من ينخش به نخشا عنيفا حتى يقدم به علي. فلما قدم به على عثمان كان مما أنبه به إن قال إنه يقول إنه خير من الشيخين! فقال أبو ذر: اجل والله لقد رأيتني رابع أربعة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما اسلم غيرنا ولا أسلما! فقال علي: والله لقد رأيته وهو ربع الإسلام. ثم إن عثمان نفاه إلى الربذة فلم يزل بها حتى مات سنة 32 من الهجرة، وقبره بالربذة معروف.
ما ورد فيه من الروايات
قال الكشي في رجاله: أبو ذر أبو الحسن محمد بن سعد بن مزيد ومحمد بن أبي عوف قالا حدثنا محمد بن أحمد بن حماد أبو علي المحمودي المروزي رفعه قال أبو ذر الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شأنه: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، يعيش وحده ويموت وحده ويبعث وحده ويدخل الجنة وحده، وهو الهاتف بفضائل أمير المؤمنين عليه السلام، ووصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستخلافه إياه. فنفاه القوم عن حرم الله وحرم رسوله بعد حملهم إياه من الشام على قتب بلا وطاء (إلى إن قال): فقتلوه فقرأ وجوعا وذلا وضمرا (وضرا) وصبرا. وفي الاستيعاب في باب الأسماء: سئل علي رحمه الله عن أبي ذر فقال ذاك رجل وعى علما عجز عنه الناس ثم اوكا عليه ولم يخرج شيئا منه. أقول: معنى قوله (عجز عنه الناس)
-والله أعلم-: انه وعى علما كثيرا عجز غيره عن إن يعي مثله لكثرته، وحاصله انه كان شديد الطلب للعلم ولم يقدر غيره إن يطلب من العلم ويحفظ منه بقدر ما طلب هو وحفظ من العلم لشدة رغبته في أخذ العلم ووعيه، وقوله (ثم أوكأ عليه ولم يخرج شيئا منه): دال على إن ذلك العلم كان مما لا تطيق عقول الناس حمله ولا تقبل نفوسهم التصديق به، فلذلك كتمه عنهم، وأوكأ عليه كالذي يوكئ على مال أو غيره. وإلا فليس يخفي علي أبي ذر ما جاء من الذم في حق كاتم العلم، ويحتمل إن يراد بعجز الناس عنه عجز عقولهم عن حمله وقبوله ونفوسهم عن التصديق به، وما في هذا الحديث يفسر ما في الحديث الذي رواه ابن سعد في الطبقات بسنده عن زاذان قال: سئل علي عن أبي ذر فقال وعى علما عجز فيه وكان شحيحا حريصا شحيحا على دينه حريصا على العلم وكان يكثر السؤال فيعطى ويمنع أما انه قد ملئ له في وعائه حتى امتلأ. فلم يدروا ما يريد بقوله (وعى علما عجز فيه: أعجز عن كشف ما عنده من العلم؟ أم عن طلب ما طلب من العلم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فان الحديث المروي في الاستيعاب صريح في إن الناس عجزوا عن هذا العلم لا هو، وحينئذ فالظاهر إن يقرأ عجز فيه بالبناء للمجهول أي عجز الناس فيه، ويمكن إن يكون أصله عجز عنه فصحف من النساخ، وقوله: (فلم يدروا الخ. . . ) غير بعيد إن يكون المراد به إن من تأخر عن ذلك العصر لم يدر ما يريد به ولو كان الذين سمعوه لم يدروا ما أراد لسألوه عن مراده، والله أعلم. ولا يخفى ما في هذه الأحاديث من المدح العظيم لأبي ذر بالعلم من أنه وعى من العلم ما عجز عنه الناس، وانه ملئ له في وعائه حتى امتلأ، وأي فضل أفضل من العلم وأي درجة أعلى من درجة العلم. وفي الاستيعاب في الأسماء: روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: في أمتي أبو ذر شبيه عيسى بن مريم في زهده وبعضهم يرويه: من سره إن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر. ومن حديث ورقاء وغيره عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر ومن سره إن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر. وفي أسد الغابة: روي إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أبو ذر يمشي على الأرض في زهد عيسى بن مريم. وفي الاستيعاب في الأسماء: وروى الأعمش عن شمر بن عطية عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمان بن غنم قال: كنت عند أبي الدرداء إذ دخل رجل من أهل المدينة فسأله فقال أين تركت أبا ذر قال بالربذة فقال أبو الدرداء: أنا لله وأنا إليه راجعون لو إن أبا ذر قطع مني عضوا ما هجته لما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه (وفيه) في باب الكنى بسنده عن أبي الدرداء إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر قال: وقال أبو ذر لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علما وفي الإصابة اخرج الطبراني من حديث أبي الدرداء كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبتدئ أبا ذر إذا حضر ويتفقده إذا غاب وروى ابن سعد في الطبقات بسنده عن عبد الله بن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق من أبي ذر. وبسنده عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر من سره إن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر. وبسنده عن مالك بن دينار إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أيكم يلقاني على الحال التي أفارقه عليها فقال أبو ذر أنا فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم صدقت ثم قال ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر من سره إن ينظر إلى زهد عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر وبسنده عن أبي الدرداء قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر وبسنده عن محمد بن سيرين قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر، وبسنده عن علي أنه قال لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر ولا نفسي ثم ضرب بيده إلى صدره (قوله) ولا نفسي إن صح حمل على التواضع وهضم النفس وإلا فمن الذي لا يخشى في الله لومة لائم مثل علي عليه السلام. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن مالك بن مرثد عن أبيه عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما تقل الغبراء وما تظل الخضراء من ذي لهجة أصدق لا أوفى من أبي ذر شبيه عيسى بن مريم فقام عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله فنعرف ذلك له قال نعم فاعرفوه له، قال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وبسنده عن عبد الله بن عمر سمعت عن أبي الدرداء قال: قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر، وفي الدرجات الرفيعة روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أراد إن ينظر إلى زهد عيسى بن مريم فلينظر إلى زهد أبي ذر قال: وأخرج أبو نعيم في حلية الأولياء عن زيد بن وهب وأبو علي المحمودي المروزي في أمإليه أنه قال صلوات الله عليه ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر وفي رواية الترمذي أصدق وأوفى من أبي ذر شبيه عيسى بن مريم ثم قال عمر بن الخطاب يا رسول الله أفنعرف ذلك له فقال نعم فاعرفوه وفي رواية المحمودي يعيش وحده ويموت وحده ويبعث وحده و يدخل الجنة وحده. (وروى) الصدوق في العيون بإسناده عن الرضا عن آبائه عن علي صلوات الله عليهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو ذر صديق هذه الأمة وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج: قد جاء في الأخبار الصحيحة إن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قال إن الجنة لتشتاق إلى أربعة علي وعمار وأبي ذر والمقداد.
زهده
قال الكشي في رجاله: حدثني علي بن محمد القثيبي حدثنا الفضل ابن شاذان حدثني أبي عن علي بن الحكم عن موسى بن بكير قال: قال أبو الحسن عليه السلام قال أبو ذر من جزى الله عنه الدنيا خيرا فجزاها الله عني مذمة بعد رغيفي شعير أتغدى بأحدهما وأتعشى بالآخر وبعد شملتي صوف اتزر بإحداهما وارتدي بالأخرى قال وقال إن أبا ذر بكى من خشية الله حتى اشتكى عينيه فخافوا عليهما فقيل له يا أبا ذر لو دعوت الله في عينيك فقال إني عنهما لمشغول وما عناني أكثر فقيل له وما شغلك عنهما قال العظيمتان الجنة والنار قال وقيل له عند الموت يا أبا ذر ما مالك قال عملي قالوا أنا نسألك عن الذهب والفضة قال ما أصبح فلا أمسى وما أمسى فلا أصبح لنا كندوج ندع فيه خير (حر) متاعنا سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول كندوج المرء قبره، وفي الطبقات الكبير لابن سعد بسنده عن عبد الله بن خراش رأيت أبا ذر في مظلة وفي رواية في مظلة شعراء وتحته امرأة سحماء. وبسنده عن محمد سالت ابن أخت لأبي ذر ما ترك أبو ذر فقال ترك تانين وعفوا وأعنزا وركائب فقال العفو الحمار الذكر وبسنده عن جعفر بن برقان عن غالب بن عبد الرحمن لقيت رجلا قال كنت أصلي مع أبي ذر في بيت المقدس فكان إذا دخل خلع خفيه فإذا بزق أو تنخع تنخع عليهما ولو جمع ما في بيته لكان رداء هذا الرجل أفضل من جميع ما في بيته قال جعفر فذكرت هذا الحديث لمهران بن ميمون فقال ما أراه كان ما في بيته يسوى درهمين وفي الاستيعاب روى إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال كان قوتي على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاعا من تمر فلست بزائد عليه حتى ألقى الله وفي الطبقات بسنده عن عطاء بن أبي مروان أنه رأى أبا ذر في نمرة مؤتزرا بها قائما يصلي قال فقلت يا أبا ذر أمالك ثوب غير هذه النمرة قال لو كان لي لرأيته علي قال فاني رأيت عليك منذ أيام ثوبين فقال يا بن أخي أعطيتهما من هو أحوج إليهما مني قلت والله انك لمحتاج إليهما قال اللهم غفرا انك لمعظم الدنيا أليس ترى علي هذه البردة ولي أخرى للمسجد ولي اعنز نحلبها ولي أحمرة نحتمل عليها ميرتنا وعندنا من يخدمنا ويكفينا مهنة طعامنا فأي نعمة أفضل مما نحن فيه (وبسنده) عن أبي شعبة قال جاء رجل من قومنا أبا ذر يعرض عليه نفقة فأبى أبو ذر إن يأخذ وقال لنا أحمرة نحتمل عليها وأعنز نحلبها ومحررة تخدمنا وفضل عباءة عن كسوتنا واني لأخاف إن أحاسب بالفضل. وبسنده عن عيسى بن عميلة الفزاري قال أخبرني من رأى أبا ذر يحلب غنيمة له فيبدأ بجيرانه وأضيافه قبل نفسه ولقد رأيته ليلة حلب حتى ما بقي في ضروع غنمه شيء إلا مصره وقرب إليهم تمرا وهو يسير ثم تعذر إليهم وقال لو كان عندنا ما هو أفضل من هذا لجئنا به قال: وما رأيته ذاق تلك الليلة شيئا. وبسنده عن خالد بن حيان قال: كان أبو ذر وأبو الدرداء في مظلتين من شعر بدمشق. وبسنده عن عبد الله بن خراش الكعبي قال: وجدت أبا ذر في مظلة شعر بالربذة تحته امرأة سحماء فقلت يا أبا ذر تزوج سحماء؟ قال أتزوج من تضعني أحب إلي ممن ترفعني - الحديث. وبسنده: كسي أبو ذر بردتين فائتزر بإحداهما وارتدى بشملة وكسا إحداهما غلامه ثم خرج على القوم فقالوا له: لو كنت لبستهما جميعا كان أجمل! قال أجل، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تكسون. وفي حلية الأولياء بسنده عن عبد الله بن الصامت ابن أخي أبي ذر قال: دخلت مع عمي على عثمان! إلى إن قال: ثم قام -يعني أبا ذر- فقال اعزموا دنياكم ودعونا وربنا وديننا، وكانوا يقتسمون مال عبد الرحمن بن عوف، وكان عنده كعب، فقال عثمان لكعب: ما تقول فيمن جمع هذا المال فكان يتصدق منه ويعطي في السبل ويفعل ويفعل؟ قال إني لأرجو له خيرا. فغضب أبو ذر ورفع العصا على كعب وقال: وما يدريك يا ابن إليهودية! ليودن صاحب هذا المال يوم القيامة لو كانت عقارب تلسع السويداء من قلبه. وفي الدرجات الرفيعة: روي أنه لما توفي عبد الرحمن بن عوف قال أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا نخاف على عبد الرحمن فيما ترك! فقال كعب: وما تخافون عليه؟ كسب طيبا وأنفق طيبا. فبلغ ذلك أبا ذر رحمة الله عليه، فخرج مغضبا يريد كعبا فمر فلحق عظم بعير فأخذه بيده ثم انطلق يطلب كعبا فقيل لكعب إن أبا ذر يطلبك فخرج هاربا حتى دخل على عثمان يستغيث به وأخبره الخبر فاقبل أبو ذر يقتص الخبر في طلب كعب حتى انتهى إلى دار عثمان فلما دخل قام كعب فجلس خلف عثمان هاربا من أبي ذر رحمه الله فقال أبو ذر ههنه يا ابن إليهودية تزعم أنه لا باس بما ترك عبد الرحمن لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نحو أحد وأنا معه فقال: يا أبا ذر فقلت لبيك يا رسول الله فقال الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا عن يمينه وشماله وفوقه وخلفه وقدامه وقليل ما هم ثم قال يا أبا ذر قلت نعم يا رسول الله بأبي أنت وأمي قال ما سرني إن لي مثل أحد أنفقه في سبيل الله أموت ثم أموت ولا أترك منه قيراطين ثم قال يا أبا ذر أنت تريد الأكثر وأنا أريد الأقل فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريد هذا وأنت تقول يا ابن إليهودية لا باس بما ترك عبد الرحمن بن عوف كذبت وكذب من قال فلم يرد عليه حرفا حتى خرج (وفي حلية الأولياء) بسنده عن عبد الله ابن خراش: رأيت أبا ذر بالربذة في ظلة له سوداء، له امرأة سحماء، وهو جالس على قطعة جوالق فقيل له انك امرؤ ما يبقى لك ولد. فقال: الحمد لله الذي يأخذهم في دار الفناء ويدخرهم في دار البقاء. قالوا يا أبا ذر لو اتخذت امرأة غير هذه؟ قال: لأن أتزوج امرأة تضعني أحب إلي من امرأة ترفعني. فقالوا له لو اتخذت بساطا ألين من هذا، قال اللهم غفرا، خذ مما خولت ما بدا لك وبسنده عن أبي أسماء الرحبي أنه دخل على أبي ذر وهو بالربذة، وعنده امرأة له سوداء شعثة ليس عليها أثر المجاسد والخلوق، قال فقال إلا تنظرون إلى ما تأمرني به هذه السوداء؟ تأمرني إن آتي العراق، فإذا أتيت العراق مالوا علي بدنياهم، وان خليلي عهد إلي إن دون جسر جهنم طريقا ذا دحض ومزلة، وأنا إن نأتي عليه وفي أحمالنا اقتدار، أحرى إن ننجو من إن نأتي عليه ونحن مواقير، وبسنده عن أبي بكر بن المنكدر قال بعث حبيب بن مسلمة
-وهو أمير الشام- إلى أبي ذر بثلاثمائة دينار وقال استعن بها على حاجتك. فقال أبو ذر: ارجع بها إليه، أما وجد أحدا أغر بالله منا، ما لنا إلا ظل نتوارى به، وثلة من غنم تروح علينا، ومولاة لنا تصدقت علينا بخدمتها ثم إني لأتخوف الفضل وبسنده عن محمد بن سيرين. قال: بلغ الحارث -رجلا كان بالشام- من قريش - إن أبا ذر به عوز، فبعث إليه بثلاثمائة دينار. فقال: ما وجد عبد الله تعالى هو أهون عليه مني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من سأل وله أربعون فقد الحف) ولآل أبي ذر أربعون درهما وأربعون شاة (وبسنده) عن أبي ذر قال: كان قوتي على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاعا، فلا أزيد عليه حتى ألقى الله عز وجل (وبسنده) عن أبي ذر قيل له ألا تتخذ ضيعة كما اتخذ فلان وفلان؟ قال وما أصنع بان أكون أميرا، وإنما يكفيني كل يوم شربة ماء -أو لبن- وفي الجمعة قفيز من قمح (وبسنده) عن ثابت إن أبا ذر مر بأبي الدرداء وهو يبني بيتا له. فقال: لقد حملت الصخر على عواتق الرجال؟ فقال: إنما هو بيت ابنيه. فقال له أبو ذر رضي الله تعالى عنه: مثل ذلك، فقال يا أخي لعلك وجدت علي في نفسك من ذلك. قال: لو مررت بك وأنت في عذرة أهلك كان أحب إلي مما رأيتك فيه (وبسنده) عن أبي ذر أنه قال يولدون للموت، ويعمرون للخراب ويحرصون على ما يفنى، ويتركون ما يبقى، إلا حبذا المكروهان الموت والفقر. وبسنده عن أبي ذر أنه قال: في المال ثلاثة شركاء: القدر لا يستأمرك إن يذهب بخيرها أو شرها من هلاك أو موت، والوارث ينتظر إن تضع رأسك ثم يستاقها وأنت ذميم. فإن استطعت إن لا تكون أعجز الثلاثة فلا تكونن فإن الله عز وجل يقول: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا ما تحبون} إلا وان هذا الجمل مما كنت أحب من مالي، فأحببت إن أقدمه لنفسي. وبسنده عن أبي السليل قال: جاءت ابنة أبي ذر وعليها مجنبتا صوف سفعاء الخدين ومعها قفة لها، فمثلت بين يديه وعنده أصحابه فقالت: يا أبتاه زعم الحراثون والزراعون إن أفلسك هذه بهرجة! فقال: يا بنية ضعيها فان أباك أصبح بحمد الله ما يملك من صفراء ولا بيضاء إلا أفلسه هذه. وبسنده عن أبي ذر قال: ذو الدرهمين أشد حسابا من ذي الدرهم. وروى ابن سعد في الطبقات بسنده عن أبي ذر أنه قال: إني لأقربكم مجلسا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة، وذلك إني سمعته يقول: أقربكم مني مجلسا يوم القيامة من خرج من الدنيا كهيأة ما تركته فيها، وانه والله ما منكم من أحد إلا وقد تشبث منها بشيء غيري. وفي البحار عن كتاب الحسين بن سعيد عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتى أبا ذر رجل يبشره بغنم له قد ولدت فقال: يا أبا ذر أبشر فقد ولدت غنمك وكثرت! فقال: ما يسرني كثرتها وما أحب ذلك، فما قل وكفى أحب إلي مما كثر وإلهي! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول على حافتي الصراط يوم القيامة الرحم والأمانة، فإذا مر عليه الوصول للرحم المؤدي للأمانة لم يتكفأ به في النار.
عبادته
روى ابن سعد في الطبقات بسنده عن أبي عثمان النهدي قال رأيت أبا ذر يميد على راحلته وهو مستقبل مطلع الشمس فظننته نائما فدنوت منه فقلت أنائم أنت يا أبا ذر قال لا بل كنت أصلي (وفي حلية الأولياء) بسنده عن محمد بن واسع إن رجلا من البصرة ركب إلى أم ذر بعد وفاة أبي ذر يسألها عن عبادة أبي ذر فقال جئتك لتخبريني عن عبادة أبي ذر قالت كان النهار أجمع خاليا يتفكر. وروى الصدوق في الخصال بسنده عن الصادق عليه السلام قال كان أكثر عبادة أبي ذر التفكر.
شدة خوفه من الله
في حلية الأولياء بسنده عن أبي ذر قال والله لو تعلمون ما أعلم ما انبسطتم إلى نسائكم ولا تقاررتم على فرشكم، والله لوددت إن الله عز وجل خلقني يوم خلقني شجرة تعضد ويؤكل ثمرها. وروى الصدوق في الخصال بسنده عن الصادق عن أبيه عليهما السلام قال: بكى أبو ذر من خشية الله عز وجل حتى اشتكى بصره، فقيل له يا أبا ذر لو دعوت الله إن يشفي بصرك! فقال: إني عنه لمشغول وما هو من أكبر همي! قالوا وما يشغلك عنه؟ قال: العظيمان الجنة والنار. وفي البحار عن كتاب الحسين بن سعيد عن ابن محبوب عن الثمالي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قال: إن أبا ذر عير رجلا على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأمه فقال له: يا ابن السوداء -وكانت أمه سوداء- فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعيره بأمه يا أبا ذر! فلم يزل أبو ذر يمرع وجهه في التراب ورأسه حتى رضي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه.
بعض فتاواه
في حلية الأولياء بسنده عن أبي ذر إن رجلا أتاه فقال: إن مصدقي عثمان ازدادوا علينا أ نغيب عنهم بقدر ما ازدادوا علينا؟ فقال لا قف ما لك وقل ما كان لكم من حق فخذوه، وما كان باطلا فذروه، فما تعدوا عليك جعل في ميزانك يوم القيامة وعلى رأسه فتى من قريش. فقال: أما نهاك أمير المؤمنين عن الفتيا؟ فقال: أرقيب أنت علي، فوالذي نفسي بيده لو وضعتم الصمصمامة ههنا، ثم ظننت إني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل إن تحتزوا لأنفذتها.
موالاته لعليعليه السلام
في كشف الغمة عن أحمد بن مردويه في كتاب المناقب عن محمد بن علي بن رحيم عن الحسن بن الحكم الخيري عن سعد بن عثمان الخزاز عن أبي مريم عن داود بن أبي عوف عن معاوية بن ثعلبة الليثي قال: ألا أحدثك بحديث لم يختلط؟ قلت بلى! قال: مرض أبو ذر فأوصى إلى علي عليه السلام فقال بعض من يعوده لو أوصيت إلى أمير المؤمنين عثمان كان أجمل لوصيتك من علي! قال والله لقد أوصيت إلى أمير المؤمنين حق أمير المؤمنين! والله انه للربيع الذي يسكن إليه ولو قد فارقكم، لقد أنكرتم الناس وأنكرتم الأرض، قال قلت يا أبا ذر أنا لنعلم إن أحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحبهم إليك! قال اجل! قلنا فأيهم أحب إليك؟ قال هذا الشيخ المظلوم المضطهد حقه، يعني علي بن أبي طالب. وفي شرح النهج لابن أبي الحديد عن أبي جعفر الإسكافي قال روى محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده أبي رافع قال أتيت أبا ذر بالربذة أودعه، فلما أردت الانصراف قال لي ولأناس معي: ستكون فتنة فاتقوا الله وعليكم بالشيخ: علي بن أبي طالب فاتبعوه.
بعض أخباره
روى الكليني في روضة الكافي عن شعيب العقرقوفي قلت لأبي عبد الله عليه السلام شيء يروى عن أبي ذر رضي الله عنه أنه كان يقول ثلاث يبغضها الناس وأنا أحبها أحب الموت وأحب الفقر وأحب البلاء. فقال إن هذا ليس على ما ترون إنما عنى بالموت في طاعة الله أحب إلي من الحياة في معصية الله، والبلاء في طاعة الله أحب إلي من الصحة في معصية الله، والفقر في طاعة الله أحب إلي من الغنى في معصية الله.
وروى الكليني في روضة الكافي بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رجل بالمدينة يدخل مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقال: اللهم آنس وحشتي وصل وحدتي وارزقني جليسا صالحا فإذا هو برجل في أقصى المسجد فسلم عليه وقال له من أنت يا عبد الله فقال أنا أبو ذر فقال الرجل الله أكبر الله أكبر فقال أبو ذر ولم تكبر يا عبد الله فقال إني دخلت المسجد فدعوت الله عز وجل إن يؤنس وحشتي وان يصل وحدتي وان يرزقني جليسا صالحا فقال له أبو ذر أنا أحق بالتكبير منك إذا كنت ذلك الجليس فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أنا وأنتم على ترعة يوم القيامة حتى يفرع الناس من الحساب ثم يا عبد الله فقد نهى السلطان عن مجالستي.
وفي لباب الآداب: أورد الإمام أبو الحسن يحيى بن نجاح في كتاب سبل الخيرات إن عثمان بن عفان أرسل إلى أبي ذر الغفاري صبرة فيها نفقة على يد عبد له وقال إن قبلها فأنت حر فأتاه بها فلم يقبلها فقال اقبلها يرحمك الله فان فيها عتقي فقال إن كان فيها عتقك فان فيها رقي وأبي إن يقبلها وروى الحميري في المحاسن بسنده عن الصادق عليه السلام وقال رؤي أبو ذر يسقي حمارا له بالربذة فقال له بعض الناس أما لك يا أبا ذر من يسقي لك هذا الحمار فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما من دابة إلا وهي تسأل كل صباح اللهم ارزقني مليكا صالحا يشبعني من العلف ويرويني من الماء ولا يكلفني فوق طاقتي فأنا أحب إن أسقيه بنفسي.
خبره في غزوة تبوك
روى الحاكم في المستدرك بسنده عن عبد الله بن مسعود قال لما سار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى تبوك جعل لا يزال يتخلف الرجل فيقولون يا رسول الله تخلف فلان فيقول دعوه إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه حتى قيل يا رسول الله تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعوه إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وان يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه فتلوم أبو ذر على بعيره فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره فخرج يتبع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ماشيا ونزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض منازله ونظر ناظر من المسلمين فقال يا رسول الله هذا رجل يمشي على الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كن أبا ذر فلما تأمله القوم قالوا يا رسول الله هو والله أبو ذر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده. وفي تفسير علي بن إبراهيم: كان أبو ذر تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أيام وذلك إن جمله كان أعجف فلحق بعد ثلاثة أيام ووقف عليه جمله في بعض الطريق فتركه وحمل ثيابه على ظهره فلما ارتفع النهار نظر المسلمون إلى شخص مقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كن أبا ذر فقالوا هو أبو ذر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أدركوه بالماء فإنه عطشان فأدركوه بالماء ووافى أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه أداوة فيها ماء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا ذر معك ماء وعطشت فقال نعم يا رسول الله بأبي أنت وأمي انتهيت إلى صخرة وعليها ماء السماء فذقته فإذا هو عذب بارد فقلت لا أشربه حتى يشربه حبيبي رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا ذر رحمك الله تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك وتدخل الجنة وحدك يسعد بك قوم يتولون غسلك وتجهيزك ودفنك (الحديث).
ما روي عنه من الأخبار
في حلية الأولياء بسنده عن أبي ذر قال ليأتين عليكم زمان يغبط الرجل فيه بخفة الحاذ كما يغبط اليوم فيكم أبو عشرة. الحاذ الظهر كني به عن قلة المال والولد. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن المنتصر بن عمارة بن أبي ذر الغفاري عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا اقترب الزمان كثر لبس الطيالسة وكثرت التجارة وكثر المال وعظم رب المال بماله وكثرت الفاحشة وكانت امارة الصبيان وكثر النساء وجار السلطان وطفف في المكيال والميزان ويربي الرجل جرو كلب خير له من إن يربي ولدا له ولا يوقر كبير ولا يرحم صغير ويكثر أولاد الزنا حتى إن الرجل ليغشى المرأة على قارعة الطريق فيقول أمثلهم في ذلك الزمان لو اعتزلتما عن الطريق ويلبسون جلود الضان على قلوب الذئاب أمثلهم في ذلك الزمان المداهن.
ما رواه من المواعظ والحكم
(عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)
في أسد الغابة بسنده عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن جبريل عليه السلام عن الله تبارك وتعالى أنه قال: يا عبادي إني قد حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظلموا يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا الذي أغفر الذنوب ولا أبالي فاستغفروني أغفر لكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي لو إن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم لم ينقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو إن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل منكم لم يزد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو إن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان ما سأل لم ينقص ذلك من ملكي شيئا إلا كما ينقص البحر إن يغمس فيه المحيط غمسة واحدة يا عبادي إنما هي أعمالكم أحفظها عليكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه (وروى) الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خالقوا الناس بأخلاقهم وخالفوهم في أعمالهم. (وبسنده) عن صدقة بن أبي عمران بن حطان قال أتيت أبا ذر فوجدته في المسجد محتبئا بكساء اسود وحده فقلت يا أبا ذر ما هذه الوحدة فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول الوحدة خير من جليس السوء والجليس الصالح خير من الوحدة وإملاء الخير خير من السكوت والسكوت خير من إملاء الشر.
وفي الطبقات الكبير بسنده عن أبي ذر: أوصاني خليلي بسبع امرني بحب المساكين والدنو منهم وأمرني إن انظر إلى من هو دوني ولا انظر إلى من هو فوقي وأمرني إن لا أسأل أحدا شيئا وأمرني إن أصل الرحم وإن اذبرت وأمرني إن أقول الحق وان كان مرا وأمرني إن لا أخاف في الله لومة لائم وأمرني إن أكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن من كنز تحت العرش. وبسنده عن أبي ذر قال إن خليلي عهد إلي إن أي مال ذهب أو فضة أو كي عليه فهو جمر على صاحبه حتى يفرغه في سبيل الله. وبسنده عن أبي ذر أنه قال ليس من وعى ذهبا أو فضة يوكي عليه إلا وهو يتلظى على صاحبه وفي حلية الأولياء بسنده عن أبي ذر إن خليلي صلى الله عليه وآله وسلم عهد إلي أنه أيما ذهب أو فضة أو كئ عليه فهو جمر على صاحبه حتى ينفقه في سبيل الله عز وجل. وبسنده عن أبي ذر: نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم يتلو علي هذه الآية: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب} عن أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا ذر إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم {ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب} فما زال يقولها ويعيدها علي.
وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر
روى الصدوق في الخصال ومعاني الأخبار بسنده عن عتبة بن عمير الليثي عن أبي ذر، ورواه أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء بأسانيده عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر واللفظ بحلية الأولياء قال أبو ذر دخلت المسجد وإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس وحده فجلست إليه فقال "يا أبا ذر إن للمسجد تحية وان تحيته ركعتان فقم فأركعهما" فقال فقمت فركعتهما ثم عدت فجلست إليه فقلت يا رسول الله انك أمرتني بالصلاة فما الصلاة؟ قال "خير موضوع استكثر أو استقل" قلت يا رسول الله فأي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله عز وجل، وجهاد في سبيله" قال قلت يا رسول الله فأي المؤمنين أكملهم إيمانا؟ قال: "أحسنهم خلقا" قال قلت يا رسول الله فأي المؤمنين أسلم؟ قال "من سلم الناس من لسانه ويده" قال: قلت يا رسول الله فأي الهجرة أفضل؟ قال: "من هجر السيئات" قال: قلت يا رسول الله فأي الصلاة أفضل؟ قال "طول القنوت" قال قلت يا رسول الله فما الصيام؟ قال "فرض مجز وعند الله أضعاف كثيرة" قال: قلت يا رسول الله فأي الجهاد أفضل؟ قال "من عقر جواده وأريق دمه" قال: قلت يا رسول الله فأي الرقاب أفضل؟ قال "أغلاها ثمنا وأنفسها عند ربها" قال: قلت يا رسول الله فأي الصدقة أفضل؟ قال: "جهد من مقل يسر إلى فقير" قلت يا رسول الله أوصني! قال "أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله" قلت يا رسول الله زدني! قال "عليك بتلاوة القرآن فان نور لك في الأرض وذكر لك في السماء" قلت يا رسول الله زدني! قال "إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه" قلت يا رسول الله زدني! قال "عليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي" قلت يا رسول الله زدني! قال "أحب المساكين وجالسهم" قلت: يا رسول الله زدني! قال "انظر إلى من تحتك ولا تنظر إلى من فوقك فإنه أجدر إن لا تزدري نعمة الله عندك" قلت زدني يا رسول الله! قال "صل قرابتك وإن قطعوك" قلت يا رسول الله زدني قال "لا تخف في الله تعالى لومة لائم" قلت يا رسول الله زدني قال: "قل الحق وان كان مرا" قلت يا رسول الله زدني، قال: "يردك عن الناس ما تعرف من نفسك، ولا تجد عليهم فيما تأتي، وكفى به عيبا إن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك، أو تجد عليهم فيما تأتي". ثم ضرب بيده على صدري فقال "يا أبا ذر! لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق". وروى الحميري في قرب الإسناد بسنده عن أبي ذر قال: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسبع: أوصاني إن لا انظر إلى من هو فوقي، وأوصاني بحب المساكين والدنو منهم، وأوصاني إن لا أسأل أحدا شيئا، وأوصاني إن أقول الحق وان كان مرا، وأوصاني إن أصل رحمي وان أدبرت، وأوصاني إن لا أخاف في الله لومة لائم، وأوصاني إن استكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنها من كنوز الجنة.
وصية النبي الطويلة أبي ذر
وهذه الوصية رواها الطبرسي في مكارم الأخلاق والشيخ الطوسي في أماليه بإسنادهما إلى أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي عن أبيه، وأوردها ورام في مجموعته مرسلة عن أبي حرب عن أبيه، وقد كرر لفظ يا أبا ذر في أول كل جملة من هذه الوصية ونحن حذفناه اختصارا فليعلم ذلك. قال أبو الأسود الدؤلي: قدمت الربذة فدخلت على أبي ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه فحدثني أبو ذر قال: دخلت ذات يوم في صدر نهاره على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسجده فلم أر في المسجد أحدا من الناس إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي إلى جانبه، فاغتنمت خلوة المسجد فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي أوصني بوصية ينفعني الله بها! فقال نعم وأكرم بك يا أبا ذر انك من أهل البيت واني موصيك بوصية فاحفظها فإنها جامعة لطرق الخير وسبله فإنك إن حفظتها كان لك بها كفل: اعبد الله كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك، واعلم أن أول عبادة الله المعرفة به انه الله الأول قبل كل شيء فلا شيء قبله والفرد فلا ثاني له والباقي لا إلى غاية فاطر السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما من شيء وهو الله اللطيف الخبير وهو على كل شيء قدير، ثم الإيمان به والإقرار بان الله تعالى أرسلني إلى كافة الناس بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه و منيرا، ثم حب أهل بيتي الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، واعلم إن الله عز وجل جعل أهل بيتي في أمتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن رغب عنها غرق ومثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله كان آمنا. أحفظ ما أوصيك به تكن سعيدا في الدنيا والآخرة. نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ. اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك. إياك والتسويف بأملك فإنك بيومك ولست بما بعده فان يكن غد لك فكن في الغد كما كنت في اليوم وان لم يكن غد لك لم تندم على ما فرطت في اليوم، كم مستقبل يوما لا يستكمله ومنتظر غدا لا يبلغه، لو نظرت إلى الأجل ومصيره لا بغضت الأمل وغروره، كن كأنك في الدنيا كعابر سبيل وعد نفسك من أصحاب القبور. إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح وخذ من صحتك قبل سقمك ومن حياتك قبل موتك فإنك لا تدري ما اسمك غدا، إياك إن تدركك الصرعة عند العثرة فلا تقال العثرة ولا تمكن من الرجعة ولا يحمدك من خلفت بما تركت ولا يعذرك من تقدم عليه بما اشتغلت به، كن على عمرك أشح منك على درهمك ودينارك، هل ينتظر أحدكم إلا غنى مطغيا أو فقرا منسيا أو مرضا مفسدا أو هرما منفذا أو موتا محيرا أو الدجال فإنه شر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر، إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة عالم لا ينتفع بعلمه ومن طلب علما ليصرف به وجوه الناس إليه لم يجد ريح الجنة، من ابتغى العلم ليخدع به الناس لم يجد ريح الجنة، إذا سئلت عن علم لا تعلمه فقل لا اعلمه تنج من تبعته ولا تفت بما لا علم لك به تنج من عذاب الله يوم القيامة. يطلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من أهل النار فيقولون ما أدخلكم النار وقد دخلنا الجنة لفضل تأديبكم وتعليمكم فيقولون أنا كنا نأمر بالخير ولا نفعله. إن حقوق الله جل ثناؤه أعظم من إن يقوم بها العباد وان نعم الله أكثر من إن يحصيها العباد ولكن أمسوا وأصبحوا تائبين. إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة والموت يأتي بغتة من يزرع خيرا يوشك إن يحصد خيرا ومن يزرع شرا يوشك إن يحصد ندامة ولكل زارع مثل ما زرع، ولا يسبق بطئ بحظه ولا يدرك حريص ما لم يقدر له، ومن أعطي خيرا فان الله أعطاه ومن وقي شرا فان الله وقاه. المتقون سادة والفقهاء قادة ومجالسهم زيادة، إن المؤمن ليرى ذنبه كأنه تحت صخرة يخاف إن تقع عليه، وان الكافر ليرى ذنبه كأنه ذباب مر على انفه. إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيرا جعل الذنوب بين عينيه ممثلة الإثم عليه ثقيلا وبيلا وإذا أراد بعبد شرا أنساه ذنوبه. لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت، إن نفس المؤمن أشد ارتكاضا من الخطيئة من العصفور حين يقذف به في شركه. من وافق قوله فعله فذاك الذي أصاب حظه، ومن خالف قوله فعله فإنما يوبخ نفسه. إن الرجل ليحرم رزقه بالذنب يصيبه. دع ما لست منه في شيء ولا تنطق فيما لا يعنيك، واخزن لسانك كما تخزن ورقك. إن الله جل ثناؤه ليدخل قوما الجنة فيعطيهم حتى يملوا وفوقهم قوم في الدرجات العلى فإذا نظروا إليهم عرفوهم فيقولون ربنا أخواننا كنا معهم في الدنيا فبم فضلتهم علينا؟ فيقال هيهات هيهات إنهم كانوا يجوعون حين تشبعون ويظمأون حين تروون ويقومون حين تنامون ويشخصون حين تحفظون. جعل الله ثناءه قرة عيني في الصلاة وحبب إلي الصلاة كما حبب إلى الجائع الطعام والى الظمآن الماء وأن الجائع إذا أكل شبع وان الظمآن إذا شرب روي وأنا لا أشبع من الصلاة. أيما رجل تطوع في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة كان له حقا واجبا بيت في الجنة. ما دمت في الصلاة فإنك تقرع باب الملك الجبار ومن يكثر قرع باب الملك يفتح له. ما من مؤمن يقوم مصليا إلا تناثر عليه البر ما بينه وبين العرش ووكل به ملك ينادي: يا بن آدم لو تعلم ما لك في الصلاة ومن تناجي ما انفتلت، طوبى لأصحاب الألوية يوم القيامة يحملونها فيسبقون الناس إلى الجنة إلا وهم السابقون إلى المساجد بالأسحار وغير الأسحار. الصلاة عماد الدين واللسان أكبر. والصدقة تمحو الخطيئة واللسان أكبر والصوم جنة من النار والجهاد نباهة واللسان أكبر. الدرجة في الجنة كما بين السماء والأرض وان العبد ليرفع بصره فيلمع له نور يكاد يخطف بصره فيفزع لذلك فيقول ما هذا فيقال هذا نور أخيك فيقول أخي فلان كنا نعمل جميعا في الدنيا وقد فضل علي هكذا فيقال له انه كان أفضل منك عملا ثم يجعل في قلبه الرضى حتى يرضى. الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر وما أصبح فيها مؤمن إلا حزينا فكيف لا يحزن المؤمن وقد أوعده الله جل ثناؤه انه وارد جهنم ولم يعده أنه صادر عنها وليقين أمراضا ومصيبات وأمورا تغيظه وليظلمن فلا ينتصر يبتغي ثوابا من الله تعالى فما يزال فيها حزينا حتى يفارقها فإذا فارقها أفضى إلى الراحة والكرامة. ما عبد الله عز وجل بمثل طول الحزن. من أوتي من العلم ما لا يبكيه لحقيق إن يكون قد أوتي علم ما لا ينفعه لأن الله نعت العلماء فقال جل وعز:
{إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا}. من استطاع أن يبكي فليبك ومن لم يستطع فليشعر قلبه الحزن وليتباك إن القلب القاسي بعيد من الله تعالى ولكن لا تشعرون. ما من خطيب إلا عرضت عليه خطبته يوم القيامة وما أراد بها. يقول الله تبارك وتعالى: لا اجمع على عبدي خوفين ولا اجمع له آمنين فإذا آمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة وإذا خافني في الدنيا آمنته يوم القيامة. لو إن رجلا كان له كعمل سبعين نبيا لاحتقره وخشي إن لا ينجو من شر يوم القيامة. إن العبد ليعرض عليه ذنوبه يوم القيامة فيمر بذنب من ذنوبه فيقول أما إني كنت مشفقا فيغفر له. إن الرجل يعمل الحسنة فيتكل عليها ويعمل المحقرات حتى يأتي الله عليه وهو عليه غضبان، وإن الرجل ليعمل السيئة فيفرق منها فيأتي الله تعالى عز وجل آمنا يوم القيامة. إن العبد ليذنب فيدخل بذنبه ذلك الجنة، فقلت وكيف ذلك بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال يكون الذنب ذلك نصب عينيه تائبا منه فارا إلى الله عز وجل حتى يدخل الجنة. إن الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله عز وجل الأماني. أول شيء يرفع من هذه الأمة الأمانة والخشوع حتى لا تكاد ترى خاشعا، والذي نفس محمد بيده لو إن الدنيا كانت تعدل عند الله جناح بعوضة أو ذباب ما سقى الكافر والفاجر منها شربة من ماء. الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما ابتغى به وجه الله، ما من شيء أبغض إلى الله تعالى من الدنيا خلقها ثم اعرض عنها فلم ينظر إليها ولا ينظر إليها حتى تقوم الساعة، وما من شيء أحب إلى الله تعالى من إيمان به وترك ما أمر بتركه. إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى أخي عيسىعليه السلام: يا عيسى لا تحب الدنيا فاني لست أحبها وأحب الآخرة فإنما هي دار القرار. إن جبرائيل أتاني بخزائن الدنيا على بغلة شهباء فقال لي يا محمد هذه خزائن الدنيا ولا ينقصك من حظك عند ربك! فقلت يا حبيبي جبرائيل لا حاجة لي فيها إذا شبعت شكرت ربي وإذا جعت سألته. إذا أراد الله عز وجل بعبد خيرا فقهه في الدين وزهده في الدنيا وبصره بعيوب نفسه، ما زهد عبد في الدنيا إلا أثبت الله الحكمة في قلبه وانطق بها لسانه وبصره عيوب الدنيا وداءها ودواءها وأخرجه منها سالما إلى دار السلام. إذا رأيت أخاك قد زهد في الدنيا فاستمع منه فإنه يلقي إليك الحكمة، فقلت يا رسول الله من ازهد الناس؟ قال من لم ينس المقابر والبلى وترك فضل زينة الدنيا وآثر ما يبقى على ما يفنى ولم يعد غدا من أيامه وعد نفسه في الموتى. إن الله تبارك وتعالى لم يوح إلي إن اجمع المال ولكن أوحى إلي إن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين. إني البس الغليظ وأجلس على الأرض والعق أصابعي واركب الحمار بغير سرج وأردف خلفي، فمن رغب عن سنتي فليس مني. حب المال والشرف اذهب لدين الرجل من ذئبين ضاريين في زربة الغنم فأغارا فيها حتى أصبحا فماذا أبقيا منها! قلت يا رسول الله الخائفون الخاضعون المتواضعون الذاكرون الله كثيرا هم يسبقون الناس إلى الجنة فقال لا ولكن فقراء المسلمين فإنهم يتخطون رقاب الناس فيقول لهم خزنة الجنة كما أنتم تحاسبون فيقولون بم نحاسب فوالله ما ملكنا فنجور ونعدل ولا أفيض علينا فنقبض ونبسط، ولكنا عبدنا ربنا حتى دعانا فأجبنا. إن الدنيا مشغلة للقلوب والأبدان وان الله تبارك وتعالى سائلنا عما نعمنا في حلاله فكيف بما نعمنا في حرامه. إني قد دعوت الله جل ثناؤه إن يجعل رزق من يحبني الكفاف وان يعطي من يبغضني كثرة المال والولد. طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة الذين اتخذوا أرض الله بساطا وترابها فراشا وماءها طيبا، واتخذوا كتاب الله شعارا ودعاءه دثارا يقرضون الدنيا قرضا. حرث الآخرة العمل الصالح وحرث الدنيا المال والبنون. إن ربي أخبرني فقال: وعزتي وجلالي ما أدرك العابدون درك البكاء واني لأبني لهم في الرفيق الأعلى قصرا لا يشاركهم فيه أحد، قال قلت يا رسول الله أي المؤمنين أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكرا وأكثرهم له استعدادا. إذا دخل النور القلب انفسح القلب واستوسع، قلت: فما علامة ذلك بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله. اتق الله ولا تر الناس انك تخشى الله فيكرموك وقلبك فاجر. ليكن لك في كل شيء نية حتى في النوم والأكل. ليعظم جلال الله في صدرك فلا تذكره كما يذكره الجاهل عند الكلب اللهم أخزه وعند الخنزير اللهم اخزه إن لله ملائكة قياما من خيفته ما رفعوا رؤوسهم حتى ينفخ في الصور النفخة الآخرة فيقولون جميعا: سبحانك وبحمدك ما عبدناك كما ينبغي لك إن تعبد ولو كان لرجل عمل سبعين نبيا لاستقل عمله من شدة ما يرى يومئذ، ولو إن دلوا صبت من غسلين في مطلع الشمس لغلت منه جماجم من في مغربها، ولو زفرت جهنم زفرة لم يبق ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر جاثيا لركبتيه يقول رب نفسي نفسي حتى ينسى إبراهيم إسحاق عليهما السلام يقول: يا رب أنا خليلك إبراهيم فلا تنسني. لو إن المرأة من نساء أهل الجنة اطلعت من سماء الدنيا في ليلة ظلماء لأضاءت لها الأرض أفضل مما يضيء القمر ليلة البدر، ولوجد ريح نشرها جميع أهل الأرض، ولو إن ثوبا من ثياب أهل الجنة نشر اليوم في الدنيا لصعق من ينظر إليه وما حملته أبصارهم. اخفض صوتك عند الجنائز وعند القتال وعند القرآن. إذا اتبعت جنازة فليكن عقلك فيها التفكر والخشوع واعلم انك لاحق به. اعلم إن كل شيء إذا فسد فالملح دواؤه وإذا فسد الملح فليس له دواء. (قال الشيخ هذا المثل لعلماء السوء) واعلم إن فيكم خصلتين الضحك من غير عجب والكسل من غير سهر. ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه. الحق ثقيل مر والباطل خفيف حلو، ورب شهوة ساعة تورث حزنا طويلا. لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى الناس كلهم في جنب الله تبارك وتعالى أمثال الأباعر ثم يرجع إلى نفسه فيكون هو أحقر حاقر لها. لا تصيب حقيقة الإيمان حتى ترى الناس كلهم حمقى في دينهم عقلاء في دنياهم. حاسب نفسك قبل إن تحاسب فهو أهون لحسابك غدا وزن نفسك قبل إن توزن وتجهز للعرض الأكبر يوم تعرض لا تخفي على الله خافية. استح من الله فإني والذي نفسي بيده لأظل حين اذهب إلى الغائط متقنعا بثوبي استحي من الملكين اللذين معي. أتحب إن تدخل الجنة؟ قلت نعم فداك أبي! قال: فاقصر الأمل واجعل الموت نصب عينيك، واستح من الله حق الحياء، قال: قلت يا رسول الله كلنا نستحي من الله، فقال ليس كذلك الحياء، ولكن الحياء إن لا تنسى المقابر والبلى والجوف وما وعى والرأس وما حوى، ومن أراد كرامة الآخرة فليدع زينة الدنيا فإذا كنت كذلك أصبت ولاية الله. يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح. مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر. إن الله يصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده ويحفظه في دويرته والدور حوله ما دام فيهم. إن ربك عز وجل يباهي الملائكة بثلاثة نفر رجل في ارض قفر فيؤذن ثم يقيم ثم يصلي، فيقول ربك للملائكة: انظروا إلى عبدي يصلي ولا يراه أحد غيري، فينزل سبعين ألف ملك يصلون وراءه ويستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم، ورجل قام من الليل فصلى وحده فسجد ونام وهو ساجد فيقول الله تعالى انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده في طاعتي ساجد، ورجل في زحف يفر أصحابه وثبت وهو يقاتل حتى يقتل. ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له بها يوم القيامة، وما منزل ينزله قوم إلا وأصبح ذلك المنزل يصلي عليهم أو يلعنهم. ما من صباح ولا رواح إلا وبقاع الأرض ينادي بعضها بعضا: يا جارتي هل مر بك ذاكر لله تعالى أو عبد وضع جبهته عليك ساجدا لله، فمن قائلة لا ومن قائلة نعم، فإذا قالت نعم اهتزت وانشرحت وترى إن لها الفضل على جارتها. إن الأرض لتبكي على المؤمن إذا مات أربعين صباحا. إذا كان العبد في ارض قي -يعني قفر- فتوضأ أو تيمم ثم أذن فأقام وصلى أمر الله عز وجل الملائكة فصفوا خلفه صفا لا يري طرفاه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دعائه. من أقام ولم يؤذن لم يصل معه إلا ملكاه اللذان معه. ما من شاب يدع لله الدنيا ولهوها وأهرم شبابه في طاعة الله إلا أعطاه الله اجر اثنين وسبعين صديقا. الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارين. الجليس الصالح خير من الوحدة والوحدة خير من جليس السوء وإملاء الخير خير من السكوت والسكوت خير من إملاء الشر. لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي ولا تأكل طعام الفاسقين أطعم طعامك من تحبه في الله وكل طعام من يحبك في الله عز وجل. إن الله عز وجل عند لسان كل قائل فليتق الله امرؤ وليعلم ما يقول. اترك فضول الكلام، وحسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك. كفى بالمرء كذبا إن يحدث بكل ما يسمع. ما من شيء أحق بطول السجن من اللسان. إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وإكرام حملة القرآن العاملين وإكرام السلطان المقسط. ما عمل من لم يحفظ لسانه. لا يزال العبد يزداد من الله بعدا ما ساء خلقه. الكلمة الطيبة صدقة وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة. من أجاب داعي الله وأحسن عمارة مساجد الله كان ثوابه من الله الجنة، فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله كيف تعمر مساجد الله؟ قال: لا ترفع فيها الأصوات ولا يخاض فيها بالباطل ولا يشترى فيها ولا يباع، واترك اللغو ما دمت فيها، فإن لم تفعل فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك إن الله تعالى يعطيك ما دمت جالسا في المسجد بكل نفس تتنفس فيه درجة في الجنة، وتصلي عليك الملائكة وتكتب لك بكل نفس تنفست فيه عشر حسنات، ويمحى عنك عشر سيئات. أتعلم في أي شيء أنزلت الآية {اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}؟ قلت: لا فداك أبي وأمي! قال في انتظار الصلاة خلف الصلاة (كذا) اسباغ الوضوء في المكارة من الكفارات وكثرة الاختلاف إلى المساجد فذلكم الرباط. يقول الله تبارك وتعالى إن أحب العباد إلي المتحابون بجلالي المتعلقة قلوبهم بالمساجد و المستغفرون بالأسحار أولئك إذا أردت بأهل الأرض عقوبة ذكرتهم فصرفت العقوبة عنهم. كل جلوس في المسجد لغو إلا ثلاثة: قراءة مصل أو ذاكر لله أو سائل عن علم. كن بالعمل بالتقوى أشد اهتماما منك بالعمل فإنه لا يقبل عملا إلا بالتقوى، وكيف تقل عمل يتقبل يقول الله عز وجل إنما يتقبل الله من المتقين. لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه فيعلم من أين مطعمه ومن أين مشربه ومن أين ملبسه امن حل ذلك أم من حرام. من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله عز وجل من أين ادخله النار. من سره إن يكون أكرم الناس فليثق الله عز وجل. إن أحبكم إلى الله جل ثناؤه أكثركم ذكرا له و أكرمكم عند الله عز وجل أتقاكم له وأنجاكم من عذاب الله أشدكم له خوفا. إن المتقين الذين يتقون الله عز وجل من الشيء الذي لا يتقى منه خوفا من الدخول في الشبهة. من أطاع الله عز وجل فقد ذكر الله وان قلت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن. أصل الدين الورع ورأسه الطاعة. كن ورعا تكن اعبد الناس وخير دينكم الورع. فضل العلم خير من فضل العبادة واعلم أنكم لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا وصمتم حتى تكونوا كالأوتار ما ينفعكم إلا بورع. إن أهل الورع والزهد في الدنيا هم أولياء الله حقا. من لم يأت يوم القيامة بثلاث فقد خسر قلت وما الثلاث فداك أبي وأمي قال ورع يحجزه عن ما حرم الله عز وجل عليه وحلم يرد به جهل السفيه وخلق يداري به الناس. إن سرك إن تكون أقوى الناس فتوكل على الله وان سرك إن تكون أكرم الناس فاتق الله وان سرك إن تكون أغنى الناس فكن بما في يد الله عز وجل أوثق منك بما في يديك. لو إن الناس كلهم أخذوا بهذه الآية لكفتهم ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره. يقول الله جل ثناؤه وعزتي وجلالي لا يؤثر عبدي هواي على هواه إلا جعلت غناه في نفسه وهمومه في آخرته وضمنت السماوات والأرض رزقه وكففت عليه ضيعة (كذا) وكنت له من وراء تجارة كل تاجر. لو إن ابن آدم فر من رزقه كما يفر من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت. إلا أعلمك كلمات ينفعك الله عز وجل بهن؟ قلت بلى يا رسول الله! قال احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فأسأل الله عز وجل وإذا استعنت فاستعن بالله فقد جرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة فلو إن الخلق كلهم جهدوا إن ينفعوك بشيء لم يكتب لك ما قدروا عليه، ولو جهدوا إن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك ما قدروا عليه، فان استطعت إن تعمل لله عز وجل بالرضى واليقين فافعل وان لم تستطع فان في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا، وان النصر مع الصبر والفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا. استغن بغنى الله يغنك الله، فقلت ما هو يا رسول الله؟ قال غداء يوم وعشاء ليلة فمن قنع بما رزقه الله فهو أغنى الناس. إن الله عز وجل يقول: إني لست كلام الحكيم أتقبل ولكن همه وهواه فإن كان همه وهواه فيما أحب وأرضى جعلت صمته حمدا لي ووقارا وان لم يتكلم. إن الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. التقوى ههنا التقوى ههنا
- وأشار إلى صدره. أربع لا يصيبهن إلا مؤمن: الصمت وهو أول العبادة، والتواضع لله سبحانه، وذكر الله تعالى على كل حال، وقلة الشيء - يعني قلة المال - هم بالحسنة وان لم تعملها لكي لا تكتب من الغافلين. من ملك ما بين فخذيه وبين لحييه دخل الجنة، قلت: يا رسول الله أنا لنؤخذ بما تنطق به ألسنتنا! فقال وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصايد ألسنتهم، انك لا تزال سالما ما سكت فإذا تكلمت كتب لك أو عليك. إن الرجل يتكلم بالكلمة في المجلس ليضحكهم بها فيهوي في جهنم ما بين السماء والأرض. ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له. من صمت نجا فعليك بالصدق ولا تخرجن من فيك كذبة أبدا، قلت يا رسول الله فما توبة الرجل الذي يكذب متعمدا؟ فقال: الاستغفار وصلاة الخمس تغسل ذلك. أيا والغيبة فان الغيبة أشد من الزنا، قلت يا رسول الله ولم ذاك بأبي أنت وأمي؟ قال لأن الرجل يزني فيتوب إلى الله فيتوب الله عليه، والغيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها. سباب المسلم فسوق وقتاله كفر واكل لحمه من معاصي الله وحرمة ماله كحرمة دمه، قلت يا رسول الله وما الغيبة؟ قال ذكرك أخاك بما يكره! قلت يا رسول الله فإن كان فيه ذاك الذي يذكر به؟ قال اعلم انك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته وإذا ذكرته بما ليس فيه بهته. من ذب عن أخيه المسلم الغيبة كان حقا على الله عز وجل إن يعتقه من النار. من اغتيب عنده أخوه المسلم وهو يستطيع نصره فنصره نصره الله عز وجل في الدنيا والآخرة، فان خذله -وهو يستطيع نصره- خذله الله في الدنيا والآخرة. لا يدخل الجنة قتات، قلت وما القتات قال النمام. صاحب النميمة لا يستريح من عذاب الله عز وجل في الآخرة. من كان ذا وجهين ولسانين في الدنيا فهو ذو لسانين في النار. المجالس بالأمانة وإفشاء سر أخيك خيانة فاجتنب ذلك واجتنب مجلس العشيرة (الشعيرة). تعرض أعمال أهل الدنيا على الله من الجمعة إلى الجمعة في يوم الاثنين والخميس فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا كان بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا عمل هذين حتى يصطلحا. أيا وهجران أخيك فان العمل لا يتقبل مع الهجران. أنهاك عن الهجران وان كنت لا بد فاعلا فلا تهجره ثلاثة أيام كملا فمن مات فيها مهاجرا لأخيه كانت النار أولى به. من أحب إن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار. ومن مات وفي قلبه مثقال ذرة من كبر لم يجد رائحة الجنة إلا إن يتوب قبل ذلك، فقال رجل: يا رسول الله إني ليعجبني الجمال حتى وددت إن علاقة سوطي وقبال نعلي حسن فهل يرهب علي ذلك؟ قال كيف تجد قلبك؟ قال أجده عارفا للحق مطمئنا إليه، قال: ليس ذلك بالكبر، ولكن الكبر إن تترك الحق وتتجاوزه إلى غيره وتنظر إلى الناس ولا ترى إن أحدا عرضه كعرضك ولا دمه كدمك. أكثر من يدخل النار المستكبرون، فقال رجل وهل ينجو من الكبر أحد يا رسول الله؟ قال نعم من لبس الصوب وركب الحمار وحلب العنز وجالس المساكين. ومن حمل بضاعته فقد بريء من الكبر -يعني ما يشتري من السوق-. من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله عز وجل إليه يوم القيامة. من كان له قميصان فليلبس أحدهما وليكس الآخر أخاه. سيكون ناس من أمتي يولدون في النعيم ويغذون به همتهم ألوان الطعام والشراب ويمدحون بالقول أولئك شرار أمتي. من ترك لبس الجمال وهو يقدر عليه تواضعا لله عز وجل فقد لبس حلة الكرامة. طوبى لمن تواضع لله تعالى في غير منقصة وأذل نفسه في غير مسكنة وانفق مالا جمعه في غير معصية ورحم أهل الذل والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة، طوبى لمن صلحت سريرته وحسنت علانيته وعزل عن الناس شره، طوبى لمن عمل بعمله وانفق الفضل من ماله وامسك الفضل من قوله. البس الخشن من اللباس والصفيق من الثياب لئلا يجد الفخر فيك مسلكا. يكون في أخر الزمان قوم يلبسون الصوف صيفهم وشتاءهم يرون إن لهم الفضل بذلك على غيرهم أولئك يلعنهم ملائكة السماوات والأرض. إلا أخبرك بأهل الجنة؟ قلت بلى يا رسول الله قال كل أشعث اغبر ذي طمرين لا يؤبه به لو اقسم على الله لأبره.
مواعظه وحكمه
في حلية الأولياء بسنده عن أبي ذر أنه قال: من أراد الجنة فليصمد صمدها (وبسنده) عن أبي ذر هل ترى الناس ما أكثرهم ما فيهم خير إلا تقي أو تائب. (وبسنده) إن رجلا رأى أبا ذر وهو يتبوأ مكانا فقال له ما تريد يا أبا ذر فقال اطلب موضعا أنام فيه نفسي هذه مطيتي إن لم أرفق بها لم تبلغني (ومن مواعظه) ما في حلية الأولياء والدرجات الرفيعة وبينهما شيء من التفاوت ونحن نجمع بين لفظي الروايتين فنذكر ما في الحلية ونزيد عليه ما في الدرجات وما لا يمكن جمعه نذكره في الحاشية (ففي الحلية) بسنده المتصل إلى سفيان الثوري قال قام أبو ذر الغفاري عند الكعبة فقال (وفي الدرجات الرفيعة) روي عن أبي جعفر عليه السلام قال قام أبو ذر بباب الكعبة فقال أيها الناس أنا جندب بن جنادة الغفاري هلموا إلى الأخ الناصح الشفيق فاكتنفه الناس (فقالوا دعوتنا فانصح لنا) فقال أرأيتم لو إن أحدكم أراد سفرا أليس يتخذ من الزاد ما يصلحه ويبلغه قالوا بلى، قال فسفر طريق القيامة ابعد ما تريدون فما بالكم لا تتزودون له ما يصلحكم فيه قالوا وما يصلحنا (1) قال حجوا حجة (2) لعظام الأمور صوموا يوما شديدا حره لطول يوم النشور (3) صلوا (4) ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور (5) كلمة خير تقولها أو كلمة سوء تسكت عنها لوقوف يوم عظيم تصدق بما لك لعلك تنجو من عسيرها اجعل الدنيا مجلسين مجلسا في طلب الآخرة ومجلسا في طلب الحلال والثالث يضرك ولا ينفعك لا تريده (6) {واجعل الكلام كلمتين كلمة للآخرة وكلمة في التماس الحلال والثالثة تضرك} اجعل المال درهمين درهما تنفقه على عيالك من حله ودرهما تقدمه لآخرتك والثالث يضرك ولا ينفعك لا تريده (واجعل الدنيا ساعة من ساعتين ساعة مضت بما فيها فلست قادرا على ردها وساعة آتية لست على ثقة من إدراكها والساعة التي أنت فيها ساعة عملك فاجتهد فيها لنفسك واصبر فيها عن معاصي ربك فإن لم تفعل فقد هلكت) ثم نادى بأعلى صوته يا أيها الناس قد قتلكم حرص لا تدركونه (وفي رواية الدرجات) قتلني هم يوم لا أدركه اه) وفي الدرجات الرفيعة: (روي أنه قال قتلني هم يوم لا أدركه قيل وكيف ذلك يا أبا ذر قال إن أملي جاوز أجلي). قال وعن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام أنه قال في خطبة أبي ذر رضي الله عنه يا مبتغي العلم لا يشغلك أهل ومال عن نفسك أنت يوم تفارقهم كضيف بت فيهم ثم غدوت إلى غيرهم. الدنيا والآخرة كمنزل تحولت منه إلى غيره وما بين البعث والموت إلا كنومة نمتها ثم استيقظت منها يا جاهل العلم تعلم العلم فان قلبا ليس فيه شرف العلم كالبيت الخراب الذي لا عامر له (قال) وعن أبي جعفر عليه السلام عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال يا باغي العلم قدم لمقامك بين يدي الله فإنك مرتهن بعملك كما تدين تدان يا باغي العلم صل قبل إن لا تقدر على ليل ولا نهار تصلي فيه إنما مثل الصلاة لصاحبها كمثل رجل دخل على ذي سلطان فانصت له حتى فرغ من حاجته وكذلك المرء المسلم بإذن الله عز وجل ما دام في الصلاة لم يزل الله عز و جل ينظر إليه حتى يفرغ من صلاته يا باغي العلم تصدق من قبل إن لا تعطى شيئا ولا جمعه إنما مثل الصدقة وصاحبها مثل رجل طلبه قوم بدم فقال لهم لا تقتلوني اضربوا لي أجلا أسعى في رجالكم كذلك المرء المسلم بإذن الله تعالى كلما تصدق بصدقة حل بها عقدة من رقبته حتى يتوفى الله عز وجل أقواما وهو عنهم راض ومن رضي الله عز وجل عنه فقد امن من النار يا باغي العلم إن هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شر فاختم على فمك كما تختم على ذهنك وعلى ورقك يا باغي العلم إن هذه الأمثال ضربها الله عز وجل للناس وما يعقلها إلا العالمون (وفي حلية الأولياء) بسنده كان أبو ذر يقول يا أيها الناس إني لكم ناصح، إني عليكم شفيق، صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور، صوموا في الدنيا لحر يوم النشور، تصدقوا مخافة يوم عسير. يا أيها الناس إني لكم ناصح، إني عليكم شفيق (وفي الدرجات) من كلام أبي ذر: الدنيا ثلاث ساعات ساعة مضت، وساعة أنت فيها، وساعة لا تدري أتدركها أم لا فلست تملك بالحقيقة إلا ساعة واحدة إذ الموت من ساعة إلى ساعة، وروى الكليني في الكافي بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان أبو ذر يقول في خطبته يا مبتغي العلم كأن شيئا من الدنيا لم يكن شيئا إلا ما ينفع خيره ويضر شره إلا من رحم الله يا مبتغي العلم لا يشغلك أهل ولا مال عن نفسك أنت يوم تفارقهم كضيف بت فيهم ثم غدوت عنهم إلى غيرهم و الدنيا والآخرة كمنزل تحولت منه إلى غيره وما بين الموت والبعث إلا كنومة نمتها ثم استيقظت منها يا مبتغي العلم قدم لمقامك بين يدي الله عز وجل فإنك مثاب بعملك كما تدين تدان يا مبتغي العلم (وبسنده) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء رجل إلى أبي ذر فقال يا أبا ذر ما لنا نكره الموت؟ فقال: لأنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة فتكرهون إن تنتقلوا من عمران إلى خراب! فقال له: كيف ترى قدومنا على الله؟ فقال أما المحسن منكم فكالغائب يقدم على أهله و أما المسيء فكالآبق يرد على مولاه! قال: فكيف ترى حالنا عند الله؟ قال اعرضوا أعمالكم على الكتاب، إن الله يقول {إن الأبرار لفي نعيم، وان الفجار لفي جحيم} قال فقال الرجل: فأين رحمة الله؟ قال رحمة الله قريب من المحسنين. قال أبو عبد الله عليه السلام: وكتب رجل إلى أبي ذر رضي الله عنه يا أبا ذر أطرفني بشيء من العلم فكتب إليه: إن العلم كثير ولكن إن قدرت على إن لا تسئ إلى من تحبه فافعل! فقال له الرجل: وهل رأيت أحدا يسئ إلى من يحبه؟ فقال: نعم نفسك أحب الأنفس إليك فان أنت عصيت الله فقد أسأت إليها. وروى الشيخ في الأمالي بإسناده انه قيل لأبي ذر: كيف أصبحت يا صاحب رسول الله؟ قال أصبحت بين نعمتين بين ذنب مستور وثناء من اغتر به فهو مغرور. وفي كتاب البخلاء: قال أبو ذر لمن بذل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يخضمون ونقضم والموعد الله إن الله قد فضلك فجعلك إنسانا فلا تجعل نفسك بهيو لا سبعا، واحذر سرعة الكظة وسرف البطنة.
كلامه لما مات ابنه
روى الكليني في الكافي بسنده عن علي بن إبراهيم رفعه قال: لما مات ذر بن أبي ذر مسح أبو ذر القبر بيده ثم قال: رحمك الله يا ذر والله إن كنت بي بارا ولقد قبضت واني عنك لراض، أما والله ما بي فقدك وما علي من غضاضة، وما لي إلى سوى الله من حاجة، ولولا هول المطلع لسرني إن أكون مكانك، ولقد شغلني الحذر لك عن الحذر عليك، والله ما بكيت لك، ولكن بكيت عليك، فليت شعري ما ذا قلت وما ذا قيل لك. ثم قال: اللهم إني قد وهبت له ما افترضت عليه من حقي فهب له ما افترضت عليه من حقك، فأنت أحق بالحق مني. ورواه علي بن إبراهيم في تفسيره نحوه فقاله لما سير أبو ذر إلى الربذة مات بها ابنه ذر، فوقف على قبره فقال: رحمك الله يا ذر لقد كنت كريم الخلق بارا بالوالدين وما علي في موتك من غضاضة، وما بي إلى غير الله من حاجة، وقد شغلني الاهتمام لك عن الاغتمام بك، ولولا هول المطلع لأحببت إن أكون مكانك، فليت شعري ما قالوا لك وما قلت لهم. ثم قال: اللهم انك فرضت لك عليه حقوقا وفرضت لي عليه حقوقا، فاني قد وهبت له ما فرضت عليه من حقوقي فهب له ما فرضت عليه من حقوقك فإنك أولى بالحق وأكرم (والكرم) مني.
نفيه إلى الشام
قال الحاكم في المستدرك: محنة أبي ذر. قد صحت الرواية من أوجه عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم العلماء ثم الأمثل فالأمثل. ثم روى الحاكم بسنده عن أبي عثمان النهدي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا ذر كيف أنت إذا كنت في حثالة وشبك بين أصابعه؟ قلت يا رسول الله فما تأمرني؟ قال: اصبر اصبر اصبر، خالقوا الناس بأخلاقهم وخالفوهم في أعمالهم -هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه-. وروى أبو نعيم في حلية الأولياء بسنده عن أبي ذر قال: بينا أنا واقف مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي: يا أبا ذر أنت رجل صالح وسيصيبك بلاء بعدي، فقلت في الله؟ إن بني أمية تهددني بالفقر والقتل، ولبطن الأرض أحب إلي من ظهرها وللفقر أحب إلي من الغنى فقال له رجل: يا أبا ذر ما لك إذا جلست إلى قوم قاموا وتركوك؟ قال: لأني أنهاهم عن الكنوز. وقد مضى في بعض الكلمات إن أبا ذر خرج إلى الشام بعد وفاة أبي بكر، وليس ذلك بصواب وما كان أبو ذر ليترك المدينة مهاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومسجده ومجاورة قبره اختيارا ويذهب إلى الشام فيجاور بني أمية، وإنما خرج إلى الشام منفيا. قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: اعلم إن الذي عليه أكثر أرباب السيرة وعلماء الأخبار والنقل إن عثمان نفى أبا ذر أولا إلى الشام ثم استقدمه إلى المدينة لما شكى منه معاوية، ثم نفاه من المدينة إلى الربذة لما عمل بالمدينة نظير ما كان يعمل بالشام.
سبب نفيه إلى الشام
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: واصل هذه الواقعة إن عثمان لما أعطى مروان بن الحكم وغيره بيوت الأموال، واختص زيد بن ثابت بشيء منها جعل أبو ذر يقول بين الناس وفي الطرقات والشوارع {بشر الكافرين بعذاب اليم} ويرفع بذلك صوته، ويتلو قوله تعالى {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم}. فرفع ذلك إلى عثمان مرارا وهو ساكت، ثم إنه أرسل إليه مولى من مواليه إن انته عما بلغني عنك! فقال أبو ذر: أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله تعالى وعيب من ترك أمر الله تعالى فو الله لأن ارضي الله بسخط عثمان أحب إلي وخير لي من إن أسخط الله برضى عثمان، فاغضب عثمان ذلك واحفظه فتصابر وتماسك، إلى إن قال عثمان يوما والناس حوله: أيجوز للامام إن يأخذ من المال شيئا قرضا فإذا أيسر قضى؟ فقال كعب الأحبار: لا باس بذلك، فقال أبو ذر: يا ابن اليهوديين أتقلمنا ديننا! فقال عثمان قد كثر أذاك وتولعك بأصحابي الحق بالشام، فأخرجه إليها فكان أبو ذر ينكر على معاوية أشياء يفعلها، فبعث إليه معاوية يوما ثلاثمائة دينار، فقال أبو ذر لرسوله: إن كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا اقبلها، وان كانت صلة فلا حاجة لي فيها، وردها عليه. ثم بنى معاوية الخضراء بدمشق، فقال أبو ذر: يا معاوية إن كانت هذه من مال الله فهي الخيانة، وان كانت من مالك فهي الإسراف، وكان أبو ذر يقول بالشام: والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها والله ما هي في كتاب الله ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم إني لأرى حقا يطفأ وباطلا يحيا وصادقا مكذبا وأثرة بغير تقى وصالحا مستأثرا عليه. فقال حبيب بن مسلمة الفهري لمعاوية: إن أبا ذر لمفسد عليكم الشام فتدارك أهله إن كان لك فيه حاجة. قال وروى شيخنا أبو عثمان الجاحظ في كتاب السفيانية عن جلام بن جندل الغفاري قال: كنت عاملا لمعاوية على قنسرين والعواصم في خلافة عثمان فجئت إليه يوما أسأل ه عن حال عملي إذ سمعت صارخا على باب داره يقول: أتتكم القطار بحمل النار اللهم العن الآمرين بالمعروف التاركين له، اللهم العن الناهين عن المنكر المرتكبين له: فازبار معاوية وتغير لونه وقال: يا جلام أتعرف الصارخ من هو؟ فقلت اللهم لا! قال من عذيري من جندب بن جنادة يأتينا كل يوم فيصرخ على باب قصرنا بما سمعت، ثم قال أدخلوه علي فجئ بأبي ذر بين قوم يقودونه حتى وقف بين يديه، فقال له معاوية يا عدو الله وعدو رسوله أتأتينا في كل يوم فتصنع ما تصنع، أما إني لو كنت قاتل رجل من أصحاب محمد من غير إذن أمير المؤمنين عثمان لقتلتك، ولكني استأذن فيك. قال جلام: وكنت أحب إن أرى أبا ذر لأنه رجل من قومي، فالتفت إليه فإذا رجل أسمر ضرب من الرجال خفيف العارضين في ظهره حناء، فاقبل على معاوية وقال ما أنا بعدو لله ولا لرسوله بل أنت وأبوك عدوان لله ولرسوله أظهرتما الإسلام وأبطنتما الكفر ولقد لعنك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودعا عليك مرات إن لا تشبع، فقال معاوية ما أنا ذلك الرجل، فقال أبو ذر بل أنت ذلك الرجل، أخبرني بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسمعته يقول وقد مررت به اللهم العنه ولا تشبعه إلا بالتراب، فأمر معاوية بحبسه. وروى المفيد في المجالس عن علي بن بلال عن علي بن عبد الله الأصفهاني عن الثقفي عن محمد بن علي عن الحسين بن سفيان عن أبيه عن أبي جهضم الأزدي عن أبيه -وكان من أهل الشام- قال: لما سير عثمان أبا ذر من المدينة إلى الشام كان يقص علينا فيحمد الله ويشهد شهادة الحق ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقول: أما بعد فانا كنا في جاهليتنا قبل إن ينزل علينا الكتاب ويبعث فينا الرسول ونحن نوفي بالعهد ونصدق الحديث ونحسن الجوار ونقري الضيف ونواسي الفقير، فلما بعث الله تعالى فينا رسول الله وانزل علينا كتابه كانت تلك الأخلاق يرضاها الله ورسوله، وكان أحق بها أهل الإسلام وأولى إن يحفظوها، فلبثوا بذلك ما شاء الله إن يلبثوا، ثم إن الولاة قد أحدثوا أعمالا قباحا لا نعرفها: من سنة تطفئ وبدعة تحيى وقائل بحق مكذب وأثرة لغير تقى وأمين مستأثر عليه من الصالحين، اللهم إن كان ما عندك خيرا لي فاقبضني إليك غير مبدل ولا مغير. وكان يعيد هذا الكلام ويبديه، فأتى حبيب بن مسلمة معاوية بن أبي سفيان فقال: إن أبا ذر يفسد عليك الناس بقوله كيت وكيت. فكتب معاوية إلى عثمان بذلك فكتب عثمان أخرجه إلي، فلما صار إلى المدينة نفاه إلى الربذة. وعن المجالس أيضا بهذا الإسناد عن أبي جهضم عن أبيه قال: لما اخرج عثمان أبا ذر الغفاري من المدينة إلى الشام كان يقوم في كل يوم فيعظ الناس ويأمرهم بالتمسك بطاعة الله ويحذرهم من ارتكاب معاصيه، ويروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما سمعه منه في فضائل أهل بيته عليه وعليهم السلام ويحضهم على التمسك بعترته: فكتب معاوية إلى عثمان: أما بعد فان أبا ذر يصبح إذا أصبح ويمسي إذا أمسى وجماعة من الناس كثيرة عنده فيقول كيت وكيت فإن كان لك حاجة في الناس قبلي فأقدم أبا ذر إليك فاني أخاف أن يفسد الناس عليك والسلام. فكتب إليه عثمان: أما بعد فاشخص إلي أبا ذر حين تنظر في كتابي هذا والسلام. فبعث معاوية إلى أبي ذر فدعاه واقرأه كتاب عثمان وقال له: النجاء الساعة. فخرج أبو ذر إلى راحلته فشدها بكورها وانساعها، فاجتمع إليه الناس فقالوا يا أبا ذر رحمك الله أين تريد؟ قال أخرجوني إليكم غضبا علي، وأخرجوني منكم إليهم الآن عيثا بي ولا يزال هذا الأمر فيما أرى شانهم فيما بيني وبينهم حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر ومضى وسمع الناس بمخرجه فاتبعوه حتى خرج من دمشق فساروا معه حتى انتهى إلى دير المران فنزل ونزل معه الناس فاستقدم فصلى بهم، ثم قال أيها الناس إني موصيكم بما ينفعكم وتارك الخطب والتشقيق أحمدوا الله عز وجل، قالوا الحمد لله، قال أشهد إن لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله فأجابوه بمثل ما قال فقال أشهد إن البعث حق وان الجنة حق وان النار حق وأقر بما جاء من عند الله واشهدوا علي بذلك، قالوا نحن على ذلك من الشاهدين قال ليبشر من مات منكم على هذه الخصال برحمة الله وكرامته ما لم يكن للمجرمين ظهيرا أو لأعمال الظلمة مصلحا أو لهم معينا أيها الناس اجمعوا مع صلاتكم وصومكم غضبا لله عز وجل إذا عصي في الأرض ولا ترضوا أئمتكم بسخط الله وان أحدثوا ما لا تعرفون فجانبوهم وازروا عليهم وان عذبتم وحرمتم وسيرتم حتى يرضى الله عز وجل فان الله أعلى وأجل لا ينبغي إن يسخط برضى المخلوقين غفر الله لي ولكم استودعكم الله واقرأ عليكم السلام ورحمة الله، فناداه الناس إن سلم الله عليك ورحمك يا أبا ذر يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا نردك إن كان هؤلاء القوم أخرجوك إلا نمنعك؟ فقال لهم: ارجعوا رحمكم الله فاني أصبر منكم على البلوى وإياكم والفرقة والاختلاف. فمضى حتى دخل على عثمان فلما دخل عليه قال له: لأقرب الله بعمرو عينا! فقال أبو ذر والله ما سماني أبواي عمرا، ولكن لا قرب الله من عصاه وخالف أمره وارتكب هواه! فقام إليه كعب الأحبار فقال له إلا تتقي الله يا شيخ تجبه أمير المؤمنين بهذا الكلام! فرفع أبو ذر عصا كانت في يده فضرب بها رأس كعب ثم قال له: يا ابن اليهوديين ما كلامك مع المسلمين فو الله ما خرجت اليهودية من قلبك بعد! فقال عثمان والله لا جمعتني وإياك دار قد خرفت وذهب عقلك، أخرجوه من بين يدي حتى تركبوه قتب ناقة بغير وطاء ثم انجوا به وتعتعوه حتى توصلوه الربذة فتنزلوه بها من غير أنيس حتى يقضي الله فيه ما هو قاض. فأخرجوه متعتعا ملهوزا بالعصا، وتقدم إن لا يشيعه أحد من الناس، فبلغ ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فبكى حتى بل لحيته بدموعه ثم قال: أهكذا يصنع بصاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا لله وأنا إليه راجعون، ثم نهض ومعه الحسن والحسين عليهما السلام وعبد الله بن عباس والفضل وقثم وعبيد الله حتى لحقوا أبا ذر فشيعوه، فلما بصر بهم أبو ذر رحمه الله حن إليهم وبكى عليهم وقال: بأبي وجوه إذا رأيتها ذكرت بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشملتني البركة برؤيتها ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إني أحبهم ولو قطعت إربا إربا في محبتهم ما زلت عنها ابتغاء وجهك والدار الآخرة، فارجعوا رحمكم الله والله أسأل إن يخلفني فيكم أحسن الخلافة. فودعه القوم ورجعوا وهم يبكون على فراقه. وفي الطبقات الكبير لمحمد بن سعد بسنده عن الأحنف بن قيس قال أتيت المدينة ثم أتيت الشام فجمعت فإذا أنا برجل لا ينتهي إلى سارية إلا خر أهلها. يصلي ويخف صلاته، فجلست إليه فقلت له يا عبد الله من أنت؟ قال أنا أبو ذر فأنت من أنت؟ قلت أنا الأحنف بن قيس! قال قم عني لا أعدك بشر! فقلت له: كيف تعدني بشر؟ قال: إن هذا - يعني معاوية - نادى مناديه إن لا يجالسني أحد. ومن المشهور إن تشيع أهل جبل عامل كان على يد أبي ذر وانه لما نفي إلى الشام وكان يقول في دمشق ما يقول أخرجه معاوية إلى قرى الشام فجعل ينشر فيها فضائل أهل البيت عليهما السلام، فتشيع أهل تلك الجبال على يده، فلما علم معاوية بذلك أعاده إلى دمشق ثم نفي إلى المدينة، وهذا وان لم يرد به خبر مسند لكنه قريب غير مستبعد ويؤيده وجود مسجدين في جبل عامل يسمى كل منهما مسجد أبي ذر أحدهما في ميس والآخر في الصرفند، والله أعلم.
نفيه من الشام إلى المدينة
قال الطبري في تاريخه في حوادث سنة 30 فيها كان ما ذكر من خبر أبي ذر ومعاوية وأشخاص معاوية إياه من الشام إلى المدينة وقد ذكر في سبب أشخاصه إياه أمور كثيرة كرهت ذكر أكثرها وقال ابن أبي الحديد في تتمة كلامه السابق المحكي عن الجاحظ وأمر معاوية بحبسه: وكتب إلى عثمان فيه فكتب عثمان إلى معاوية إن احمل جندبا إلي على أغلظ مركب وأوعره فوجه به مع من سار به الليل والنهار وحمله على شارف ليس عليها إلا قتب حتى قدم به المدينة وقد سقط لحم فخذيه من الجهد فلما قدم بعث إليه عثمان: الحق بأي أرض شئت قال بمكة، قال لا! قال ببيت المقدس! قال لا! قال: بأحد المصرين قال لا، ولكني مسيرك إلى ربذة. فسيره إليها فلم يزل بها حتى مات. قال وفي رواية الواقدي إن أبا ذر لما دخل على عثمان قال له:
لا أنعم الله بقين عينا | نعم ولا لقاه يوما زينا |
فقال أبو ذر ما عرفت اسمي قينا قط. قال وفي رواية أخرى: لا أنعم الله بك عينا يا جنيدب! فقال أبو ذر أنا جندب وسماني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله فاخترت اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي سماني به على اسمي، فقال له عثمان: أنت الذي تزعم أنا نقول "يد الله مغلولة وان الله فقير ونحن أغنياء" فقال أبو ذر لو كنتم لا تقولون هذا لأنفقتم مال الله على عباده، ولكني أشهد إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا وعباده خولا ودينه دخلا، فقال عثمان لمن حضر أسمعتموها من رسول الله؟ قالوا لا! قال عثمان: ويلك يا أبا ذر أتكذب على رسول الله؟ فقال أبو ذر لمن حضر: أما تدرون إني صدقت؟ قالوا: لا والله ما ندري! فقال عثمان ادعوا لي عليا فلما جاء قال عثمان لأبي ذر أقصص عليه حديثك في بني أبي العاص، فأعاده، فقال عثمان لعلي عليه السلام أسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال لا وقد صدق أبو ذر! فقال كيف عرفت صدقه؟ قال لاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر! فقال من حضر أما هذا فسمعناه كلنا من رسول الله، فقال أبو ذر: أحدثكم إني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتتهمونني ما كنت أظن إني أعيش حتى أسمع هذا من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم. قال وروى الواقدي في خبر أخر بإسناده عن صهبان مولى الأسلميين قال: رأيت أبا ذر يوم دخل به على عثمان، فقال له: أنت الذي فعلت وفعلت؟ فقال أبو ذر نصحتك فاستغششتني ونصحت صاحبك فاستغشني! قال عثمان كذبت ولكنك تريد الفتنة وتحبها قد أنغلت الشام علينا، فقال له أبو ذر اتبع سنة صاحبيك لا يكن لأحد عليك كلام فقال عثمان ما لك وذلك لا أم لك؟ فقال أبو ذر والله ما وجدت لي غدرا إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فغضب عليه عثمان وقال أشيروا علي في هذا الشيخ الكذاب أما إن أضربه أو احبسه أو اقتله فإنه قد فرق جماعة المسلمين أو أنفيه من أرض الإسلام؟ فتكلم علي عليه السلام -وكان حاضرا- فقال أشير عليك بما قال مؤمن آل فرعون {فإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب} فأجابه عثمان بجواب غليظ وأجابه علي عليه السلام بمثله. ولم نذكر الجوابين تذمما منهما.
نفيه من المدينة إلى الربذة
قال ابن أبي الحديد: قال الواقدي: ثم إن عثمان حظر على الناس إن يقاعدوا أبا ذر ويكلموه، فمكث كذلك أياما ثم أتي به فوقف بين يديه فقال أبو ذر ويحك يا عثمان أما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورأيت أبا بكر وعمر هل هديك كهديهم أما أنك لتبطش بي بطش جبار، فقال عثمان أخرج عنا من بلادنا فقال أبو ذر ما أبغض إلي جوارك فإلى أين أخرج؟ قال حيث شئت، قال أخرج إلى الشام أرض الجهاد؟ قال إنما جلبتك من الشام لما قد أفسدتها أفأردك إليها، قال أفأخرج إلى العراق؟ قال لا انك إن تخرج إليها تقدم على قوم أولي شقة وطعن على الأئمة والولاة، قال أفأخرج إلى مصر؟ قال لا، قال فإلى أين اخرج؟ قال إلى البادية قال أبو ذر أصير بعد الهجرة إعرابيا؟ قال نعم قال أبو ذر فاخرج إلى بادية نجد؟ قال عثمان بل إلى الشرق الأبعد أقصى فأقصى امض على وجهك هذا فلا تعدون الربذة، فخرج إليها. قال ابن أبي الحديد: روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة عن عبد الرزاق عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال لما أخرج أبو ذر إلى الربذة أمر عثمان فنودي في الناس إن لا يكلم أحد أبا ذر ولا يشيعه وأمر مروان بن الحكم إن يخرج به فتحاماه الناس إلا علي بن أبي طالب عليه السلام وعقيلا أخاه وحسنا وحسينا عليهما السلام وعمارا، فإنهم خرجوا معه يشيعونه، فجعل الحسن عليه السلام يكلم أبا ذر، فقال مروان بن الحكم أيها يا حسن إلا تعلم إن أمير المؤمنين قد نهى عن كلا هذا الرجل فان كنت لا تعلم فاعلم ذلك، فحمل علي عليه السلام على مروان فضرب بالسوط بين إذني راحلته وقال تنح لحاك الله إلى النار، فرجع مروان مغضبا إلى عثمان فأخبره الخبر فتلظى على علي عليه السلام، ووقف أبو ذر فودعه القوم، ومعه ذكوان مولى أم هانئ بنت أبي طالب، قال ذكوان فحفظت كلام القوم -وكان حافظا- فقال علي عليه السلام يا أبا ذر انك غضبت لله إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك فامتحنوك بالقلى ونفوك إلى الفلا والله لو كانت السماوات والأرض على عبد رتقا ثم اتقى الله لجعل له منها مخرجا، يا أبا ذر لا يؤنسنك إلا الحق ولا يوحشنك إلا الباطل. ثم قال لأصحابه ودعوا عمكم وقال لعقيل ودع أخاك. فتكلم عقيل فقال ما عسى إن نقول يا أبا ذر وأنت تعلم أنا نحبك وأنت تحبنا فاتق الله فان التقوى نجاة واصبر فان الصبر كرم واعلم إن استثقالك الصبر من الجزع واستبطاءك العافية من اليأس فدع اليأس والجزع. ثم تكلم الحسن فقال يا عماه لولا أنه لا ينبغي للمودع إن يسكت وللمشيع إن ينصرف لقصر الكلام وان طال الأسف وقد أتى القوم إليك ما ترى فضع عنك الدنيا بتذكر فراقها وشدة ما اشتد منها برجاء ما بعدها واصبر حتى تلقى نبيك صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنك راض. ثم تكلم الحسين عليه السلام فقال يا عماه إن الله تعالى قادر إن يغير ما قد ترى والله كل يوم هو في شان وقد منعك القوم دنياهم ومنعتهم دينك فما أغناك عما منعوك وأحوجهم إلى ما منعتهم فأسأل الله الصبر والنصر واستعذ به من الجشع والجزع فان الصبر من الدين والكرم وإن الجشع لا يقدم رزقا والجزع لا يؤخر أجلا ثم تكلم عمار رحمه الله مغضبا فقال لا آنس الله من أوحشك ولا آمن من أخافك أما والله لو أردت دنياهم لآمنوك ولو رضيت أعمالهم لأحبوك وما منع الناس إن يقولوا بقولك إلا الرضا بالدنيا والجزع من الموت ومالوا إلى ما سلطان جماعتهم عليه والملك لمن غلب فوهبوا لهم دينهم ومنحهم القوم دنياهم فخسروا الدنيا والآخرة إلا ذلك هو الخسران المبين فبكى أبو ذر وكان شيخا كبيرا وقال رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لي بالمدينة سكن ولا شجن غيركم إني ثقلت على عثمان بالحجاز كما ثقلت على معاوية بالشام وكره إن أجاور أخاه وابن خاله بالمصرين فأفسد الناس عليهما فسيرني إلى بلد ليس لي به ناصر ولا دافع إلا الله والله ما أريد إلا الله صاحبا وما أخشى مع الله وحشة ورجع القوم إلى المدينة "الخبر".
وقال المرتضى في كتاب "الفصول": قال الشيخ رحمه الله قال أبو مخنف وأخبرني عبد الملك ابن نوفل عن أبي سعيد المقبري قال: لما انصرف علي من تشييع أبي ذر استقبله الناس فقالوا: يا أبا الحسن غضب عليك عثمان لتشييعك أبا ذر! فقال علي عليه السلام: "غضب الخيل على صم اللجم". وروى الواقدي عن مالك بن أبي الرجال عن موسى بن ميسرة إن أبا الأسود الدؤلي قال: كنت أحب لقاء أبي ذر لأسأله عن سبب خروجه إلى الربذة فجئته فقلت له إلا تخبرني أخرجت من المدينة طائعا أم أخرجت كرها؟ قال كنت في ثغر من ثغور المسلمين أغني عنهم فأخرجت إلى المدينة فقلت دار هجرتي وأصحابي، فأخرجت من المدينة إلى ما ترى.
ثم تكلم ابن أبي الحديد على الأخبار المروية في أنه خرج إلى الربذة باختياره وقال إنها وان كانت قد رويت لكنها ليست في الاشتهار والكثرة كتلك الأخبار. وقال المرتضى في الشافي قال قاضي القضاة عبد الجبار الباقلاني في الجواب عن الطعن على عثمان في نفيه أبا ذر إلى الربذة إن شيخنا أبا علي -الجبائي- قال: إن الناس اختلفوا في أمر أبي ذر رحمه الله تعالى. وروي انه قيل لأبي ذر أعثمان أنزلك الربذة فقال لا بل اخترت لنفسي ذلك. روي إن معاوية كتب يشكوه وهو بالشام، فكتب عثمان إليه إن صر إلى المدينة فلما صار إليها، قال ما أخرجك إلى الشام؟ قال لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا بلغت عمارة المدينة موضع كذا فاخرج عنها فلذلك خرجت، فقال فأي البلاد أحب إليك بعد الشام؟ قال الربذة، فقال سر إليها.
وقد روي عن زيد بن وهب قال قلت لأبي ذر رحمه الله تعالى وهو بالربذة: ما أنزلك هذا المنزل؟ قال أخبرك إني كنت بالشام في أيام معاوية وقد ذكرت هذه الآية {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم} فقال معاوية: هذه في أهل الكتاب، فقلت هي فيهم وفينا وكتب معاوية إلى عثمان في ذلك، فكتب إلي إن أقدم علي فقدمت عليه، فانثال الناس إلي كأنهم لم يعرفوني، فشكوت ذلك إلى عثمان، فخيرني وقال: انزل حيث شئت، فنزلت الربذة. وقد ذكر الشيخ أبو الحسين الخياط قريبا مما تقدم من إن إخراج أبي ذر إلى الربذة كان باختياره، وروى في ذلك خبرا قال: وأقل ما في ذلك إن تختلف الأخبار فتطرح، ونرجع إلى الأمر الأول في صحة إمامة عثمان وسلامة أحواله. اعترض المرتضى رحمه الله تعالى هذا الكلام فقال: أما قول أبي علي إن الأخبار في سبب خروج أبي ذر إلى الربذة متكافئة فمعاذ الله إن تتكافأ في ذلك، بل المعروف والظاهر أنه نفاه أولا إلى الشام ثم استقدمه إلى المدينة لما شكا منه معاوية ثم نفاه من المدينة إلى الربذة، وقد روى جميع أهل السير على اختلاف طرقهم وأسانيدهم إن عثمان لما أعطى مروان بن الحكم ما أعطاه وأعطى الحرث بن الحكم بن أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم وأعطى زيد بن ثابت مائة ألف درهم، جعل أبو ذر يقول {بشر الكافرين بعذاب أليم} ويتلو قول الله تعالى {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم}، فرفع ذلك مروان إلى عثمان، فأرسل إلى أبي ذر نائلا مولاه إن انته عما يبلغني عنك! فقال أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله، وذكر ما مر سابقا إلى قوله فقال حبيب بن مسلمة إن كانت لكم حاجة فيه، ثم قال: فكتب معاوية إلى عثمان فيه، فكتب عثمان إلى معاوية: أما بعد فاحمل جنديا إلي، وذكر ما مر سابقا إلى قوله فلم يزل بها حتى مات. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن عبد الرحمن بن غنم قال كنت مع أبي الدرداء فجاء رجل من قبل المدينة فسأله فأخبره إن أبا ذر مسير إلى الربذة، فقال أبو الدرداء أنا لله وأنا إليه راجعون لو إن أبا ذر قطع لي عضوا أو يدا ما هجته بعد ما سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر. وفي الدرجات الرفيعة: روي إن عبد الله بن مسعود لما بلغه نفي أبي ذر إلى الربذة وهو إذ ذاك بالكوفة - قال في خطبة له بمحفل من أهل الكوفة: فهل سمعتم قوله تعالى {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم} يعرض بمن نفاه، فكتب الوليد بذلك لعثمان، فأشخصه من الكوفة فلما دخل مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر عثمان غلاما له أسود فدفع ابن مسعود وأخرجه من المسجد ورمى به إلى الأرض وجعل منزله حبسه، وحبس عنه عطاءه أربع سنين إلى إن مات. وروى الشيخ في الأمالي بسنده عن أسعد بن زرارة عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري قال لما قدم أبو ذر على عثمان قال أخبرني أي البلاد أحب إليك؟ قال مهاجري، قال لست بمجاوري، قال فالحق بحرم الله فأكون فيه؟ قال لا، قال فالكوفة أرض بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال لا، قال فلست بمختار غيرهن، فأمره بالمسير إلى الربذة، فقال إن رسول الله ص قال لي أسمع وأطع وانقد حيث قادوك ولو لعبد حبشي مجدع، فخرج إلى الربذة وأقام مدة، ثم أتى المدينة فدخل على عثمان والناس عنده سماطين، فقال يا أمير المؤمنين انك أخرجتني من أرضي إلى أرض ليس بها زرع ولا ضرع إلا شويهات وليس لي خادم إلا محررة ولا ظل يظلني إلا ظل شجرة، فأعطني خادما وغنيمات أعيش فيها، فحول وجهه عنه، فتحول إلى السماط الآخر فقال مثل ذلك، فقال له حبيب بن مسلمة لك عندي يا أبا ذر ألف درهم وخادم وخمسمائة شاة، قال أبو ذر: أعط خادمك وألفك وشويهاتك من هو أحوج إلى ذلك مني فاني إنما أسأل حقي في كتاب الله، فجاء علي عليه السلام فقال له عثمان إلا تغني عنا سفيهك هذا؟ قال أي سفيه؟ قال أبو ذر، قال علي عليه السلام ليس بسفيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر، أنزله بمنزلة مؤمن آل فرعون {إن يك كاذبا فعليه كذبه وأن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم}. وذكر صاحب الدرجات الرفيعة هذا الخبر نقلا عن بعض المؤرخين وزاد فيه: قال انشد بالله من سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك لأبي ذر؟ فقام أبو هريرة وغيره فشهدوا بذلك، فولى علي ولم يجلس. وفي تفسير علي بن إبراهيم إن أبا ذر رحمه الله دخل على عثمان وكان عليلا متوكئا على عصاه وبين يدي عثمان مائة ألف درهم قد حملت إليه من بعض النواحي وأصحابه حوله ينظرون إليه ويطمعون إن يقسمها فيهم، فقال أبو ذر لعثمان ما هذا المال؟ فقال عثمان مائة ألف درهم حملت إلي من بعض النواحي أريد إن أضم إليها مثلها ثم أرى فيها رأيي، فقال أبو ذر يا عثمان أيما أكثر مائة ألف درهم أو أربعة دنانير؟ فقال: بل مائة ألف درهم، فقال: أما تذكر إني أنا وأنت دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشاء فرأيناه كئيبا حزينا فسلمنا عليه فلم يرد علينا السلام فلما أصبحنا أتيناه فرأيناه ضاحكا مستبشرا فقلنا له بآبائنا وأمهاتنا دخلنا عليك البارحة فرأيناك كئيبا حزينا وعدنا إليك اليوم فرأيناك ضاحكا مستبشرا؟ فقال نعم كان بقي عندي من فيء المسلمين أربعة دنانير لم أكن قسمتها وخفت إن يدركني الموت وهي عندي وقد قسمتها اليوم فاسترحت فنظر عثمان إلى كعب الأحبار فقال يا أبا إسحاق ما تقول في رجل أدى زكاة ماله المفروضة هل يجب عليه فيما بعد ذلك شيء؟ فقال لا لو اتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ما وجب عليه شيء، فرفع أبو ذر عصاه فضرب بها رأس كعب ثم قال له يا ابن اليهودية الكافرة ما أنت والنظر في أحكام المسلمين قول الله أصدق من قولك حيث قال: {والذين يكنزون الذهب} الآية، فقال عثمان يا أبا ذر انك شيخ خرفت وذهب عقلك ولولا صحبتك لرسول الله لقتلتك فقال يا عثمان أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا يفتنونك يا أبا ذر ولا يقتلونك، وأما عقلي فقد بقي منه ما أحفظ حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال وما سمعت من رسول الله؟ قال سمعته يقول إذا بلغ آل أبي العاص ثلاثين رجلا صيروا مال الله دولا وكتاب الله دخلا وعباده خولا والفاسقين حزبا والصالحين حربا! فقال عثمان يا معشر أصحاب محمد هل سمع أحد منكم هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقالوا لا! فقال عثمان ادع عليا، فجاء أمير المؤمنين فقال له عثمان: يا أبا الحسن أنظر ما يقول هذا الشيخ الكذاب، فقال أمير المؤمنين: يا عثمان لا تقل كذاب فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما أظلت الخضراء -الحديث-، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدق أبو ذر فقد سمعنا هذا من رسول الله فبكى أبو ذر عند ذلك، فقال عثمان يا أبا ذر بحق رسول الله إلا أخبرتني عن شيء أسأل ك عنه! فقال أبو ذر والله لو لم تسألني بحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأخبرتك! فقال أي البلاد أحب إليك إن تكون فيها؟ فقال مكة حرم الله وحرم رسوله أعبد الله فيها حتى يأتيني الموت، فقال لا ولا كرامة لك، فقال المدينة؟ قال لا ولا كرامة لك قال فسكت أبو ذر، فقال عثمان أي البلاد أبغض إليك تكون فيها؟ فقال الربذة التي كنت فيها على غير دين الإسلام، فقال عثمان سر إليها، فقال أبو ذر صدق الله ورسوله.
كتابه إلى حذيفة بن اليمان يشكو إليه ما فعل به
حكى السيد المرتضى في كتاب الفصول عن أبي مخنف قال: حدثني الصلت عن زيد بن كثير عن أبي إمامة قال كتب أبو ذر إلى حذيفة بن اليمان يشكو إليه ما صنع به عثمان:
(بسم الله الرحمن الرحيم) أما بعد يا أخي فخف الله مخافة يكثر منها بكاء عينيك وحرر قلبك وأسهر ليلك وانصب بدنك في طاعة الله فحق لمن علم إن النار مثوى من سخط الله عليه إن يطول بكاؤه ونصبه وسهر ليله حتى يعلم أنه قد رضي الله عنه وحق لمن علم إن الجنة مثوى من رضي الله عنه إن يستقبل الحق كي يفوز بها ويستصغر في ذات الله الخروج من أهله وماله وقيام ليله وصيام نهاره وجهاد الظالمين الملحدين بيده ولسانه حتى يعلم إن الله أوجبها له وليس بعالم ذلك دون لقاء ربه. وكذلك ينبغي لكل من رغب في جوار الله ومرافقة أنبيائه إن يكون. يا أخي أنت ممن استريح إلى التصريح إليه ببثي وحزني وأشكو إليه تظاهر الظالمين علي إني رأيت الجور يعمل به بعيني وسمعته يقال فرددته فحرمت العطاء وسيرت إلى البلاد وغربت عن العشيرة والإخوان وحرم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وأعوذ بربي العظيم إن يكون مني هذا شكوى إن ركب مني ما ركب، بل إنباتك إني قد رضيت ما أحب لي ربي وقضاه علي، وأفضيت ذلك إليك لتدعو الله لي ولعامة المسلمين بالروح والفرج وبما هو أعم نفعا وخير مغبة وعقبى والسلام.
جواب حذيفة له
فكتب إليه حذيفة: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد يا أخي فقد بلغني كتابك تخوفني به وتحذرني فيه منقلبي وتحثني فيه على حظ نفسي فقديما يا أخي ما كنت بي وبالمؤمنين حفيا لطيفا وعليهم حدبا شفيقا ولهم بالمعروف آمرا وعن المنكرات ناهيا وليس يهدي إلى رضوان الله إلا هو ولا يتناهى من سخطه إلا بفضل رحمته وعظيم منه فنسأل الله ربنا لأنفسنا وخاصتنا وعامتنا وجماعة أمتنا مغفرة عامة ورحمة واسعة، وقد فهمت ما ذكرت من تسييرك يا أخي وتغريبك وتطريدك فعز والله علي يا أخي ما وصل إليك من مكروه ولو كان يفتدى ذلك بمال لأعطيت فيه مالي طيبة بذلك نفسي ليصرف الله عنك بذلك المكروه، والله لو سالت لك المواساة ثم أعطيتها لأحببت احتمال شطر ما نزل بك ومواساتك في الفقر والأذى والضرر، لكنه ليس لأنفسنا إلا ما شاء ربنا، يا أخي فافزع بنا إلى ربنا ولنجعل إليه رغبتنا فانا قد استحصدنا واقترب الصرام فكأني وإياك قد دعينا فأجبنا وعرضنا على أعمالنا فاحتجنا إلى ما أسلفنا، يا أخي ولا تأس على ما فاتك ولا تحزن على ما أصابك واحتسب فيه الخير وارتقب فيه من الله أسنى الثواب، يا أخي لا أرى الموت لي ولك إلا خيرا من البقاء فإنه قد أظلتنا فتن يتلو بعضها بعضا كقطع الليل المظلم قد انبعثت من مركبها ووطئت في خطامها تشهر فيها السيوف وتنزل فيها الحتوف يقتل فيها من اطلع لها والتبس بها وركض فيها ولا يبقى قبيلة من قبائل العرب من الوبر والمدر إلا دخلت عليهم فاعز أهل ذلك الزمان أشدهم عتوا وأذلهم اتقاهم، فأعاذنا الله وإياك من زمان هذه حال أهله. لن أدع الدعاء لك في القيام والقعود والليل والنهار وقد قال الله ولا خلف لموعده: {ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} فنستجير بالله من التكبر عن عبادته والاستنكاف عن طاعته جعل الله لنا ولك فرجا ومخرجا عاجلا برحمته والسلام عليك.
كيفية وفاته
في الاستيعاب في باب الأسماء: نفاه عثمان وأسكنه الربذة فمات بها وصلى عليه عبد الله بن مسعود صادفه وهو مقبل من الكوفة في نفر فضلاء من أصحابه منهم حجر بن الأدبر -وهو حجر بن عدي الكندي قتيل مرج عذرا- ومالك بن الحارث الأشتر وفتى من الأنصار دعتهم امرأته إليه فشهدوا موته وغمضوا عينيه وغسلوه وكفنوه في ثياب للأنصاري في خبر عجيب حسن فيه طول. وفي خبر غيره إن ابن مسعود لما دعي إليه وذكر له بكى بكاء طويلا وقد قيل إن ابن مسعود كان يومئذ مقبلا من المدينة إلى الكوفة فدعي إلى الصلاة عليه فقال ابن مسعود من هذا؟ قيل أبو ذر فبكى بكاء طويلا فقال أخي وخليلي عاش وحده ومات وحده ويبعث وحده طوبى له. وكانت وفاته بالربذة سنة اثنتين وثلاثين وصلى عليه ابن مسعود. ذكر علي ابن المديني قال حدثنا يحيى بن سليم قال حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن مجاهد عن إبراهيم بن الأشتر عن أبيه عن أم ذر زوجة أبي ذر قالت لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت فقال ما يبكيك؟ فقلت ما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض وليس عندي ثوب يسعك كفنا لي ولا لك ولا بد لي من القيام بجهازك! قال فأبشري ولا تبكي فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة فيصبران ويحتسبان فيريان النار أبدا وقد مات لنا ثلاثة من الولد. واني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لنفر أنا فيهم ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة (ولم يبق غيري وقد أصبحت بالفلاة أموت) فأنا ذلك الرجل فو الله ما كذبت ولا كذبت فأبصري الطريق، قلت إني وقد ذهب الحاج وتقطعت الطريق، قال اذهبي فتبصري قالت فكنت اشتد إلى الكثيب فانظر ثم ارجع إليه فأمرضه، فبينما أنا وهو كذلك إذا أنا برجال على رحالهم كأنهم الرخم تخب بهم رواحلهم فأسرعوا إلي حتى وقفوا علي، فقالوا يا أمة الله ما لك؟ قلت امرؤ من المسلمين يموت تكفنونه (وتؤجرون فيه)، قالوا ومن هو؟ قلت أبو ذر قالوا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قلت نعم قالت ففدوه بآبائهم وأمهاتهم (ثم وضعوا سياطهم في نحورها) وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه، فقال لهم أبشروا فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لنفر أنا فيهم ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد هلك في قرية وجماعة، والله ما كذبت ولا كذبت ولو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي ولامرأتي لم أكفن إلا في ثوب هو لي أو لها، واني أنشدكم الله إن يكفنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو بريدا أو نقيبا، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال إلا فتى من الأنصار، فقال: أنا أكفنك يا عم في ردائي هذا وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي، قال أنت تكفنني، قال: فكفنه الأنصاري وغسله في النفر الذين حضروه وقاموا عليه ودفنوه في نفر كلهم إيمان. ورواه أبو نعيم في حلية الأولياء بسنده عن إبراهيم بن الأشتر مثله، ورواه ابن سعد في الطبقات بطريقين إلى إبراهيم بن الأشتر أحدهما يوافق ما في الاستيعاب، والآخر يخالفه قليلا. وفي إحدى روايتي الحاكم في المستدرك كان حجر المدري ومالك الأشتر وان الأنصاري قال أنا أكفنك في ردائي هذا وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي حاكتهما لي حتى أحرم فيهما، فقال أبو ذر: كفاني. وفي روايته الأخرى قال علي بن عبد الله المديني -ليحيى بن سليم الطائفي- الذي روى عنه علي هذا الحديث تجد بهم رواحلهم أو تخب؟ قال تجد بالدال. وفي الاستيعاب في باب الكنى بسنده عن الحلحال بن ذر الضبي قال خرجنا حجاجا مع ابن مسعود سنة أربع وعشرين ونحن أربعة عشر راكبا حتى أتينا على الربذة فشهدنا أبا ذر فغسلناه وكفناه ودفناه هناك رضي الله عنه وفي الطبقات بسنده عن عبد الله بن مسعود. لما نفى عثمان أبا ذر إلى الربذة وأصابه بها قدره ولم يكن معه إلا امرأته وغلامه فأوصاهما إن اغسلاني وكفناني وضعاني على قارعة الطريق فأول ركب يمر فقولوا له هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعينونا على دفنه، فلما مات فعلا ذلك به ثم وضعاه على قارعة الطريق، وأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق عمارا فلم يرعهم إلا بالجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل إن تطأها فقام إليه الغلام فقال هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعينونا على دفنه، فاستهل عبد الله يبكي ويقول صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك، ثم نزل هو وأصحابه فواروه، ثم حدثهم عبد الله بن مسعود حديثه وما قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسيره إلى تبوك. ورواه الحاكم في المستدرك من جملة حديث نحوه. وقال ابن الأثير في حوادث سنة 32: فيها مات أبو ذر وكان قد قال لابنته: استشرفي يا بنية هل ترين أحدا؟ قالت لا، قال فما جاءت ساعتي بعد، ثم أمرها فذبحت شاة ثم طبختها ثم قال إذا جاءك الذين يدفنوني -فإنه سيشهدني قوم صالحون- فقولي لهم يقسم عليكم أبو ذر أن لا تركبوا حتى تأكلوا، فلما نضجت قدرها قال لها أنظري هل ترين أحدا؟ قالت نعم هؤلاء ركب! قال استقبلي بي الكعبة ففعلت، فقال: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم مات، فخرجت ابنته فتلقتهم وقالت رحمكم الله اشهدوا أبا ذر! قالوا وأين هو؟ فأشارت إليه، قالوا نعم ونعمة عين لقد أكرمنا الله بذلك. وكان فيهم ابن مسعود فبكى وقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يموت وحده ويبعث وحده فغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه، و قالت لهم ابنته: إن أبا ذر يقرأ عليكم السلام واقسم عليكم إن لا تركبوا حتى تأكلوا، ففعلوا وحملوا أهله معهم حتى أقدموهم مكة، ولما حضروا شموا من الخباء ريح مسك فسألوها عنه، فقالت إنه لما حضر قال إن الميت يحضره شهود يجدون الريح لا يأكلون، فدوفي لهم مسكا بماء ورشي به الخباء. وكان النفر الذين شهدوه: ابن مسعود وأبا مفرز وبكر بن عبد الله التميميين والأسود بن يزيد وعلقمة بن قيس ومالك الأشتر النخعيين والحلحال الضبي والحرث بن سويد التميمي وعمرو بن عتبة السلمي وابن ربيعة السلمي وأبا رافع المزني وسويد بن شعبة التميمي ويزيد بن معاوية النخعي وأخا القرثع الضبي وأخا معضد الشيباني، وقيل كان موته سنة إحدى وثلاثين. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن خليفة بن خياط قال مات أبو ذر بالربذة سنة اثنتين وثلاثين وصلى عليه عبد الله بن مسعود، وفيها أيضا مات عبد الله بن مسعود، قال وصلاة عبد الله بن مسعود عليه لا تبعد فقد روي بإسناد أخر أنه كان في الرهط من أهل الكوفة الذين وقفوا للصلاة عليه. وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن عبد الله بن مسعود في حديث تقدم في خبره في غزاة تبوك قال وضرب الدهر من ضربته وسير أبو ذر إلى الربذة فلما حضره الموت أوصى امرأته وغلامه: إذا مت فاغسلاني وكفناني ثم احملاني فضعاني على قارعة الطريق فأول ركب يمرون بكم فقولوا هذا أبو ذر، فلما مات فعلوا به كذلك فطلع ركب فما علموا به حتى كادت ركائبهم تطأ سريره فإذا ابن مسعود في رهط من أهل الكوفة فقالوا ما هذا؟ فقيل جنازة أبي ذر، فاستهل ابن مسعود رضي الله عنه يبكي فقال صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده فنزل فوليه بنفسه حتى اجنه ثم قال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وروى الكشي في رجاله في ترجمة مالك الأشتر قال حدثني عبيد بن محمد النخعي الشافعي السمرقندي عن أبي أحمد الطرسوسي حدثني خالد بن طفيل الغفاري عن أبيه عن حلام بن ركين الغفاري وكانت له صحبة. وفي الدرجات الرفيعة اخرج الكشي عن جلام بن ذر الغفاري وكانت له صحبة - قال مكث أبو ذر بالربذة حتى مات فلما حضرته الوفاة قال لامرأته: اذبحي شاة من غنمك واصنعيها فإذا نضجت اقعدي على قارعة الطريق فأول ركب ترينهم قولي يا عباد الله المسلمين هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قضى نحبه ولقي ربه فأعينوني عليه وأجنوه، فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبرني إني أموت في أرض غربة وانه يلي غسلي ودفني والصلاة علي رجال من أمته صالحون. عن محمد بن علقمة بن الأسود النخعي قال: خرجت في رهط أريد الحج منهم مالك بن الحارث الأشتر وعبد الله بن فضل التيمي ورفاعة بن شداد البجلي حتى قدمنا الربذة فإذا امرأة على قارعة الطريق تقول: يا عباد الله المسلمين هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد هلك غريبا ليس أحد يعينني عليه، فنظر بعضنا إلى بعض وحمدنا الله على ما ساق إلينا واسترجعنا على عظيم المصيبة، ثم أقبلنا معها فجهزناه وتنافسنا في كفنه حتى خرج من بيننا بالسواء، ثم تعاونا على غسله حتى فرغنا منه، ثم قدمنا مالك الأشتر فصلى عليه، ثم دفناه فقام الأشتر على قبره، ثم قال: اللهم هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبدك في العابدين وجاهد فيك المشركين لم يغير ولم يبدل، لكنه رأى منكرا فغيره بلسانه وقلبه حتى جفي ونفي وحرم واحتقر ثم مات وحيدا غريبا اللهم فاقصم من حرمه ونفاه من مهاجره وحرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرفعنا أيدينا جميعا وقلنا آمين، فقدمت الشاة التي صنعت فقالت إنه أقسم عليكم إن لا تبرحوا حتى تتغدوا، فتغدينا وارتحلنا. وفي تفسير علي بن إبراهيم في تتمة الخبر السابق في غزوة تبوك: فلما سيره عثمان إلى الربذة كان له غنيمات يعيش هو وعياله منها فأصابها داء يقال له التقاب فماتت كلها، فأصاب أبا ذر وابنته الجوع وماتت أهله فقالت ابنته أصابنا الجوع وبقينا ثلاثة أيام لم نأكل شيئا، فقال لي أبي يا بنية قومي بنا إلى الرمل نطلب العبب -وهو نبت له حب- فصرنا إلى الرمل فلم نجد شيئا، فجمع أبي رملا ووضع رأسه عليه ورأيت عينيه قد انقلبتا فبكيت فقلت له يا أبة كيف اصنع بك وأنا وحيدة؟ فقال يا بنيتي لا تخافي فاني إذا مت جاءك من أهل العراق من يكفيك أمري فاني أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك فقال لي يا أبا ذر تعيش وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك وتدخل الجنة وحدك يسعد بك أقوام من أهل العراق يتولون غسلك وتجهيزك ودفنك، فإذا أنا مت فمدي الكساء على وجهي ثم اقعدي على طريق العراق فإذا أقبل ركب فقومي إليهم وقولي هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد توفي. قالت فدخل إليه قوم من أهل الربذة فقالوا يا أبا ذر ما تشتكي؟ قال ذنوبي! قالوا فما تشتهي؟ قال رحمة ربي! قالوا هل لك بطبيب؟ قال الطبيب أمرضني. قالت ابنته فلما عاين سمعته يقول: مرحبا بحبيب أتى على فاقة لا أفلح من ندم اللهم خنقني خناقك فوحقك انك لتعلم إني أحب لقاءك. قالت ابنته: فلما مات مددت الكساء على وجهه ثم قعدت على طريق العراق، فجاء نفر فقلت لهم يا معشر المسلمين هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد توفي! فنزلوا ومشوا يبكون فجاءوا فغسلوه وكفنوه ودفنوه، وكان فيهم الأشتر فروي أنه قال دفنته في حلة كانت معي قيمتها أربعة آلاف درهم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين وسلم تسليما ورضي الله عن أصحابه الصالحين والتابعين لهم بإحسان وتابعي التابعين وعن العلماء والصلحاء من سلف منهم ومن غبر إلى يوم الدين. وبعد فيقول العبد الفقير إلى عفو ربه الغني محسن ابن المرحوم السيد عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي الشقرائي نزيل دمشق الشام عامله الله بفضله ولطفه وعفوه. هذا هو الجزء السابع عشر من كتابنا (أعيان الشيعة) في بقية حرف الجيم وما بعده وفقنا الله تعالى لاكماله ومنه تعالى نستمد المعونة والهداية والتوفيق والعصمة والتسديد انه سميع مجيب وهو حسبنا ونعم الوكيل.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 4- ص: 225
جندب بن جنادة (ب د ع) جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وقيل غير ذلك، أبو ذر الغفاري، ويرد في الكنى إن شاء الله تعالى. أسلم والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة أول الإسلام، فكان رابع أربعة، وقيل: خامس خمسة، وقد اختلف في اسمه ونسبه اختلافا كثيرا، وهو أول من حيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحية الإسلام، ولما أسلم رجع إلى بلاد قومه، فأقام بها حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه بالمدينة، بعد ما ذهبت بدر وأحد والخندق، وصحبه إلى أن مات، وكان يعبد الله تعالى قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين، وبايع النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا تأخذه في الله لومة لائم، وعلى أن يقول الحق، وإن كان مرا.
أخبرنا إبراهيم بن محمد، وإسماعيل بن عبيد الله، وأبو جعفر بن السمين بإسنادهم إلى أبي عيسى الترمذي قال: حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا ابن نمير، عن الأعمش، عن عثمان بن عمير هو أبو اليقظان، عن أبي حرب، عن أبي الأسود الديلي، عن عبد الله بن عمرو، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبو ذر يمشي على الأرض في زهد عيسى بن مريم. وروى عنه عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله بن عمر، وابن عباس، وغيرهم من الصحابة، ثم هاجر إلى الشام بعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه، فلم يزل بها حتى ولي عثمان، فاستقدمه لشكوى معاوية منه، فأسكنه الربذة حتى مات بها.
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الوهاب بن عبد الله بن علي الأنصاري، يعرف بابن الشيرجي، وغير واحد، قالوا: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن الحسن الشافعي، أخبرنا الشريف أبو القاسم علي بن إبراهيم بن العباس بن الحسن بن الحسين، وهو أبو الحسن، أخبرنا أبو عبد الله محمد ابن علي بن يحيى بن سلوان المازني، أخبرنا أبو القاسم الفضل بن جعفر التميمي، أخبرنا أبو بكر عبد الرحمن بن القاسم بن الفرج بن عبد الواحد الهاشمي، أخبرنا أبو مسهر، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جبريل عليه السلام، عن الله تبارك وتعالى أنه قال: «يا عبادي، إني قد حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا، يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا الذي أغفر الذنوب ولا أبالي، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم لم ينقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم لم يزد في ملكي شيئا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان ما سأل، لم ينقص ذلك من ملكي شيئا، إلا كما ينقص البحر أن يغمس فيه المخيط غمسة واحدة، يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحفظها عليكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه». أخبرنا أبو محمد الحسن بن أبي القاسم علي بن الحسن إجازة، أخبرنا أبي، أخبرنا أبو سهل محمد بن إبراهيم، أخبرنا أبو الفضل الرازي، أخبرنا جعفر بن عبد الله، أخبرنا محمد بن هارون، أخبرنا محمد، ابن إسحاق، أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا وهيب، أخبرنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن مجاهد، عن إبراهيم بن الأشتر، عن أبيه، عن زوجة أبي ذر، أن أبا ذر حضره الموت، وهو بالربذة، فبكت امرأته، فقال: ما يبكيك؟ فقالت: أبكي أنه لا بد لي من تكفينك، وليس عندي ثوب يسع لك كفنا، فقال: لا تبكي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأنا عنده في نفر يقول: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض، تشهده عصابة من المؤمنين، فكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية، ولم يبق غيري، وقد أصبحت بالفلاة أموت، فراقبي الطريق، فإنك سوف ترين ما أقول لك، وإني والله ما كذبت ولا كذبت، قالت: وأني ذلك وقد انقطع الحاج! قال: راقبي الطريق، فبينما هي كذلك إذ هي بقوم تخب بهم رواحلهم كأنهم الرخم، فأقبل القوم حتى وقفوا عليها، فقالوا: مالك؟ فقالت: امرؤ من المسلمين تكفنونه وتؤجرون فيه، قالوا: ومن هو؟ قالت: أبو ذر، قال: ففدوه بآبائهم وأمهاتهم، ثم وضعوا سياطهم في نحورها، يبتدرونه، فقال: أبشروا، فأنتم النفر الذين قال فيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم... ثم قال: أصبحت اليوم حيث ترون، ولو أن ثوبا من ثيابي يسعني لم أكفن إلا فيه، فأنشدكم بالله لا يكفنني رجل كان أميرا أو عريفا أو بريدا، فكل القوم كان نال من ذلك شيئا إلا فتى من الأنصار كان مع القوم، قال: أنا صاحبه، الثوبان في عيبتي من غزل أمي، وأحد ثوبي هذين اللذين علي، قال: أنت صاحبي فكفني».
وتوفي أبو ذر سنة اثنتين وثلاثين بالربذة، وصلى عليه عبد الله بن مسعود، فإنه كان مع أولئك النفر الذين شهدوا موته، وحملوا عياله إلى عثمان بن عفان رضي الله عنهم بالمدينة، فضم ابنته إلى عياله، وقال: يرحم الله أبا ذر.
وكان آدم طويلا أبيض الرأس واللحية، وسنذكر باقي أخباره في الكنى، إن شاء الله تعالى.
أخرجه الثلاثة.
دار ابن حزم - بيروت-ط 1( 2012) , ج: 1- ص: 196
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1994) , ج: 1- ص: 562
دار الفكر - بيروت-ط 1( 1989) , ج: 1- ص: 357
أبو ذر الغفاري (ب) أبو ذر الغفاري. اختلف في اسمه اختلافا كثيرا، فقيل: جندب بن جنادة، وهو أكثر وأصح ما قيل فيه. وقيل: برير بن عبد الله، وبرير بن جنادة، وبريرة بن عشرقة، وقيل: جندب بن عبد الله، وقيل: جندب بن سكن. والمشهور جندب بن جنادة بن قيس ابن عمرو بن مليل بن صعير بن حرام بن غفار. وقيل: جندب بن جنادة بن سفيان ابن عبيد بن حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة ابن مدركة الغفاري. وأمه رملة بنت الوقيعة، من بنى غفار أيضا.
وكان أبو ذر من كبار الصحابة وفضلائهم، قديم الإسلام. يقال: أسلم بعد أربعة وكان خامسا، ثم انصرف إلى بلاد قومه وأقام بها، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة.
أخبرنا غير واحد بإسنادهم إلى محمد بن إسماعيل: حدثنا عمرو بن عباس، أنبأنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا المثنى، عن أبي جمرة، عن ابن عباس قال: لما بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم ائتني. فانطلق الأخ حتى قدم وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلاما ما هو بالشعر. فقال: ما شفيتني مما أردت. فتزود وحمل شنة له فيها ماء، حتى قدم مكة، فأتى المسجد، فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يعرفه، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه بعض الليل، اضطجع فرآه علي، فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد، وظل ذلك اليوم ولا يراه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه فمر به علي فقال: ما آن للرجل أن يعلم منزله؟ فأقامه فذهب به معه، لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان اليوم الثالث فعل مثل ذلك فأقامه علي معه ثم قال: ألا تحدثني ما الذي أقدمك؟ قال: إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني فعلت. ففعل، فأخبره قال: إنه حق، وإنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي.
ففعل، فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ودخل معه، فسمع من قوله، وأسلم مكانه.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري. قال: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم. فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته.: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله. فقام القوم إليه فضربوه حتى أضجعوه، وأتى العباس فأكب عليه وقال: ويلكم! ألستم تعلمون أنه من غفار، وأنه طريق تجاركم إلى الشام؟ فأنقذه منهم ثم عاد من الغد لمثلها، فضربوه وثاروا إليه، فأكب العباس عليه.
وروينا في إسلامه الحديث الطويل المشهور، وتركناه خوف التطويل.
وتوفي أبو ذر بالربذة سنة إحدى وثلاثين، أو اثنتين وثلاثين. وصلى عليه عبد الله ابن مسعود، ثم مات بعده في ذلك العام.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أبو ذر في أمتي على زهد عيسى ابن مريم». وقال علي: وعى أبو ذر علما عجز الناس عنه، ثم أوكي عليه فلم يخرج منه شيئا. أخبرنا أبو جعفر بإسناده عن يونس، عن ابن إسحاق قال: حدثني بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن مسعود قال: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك جعل لا يزال يتخلف الرجل، فيقولون: يا رسول الله، تخلف فلان. فيقول: دعوه، إن يكن فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه. حتى قيل: يا رسول الله، تخلف أبو ذر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يقوله، فتلوم أبو ذر على بعيره، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره، ثم خرج يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا، ونظر ناظر من المسلمين فقال: إن هذا الرجل يمشي على الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا ذر.
فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله، هو والله أبو ذر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويحشر وحده». فضرب الدهر من ضربه.
وسير أبو ذر إلى الربذة. وفي ذكر موته، وصلاة عبد الله بن مسعود عليه، ومن كان معه في موته، ومقامه بالربذة، أحاديث لا نطول بذكرها. وكان أبو ذر طويلا عظيما.
أخرجه أبو عمر.
دار ابن حزم - بيروت-ط 1( 2012) , ج: 1- ص: 1316
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1994) , ج: 6- ص: 96
دار الفكر - بيروت-ط 1( 1989) , ج: 5- ص: 99
جندب بن جنادة أبو ذر الغفاري- يأتي في الكنى.
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 1- ص: 611
السكين قيل هو اسم أبي ذر الغفاري. ويقال اسم أبيه. وسيأتي في الكنى إن شاء الله تعالى.
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 3- ص: 113
أبو ذر الغفاري الزاهد المشهور الصادق اللهجة.
مختلف في اسمه واسم أبيه. والمشهور أنه جندب بن جنادة بن سكن. وقيل: عبد الله. وقيل اسمه بربر، وقيل بالتصغير، والاختلاف في أبيه كذلك إلا في السكن: قيل يزيد وعرفة، وقيل اسمه هو السكن بن جنادة بن قيس بن... بن عمرو بن مليل، بلامين مصغرا، ابن صغير، بمهملتين مصغرا، ابن حرام، بمهملتين، ابن غفار، وقيل: اسم جده
سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار، واسم أمه رملة بنت الوقيعة غفارية أيضا، ويقال: إنه أخو عمرو بن عبسة لأمه.
وقع في رواية لابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر: «يا جنيدب».
بالتصغير.
وهذا الاختلاف في اسمه واسم أبيه أسنده كله ابن عساكر إلى قائليه، وقال هو: إن بريرا تصحيف بريق. وكذا زيد ويزيد وعرفة.
وكان من السابقين إلى الإسلام، وقصة إسلامه في الصحيحين على صفتين بينهما اختلاف ظاهر
فعند البخاري من طريق أبي حمزة عن ابن عباس، قال: لما بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قال لأخيه: «اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم ائتني».
فانطلق الأخ حتى قدم وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر، فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، ويقول كلاما ما هو بالشعر، فقال: ما شفيتني مما أردت، فتزود وحمل شنة فيها ماء حتى قدم مكة، فأتى المسجد، فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يعرفه، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه بعض الليل فاضطجع فرآه علي فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد، وظل ذلك اليوم ولا يرى النبي صلى الله عليه وسلم حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمر به علي، فقال: أما آن للرجل أن يعرف منزله، فأقامه فذهب به معه لا يسأل أحدهما صاحبه عن شيء حتى كان اليوم الثالث، فعل مثل ذلك، فأقامه، فقال: ألا تحدثني ما الذي أقدمك؟ قال: إن أعطيتني عهدا وميثاقا أن ترشدني فعلت. ففعل فأخبره، فقال: إنه حق، وإنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئا أخافه عليك قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي، ففعل، فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ودخل معه، وسمع من قوله، فأسلم مكانه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري». فقال: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم، فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فقام القوم إليه فضربوه حتى أضجعوه، وأتى العباس فأكب عليه، وقال: ويلكم، ألستم تعلمون أنه من غفار! وأنه من طريق تجارتكم إلى الشام؟ فأنقذه منهم ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا إليه، فأكب العباس عليه.
وعند مسلم من طريق عبد الله بن الصامت عن أبي ذر في قصة إسلامه: وفي أوله: صليت قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم حيث وجهني الله، وكنا نزلا مع أمنا على خال لنا، فأتاه رجل، فقال له: إن أنيسا يخلفك في أهلك، فبلغ أخي، فقال: والله لا أساكنك، فارتحلنا، فانطلق أخي، فأتى مكة، ثم قال لي: أتيت مكة فرأيت رجلا يسميه الناس الصابئ هو أشبه الناس بك. قال: فأتيت مكة فرأيت رجلا، فقلت: أين الصابئ؟ فرفع صوته علي فقال: صابئ صابئ! فرماني الناس حتى كأني نصب أحمر، فاختبأت بين الكعبة وبين أستارها، ولبثت فيها بين خمس عشرة من يوم وليلة ما لي طعام ولا شراب إلا ماء زمزم، قال: ولقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقد دخلا المسجد، فو الله إني لأول الناس حياه بتحية الإسلام، فقلت: السلام عليك يا رسول الله. فقال: «وعليك السلام ورحمة الله. من أنت؟» فقلت: رجل من بني غفار، فقال صاحبه: ائذن لي يا رسول الله في ضيافته الليلة، فانطلق بي إلى دار في أسفل مكة، فقبض لي قبضات من زبيب، قال: فقدمت على أخي فأخبرته أني أسلمت، قال: فإني على دينك، فانطلقنا إلى أمنا فقالت: فإني على دينكما. قال: وأتيت قومي فدعوتهم. فتبعني بعضهم.
وروينا في قصة إسلامه خبرا ثالثا تقدمت الإشارة إليه في ترجمة أخيه أنيس، ويقال: إن إسلامه كان بعد أربعة، وانصرف إلى بلاد قومه، فأقام بها حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ومضت بدر وأحد، ولم تتهيأ له الهجرة إلا بعد ذلك، وكان طويلا أسمر اللون نحيفا.
وقال أبو قلابة، عن رجل من بني عامر: دخلت مسجد مني فإذا شيخ معروق آدم، عليه حلة قطري، فعرفت أنه أبو ذر بالنعت.
وفي مسند يعقوب بن شيبة، من رواية سلمة بن الأكوع- أن أبا ذر كان طويلا.
وأخرج الطبراني من حديث أبي الدرداء قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدئ أبا ذر إذا حضر، ويتفقده إذا غاب.
وأخرج أحمد من طريق عراك بن مالك، قال: قال أبو ذر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أقربكم مني مجلسا يوم القيامة من خرج من الدنيا كهيئته يوم تركته فيها، وإنه والله ما منكم من أحد إلا وقد نشب فيها بشيء غيري»
رجاله ثقات، إلا أن عراك بن مالك عن أبي ذر منقطع.
وقد أخرج أبو يعلى معناه من وجه آخر عن أبي ذر متصلا، لكن سنده ضعيف
قال الإمام أحمد في كتاب الزهد: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا محمد بن عمرو، سمعت عراك بن مالك يقول: قال أبو ذر: إني لأقربكم مجلسا من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أقربكم مني مجلسا يوم القيامة من خرج من الدنيا كهيئته يوم تركته فيها، وإنه والله ما منكم من أحد إلا وقد نشب فيها بشيء غيري».
وهكذا أورده في المسند، وأظنه منقطعا، لأن عراكا لم يسمع من أبي ذر.
روى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه أنس، وابن عباس، وأبو إدريس الخولاني، وزيد بن وهب الجهني، والأحنف بن قيس، وجبير بن نفير، وعبد الرحمن بن تميم، وسعيد بن المسيب، وخالد بن وهبان ابن خالة أبي ذر، ويقال ابن أهبان، وقيل ابن أخيه، وامرأة أبي ذر، وعبد الله بن الصامت، وخرشة بن الحر، وزيد بن ظبيان، وأبو أسماء الرحبي، وأبو عثمان النهدي، وأبو الأسود الدؤلي، والمعرور بن سويد، ويزيد بن شريك، وأبو مراوح الغفاري، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن حجيرة، وعبد الرحمن بن شماسة، وعطاء بن يسار، وآخرون.
قال أبو إسحاق السبيعي، عن هانئ بن هانئ، عن علي: أبو ذر وعاء مليء علما ثم أوكئ عليه.
أخرجه أبو داود بسند جيد
وأخرجه أبو داود أيضا، وأحمد عن عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر».
وفي الباب عن علي، وأبي الدرداء، وأبي هريرة، وجابر، وأبي ذر طرقها ابن عساكر في ترجمته.
وقال الآجري، عن أبي داود: لم يشهد بدرا، ولكن عمر ألحقه بهم، وكان يوازي ابن مسعود في العلم.
وفي «السيرة النبوية» لابن إسحاق بسند ضعيف، عن ابن مسعود قال: كان لا يزال يتخلف الرجل في تبوك فيقولون: يا رسول الله، تخلف فلان. فيقول: «دعوه فإن يكن فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه». فتلوم أبو ذر على بعيره فأبطأ عليه، فأخذ متاعه على ظهره، ثم خرج ماشيا فنظر ناظر من المسلمين، فقال: إن هذا الرجل يمشي على الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كن أبا ذر». فلما تأملت القوم قالوا: يا رسول الله، هو والله أبو ذر، فقال: «يرحم الله أبا ذر، يعيش وحده، ويموت وحده، ويحشر وحده»، فذكر قصة موته، وفي... وكانت وفاته بالربذة سنة إحدى وثلاثين، وقيل في التي بعدها، وعليه الأكثر، ويقال: إنه صلى عليه عبد الله بن مسعود في قصة رويت بسند لا بأس به. وقال المدائني: إنه صلى عليه ابن مسعود بالربذة، ثم قدم المدينة فمات بعده بقليل.
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 7- ص: 105
أبو ذر الغفاري اسمه جندب بن جنادة.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 14- ص: 0
أبو ذر "ع":
جندب بن جنادة الغفاري، وقيل: جندب بن سكن، وقيل: برير بن جنادة، وقيل: برير بن عبد الله.
ونبأني الدمياطي: أنه جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار أخي ثعلبة ابني مليل بن ضمرة أخي ليث والديل أولاد بكر أخي مرة والد مدلج بن مرة ابني عبد مناة بن كنانة.
قلت: أحد السابقين الأولين من نجباء أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم.
قيل: كان خامس خمسة في الإسلام. ثم إنه رد إلى بلاد قومه فأقام بها بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- له بذلك فلما أن هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- هاجر إليه أبو ذر -رضي الله عنه- ولازمه وجاهد معه. وكان يفتي في خلافة أبي بكر عمر وعثمان.
روى عنه: حذيفة بن أسيد الغفاري وابن عباس وأنس بن مالك وابن عمر وجبير بن نفير وأبو مسلم الخولاني وزيد بن وهب وأبو الأسود الدئلي وربعي بن حراش،
والمعرور بن سويد وزر بن حبيش وأبو سالم الجيشاني سفيان بن هانيء وعبد الرحمن بن غنم والأحنف بن قيس وقيس بن عباد وعبد الله بن الصامت وأبو عثمان النهدي وسويد بن غفلة وأبو مراوح وأبو إدريس الخولاني وسعيد بن المسيب وخرشة بن الحر وزيد ين ظبيان وصعصعة بن معاوية وأبو السليل ضريب بن نفير وعبد الله بن شقيق وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعبيد بن عمير وغضيف بن الحارث وعاصم بن سفيان وعبيد بن الخشخاش وأبو مسلم الجذمي وعطاء بن يسار وموسى بن طلحة وأبو الشعثاء المحاربي ومورق العجلي ويزيد بن شريك التيمي وأبو الأحوص المدني شيخ للزهري وأبو أسماء الرحبي وأبو بصرة الغفاري وأبو العالية الرياحي وابن الحوتكية وجسرة بنت دجاجة.
فاتته بدر، قاله: أبو داود.
وقيل: كان آدم ضخما جسيما كث اللحية.
وكان رأسا في الزهد والصدق والعلم والعمل قوالا بالحق لا تأخذه في الله لومة لائم على حدة فيه.
وقد شهد فتح بيت المقدس مع عمر.
أخبرنا الخضر بن عبد الرحمن الأزدي وأحمد بن هبة الله قالا: أخبرنا زين الأمناء حسن بن محمد، أخبرنا علي بن الحسن الحافظ، حدثنا علي بن إبراهيم الحسيني، أخبرنا محمد بن علي بن سلوان، أخبرنا الفضل بن جعفر التميمي، أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم الهاشمي، حدثنا أبو مسهر، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي بن إدريس الخولاني، عن أبي ذر الغفاري، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن جبريل، عن الله تبارك وتعالى أنه قال: $"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي إنكم الذين تخطؤون بالليل والنهار وأنا الذي أغفر الذنوب ولا أبالي فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم لم ينقص ذلك من ملكي
شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم لم يزد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد منهم ما سأل لم ينقص ذلك من ملكي شيئا إلا كما ينقص البحر أن يغمس المحيط غمسة واحدة. يا عبادي إنما هي أعمالكم أحفظها عليكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
قال سعيد: كان أبو إدريس إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه. أخرجه مسلم.
نقل الواقدي، عن خالد بن حيان قال: كان أبو ذر وأبو الدرداء في مظلتين من شعر بدمشق.
وقال أحمد بن البرقي: أبو ذر اسمه: يزيد بن جنادة. وقال سعيد بن عبد العزيز: اسمه برير.
قال أبو قلابة، عن رجل عامري قال: كنت أعزب، عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فوقع ذلك في نفسي فنعت لي أبو ذر فحججت فدخلت مسجد منى فعرفته فإذا شيخ معروق آدم عليه حلة قطري.
وقال حميد بن هلال:، حدثني الأحنف بن قيس قال: قدمت المدينة فدخلت مسجدها فبينما أنا أصلي إذ دخل رجل طوال آدم أبيض الرأس واللحية محلوق يشبه بعضه بعضا. فاتبعته فقلت: من هذا قالوا: أبو ذر.
سليمان بن المغيرة وابن عون، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار وكانوا يحلون الشهر الحرام فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا فنزلنا على خال لنا فأكرمنا وأحسن. فحسدنا قومه فقالوا: إنك إذا خرجت، عن أهلك يخالفك إليهم أنيس فجاء خالنا فذكر لنا ما قيل له. فقلت أما ما مضى من معروفك فقد كدرته ولا جماع لك فيما بعد فقدمنا صرمتنا فاحتملنا عليها وجعل خالنا يبكي فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة فنافر أنيس، عن صرمتنا وعن مثلها فأتيا الكاهن فخير أنيسا فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها.
قال: وقد صليت يا ابن أخي قبل أن ألقى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بثلاث سنين. قلت: لمن قال: لله. قلت: أين توجه؟ قال: حيث وجهني الله أصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس.
فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة فاكفني. فانطلق أنيس حتى أتى مكة فراث علي ثم جاء. فقلت: ما صنعت قال: لقيت رجلا بمكة على دينك يزعم أنه مرسل. قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر كاهن ساحر. قال: وكان أنيس أحد الشعراء فقال: لقد سمعت قول الكهنة وما هو بقولهم ولقد وضعت قوله على أقوال الشعراء فما يلتئم على لسان أحد أنه شعر والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون! قلت: فاكفني حتى أذهب فأنظر.
فأتيت مكة فتضعفت رجلا منهم فقلت: من هذا الذي تدعونه الصابئ؟ فأشار إلي فقال: الصابئ. قال: فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشيا علي فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر فأتيت زمزم فغسلت عني الدماء وشربت من مائها.
وقد لبثت يابن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم ما لي طعام إلا ماء زمزم. فسمنت حتى تكسرت عكني وما وجدت على كبدي سخفة جوع.
فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان جاءت امرأتان تطوفان وتدعوان إسافا ونائلة فأتتا علي في طوافهما. فقلت: أنكحا أحدهما الآخر فما تناهتا، عن قولهما فأتتا علي. فقلت: هن مثل الخشبة غير أني لا أكني. فانطلقتا تولولان تقولان: لو كان ههنا أحد من أنفارنا فاستقبلهما رسول الله وأبو بكر وهما هابطتان فقال: "ما لكما"؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها. قال: "فما قال لكما"؟ قالتا: إنه قال كلمة تملأ الفم.
قال: وجاء رسول الله حتى استلم الحجر ثم طاف بالبيت هو وصاحبه ثم صلى. وكنت أول من حياه بتحية الإسلام. قال: "عليك ورحمة الله من أين أنت"؟ قلت: من غفار فأهوى بيده ووضع أصابعه على جبهته.
فقلت في نفسي: كره أني انتميت إلى غفار فذهبت آخذ بيده فدفعني صاحبه وكان أعلم به مني.
قال: ثم رفع رأسه فقال: "متى كنت ههنا"؟ قلت: منذ ثلاثين من بين ليلة ويوم قال: "فمن كان يطعمك"؟ قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت وما أجد على بطني سخفة جوع. قال: "إنها مباركة إنها طعام طعم".
فقال أبو بكر: يا رسول الله ائذن لي في طعامه الليلة فانطلقنا ففتح أبو بكر بابا فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف. فكان أول طعام أكلته بها.
وأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل لا أراها إلا يثرب فهل أنت مبلغ عني قومك لعل الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم"؟.
قال: فانطلقت فلقيت أنيسا فقال: ما صنعت قلت: صنعت أني أسلمت وصدقت. قال: ما بي رغبة، عن دينك فإني قد أسلمت وصدقت. فأسلمت أمنا فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفار فأسلم نصفهم وكان يؤمهم إيماء بن رخصه وكان سيدهم. وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله المدينة أسلمنا. فقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة فأسلم نصفهم الباقي.
وجاءت أسلم فقالوا: يا رسول الله إخواننا نسلم على الذي أسلموا عليه فأسلموا.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله".
أخرجه مسلم.
قال أبو جمرة: قال لنا ابن عباس: إلا أخبركم بإسلام أبي ذر قلنا: بلى قال: قال أبو ذر: بلغني أن رجلا بمكة قد خرج يزعم أنه نبي فأرسلت أخي ليكلمه فقلت: انطلق إلى هذا الرجل فكلمه. فانطلق فلقيه ثم رجع فقلت: ما عندك قال: والله لقد رأيت رجلا يأمر بالخير وينهى، عن الشر. قلت: لم تشفني. فأخذت جرابا وعصا ثم أقبلت إلى مكة فجعلت لا أعرفه وأكره أن أسأل عنه وأشرب من ماء زمزم وأكون في المسجد فمر علي بن أبي طالب فقال: هذا رجل غريب قلت: نعم. قال: انطلق إلى المنزل. فانطلقت معه لا أسأله، عن شيء ولا يخبرني!
فلما أصبح الغد جئت إلى المسجد لا أسأل عنه وليس أحد يخبرني عنه بشيء فمر بي علي فقال: أما آن للرجل أن يعود قلت: لا. قال: ما أمرك وما أقدمك قلت: إن كتمت علي أخبرتك قال: أفعل. قلت: قد بلغنا أنه قد خرج نبي. قال: أما قد رشدت هذا وجهي إليه فاتبعني وادخل حيث أدخل فإني إن رأيت أحدا أخافه عليك قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي وامض أنت.
فمضى ومضيت معه فدخلنا على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله اعرض علي الإسلام. فعرض علي فأسلمت مكاني فقال لي: "يا أبا ذر اكتم هذا الأمر وارجع إلى قومك فإذا بلغك ظهورنا فأقبل". فقلت: والذي بعثك بالحق لأصرخن بها بين أظهرهم.
فجاء إلى المسجد وقريش فيه فقال: يا معشر قريش إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله. فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ فقاموا فضربت لأموت فأدركني العباس فأكب علي وقال: ويلكم تقتلون رجلا من غفار ومتجركم وممركم على غفار فأطلقوا عني. فلما أصبحت رجعت فقلت مثل ما قلت بالأمس. فقالوا: قوموا إلى هذا الصابىء فصنع بي كذلك وأدركني العباس فأكب علي.
فهذا أول إسلام أبي ذر.
أخرجه: البخاري ومسلم من طريق المثنى بن سعيد، عن أبي جمرة.
ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا ابن أبي سبرة، عن يحيى بن شبل، عن خفاف بن إيماء قال: كان أبو ذر رجلا يصيب وكان شجاعا ينفرد وحده يقطع الطريق ويغير على الصرم في عماية الصبح على ظهر فرسه أو قدميه كأنه السبع فيطرق الحي ويأخذ ما أخذ ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام وسمع مقالة النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يومئذ يدعو مختفيا فأقبل يسأل عنه.
وعن أبي معشر السندي: كان أبو ذر يتأله في الجاهلية ويوحد ولا يعبد الأصنام.
النضر بن محمد، أخبرنا عكرمة بن عمار: أخبرنا أبو زميل، عن مالك ابن مرثد، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنت رابع الإسلام أسلم قبلي ثلاثة فأتيت نبي الله فقلت: سلام عليك يا نبي الله. وأسلمت فرأيت الاستبشار في وجهه فقال: "من أنت"؟ قلت: جندب رجل من غفار.
قال: فرأيتها في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم. وكان فيهم من يسرق الحاج.
وعن محفوظ بن علقمة، عن ابن عائذ، عن جبير بن نفير قال: كان أبو ذر وعمرو بن عبسة كل منهما يقول: أنا ربع الإسلام.
قال الواقدي: كان حامل راية غفار يوم حنين أبو ذر.
وكان يقول: أبطأت في غزوة تبوك من عجف بعيري.
ابن إسحاق: حدثني بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن مسعود قال: لما سار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى تبوك جعل لا يزال يتخلف الرجل فيقولون: يا رسول الله تخلف فلان فيقول: "دعوه إن يكن فيه خير فسيلحقكم وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه". حتى قيل: يا رسول الله تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره.
قال: وتلوم بعير أبي ذر فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره وخرج يتبع رسول الله -صلى الله عليه وسلم. ونظر ناظر فقال: إن هذا لرجل يمشي على الطريق فقال رسول الله: "كن أبا ذر". فلما تأمله القوم قالوا: هو والله أبو ذر فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده".
فضرب الدهر من ضربه وسير أبو ذر إلى الربذة. فلما حضرته الوفاة أوصى امرأته وغلامه فقال: إذا مت فاغسلاني وكفناني وضعاني على الطريق فأول ركب يمرون بكم فقولا: هذا أبو ذر.
فلما مات فعلا به ذلك. فاطلع ركب فما علموا به حتى كادت ركائبهم توطأ السرير. فإذا عبد الله بن مسعود في رهط من أهل الكوفة فقال: ما هذا قيل: جنازة أبي ذر. فاستهل ابن مسعود يبكي وقال: صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يرحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده".
فنزل فوليه بنفسه حتى أجنه.
شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن كليب بن شهاب: سمعت أبا ذر يقول: ما تؤيسني رقة عظمي ولا بياض شعري أن ألقى عيسى ابن مريم.
وعن ابن سيرين: سألت ابن أخت لأبي ذر: ما ترك أبو ذر؟ قال: ترك أتانين وحمارا وأعنزا وركائب.
يحيى بن سعيد الأنصاري، أخبرنا الحارث بن يزيد الحضرمي: أن أبا ذر سأل رسول الله الإمرة فقال: "إنك ضعيف وإنها خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها".
أبو بكر بن أبي مريم، عن حبيب بن عبيد، عن غضيف بن الحارث، عن أبي الدرداء قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبتدئ أبا ذر إذا حضر ويتفقده إذا غاب.
فضيل بن مرزوق حدثنني جبلة بنت مصفح، عن حاطب: قال أبو ذر: ما ترك رسول الله شيئا مما صبه جبريل وميكائيل في صدره إلا قد صبه في صدري ولا تركت شيئا مما صبه في صدري إلا قد صببته في صدر مالك ابن ضمرة. هذا منكر.
عبد الرحمن بن أبي الرجال:، أخبرنا عمر مولى غفرة، عن ابن كعب، عن أبي ذر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أوصاني بخمس: أرحم المساكين وأجالسهم وأنظر إلى من تحتي ولا أنظر إلى من فوقي وأن أصل الرحم وإن أدبرت وأن أقول الحق وإن كان مرا وأن أقول لا حول ولا قوة إلا بالله".
الأعمش، عن عثمان بن عمير، عن أبي حرب بن أبي الأسود: سمعت عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر".
حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن بلال بن أبي الدرداء، عن أبيه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم. مثله: وجاء نحوه لجابر وأبي هريرة.
أبو أمية بن يعلى وهو واه، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى ابن مريم فلينظر إلى أبي ذر".
سلام بن مسكين:، أخبرنا مالك بن دينار أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أيكم يلقاني على الحال الذي أفارقه عليه". فقال أبو ذر: أنا. فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم: "ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر من سره أن ينظر إلى زهد عيسى فلينظر إلى أبي ذر".
حجاج بن محمد، عن ابن جريج أخبرني أبو حرب بن أبي الأسود، عن أبيه. ثم قال ابن جريج ورجل، عن زاذان قالا: سئل علي، عن أبي ذر فقال: وعى علما عجز عنه وكان شحيحا على دينه حريصا على العلم يكثر السؤال وعجز، عن كشف ما عنده من العلم.
سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، أخبرنا عبد الله بن الصامت قال: دخلت مع أبي ذر في رهط من غفار على عثمان من باب لا يدخل عليه منه قال: وتخوفنا عثمان عليه فانتهى إليه فسلم ثم ما بدأه بشيء إلا أن قال: أحسبتني منهم يا أمير المؤمنين والله ما أنا منهم ولا أدركهم. ثم استأذنه إلى الربذة.
يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن أبي إدريس، عن المسيب بن نجبة، عن علي أنه قيل له: حدثنا عن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- حدثنا عن أبي ذر قال: علم العلم ثم أوكى فربط عليه رباطا شديدا؟ أبو إسحاق، عن هانئ بن هانئ، سمع عليا يقول: أبو ذر وعاء ملئ علما أوكى عليه فلم يخرج منه شيء حتى قبض.
عن أبي سلمة مرسلا: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اللهم اغفر لأبي ذر وتب عليه".
ويروى، عن النبي -صلى الله عليه وسلم: "إنه لم يكن نبي إلا وقد أعطي سبعة رفقاء ووزراء وإني أعطيت أربعة عشر". فسمى فيهم أبا ذر.
شريك، عن أبي ربيعة الإيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أمرت بحب أربعة وأخبرني الله تعالى أنه يحبهم". قلت: من هم يا رسول الله قال: "علي وأبو ذر وسلمان والمقداد بن الأسود".
قال شهر بن حوشب: حدثتني أسماء: أن أبا ذر كان يخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا فرغ من خدمته أوى إلى المسجد وكان هو بيته. فدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- فوجده منجدلا في المسجد. فنكته رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برجله حتى استوى جالسا فقال: "ألا أراك نائما؟" قال: فأين أنام هل لي من بيت غيره؟ فجلس إليه ثم قال: "كيف أنت إذا أخرجوك منه؟" قال: ألحق بالشام فإن الشام أرض الهجرة وأرض المحشر وأرض الأنبياء فأكون رجلا من أهلها. قال له: "كيف أنت إذا أخرجوك من الشام؟" قال: أرجع إليه فيكون بيتي ومنزلي. قال: "فكيف أنت إذا أخرجوك منه الثانية؟" قال: آخذ إذا سيفي فأقاتل حتى أموت.
قال: فكشر إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: "أدلك على خير من ذلك؟" قال: بلى بأبي وأمي يا رسول الله. قال: "تنقاد لهم حيث قادوك حتى تلقاني وأنت على ذلك".
أخرجه أحمد في "مسنده".
وفي المسند، أخبرنا أبو المغيرة، أخبرنا صفوان بن عمرو، عن أبي اليمان وأبي المثنى أن أبا ذر قال: بايعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمسا وواثقني سبعا وأشهد الله علي سبعا إلا أخاف في الله لومة لائم.
أبو اليمان هو الهوزني.
الدغولي:، أخبرنا أبو جعفر الصائغ بمكة، أخبرنا المقري:، أخبرنا المسعودي، أخبرنا أبو عمر الشامي، عن عبيد بن الخشخاش، عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد فجلست إليه فقال: "أصليت؟" قلت: لا قال: "قم فصل" فقمت فصليت ثم أتيته فقال: "يا أبا ذر استعذ بالله من شياطين الإنس والجن" قلت: وهل للإنس من شياطين قال: "نعم" ثم قال: "يا أبا ذر إلا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قل: لا حول ولا قوة إلا بالله". قلت: فما الصلاة؟ قال: "خير موضوع فمن شاء أكثر ومن شاء أقل". قلت: فما الصيام قال: "فرض مجزئ" قلت: فما الصدقة قال: "أضعاف مضاعفة وعند الله مزيد". قلت: فأيها أفضل قال: "جهد من مقل أو سر إلى فقير" قلت: فأي ما أنزل الله عليك أعظم قال: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" قلت: فأي الأنبياء كان أول قال: "آدم: قلت نبيا كان؟ قال: "نعم مكلم" قلت: فكم المرسلون يا رسول الله قال: ثلاث مائة وخمسة عشر جما غفيرا".
هشام، عن ابن سيرين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي ذر: "إذا بلغ البناء سلعا فاخرج منها -ونحا بيده نحو الشام- ولا أرى أمراءك يدعونك". قال: أولا أقاتل من يحول بيني وبين أمرك قال: "لا" قال: فما تأمرني قال: "اسمع وأطع ولو لعبد حبشي".
فلما كان ذلك خرج إلى الشام فكتب معاوية إنه قد أفسد الشام. فطلبه عثمان ثم بعثوا أهله من بعده فوجدوا عندهم كيسا أو شيئا فظنوه دراهم فقالوا: ما شاء الله فإذا هي فلوس.
فقال عثمان: كن عندي قال: لا حاجة لي في دنياكم ائذن لي حتى أخرج إلى الربذة فأذن له فخرج إليها وعليها عبد حبشي لعثمان فتأخر وقت الصلاة لما رأى أبا ذر فقال أبو ذر: تقدم فصل.
سفيان بن حسين، عن الحكم، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنت ردف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حمار وعليه برذعة أو قطيفة.
عفان: أخبرنا سلام أبو المنذر، عن محمد بن واسع، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر قال: أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بسبع: أمرني بحب المساكين والدنو منهم وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني وأن لا أسأل أحدا شيئا وأن أصل الرحم وإن أدبرت وأن أقول الحق وإن كان مرا وألا أخاف في الله لومة لائم وأن أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن من كنز تحت العرش.
الأوزاعي: حدثني أبو كثير، عن أبيه قال: أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى وقد اجتمع الناس عليه يستفتونه فأتاه رجل فوقف عليه فقال: ألم ينهك أمير المؤمنين، عن الفتيا فرفع رأسه ثم قال: أرقيب أنت علي لو وضعتم الصمصامة على هذه
وأشار بيده إلى قفاه ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها.
اسم أبي كثير: مرثد.
وعن ثعلبة بن الحكم، عن علي قال: لم يبق أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر ولا نفسي. ثم ضرب بيده على صدره.
الجريري، عن يزيد بن الشخير، عن الأحنف قال: قدمت المدينة فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش إذ جاء رجل أخشن الثياب أخشن الجسد أخشن الوجه فقام عليهم فقال: بشر الكنازين برضف يحمى عليه في نار جهنم فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتجلجل.
قال: فوضع القوم رءوسهم فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا.
فأدبر فتبعته حتى جلس إلى سارية فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم. قال: إن هؤلاء لا يعقلون شيئا إن خليلي أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم- دعاني فقال: يا أبا ذر فأجبته فقال: "ترى أحدا"؟ فنظرت ما علي من الشمس وأنا أظنه يبعثني في حاجة فقلت: أراه فقال: "ما يسرني أن لي مثله ذهبا أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير". ثم هؤلاء يجمعون الدنيا لا يعقلون شيئا.
فقلت: مالك ولإخوانك من قريش لا تعتريهم ولا تصيب منهم؟ قال: لا وربك ما أسألهم دنيا ولا أستفتيهم، عن دين حتى ألحق بالله ورسوله.
الأسود بن شيبان، عن يزيد بن الشخير، عن أخيه مطرف، عن أبي ذر فذكر بعضه.
موسى بن عبيدة: حدثنا عمران بن أبي أنس، عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: قدم أبو ذر من الشام فدخل المسجد وأنا جالس فسلم علينا وأتى سارية فصلى ركعتين تجوز فيهما ثم قرأ: {ألهاكم التكاثر}. واجتمع الناس عليه فقالوا: حدثنا ما سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
فقال: سمعت حبيبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "في الإبل صدقتها وفي البقر صدقتها وفي البر صدقته، من جمع دينارا أو تبرا أو فضة لا يعده لغريم ولا ينفقه في سبيل الله كوي به".
قلت: يا أبا ذر انظر ما تخبر، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن هذه الأموال قد فشت. قال: من أنت ابن أخي فانتسبت له.
فقال: قد عرفت نسبك الأكبر ما تقرأ: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله}.
موسى ضعف رواه عنه الثقات.
ابن لهيعة: حدثنا أبو قبيل: سمعت مالك بن عبد الله الزيادي يحدث، عن أبي ذر أنه جاء يستأذن على عثمان فأذن له وبيده عصا. فقال عثمان: يا كعب إن عبد الرحمن توفي وترك مالا فما ترى قال: إن كان فضل فيه حق الله فلا بأس عليه. فرفع أبو ذر عصاه وضرب كعبا وقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما أحب أن لي هذا الجبل ذهبا أنفقه ويتقبل مني أذر خلفي منه ستة أواق". أنشدك الله يا عثمان: أسمعته قال مرارا قال: نعم.
قلت: هذا دال على فضل إنفاقه وكراهية جمعه لا يدل على تحريم.
حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت قال: دخلت مع أبي ذر على عثمان فلما دخل حسر، عن رأسه وقال: والله ما أنا منهم يا أمير المؤمنين يريد الخوارج. قال ابن شوذب: سيماهم الحلق قال له عثمان: صدقت يا أبا ذر إنما أرسلنا إليك لتجاورنا بالمدينة. قال: لا حاجة لي في ذلك ائذن لي إلى الربذة. قال: نعم ونأمر لك بنعم من نعم الصدقة تغدو عليك وتروح قال لا حاجة لي في ذلك يكفي أبا ذر صريمته.
فلما خرج قال: دونكم معاشر قريش دنياكم فاعذموها ودعونا وربنا.
قال: ودخل عليه وهو يقسم وعبد الرحمن بن عوف بين يديه وعنده كعب فأقبل
عثمان على كعب فقال: يا أبا إسحاق ما تقول فيمن جمع هذا المال فكان يتصدق منه ويصل الرحم قال كعب: إني لأرجو له. فغضب ورفع عليه العصا وقال وما تدري يا ابن اليهودية ليودن صاحب هذا المال لو كان عقارب في الدنيا تلسع السويداء من قلبه.
السري بن يحيى: حدثنا غزوان أبو حاتم قال: بينا أبو ذر عند باب عثمان ليؤذن له إذ مر به رجل من قريش فقال: يا أبا ذر ما يجلسك ههنا قال: يأبى هؤلاء أن يأذنوا لنا فدخل الرجل فقال: يا أمير المؤمنين ما بال أبي ذر على الباب.
فأذن له فجاء حتى جلس ناحية وميراث عبد الرحمن يقسم فقال عثمان لكعب: أرأيت المال إذا أدي زكاته هل يخشى على صاحبه فيه تبعة قال: لا. فقام أبو ذر فضربه بعصا بين أذنيه ثم قال: يا ابن اليهودية تزعم أن ليس عليه حق في ماله إذا آتى زكاته والله يقول: {ويؤثرون على أنفسهم} الآية، ويقول: {ويطعمون الطعام على حبه}.
فجعل يذكر نحو هذا من القرآن. فقال عثمان للقرشي: إنما نكره أن نأذن لأبي ذر من أجل ما ترى.
وروي، عن ابن عباس قال: كان أبو ذر يختلف من الربذة إلى المدينة مخافة الأعرابية فكان يحب الوحدة فدخل على عثمان وعنده كعب.... الحديث.
وفيه: فشج كعبا فاستوهبه عثمان فوهبه له وقال: يا أبا ذر اتق الله واكفف يدك ولسانك.
موسى بن عبيدة: أخبرنا ابن نفيع، عن ابن عباس قال: استأذن أبو ذر على عثمان فتغافلوا عنه ساعة. فقلت: يا أمير المؤمنين هذا أبو ذر بالباب قال: ائذن له إن شئت أن تؤذينا وتبرح بنا. فأذنت له فجلس على سرير مرمول فرجف به السرير وكان عظيما طويلا فقال عثمان: أما إنك الزاعم أنك خير من أبي بكر وعمر قال: ما قلت. قال: إني أنزع عليك بالبينة قال: والله ما أدري ما بينتك وما تأتي به؟! وقد علمت ما قلت. قال: فكيف إذا قلت قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أحبكم إلي وأقربكم مني الذي يلحق بي على العهد الذي عاهدته عليه". وكلكم قد أصاب من الدنيا وأنا على ما عاهدته عليه وعلى الله تمام النعمة.
وسأله عن أشياء، فأخبره بالذي يعلمه فأمره أن يرتحل إلى الشام فيلحق بمعاوية. فكان يحدث بالشام فاستهوى قلوب الرجال. فكان معاوية ينكر بعض شأن رعيته وكان يقول: لا يبيتن عند أحدكم دينار ولا درهم ولا تبر ولا فضة إلا شيء ينفقه في سبيل الله أو يعده لغريم.
وإن معاوية بعث إليه بألف دينار في جنح الليل فأنفقها.
فلما صلى معاوية الصبح، دعا رسوله فقال: اذهب إلى أبي ذر فقل: أنقذ جسدي من عذاب معاوية فإني أخطأت قال: يا بني قل له: يقول لك أبو ذر والله ما أصبح عندنا منه دينار ولكن أنظرنا ثلاثا حتى نجمع لك دنانيرك.
فلما رأى معاوية أن قوله صدق فعله كتب إلى عثمان أما بعد فإن كان لك بالشام حاجة أو بأهله فابعث إلى أبي ذر فإنه قد وغل صدور الناس.
فكتب إليه عثمان: اقدم علي فقدم.
ابن لهيعة، عن عبيد الله بن المغيرة، عن يعلى بن شداد قال: قال شداد بن أوس: كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله فيه الشدة ثم يخرج إلى قومه فيسلم عليهم ثم إن رسول الله يرخص فيه بعد فلم يسمعه أبو ذر فتعلق أبو ذر بالأمر الشديد.
عاصم بن كليب، عن أبي الجويرية، عن زيد بن خالد الجهني قال: كنت عند عثمان إذ جاء أبو ذر فلما رآه عثمان قال: مرحبا وأهلا بأخي فقال أبو ذر: مرحبا وأهلا بأخي لقد أغلظت علينا في العزيمة والله لو عزمت علي أن أحبو لحبوت ما استطعت. إني خرجت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو حائط بني فلان فقال لي: "ويحك بعدي" فبكيت فقلت: يا رسول الله وإني لباق بعدك قال: "نعم فإذا رأيت البناء على سلع فالحق بالمغرب أرض قضاعة".
قال عثمان: أحببت أن أجعلك مع أصحابك وخفت عليك جهال الناس.
وعن أبي ذر: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "اسمع وأطع لمن كان عليك".
جعفر بن برقان، عن ثابت بن الحجاج، عن عبد الله بن سيدان السلمي قال: تناجى أبو ذر وعثمان حتى ارتفعت أصواتهما ثم انصرف أبو ذر متبسما فقالوا: مالك ولأمير المؤمنين؟ قال: سامع مطيع ولو أمرني أن آتي صنعاء أو عدن ثم استطعت أن أفعل لفعلت وأمره أن يخرج إلى الربذة.
ميمون بن مهران، عن عبد الله بن سيدان، عن أبي ذر قال: لو أمرني عثمان أن أمشي على رأسي لمشيت.
وقال أبو عمران الجوني: عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر لعثمان: يا أمير المؤمنين افتح الباب لا تحسبني من قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.
يزيد، أخبرنا العوام بن حوشب، حدثني رجل، عن شيخين من بني ثعلبة قالا: نزلنا الربذة فمر بنا شيخ أشعث أبيض الرأس واللحية فقالوا: هذا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم. فاستأذناه بأن نغسل رأسه. فأذن لنا واستأنس بنا. فبينما نحن كذلك إذ أتاه نفر من أهل العراق حسبته قال: من أهل الكوفة فقالوا: يا أبا ذر فعل بك هذا الرجل وفعل فهل أنت ناصب لك راية فنكملك برجال ما شئت؟ فقال: يا أهل الإسلام لا تعرضوا علي ذاكم ولا تذلوا السلطان فإنه من أذل السلطان فلا توبة له والله لو صلبني على أطول خشبة أو حبل لسمعت وصبرت ورأيت أن ذلك خير لي.
حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت قالت أم ذر: والله ما سير عثمان أبا ذر تعني إلى الربذة ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا بلغ البناء سلعا فاخرج منها".
قال غالب القطان للحسن: يا أبا سعيد أكان عثمان أخرج أبا ذر؟ قال: معاذ الله.
محمد بن عمرو، عن عراك بن مالك قال أبو ذر: إني لأقربكم مجلسا من رسول الله يوم القيامة إني سمعته يقول: "إن أقربكم مني مجلسا من خرج من الدنيا كهيئته بما تركته عليه". وإنه -والله- ما منكم إلا من تشبث منها بشيء.
قال المعرور بن سويد: نزلنا الربذة، فإذا برجل عليه برد، وعلى غلامه مثله، فقلنا: لو عملتهما حلة لك، واشتريت لغلامك غيره! فقال: سأحدثكم: كان بيني وبين صاحب لي كلام، وكانت أمه أعجمية، فنلت منها، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ساببت فلانا"؟ قلت: نعم. قال: "ذكرت أمه" قلت: من ساب الرجال ذكره أبوه وأمه. فقال: "إنك امرؤ فيه جاهلية"....، وذكر الحديث. إلى أن قال: "إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه من طعامه، وليلبسه من لباسه، ولا يكلفه ما يغلبه".
قتادة: عن أبي قلابة، عن أبي أسماء: أنه دخل على أبي ذر بالربذة، وعنده امرأة له سوداء مشعثة، ليس عليها أثر المجاسد والخلوق. فقال: ألا تنظرون ما تأمرني به؟ تأمرني أن آتي العراق، فإذا أتيتها مالوا علي بدنياهم، وإن خليلي عهد إلي: "إن دون جسر جهنم طريقا ذا دحض ومزلة"، وإنا أن نأتي عليه وفي أحمالنا اقتدار أحرى أن ننجو، من أن نأتي عليه نحن مواقير.
أبو هلال، عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن أن أبا ذر كان عطاؤه أربعة آلاف فكان إذا أخذ عطاءه دعا خادمه فسأله عما يكفيه للسنة فاشتراه ثم اشترى فلوسا بما بقي. وقال: إنه ليس من وعاء ذهب ولا فضة يوكى عليه إلا وهو يتلظى على صاحبه.
قال يحيى بن أبي كثير: كان لأبي ذر ثلاثون فرسا يحمل عليها فكان يحمل على خمسة عشر منها يغزو عليها ويصلح آلة بقيتها فإذا رجعت أخذها فأصلح آلتها وحمل على الأخرى.
قال ثابت البناني: بنى أبو الدرداء مسكنا فمر عليه أبو ذر فقال: ما هذا تعمر دارا أذن الله بخرابها لأن تكون رأيتك تتمرغ في عذرة أحب إلي من أن أكون رأيتك فيما رأيتك فيه.
حسين المعلم، عن ابن بريدة قال: لما قدم أبو موسى لقي أبا ذر فجعل أبو موسى يكرمه وكان أبو موسى قصيرا خفيف اللحم وكان أبو ذر رجلا أسود كث الشعر فيقول
أبو ذر: إليك عني ويقول أبو موسى: مرحبا بأخي فيقول: لست بأخيك إنما كنت أخاك قبل أن تلي.
وعن أم طلق قالت: دخلت على أبي ذر فرأيته شعثا شاحبا بيده صوف قد جعل عودين وهو يغزل بهما فلم أر في بيته شيئا فناولته شيئا من دقيق وسويق فقال لي: أما ثوابك فعلى الله.
وقيل: إن أبا ذر خلف بنتا له فضمها عثمان إلى عياله.
قال الفلاس والهيثم بن عدي وغيرهما: مات سنة اثنتين وثلاثين. ويقال مات في ذي الحجة.
ويقال: إن ابن مسعود الذي دفنه عاش بعده نحوا من عشرة أيام -رضي الله عنهما.
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر مع قوة أبي ذر في بدنه وشجاعته: "يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم".
فهذا محمول على ضعف الرأي فإنه لو ولي مال يتيم لأنفقه كله في سبيل الخير ولترك اليتيم فقيرا. فقد ذكرنا أنه كان لا يستجيز ادخار النقدين. والذي يتأمر على الناس يريد أن يكون فيه حلم ومداراة وأبو ذر -رضي الله عنه- كانت فيه حدة كما ذكرناه فنصحه النبي -صلى الله عليه وسلم.
وله مائتا حديث وأحد وثمانون حديثا، اتفقا منها على اثني عشر حديثا وانفرد البخاري بحديثين. ومسلم بتسعة عشر.
ابن سعد: أخبرنا عفان، أخبرنا وهيب، أخبرنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن مجاهد، عن إبراهيم بن الأشتر أن أبا ذر حضره الموت بالربذة فبكت امرأته فقال: وما يبكيك قالت: أبكي أنه لا بد من تغييبك. وليس عندي ثوب يسعك كفنا.
قال: لا تبكي فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم وأنا عنده في نفر يقول: "ليموتن رجل منكم بفلاة تشهده عصابة من المؤمنين". فكلهم مات في جماعة وقرية فلم يبق
غيري وقد أصبحت بالفلاة أموت فراقبي الطريق فإنك سوف ترين ما أقول ما كذبت ولا كذبت. قالت: وأنى ذلك وقد انقطع الحاج؟!
قال: راقبي الطريق فبينا هي كذلك إذ هي بالقوم تخب بهم رواحلهم كأنهم الرخم فأقبلوا حتى وقفوا عليها قالوا: مالك قالت: رجل من المسلمين تكفنونه وتؤجرون فيه قالوا: ومن هو قالت: أبو ذر. ففدوه بآبائهم وأمهاتهم ووضعوا سياطهم في نحورها يبتدرونه.
فقال: أبشروا أنتم النفر الذين قال فيكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما قال. سمعته يقول: "ما من امرئين من المسلمين هلك بينهما ولدان أو ثلاثة فاحتسبا وصبرا فيريان النار أبدا".
ثم قال: وقد أصبحت اليوم حيث ترون ولو أن ثوبا من ثيابي يسعني لم أكفن إلا فيه. أنشدكم الله: أن لا يكفنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو بريدا.
فكل القوم كان نال من ذلك شيئا إلا فتى من الأنصار قال أنا صاحبك ثوبان في عيبتي من غزل أمي وأحد ثوبي هذين اللذين علي.
قال: أنت صاحبي فكفني.
ثم قال ابن سعد: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا يحيى بن سليم، عن ابن خثيم، عن مجاهد، عن إبراهيم بن الأشتر، عن أبيه أنه لما حضر أبا ذر الموت بكت امرأته فذكره وزاد فكفنه الأنصاري في النفر الذين شهدوه منهم: حجر بن الأدبر ومالك بن الأشتر.
ابن إسحاق: حدثنا بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن مسعود قال: لما نفى عثمان أبا ذر إلى الربذة وأصابه بها قدره لم يكن معه إلا امرأته وغلامه فأوصاهما: أن اغسلاني وكفناني وضعاني على قارعة الطريق فأول ركب يمر بكم قولوا: هذا أبو ذر فأعينونا عليه.
فوضعاه وأقبل ابن مسعود في رهط من العراق عمارا فلم
يرعهم إلا به قد كادت الإبل أن تطأه فقام الغلام فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
فاستهل عبد الله يبكي ويقول: صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك".
ثم نزلوا فواروه ثم حدثهم عبد الله حديثه وما قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مسيره وحده إلى تبوك.
وعن عيسى بن عميلة: أخبرني من رأى أبا ذر يحلب غنيمة له فيبدأ بجيرانه وأضيافه قبل نفسه.
عاصم الأحول: عن أبي عصمان النهدي قال: رأيت أبا ذر يميد على راحلته وهو مستقبل مطلع الشمس فظننته نائما فدنوت وقلت: أنائم أنت يا أبا ذر؟ قال: لا بل كنت أصلي.
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 3- ص: 367
أبو ذر الغفاري ومنهم العابد الزهيد، القانت الوحيد، رابع الإسلام، ورافض الأزلام، قبل نزول الشرع والأحكام، تعبد قبل الدعوة بالشهور والأعوام، وأول من حيا الرسول بتحية الإسلام، لم يكن تأخذه في الحق لائمة اللوام، ولا تفزعه سطوة الولاة والحكام، أول من تكلم في علم البقاء والفناء، وثبت على المشقة والعناء، وحفظ العهود والوصايا، وصبر على المحن والرزايا، واعتزل مخالطة البرايا، إلى أن حل بساحة المنايا. أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، خدم [ص:157] الرسول، وتعلم الأصول، ونبذ الفضول. وقد قيل: «إن التصوف التأله والتدله، عن غلبات التوله»
حدثنا محمد بن إسحاق بن أيوب، ثنا يوسف بن يعقوب القاضي، ثنا سليمان بن حرب، ثنا أبو هلال محمد بن سليم، ثنا حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، قال: قال لي أبو ذر رضي الله تعالى عنه: «يا ابن أخي صليت قبل الإسلام بأربع سنين»، قال له: من كنت تعبد؟ قال: «إله السماء»، قلت: فأين كانت قبلتك؟ قال: «حيث وجهني الله عز وجل»
حدثنا أبو بكر بن خلاد، ثنا الحارث بن أبي أسامة، ثنا أبو النضر، ثنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، أنه قال: «يا ابن أخي قد صليت قبل أن ألقى، رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين»، قلت: لمن؟ قال: «لله عز وجل»، قلت: أين توجه؟ قال: «حيث وجهني الله عز وجل، أصلي عشاء حتى إذا كان من آخر السحر ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس»
حدثنا أبو بكر بن خلاد، ثنا الحارث بن أبي أسامة، ثنا عبد الله بن الرومي، ثنا النضر بن محمد، ثنا عكرمة بن عمار، ثنا أبو زميل، عن مالك بن مرثد، عن أبيه، عن أبي ذر، رضي الله تعالى عنه قال: «كنت رابع الإسلام، أسلم قبلي ثلاثة وأنا الرابع»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم القرشي، ثنا محمد بن عائذ، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا أبو طرفة عباد بن الريان اللخمي قال: سمعت عروة بن رويم يقول: حدثني عامر بن لدين، قال: سمعت أبا ليلى الأشعري، يقول: حدثني أبو ذر، قال: " إن أول ما دعاني إلى الإسلام أنا أصابتنا السنة، فحملت أمي وأخي أنيسا إلى أصهار لنا بأعلى نجد، فلما حللنا بهم أكرمونا، فمشى رجل من الحي إلى خالي فقال: إن أنيسا يخالفك إلى أهلك فحز في قلبه، فانصرفت من رعية إبلي فوجدته كئيبا يبكي، فقلت: ما بكاؤك يا خال؟ فأعلمني الخبر فقلت: حجز الله من ذلك، إنا نعاف الفاحشة، وإن كان الزمان قد أخل بنا، فاحتملت بأخي وأمي حتى نزلنا بحضرة مكة، فأتيت مكة وقد بلغني أن بها صابئا، أو مجنونا أو ساحرا، فقلت: أين هذا الذي تزعمونه؟ قالوا: ها هو ذاك حيث
ترى، فانقلبت إليه، فوالله ما جزت عنهم قيد حجر حتى أكبوا علي بكل عظيم وحجر ومدر فضرجوني بدمي، فأتيت البيت فدخلت بين الستور والبناء وصومت فيه ثلاثين يوما لا أكل ولا أشرب إلا من ماء زمزم، قال: فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدي أبو بكر رضي الله تعالى عنه فقال: يا أبا ذر فقلت: لبيك يا أبا بكر، فقال: " هل كنت تأله في جاهليتك؟ قال: قلت: «نعم، لقد رأيتني أقوم عند الشمس فلا أزال مصليا حتى يؤذيني حرها فأخر كأني خفاء» فقال لي: فأين كنت توجه؟ فقلت: «لا أدري إلا حيث يوجهني الله عز وجل، حتى أدخل الله علي الإسلام»
حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا قطن بن نسير، ثنا جعفر بن سليمان، ثنا أبو طاهر، عن أبي يزيد المدني، عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنه، عن أبي ذر، رضي الله تعالى عنه قال: " أقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فعلمني الإسلام، وقرأت من القرآن شيئا فقلت: يا رسول الله إني أريد أن أظهر ديني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أخاف عليك أن تقتل»، قلت: لا بد منه وإن قتلت، قال: فسكت عني، فجئت وقريش حلقا يتحدثون في المسجد فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فانتفضت الخلق فقاموا فضربوني، حتى تركوني كأني نصب أحمر، وكانوا يرون أنهم قد قتلوني، فأفقت فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى ما بي من الحال، فقال لي: ألم أنهك؟ " فقلت: يا رسول الله كانت حاجة في نفسي فقضيتها، فأقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «الحق بقومك، فإذا بلغك ظهوري فأتني»
حدثنا حبيب بن الحسن، ثنا أبو مسلم الكشي، ثنا عمرو بن حكام، ثنا المثنى بن سعيد، ثنا أبو جمرة، أن ابن عباس، أخبرهم عن بدو، إسلام أبي ذر، قال: دخل أبو ذر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله مرني بما شئت، فقال: «ارجع إلى أهلك حتى يأتيك خبري»، فقلت: والله ما كنت لأرجع حتى أصرخ بالإسلام، فخرج إلى المسجد فصاح بأعلى صوته فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فقال المشركون [ص:159]: صبأ الرجل، صبأ الرجل، فقاموا إليه فضربوه حتى سقط، فمر به العباس فقال: يا معشر قريش أنتم تجار وطريقكم على غفار، أتريدون أن يقطع الطريق؟ فأكب عليه العباس فتفرقوا، فلما كان الغد عاد إلى مثل قوله فقاموا إليه فضربوه، فمر به العباس فقال لهم مثل ما قال، ثم أكب عليه "
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا بشر بن موسى، ثنا المقرئ، ثنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، رضي الله تعالى عنه قال: «أتيت مكة فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم، فخررت مغشيا علي، فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر»
حدثنا محمد بن إسحاق بن أيوب، ثنا يوسف بن يعقوب، ثنا سليمان بن حرب، ثنا أبو هلال الراسبي، ثنا حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، قال: قال لي أبو ذر رضي الله تعالى عنه: قدمت مكة فقلت: أين هذا الصابئ؟ فقالوا: الصابئ الصابئ فأقبلوا يرمونني بكل عظم وحجر حتى تركوني مثل النصب الأحمر، فلما ضربني برد السحر أفقت، وتحملت حتى أتيت زمزم فاغتسلت من مائها وشربت منه، وكنت بين الكعبة وأستارها ثلاثين ليلة بأيامها، ما لي طعام ولا شراب إلا ماء زمزم، حتى تكسر عكن بطني وما وجدت على كبدي من سخفة جوع، حتى إذا كانت ذات ليلة جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت وصلى خلف المقام، فكنت أول من حياه بالإسلام - أو قال: بالسلام - فقلت: السلام عليك، فقال: «وعليك ورحمة الله»
حدثنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود، ثنا سليمان بن المغيرة، ثنا حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، رضي الله تعالى عنه قال: " انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين قضى صلاته فقلت: السلام عليك، فقال: «وعليك السلام»، فكنت أول من حياه بتحية الإسلام "
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا الحسن بن علي بن الهذيل الواسطي، والطوسي، قالا: ثنا محمد بن حرب، ثنا يحيى بن أبي زكريا الغساني، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن بديل بن ميسرة، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، رضي الله تعالى عنه قال: " أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم [ص:160] بست: حب المساكين، وأن أنظر إلى من هو تحتي، ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأن أقول الحق وإن كان مرا، وأن لا تأخذني في الله لومة لائم "
حدثنا محمد بن معمر، ثنا أبو شعيب الحراني، ثنا يحيى بن عبد الله، ثنا الأوزاعي، حدثني مرثد أبو كبير، عن أبيه، عن أبي ذر، أن رجلا، أتاه فقال: إن مصدقي عثمان ازدادوا علينا، أنغيب عنهم بقدر ما ازدادوا علينا؟ فقال: «لا، قف مالك، وقل ما كان لكم من حق فخذوه، وما كان باطلا فذروه، فما تعدوا عليك جعل في ميزانك يوم القيامة»، وعلى رأسه فتى من قريش فقال: أما نهاك أمير المؤمنين عن الفتيا؟ فقال: «أرقيب أنت علي؟ فوالذي نفسي بيده لو وضعتم الصمصامة ههنا، ثم ظننت أني منفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تحتزوا لأنفذتها»
حدثنا محمد بن أحمد بن محمد، ثنا عبد الله بن محمد بن عبد الكريم، ثنا الحسن بن إسماعيل بن راشد الرملي، ثنا ضمرة بن سعيد، ثنا ابن شوذب، عن مطرف، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت ابن أخي أبي ذر، قال: دخلت مع عمي على عثمان، فقال لعثمان: ائذن لي في الربذة، فقال: نعم، ونأمر لك بنعم من نعم الصدقة تغدو عليك وتروح، قال: لا حاجة لي في ذلك، تكفي أبا ذر صرمته " ثم قام فقال: «اعزموا دنياكم، ودعونا وربنا وديننا» وكانوا يقتسمون مال عبد الرحمن بن عوف، وكان عنده كعب فقال عثمان لكعب: ما تقول فيمن جمع هذا المال فكان يتصدق منه ويعطي في السبل ويفعل ويفعل؟ قال: إني لأرجو له خيرا، فغضب أبو ذر ورفع العصا على كعب وقال: «وما يدريك يا ابن اليهودية؟ ليودن صاحب هذا المال يوم القيامة لو كانت عقارب تلسع السويداء من قلبه»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا أحمد بن أسد، ثنا أبو معاوية، عن موسى بن عبيدة، عن عبد الله بن خراش، قال: " رأيت أبا ذر رضي الله تعالى عنه بالربذة في ظلة له سوداء، وتحته امرأة له سحماء، وهو جالس على قطعة جوالق [ص:161]، فقيل له: إنك امرؤ ما يبقى لك ولد، فقال: «الحمد لله الذي يأخذهم من دار الفناء، ويدخرهم في دار البقاء»، قالوا: يا أبا ذر لو اتخذت امرأة غير هذه، قال: «لأن أتزوج امرأة تضعني أحب إلي من امرأة ترفعني»، فقالوا له: لو اتخذت بساطا ألين من هذا، فقال: «اللهم اغفر خذ مما خولت ما بدا لك»
حدثنا أبو بكر بن خلاد، ثنا الحارث بن أبي أسامة، ثنا عفان، ثنا همام، ثنا قتادة، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي: أنه دخل على أبي ذر رضي الله تعالى عنه وهو بالربذة، وعنده امرأة له سوداء شعثة، ليس عليها أثر المجاسد والخلوق، قال: فقال: ألا تنظرون إلى ما تأمرني به هذه السوداء؟ تأمرني أن آتي العراق، فإذا أتيت العراق مالوا علي بدنياهم، وإن خليلي عهد إلي أن دون جسر جهنم طريقا ذا دحض ومزلة، وأنا إن نأتي عليه وفي أحمالنا اقتدار أحرى أن ننجو من أن نأتي عليه ونحن مواقير "
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا يزيد، ثنا محمد بن عمرو، عن أبي بكر بن المنكدر، قال: بعث حبيب بن مسلمة، وهو أمير الشام إلى أبي ذر بثلاثمائة دينار وقال: استعن بها على حاجتك، فقال أبو ذر: «ارجع بها إليه، أما وجد أحدا أغر بالله منا؟ ما لنا إلا ظل نتوارى به، وثلة من غنم تروح علينا، ومولاة لنا تصدقت علينا بخدمتها، ثم إني لأتخوف الفضل»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس، ثنا أبي، ثنا بكر بن عياش، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، قال: بلغ الحارث رجل كان بالشام - من قريش أن أبا ذر به عوز، فبعث إليه بثلاثمائة دينار، فقال: ما وجد عبدا لله تعالى هو أهون عليه مني؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سأل وله أربعون فقد ألحف»، ولآل أبي ذر أربعون درهما، وأربعون شاة، وماهنان "
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا أبي، ثنا يزيد بن هارون، ثنا محمد بن عمرو، قال: سمعت عراك بن مالك، يقول: قال أبو ذر رضي الله عنه: إني لأقربكم مجلسا من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ص:162] يقول: «إن أقربكم مني مجلسا يوم القيامة من خرج من الدنيا كهيئة ما تركته فيها»، وإنه والله ما منكم من أحد إلا وقد تشبث بشيء منها غيري
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، رضي الله تعالى عنه، قال: قيل له: ألا تتخذ ضيعة كما اتخذ فلان وفلان؟ قال: «وما أصنع بأن أكون أميرا؟ وإنما يكفيني كل يوم شربة ماء أو لبن، وفي الجمعة قفيز من قمح»
حدثنا محمد بن علي بن حبيش، ثنا يوسف بن موسى بن عبد الله المروزي، ثنا عبد الله بن خبيق، ثنا يوسف بن أسباط، ثنا سفيان الثوري، - أراه عن حبيب بن حسان، - عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، قال: «كان قوتي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا، فلا أزيد عليه حتى ألقى الله عز وجل»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن الفضل السقطي، ثنا إبراهيم بن المستمر العروقي، ثنا إسحاق بن إدريس، ثنا بكار بن عبد الله بن عبيدة، حدثني عمي موسى بن عبيدة، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، عن أبي ذر، رضي الله تعالى عنه قال: بينا أنا واقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: «يا أبا ذر أنت رجل صالح، وسيصيبك بلاء بعدي»، قلت: في الله؟ قال: «في الله»، قلت: مرحبا بأمر الله "
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني سفيان بن وكيع، ثنا سفيان بن عيينة، عن علي بن زيد، عمن سمع أبا ذر، رضي الله تعالى عنه يقول: «إن بني أمية تهددني بالفقر والقتل، ولبطن الأرض أحب إلي من ظهرها، وللفقر أحب إلي من الغنى»، فقال له رجل: يا أبا ذر ما لك إذا جلست إلى قوم قاموا وتركوك؟ قال: «إني أنهاهم عن الكنوز»
حدثنا سليمان بن أحمد، ومحمد بن علي بن حبيش، قالا: ثنا أبو شعيب الحراني، ثنا عفان بن مسلم، ثنا همام، ثنا قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر، رضي الله عنه قال: إن خليلي صلى الله عليه وسلم عهد إلي أنه «أيما ذهب أو فضة أوكئ عليه فهو جمر على صاحبه حتى ينفقه في سبيل الله عز وجل»
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله [ص:163] بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا عبد الصمد، ثنا عبد الله بن بجير، ثنا ثابت، أن أبا ذر، مر بأبي الدرداء رضي الله تعالى عنهما، وهو يبني بيتا له، فقال: «لقد حملت الصخر على عواتق الرجال» فقال: إنما هو بيت أبنيه، فقال له أبو ذر رضي الله تعالى عنه مثل ذلك، فقال: يا أخي لعلك وجدت علي في نفسك من ذلك، قال: «لو مررت بك وأنت في عذرة أهلك كان أحب إلي مما رأيتك فيه»
حدثنا أبي، وأبو محمد بن حيان، قالا: ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، ثنا أحمد بن سعيد، ثنا ابن وهب، قال: سمعت يحيى بن أيوب، يحدث، عن عبيد الله بن زحر، أن أبا ذر، رضي الله تعالى عنه قال: " يولدون للموت، ويعمرون للخراب، ويحرصون على ما يفنى، ويتركون ما يبقى، ألا حبذا المكروهان: الموت والفقر "
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا أبو يحيى الرازي، ثنا هناد بن السري، ثنا عبدة بن سليمان، عن عمرو بن ميمون، عن أبيه، عن رجل من بني سليم يقال له: عبد الله بن سيدان، عن أبي ذر، أنه قال: " في المال ثلاثة شركاء: القدر لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو شرها من هلاك أو موت، والوارث ينتظر أن تضع رأسك ثم يستاقها، وأنت ذميم. فإن استطعت أن لا تكون أعجز الثلاثة فلا تكونن، فإن الله عز وجل يقول: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 92]، ألا وإن هذا الجمل مما كنت أحب من مالي، فأحببت أن أقدمه لنفسي "
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، ثنا سفيان، عن عمار الدهني، عن أبي شعبة، قال: جاء رجل إلى أبي ذر رضي الله عنه فعرض عليه نفقة، فقال أبو ذر: «عندنا أعنز نحلبها، وحمر تنقل، ومحررة تخدمنا، وفضل عباءة عن كسوتنا، وإني أخاف أن أحاسب على الفضل»
حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا أبو يحيى الرازي، ثنا هناد بن السري، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن ابن الأبرق الغفاري، عن أبي ذر، رضي الله تعالى عنه قال: «ليأتين عليكم زمان يغبط الرجل فيه بخفة الحاذ كما يغبط اليوم فيكم [ص:164] أبو عشرة»
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا سيار، ثنا جعفر، ثنا الجريري، عن أبي السليل، قال: جاءت ابنة أبي ذر وعليها مجنبتا صوف، سفعاء الخدين، ومعها قفة لها، فمثلت بين يديه وعنده أصحابه، فقالت: يا أبتاه زعم الحراثون والزراعون أن أفلسك هذه بهرجة؟ فقال: «يا بنية ضعيها فإن أباك أصبح بحمد الله ما يملك من صفراء ولا بيضاء إلا أفلسه هذه»
حدثنا أحمد بن جعفر، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، قال: حدثني سليمان، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، رضي الله تعالى عنه قال: «ذو الدرهمين أشد حسابا من ذي الدرهم»
حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا أبو يحيى الرازي، ثنا هناد بن السري، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي ذر، رضي الله تعالى عنه قال: «والله لو تعلمون ما أعلم ما انبسطتم إلى نسائكم، ولا تقاررتم على فرشكم، والله لوددت أن الله عز وجل خلقني يوم خلقني شجرة تعضد ويؤكل ثمرها»
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا سيار، ثنا جعفر، ثنا حازم العبدي، حدثني شيخ، من أهل الشام قال: سمعت أبا ذر، رضي الله تعالى عنه يقول: «من أراد الجنة فليصمد صمدها»
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا عبد الرحمن بن فضالة، عن بكر بن عبد الله، عن أبي ذر، رضي الله تعالى عنه قال: «يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الملح من الطعام»
حدثنا أبي، ثنا محمد بن إبراهيم بن يحيى، ثنا يعقوب الدورقي، ثنا عبد الرحمن، ثنا قرة بن خالد، عن عون بن عبد الله، قال: قال أبو ذر: «هل ترى الناس ما أكثرهم، ما فيهم خير إلا تقي أو تائب»
حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا عبد الله بن محمد بن عمران، ثنا حسين المروزي، ثنا الهيثم بن جميل، ثنا صالح المري، عن محمد بن واسع، أن رجلا من البصرة ركب إلى أم ذر بعد وفاة أبي ذر يسألها عن عبادة أبي ذر، فأتاها فقال: جئتك لتخبريني عن عبادة أبي ذر رضي الله تعالى عنه، قالت: «كان النهار أجمع خاليا يتفكر»
حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفي، ثنا [ص:165] أبو خليفة، ثنا أبو ظفر، ثنا جعفر بن سليمان، عن عثمان، قال: بلغنا أن رجلا، رأى أبا ذر رضي الله تعالى عنه وهو يتبوأ مكانا فقال له: ما تريد يا أبا ذر؟ فقال: «أطلب موضعا أنام فيه، نفسي هذه مطيتي إن لم أرفق بها لم تبلغني»
مواعظه
حدثنا عثمان بن محمد العثماني، ثنا أبو بكر الأهوازي، ثنا الحسن بن عثمان، ثنا محمد بن إدريس، ثنا محمد بن روح، ثنا عمران بن عمر، عن سفيان الثوري، قال: قام أبو ذر الغفاري عند الكعبة فقال: يا أيها الناس أنا جندب الغفاري، هلموا إلى الأخ الناصح الشفيق، فاكتنفه الناس، فقال: أرأيتم لو أن أحدكم أراد سفرا، أليس يتخذ من الزاد لا يصلحه ويبلغه؟ قالوا: بلى، قال: فسفر طريق القيامة أبعد ما تريدون، فخذوا منه ما يصلحكم، قالوا: وما يصلحنا؟ قال: " حجوا حجة لعظام الأمور، صوموا يوما شديدا حره لطول النشور، صلوا ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور، كلمة خير تقولها أو كلمة سوء تسكت عنها لوقوف يوم عظيم، تصدق بمالك لعلك تنجو من عسيرها، اجعل الدنيا مجلسين: مجلسا في طلب الآخرة، ومجلسا في طلب الحلال، والثالث يضرك ولا ينفعك، لا تريده. اجعل المال درهمين: درهما تنفقه على عيالك من حله، ودرهما تقدمه لآخرتك، والثالث يضرك ولا ينفعك، لا تريده. ثم نادى بأعلى صوته: يا أيها الناس قد قتلكم حرص لا تدركونه أبدا "
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا عبد الله بن محمد، قال: سمعت شيخا، يقول: بلغنا أن أبا ذر، كان يقول: «يا أيها الناس إني لكم ناصح، إني عليكم شفيق، صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور، صوموا في الدنيا لحر يوم النشور، تصدقوا مخافة يوم عسير. يا أيها الناس إني لكم ناصح، إني عليكم شفيق»
حدثنا حبيب بن الحسن، ثنا أبو مسلم الكشي، ثنا عبد الرحمن بن حماد الشعيثي، ثنا كهمس، عن أبي السليل، عن أبي ذر، رضي الله عنه قال: " كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يتلو علي هذه الآية: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} [الطلاق: 3]، فما زال يقولها ويعيدها علي "
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، ثنا معتمر بن سليمان، ثنا كهمس، عن أبي السليل، عن أبي ذر، رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبا ذر إني لأعلم آية لو أخذ بها الناس لكفتهم: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} [الطلاق: 3]، فما زال يقولها ويعيدها علي "
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا جعفر الفريابي،. وحدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن أنس بن مالك، قالا: ثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني، حدثني أبي، عن جدي، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر، رضي الله عنه قال: دخلت المسجد وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده، فجلست إليه فقال: «يا أبا ذر إن للمسجد تحية، وإن تحيته ركعتان، فقم فاركعها»، قال: فقمت فركعتها ثم عدت فجلست إليه فقلت: يا رسول الله إنك أمرتني بالصلاة، فما الصلاة؟ قال: «خير موضوع استكثر أو استقل»
قلت: يا رسول الله فأي الأعمال أفضل؟ قال: «إيمان بالله عز وجل، وجهاد في سبيله»
قال: قلت: يا رسول الله فأي المؤمنين أكملهم إيمانا؟ قال: «أحسنهم خلقا»
قال: قلت: يا رسول الله فأي المؤمنين أسلم؟ قال: «من سلم الناس من لسانه ويده»
قال: قلت: يا رسول الله فأي الهجرة أفضل؟ قال: «من هجر السيئات»
قال: قلت: يا رسول الله فأي الصلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت»
قال: قلت: يا رسول الله فما الصيام؟ قال: «فرض مجزى، وعند الله أضعاف كثيرة»
قال: قلت: يا رسول الله فأي الجهاد أفضل؟ قال: «من عقر جواده، وأهريق دمه»
قال: قلت: يا رسول الله فأي الرقاب أفضل؟ قال: «أغلاها ثمنا، وأنفسها عند ربها»
قال: قلت: يا رسول الله فأي الصدقة أفضل؟ قال: «جهد من مقل يسر إلى فقير»
قلت: يا رسول الله فأي آية مما أنزل الله عز وجل [ص:167] عليك أعظم؟ قال: «آية الكرسي»، ثم قال: «يا أبا ذر ما السماوات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة»
قلت: يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال: «مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا»، قلت: يا رسول الله كم الرسل؟ قال: «ثلاثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا»، قلت: كثير طيب، قلت: يا رسول الله من كان أولهم؟ قال: «آدم»، قلت: يا رسول الله أنبي مرسل؟ قال: «نعم، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، ثم سواه قبلا». وقال أحمد بن أنس: «ثم كلمه قبلا»، ثم قال: " يا أبا ذر أربعة سريانيون: آدم، وشيث، وخنوخ - وهو إدريس - وهم أول من خط بالقلم، ونوح. وأربعة من العرب: هود، وصالح، وشعيب، ونبيك يا أبا ذر "
قال: قلت: يا رسول الله كم كتاب أنزله الله تعالى؟ قال: «مائة كتاب وأربعة كتب، أنزل على شيث خمسون صحيفة، وأنزل على خنوخ ثلاثون صحيفة، وأنزل على إبراهيم عشر صحائف، وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف، وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان»
قال: قلت: يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم؟ قال: " كانت أمثالا كلها: أيها الملك المسلط المبتلى المغرور، فإني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها ولو كانت من كافر، وكان فيها أمثال: على العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن تكون له ساعات: ساعة يناجي فيها ربه عز وجل، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يفكر فيها في صنع الله عز وجل، وساعة يخلو فيها بحاجته من المطعم والمشرب، وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا لثلاث: تزود لمعاد، أو مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شأنه، حافظا للسانه، ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه "
قلت: يا رسول الله فما كان صحف موسى عليه السلام؟ قال: " كانت عبرا كلها: عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح، عجبت لمن أيقن بالنار وهو يضحك، عجبت لمن أيقن للقدر ثم هو [ص:168] ينصب، عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم اطمأن إليها، عجبت لمن أيقن بالحساب غدا ثم لا يعمل "
قلت: يا رسول الله أوصني، قال: أوصيك بتقوى الله؛ فإنه رأس الأمر كله "
قلت: يا رسول الله زدني، قال: «عليك بتلاوة القرآن؛ فإنه نور لك في الأرض، وذكر لك في السماء»
قلت: يا رسول الله زدني، قال: «إياك وكثرة الضحك؛ فإنه يميت القلب، ويذهب بنور الوجه»
قلت: يا رسول الله زدني، قال: «عليك بالصمت إلا من خير، فإنه مطردة للشيطان عنك، وعون لك على أمر دينك»
قلت: يا رسول الله زدني، قال: «عليك بالجهاد؛ فإنه رهبانية أمتي»
قلت: يا رسول الله زدني، قال: «حب المساكين وجالسهم»
قلت: يا رسول الله زدني، قال: «انظر إلى من تحتك، ولا تنظر إلى من فوقك، فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عندك»
قلت: زدني يا رسول الله، قال: «صل قرابتك وإن قطعوك»
قلت: يا رسول الله زدني، قال: «لا تخف في الله تعالى لومة لائم»
قلت: يا رسول الله زدني، قال: «قل الحق وإن كان مرا»
قلت: يا رسول الله زدني، قال: «يردك عن الناس ما تعرف من نفسك، ولا تجد عليهم فيما تأتي، وكفى به عيبا أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك، أو تجد عليهم فيما تأتي»، ثم ضرب بيده على صدري فقال: «يا أبا ذر لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق» السياق للحسن بن سفيان ورواه المختار بن غسان، عن إسماعيل بن سلمة، عن أبي إدريس. ورواه علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن أبي ذر. ورواه عبيد بن الحسحاس، عن أبي ذر. ورواه معاوية بن صالح، عن أبي عبد الملك محمد بن أيوب، عن ابن عائذ، عن أبي ذر، بطوله. ورواه ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن أبي ذر، بطوله. تفرد به عنه يحيى بن سعيد العبشمي حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا محمد بن العباس بن أيوب، ثنا محمد بن مرزوق، ثنا يحيى بن سعيد العبشمي، من بني سعد بن تيم، ثنا ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن أبي ذر، رضي الله تعالى عنه قال [ص:169]: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد جالس، فاغتنمت خلوته، ثم ذكر مثله، وزاد قلت: يا رسول الله هل لي في الدنيا شيء مما أنزل الله عليك مما كان في صحف إبراهيم وموسى؟ قال: " يا أبا ذر اقرأ: {قد أفلح من تزكى} [الأعلى: 14] إلى آخر السورة قال الشيخ رحمه الله تعالى: وكان أبو ذر رضي الله تعالى عنه للرسول صلى الله عليه وسلم ملازما وجليسا، وعلى مساءلته والاقتباس منه حريصا، وللقيام على ما استفاد منه أنيسا، سأله عن الأصول والفروع، وسأله عن الإيمان والإحسان، وسأله عن رؤية ربه تعالى، وسأله عن أحب الكلام إلى الله تعالى، وسأله عن ليلة القدر: أترفع مع الأنبياء أم تبقى؟ وسأله عن كل شيء حتى عن مس الحصا في الصلاة
حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا محمد بن خالد بن عبد الله، ثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي ذر، قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل شيء، حتى سألته عن مس الحصا، فقال: «مسه مرة أو دع» قال الشيخ رحمه الله: تخلى من الدنيا، وتشمر للعقبى، وعانق البلوى، إلى أن لحق بالمولى
حدثنا أبو حامد بن جبلة، ثنا أبو العباس السراج، ثنا إسحاق بن راهويه، أخبرنا وهب بن جرير، حدثني أبي قال: سمعت محمد بن إسحاق، يقول: حدثني بريدة بن سفيان، عن القرطبي، قال: " خرج أبو ذر إلى الربذة فأصابه قدره، فأوصاهم أن اغسلوني وكفنوني ثم ضعوني على قارعة الطريق، فأول ركب يمرون بكم فقولوا: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على غسله ودفنه «فأقبل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في ركب من أهل العراق»
حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا عباس بن الوليد، وحدثنا أحمد بن محمد بن سنان، ثنا محمد بن إسحاق الثقفي، ثنا الحسن بن الصباح، قالا: ثنا يحيى بن سليم، ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن مجاهد، عن إبراهيم [ص:170] بن الأشتر، عن أبيه الأشتر، عن أم ذر، قالت: لما حضرت أبا ذر رضي الله عنه الوفاة بكيت، فقال: ما يبكيك؟ قالت: أبكي أنه لا يدلي بتكفينك، وليس لي ثوب من ثيابي يسعك كفنا، وليس لك ثوب يسعك كفنا، قال: فلا تبكي؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر، أنا فيهم: «ليموتن منكم رجل بفلاة من الأرض، فتشهده عصابة من المؤمنين»، وليس من أولئك النفر رجل إلا وقد مات في قرية وجماعة من المسلمين، وأنا الذي أموت بفلاة، والله ما كذبت ولا كذبت، فانظري الطريق، فقالت: أني وقد انقطع الحاج. فكانت تشتد إلى كثيب تقوم عليه تنظر ثم ترجع إليه فتمرضه، ثم ترجع إلى الكثيب، فبينما هي كذلك إذا بنفر تخب بهم رواحلهم كأنهم الرخم على رحالهم، فألاحت بثوبها، فأقبلوا حتى وقفوا عليها قالوا: ما لك؟ قالت: امرؤ من المسلمين تكفنونه يموت، قالوا: من هو؟ قالت: أبو ذر، فغدوه بإبلهم ووضعوا السياط في نحورها يستبقون إليه، حتى جاءوه وقال: أبشروا، فحدثهم وقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم: «ليموتن منكم رجل بفلاة من الأرض، تشهده عصابة من المؤمنين»، وليس منهم أحد إلا وقد هلك في قرية وجماعة، وأنا الذي أموت بالفلاة. أنتم تسمعون إنه لو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي أو لامرأتي لم أكفن إلا في ثوب لي أو لها، أنتم تسمعون إني أنشدكم الله والإسلام أن لا يكفنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو نقيبا أو بريدا. فليس أحد من القوم إلا قارف بعض ما قال إلا فتى من الأنصار قال: يا عم أنا أكفنك، لم أصب مما ذكرت شيئا، أكفنك في ردائي هذا الذي علي، وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي حاكتهما لي، قال: أنت فكفني، فكفنه الأنصاري، وفي النفر الذي شهدوه منهم حجر بن الأدبر، ومالك بن الأشتر، في نفر كلهم يمان "
دار الكتاب العربي - بيروت-ط 0( 1985) , ج: 1- ص: 156
السعادة -ط 1( 1974) , ج: 1- ص: 156
جندب بن جنادة وذكر جندب بن جنادة أبا ذر الغفاري، وقد تقدم ذكرنا له ولحاله ولقدمه، وأنه رابع الإسلام، وأنه كان من قطان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، فكان متوحدا متعبدا، فربما أحدث العهد بأهل الصفة مستأنسا بهم فذكر في جملتهم لهذا
حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا جبارة بن المغلس، ثنا عبد الحميد بن بهرام، ثنا شهر بن حوشب، حدثتني أسماء بنت يزيد، أن أبا ذر، رضي الله عنه كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إذا فرغ من خدمته أوى إلى المسجد فكان هو بيته فاضطجع فيه، فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فوجد أبا ذر نائما منجدلا في المسجد فركله برجله حتى استوى جالسا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أراك نائما فيه؟»، فقال أبو ذر: فأين أنام؟ ما لي بيت غيره، فجلس إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم’’
حدثت عن أبي سعيد أحمد بن محمد بن زياد، ثنا محمد بن عبيد الله العامري، ثنا بكر بن عبد الوهاب، ثنا محمد بن عمر الأسلمي، ثنا موسى بن عبيدة، عن نعيم المجمر، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنت من أهل الصفة، فكنا إذا أمسينا حضرنا باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر كل رجل فينصرف برجل، فيبقى من بقي من أهل الصفة عشرة أو أكثر أو أقل، فيؤتى النبي صلى الله عليه وسلم بعشائه فنتعشى معه، فإذا فرغنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ناموا في المسجد»، قال: فمر علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا نائم على وجهي فغمزني برجله وقال: «يا جندب، ما هذه الضجعة، فإنها ضجعة الشيطان»
دار الكتاب العربي - بيروت-ط 0( 1985) , ج: 1- ص: 352
السعادة -ط 1( 1974) , ج: 1- ص: 352
جندب بن جنادة أبو ذر الغفاري، على أنه قد اختلف في اسمه، فقيل ما ذكرنا. وقيل برير بن جندب، ويقال برير بن عشرقة، وبرير بن جنادة. ويقال برير بن جنادة، كذا قال ابن إسحاق. وقيل برير بن جندب أيضا عن ابن إسحاق، ويقال جندب بن عبد الله. ويقال جندب بن السكن، والمشهور المحفوظ جندب بن جنادة، واختلف فيما بعد جنادة أيضا، فقيل: جنادة بن قيس بن عمرو بن صعير بن عبيد بن حرام بن غفار.
وقيل جندب بن جنادة بن صعير بن عبيد بن حرام بن غفار. وقيل: جندب ابن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار.
وأمه رملة بنت الوقيعة من بني غفار أيضا.
كان إسلام أبي ذر قديما، فيقال: بعد ثلاثة، ويقال بعد أربعة، وقد روى عنه أنه قال: أنا ربع الإسلام. وقيل كان خامسا، ثم رجع إلى بلاد قومه بعد ما أسلم فأقام بها حتى مضت بدر وأحد والخندق، ثم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فصحبه إلى أن مات، ثم خرج بعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه إلى الشام، فلم يزل بها حتى ولي عثمان رضي الله عنه. ثم استقدمه عثمان لشكوى معاوية به وأسكنه الربذة، فمات بها وصلى عليه عبد الله بن مسعود، صادفه وهو مقبل من الكوفة، مع نفر فضلاء من أصحابه، منهم: حجر بن الأدبر، ومالك بن الحارث الأشتر، وفتى من الأنصار، دعتهم امرأته إليه فشهدوا موته، وغمضوا عينيه، وغسلوه وكفنوه في ثياب الأنصاري في خبر عجيب حسن فيه طول.
وفي خبر غيره أن ابن مسعود لما دعي إليه وذكر له بكى بكاء طويلا.
وقد قيل: إن ابن مسعود كان يومئذ مقبلا من المدينة إلى الكوفة فدعى إلى الصلاة عليه، فقال ابن مسعود: من هذا؟ قيل: أبو ذر. فبكى بكاء طويلا. وقال: أخي وخليلي، عاش وحده، ومات وحده، ويبعث وحده، طوبى له.
وكانت وفاته بالربذة سنة ثنتين وثلاثين، وصلى عليه ابن مسعود رضي الله عنهما.
وذكر علي بن المديني، قال أخبرنا يحيى بن سليم، قال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن مجاهد عن إبراهيم بن الأشتر، عن أبيه عن أم ذر زوجة أبي ذر، قالت: لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت. فقال لي: ما يبكيك؟ فقلت: وما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض، وليس عندي ثوب يسعك كفنا لي ولا لك؟ ولا يد لي للقيام يجهازك. قال: فابشري ولا تبكي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة فيصبران ويحتسبان فيريان النار أبدا، وقد مات لنا ثلاثة من الولد. وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض، تشهده عصابة من المؤمنين، وليس من أولئك الفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة، فأنا ذلك الرجل، والله ما كذبت ولا كذبت فأبصرى الطريق.
قلت: وأنى وقد ذهب الحاج، وتقطعت الطريق؟ قال اذهبي فتبصري.
قالت: فكنت أشتد إلى الكثيب فأنظر ثم أرجع إليه فأمرضه، فبينا هو وأنا كذلك، إذ أنا برجال على رحالهم كأنهم الرخم تحث بهم رواحلهم، فأسرعوا إلي حتى وقفوا علي فقالوا: يا أمة الله، مالك؟ قلت: امرؤ من المسلمين يموت، تكفنونه؟ قالوا: ومن هو؟ قلت: أبو ذر. قالوا: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: نعم. قالت: ففدوه بآبائهم وأمهاتهم، وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه، فقال لهم. أبشروا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين. وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد هلك في قرية وجماعة، والله ما كذبت، ولا كذبت، ولو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي أو لامرأتي لم أكفن إلا في ثوب هو لي أو لها، وإني أنشدكم لله ألا يكفني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو بريدا أو نقيبا، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال، إلا فتى من الأنصار، فقال: أنا أنا أكفنك يا عم في ردائي هذا، وفي ثوبين في غيبتي من غزل أمى. قال: أنت تكفني يا بني.
قال: فكفنه الأنصاري وغسله في النفر الذين حضروه، وقاموا عليه ودفنوه في نفر كلهم يمان. وروى عنه جماعة من الصحابة، وكان من أوعية العلم المبرزين في الزهد والورع والقول بالحق، سئل علي رضي الله عنه عن أبي ذر فقال: ذلك رجل وعى علما عجز عنه الناس، ثم أوكأ عليه، ولم يخرج شيئا منه. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أبو ذر في أمتي شبيه عيسى ابن مريم في زهده. وبعضهم يرويه من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى ابن مريم، فلينظر إلى أبي ذر. ومن حديث ورقاء وغيره، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظلت الخضراء ولا أفلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر، ومن سره أن ينظر إلى تواضع عيسى فلينظر إلى أبي ذر.
وروى عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي الدرداء وغيره أنه قال: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر. وقد ذكرنا إسناد حديث أبي الدرداء في باب اسمه من الكنى من كتابنا هذا إن شاء الله عز وجل.
وروى إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: كان قوتي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعا من تمر، فلست بزائد عليه حتى ألقى الله تعالى.
وفي بابه في الكنى من خبره ما لم يذكر هنا.
روى الأعمش عن شمر بن عطية عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن ابن غنم قال: كنت عند أبي الدرداء إذ دخل عليه رجل من أهل المدينة فسأله فقال: أين تركت أبا ذر؟ قال: بالربذة. فقال أبو الدرداء: {إنا لله وإنا إليه راجعون} لو أن أبا ذر قطع مني عضوا لما هجته، لما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه.
دار الجيل - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 1- ص: 252
أبو ذر الغفاري ويقال أبو الذر. والأول أكثر وأشهر. واختلف في اسمه اختلافا كثيرا، فقيل جندب بن جنادة، وهو أكثر وأصح وما قيل فيه إن شاء الله تعالى. وقيل: برير بن عبد الله. وبرير بن جنادة. وبرير بن عشرقة وقيل: برير بن جندب وقيل: جندب بن عبد الله. وقيل: جندب بن السكن.
والمشهور جندب بن جنادة بن قيس بن عمرو بن مليل بن صعير بن حرام بن غفار. وقيل جندب بن سفيان بن جنادة بن عبيد بن الواقفة بن الحرام بن غفار ابن مليل بن صمرة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار الغفاري، وأمه رملة بنت الوقيعة، من بني غفار بن مليل أيضا.
كان من كبار الصحابة قديم الإسلام. يقال: أسلم بعد أربعة، فكان خامسا، ثم انصرف إلى بلاد قومه فأقام بها حتى قدم على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وله في إسلامه خبر حسن يروى من حديث ابن عباس، ومن حديث عبد الله بن الصامت عنه.
فأما حديث ابن عباس فأخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن بكر بن داسة، قال: حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث، قال حدثنا محمد بن حاتم بن ميمون، قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا المثنى بن سعيد، عن أبي جمرة، عن ابن عباس، قال: لما بلغ أبا ذر مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قال لأخيه أنيس: اركب إلى هذا الوادي، واعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله، ثم ائتني. فانطلق الأخ حتى قدم مكة وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال: رأيته يأمر بمكة بمكارم الأخلاق، وسمعت منه كلاما ما هو بالشعر. فقال: ما شفيتني فيما أردت، فتزود وحمل شنة له فيها ماء حتى قدم مكة، فأتى المسجد، فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يعرفه، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه الليل، فاضطجع. فرآه علي بن أبي طالب، فقال: كأن الرجل غريب. قال: نعم. قال: انطلق إلى المنزل. فانطلقت معه لا يسألني عن شيء ولا أسأله. قال: فلما أصبحت من الغد رجعت إلى المسجد فبقيت يومي حتى أمسيت، وسرت إلى مضجعي فمر بي علي فقال: أما آن للرجل أن يعرف منزله! فأقامه وذهب به معه وما يسأله واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان اليوم الثالث فعل مثل ذلك فأقامه علي معه، ثم قال له: ألا تحدثني ما الذي أقدمك هذا البلد؟ قال: إن أعطيتني عهدا وميثاقا لترشدني فعلت. ففعل، فأخبره علي رضي الله عنه أنه نبي وأن ما جاء به حق، وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئا أخاف عليك قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني، حتى تدخل معي مدخلي. قال: فانطلقت أقفوه حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخلت معه، وحييت رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحية الإسلام، فقلت: السلام عليك يا رسول الله، فكنت أول من حياه بتحية الإسلام. فقال: وعليك السلام، من أنت؟ قلت: رجل من بني غفار. فعرض علي الإسلام فأسلمت، وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجع إلى قومك فأخبرهم، واكتم أمرك عن أهل مكة، فإني أخشاهم عليك. فقلت: والذي نفسي بيده لأصوتن بها بين ظهرانيهم. فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله. فثار القوم إليه فضربوه حتى أضجعوه، وأتى العباس فأكب عليه وقال: ويلكم، ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجارتكم إلى الشام عليهم، وأنقذه منهم، ثم عاد من الغد إلى مثلها، وثاروا إليه فضربوه، فأكب عليه العباس فأنقذه ثم لحق بقومه، فكان هذا أول إسلام أبي ذر رضي الله تعالى عنه.
وأخبرنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا محمد بن بكر، قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا محمد بن سلمة المرادي، قال. حدثنا ابن وهب، قال: حدثني الليث.
ابن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، قال: قدم أبو ذر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، فأسلم ثم رجع إلى قومه فكان يسخر بآلهتهم، ثم إنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة. فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم وهم في اسمه فقال: أنت أبو نملة، فقال: أنا أبو ذر. قال: نعم أبو ذر. وقد تقدم في باب جندب من خبره ما لم يقع هنا. وتوفي أبو ذر رضي الله عنه بالربذة سنة إحدى وثلاثين أو اثنتين وثلاثين، وصلى عليه ابن مسعود، ثم مات رضي الله عنه بعده في ذلك العام. وقد قيل: توفي سنة أربع وعشرين. والأول أصح إن شاء الله تعالى. وقال علي رضي الله عنه: وعى أبو ذر علما عجز الناس عنه، ثم أوكأ عليه، فلم يخرج شيئا منه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم. أبو ذر في أمتي على زهد عيسى ابن مريم. وقال أبو ذر: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا ذكرناه منه علما.
حدثنا أبو عثمان سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، حدثنا ابن وضاح، حدثنا ابن أبي شيبة، حدثنا الحسن بن موسى الأشيب، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا علي بن زيد بن جدعان، عن بلال بن أبي الدرداء- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر. وقد ذكرنا من أخباره في باب الجيم من الأسماء ما هو أتم من هذا والحمد لله تعالى.
ذكر سيف بن عمر، عن القعقاع بن الصلت، عن رجل من كليب بن
الحلحال، عن الحلحال بن دري الضبي، قال: خرجنا حجاجا مع ابن مسعود سنة أربع وعشرين ونحن أربعة عشر راكبا حتى أتينا على الربذة، فشهدنا أبا ذر فغسلناه وكفناه ودفناه هناك.
دار الجيل - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 4- ص: 1652
أبو ذر
واسمه جندب بن جنادة بن كعيب بن صعير بن الوقعة بن حرام بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: سمعت موسى بن عبيدة يخبر عن نعيم بن عبد الله المجمر عن أبيه قال: اسم أبي ذر جندب بن جنادة. وكذلك قال محمد بن عمر وهشام بن محمد بن السائب الكلبي وغيرهما من أهل العلم.
قال محمد بن عمر: وسمعت أبا معشر نجيحا يقول: واسم أبي ذر برير بن جنادة.
قال: أخبرنا هاشم بن القاسم الكناني أبو النضر قال: حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت الغفاري عن أبي ذر قال: خرجنا من قومنا غفار وكانوا يحلون الشهر الحرام. فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا فانطلقنا حتى نزلنا على خال لنا فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا. قال فحسدنا قومه فقالوا له: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس. قال فجاء خالنا فنثا علينا ما قيل له فقلت: أما ما مضى من معروف فقد كدرت ولا جماع لك فيما بعد. قال فقربنا صرمتنا فاحتملنا عليها وتغطى خالنا بثوبه وجعل يبكي. فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة. فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها فأتيا الكاهن فخبر أنيسا بما هو عليه. قال فأتانا بصرمتنا ومثلها معها وقد صليت بابن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين. فقلت: لمن؟ قال: لله. فقلت: أين توجه؟ قال: أتوجه حيث يوجهني الله. أصلي عشاء حتى إذا كان من آخر السحر ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس. فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة فاكفني حتى آتيك.
فانطلق أنيس فراث علي. يعني أبطأ. ثم جاء فقلت: ما حبسك؟ قال: لقيت رجلا بمكة على دينك يزعم أن الله أرسله. قال: فما يقول الناس له؟ قال: يقولون شاعر كاهن ساحر. وكان أنيس أحد الشعراء. فقال أنيس: والله لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم. ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلا يلتئم على لسان أحد بعيد أنه شعر. والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون! فقلت: اكفني حتى أذهب فأنظر. قال: نعم.
وكن من أهل مكة على حذر فإنهم قد شنعوا له وتجهموا له. فانطلقت فقدمت مكة فاستضعفت رجلا منهم فقلت: أين هذا الذي تدعون الصابئ؟ قال فأشار إلي فقال: هذا الصابئ. فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم فخررت مغشيا علي فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر. فأتيت زمزم فشربت من مائها وغسلت عني الدماء فلبثت بها يا ابن أخي ثلاثين من بين ليلة ويوم ما لي طعام إلا ماء زمزم. فسمنت حتى تكسرت عكن بطني وما وجدت على كبدي سخفة جوع. قال فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان إذ ضرب الله على أصمختهم فما يطوف بالبيت أحد منهم غير امرأتين. فأتتا علي وهما تدعوان إسافا ونائلة. قال فقلت أنكحا أحدهما الآخر. فما ثناهما ذلك عن قولهما. قال فأتتا علي فقلت: هنا مثل الخشبة غير أني لم أكن.
فانطلقتا تولولان وتقولان: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا. قال فاستقبلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهما هابطان من الجبل فقال: ما لكما؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها. قال: فما قال لكما؟ قالتا: قال لنا كلمة تملأ الفم. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه فاستلما الحجر وطافا بالبيت ثم صلى فأتيته حين قضى صلاته فكنت أول من حياه بتحية الإسلام. فقال: وعليك رحمة الله. ممن أنت؟ قال قلت: من غفار. فأهوى بيده إلى جبهته هكذا. قال قلت في نفسي: كره أني انتميت إلى غفار. فذهبت آخذ بيده فقد عني صاحبه وكان أعلم به مني فقال: متى كنت هاهنا؟ قلت: كنت هاهنا منذ ثلاثين من بين ليلة ويوم. قال: فمن كان يطعمك؟ قال قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني فما وجدت على كبدي سخفة جوع. [فقال رسول الله. ص: إنها مباركة. إنها طعام طعم]. قال أبو بكر: يا رسول الله ائذن لي في طعامه الليلة. قال ففعل فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وانطلقت معهما. ففتح أبو بكر بابا فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف. فقال أبو ذر: فذاك أول طعام أكلته بها. قال فغبرت ما غبرت فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم [فقال: إنه قد وجهت إلى أرض ذات نخل ولا أحسبها إلا يثرب فهل أنت مبلغ عني قومك عسى الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم؟] فانطلقت حتى لقيت أخي أنيسا فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت أني قد أسلمت وصدقت. قال أنيس: ما بي رغبة عن دينك فإني قد أسلمت وصدقت. قال فأتينا أمنا فقالت: ما بي رغبة عن دينكما فإني قد أسلمت وصدقت. قال فاحتملنا فأتينا قومنا فأسلم نصفهم قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة. وكان يؤمهم إيماء بن رحضة.
وكان سيدهم. وقال بقيتهم: إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسلمنا. فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم بقيتهم وجاءت أسلم فقالوا: يا رسول الله نسلم على الذي أسلم إخوتنا. فأسلموا [فقال رسول الله. ص: غفار غفر الله لها وأسلم سالمها الله].
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن يحيى بن شبل عن خفاف بن إيماء بن رحضة قال: كان أبو ذر رجلا يصيب الطريق وكان شجاعا يتفرد وحده يقطع الطريق ويغير على الصرم في عماية الصبح على ظهر فرسه أو على قدميه كأنه السبع. فيطرق الحي ويأخذ ما أخذ. ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام وسمع بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ بمكة يدعو مختفيا. فأقبل يسأل عنه حتى أتاه
في منزله. وقبل ذلك قد طلب من يوصله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجد أحدا فانتهى إلى الباب فاستأذن فدخل. وعنده أبو بكر وقد أسلم قبل ذلك بيوم أو يومين. وهو يقول: يا رسول الله والله لا نستسر بالإسلام ولنظهرنه. فلا يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
شيئا. فقلت: [يا محمد إلى م تدعو؟ قال: إلى الله وحده لا شريك له وخلع الأوثان وتشهد أني رسول الله. فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله. ثم قال أبو ذر: يا رسول الله إني منصرف إلى أهلي وناظر متى يؤمر بالقتال فألحق بك فإني أرى قومك عليك جميعا. فقال رسول الله. ص: أصبت فانصرف]. فكان يكون بأسفل ثنية غزال. فكان يعترض لعيرات قريش فيقتطعها فيقول: لا أرد إليكم منها شيئا حتى تشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فإن فعلوا رد عليهم ما أخذ منهم وإن أبوا لم يرد عليهم شيئا. فكان على ذلك حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضى بدر وأحد. ثم قدم فأقام بالمدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني نجيح أبو معشر قال: كان أبو ذر يتأله في الجاهلية ويقول: لا إله إلا الله. ولا يعبد الأصنام. فمر عليه رجل من أهل مكة بعد ما أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا ذر إن رجلا بمكة يقول مثل ما تقول لا إله إلا الله. ويزعم أنه نبي. قال: ممن هو؟ قال: من قريش. قال فأخذ شيئا من بهش وهو المقل فتزوده حتى قدم مكة فرأى أبا بكر يضيف الناس ويطعمهم الزبيب. فجلس معهم فأكل ثم سأل من الغد: هل أنكرتم على أحد من أهل مكة شيئا؟ فقال رجل من بني هاشم: نعم. ابن عم لي يقول لا إله إلا الله ويزعم أنه نبي. قال: فدلني عليه.
قال فدله. والنبي صلى الله عليه وسلم راقد على دكان قد سدل ثوبه على وجهه. فنبهه أبو ذر فانتبه فقال: أنعم صباحا. فقال له النبي: عليك السلام. قال له أبو ذر: أنشدني ما تقول.
[فقال: ما أقول الشعر ولكنه القرآن. وما أنا قلته ولكن الله قاله. قال: اقرأ علي. فقرأ عليه سورة من القرآن فقال أبو ذر: أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسوله.
فسأله النبي. ص: ممن أنت؟ فقال: من بني غفار. قال فعجب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يقطعون الطريق. فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يرفع بصره فيه ويصوبه تعجبا من ذلك لما كان يعلم منهم ثم قال: إن الله يهدي من يشاء. *
] فجاء أبو بكر وهو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بإسلامه فقال له أبو بكر: أليس ضيفي أمس؟ فقال: بلى. قال: فانطلق معي. فذهب مع أبي بكر إلى بيته فكساه ثوبين ممشقين فأقام أياما ثم رأى امرأة تطوف بالبيت وتدعو بأحسن
دعاء في الأرض تقول: أعطني كذا وكذا وافعل بي كذا وكذا. ثم قالت في آخر ذلك: يا إساف ويا نائلة. قال أبو ذر: أنكحي أحدهما صاحبه. فتعلقت به وقالت: أنت صابئ. فجاء فتية من قريش فضربوه. وجاء ناس من بني بكر فنصروه وقالوا: ما لصاحبنا يضرب وتتركون صباتكم؟ فتحاجزوا فيما بينهم فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أما قريش فلا أدعهم حتى أثأر منهم. ضربوني. فخرج حتى أقام بعسفان وكلما أقبلت عير لقريش يحملون الطعام ينفر بهم على ثنية غزال فتلقى أحمالها فجمعوا الحنط. قال يقول أبو ذر لقومه: لا يمس أحد حبة حتى تقولوا لا إله إلا الله.
فيقولون لا إله إلا الله ويأخذون الغرائر.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن موسى بن عقبة عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن أبي ذر قال: كنت في الإسلام خامسا.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني نجيح أبو معشر عن محمد بن قيس عن حكام بن أبي الوضاح البصري قال: كان إسلام أبي ذر رابعا أو خامسا.
قال: أخبرنا عمرو بن حكام البصري قال: حدثنا المثنى بن سعيد القسام القصير قال: أخبرنا أبو جمرة الضبعي أن ابن عباس أخبرهم ببدء إسلام أبي ذر قال: لما بلغه أن رجلا خرج بمكة يزعم أنه نبي. أرسل أخاه فقال: اذهب فأتني بخبر هذا الرجل وبما تسمع منه. فانطلق الرجل حتى أتى مكة فسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى أبي ذر فأخبره أنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويأمر بمكارم الأخلاق.
فقال أبو ذر: ما شفيتني. فخرج أبو ذر ومعه شنة فيها ماؤه وزاده حتى أتى مكة ففرق أن يسأل أحدا عن شيء ولما يلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركه الليل فبات في ناحية المسجد. [فلما أعتم مر به علي فقال: ممن الرجل؟ قال: رجل من بني غفار.
قال: قم إلى منزلك.] قال فانطلق به إلى منزله ولم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء.
وغدا أبو ذر يطلب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يلقه. وكره أن يسأل أحدا عنه. فعاد فنام حتى أمسى فمر به علي فقال: أما آن للرجل أن يعرف منزله؟ فانطلق به فبات حتى أصبح لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء. فأصبح اليوم الثالث فأخذ على علي لئن أفشى إليه الذي يريد ليكتمن عليه وليسترنه. ففعل فأخبره أنه بلغه خروج هذا الرجل يزعم أنه نبي. فأرسلت أخي ليأتيني بخبره وبما سمع منه فلم يأتني بما يشفيني من حديثه.
فجئت بنفسي لألقاه. فقال له علي: إني غاد فاتبع أثري فإني إن رأيت ما أخاف عليك اعتللت بالقيام كأني أهريق الماء فآتيك. وإن لم أر أحدا فاتبع أثري حتى تدخل حيث أدخل. ففعل حتى دخل على أثر علي على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر.
وسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم من ساعته. ثم قال: يا نبي الله ما تأمرني؟ قال: ترجع إلى قومك حتى يبلغك أمري. قال فقال له: والذي نفسي بيده لا أرجع حتى أصرخ بالإسلام في المسجد. قال فدخل المسجد فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم قال فقال المشركون: صبأ الرجل صبأ الرجل. فضربوه حتى صرع. فأتاه العباس فأكب عليه وقال: قتلتم الرجل يا معشر قريش. أنتم تجار وطريقكم على غفار. فتريدون أن يقطع الطريق؟ فأمسكوا عنه. ثم عاد اليوم الثاني فصنع مثل ذلك ثم ضربوه حتى صرع. فأكب عليه العباس وقال لهم مثل ما قال في أول مرة. فأمسكوا عنه وكان ذلك بدء إسلام أبي ذر.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا من سمع إسماعيل بن أبي حكيم يخبر عن سليمان بن يسار قال: قال أبو ذر حدثان إسلامه لابن عمه: يا ابن الأمة. [فقال النبي. ص: ما ذهبت عنك أعرابيتك بعد].
قال محمد بن إسحاق: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي ذر الغفاري والمنذر بن عمرو أحد بني ساعدة وهو المعنق ليموت. وأنكر محمد بن عمر هذه المؤاخاة بين أبي ذر والمنذر بن عمرو وقال: لم تكن المؤاخاة إلا قبل بدر فلما نزلت أية المواريث انقطعت المؤاخاة. وأبو ذر حين أسلم رجع إلى بلاد قومه فأقام بها حتى مضت بدر وأحد والخندق ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة بعد ذلك.
قال: أخبرنا محمد بن الفضيل عن مطرف عن أبي الجهم عن خالد بن وهبان وكان ابن خالة أبي ذر. عن أبي ذر قال: [قال النبي. ص: يا أبا ذر كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يستأثرون بالفيء؟ قال قلت: إذا والذي بعثك بالحق أضرب بسيفي حتى ألحق به. فقال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ اصبر حتى تلقاني].
قال: أخبرنا هشيم قال: أخبرنا حصين عن زيد بن وهب قال: مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر. قال فقلت ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله} التوبة: 34. وقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب. قال فقلت: نزلت فينا وفيهم.
قال فكان بيني وبينه في ذلك كلام فكتب يشكوني إلى عثمان. قال فكتب إلي عثمان أن أقدم المدينة. فقدمت المدينة وكثر الناس علي كأنهم لم يروني قبل ذلك. قال فذكر ذلك لعثمان فقال لي: إن شئت تنحيت فكنت قريبا. فذاك أنزلني هذا المنزل ولو أمر علي حبشي لسمعت ولأطعت.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين [أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر: إذا بلغ النبأ سلعا فاخرج منها. ونحا بيده نحو الشام. ولا أرى أمراءك يدعونك. قال: يا رسول الله أفلا أقاتل من يحول بيني وبين أمرك؟ قال: لا. قال: فما تأمرني؟ قال: اسمع وأطع ولو لعبد حبشي.] قال: فلما كان ذلك خرج إلى الشام فكتب معاوية إلى عثمان: إن أبا ذر قد أفسد الناس بالشام. فبعث إليه عثمان فقدم عليه. ثم بعثوا أهله من بعده فوجدوا عنده كيسا أو شيئا فظنوا أنها دراهم. فقالوا: ما شاء الله! فإذا هي فلوس. فلما قدم المدينة قال له عثمان: كن عندي تغدو عليك وتروح اللقاح. قال: لا حاجة لي في دنياكم.
ثم قال: ائذن لي حتى أخرج إلى الربذة. فأذن له فخرج إلى الربذة وقد أقيمت الصلاة وعليها عبد لعثمان حبشي فتأخر. فقال أبو ذر: تقدم فصل فقد أمرت أن أسمع وأطيع ولو لعبد حبشي فأنت عبد حبشي.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا العوام بن حوشب قال: حدثني رجل من أصحاب الأجر عن شيخين من بني ثعلبة رجل وامرأته قالا: نزلنا الربذة فمر بنا شيخ أشعث أبيض الرأس واللحية فقالوا: هذا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاستأذناه أن نغسل رأسه فأذن لنا واستأنس بنا. فبينا نحن كذلك إذ أتاه نفر من أهل العراق. حسبته قال من أهل الكوفة. فقالوا: يا أبا ذر فعل بك هذا الرجل وفعل فهل أنت ناصب لنا راية؟ فلنكمل برجال ما شئت. فقال: يا أهل الإسلام لا تعرضوا علي ذاكم ولا تذلوا السلطان فإنه من أذل السلطان فلا توبة له. والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة أو أطول جبل لسمعت وأطعت وصبرت واحتسبت ورئيت أن ذاك خير لي. ولو سيرني ما بين الأفق إلى الأفق. أو قال ما بين المشرق والمغرب.
لسمعت وأطعت وصبرت واحتسبت ورئيت أن ذاك خير لي. ولو ردني إلى منزلي لسمعت وأطعت وصبرت واحتسبت ورئيت أن ذاك خير لي.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: حدثنا جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج
عن عبد الله بن سيدان السلمي قال: تناجى أبو ذر وعثمان حتى ارتفعت أصواتهما.
ثم انصرف أبو ذر متبسما فقال له الناس: ما لك ولأمير المؤمنين؟ قال: سامع مطيع ولو أمرني أن آتي صنعاء أو عدن ثم استطعت أن أفعل لفعلت. وأمره عثمان أن يخرج إلى الربذة.
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا سفيان بن حسين عن الحكم بن عيينة عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حمار وعليه بردعة أو قطيفة.
قال: أخبرنا عبد الله بن نمير قال: أخبرنا الأعمش عن عثمان بن عمير عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي عن عبد الله بن عمرو قال: [سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق من أبي ذر].
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا أبو أمية بن يعلى عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: [قال رسول الله. ص: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر. من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى ابن مريم فلينظر إلى أبي ذر].
قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا سلام بن مسكين قال: حدثنا مالك بن دينار أن النبي صلى الله عليه وسلم [قال: أيكم يلقاني على الحال التي أفارقه عليها؟ فقال أبو ذر: أنا. فقال له النبي. ص: صدقت. ثم قال: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر. من سره أن ينظر إلى زهد عيسى ابن مريم فلينظر إلى أبي ذر].
قال: أخبرنا سليمان بن حرب والحسن بن موسى قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن بلال بن أبي الدرداء عن أبي الدرداء قال: [قال رسول الله ص: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر].
قال: أخبرنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي قال: حدثنا أبو حرة عن محمد بن سيرين قال: [قال رسول الله ص: ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر].
قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا محمد بن عمرو قال: سمعت عراك بن مالك يقول: قال أبو ذر: إني لأقربكم مجلسا من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة وذلك إني سمعته صلى الله عليه وسلم يقول أقربكم مني مجلسا يوم القيامة من خرج من الدنيا كهيئة ما تركته فيها. وإنه والله ما منكم من أحد إلا وقد تشبث منها بشيء غيري.
قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا أبو كعب صاحب الحرير قال: حدثنا أبو الأصفر عن الأحنف بن قيس قال: أتيت المدينة ثم أتيت الشام فجمعت فإذا أنا برجل لا ينتهي إلى سارية إلا خر أهلها. يصلي ويخف صلاته. قال فجلست إليه فقلت له: يا عبد الله من أنت؟ قال: أنا أبو ذر. فقال لي: فأنت من أنت؟ قال قلت: أنا الأحنف بن قيس. قال: قم عني لا أعدك بشر. فقلت له: كيف تعدني بشر؟ قال: إن هذا. يعني معاوية. نادى مناديه ألا يجالسني أحد.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا سلام أبو المنذر عن محمد بن واسع عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: أوصاني خليلي بسبع: أمرني بحب المساكين والدنو منهم. وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي.
وأمرني أن لا أسأل أحدا شيئا. وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت. وأمرني أن أقول الحق وإن كان مرا. وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم. وأمرني أن أكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن من كنز تحت العرش.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا همام قال: أخبرنا قتادة عن سعيد بن أبي الحسن عن عبد الله بن الصامت أنه كان مع أبي ذر فخرج عطاؤه ومعه جارية له.
قال فجعلت تقضي حوائجه. قال ففضل معها سلع. قال فأمرها أن تشتري به فلوسا.
قال قلت: لو أذخرته للحاجة تبوء بك أو للضيف ينزل بك. قال: إن خليلي عهد إلي أن أي مال ذهب أو فضة أوكي عليه فهو جمر على صاحبه حتى يفرغه في سبيل الله.
قال: أخبرنا سليمان بن حرب قال: حدثنا أبو هلال قال: حدثنا قتادة عن سعيد بن أبي الحسن أن أبا ذر كان عطاؤه أربعة آلاف فكان إذا أخذ عطاءه دعا خادمه فسأله عما يكفيه لسنة فاشتراه له. ثم اشترى فلوسا بما بقي وقال: إنه ليس من وعى ذهبا أو فضة يوكي عليه إلا وهو يتلظى على صاحبه.
قال: أخبرنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن أبي نعامة السعدي عن الأحنف بن قيس قال: قال لي أبو ذر خذ العطاء ما كان متعة فإذا كان دينا فارفضه.
قال: أخبرنا عبد الله بن عمرو أبو معمر المنقري قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن الحسين المعلم عن أبي بريدة قال: لما قدم أبو موسى الأشعري لقي أبا ذر فجعل أبو موسى يلزمه. وكان الأشعري رجلا خفيف اللحم قصيرا. وكان أبو ذر رجلا أسود كث الشعر. فجعل الأشعري يلزمه ويقول أبو ذر: إليك عني. ويقول الأشعري: مرحبا بأخي. ويدفعه أبو ذر ويقول: لست بأخيك إنما كنت أخاك قبل أن تستعمل.
قال ثم لقي أبا هريرة فالتزمه وقال: مرحبا بأخي. فقال أبو ذر: إليك عني. هل كنت عملت لهؤلاء؟ قال: نعم. قال: هل تطاولت في البناء أو اتخذت زرعا أو ماشية؟
قال: لا. قال: أنت أخي أنت أخي.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: حدثنا صالح بن رستم أبو عامر عن حميد بن هلال عن الأحنف بن قيس قال: رأيت أبا ذر رجلا طويلا آدم أبيض الرأس واللحية.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: حدثنا شريك عن إبراهيم بن مهاجر عن كليب بن شهاب الجرمي قال: سمعت أبا ذر يقول: ما يؤسني رقة عظمي ولا بياض شعري أن ألقى عيسى ابن مريم.
قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: حدثنا موسى بن عبيدة عن عبد الله بن خراش قال: رأيت أبا ذر في مظلة وتحته امرأة سحماء.
قال محمد بن سعد: وقال غير عبيد الله في هذا الحديث مظلة شعر.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا محمد بن دينار قال: حدثنا يونس عن محمد قال: سألت ابن أخت لأبي ذر: ما ترك أبو ذر؟ فقال: ترك أتانين وعفوا وأعنزا وركائب. قال: العفو الحمار الذكر.
قال: أخبرنا عبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن المقرئ قال: حدثنا سعيد بن أبي أيوب عن عبد الله بن أبي جعفر القرشي عن سالم بن أبي سالم الجيشاني عن أبيه عن أبي ذر أنه قال: قال [لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ما أحب لنفسي. لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم].
قال: أخبرنا خالد بن مخلد البجلي قال: حدثني سليمان بن بلال قال: حدثني يحيى بن سعد قال: أخبرني الحارث بن يزيد الحضرمي أن أبا ذر سأل رسول
الله صلى الله عليه وسلم الإمارة فقال: [إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها].
قال: أخبرنا كثير بن هشام قال: حدثنا جعفر بن برقان قال: حدثنا غالب بن عبد الرحمن قال: لقيت رجلا قال: كنت أصلي مع أبي ذر في بيت المقدس فكان إذا دخل خلع خفيه فإذا بزق أو تنخع تنخع عليهما. قال ولو جمع ما في بيته لكان رداء هذا الرجل أفضل من جميع ما في بيته. قال جعفر: فذكرت هذا الحديث لمهران بن ميمون فقال: ما أراه كان ما في بيته يسوي درهمين.
قال: أخبرنا مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي قال: [حدثنا مسعود بن سعد الجعفي عن الحسن بن عبيد الله عن رياح بن الحارث عن ثعلبة بن الحكم عن علي أنه قال: لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر ولا نفسي. ثم ضرب بيده إلى صدره].
قال: أخبرنا حجاج بن محمد عن ابن جريج قال: أخبرني أبو حرب بن أبي الأسود عن أبي الأسود. قال ابن جريج ورجل عن زاذان قالا: سئل علي عن أبي ذر [فقال: وعى علما عجز فيه وكان شحيحا حريصا. شحيحا على دينه حريصا على العلم. وكان يكثر السؤال فيعطى ويمنع. أما أن قد ملئ له في وعائه حتى امتلأ].
فلم يدروا ما يريد بقوله وعى علما عجز فيه. أعجز عن كشف ما عنده من العلم أم عن طلب ما طلب من العلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم
قال: أخبرنا عفان بن مسلم وعمرو بن عاصم الكلابي قالا: حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال: حدثنا عبد الله بن الصامت قال: دخلت مع أبي ذر في رهط من غفار على عثمان بن عفان من الباب الذي لا يدخل عليه منه. قال: وتخوفنا عثمان عليه. قال: فانتهى إليه فسلم عليه. قال: ثم ما بدأه بشيء إلا أن قال: أحسبتني منهم يا أمير المؤمنين؟ والله ما أنا منهم ولا أدركهم. لو أمرتني أن آخذ بعرقوتي قتب لأخذت بهما حتى أمرت. قال ثم استأذنه إلى الربذة. قال فقال: نعم نأذن لك ونأمر لك بنعم من نعم الصدقة فتصيب من رسلها. فقال فنادى أبو ذر: دونكم معاشر قريش دنياكم فاعذموها لا حاجة لنا فيها. قال فما نراه بشيء. قال فانطلق وانطلقت معه حتى قدمنا الربذة. قال: فصادفنا مولى لعثمان غلاما حبشيا يؤمهم فنودي بالصلاة فتقدم فلما رأى أبا ذر نكص. فأومأ إليه أبو ذر: تقدم فصل.
فصلى خلفه أبو ذر.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا وهيب بن خالد قال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن مجاهد عن إبراهيم. يعني ابن الأشتر. أن أبا ذر حضره الموت وهو بالربذة فبكت امرأته فقال: وما يبكيك؟ فقالت: أبكي أنه لا يد لي بتغييبك وليس عندي ثوب يسعك كفنا. فقال: لا تبكي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وأنا عنده في نفر يقول: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين قال: فكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية فلم يبق منهم غيري وقد أصبحت بالفلاة أموت. فراقبي الطريق فإنك سوف ترين ما أقول لك فإني والله ما كذبت ولا كذبت. قالت: وأنى ذلك وقد انقطع الحاج؟ قال: راقبي الطريق. فبينا هي كذلك إذا هي بالقوم تجد بهم رواحلهم كأنهم الرخم. قال عفان: هكذا قال: تجد بهم. والصواب تخد بهم رواحلهم. فأقبل القوم حتى وقفوا عليها قالوا: ما لك؟ قالت: امرؤ من المسلمين تكفنونه وتؤجرون فيه. قالوا: ومن هو؟ قالت: أبو ذر. ففدوه بآبائهم وأمهاتهم ووضعوا سياطهم في نحورها يبتدرونه فقال: أبشروا أنتم النفر الذين قال فيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال. أبشروا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: [ما من امرأين من المسلمين هلك بينهما ولدان أو ثلاثة فاحتسباه وصبرا فيريان النار أبدا. ثم قال: قد أصبحت اليوم حيث ترون ولو أن ثوبا من ثيابي يسعني لم أكفن إلا فيه أنشدكم الله إلا يكفني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو بريدا. فكل] القوم كان نال من ذلك شيئا إلا فتى من الأنصار كان مع القوم قال: أنا صاحبك.
ثوبان في عيبتي من غزل أمي وأحد ثوبي هذين اللذين علي. قال: أنت صاحبي فكفني. قال: أخبرنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال: حدثنا يحيى بن سليم عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن مجاهد عن إبراهيم بن الأشتر عن أبيه أنه لما حضر أبا ذر الموت بكت امرأته فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: أبكي لأنه لا يدان لي بتغييبك وليس لي ثوب يسعك. قال: فلا تبكي [فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن منكم رجل بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين]. وليس من أولئك النفر رجل إلا قد مات في قرية وجماعة من المسلمين وأنا الذي أموت بفلاة والله ما كذبت
ولا كذبت فأبصري الطريق. فقالت: أنى وقد انقطع الحاج وتقطعت الطرق؟ فكانت تشد إلى كثيب تقوم عليه تنظر ثم ترجع إليه فتمرضه ثم ترجع إلى الكثيب. فبينا هي كذلك إذا هي بنفر تخد بهم رواحلهم كأنهم الرخم على رحالهم. فألاحت بثوبها فاقبلوا حتى وقفوا عليها فقالوا: ما لك؟ قالت: امرؤ من المسلمين يموت تكفنونه.
قالوا: ومن هو؟ قالت: أبو ذر. ففدوه بآبائهم وأمهاتهم ووضعوا السياط في نحورها يستبقون إليه حتى جاؤوه فقال: أبشروا. فحدثهم الحديث الذي [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة فيحتسبان ويصبران فيريان النار]. أنتم تسمعون. لو كان لي ثوب يسعني كفنا لم أكفن إلا في ثوب هو لي. أو لامرأتي ثوب يسعني لم أكفن إلا في ثوبها. فأنشدكم الله والإسلام ألا يكفني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو نقيبا أو بريدا. فكل القوم قد كان قارف بعض ذلك إلا فتى من الأنصار قال: أنا أكفنك. فإني لم أصب مما ذكرت شيئا. أكفنك في ردائي هذا الذي علي وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي حاكتهما لي. قال: أنت فكفني. قال فكفنه الأنصاري في النفر الذين شهدوه. منهم حجر بن الأدبر ومالك الأشتر في نفر كلهم يمان.
قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن أيوب قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال: حدثني بريدة بن سفيان الأسلمي عن محمد بن كعب القرظي عن عبد الله بن مسعود قال: لما نفى عثمان أبا ذر إلى الربذة وأصابه بها قدره ولم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه فأوصاهما أن اغسلاني وكفناني وضعاني على قارعة الطريق فأول ركب يمر بكم فقولوا هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه.
فلما مات فعلا ذلك به. ثم وضعاه على قارعة الطريق. وأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق عمارا فلم يرعهم إلا بالجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل أن تطأها. فقام إليه الغلام فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه. [فاستهل عبد الله يبكي ويقول: صدق رسول الله. تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك] ... ثم نزل هو وأصحابه فواروه. ثم حدثهم عبد الله بن مسعود حديثه وما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى تبوك.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثنا سعيد بن عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن أبي ذر أنه رآه في نمرة مؤتزرا بها قائما يصلي فقلت: يا أبا ذر أما لك ثوب غير
هذه النمرة؟ قال: لو كان لي لرأيته علي. قلت: فإني رأيت عليك منذ أيام ثوبين.
فقال: يا ابن أخي أعطيتهما من هو أحوج إليهما مني. قلت: والله إنك لمحتاج إليهما. قال: اللهم غفرا. إنك لمعظم للدنيا. أليس ترى علي هذه البردة ولي أخرى للمسجد ولي أعنز نحلبها ولي أحمرة نحتمل عليها ميرتنا وعندنا من يخدمنا ويكفينا مهنة طعامنا فأي نعمة أفضل مما نحن فيه؟
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثنا سفيان الثوري عن عمار الدهني عن أبي شعبة قال: جاء رجل من قومنا أبا ذر يعرض عليه فأبى أبو ذر أن يأخذ وقال: لنا أحمرة نحتمل عليها وأعنز نحلبها ومحررة تخدمنا وفضل عباءة عن كسوتنا وإني لأخاف أن أحاسب بالفضل.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثنا يزيد بن علي الأسلمي قال: حدثني عيسى بن عميلة الفزاري قال: أخبرني من رأى أبا ذر يحلب غنيمة له فيبدأ بجيرانه وأضيافه قبل نفسه. ولقد رأيته ليلة حلب حتى ما بقي في ضروع غنمه شيء إلا مصرة. وقرب إليهم تمرا وهو يسير. ثم تعذر إليهم وقال: لو كان عندنا ما هو أفضل من هذا لجئنا به. قال وما رأيته ذاق تلك الليلة شيئا.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثنا خالد بن حيان قال: كان أبو ذر وأبو الدرداء في مظلتين من شعر بدمشق.
قال: أخبرنا محمد بن عمر عن موسى بن عبيدة قال: حدثني عبد الله بن خراش الكعبي قال: وجدت أبا ذر في مظلة شعر بالربذة تحته امرأة سحماء فقلت: يا أبا ذر تزوج سحماء! قال: أتزوج من تضعني أحب إلي ممن ترفعني. ما زال لي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى ما ترك لي الحق صديقا.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا همام بن يحيى قال: حدثنا قتادة عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي أنه دخل على أبي ذر وهو بالربذة وعنده امرأة له سوداء مشنفة ليس عليها أثر المجاسد ولا الخلوق. قال فقال: ألا تنظرون ما تأمرني به هذه السويداء؟ تأمرني أن آتي العراق فإذا أتيت العراق مالوا علي بدنياهم. ألا وإن خليلي عهد إلي أن دون جسر جهنم طريقا ذا دحض ومزلة. وإنا أن نأتي عليه وفي أحمالنا اقتدار أحرى أن ننجو من أن نأتي عليه ونحن مواقير.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا عاصم
الأحول عن أبي عثمان النهدي قال: رأيت أبا ذر يميد على راحلته وهو مستقبل مطلع الشمس فظننته نائما فدنوت منه فقلت: أنائم أنت يا أبا ذر؟ فقال: لا بل كنت أصلي.
قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا أبو عقيل قال: حدثنا يزيد بن عبد الله أن أبا ذر تبعته جويرية سوداء فقيل له: يا أبا ذر هذه ابنتك؟ قال: تزعم أمها ذاك.
قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا قرة بن خالد قال: حدثنا عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: كسي أبو ذر بردين فأتزر بأحدهما وارتدى بشملة وكسا أحدهما غلامه. ثم خرج على القوم فقالوا له: لو كنت لبستهما جميعا كان أجمل. قال: أجل ولكني [سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تكسون].
قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا قرة بن خالد قال: حدثنا بديل بن ميسرة عن مطرف عن رجل من أهل البادية قال: صحبت أبا ذر فأعجبتني أخلاقه كلها إلا خلق واحد. قلت: وما ذاك الخلق؟ قال: كان رجلا فطنا فكان إذا خرج من الخلاء انتضح.
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1990) , ج: 4- ص: 165
أبو ذر الغفاري اسمه جندب بن جنادة بن سفيان وقد قيل أن اسم أبيه يزيد ويقال أيضا سكن وكان أبو ذر ممن هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من بني غفار إلى مكة واختفى في استار الكعبة أياما كثيرة لا يخرج منها الا لحاجة الانسان من غير ان يطعم أو يشرب شيئا الا ماء زمزم حتى رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل فآمن به وهو أول من حياه بتحية الإسلام ثم هاجر إلى المدينة وشهد جوامع المشاهد ومات بالربذة في خلافة عثمان بن عفان سنة ثنتين وثلاثين
دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة-ط 1( 1991) , ج: 1- ص: 30
جندب بن جنادة، أبو ذر الغفاري.
مات في زمن عثمان.
هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
حجازي.
ومات بالربذة.
قال لنا أبو معمر: حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا الجريري، قال: حدثنا أبو العلاء، عن نعيم بن قعنب، سمع أبا ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: المرأة ضلعٌ، فإن تقمها تكسرها’’.
دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد - الدكن-ط 1( 0) , ج: 2- ص: 1
أبو ذر الغفاري
فيه أقوال عنه أنس وأبو مراوح وعبد الله بن الصامت قال النبي صلى الله عليه وسلم ما أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر مات بالربذة 32 ع
دار القبلة للثقافة الإسلامية - مؤسسة علوم القرآن، جدة - السعودية-ط 1( 1992) , ج: 2- ص: 1
جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار أبو ذر الغفاري
هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو أول من حيا النبي صلى الله عليه وسلم بتحية الاسلام
قال عمرو بن علي مات سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان وقال غيره وقبره في الربذة
روى عنه أبو الأسود الديلي في الإيمان وأبو مراوح الليثي والمعرور بن سويد وخرشة بن الحسن ويزيد الرشك التيمي وأنس وعبد الله بن شقيق وعبد الله بن الصامت في الصلاة وزيد بن وهب والأحنف بن قيس في الزكاة وعبد الرحمن بن حجيرة الأكبر وأبو سالم الجيشاني وابن عباس في إسلام أبي ذر وأبو نضرة وعبد الرحمن بن شماسة وأبو إدريس الخولاني وأبو أسماء الرحبي وقيس بن عباد
دار المعرفة - بيروت-ط 1( 1987) , ج: 1- ص: 1
أبو ذر الغفاري
جندب
دار المعرفة - بيروت-ط 1( 1987) , ج: 2- ص: 1
جندب بن جنادة أبو ذر الغفاري
دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 20
أبو ذر جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناف بن كنانة بن خزيمة الغفاري
هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو أول من حيي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحية الإسلام ومن قال إن اسم أبيه برير أو السكن فقد وهم مات سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان بن عفان ولا عقب له كان سيره إلى الربذة ولموته قصة طويلة وقبره بالربذة
دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند-ط 1( 1973) , ج: 3- ص: 1
أبو ذر جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن الوقيعة بن حرام بن غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة
حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي، نا محمد بن كثير المصيصي، نا الأوزاعي، عن هارون بن رئاب، عن الأحنف بن قيس قال سمعت أبا ذر يقول: حدثني خليلي أبو القاسم، صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد يسجد لله عز وجل سجدةً إلا رفعه الله عز وجل بها درجةً وحط عنه سيئةً»
حدثنا بشر بن موسى، نا أبو نعيم، نا الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال: «تدري أنى تغيب الشمس؟» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ’’ تذهب حتى تسجد عند العرش عند ربها فتستأذن في الرجوع فيؤذن لها ويوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها حتى تستشفع وتطلب فإذا طال قيل اطلعي مكانك فذلك قوله عز وجل: {والشمس تجري لمستقر لها} [يس: 38] ’’
حدثنا أحمد بن بشر المرثدي، نا علي بن الجعد، نا قيسٌ، عن أبي حصين، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: «كانت متعة الحج لنا خاصةً»
مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 1
أبو ذر الغفاري (ع)
جندب بن جنادة، أحد السابقين الأولين.
أسلم في أول المبعث خامس خمسة، ثم رجع إلى بلاد قومه، ثم بعد حينٍ هاجر.
ولم يشهد بدراً.
وكان قوياً في الحق.
انقطع بالربذة مدةً حتى توفي سنة اثنتين وثلاثين. رضي الله عنه.
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان-ط 2( 1996) , ج: 1- ص: 1
جندب بن جنادة أبو ذر الغفاري
له صحبة نزل الربذة روى عنه بن عمر وابن عباس وعبد الله بن الصامت بن أخي أبي ذر وزيد بن وهب والمعرور بن سويد سمعت أبي يقول ذلك.
طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن - الهند-ط 1( 1952) , ج: 2- ص: 1