الأمير تيمور الكركاني المعروف بتيمور لنك المشهور
مولده ووفاته ومدفنه ومدة ملكه
ولد ليلة 25 شعبان سنة 736 كما في التاريخ الفارسي الآتي ذكره أو 728 كما في شذرات الذهب وكما في شعر فارسي أرخ وفاته به بعض معاصريه، وسيأتي أنه قال لعلماء حلب سنة 803 إن عمره 75 سنة وهذا ينطبق على إن ميلاده سنة 728 كما في الشذرات وكأنه أخذه من هذا القول. ولا ينطبق على إن ميلاده سنة 736 كما في التاريخ الفارسي لأنه يكون عمره يومئذ 67 سنة لا 75 والله أعلم. وكان مولده بظاهر كش من بلاد ما وراء النهر في قرية تسمى خواجة ايلغار من أعمال كش. وتوفي ليلة الأربعاء 17 أو 19 شعبان سنة 807 ببلدة أطرار ويقال أترار واوترار من بلاد ما وراء النهر وهو سائر لفتح بلاد الخطأ في الصين عن 71 أو 79 سنة. وفي الشذرات توفي عن نيف وثمانين سنة وهو خطا ونقل نعشه من اطرار إلى سمرقند في تابوت أبنوس ودفن في قبة كان قد بناها لمدفنه في مدرسته ومدة ملكه 36 سنة.
لقبه ونسبته
(لنك) بفتح اللام وسكون النون وكاف آخر الحروف فارسي معناه الأعرج وكان تيمور أعرج شديد العرج (والكركاني) بكافين فارسيين نسبة إلى كركان وهي المعروفة عند العرب بجرجان فإنه كان من تلك الولاية لأنه ولد كما سمعت بقرية من عمل كش، وكش على ثلاثة فراسخ من جرجان كما في معجم البلدان. وفي عجائب المقدور إن كوركان بلغة المغول الختن. ولما استولى تيمور على ما وراء النهر صاهر الملوك فلقب كوركان.
نسبه
في التاريخ الفارسي الآتي إليه الإشارة نقلا عن تاريخ شرف الدين علي اليزدي المسمى ظفر نامه المشهور بالتيموري قال هو الأمير تيمور ابن الأمير طراغاي بن الأمير بركل بن انكير بهادر بن نويان بن قراجار نويان أو نوئين بن صوعنجوصحين بن برلاس ابن قاجول بن تومنه خان بن بايسنقر خان بن قايدوا خان بن ذوتمين خان بن بوقاقان بن بوزنجرقان ونسبه ونسب جنكيز خان يلتقيان في تومنه خان الذي هو الأب الرابع لجنكيز والتاسع لتيمور (انتهى) وفي عجائب المقدور هو تيمور بن ترغاي بن ابغاي وفي شذرات الذهب هو تيمور بن ايتمش قتلغ بن زنكي بن سيبا بن طارم طر بن طغربك بن قليج بن سنقور بن كنجك بن طغرسبوقا (انتهى) والتباين بينه وبين ما في ظفر نامه غريب، وينتسب إلى جنكيز من طرف الأم كما ذكره غير واحد وظهر بهذا إن القول بانتسابه إلى جنكيز من جهة الأب كما يحكى عن تاريخ ابن خلدون والقول أنه لا ينتسب إلى قبيلة جنكيز إلا من جهة الأم كما ذكره بعض أهل العصر كلاهما ليس بصواب.
الكتب التي نعتمد عليها في ترجمته
نأخذها من تاريخ فارسي مخطوط عندنا ذكر فيه ملخص أخباره ومن كتاب عجائب المقدور في أخبار تيمور لأحمد بن محمد بن عبد الله الدمشقي المعروف بابن عربشاه المعاصر لتيمور بحذف اسجاعه الباردة وتشدقاته الممقوتة وشتائمه ومن كتاب البدر الطالع في أعيان القرن السابع لمحمد بن علي الشوكاني ومن شذرات الذهب لعبد الحي بن عماد الحنبلي وما نقل عن غيرها من الكتب كتواريخ القرماني وابن إياس وابن دحلان وغيرها.
سوء القول فيه
بالغ جل من ذكر تيمور من المؤرخين خصوصا ابن عربشاه والقرماني في سبه وشتمه ولعنه كلما مر ذكره ووصفه بأقبح الصفات ونعته بأبشع النعوت، وقال الدحلاني في الفتوحات الإسلامية فيما حكي عنه كان ظهور تيمور لنك من أشد المحن والبلايا على هذه الأمة أفسد في الأرض وأهلك الحرث والنسل وهو وإن كان يدعي الإسلام إلا إن قتاله مثل قتال الكفار لأنه فعل أفعالا مع المسلمين أكثر مما تفعله الكفار من القتل والأسر والتخريب وكان رافضيا شديد الرفض (انتهى) ولا شك إن للنحلة والمذهب في ذلك دخلا فقد وقع في تاريخ الإسلام ما هو مثل أفعال تيمور وأفظع وأشنع ولم نر هؤلاء المؤرخين تناولوا فاعليها ببعض ما تناولوا به هذا الرجل وأي ملك تغلب على بلاد لم يكن تغلبه عليها بالقهر والقتل وسفك الدماء وهتك الأعراض ونهب الأموال إلا ما شذ، وهؤلاء السلاجقة وهم من ملوك الإسلام لما تغلبوا على بلاد الموصل كانت النساء العربيات يقتلن أنفسهن خوفا من الفضيحة، وتاريخ الإسلام حافل بالفظائع قتل يوم الجمل في البصرة خمسة عشر ألفا من المسلمين على الأكثر وعشرة آلاف على الأقل على أي شيء؟! وقتل من عبد القيس في وقت الهدنة سبعون رجلا صبرا كانوا يجرون كالكلاب فيقتلون فيما ذكره الطبري، على غير ذنب، ونتفوا لحية عثمان بن حنيف الأنصاري وحاجبيه وأشفار عينيه بعد الأمان أ فكان هذا مثل فعل الكفار أو أقل أو أشد. وسار بسر بن أرطاة وهو صحابي يستعرض المسلمين بالسيف ظلما وعدوانا حتى أتى مكة والمدينة واليمن وقتل في خروجه ذلك ألوفا من المسلمين على غير ذنب وذبح ابني عبيد الله بن العباس وهما طفلان صغيران على درج صنعاء تحت ذيل أمهما فذهب عقلها وسبى نساء مسلمات فأقمن في السوق فكان يكشف عن سوقهن فأيتهن كانت أعظم ساقا اشتريت على عظم ساقها، فكان الكفار يفعلون أعظم من هذا؟! وأرسل معاوية بعض أصحاب حجر بن عدي من الشام إلى زياد بن سمية بالكوفة وأمر إن يدفنه حيا فامتثل ودفنه حيا فهل فعل الكفار مثل هذا أو أفظع منه؟! وقتل المسلمون الحسين بن علي بن أبي طالب وهو ابن بنت نبيهم وليس لنبيهم ابن بنت غيره فكانوا بين قاتل وخاذل، وقد أوصى به ونوه بفضله، وبايعوا بالخلافة يزيد الخمير السكير اللاعب بالقرود والفهود المعلن بالكفر وقتلوا مع الحسين سبعة عشر رجلا من أهل بيته ونيفا وسبعين من أصحابه بعد ما منعوهم الماء ومعهم الأطفال والنساء ومثلوا بالحسين بعد القتل وسبوا نساءه وساروا بهن وبرأسه ورؤوس أصحابه من بلد أ فكان هذا أكثر مما تفعله الكفار أو أقل! هذا والعهد بالرسول صلى الله عليه وسلم قريب والإسلام غض طري!! وحوصرت المدينة يوم الحرة وذلك في صدر الإسلام وقتل أهلها قتلا عاما وفيها الصحابة وسميت نتنة ونتفت لحية أبي سعيد الخدري وهو شيخ كبير صحابي وأبيحت ثلاثا حتى حملت مئات النساء من الزنا وولد مئات الأولاد لا يعرف لهم أب وكان الرجل من أهلها بعد ذلك إذا أراد إن يزوج ابنته لم يضمن بكارتها يقول لعله أصابها شيء يوم الحرة. وبويع الناس وفيهم بقايا المهاجرين والأنصار على أنهم عبيد رق ليزيد بن معاوية ومن أبى قتل فأين هذا من فعل الكفار؟. وسلط عبد الملك بن مروان وهو يحمل لقب الخلافة وإمرة المؤمنين الحجاج على المسلمين يقتل وينهب ويسلب ويسجن ويعاقب بأفظع العقوبات بذنب وبغير ذنب حتى غزا مكة المكرمة وضرب البيت الحرام بالمنجنيق وقتل ابن الزبير وهو صحابي وصلبه وختم على أيدي الصحابة وأعناقهم كما يفعل بالكفار وولاه العراق فعمل فيه من الظلم ما لا يدركه الحصر وقتل من المسلمين ما لا يحصيه العد، ووجد في سجنه بعد هلاكه ألوف لم يكن لأحد منهم ذنب يستحق به السجن وكان يسجن الرجال والنساء في سجن واحد وليس له سقف فهل وجد في الكفار من يشبه فعله فعل الحجاج مع المسلمين؟.
وإن الأفعال المار ذكرها فرقت كلمة المسلمين وأوقعت بينهم العداوة والضغائن إلى اليوم فكانت من هذه الجهة أشد من محنة تيمور، هل قال أحد أنها من أشد المحن والبلايا على هذه الأمة، بل نرى اليوم من يشيد بذكر من قتل الحسين ومن سلط الحجاج وأشباهه على هذه الأمة على المنابر ويذكر ميزاته ومناقبه ويلوم من لا يتابعه على ذلك. ولما أخذ صلاح الدين ملك الفاطميين بمصر حبس رجالهم ونساءهم وفرق بينهم في الحبس حتى لا يتناسلوا أفيوجد ظلم أفظع من هذا عند الكفار.
نحن لا نقول إن تيمور لم يكن ظالما فهو طاغية ظالم كغيره من الظلمة المتغلبين، ولكننا نسأل هؤلاء المؤرخين لما ذا إذا مروا بذكر غيره من الظلمة ممن هو مثله أو أكثر منه ظلما أو أقل، وكانت مفاسد ظلمه أضر على هذه الأمة لم يتناولوه بسب ولا شتم وربما التمسوا له العذر أو قالوا أنه مأجور وإذا مروا بذكر تيمور تناولوه بالشتم واللعن كلما ذكر؟! ولا شك إن للعصبية المذهبية دخلا في ذلك.
آباؤه وأجداده
قد عرفت أنه يجتمع هو وجنكيز خان في بعض أجداده وقال غير واحد إن أمه من ذرية جنكيز ومر آنفا عن خطط الشام إن أباه رأس قبيلة برلاس التركية وحكم ولاية كش وفي التاريخ الفارسي كان أباه الأمير تيمور وأجداده أصحاب حشمة وشوكة عند الخوانين الجنكيزية وكان لجده الخامس الأمير قراجار نوئين منصب أميرا لأمراء في زمن سلطنة جغاتاي خان بن جنكيز خان وكان إليه ضبط وتنسيق العسكر والرعية وتوفي سنة 652 عن 89 سنة وولد تيمور بالتاريخ المتقدم (انتهى) وفي عجائب المقدور كان تيمور وأبوه من الفدادين وقيل كان من الحشم الرجالة وقيل كان أبوه إسكافيا وقيل إن والده كان أمير مائة عند السلطان مشهورا بالجلادة والشهامة ويمكن الجمع بين هذه الأقوال باعتبار اختلاف الزمان والأصح إن أباه ترغاي كان أحد أركان دولة السلطان (انتهى) وفي شذرات الذهب قيل إن والده كان إسكافيا وقيل بل كان أميرا عند السلطان حسين صاحب مدينة بلخ وكان أحد أركان دولته (انتهى) ومن ذلك يعلم إن أقوال من قال أنه وأباه كانا من الفدادين وان أباه كان إسكافيا يراد به التنقيض له و الغض منه كجملة من الأمور المسندة له مثل ما في عجائب المقدور وتبعه غيره من أنه كان في أول أمره يستعمل السرقة وأنه سرق ليلة شاة فأحس به الراعي فرماه بسهم في كتفه وآخر في رجله فصار أعرج فإنه من هذا القبيل.
صفته
في شذرات الذهب كان شيخا طوالا شكلا مهولا طويل اللحية حسن الوجه بطلا شجاعا جبارا ظلوما غشوما سفاكا للدماء مقداما على ذلك وكان أعرج وكان يصلي من قيام وكان جهوري الصوت (انتهى)
مجمل أحواله
كان تيمور من عظماء الرجال وأهل الهمم العالية وممن ساعدهم الحظ في الدنيا فملك ملكا عظيما وفتح جل بلاد الشرق وألفت في سيرته الكتب المستقلة، وبالجملة كان من نوادر الدهر في كل أحواله. وفي الشذرات كان يسلك الجد مع القريب والبعيد ولا يحب المزاح ويحب الشطرنج وله فيه يد طولى وزاد فيه جملا وبغلا وجعل رقعته عشرة في أحد عشر وكان ماهرا فيه لا يلاعبه فيه إلا الأفراد وكان يقرب العلماء والصلحاء والشجعان والأشراف وينزلهم منازلهم ولكن من خالف أمره أدنى مخالفة استباح دمه وكانت هيبته لا تدانى بهذا السبب وكان من أطاعه في أول وهلة أمن ومن خالفه أدنى مخالفة وهن، وكان له فكر صائب ومكايد في الحروب وفراسة قل إن تخطئ وكان عارفا بالتواريخ لإدمانه على سماعها لا يخلو مجلسه عن قراءة شيء منها لا سفرا ولا حضرا وكان مغرى بمن له صناعة ما إذا كان حاذقا فيها وكان أميا لا يحسن الكتابة وكان حاذقا باللغة الفارسية والتركية والمغلية خاصة وكان يقدم قواعد جنكيز خان ويجعلها أصلا وكان له جواسيس في جميع البلاد التي ملكها والتي لم يملكها وكانوا ينهون إليه الحوادث الكائنة على جليتها ويكاتبونه بجميع ما يروم فلا يتوجه إلى جهة إلا وهو على بصيرة من أمرها وبلغ من دهائه أنه كان إذا قصد جهة جمع أكابر الدولة وتشاوروا إلى إن يقع الرأي على التوجه في الوقت الفلاني إلى الجهة الفلانية فيكاتب جواسيس تلك الجهات فيأخذ أهلها حذرهم ويأنس غيرها فإذا ضرب بالنفير وأصبحوا سائرين ذات الشمال عرج بهم ذات اليمين فلا يصل الخبر الثاني إلا وقد دهم الجهة التي يريد وأهلها غافلون (انتهى) وفي البدر الطالع أنه دوخ الممالك واستولى على غالب البلاد الإسلامية بل والعجم وجميع ما وراء النهر والشام والعراق والروم والهند وما بين هذه الممالك. قال وقد وصف ابن عربشاه من عجائب تيمور وغرائبه ما ينبهر له كل من وقف عليه ويعرف مقدار هذا الملك الذي لم يأت قبله ولا بعده مثله فان جنكيز خان ملك التتار لم يباشر ما باشر هذا ولا بعضه وأما هذا فهو المباشر لكل فتوحاته المدبر لجميع معاركه ولقد كان من أعاجيب الزمن في حركاته وسكناته، ثم قال وكانت له همة عظيمة لم يبلغ إلى سموها همة ملك من الملوك من جميع الطوائف فإنه ما زال يفتح البلاد ويقهر الملوك ويستولي على الأقاليم منذ قيامه في بلاده واستيلائه على مملكة أرضه إلى إن مات وناهيك أنه مات في الغزو ولم يصده عن ذلك كثرة ما قد صار بيده من الممالك ولا كفاه ما قد استولى عليه من الأراضي التي كانت قائمة بعدة ملوك هم تحت ركابه ومن جملة خدمه. وكان يجمع العلماء ويأمرهم بالمناظرة في مقامه ويسائلهم وبالجملة كان من الغرائب البارزة إلى العالم الدالة على القدرة الإلهية وانه يسلط من يشاء على من يشاء (انتهى) وفي عجائب المقدور كان تيمور في أول أمره شابا حديدا جلدا وكان لا يعجبه العجب ولا يستهويه اللهو والطرب وكان ابنه ميران شاه عنده رجل اسمه القطب الموصلي ماهر في الموسيقي وله فيه مصنفات وكان ميران شاه به مغرما وجرى بين القطب وبين الأستاذ عبد القادر المراغي مباحثات فقال تيمور إن القطب أفسد عقل ميران شاه كما أفسد عبد القادر أحمد ابن الشيخ أويس (انتهى) وفي التاريخ الفارسي الآنف الذكر ما تعريبه الباب الرابع في ذكرالأمراء التيمورية وأولهم السلطان صاحب قران الأمير قطب الدين تيمور الكركاني وهذا كان ملكا عظيم الشأن وخسرو صاحب قران وأكابر المؤرخين يعدونه في الفتوحات والصولة والشجاعة وغيرها نظير الإسكندر وجنكيز خان وقد ألفت في بيان أحواله وأوصافه ومآثره ووقائعه وفتوحاته كتب عديدة منها كتاب ظفر نامه المشهور بالتاريخ التيموري من مصنفات أفصح المؤرخين مولانا شرف الدين علي اليزدي (انتهى) وفي خطط الشام رأس أبوه قبيلة برلاس التركية وحكم ولاية كش وقد تيتم صغيرا وسلبه جيرانه امارته فتوسل تيمور إلى أمير بلاد كشغر ملك الجغتاي فانعم عليه بولاية ما وراء نهر جيحون ثم نزع يده من يد أمير كشغر وانضم إلى عمه حسين ولما ماتت زوجته أصبح تيمور في حل من أمره وداهم حسينا وتغلب عليه واستولى على بلخ فأصبح ملكا على بلاد الجغتاي كلها (انتهى) والصواب أنه لم يتيتم صغيرا فقد كان سنه عند وفاة أبيه 16 سنة أو 24 سنة كما يعلم من تاريخ مولده وتاريخ وفاة أبيه السابقين، وفي الخطط أيضا انجد تيمور أحد الخانات على أوروس خان ملك قسم من بلاد روسيا الجنوبية الشرقية ثم فتح خراسان وهراة وطوريس وقارص وتفليس وشيراز وأصفهان وكشغر ومازندران والعراق بأسره ودخل الهند فنازل مملكة المسلمين حتى غلب عليها وفتح أفغانستان وجلب من الهند إلى بلاده المهندسين والنقاشين، ثم حارب السلطان بايزيد العثماني سنة 805 الصواب 804 وغلبه ووضعه في قفص من حديد وباستيلائه على أزمير اضطر إمبراطور القسطنطينية إن يؤدي إليه الجزية، وخرب عاصمتي الشام حلب ودمشق، وكان ملوك أوروبا يخافونه وكثيرا ما أرسلوا الوفود لتهنئته بانتصاراته.
حالة الدولة الجنكيزية قبل ظهور تيمور
في التاريخ الفارسي أنه في الوقت الذي توفي فيه والد تيمور وهو سنة 652 كان السلطان قزان خان من نسل جغتاي خان ملكا في بلاد ما وراء النهر وبسبب ظلمه وشراسته خرج عليه الأمير قزغن أحد الأمراء العقلاء أهل الأخلاق الحسنة وفي سنة 747 خلعه من السلطنة وصارت دولة الخوانين الجنكيزية ضعيفة جدا وغلب عليها الأمراء وصاروا هم الذين يعزلونهم وينصبونهم ومملكة ما وراء النهر بيمن معدلة الأمير قزغن صارت معمورة وحكم قزغن زيادة على اثنتي عشرة سنة إلى إن قتل في سنة 759 بيد بعض مقربيه فحكم بعده ولده الأمير عبد الله نحوا من سنة ثم قتل ثم نصب في المملكة أغلان خان من نسل جغتاي خان فلم يتفق معه أمراء ما وراء النهر فخلع سنة 760 ووقع الهرج والمرج في المملكة وصار كل أمير يحكم برأيه ولا يحسب لغيره ووقعت المحاربة والمقاتلة بينهم وصار الناس عرضة للتلف وكان تقلقتمور خان من نسل جغتاي خان له شيء من الاستقلال في الملك فجهز عسكرا في سنة 761 بتمام العظمة والشوكة وتوجه نحو بلاد ما وراء النهر وأكثر أمراء تلك البلاد حضروا إلى خدمته وكان والد الأمير تيمور قد توفي في تلك السنة (انتهى). مبدأ ظهوره إلى إن ملك قال وكان الأمير تيمور قد تزوج ابنة الأمير قزغن وعمره يومئذ 25 سنة فذهب إلى خدمة تقلقتمور خان وحيث رأى فيه ملامح النجابة والقدرة عينه في ديوانه وكان الأمير حسين بن الأمير صلاء أخو زوجة الأمير تيمور وحفيد الأمير قزغن حاكما على بلاد ما وراء النهر فترقى الأمير تيمور في زمانه وبقي الأمير زاده الكبير يعني تقلقتمور والأمير حسين والأمير تيمور مدة على اتفاق في الشدة والرخاء ثم وقع الاختلاف بينه وبين الأمير حسين فمال أمراء النهر إلى جانب الأمير تيمور وقتلوا الأمير حسينا في مدينة بلخ وفي يوم الأربعاء تاسع شهر رمضان المبارك سنة 771 صار الأمير تيمور حاكما على جميع ما وراء النهر مما كان بيد قزغن ونصب سيورغتمش من نسل جغتاي خانا على المملكة. وقال وكانت دولة تيمور بعد هذا في إقبال وترق وتزايد وكلما قصد بلدا فتحه وما قاتل عدوا إلا غلبه وكل من خالفه صار مقهورا ولم يغلب في معركة من المعارك في مدة الست والثلاثين سنة التي ملكها أخذ جميع بلاد ما وراء النهر وتركستان وخوارزم وخراسان وسيستان وهندوستان والعراقين وفارس وكرمان ومازندران وآذربايجان وديار بكر وخوزستان وفتح كثيرا من القلاع والحصون وقهر ملوك تلك الممالك وفوض الحكومة والسلطنة إلى أولاده وأحفاده وأمرائه (انتهى) وعن ابن حجر كان تيمور من إتباع طقتمش خان آخر الملوك من ذرية جنكيز خان فلما مات وقدر في السلطنة ولده محمود استقر تيمور اتابكه وتزوج أم محمود وصار هو المتكلم في المملكة وكانت همته عالية ويتطلع إلى الملك (انتهى) وطقتمش هذا ليس له ذكر في كلام غيره ويمكن إن يكون الصواب سيورغتمش أو تقلقتمور بدل طقتمش لأن طقتمش كان ملك القبجاق كما يأتي والذي كان آخر الملوك من اتباعه هو تقلقتمور أو سيورغتمش كما مر ولكن التعدد في طقتمش ممكن فكون ملك القبجاق اسمه طقتمش لا يمنع إن يكون آخر الملوك من ذرية جنكيز اسمه طقتمش، ويبعد كون سيورغتمش هو والد محمود ما سيأتي من إن تيمور كان يطلب إلى من يريد طاعته له إن يخطبوا باسم محمود خان أو سيورغتش وباسم الأمير الكبير تيمور الكركاني وهذا يدل على أنهما كانا موجودين أميرين في وقت واحد، وفي البدر الطالع كان ابتداء ملك تيمور أنها لما انقرضت دولة بني جنكيز خان وتلاشت في جميع النواحي ظهر هذا بتركستان وسمرقند وتغلب على ملكهم محمود بعد إن كان أتابكه وتزوج أمه فاستبد عليه (انتهى) وقد سمعت إن ابن حجر قال محمود هو ابن طقتمش وإننا احتملنا إن يكون الصواب تقلقتمور أو سيورغتمش بدل طقتمش ويأتي عن عجائب المقدور ما يدل على أنه تقرب عند السلطان حسين ملك بلخ وهو بيت الملك حتى تزوج أخته ثم غاضبته فقتلها وانه حمل مرة إلى السلطان حسين فأراد قتله فشفع فيه ولده غياث الدين وصار في خدمة غياث الدين ثم فارقه وعبر جيحون مع أصحابه وفتح مدينة نخشب وانه عصى على السلطان حسين وتحارب معه عدة مرات حتى قتل السلطان حسينا سنة 771 وأقام مقامه شخصا يدعى سيورغتمش من بيت المملكة من ذرية جنكيز وأنه حارب غياث الدين بن السلطان حسين سلطان هراة وأخذ هراة منه. وفي أعلام النبلاء عن تاريخ ابن خلدون أو غيره ما ملخصه إن غياث الدين اصطحبه وزوجه أخته وقربه حتى صار من وزرائه فلما ملك غياث الدين بعد أبيه حسين ازدادت منزلة تيمور عنده ثم وقع بينه وبين زوجته أخت غياث الدين شيء أغضبه فقتلها وعصى على غياث الدين إلى أن حاصره بهراة وملكها وحبس غياث الدين حتى مات جوعا
وعطشا (انتهى) أقول في كلام هؤلاء المؤرخين من التنافي ما لا يخفى أولا إن كلام ابن عربشاه دال على أن حسينا الذي كان تيمور متزوجا بأخته كان هو ملك التتار فحاربه تيمور حتى قتله وأقام بعده على المملكة سيورغتمش من ذرية جنكيز والذي مر عن التاريخ الفارسي دال على إن الذي تزوج تيمور أخته هو الأمير حسين ابن الأمير صلاء ابن الأمير قزعن ولم يكن سلطانا بل حاكما على بلاد ما وراء النهر والسلطان العام هو تقلقتمور خان من ذرية جنكيز وان تيمور كان من إتباع تقلقتمور لا من إتباع الأمير حسين حتى يقال أنه عصى عليه بل كان من أقران الأمير حسين ونظرائه أو أعلى منه والظاهر أن الصواب ما في التاريخ الفارسي وإن ما في عجائب المقدر أشبه بأقاصيص المخترعين منه بأقوال ثقات المؤرخين ثانيا نسبة التلصص إلى تيمور الظاهر أنها غير صحيحة لما عرفت من أنه كان هو وآباؤه أصحاب حشمة وإمارة من أول عمره ثالثا الظاهر إن القول بأنه تزوج أخت غياث الدين اشتباه وإنما تزوج أخت الأمير حسين والله أعلم. وفي عجائب المقدور كان في أول أمره إذا نزل بأحد مستضيفا استنسبه وحفظ اسمه ونسبه وقال له إذا بلغك أني استوليت على الممالك فائتني بعلامة كذا أكافئك فلما ملك هرعت الناس بالعلائم إليه فكان ينزل كل أحد منزلته. وانه كان في أول أمره استمال إليه نحو أربعين رجلا مثل العباس وجهانشاه وقمارى وسليمان شاه وايدكو تيمور وسيف الدين وغيرهم وكان يذكر لهم أنه طالب ملك وانه سيقهر ملوك الدنيا فيسخرون منه، وفي غيره فيسخر منه بعضهم ويصدقه البعض لما يرون من شدة حزمه وشجاعته:
أن المقادير إذا ساعدت | ألحقت العاجز بالحازم |
فشرع فيما يقصده والمقادير تساعده:
لا يؤيسنك من مجد تباعده | فان للمجد تدريجا وتدريبا |
أن القناة التي شاهدت رفعتها | تنمو فتنبت أنبوبا فأنبوبا |
قال وقيل أنه في بعض أسفاره ضل الطريق وكاد يهلك جوعا و عطشا إلى إن وقع على خيل السلطان وكان عارفا بصفاتها وسماتها فطلب منه القيم عليها إن يصحبه ففعل وجهزه إلى السلطان ومعه خيل وأعلمه حاله فانعم السلطان عليه ووصى القيم به ورده إليه فلم يلبث القيم إن مات فتولى تيمور مكانه ولم يزل يترقى عند السلطان حتى تزوج أخت السلطان ثم جرى بينه وبينها منافرة فعيرته بما كان عليه فقتلها وعصى على السلطان وكان السلطان اسمه حسين وهو من بيت الملك وقاعدة ملكه مدينة بلخ وأوأمره جارية في ممالك ما وراء النهر إلى أطراف تركستان قال وكان للسلطان أربعة وزراء كل واحد من قبيلة إحدى هذه القبائل تسمى ارلات والثانية جلاير والثالثة قارجين والرابعة برلاس و كان تيمور ابن الوزير الذي هو من القبيلة الرابعة فنشأ شابا لبيبا هماما حازما جلدا أريبا وكان يصاحب نظراءه من أولاد الوزراء فقال لهم يوما إن جدتي رأت مناما وعبرته بأنه يظهر لها من الأولاد من يدوخ البلاد ويملك العباد وذلك الولد هو أنا فعاهدوني على إن تكونوا لي أنصارا فعاهدوه فشعر به السلطان فطلبه فهرب وخرج في تلك الفئة فيما بين 760 و 770 وقال لي شيخي محمد بن محمد البخاري إن تيمور قتل السلطان حسينا في شعبان سنة 771 ومن ذلك الوقت استقل بالملك وكانت وفاته في شعبان سنة 807 فمدة استيلائه مستقلا 36 سنة ثم ذكر أنه لما خرج صار هو ورفقاؤه يتحرمون في بلاد ما وراء النهر فذهب في بعض الليالي وقد أضر بهم الجوع فدخل حائطا في سجستان فيه غنم فاحتمل منها واحدة فشعر به الراعي فرماه بسهم وحمله إلى سلطان هراة واسمه حسين فضربه وأمر بصلبه فشفع فيه غياث الدين ابن السلطان حسين فوهبه له فداوى جرحه حتى برئ فكان في خدمة غياث الدين من أعقل الخدم وأضبط الكفاة فارتقى عنده وعصى عليه نائب سجستان فوجه إليه تيمور مع طائفة من الجند فقبض على النائب وجبى الأموال وقيل أنه كان في خدمة ابن السلطان إلى إن توفي السلطان وقام ابنه غياث الدين مقامه ففارقه تيمور قاصدا ما وراء النهر ومعه أصحابه فأرسل وراءهم ففاتوه ووصلوا إلى جيحون وعبروه سباحة بخيولهم.
أخذه مدينة نخشب
وساروا حتى أتوا مدينة نخشب فتركوا خيلهم خارجها ودخلوا من ممر الماء وأتوا دار الأمير فاخذوا ما وجدوه من سلاح وعدة وخيل وكان الأمير في البستان واسمه موسى فاجتمع عليهم أهل البلد وأرسلوا إلى الأمير فأمدهم بالرجال فحملوا على الناس فهزموهم واجتمع عليهم جماعة فصاروا في ثلاثمائة فأرسل إليهم السلطان عسكرا فكسروه واستولوا على حصن فجعلوه معقلا واستولوا على المدينة.
إطاعة والي بلخشان له
قال وأرسل تيمور إلى ولاية بلخشان وكان الولاة بها أخوين تحت طاعة السلطان وكان أولادهما عنده رهائن فلما أرسلهما تيمور على طاعته أجاباه إلى ذلك.
إطاعة المغول له
قال ثم إن المغول نهضت من جهة الشرق على السلطان حسين فاستعد لهم وقطع جيحون ووقع الحرب بينهم فانكسر السلطان وراسلهم تيمور فأطاعوه ووعدوه بمصاهرتهم واسم ملكهم قمر الدين خان.
الحرب بين تيمور والسلطان حسين وانكسار عسكر السلطان
قال ثم إن السلطان حسينا جهز عسكرا عظيما على تيمور وتوجه إليه بنفسه حتى (انتهى) إلى مكان يسمى فاغلغار وهناك جبلان بينهما مضيق مسافة ساعة وفي وسط الدرب باب إذا أغلق لم يقدر عليه أحد فاخذ العسكر فم ذلك المضيق من جهة سمرقند وتيمور على الجانب الآخر فقال تيمور لأصحابه انني أعرف هاهنا جادة غامضة فلنسلكها ولنسر ليلتنا كلها حتى نأتيهم من ورائهم فان وصلناهم قبل طلوع الفجر وهم غارون كان لنا النصر عليهم فأسروا ليلتهم كلها فلم يصلوا إليهم إلا بعد طلوع الشمس وفاتهم ما أرادوا فتنحوا ناحية وتركوا خيولهم ترعى وناموا فمر بهم العسكر فحسبوهم أصحابهم ولم يتعرضوا لهم لعلمهم أنهم في الجانب الآخر فلما استراحوا وجازهم العسكر حملوا عليه فكانت الهزيمة وبلغ الخبر إلى السلطان فهرب إلى بلخ واستولى تيمور على ممالك ما وراء النهر.
إطاعة نائب سمرقند له
قال وكان نائب سمرقند من قبل السلطان شخص يدعى علي شير فكاتبه تيمور على إن تكون الممالك بينهما ويكون معه على السلطان حسين فاجابه إلى ذلك وحضر بين يديه فزاد في إكرامه.
قتل السلطان حسين وتملك سيورغتمش
قال ثم قصد تيمور بلخشان فاستقبله ملكاها وسار من بلخشان وهما معه قاصدا بلخ لمحاصرة السلطان فتحصن منهم وأخرج ولديهما اللذين كانا عنده رهينة فضرب أعناقهما بمرأى من أبويهما ثم أنه ضعف حاله فاستسلم فقبض عليه تيمور ورد أميري بلخشان إليها مكرمين وتوجه إلى سمرقند ومعه السلطان حسين وذلك في شعبان سنة 771 فوصلها واتخذها دار ملكه ثم أنه قتل السلطان حسينا وأقام مقامه شخصا يدعى سيورغتمش من بيت المملكة من ذرية جنكيز خان. هكذا في عجائب المقدور ومر عن التاريخ الفارسي إن سيورغتمش أقامه تيمور في المملكة بعد تقلقتمور وإن حسينا كان حاكما على بلاد ما وراء النهر ولم يكن سلطانا فقتله تيمور والله أعلم فكان حال سيورغتمش معه حال الخلفاء العباسية مع ملوك الديلم والسلاجقة واستمر علي شير نائبا في سمرقند وكان يكرمه ويستشيره في أموره. وثوب سلطان الدشت على تيمور
قال ثم إن توقتاميش خان سلطان الدشت والتتار لما رأى ما جرى بين تيمور والسلطان حسين اغتاظ لذلك لما بينه وبين السلطان من النسب فجهز جيشا وتوجه لقتال تيمور من جهة سفتاق واترار فخرج إليه تيمور من سمرقند وتلاقيا بأطراف تركستان بين نهري سيحون وجيحون ووقع القتال فظهر الفشل على عسكر تيمور فجاء إليه رجل يقال له السيد بركة وهو مغربي أو حجازي وله احترام عظيم ببلاد خراسان وما وراء النهر فتشكا إليه تيمور حالة الجيش فقال لا تخف وأخذ كفا من الحصى ورمى به نحو العدو وصاح قائلا ياغي قاچدي فتبعهما العسكر وقالوا جميعا ياغي قاچدي وحملوا على عسكر توقتاميش فهزموه ولحقوه يقتلون ويأسرون ويغنمون أقول وأمثال هذا التدبير يستعمل كثيرا لتقوية نفوس العسكر وارهاب العدو فينفع، فقال تيمور لبركة تمن علي واحتكم فقال أريد اندخوي من بلاد خراسان وهي من أوقاف الحرمين وأنا وأولادي من مستحقيها فأعطاه إياها فهي في أيدي أحفاده إلى عصر ابن عربشاه 836.
قتل علي شير والي سمرقند
في عجائب المقدور ثم وقع بين تيمور وعلي شير اختلاف وانضم إلى كل واحد طائفة فقبض عليه تيمور وقتله وصفت له البلاد.
قتله المفسدين بسمرقند
قال وكان في سمرقند كثير من المفسدين وهم فرقتان كقيس واليمن ولكل فرقة رؤساء وكان تيمور مع ابهته يخافهم فكان إذا قصد جهة أقام نائبا عنه في سمرقند فإذا خرج عن البلد خلعوا النائب أو خرجوا مع النائب وأظهروا المخالفة فإذا رجع تيمور أصلح الحال فإذا خرج من سمرقند عادوا إلى ذلك تكرر ذلك منهم نحوا من تسع مرات فاعمل الحيلة في استئصالهم وأراد عمل سور للبلد وقسم الأعمال على الناس وأفرد أولئك مع رؤسائهم في جهة ورتب أناسا من أعوانه في مكان وأمرهم بقتل كل من أتى إليهم فكان إذا فرع الناس من العمل خلع على رؤسائهم فإذا أفضت النوبة إلى رؤساء المفسدين خلع على الواحد منهم بالذهاب لذلك المكان لقبض الجائزة فيقتل حتى قتلهم جميعا.
بلاد سمرقند التي ملكها تيمور
قال هي سمرقند وولاياتها وهي سبعة تومانات. واندكان وجهاتها وهي تسعة تومانات. والتومان عبارة عما يخرج منه عشرة آلاف مقاتل. وسمرقند وسورها قديما على ما زعموا اثنا عشر فرسخا وبنى تيمور على حد سورها من جهة الغرب قصبة سماها دمشق تبعد عن سمرقند الآن نصف يوم ومن مدن ما وراء النهر مرغينان وكانت دار الملك قديما وخجند وترمذ وهما على ساحل جيحون ونخشب وهي قرشي وكش وبخارى واندكان. ومن الولايات بلخشان وممالك خوارزم وإقليم صغانيان وغيرها وفي عرفهم إن ما وراء النهر إلى جهة الشرق توران وما كان في هذا الطرف إلى جهة الغرب إيران. والعراق هو مغرب إيران.
مصاهرته ملك المغول
قال وتزوج تيمور بنت قمر الدين ملك المغول وصالحهم وصافاهم فامن شرهم وهم جيرانه من جهة الشرق وتفرع لفتح خوارزم.
أخذه بخارى
في البدر الطالع كان في عصره أمير ببخارى يعرف بحسن من أكابر المغول وآخر بخوارزم يعرف بالحاج حسن الصوفي وهو من كبار التتر فنبذ إليهم تيمور بالعهد زحف إلى بخارى فملكها من يد الأمير حسن. وقال ابن حجر أول ما جمع عسكرا ونازل أمير بخارى حسن المغلي فانتزعها منه.
قصده مملكة خوارزم
في عجائب المقدور وهي ذات مدن عظيمة وقاعدتها جرجان واسم سلطانها حسين حسن الصوفي فلما وصل تيمور إلى خوارزم كان سلطانها غائبا فاستولى على ما حولها وحاصرها ثم عاد عنها إلى بلاده واستعد وجهز جيشا عظيما وعاد إليها وسلطانها غائب وحاصرها وضيق عليها فخرج إليه تاجر من أهلها اسمه حسن سوريج وطلب منه أن يرحل عنها على مال يأخذه فطلب منه حمل مائتي بغل فضة فلم يزل يراجعه ويلاطفه حتى قبل بربع ذلك فدفعه إليه من ماله ورحل عنهم إلى سمرقند.
فتحه هراة
قال ثم أنه راسل سلطان هراة الملك غياث الدين وكان قد خلص تيمور من القتل وطلب منه الدخول في طاعته فأبى فعبر تيمور جيحون وتوجه إليه فلم يكن لغياث الدين به قوة فجمع حشمه وسكان قراه في هراة بمواشيهم وحفر خندقا حولى البساتين فلم يكترث تيمور له بقتال ولكنه أحاط به بعساكره فاشتد الأمر على غياث الدين وقلت الأقوات عنده وهلكت المواشي فأرسل يطلب الأمان فأمنه وحلف له على ذلك فخرج إليه ودخل تيمور المدينة وصعد إلى القلعة وصحبته السلطان وأراد بعض الناس إن يفتك بتيمور فنهاه السلطان وقبض على ملك هراة ومنعه الخروج من المدينة.
زيارته الشيخ زين الدين الخوافي
قال كان قد سمع إن في قصبة خواف رجلا يدعى الشيخ زين الدين أبا بكر يدعى له الولاية والمكاشفة فقصد إلى زيارته، فلما دخل عليه قام الشيخ له، فانكب تيمور على رجليه فوضع الشيخ يديه على ظهر تيمور، قال تيمور لولا أنه رفع يديه عن ظهري بسرعة لخلت إن السماء وقعت على ظهري، ثم جلس وقال للشيخ لم لا تأمرون ملوككم بالعدل والإنصاف؟ قال قد أمرناهم فلم يأتمروا فسلطناك عليهم. أقول وهذا إن صح فهو من بعض فنون السياسة وأساليبها.
فتحه سجستان
قال كان أهل سجستان أساؤوا إليه أولا وأصيب منهم فعاد إليها فخرج إليه أهلها طالبين الصلح فأجابهم على إن يمدوه بالسلاح ففعلوا ثم وضع السيف فيهم فلم ينج منهم إلا القليل بالهرب ثم خرب المدينة وحكي أنهم لما عادوا إليها بعد رجوع تيمور عنها لم يعرفوا يوم الجمعة ليجمعوا حتى سألوا أهل كرمان عنه.
إطاعة أهل سبزوار له
قال ثم قصد مدينة سبزوار وكان واليها يدعى حسن الجوري وهو مستقل بالامارة وهو رافضي فما أمكنه إلا الإطاعة وقدم له الهدايا والخدم فأقره على ولايته.
ما جرى له في سبزوار
قال كان في سبزوار شريف يدعى السيد محمد السربدال وله أصحاب يسمون السربدالية يعني الشطار وكان هذا السيد مشهورا بالفضائل والمآثر فدعاه تيمور وقال له يا سيدي قل لي كيف املك بلاد خراسان وما السبيل إلى ذلك فقال له السيد أيها الأمير أنا لست ممن يتوصل إلى معرفة ذلك فقال له تيمور لا بد لك من ذلك ولولا أنني تفرست فيك المعرفة وصواب الرأي ما سألتك فدله على الخواجة علي بن المؤيد وأمره بإطاعة رأيه وكان الخواجة علي رجلا شيعيا يوالي عليا ويضرب السكة باسم الأئمة الاثني عشر ويخطب بأسمائهم وكان شهما هماما وأوصاه بإطاعته فيما يشير به وبتعظيمه وإنزاله في التعظيم منزلة الملوك ثم خرج من عند تيمور وأرسل قاصدا إلى الخواجة علي وأخبره بجلية الحال وأمره إن يحضر إلى تيمور إذا طلبه فاستعد خواجة علي لذلك وهيا الخدمات والتقادم وضرب باسمه واسم متولاه الدراهم والدنانير وخطب باسمهما فجاءه رسول تيمور بكتاب منه يستدعيه فلبى الدعوة فأرسل تيمور خواصه لاستقباله وأقره على ولايتيه أقول وهذا أيضا من أساليب السياسة وفنونها.
إطاعة أمراء خراسان له
قال ولم يبق في خراسان أمير مدينة ولا نائب قلعة ولا من يشار إليه إلا وحضر إلى تيمور وأطاعه فمن أكابرهم الأمير محمد حاكم بارود والأمير عبد الله حاكم سرخس وانتشرت هيبته في الآفاق وبلغت سطوته مازندران وكيلان والري والعراق وامتلأت منه القلوب وخافه القريب والبعيد وذلك في مدة قصيرة لا تزيد على سنتين.
مراسلته أبا الفوارس شاه شجاع
قال هو شاه شجاع بن محمد بن مظفر كان أبوه من أفراد الناس يسكن ضواحي يزد وابرقوه وكان ذا باس شديد فظهر رجل من بني خفاجة يدعى جمال لوك بين يرد وشيزار أفسد في تلك النواحي وأخاف السبيل ولم يقدر عليه أحد فكمن له أبو شجاع وقتله وحمل رأسه إلى السلطان فقربه واقطعه عدة أماكن وكان له من الأولاد شاه مظفر وشاه محمود وشاه شجاع فصار كل منهم ذا كلمة نافذة ثم توفي السلطان ولا ولد له فملك محمد بن مظفر بلاد عراق العجم ثم جرى بين شاه شجاع وأبيه خلاف فقبض على أبيه وسمله واستقل بملك شيراز وعراق العجم فلما صفت لتيمور بلاد خراسان أرسل إلى شاه شجاع كتابا يدعوه فيه إلى طاعته من جملته قوله إن الله سلطني عليكم وعلى الظلمة من الملوك والحكام ونصرني على من خالفني وقد رأيت وسمعت فان أطعتني وإلا ففي قدومي الخراب والقحط والوباء واثم ذلك عائد عليك فلم يسع شاه شجاع إلا اطاعته وزوج ابنته بابن تيمور واستمروا على ذلك إلى إن توفي شاه شجاع ولما حضره الموت قسم البلاد على أولاده فولى ابنه لصلبه زين العابدين شيراز وهي كرسي الملك واقطع أخاه السلطان أحمد ولايات كرمان وأعطى ابن أخيه شاه يحيى يزد وابن أخيه شاه منصور أصفهان واسند وصيته بذلك إلى تيمور فلما مات اختلف بنوه فقصد شاه منصور عمه زين العابدين وقبض عليه وسمله واستولى على شيراز فاستاء لذلك تيمور.
قصده خوارزم مرة ثالثة ورابعة وأخذها
قال ثم أنه توجه بعساكره إلى خوارزم من خراسان على طريق أسترآباد وكان سلطانها حسين الصوفي أيضا غائبا فخرج إليه حسن سوريج المتقدم ذكره وصالحه ولاطفه فرجع عنها وكان لحسن ابن اعتدى على بعض حظايا السلطان وشاع ذلك واغتر أبوه بما له من الخدمات في رد تيمور عن البلد ثلاث مرات فلم يبال بفعل ابنه فلما عاد السلطان قبض على حسن وابنه وقتلهما وأطعم جيفتيهما لأسد عنده ثم لم يلبث حسين الصوفي إن توفي وولي بعده ولده يوسف وكان تيمور قبل ذلك قد صاهرهم وزوج ابنه جهانكير ابنة أحدهم وتدعى خانزاده فولدت له محمد سلطان فجعله تيمور ولي عهده لما رأى من نجابته وقدمه على أعماله لكنه توفي قبله في آق شهر من بلاد الروم كما يأتي ولما سمع تيمور ما جرى على حسن سوريج غضب وقصد خوارزم مرة رابعة فأخذها وقتل سلطانها وولى عليها نائبا من قبله بعد ما خرب منها، وفي البدر الطالع ثم كلف بعمارتها وتشييد ما خرب منها، قال ابن عربشاه وتاريخ خراب خوارزم عذاب كما إن تاريخ خراب دمشق خراب، وفي البدر الطالع وانتظم له ملك ما وراء النهر ونزل إلى بخارى ثم انتقل إلى سمرقند.
مراسلته شاه ولي صاحب مازندران وأمراء تلك البلاد
في عجائب المقدور لما توجه تيمور إلى خراسان راسل شاه ولي صاحب مازندران وأمراء تلك البلاد مثل إسكندر الجلابي وارشيوند وإبراهيم القمي وطلبهم إلى الحضور فأجابوه غير شاه ولي فإنه امتنع وأجابه بجواب خشن وأرسل شاه ولي إلى شاه شجاع سلطان عراق العجم وكرمان والى السلطان أحمد ابن الشيخ أويس سلطان عراق العرب وأذربايجان يخبرهما بما أرسل إليه تيمور وما أجابه به ويقول لهما أنا بمنزلة الثغر لكما فإن أخذت أخذتما وان سلمت سلمتما وطلب منهما الاتفاق معه على حرب تيمور فأما شاه شجاع فلم يقبل منه وهادن تيمور وأما السلطان أحمد فأجابه بأنه غير مكترث بتيمور وان العراق ليست كخرسان فلما أيس شاه ولي من نصرهما عزم على حرب تيمور واستعد للقائه فلما تراءى الجمعان انهزم شاه ولي وتوجه إلى الري وكان أميرها يدعى محمد جوكار وهو مستقل في حكمه إلا أنه دارى تيمور وهادنه فقتل شاه ولي وأرسل رأسه إلى تيمور، وفي البدر الطالع ثم زحف إلى خراسان وطال تحرشه بها وحروبه لصاحبها شاه ولي إلى إن ملكها عليه سنة 784 ونجا شاه ولي إلى تبريز ملتجئا إلى أحمد بن أويس صاحب العراق وآذربايجان إلى إن زحف عليهم تيمور سنة 788 فهلك شاه ولي في حروبه عليها وملكها تيمور.
ما جرى له مع أبي بكر الشاسباني
وعلي الكردي وأمة التركماني
في عجائب المقدور يقال إن عسكر تيمور لم يتضرر مع كثرة حروبه إلا من هؤلاء الثلاثة أما أبو بكر فهو من قرية من بلاد مازندران تدعى شاسبان كان يضرب به المثل في الشجاعة حتى إن الدابة إذا تأخرت عن الماء أو العلف يقول صاحبها ما لك هل فيه أبو بكر الشاسباني وكان يغير بأصحابه على عسكر تيمور وأما علي الكردي فكان أميرا على بلاد الكرد وكان يشن الغارات على عساكر تيمور مدة حياة تيمور وبعدها حتى توفي وأما أمة التركماني فكان من تركمان قراباع وله ابنان وكان يحارب أميران شاه ابن تيمور إلى إن قتل هو وأولاده بدلالة أحد المنتسبين إليهم.
توجه تيمور إلى عراق العجم
وحربه مع شاه منصور وقتل شاه منصور
قال لما توفي شاه شجاع ووقع النزاع بين أولاده كما مر واستقر أمر عراق العجم لشاه منصور ومازندران وتوابعها لتيمور وكان شاه شجاع أوصى تيمور بولده زين العابدين كما تقدم فلما فعل منصور مع زين العابدين ما مر توجه إليه تيمور فاستمد أقاربه فلم يمدوه فسار للقاء تيمور بنحو ألفي فارس بعد إن حصن المدينة وأوصى بحفظها فقال له أعيانها ما تصنع بألفي فارس مع هذه العساكر الجرارة فلم يلتفت إليهم وقيل إن شاه منصور فرق رجاله على قلاعه وعزم إن يغير بمن معه على عساكر تيمور ولا يستقر في مكان ولا يحاربهم في مصاف فبينما هو عند باب المدينة نظرته عجوز فقالت إن هذا أخذ أموالنا وحكم في دمائنا وتركنا أحوج ما نكون إليه فحمي عند ذلك ورجع وعزم على المقاتلة وكان في عسكره أمير خراساني يدعى محمد بن زين الدين هو في الباطن مع تيمور فسار إلى تيمور وتبعه أكثر الجند ولم يبق منهم إلا دون الألف واقتتلوا إلى الليل وعمد شاه منصور
إلى فرس قوي جفول فشد في ذنبه قدرا من النحاس وأرسله في عسكر تيمور بعد ما هدأ الليل فذعروا وجعل يقتل بعضهم بعضا حتى قيل أنه قتل منهم نحو عشرة آلاف وفي الصباح انتخب شاه منصور من أصحابه نحو خمسمائة وجعل يحمل بهم على عسكر تيمور فينهزمون منه يمنة ويسرة وقصد مكانا فيه تيمور فاختفى منه ولم يزل شاه منصور يقاتل حتى عجز ولم يبق معه سوى رجلين أحدهما يسمى توكل والآخر مهتر فخر الدين فقتل توكل ونجا فخر الدين جريحا والقى منصور نفسه بين القتلى ولم يدر تيمور ما جرى له فأمر بتفتيش الجرحى فعثر رجل العسكر عليه وهو بآخر رمق فأعطاه جواهر كانت معه على إن يكتم أمره وينقله من بين القتلى فلم يفعل وقطع رأيه واتى به إلى تيمور فعرفوه بشامة في وجهه وأسف تيمور لقتله وقتل قاتله واستولى تيمور على فارس وعراق العجم وراسل من داناه من أقارب شاه شجاع وسائر الملوك وأمن الحاضر والبادي والداني والقاصي واتى شيراز فضبط أحوالها ولبت دعوته ملوك البلاد فوصل إليه السلطان أحمد من كرمان والشاه يحيى من يزد وعصى عليه السلطان أبو إسحاق في شيرجان فانعم وخلع على من أطاعه ولم يتعرض لمن عصاه ونادى بالأمان في شيراز وسائر البلدان وأقام في كل بلدة نائبا من جهته وأحسن إلى زين العابدين الذي أوصى به إليه أبوه شاه شجاع ووظف له من الجوامك والادرارات ما يكفيه قال ابن حجر ثم تحول إلى فارس وفيها أعيان بني المظفر اليزدي فملكها.
أخذه مدينة قراباغ
عن ابن إياس في تاريخه أنه في سنة 787 حضر إلى الأبواب الشريفة قاصد القان أحمد بن أويس صاحب بغداد واخبر إن تيمور لنك قد وصل إلى مدينة قراباع ونهبها وسبى أهلها فأرسل القان أحمد يعرف السلطان بذلك ليكون على حذر من أمره (انتهى) والمراد بالسلطان وبالأبواب الشريفة هو السلطان برقوق صاحب مصر وبلاد الشام.
قصده تبريز
كانت تبريز وبغداد للسلطان أحمد ابن الشيخ أويس الجلائري وقد مر إن الشاه ولي صاحب مازندران فر من تيمور إلى أحمد بن أويس صاحب تبريز وبغداد سنة 784 ومر عن البدر الطالع إن تيمور زحف على تبريز سنة 788 فهلك الشاه ولي في حروبه عليها وملكها تيمور ومر أيضا تجهيز السلطان أحمد العساكر لحرب تيمور وانهزام عساكر السلطان أحمد ورجوع عساكر تيمور. قال ابن عربشاه في عجائب المقدور فلما فرع تيمور من همذان قصد تبريز فهرب منها صاحبها السلطان أحمد ابن الشيخ أويس إلى بغداد.
قلعة النجاء
قال وجهز السلطان أحمد ما يخاف عليه صحبة ابنه السلطان طاهر إلى قلعة النجاء، فدخل تيمور تبريز واستولى عليها ووجه العساكر إلى قلعة النجاء لأنها كانت معقل السلطان أحمد وبها ولده وزوجته وذخائره وهي قلعة حصينة وتوجه تيمور إلى بغداد وكان الوالي بالنجاء رجل شديد الباس يدعى ألتون ومعه نحو ثلاثمائة رجل فكان ألتون يغير بهم ليلا على عساكر تيمور من طرق غامضة ويعود إلى القلعة. فأبلغوا تيمور ذلك فأمدهم بنحو أربعين ألف مقاتل مع أربعة أمراء كبيرهم يدعى قبلغ تيمور فوصلوا إلى القلعة، وكان ألتون غائبا عنها في الإغارة على عسكر تيمور فبينا هو راجع إذ رآهم فعلم أنه لا منجى له منهم إلا حد السيوف فحمس أصحابه وذمرهم وحمل بتلك العدة القليلة على هذا العسكر الجرار فقتل فيهم وقتل منهم أميرين أحدهما قبلغ تيمور ودخل القلعة، ولما بلغ ذلك تيمور عظم عليه ونهض إليها بنفسه، وكان التون قد تربى في تلك القلعة فهو خبير بطرقها الغامضة فجعل يغير على عسكر تيمور ليلا كما كان يفعل أولا حتى اعجز تيمور وأصحابه فارتحل تيمور عنها بعد إن رتب عليها اليزك للحصار، قيل أنه حاصرها مدة اثنتي عشرة سنة ولم يقدر عليها حتى حصل من أخي ألتون خيانة مع أم السلطان طاهر ابن السلطان أحمد فقتلهما طاهر وكان التون غائبا عن القلعة قد خرج للغارة فلما رجع أغلقوا باب القلعة دونه ورموا بأخيه من فوق السور إليه وأخبروه خبره فقال أما أخي فقد أخذ بجنايته وأما أنا فلم أزل على الوفاء لكم فقالوا ربما أدركتك الحمية لقتل أخيك فحلف لهم إيمانا مغلظة على الوفاء فلم يقبلوا منه فخرج هائما على وجهه، وتفرق عنه أصحابه وقصد مدينة مرند، وهي في حكم تيمور فقتله حاكمها وأرسل رأسه إلى تيمور فغضب لقتله وأسف عليه وعزل الحاكم ثم صادره وقتله ثم إن السلطان طاهرا ضعف وخرج من القلعة واستولى عليها تيمور.
ما جرى له في أصبهان
قال وتوجه إلى أصبهان فخرج إليه أهلها وصالحوه على مال وأرسل إليهم من يقبضه منهم من الأعوان فتعنتوهم فشكا الأصفهانيون ذلك إلى رئيسهم فاتفقوا إن يضرب بالطبل عند المساء فإذا سمعوا صوت الطبل قتل كل منهم نزيله من عسكر تيمور فلما مضى بعض الليل ضرب الرئيس الطبل فقتلوا أصحاب تيمور وكانوا ستة آلاف فلما طلع الفجر بلغ تيمور ذلك فارتحل من فوره ودخل المدينة وقتل أهلها قتلا عاما ونهبها (انتهى) عجائب المقدور وفي التاريخ الفارسي في يوم الاثنين ثامن ذي القعدة سنة 789 خالف عليه أهل أصفهان وقتلوا بعض العساكر فقتلهم قتلا عاما حتى قتل منهم سبعين ألفا. وفي البدر الطالع بعد ما ذكر أنه ملك تبريز سنة 788 قال ثم زحف إلى أصبهان فأطاعوه طاعة ممرضة وخالفه في قومه كبير من أهل نسبه يعرف بقمر الدين واعانه طقتمش فكر راجعا وحارب قمر الدين إلى إن محا أثره واستقل بسلطان المغول وزاحم طقتمش مرارا حتى أوهن أمره، وقال ابن حجر ثم ملك أصبهان وفي غضون ذلك خالف عليه أمير من جماعته يقال له قمر الدين واعانه طقتمش خان صاحب صراي فرجع إليهم ولم يزل يحاربهم إلى إن أبادهم واستقل بمملكة المغل وعاد إلى أصبهان سنة 794 فملكها (انتهى)، وطقتمش هذا هو ملك القبجاق ويقال توقتمش وتوقتاميش وستأتي أخباره مفصلة سنة 797 وإنما ذكر هنا لان تيمور وهو في أصبهان بلغه مخالفة قمر الدين عليه وإعانة طقتمش له فسافر إليهما ثم عاد إلى أصفهان.
رجوعه إلى سمرقند وبناؤه القلاع والحصون
في عجائب المقدور وتوجه إلى سمرقند فلما وصلها أرسل ابن ابنه محمد سلطان ابن جهانكير مع الأمير سيف الدين إلى أقصى مملكته وهو وراء سيحون شرقا وهو نحو من مسيرة شهر عن ممالك ما وراء النهر فنظروا في أمورها وبنوا جملة من القلاع وأقصاها بلد يسمى اشبارة فبنوا فيه حصنا وخطب من بنات ملوكهم الملكة الكبرى والملكة الصغرى فاجابه الملك إلى ما طلب وارتجت منه أقاليم المغول والخطا وكان السفير في ذلك الله داد أخو الأمير سيف الدين المتقدم وهو الذي استخلص أموال دمشق ونزل في دار ابن مشكور.
المدينة المسماة شاهرخية وسبب تسميتها بذلك
قال وامر تيمور ببناء مدينة على طرف سيحون من ذلك الجانب وعقد إليها جسرا على السفن وسماها شاهرخية وسبب ذلك أن تيمور كان مولعا بلعب الشطرنج ومن جملة قطع الشطرنج قطعة تسمى شاهرخ فرمى شاهرخ على الذي يلعب معه فغلبه فأخبر في تلك الحال بأن المدينة تم بناؤها وانه ولد له ذكر من بعض حظاياه فأمر إن يسمى الولد شاهرخ والمدينة شاهرخية.
عودة تيمور إلى فارس وخراسان
وعراق العجم واجتماع الملوك عنده
قال وبعد تمهيد قواعد تلك البلاد وممالك تركستان عاد إلى بلاد خراسان فاستقبله الملوك والأمراء منهم إسكندر الجلابي أحد ملوك مازندران وارشيوند الفارسكوهي وإبراهيم القمي وأطاعه السلطان أبو إسحاق صاحب شيرجان والسلطان أحمد أخو الشاه شجاع والشاه يحيى ابن أخي الشاه شجاع واجتمع عنده من ملوك عراق العجم سبعة عشر نفرا ما بين سلطان وابن سلطان وابن أخي السلطان كلهم ملك مطاع. واتفق يوما أنهم اجتمعوا عنده في خيمة وهو وحده فأشار بعضهم إلى يحيى إن يقتله فرضي بعض وامتنع بعض فأشار إلى من رضي انكم إن لم تكفوا لأخبر به وكان تيمور شعر بذلك وبعد أيام جلس للناس جلوسا عاما وقد لبس ثيابا حمرا ودعا هؤلاء الملوك السبعة عشر فقتلهم صبرا وذراريهم.
عصيان كودرز في قلعة شيرجان
قال كان كودرز من إتباع شاه منصور وكان يعتقد أن مخدومه شاه منصور حي وكان هذا شائعا عند الناس فكان كودرز يتوقع ظهوره فحصر تيمور قلعة شيرجان فلم يتيسر له فتحها فوجه إليها عساكر شيراز ويزد و أبرقوه وكرمان وعساكر سجستان بعد عمرانها وكان نائب شيرجان يدعى شاه أبا الفتح فحاصروها نحوا من عشر سنين يرحلون عنها ويعودون إليها فلم يتيسر لهم فتحها وكان تيمور ولى كرمان شخصا يدعى ايدكو من أخوان السلطان فكان هو قائد العسكر ولما تحقق كودرز موت شاه منصور وكان أبو الفتح يراسله دائما ويتكفل له بالشفاعة عند تيمور أذعن للصلح وسلم الحصن عن يد أبي الفتح فاغتاظ منه ايدكو حيث لم يجعل الصلح عن يده وقتله فبلغ ذلك تيمور فغضب عليه.
قصد تيمور عراق العرب ورجوعه
قال ثم إن السلطان أحمد بن أويس صاحب بغداد وتبريز جهز جيشا عظيما مع أمير يدعى سنتائي وبعثه لحرب تيمور فلما بلغ تيمور ذلك بعث إليه جيشا فالتقيا على حدود سلطانية ووقع القتال فانهزم عسكر سنتائي ووصل فله إلى بغداد فالبس السلطان أحمد سنتائي المقنعة وشهره وضربه ورجع عسكر تيمور إلى بلاده.
بناؤه المدن في ضواحي سمرقند وصفاء البلاد له
قال ثم إن تيمور خرج إلى ضواحي سمرقند وبنى حواليها قصبات وسماها بأسماء كبار المدن وقد صفت له سمرقند وبلاد ما وراء النهر وبلاد تركستان ونائبه فيها اسمه خداداد وخوارزم وكاشغر وبلخشان وأقاليم خراسان وغلب بلاد مازندران ورستمدار وزارلستان (زابلستان ظ) وعبرستان والري وغزنة وأسترآباد وسلطانية وجبال الغور وعراق العجم وفارس وله في كل مملكة من هذه الممالك نائب من ولد أو ولد ولد أو غيرهم (انتهى)، وفي شذرات الذهب عن ابن حجر أنه أنشا بظاهر سمرقند بساتين وقصورا عجيبة وكانت من أعظم النزه وبنى عدة قصبات سماها بأسماء البلاد الكبار كحمص ودمشق وبغداد وشيراز (انتهى).
فتحه قلعة بروجرد
في عجائب المقدور كان تيمور مع اتساع ملكه وانتشار هيبته ذا تدبير في فتح البلاد غريب بينما راياته في الشرق إذا به قد نبع في الغرب فمن ذلك أنه
مكث مدة في سمرقند مشغولا بانشاء البساتين وعمارة القصور ثم أمر بجمع الجند إلى سمرقند وأمرهم أن يصنعوا لهم قلانس على شكل خاص فيلبسوها ويسيروا وأظهر أنه قاصد خجند وبلاد الترك وسار حتى نبع من بلاد اللور واسم قلعتها بروجرد واسم حاكمها عز الدين العباسي فحاصرها وفتحها بالأمان وأرسل حاكمها إلى سمرقند ثم حلفه وصالحه على عدة من الخيل والبغال ورده إلى بلاده واستنابه بها.
قصده همذان
قال ثم قصد همذان فخرج إليه رجل شريف يقال له مجتبى فشفع فيهم فشفعه وصالحهم على مال فدفعوه ثم أراد إن يطرح عليهم المال مرة ثانية فكلمه ذلك الرجل فتركهم (انتهى عجائب المقدور).
استعداد برقوق لمحاربة تيمور
عن تاريخ ابن إياس أنه في سنة 789 حضر إلى الأبواب الشريفة الأمير طغاي وكان قد توجه إلى بلاد الشرق لمعرفة أخبار تيمور لنك فأخبر السلطان إن جاليش أعلام تيمور قد وصل إلى الرها وكسر قرا محمد أمير التركمان وأن بوادر عسكره قد وصلت إلى ملطية فأمر السلطان بعقد مجلس بالقصر الكبير وطلب القضاة الأربعة والخليفة وشيخ الإسلام عمر البلقيني وأعيان المشايخ المفتين والأمراء فتكلم السلطان في أخذ مال الأوقاف فلم يوافق شيخ الإسلام ولا القضاة الأربعة على ذلك فشكا السلطان خلو الخزائن فوقع جدال عظيم ودافعوا السلطان وأغلظوا له ثم اتفقوا بان يؤخذ من الأوقاف أجرة الأماكن وخراج الأراضي سنة كاملة ورسم السلطان لمحتسب القاهرة إن يتولى جبي الأموال من الناس ورسم باخذ زكاة الأموال من التجار وندب إلى ذلك القاضي الحنفي وفي رجب سنة 789 خرجت التجريدة من القاهرة في تجمل زائد واستمرت من الصبح إلى قريب الظهر واشتد الأمر على الناس وجبيت الأموال منهم غصبا بالعصا في يوم واحد ثم جاءت الأخبار برجوع تيمور إلى بلاده وإن ولده قد قتل فسكن الناس ورسم السلطان برد ما أخذ منهم (انتهى) وفي التاريخ الفارسي وغزا تيمور كرجستان عدة مرات وأسر كثيرا وعين على أهلها الجزية وفي سنة 790 توفي سيورغتمش خان فأقام تيمور مقامه ولده محمود خان (انتهى) وهو آخر الملوك من ذرية جنكيز وهو الذي كان تيمور يأمر بالخطبة له وفي البدر الطالع ثم رجع إلى أصبهان سنة 794.
قصده بغداد
ثم خرج تيمور إلى بغداد فهرب السلطان أحمد ابن الشيخ أويس المتغلب عليها بعد بني هولاكو إلى الشام وأتبعه تيمور ببعض العساكر فقطع الجسر فسبحوا خلفه وفاتهم وذلك في شوال سنة 795 فوصلها تيمور في 21 منه يوم السبت ثم خرج عنها قاصدا ديار بكر وارزنجان، وعن تاريخ ابن إياس أنه حضر طواشي أرسله صاحب ماردين فأخبر بان تيمور قد أخذ تبريز، ثم حضر قاصد صاحب بسطام فأخبر بان تيمور قد أخذ شيراز ثم حضر قاصد نائب الرحبة وأخبر بان القان أحمد بن أويس صاحب بغداد قد وصل إلى الرحبة هاربا من تيمور وقد ملك غالب بلاده، و كان سبب أخذ تيمور بلاد القان أحمد ابن أويس إن تيمور أرسل إلى القان أحمد كتابا يترفق له فيه ويقول له أنا ما جئتك محاربا وإنما جئتك خاطبا أتزوج بأختك وأزوجك بنتي ففرح القان أحمد بذلك وكان قد استعد لقتال تيمور وجمع له العساكر، فلما أتى قاصد تيمور بهذا الخبر ثنى عزمه عن القتال واستعاد من العسكر ما أعطاهم من آلة القتال فلم يشعر إلا وقد دهمته عساكر تيمور من كل مكان، فخرج إليهم القان أحمد بمن بقي معه من العساكر فبينما القان يقاتل عسكر تيمور إذ فتح أهل بغداد بقية أبواب المدينة وقد خافوا على أنفسهم مما جرى عليهم من هولاكو أيام الخليفة المستعصم، فدخل تيمور المدينة وملكها ولم يجد من يرده عنها، وهرب القان أحمد فأتى إلى جسر هناك فعدى من فوقه ثم قطعه، فتبع عسكر تيمور القان أحمد وخاضوا خلفه الماء فهرب منهم وتبعوه مسيرة ثلاثة أيام، ثم حضر قاصد نائب حلب وأخبر إن القان أحمد قد وصل إلى حلب ولما بلغ برقوق سلطان مصر هرب القان أحمد أرسل إليه الإقامات ووجه إليه من يستقبله من الأمراء وليس ذلك حبا بالقان أحمد بل بغضا بتيمور وجاء قاصد من السلطان بايزيد العثماني وعلى يده تقادم عظيمة للسلطان برقوق ويخبره بأمر تيمور ويحذره من الغفلة في أمره، فرسم السلطان للأمير علاء الدين بن الطبلاوي والي القاهرة بالنداء للعسكر بالعرض في الميدان بسبب تيمور وتكررت المناداة ثلاثة أيام بان لا يتأخر عن العرض كبير ولا صغير وعلق الجاليش (الاعلام).
فتح تيمور ديار بكر وقلعة تكريت
قال ابن عربشاه فوصل إلى ديار بكر واستولى عليها، وعصت عليه قلعة تكريت فحاصرها يوم الثلاثاء 14 ذي الحجة سنة 795 وأخذها بالأمان، ونزل إليه متوليها حسن ابن بولتمور، فيقول ابن عربشاه أنه قتله بردم حائط عليه وقتل من بها من الرجال وقال ابن إياس كان تيمور بعد ما استولى على بغداد زحف إلى تكريت وحاصرها أربعين يوما حتى نزلوا على حكمه فقتل من قتل منهم ثم خربها، وانتشرت عساكره في ديار بكر إلى الرها ووقفوا عليها ساعة من نهار فملكوها (انتهى) وفي عجائب المقدور أنه قصد الرها ورام نهبها فخرج إليه رجل من أعيانها اسمه الحاج عثمان بن الشكشك فصانعه عنها بمال فتركها.
إرساله إلى حاكم سيواس
وأرسل إلى القاضي برهان الدين أحمد حاكم سيواس وقيصرية وتوقات إن يخطب باسم محمد خان بن سيورغاتمش خان واسم الأمير الكبير تيمور ويضرب السكة باسمه فلم يجبه القاضي بشئ بل قتل بعض رسله وقطع رؤوسهم وعلقها في أعناق من بقي منهم وشهرهم وأرسل قسما منهم إلى السلطان برقوق وقسما إلى السلطان بايزيد العثماني فأرسل إليه بايزيد يشكره على ذلك فلما بلغه ذلك غضب غضبا شديدا وقال ابن خلدون ثم قدم أحمد ابن أويس على السلطان بمصر في شهر ربيع الأول سنة 796 مستصرخا به، فنادى السلطان في عسكره بالتجهيز إلى الشام (انتهى) وفي عجائب المقدور واستخلف برقوق على القاهرة النائب سودون وارتحل على تعبئة ومعه أحمد بن أويس ودخل دمشق آخر جمادى الأولى وقد كان أوعز إلى جلبان نائب حلب بالخروج إلى الفرات واستنفار العرب والتركمان للإقامة هناك رصدا للعدو فلما وصل دمشق وفد عليه جلبان ثم رجع وبعث برقوق العساكر مددا له وكان تيمور قد شغل بحصار ماردين فأقام عليها أشهرا وملكها وامتنعت عليه قلعتها فارتحل إلى ناحية بلاد الروم ومر بقلاع الأكراد فأغارت عساكره عليها واكتسحت نواحيها، وبرقوق لهذا العهد وهو شعبان سنة 796 مقيم بدمشق وقال ابن إياس إن برقوق وصل دمشق مع القان أحمد بن أويس يوم الاثنين 12 ربيع الآخر فنزل بالقصر الأبلق الذي في الميدان، ثم توجه إلى حلب، فحضر إليه قاصد من السلطان بايزيد بن عثمان بان يكون هو وبرقوق يدا واحدة على دفع تيمور ثم حضر إليه قاصد طقتمش خان صاحب بسطام بمثل ذلك فأجابهما بالقبول وبلغه وهو بحلب إن جاليش عسكر تيمور قد وصل البيرة.
فتحه الموصل ورأس عين
قال ابن عربشاه وفي يوم الجمعة 11 صفر سنة 796 أناخ على الموصل واستولى عليها وعلى رأس عين.
فتحه الرها
قال ثم تحول إلى الرها ودخلها يوم الأحد 11 ربيع الأول.
فتحه ماردين
قال ثم قصد ماردين فوصلها في خمسة أيام من تكريت وبينهما للمجد اثنا عشر يوما، فجاء إليه السلطان الملك الطاهر عيسى صاحب ماردين بعد ما قال لمن بالقلعة أني ذاهب إلى هذا الرجل ومظهر له الطاعة فان طلب القلعة فلا تسلموها واستخلف ابن أخيه الملك الصالح شهاب الدين أحمد ابن الملك السعيد إسكندر ابن الملك الصالح الشهيد ونزل يوم السبت 15 ربيع الأول سنة 796 واجتمع به في 30 منه بمكان يسمى الهلالية فطلب منه تسليم القلعة فقال أمرها بيد أربابها فجاء به إلى القلعة وطلب منهم تسليمها أو يضرب عنقه فأبوا فصالحه على مائة تومان كل تومان ستون ألف درهم وفي 12 جمادى الآخرة يوم الثلاثاء استولى على ماردين صعد عسكره إلى سورها بالسلالم فهرب كثير من أهلها إلى القلعة وقاتله بعضهم واستولى عليها وكتب إلى من بالقلعة يقول نعلم أهل قلعة ماردين والضعفاء والعجزة المساكين إننا قد عفونا عنهم وأعطيناهم الأمان على نفوسهم ودمائهم فليامنوا وليضاعفوا لنا الأدعية ثم ارتحل يوم السبت إلى البشرية.
أخذه آمد
قال وأرسل جيشا إلى آمد مع قائد يدعى السلطان محمود فحاصرها خمسة أيام وأرسل يستمده فحضر إليها بنفسه فطلبوا الأمان فامن البواب فدخل من باب التل ووضع في أهلها السيف والتجأ بعضهم إلى الجامع فقتلوا منهم نحو الألفين.
أخذه قلعتي أرحيس وأرنيك
قال ثم قصد قلعة أرحيس فاستولى عليها ثم نزل على قلعة ارنيك وبها مضر بن قرا محمد أمير التركمان فحاصرها وأخذها بالأمان في شوال سنة 796 وقتل من بها من الجند وسير مضر صاحبها إلى سمرقند.
قال ابن حجر واتصلت مملكة تيمور بعد بغداد بالجزيرة وديار بكر (انتهى).
كتاب تيمور إلى الملك الظاهر برقوق
قال القرماني في 13 صفر سنة 796 حضرت رسل تيمور وهم أربعة إلى برقوق ومعهم كتاب هذه نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اعلموا اننا جند الله في أرضه مخلوقون من سخطه مسلطون على من يحل عليه غضبه لا نرق لشاك ولا نرحم عبرة باك قد نزع الله الرحمة من قلوبنا فالويل ثم الويل لمن لم يكن من حزبنا قد خربنا البلاد ويتمنا الأولاد وأظهرنا في الأرض الفساد خيولنا سوابق وسيوفنا صواعق وسهامنا خوارق وقلوبنا كالجبال وعددنا كالرمال وجارنا لا يضام من سالمنا سلم ومن رام حربنا ندم فان أنتم قبلتم شرطنا وأطعتم أمرنا فلكم ما لنا وعليكم ما علينا وإن أنتم خالفتم وعلى بغيكم تماديتم فلا تلوموا إلا أنفسكم وذلك بما كسبت أيديكم فالحصون لا تمنع والعساكر لا ترد ولا تدفع لأنكم أكلتم الحرام وضيعتم الجمع فأبشروا بالمذلة والهوان {فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون} وتقولون أنه قد صح عندكم أننا كفرة فقد ثبت عندنا أنكم فجرة وقد سلطنا عليكم من بيده أمور مدبرة وأحكام مقدرة فعزيزكم عندنا ذليل وكثيركم لدينا قليل وقد أوضحنا لكم الخطاب فاسرعوا برد الجواب قبل أن يكشف الغطا ويدخل علينا منكم الخطأ وترمي الحرب نارها وتلقي أوزارها وتدهون منا بأعظم داهية ولا يبقى لكم باقية وينادي عليكم منادي الفناء{ هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا} الآن قد أنصفناكم إذ راسلناكم فردوا رسلنا بجواب هذا الكلام والسلام.
فأمر برقوق بقتل الرسل فقتلوا وأمر بكتب جواب فكتب بإنشاء ابن فضل الله العمري.
الجواب من الملك برقوق
بسم الله الرحمن الرحيم قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير. حصل الوقوف على كتاب مجهز من الحضرة الايلخانية والسدة العظيمة الكبيرة السلطانية قولكم أنكم مخلوقون من سخطه مسلطون على من يحل عليه غضبه وانكم لا ترقون لشاك ولا ترحمون عبرة باك وقد نزع الله الرحمة من قلوبكم فذلك من أكبر عيوبكم وهذه صفات الشياطين لا صفات السلاطين {قل يا أيها الكافرون؛ لا أعبد ما تعبدون} ففي كل كتاب لعنتم وعلى لسان كل رسول بالسوء ذكرتم وبكل قبيح وصفتم وعندنا العلم بكم من حين خلقتم وأنتم الكفرة كما زعمتم إلا لعنة الله على الكافرين نحن المؤمنون حقا لا يدخلنا عيب ولا يخامرنا ريب القرآن على نبينا نزل والرب بنا رحيم لم يزل إنما النار لكم خلقت ولجلودكم أضرمت إذا السماء انفطرت، ومن أعجب العجاب تهديد الرتوت باللتوت والسباع بالضباع والكماة بالكراع ونحن خيولنا برقية وسهامنا يمنية وسيوفنا شديدة المضارب وذكرنا في المشارق والمغارب إن قتلناكم فنعم البضاعة وإن قتلنا فبيننا وبين الجنة ساعة {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} وقولكم قلوبنا كالجبال وعددنا كالرمال فالقصاب لا يبالي بكثرة الغنم وكثير الحطب يكفيه قليل من الضرم {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين} الفرار الفرار من الرزايا لا من المنايا ونحن من الطمأنينة على عادة الأمينة إن قتلنا فشهداء وإن عشنا كنا سعداء {فإن حزب الله هم الغالبون} أ بعد أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين يعني إن الخليفة العباسي الذي كان إذ ذاك بمصر تطلبون منا طاعة لا سمعا لكم ولا طاعة وطلبتم إن نوضح لكم أمرنا قبل إن ينكشف الغطا ويدخل علينا منكم الخطأ هذا الكلام في نظمه تركيك وفي سلكه تفكيك لو كشف لبان بعد البيان أكفر بعد إيمان واتخاذ رب ثان {لقد جئتم شيئا أدا؛ تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا} قل لكاتبك الذي وضع رسالته ووصف مقالته وصل كتاب كصرير الباب أو كطنين الذباب{سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا} وما لكم عندنا إلا السيف بقوة الله تعالى.
قال الدحلاني: فلما وصل الكتاب إلى تيمور غضب غضبا شديدا.
عودة تيمور إلى بلاده
قال ابن عربشاه وفي 7 ذي القعدة سنه 796 رحل تيمور واستصحب معه الملك الطاهر صاحب ماردين وحبسه في مدينة سلطانية وحبس معه من أمرائه الأمير ركن الدين وعز الدين السليماني واستنبوغا وضياء الدين وضيق عليه ومنعه من مكاتبة أهله بحيث بقي سنة لا يعرف له خبر ثم وفدت الملكة الكبرى إلى سلطانية وخففت عنه وأذنت له في مراسلة أهله ونصحته بالدخول في طاعة تيمور قال وكان سبب رجوع تيمور أنه بلغه إن فيروز شاه سلطان الهند قد توفي وليس له ولد وأحوال بلاد الهند مضطربة، فرأى إن توجهه إلى بلاد الهند والاستيلاء عليها أولى من مجيئه إلى الديار المصرية فكر راجعا إلى بلاد الهند واستولى عليها، ولما بلغ برقوق رجوع تيمور إلى بلاده رجع هو إلى مصر ورجع القان أحمد بن أويس إلى بغداد.
سفره إلى قفجاق
قد مر إن توقتاميش سلطان الدشت والتتار وهو سلطان القفجاق بعينه حارب تيمور فغلبه تيمور فلما عاد تيمور من الجزيرة وديار بكر قصد بلاد القفجاق قال ابن عربشاه ثم سافر تيمور إلى دشت قفجاق ثم رجع منها في شعبان سنة 798 فأقام بسلطانية بعد رجوعه من قفجاق ثلاثة عشر يوما ثم توجه إلى همذان ومكث بها إلى 13 شهر رمضان.
إطلاقه صاحب ماردين واكرامه
ثم استدعى من همذان الملك الطاهر من سلطانية فتوجه منها يوم الخميس 15 رمضان ودخل عليه يوم السبت 17 منه سنة 798 فأطلقه هو ومن معه واعتنقه وقبله في وجهه مرارا واعتذر إليه وتحلل منه وأضافه ستة أيام وخلع عليه وأعطاه ستين ألف دينار كبكية ومائة فرس وعشرة بغال وستة جمال وخلعا وولاه ستة وخمسين بلدا من الرها إلى آخر ديار بكر إلى حدود آذربايجان وأرمينية وان حكام تك البلاد في طاعته ويحملون إليه الخراج ولا يحمل منه إلى تيمور شيئا وشرط عليه أنه كلما طلبه جاء إليه ثم عانقه وودعه وأمر أمراءه بتشييعه. وابن عربشاه يقول إن قصده بذلك ايقاع الخلاف بينه وبين مجاوريه ليلتجئ إليه ولكن لا يعلم ما في القلوب إلا الله وأمر تيمور مع هذا الرجل غريب فهو إن أساء سبه وشتمه وإن أحسن ذمه واتهمه. قال فتوجه ليلة الجمعة 13 رمضان سنة 798 فوصل إلى سلطانية ثم رحل إلى تبريز واجتمع بأميران شاه بن تيمور فأكرمه وأنعم عليه وشيعه فجاء على وسطان وبدليس وارزن إلى الصور ووصل خبره إلى قبائله وغيرهم يوم الجمعة 11 شوال سنة 798 فاستقبلوه ومعهم ولي عهده الملك الصالح فدخل ماردين وهناه الشعراء.
رجوع تيمور ثانيا إلى قفجاق ومروره بدربند
قال ثم عزم تيمور على الرجوع إلى دشت قفجان وسلطانها توقتاميش وتدعى بلاد قفجاق ودشت بركة والدشت بالفارسية البرية وبركة الذي تنسب إليه هو أول سلطان أسلم ونشر بها راية الإسلام وكان أهلها عبدة أوثان ومنهم بقية يعبدون الأوثان إلى زمن ابن عربشاه وكان سبب قصد تيمور لها إن الأمير أيدكو كان في خدمة توقتاميش سلطان بلاد القفجاق وقبيلته تدعى قوبكومان وقبائل الترك كثيرة كقبائل العرب ولغاتها مختلفة كلغاتها فأحس من مخدومه توقتاميش تغير خاطر خاف منه على نفسه فاحترز منه فقال له ليلة وقد أخذ منه السكر إن لك مني يوما وباح له بما في نفسه فانسل ايدكو من المجلس كأنه يريد قضاء حاجة وجاء إلى اصطبل توقتاميش وركب أحد جياد الخيل وهرب وقال لبعض من يأمنه على سره من أرادني وجدني عند تيمور فوصل إلى تيمور وحرضه على غزو بلاد القفجاق فتهيأ تيمور لقصد دشت بركة وأهلها من التتار وحدها من الجنوب بحر القلزم وبحر مصر ومن الشرق تخوم ممالك خوارزم واترار وسفتاق أخذا إلى تركستان وبلاد الجتا وحدود الصين من ممالك المغول والخطا ومن الشمال برار وقفار ومن الغرب تخوم بلاد الروس والبلغار ومملكة ابن عثمان من بلاد الروم وكانت القوافل تخرج من خوارزم إلى قريم طولا وذلك نحو ثلاثة أشهر ولا تحمل زادا ولا عليقا لكثرة العمران أما اليوم فليس فيها ديار أما عرضها فبحر من الرمل وتحت الدشت مدينة سراي أو صراي وهي إسلامية كان السلطان بركة بناها لما أسلم واتخذها دار ملكه وتسمى سراي قفجاق وسراي بركة وفيها يقول الشاعر:
قد كنت اسمع إن الخير يوجد في | صحراء تعزى إلى سلطانها بركه |
بركت ناقة ترحالي بجانبها | فما رأيت بها في واحد بركه |
وكان عنده في سراي أمثال قطب الدين الرازي وسعد الدين التفتازاني والسيد جلال شارح الحاجبية وغيرهم، فتوجه تيمور من طريق الدربند وهو في حكم الشيخ إبراهيم ملك شيروان من نسل كسرى انو شروان وله قاض اسمه أبو يزيد فاستشاره في أمر تيمور أيطيعه أم يتحصن منه أم يقاتله أم يفر فأشار بالفرار أو التحصن فأبى إن يفر وذهب إلى تيمور وأهدى له وضرب الدراهم والدنانير باسمه وأمر في البلاد بالزينة وأهدى له من كل جنس تسعة على عادة قوم تيمور في هداياهم وتسمى الطقزات لأن طقز معناه تسعة بالتركية إلا العبيد فقدم ثمانية فقيل له وأين التاسع فقال أنا فاستحسن تيمور هذا الجواب منه وقال له بل أنت ولدي وخليفتي في هذه البلاد وخلع عليه ورده إلى مملكته. وسار إلى بلاد القفجاق أول سنة 798 فلما وصلها جمع سلطانها توقتاميش جنوده واستعد ولما تقابل العسكران برز من عسكر توقتاميش أمير كان له دم على أحد الأمراء فطلب القصاص منه في ذلك الوقت فاستمهله توقتاميش إلى انقضاء الحرب فلم يقبل وخرج من العسكر بقبيلته واسمها افتلو ومن اتبعه ومضى إلى بلاد الروم واستوطن أدرنة فوقع الوهن في عسكر توقتاميش أما تيمور فسطر النصر مكتوب على راياته ووقعت الحرب بينهم واستمرت ثلاثة أيام فانهزم توقتاميش واستولى تيمور على جميع تلك البلاد وهدم سراي وسرابحوق وحاجي ترخان وعظمت منزلة ايدكو عنده ثم قفل راجعا إلى سمرقند ومعه ايدكو. ثم إن ايدكو أرسل إلى عشيرته بغير علم من تيمور إن يرحلوا إلى أماكن عينها صعبة المسالك وان أمكنهم إن لا يقيموا في منزل يومين فليفعلوا خوفا من تيمور ثم أنه قال لتيمور أني أخاف عشيرتي الذين عند توقتاميش إن ينالهم بسوء لأنني أنا السبب فيما جرى عليه فان رأى الأمير إرسال قاصد إليهم معه مرسوم بتطييب قلوبهم ورحيلهم عن توقتاميش فعل فقال له تيمور ليس لذلك غيرك فقال أضف إلي واحدا من الأمراء ففعل فلما سارا ندم تيمور وعلم أنه خدع فأرسل إليه قاصدا يأمره بالرجوع فأبى وأعاد الأمير الذي معه والرسول إلى تيمور ويقال أنه لم يخدعه سوى ايدكو فوصل ايدكو إلى بلاده وجمع عشيرته ومن انضم إليه واقتتل هو وتوقتاميش حتى جرت بينهما خمس عشرة وقعة وخربت بسبب ذلك البلاد وكانت الوقعة الخامسة عشرة على ايدكو وفقد هو وخمسمائة من أصحابه واستبد توقتاميش بالأمر ثم إن ايدكو بلغه إن توقتاميش في متنزه له منفرد عن العسكر فذهب إليه وقتله وملك البلاد فنازعه رجل يسمى تيمور خان، ثم إن ايدكو مات غريقا جريحا في نهر سيحون بسرابحوق هذا ما ذكر ابن عربشاه. وقال ابن حجر إن تيمور بعد ما عاد من ديار بكر والجزيرة نزل بقراباع فبلغه رجوع طقمتش إلى صراي فسار خلفه ونازله إلى إن غلبه على ملكه في سنة 799
ففر إلى بلغار وانضم عسكر المغل إلى تيمور فاجتمع معه فرسان التتار والمغل وغيرهم (انتهى) وفي البدر الطالع وبلغ تيمور حركة طقمتش في جمع المغل فأحجم وتأخر إلى قلاع الأكراد وأطراف بلاد الروم وأناخ على قراباغ ورجع طقمتش ثم سار إليه تيمور أول سنة 799 وغلبه على ملكه وأخرجه من سائر أعماله فلحق ببلغار ورجع سائر المغل الذين كانوا معه إلى تيمور فأضحت أمم المغل والتتر كلها في جملته وصاروا تحت لوائه والملك لله (انتهى) وفي التاريخ الفارسي كان طقمتش خان ملك القيجاق قد وصل إلى سلطنة تلك البلاد بتقوية وإعانة تيمور ثم كفر النعمة وخالفه فجهز عليه العساكر مرتين إلى بلاد قيجاق التي طولها ألف وعرضها ستمائة فرسخ وفي كل مرة منهما يكون له الغلبة والظفر على طقمتش.
فتحه بلاد الهند
يظهر إن توجهه إلى الهند كان سنة 799 لأنه سافر إليها على الظاهر بعد أخذه بلاد القفجاق وكان أخذها في أوائل سنة 799 ومر ذكر السبب في قصده بلاد الهند وهو وفاة ملكها فيروز شاه واضطراب أمورها. قال ابن عربشاه ثم اتفقوا على تولية وزير اسمه ملوا فعصى عليه أخوه شارنك خان والي مدينة ملتان فحين وصل تيمور إلى ملتان وبها شارنك حاصرها فخرجت إليه عساكرها ومعها ثمانمائة فيل وعليها الأبراج فيها المقاتلة وقد شدت في خراطيمها السيوف وكان تيمور أمر فصنع له أشواك من الحديد مثلثة الأطراف فألقاها ليلا في طريق الأفيال وجعل له كمينا عن اليمين والشمال فلما وطئت الأفيال تلك الأشواك نشبت في أرجلها فولت هاربة وخرج الكمين فانهزم عسكر الهنود وقيل بل أرسل الأباعر على الفيلة وجعل عليها القصب والقطن وأشعل فيه النار فرغت وركضت فلما رأتها الفيلة خافت وانهزمت وملك تيمور الملتان ثم توجه لحرب ملوا فهزمه ثم توجه إلى مدينة دهلي فحاصرها وفتحها.
بناؤه مسجدا في سمرقند
قال لما كان في الهند رأى جامعا مفروشا بالرخام الأبيض فأعجبه فأراد إن يبني له مثله في سمرقند وفوض أمره إلى رجل من أصحابه اسمه محمد فبناه وجعل له أربع مآذن فلما عاد تيمور ورأى الجامع كان جزاء بانيه جزاء سنمار ويقول ابن عربشاه إن سبب ذلك إن الملكة الكبرى زوجة تيمور أمرت ببناء مدرسة مقابل الجامع فكانت أعلى من الجامع فاغتاظ تيمور من ذلك ولكن يدل كلامه على إن سقفه كان مشقوقا وبناءه كان معيبا فلذلك غضب تيمور.
وفاة برقوق وسلطان سيواس
وبينما هو في الهند توفي الملك الظاهر برقوق صاحب مصر والشام وذلك في 15 شوال سنة 801 وأقيم مكانه ولده فرج وعمره عشر سنين ولقب بالملك الناصر وقتل القاضي أحمد السيواسي سلطان سيواس الذي قتل رسل تيمور قتله شخص يسمى عثمان قرايلوك بعد نزاع معه يطول ذكره وكان بين موت برقوق وقتل القاضي مدة قليلة فسر تيمور بموتهما وأعطى من بشره بذلك خمسة عشر ألف دينار وتهيأ للمسير إلى الشام.
خروجه من الهند إلى خراسان وتفليس وبلاد الكرج
قال وأقام في الهند نائبا ثم سافر في أوائل سنة 802 عن طريق سمرقند قاصدا إلى الشام ومعه من الهند رؤوس أجنادها ووجوه أعيانها فيكون مقامه بالهند نحوا من سنتين لأنه سافر إليها أوائل سنة 799 وخرج منها أول سنة 802 وعبر جيحون إلى خراسان وكان قد قرر ولده لصلبه أميران شاه بمملكة تبريز وفي 17 ربيع الأول سنة 802 وصل إلى قراباع وضبط ممالك آذاربايجان وقتل المفسدين وفي التاريخ الفارسي وفي المرة الأخيرة سنة 802 جاء إلى إيران وأخذ القشلاق الذي في قراباع (انتهى) قال ابن عربشاه وفي 2 جمادى الآخرة من هذه السنة توجه بعسكره وأخذ مدينة تفليس وقصد بلاد الكرج واستولى عليها.
أخذه بغداد ثانيا
قال وفي 8 رجب سنة 802 قصد بغداد فهرب السلطان أحمد إلى قرا يوسف واستولى تيمور على بغداد ثانيا. وعن ابن حجر أنه كان ابتداء حركة تيمور إلى البلاد الشامية في سنة 802 واصل ذلك إن أحمد بن أويس صاحب بغداد ساءت سيرته وقتل جماعة منالأمراء وعسف على الباقين فوثب عليه الباقون فأخرجوه منها وكاتبوا نائب تيمور بشيراز إن يتسلمها فتسلمها وهرب أحمد إلى قرى يوسف التركماني بالموصل فسار معه إلى بغداد فالتقى به أهل بغداد فكسروه واستمر هو وقرا يوسف منهزمين إلى قرب حلب وقيل بل غلب على بغداد وجلس على تخت الملك ثم سار صحبة قرا يوسف فوصلا جميعا إلى أطراف حلب فكاتب أحمد بن أويس يستأذن في زيارته مصر ففوض الأمر إلى نائب حلب فخشي النائب دمرداش إن يقصد هو وقرا يوسف حلب فسار دمرداش ومعه نائب حماه ليكبس أحمد بن أويس فكانت الغلبة لأحمد وانكسر دمرداش وقتل من عسكره جماعة ورجع منهزما واسر نائب حماه ثم فدي بستمائة ألف درهم ثم جمع نعير أمير العرب ومعه نائب بهسني جماعة والتقوا مع أحمد بن أويس فكسروه فوصلت الأخبار بذلك إلى القاهرة فسكن الحال بعد إن كان أمر السلطان بتجريد العساكر لما بلغه هزيمة دمرداش.
قصده بلاد الشام
ثم إن تيمور بعد فتحه بغداد خرج منها قاصدا بلاد الشام سنة 802 وكان السبب في قصد تيمور بلاد الشام والروم على ما يظهر من كتب التواريخ أمور منها ما أشار إليه ابن حجر فيما حكي عنه أنه ذكر في حوادث سنة 798 إن اطلمش قريب تيمور قبض عليه قرا يوسف التركماني صاحب تبريز وأرسله إلى الملك الظاهر برقوق فاعتقله، وقال في حوادث سنة 799 وصلت كتب من تيمور فعوقت رسله بالشام وأرسلت الكتب التي معهم إلى القاهرة ومضمونها التحريض على إرسال قريبه اطلمش الذي اسره قرا يوسف فأمر السلطان اطلمش المذكور إن يكتب إلى قريبه كتابا يعرفه فيه ما هو عليه من الخير والإحسان بالديار المصرية وأرسل ذلك السلطان مع أجوبته ومضمونها إذا أطلقت من عندك من جهتي أطلقت من عندي من جهتك والسلام، ولكن الذي يظهر من غير ابن حجر إن تيمور كان غاضبا على اطلمش وانه طلبه ليعاقبه ومنها قتل صاحب سيواس رسله وتشهير من بقي منهم، قال ابن عربشاه سبب حركة تيمور إلى بلاد الشام ما فعله القاضي برهان الدين حاكم سيواس بقصاده ومر ذلك ومنها قتل نائب دمشق رسوله قبل إن يسمع كلامه كما يأتي والرسل لا تقتل عند جميع أهل الملل ومنها إن طليعة عسكر تيمور لما انكسروا في وقعة بغداد مع القان أحمد بن أويس وقرا يوسف التركماني اتوا ملطية وكانوا سبعة آلاف وأرسلوا إلى نائب حلب إن يعين لهم مكانا ينزلونه فركب هو ونائب حماه وكبسوهم بدلا من إن يضيفوهم. قال ابن الشحنة في سنة 803 شاعت الأخبار بان تيمور حين عاد من أخذ بلاد الهند بلغه وفاة الملك الظافر برقوق فاستبشر لذلك وكان في نفسه من قتله رسله ومن أخذ السلطان بايزيد بن عثمان سيواس وملطية وأخذ السلطان أحمد بغداد وقصد بلاد الشام ومعه من العساكر مالا يحصى وكان بديوان عسكره المختص به ثمانمائة ألف، وحكي إن عسكره كان لما أسر سلطان العثمانيين أربعمائة ألف فارس وستمائة ألف راجل وقال ابن عربشاه إن جيشه كان مؤلفا من رجال توران وإيران وتركستان وبلخشان والدشت والخطا والمغول والجتا وأهل خجند وايدكان وخوارزم وجرجان وصغانيان وشادمان وأهل فارس وخراسان والجبل ومازندران والجبال ورستمدار وطالقان وأهل قبائل خوز وكرمان وأصفهان والري وغزني وهمذان وافيال الهند والسند ومالتان واللور والغور وشهرزور وعسكر مكرم وجنديسابور مع ما أضيف إليهم من الخدم وفعلة التركمان والنهاب من العرب والعجم وعباد الأوثان والمجوس ما لا يكتنفه ديوان ولا يحيط به دفتر حسبان (انتهى) باختصار.
أخذه سيواس
في عجائب المقدور لما قتل عثمان قرايلوك القاضي أحمد صاحب سيواس كما مر لم يكن في أولاده من يصلح للملك فرجع قرايلوك إلى سيواس ودعا إلى نفسه فلم يجيبوه وقاتلهم فلم يقدر عليهم فذهب إلى تيمور وهو في آذربايجان وصار في جملته، ثم إن أهل سيواس أرسلوا إلى السلطان بايزيد بن عثمان ليسلموه البلد فأرسل إليهم أكبر أولاده سليمان فملك سيواس وتوجه إلى ارزنجان فهرب صاحبها المسمى طهرتن وذهب إلى تيمور واستولى عليها سليمان وأخذ أموال طهرتن وذخائره وفضح حرمه فذهب تيمور ومعه قرايلوك وطهرتن إلى ارزنجان فاسترجعها ثم ارتحل إلى ماردين فعصى عليه الملك الطاهر الذي كان أطلقه وملكه كما مر وذلك سنة 802 ثم توجه إلى سيواس وبها الأمير سليمان فأرسل يخبر أباه بايزيد ويستنجده وهو يحاصر استانبول فلم يمكنه انجاده ففر سليمان هاربا ووصل تيمور إليها 17 ذي الحجة سنة 802 فدافع عنها من بها ثم فتحها خامس المحرم سنة 803 وقتل من مقاتلتها نحو ثلاثة آلاف ونهبها. وفي البدر الطالع أنه حاصرها سنة 802 مدة ولم يأخذها.
أخذه البستان وملطية وبهسني
قال ابن الشحنة وتوجه نحو البستان فوجد أهلها قد أخلوها فأحرقها وخربها ثم توجه إلى ملطية فهرب من كان بها فاخذها وخربها ثم اجتاز على بهسنى فحاصرها ونصب عليها المنجنيق وهدم بعض قلعتها ثم اخذها صلحا، وفي عجائب المقدور أنه حاصر قلعتها ثلاثا وعشرين ليلة ثم أخذها ولم يلحق بأهلها أذى.
مراسلته النواب بحلب وقتل رسوله
في عجائب المقدور ثم أتى إلى قلعة الروم فأقام بها يوما وتركها ولم يحفل بها ورحل إلى عينتاب ثم أرسل وهو في عينتاب رسولا إلى النواب بحلب وفي البدر الطالع أنه أرسله من مرج دابق ومعه كتاب لهم طلب فيه منهم إن يطيعوا أمره ويكفوا عن القتال وأن يخطبوا باسم محمود خان وباسمه وان يرسلوا إليه اطلاميش زوج بنت أخت تيمور الذي كان عند تيمور فخاف فأسره التركمان وأرسلوه إلى مصر فلم يجب إلى شيء مما طلبه وقتل سودون نائب دمشق الذي كان وقتئذ موجودا في حلب مع بقية نواب البلاد الشامية رسول تيمور قبل إن يسمع كلامه وضرب رأسه على رؤوس الاشهاد قالوا وبئس ما فعل قلت والرسل لا تقتل في جميع الأديان والملل، وعن ابن حجر إن الكتاب كان إلى نائب حلب وهو الأقرب إلى الاعتبار وانه يقول فيه أنا وصلنا في العام الماضي إلى البلاد الحلبية لاخذ القصاص ممن قتل رسلنا بالرحبة ثم بلغنا موته يعني الظاهر وبلغنا أمر الهند وما هم عليه من الفساد فتوجهنا إليهم فاظفرنا الله تعالى بهم ثم رجعنا إلى الكرج فاظفرنا الله بهم ثم بلغنا قلة أدب هذا الصبي ابن عثمان فاردنا عرك أذنه وكان عمر بايزيد يومئذ فوق الثلاثين ودون الأربعين فشغلنا بسيواس وغيرها من بلاده ما بلغكم ونحن نرسل الكتب إلى مصر فلا يعود جوابها فنعلمهم إن يرسلوا قريبنا اطلمش فإن لم يفعلوا فدماء المسلمين في أعناقهم والسلام. فأمر نائب حلب بضرب أعناق قصاد تيمور وحصنوا سورها بالمدافع والمكاحل والمقاتلة.
زحفه على حلب وفتحها
فلما بلغ تيمور إن رسوله قد قتل زحف من عينتاب على حلب فوصلها في سبعة أيام ونزل بحيلان قرية من قرى حلب ثم نزل يوم الخميس 9 ربيع الأول سنة 703 على حلب وحاصرها وكان نائبها دمرداش وقد حضرت إليه عساكر المملكة الشامية عسكر دمشق مع نائبها سودون وعسكر طرابلس مع نائبها السيفي وعسكر حماه مع نائبها دقماق وعسكر صفد مع نائبها الطنبغا وعسكر غزة مع نائبها عمر بن الطحان وذلك في صفر سنة 803 قال ابن عربشاه إن النواب تشاوروا في حلب وهو في عينتات فقال البعض الرأي إن نحصن البلد ونكون على الأسوار فقال بعضهم هذه إمارة العجز والرأي أن نكون حول البلد فإنه أفسح للمجال فقال نائب طرابلس وكان ذا رأي سديد إن عدد العدو كثير ولكنه أعمى لأنه غريب عن البلاد والرأي إن نحصن المدينة ونكون خارجها في جانب واحد ونحفر حولنا خندقا ونكتب إلى الاعراب والأكراد والتركمان فيتسلطون على العدو بالقتل والنهب فان أقام ففي شر مقام وان رجع فهو ما نريد فقال دمرداش الرأي إن نناجزه ولا نطاوله وان لم نناجزه انس منا الوهن وأخذ يحرضهم على ذلك ومما قاله أنا إذا كسرناهم فهو المرام وكفينا عسكر مصر المئونة وإن كسرونا نكون قد بذلنا المجهود وعذرنا عند السلطان برقوق ولم يزل يحسن لهم هذا الرأي الفاسد حتى اجمعوا عليه لأنه كان صاحب البلد وكان في الباطن موافقا لتيمور ثم أنهم حصنوا المدينة وأوصدوا وأبوابها ووكلوا بكل محلة أهلها وفتحوا البابين المقابلين للجهة التي نزل فيها تيمور باب النصر وباب القناة ويوم وصول تيمور وهو يوم الخميس 9 ربيع الأول سنة 803 برز من عسكره ألفا رجل فبرز إليهم من العساكر الشامية ثلاثمائة فهزمهم هؤلاء وفي يوم الجمعة 10 ربيع الأول برز من عسكره نحو خمسة آلاف فتقدمت إليهم طائفة أخرى واقتتلوا إلى المساء ثم افترقوا وفي يوم السبت 11 ربيع الأول ركب تيمور في عساكره وكان قد عبأها تحت جنح الليل وأمامه الفيلة قيل أنها ثمانية وثلاثون فيلا ففرت ميمنة العساكر الشامية وعليها دمرداش وفر الباقون وجعلوا يلقون أنفسهم من الأسوار والخنادق والتتار في أثرهم يقتلونهم ويأسرونهم فقصدوا المدينة من الأبواب المفتوحة وازدحموا عندها والسيوف تأخذهم حتى سدت الأبواب بالقتلى ولم يتمكن الكثيرون من الدخول وكسر المماليك باب أنطاكية وخرجوا منه وصعد النواب إلى القلعة وتحصنوا فيها ودخل تيمور حلبا بالسيف فلجأت النساء والأطفال إلى الجوامع والمزارات فلم ينفعهم ذلك واستمر القتل والأسر إلى يوم الثلاثاء وأحرقوا المدينة فنزل إليه نائب حلب وبقية النواب وأخذوا في أعناقهم مناديل وتوجهوا إلى تيمور يطلبون الأمان فخلع عليهم قبية مخمل أحمر وألبسهم تيجانا مذهبة وقال لهم أنتم صرتم نوابي. هذا قول ابن إياس وقال ابن عربشاه أنه قبض على سودون ونواب طرابلس وصفد وغزة وقيدهم وخلع على دمرداش فقط مكافاة له على مخامرته كما مر ثم أرسل معهم جماعة من أمرائه يتسلمون القلعة وفي يوم الأربعاء صعد إلى القلعة وجلس في أبوابها وطلب العلماء والقضاة فجاءوا إليه فاذن لهم بالجلوس فجلسوا منهم ابن الشحنة صاحب تاريخ روض المناظر والقاضي شرف الدين موسى الأنصاري الشافعي والقاضي علم الدين القفصي المالكي.
أسئلة تيمور لعلماء حلب
فقال تيمور للمولى عبد الجبار بن نعمان الدين الحنفي المعتزلي وكان في صحبته ويأتم به وأبوه من العلماء المشهورين بسمرقند قل لهم أني سائلكم عن مسالة سالت عنها علماء سمرقند وبخارى وهراة وسائر البلاد التي افتتحتها ولم يوضحوا الجواب فلا تكونوا مثلهم ولا يجاوبني إلا أعلمكم وليعرف ما يتكلم به فاني خالطت العلماء ولي بهم اختصاص وألفة ولي في طلب العلم طلب قديم. قال ابن الشحنة فأشاروا إلي فقال لي عبد الجبار سلطاننا يقول أنه بالأمس قتل منا ومنكم فمن الشهيد قتيلنا أم قتيلكم؟ فقلت هذا سؤال سئل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجاب عنه وأنا مجيب بما أجاب به. فقال عبد الجبار يسخر من كلامي كيف سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف أجاب؟ فقلت جاء أعرابي إليه فقال يا رسول الله إن الرجل يقاتل حمية ويقاتل شجاعة ويقاتل ليعرف مكانه فأينا في سبيل الله؟ فقال من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ومن قاتل منا ومنكم لاعلاء كلمة الله فهو الشهيد. فقال تيمور خوب خوب أي جيد جيد وقال عبد الجبار ما أحسن ما قلت. قال وتكررت الأسئلة منه والأجوبة منا، فطمع كل من الفقهاء الحاضرين وجعل يبادر إلى الجواب ويظن أنه في المدرسة، والقاضي شرف الدين ينهاهم ويقول لهم بالله اسكتوا ليجاوب هذا الرجل فإنه يعرف ما يقول وكان آخر ما سال عنه ما تقولون في علي ومعاوية ويزيد؟ قال ابن الشحنة فاسر إلي القاضي شرف الدين إن اعرف كيف تجاوبه فإنه شيعي، فأسرع ابن القفصي فقال إن عليا اجتهد فأصاب فله أجران وإن معاوية أجتهد فأخطأ فله أجر واحد، فغضب لذلك عضبا شديدا وقال علي على الحق ومعاوية ظالم ويزيد فاسق وأنتم حلبيون تبع لأهل دمشق وهم يزيديون قتلوا الحسين، فأخذت في ملاطفته.
وفي البدر الطالع كان آخر ما سألهم عنه ما تقولون في معاوية ويزيد هل يجوز لعنهما؟ فقال شرف الدين الأنصاري الشافعي إن معاوية لا يجوز لعنه لأنه صحابي فقال تيمور ما حد الصحابي فقال شرف الدين أنه كل من رأى النبي ص، فقال تيمور فاليهود والنصارى رأوه فقال إن ذلك بشرط إن يكون الرائي مسلما، وقال شرف الدين أيضا أنه رأى في حاشية على بعض الكتب أنه يجوز لعن يزيد، فتغيظ لذلك. قال صاحب البدر الطالع ولا عتب عليه إذا تغيظ فالتعويل في مثل هذا الموقف العظيم في ذلك الأمر الذي مما زالت المراجعة به بين أهل العلم في قديم الزمان وحديثه على حاشية وجدها على بعض الكتب مما يوجب الغيظ، سواء كان محقا أو مبطلا (انتهى) قال ابن الشحنة ثم طلبني ورفيقي القاضي شرف الدين وأعاد السؤال عن علي ومعاوية فقلت له لا شك إن الحق كان مع علي وليس معاوية من الخلفاء فإنه صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال الخلافة بعدي ثلاثون سنة وقد تمت بعلي. فقال تيمور قل علي على الحق ومعاوية ظالم، قلت قال صاحب الهداية يجوز تقلد القضاء من ولاة الجور فان كثيرا من الصحابة والتابعين تقلدوا القضاء من معاوية وكان الحق مع علي في نوبته، فانسر لذلك وانفتح باب المؤانسة. وقال تيمور انني رجل نصف آدمي وقد أخذت بلاد كذا وكذا وعدد ممالك العجم والعراق والهند وسائر بلاد التتر، فقلت اجعل شكر هذه النعمة عفوك عن هذه الأمة ولا تقتل أحدا، فقال و الله أني لم أقتل أحدا قصدا وإنما أنتم قتلتم أنفسكم في الأبواب ووالله لا أقتل منكم أحدا وأنتم آمنون على أنفسكم وأموالكم. قال ابن الشحنة وسألني تيمور عن عمري فقلت مولدي سنة 749 وقد بلغت الآن 54 سنة. وقال للقاضي شرف الدين. كم عمرك؟ قال أنا أكبر منه بسنة، فقال تيمور أنتم في عمر أولادي، أنا عمري اليوم 75 سنة. وحضرت صلاة المغرب وأقيمت الصلاة وأمنا عبد الجبار و صلى تيمور إلى جانبي قائما يركع ويسجد، ثم تفرقنا ونزل تيمور من القلعة وأقام بدار النيابة وصنع وليمة على زي المغل ووقف سائر الملوك والنواب في خدمته.
وأقام تيمور بحلب إلى آخر ربيع الأول سنة 803 قال وأوصى بي وبالقاضي شرف الدين وفي أول يوم من ربيع الآخر برز إلى ظاهر البلد متوجها نحو دمشق وفي اليوم الثاني أرسل يطلب علماء البلد فرحنا إليه فقيل لنا أنه يريد إن يستفتيكم في قتل نائب دمشق الذي قتل رسوله، فقلت هذه رؤوس المسلمين تقطع وتحضر إليه بغير استفتاء وهو حلف أن لا يقتل منا أحدا قصدا، فعاد إليه وبين يديه لحم سليق في طبق يأكل منه فكلمه، وجاء إلينا شخص بشئ من ذلك اللحم، فلم نفرغ من أكله إلا وزعجة قائمة وتيمور صوته عال، وساق شخص هكذا وآخر هكذا، وجاءنا أمير يعتذر ويقول سلطاننا لم يأمر باحضار رؤوس المسلمين وإنما أمر بقطع رؤوس القتلى وان يجعل منها قبة إقامة لحرمته على جاري عادته ففهموا منه غير ما أراد، وانه قد أطلقكم فامضوا حيث شئتم. وولي حلب للأمير موسى بن طغاي فاخذ في الإحسان إلينا وقبول شفاعتنا مدة اقامته بحلب ووضع ما أخذه من مال وسلب بالقلعة عند الأمير موسى.
سفره إلى دمشق
قال ابن الشحنة وركب تيمور من ساعته وتوجه نحو دمشق وذلك في 3 ربيع الآخر سنة 803 وجاء الخبر إلى دمشق من حلب مع استنبوغا الدوادار والفتح المدعو بعبد القصار فخوفا أهل دمشق وحدراهم ونصحاهم بالفرار من دمشق فاضطرب الناس وأتلفت آراؤهم فبعضهم قبل النصيحة وهرب إلى بيت المقدس أو مصر وبعضهم اتهمهما وأراد قتلهما وبعضهم بقي في البلد واستعد للقتال.
خروج الملك الناصر فرج
من مصر إلى الشام لقتال تيمور
ثم إن الملك الناصر فرج بن برقوق خرج من مصر بالعساكر لقتال تيمور ومعه كافله وأتابكه باش بيك فاطمأن الناس ورجع جماعة ممن كانوا خرجوا أما أهل الرأي فلم يلتفتوا إلى قدوم السلطان.
وصوله لحماه
ومر تيمور بحماه. ووجد منقوشا على رخامة بالجامع النوري بحماه ما خلاصته سبب نقش هذا إن الله تعالى يسر لنا فتح البلاد والممالك حتى انتهينا إلى بغداد فأرسلنا قصادنا إلى الملك مصر بأنواع التحف والهدايا وكان قصدنا إن تتأكد الصداقة بيننا فقتل قصادنا من غير موجب ثم قبض التراكمة على أناس من جهتنا وأرسلهم إلى سلطان مصر برقوق فسجنهم
وضيق عليهم فلزم من هذا أنا توجهنا لاستخلاص متعلقينا من أيدي مخالفينا واتفق لذلك نزولنا بحماه في العشرين من ربيع الاخر سنة 803.
وصوله إلى حمص
ومر بحمص فلم يتعرض لها بشئ ونادى بالأمان وكذلك في عوده من دمشق لم يتعرض لحمص، ويقول ابن عربشاه أنه وهبها لخالد بن الوليد أقول بل الظاهر إن أهلها أطاعوه فلم يتعرض لهم بخلاف غيرها، وخرج إليه رجل يدعى عمر البرواس فقدم له هدية وتوسل إليه فولاه البلد وولى القضاء شمس الدين بن الحداد.
ما جرى للنواب الذين معه
قال ثم إن نائب الشام الذي معه مرض ومات على قبة يلبغا وهرب نائب طرابلس فغضب وقتل الموكلين بحفظه وهرب تمرداش في قارا وبقي في أسره علاء الدين الطنبغا نائب صفد وزين الدين نائب غزة وغيرهما.
وصوله إلى بعلبك
قال ثم أتى بعلبك واستولى عليها
وصوله إلى دمشق
قال وسار عنها حتى أشرف على دمشق من جهة قبة السيار ووصلت العساكر المصرية إلى قبة يلبغا يوم الأحد عاشر ربيع الآخر سنة 803 ودخلوا دمشق ونزلوا دورها ودخلت بعض أثقال السلطان البلد ونزلت جنود تيمور غربي دمشق من داريا والحولة وعن ابن تغري بردي أنه قال لما قدم الخبر على أهل دمشق باخذ حلب نودي في الناس بالرحيل من ظاهرها إلى داخل المدينة والاستعداد لقتال العدو فاخذوا في ذلك فقدم عليهم المنهزمون من حماه فعظم خوف أهلها وهموا بالجلاء فمنعوا من ذلك ونودي من سافر نهب فعاد إليها من كان خرج منها وحصنت دمشق ونصبت المناجيق على قلعة دمشق ونصبت الكاحل على أسوار المدينة واستعدوا للقتال ثم نزل تيمور بعساكره على قطنا فملأت عساكره الأرض كثرة وركب طائفة منهم لكشف الخبر فوجدوا السلطان والأمراء قد تهيئوا للقتال. وفي خطط الشام إن تيمور نزل عند سفح جبل الثلج أي غربي دمشق وفي قطنا وإقليم البلان إلى ميسنون (انتهى) وفي شذرات الذهب وسار تيمور حتى أناخ على ظاهر دمشق من داريا إلى قطنا والحولة وما يلي تلك البلاد ثم احتاط بالمدينة وانتشرت عساكره في ظواهرها تتخطف الهاربين (انتهى) وفي عجائب المقدور وحفر عسكر مصر الخنادق وحصنوا القلعة وأمر ملك مصر بخروج العساكر إلى ظاهر البلد وانضاف إليهم أعيانها وحصلت المناوشة فقتل قاضي القضاة برهان الدين المالكي وشلت يد قاضي القضاة عيسى المالكي من ضربة سيف وكل من يأتون به من عسكر تيمور يقتلونه وخرج يوما من عسكر تيمور نحو عشرة آلاف فخرج إليهم من عسكر الشام نحو ثمانمائة والتقوا في واد خلف قبة يلبغا واقتتلوا قال ابن تغري بردي وصفت العساكر السلطانية فبرز إليهم التيمورية وصدموهم صدمة هائلة وثبت كل من العسكرين ساعة فكانت بينهم وقعة انكسرت فيها ميسرة السلطان وانهزم العسكر الغزاوي وغيرهم إلى ناحية حوران وجرح جماعة وحمل تيمور بنفسه حملة عظيمة شديدة فدفعته ميمنة السلطان حتى أعادوه إلى موقفه ونزل كل من العسكرين بمعسكره وبعث تيمور إلى السلطان في طلب الصلح وإرسال اطلمش إليه وانه هو يبعث من عنده من الأمراء المقبوض عليهم في واقعة حلب، ثم إن العساكر المصرية عادت إلى مصر من الشام ليلا وخرج السلطان فرج إلى وادي التيم فبعض يقول أنه هرب وبعض يقول أنه بلغه أنهم يريدون خلعه في مصر وإقامة غيره ولم يشعر الناس إلا والنار تلتهب في مخيم العسكر المصري وكأنهم أحرقوا ما معهم لما رجعوا ولم يستطيعوا حمله فخافوا إن يغنمه عسكر تيمور، قال ابن تغزي بردي وكان اجتمع في دمشق خلائق كثيرة من الحلبيين والحمويين والحمصيين وأهل القرى ممن خرج جافلا من تيمور وبها عسكر دمشق فلما أصبحوا وقد هرب السلطان المصري وعسكره أغلقوا أبواب المدينة وركبوا الأسوار ونادوا بالجهاد وزحف عليهم تيمور بعساكره فقاتل الدمشقيون من أعلى السور أشد قتال وردوهم عن السور والخندق وأسروا منهم جماعة ممن اقتحم باب دمشق وأخذوا من خيولهم عدة كبيرة وقتلوا منهم نحو الألف وأدخلوا رؤوسهم إلى المدينة. وعن ابن إياس أنه كان بين أهل دمشق وعسكر تيمور في أول يوم واقعة عظيمة فقتل من عسكر تيمور نحو ألفي إنسان فأرسل تيمور يطلب من أهل دمشق رجل من عقلائهم يمشي بينه وبينهم بالصلح فاشتوروا فيمن يرسلونه فوقع الاختيار على القاضي تقي الدين إبراهيم بن مفلح الحنبلي فإنه كان طلق اللسان يتكلم بالتركية والفارسية فأرخوه من أعلى السور بسرياق ضخم ومعه خمسة أنفس من أعيان دمشق فغاب عند تيمور ساعة ثم رجع فأخبر بان تيمور تلطف معه في القول وقال له هذه بلد فيها الأنبياء وقد اعتقتها لهم وشرح من محاسن تيمور شيئا كثيرا وجعل يخذل أهل الشام عن قتاله ويرغبهم في طاعته فصار أهل البلد فرقتين فرقة ترى ما رآه ابن مفلح وفرقة ترى محاربته وكان الأكثر يرون مخالفة ابن مفلح ثم غلب رأيه ورأي أصحابه فقصد إن يفتح باب النصر فمنعه نائب القلعة وقال إن فعلتم ذلك أحرقت البلد ولكن نائب القلعة لما رأى عين الغلب سلم إليهم القلعة بعد تسعة وعشرين يوما (انتهى). قال ابن عربشاه وتقدم تيمور إلى المدينة فامتنع أهلها عن تسليمها فبقوا على ذلك يومين ثم خرج أعيانها إلى تيمور طالبين الأمان وهم قاضي القضاة محمود بن العز الحنفي وولده شهاب الدين وقاضي القضاة إبراهيم بن مفلح الحنبلي وقاضي القضاة محمد الحنبلي النابلسي والقاضي محمد بن أبي الطيب كاتب السر والقاضي أحمد الوزير والقاضي شهاب الدين الجياني الشافعي والقاضي إبراهيم بن لقوشة الحنفي نائب الحكم أما قاضي القضاة الشافعي فهرب مع السلطان وأما قاضي القضاة برهان الدين الشاذلي المالكي الذي أفتى بقتل الشهيد الأول فإنه كان قد قتل كما مر.
ما جرى لابن خلدون مع تيمور
وذهب معهم قاضي القضاة ولي الدين عبد الرحمن بن خلدون المالكي وكان قدم مع السلطان فرج فلما رجع فرج إلى مصر بقي هو في دمشق وحين دخلوا على تيمور وقفوا إلى إن أذن لهم بالجلوس وهش إليهم، فقدم له ابن خلدون على ما في خطط الشام هدية فيها علب حلوى مصرية فتحها تيمور وأطعم منها رجاله ولم يذقها واهداه سجادة صلاة فوضعها إلى جانبه وأهداه مصحفا شريفا فقبله ووضعه إلى جانبه. قال ابن عربشاه ولما رأى شكل ابن خلدون بعمامة خفيفة وبرنس قال هذا الرجل ليس من هاهنا، وجيء بالطعام فكوموا تلألأ من اللحم السليق فبعضهم لم يأكل وبعضهم أكل، وتيمور يلحظهم، وكان من الآكلين ابن خلدون فنادى ابن خلدون بصوت عال يا مولانا الأمير الحمد لله لقد شرفت بحضوري الملوك وأحييت بتواريخي مآثرهم ورأيت من ملوك العرب وغيرهم فلانا وفلانا ولكن لله المنة قد طال عمري حتى رأيت من هو الملك على الحقيقة فإن كان طعام الملوك يؤكل لدفع الجوع فطعام مولانا الأمير يؤكل لذلك ولنيل الفخر والشرف. فاعجب تيمور كلامه واقبل بكله عليه وسأله عن ملوك العرب وأخبارهم فذكر له من ذلك ما بهره، وعن ابن الزملكاني تلميذ ابن خلدون إن ابن خلدون قال لما اجتمعت بتيمور في دمشق قال لي أين بلدك قلت بالغرب الجواني قال وما معنى الجواني في وصف المغرب قلت معناه الداخلي أي الأبعد لأن المغرب كله على ساحل البحر الشامي من جنوبه، فالأقرب إلى هنا برقة وإفريقية، والمغرب الأوسط تلمسان وبلاد زناته، و الأقصى فاس ومراكش وهو معنى الجواني، فقال لي وأين مكان طنجة من ملك المغرب فقلت في الزاوية التي بين البحر المحيط والخليج المسمى بالزقاق ومنها التعدية إلى الأندلس لقرب مسافته لأن هناك نحو العشرين ميلا فقال وسلجماسة فقلت في الحد ما بين الأرياف والرمال من جهة الجنوب، فقال لا يقنعني هذا و أحب إن تكتب لي بلاد المغرب كلها أقاصيها وأدنيها وجبالها وأنهارها وقراها و أمصارها، فقلت يحصل ذلك بسعادتك. فكتبت له بعد انصرافي من المجلس ما طلب، أقمت في كسر البيت وكتبته في أيام قليلة وأوعبت الغرض فيه مختصر وجيز يكون في اثنتي عشرة كراسة ودفعته إليه فاخذه من يدي وأمر موقعه بترجمته إلى اللسان المغلي، وهذا يدل على عقله وبعد نظره وانه ربما كان يخطر بباله فتح إفريقية كما فتح آسيا. ثم هرب ابن خلدون إلى مصر خوفا من إن يأخذه تيمور إلى بلاده.
قال ابن عربشاه فبينا هم كذلك في حضرة تيمور إذ جئ بالقاضي صدر الدين المناوي أسيرا وإذا هو بعمامة كالبرج واردان كالخرج وكان قد هرب مع السلطان فرج فأدركوه في ميسلون وقبضوا عليه وأحضروه إلى تيمور، فتخطى الرقاب وجلس في صدر المجلس، فاستشاط تيمور غضبا وامر بالقاضي صدر الدين فسحب، ثم خلع على كل من هؤلاء الأعيان وردهم مكرمين وأعطاهم الأمان لهم ولذويهم بشرط إن يدفعوا إليه أموال السلطان وأمرائه، ففعلوا ذلك.
قلعة دمشق
قال وأما القلعة فاستعد نائبها للحصار وكان اسمه ازدار فلم يلتفت تيمور في أول الأمر إليها وانصرف همه إلى تحصيل الأموال فنادى بالأمان وان لا يبغي أحد على أحد، فمد بعض عسكره يده إلى غارة بعد ما سمعوا هذا النداء، فبلغ ذلك تيمور فأمر بصلبهم فصلبوا في الحريرين برأس سوق البزوريين ففرح الناس بذلك وفتحوا الباب الصغير ووزعوا هذه الأموال على الحارات، وكان الفصل شتاء فانتقل إلى القصر الأبلق ثم إلى بيت الأمير تيخاص وأمر بهدم القصر واحراقه ودخل المدينة من الباب الصغير وصلى الجمعة في جامع بني أمية وخطب به قاضي القضاة الحنفي محمود بن الكشك ونزل الله داد في دار ابن مشكور داخل الباب الصغير.
المناظرة بينه وبين علماء دمشق
قال ووقع بين عبد الجبار بن النعمان الخوارزمي المعتزلي العالم الذي كان مع تيمور وكان يأتم به وبين علماء الشام لا سيما قاضي القضاة الحنبلي مناظرات ومباحثات وهو في ذلك كترجمانه يخاطبهم بلسانه فمنها وقائع علي ومعاوية ومنها أمور يزيد وقتله الحسين وان ذلك ظلم وفسق ومن استحله فهو كافر ولا شك إن ذلك كان بمظاهرة أهل الشام فان كانوا مستحليه فهم كفار وإلا فهم عصاة وان الحاضرين على مذهب الغابرين، فحصل منهم في ذلك أجوبة كثيرة منها ما رده ومنها ما قبله إلى إن أجابه القاضي محمد بن أبي الطيب كاتب السر فقال إن جدي توصل إلى رأس سيدنا الحسين ونظفه وغسله وطيبه ودفنه فلذلك كنوه بأبي الطيب. وقال ما سميتم بأولاد أبي الطيب إلا لهذا؟ قال نعم. ومنها أنه سألهم ما أعلى الدرجات درجة العلم أم النسب؟ فأجاب القاضي محمد الحنبلي النابلسي إن درجة العلم أعلى والدليل على ذلك إجماع الصحابة على تقديم أبي بكر على علي بن أبي طالب وقد قال صلى الله عليه وسلم لا تجتمع أمتي على ضلالة وجعل يحل ازراره وأخذ في نزع ثيابه، فسأله تيمور عن ذلك، فقال أنه يخاف من شيعة عسكره إن يقتلوه لأجل هذا الكلام فهو يستعد للقتل، فقال تيمور لا يدخلن هذا مجلسي بعد اليوم (انتهى) ولا بد إن يكون جرى بينه وبين العلماء ما هو أكثر من هذا وابسط، لكن المؤرخين ذكروا هذه المجملات وطووا تفصيلها على غره، ولعله لأنهم لم يحبوا تفصيلها.
مال الأمان
ثم طرح على المدينة أموال الأمان وفوض ذلك إلى أحد أركان دولته المدعو الله داد، وشرعوا في جمع الأموال من أهل الشام، وذلك في دار الذهب وهو مكان مشهور. وكثرت الوشايات والسعايات. وقال ابن تغري بردى طلب تيمور الطقزات أي التسعة الأصناف من المأكول والمشروب والملبوس وغيره، وهذه كانت عادته في كل بلد يفتحه صلحا، وقد مر له نظير عند ذكر رجوعه ثانيا إلى قفجاق فاجابه الدمشقيون إلى ما طلب باقناع ابن مفلح لهم، وتقرر إن يجبي تيمور من دمشق ألف ألف دينار ففرض على الناس فقاموا به من غير مشقة لكثرة أموالهم، فلم يرض تيمور وقال إن المطلوب بحساب بلاده وهو عشرة آلاف ألف دينار أو ألف تومان والتومان عبارة عن عشرة آلاف دينار من الذهب، قال ابن حجر واستقر الصلح على ألف ألف دينار، فتوزعت على أهل البلد ثم روجع تيمور فتسطخها، وقال أنه إنما طلب ألف تومان، فنزل بالناس باستخراج هذا منهم ثانيا بلاء عظيم، ولما اخذه ابن مفلح وحمله إلى تيمور قال تيمور لابن مفلح وأصحابه هذا المال لحسابنا إنما هو ثلاثة آلاف دينار وقد بقي عليكم سبعة آلاف دينار وظهر لي انكم عجزتم (انتهى). فيظهر من هذا أنه اكتفى باخذ ثلاثة آلاف دينار وصرف النظر عن الباقي. ثم سلمت أموال المصريين وكراعهم وسلاحهم وأموال الذين فروا من دمشق، ثم ألزمهم بإخراج جميع ما في البلد من السلاح فأخرجوه. حصار القلعة وأخذها قال ابن عربشاه وأما القلعة فاستعد نائبها للحصار، وكان اسمه ازدار، فلم يلتفت تيمور في أولالأمر إليها وانصرف همه إلى تحصيل الأموال، فلما فرع من ذلك استعد لحصار القلعة. وفي الشذرات ثم قام من الجامع وجد في حصار القلعة حتى أعياه أمرها، ولم يكن بها يومئذ إلا نفر يسير جدا، ونصب عليها عدة مجانيق وعمر تجاهها قلعة عظيمة من خشب فرمى من بالقلعة على القلعة التي عمرها بسهم فيه نار فاحترقت عن آخرها، فأنشأ قلعة أخرى ثم تسلموها بعد أربعين يوما بالأمان. قال ابن عربشاه وأمر إن يبني مقابلها بناء أعلى منها، فجمعوا الأخشاب وبنوا برجا من جهة الشمال والغرب، وفوض أمر الحصار للأمير جهان شاه فنصب عليها المجانيق ونقب السور وكان فيها من المقاتلة عدد قليل فطلبوا الأمان ونزلوا إليه بعد محاصرتها ثلاثة وأربعين يوما وذلك في شهر رجب 803.
وصار في هذه المدة يتطلب الأفاضل وأصحاب الحرف والصنائع، ونسج الحريريون له قباء بالحرير والذهب ليس له درز، وبنى في مقابر الباب الصغير قبتين متلاصقتين على تربة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بجمع العبيد الزنوج واعتنى بشأنهم. وكان في صفد تاجر يدعى علاء الدين فاهدى إلى تيمور هدايا نفيسة وأرسل إليه مرسوم أمان له ولأهل بلده، ولما رحل تيمور عن دمشق أرسل علاء الدين قاصدا ومعه هدايا نفيسة وطلب إليه إطلاق طنبغا العثماني نائب صفد وعمر بن الطحان نائب غزة وكانا في أسره، فدعاهما وذكر لهما شفاعة علاء الدين بهما ثم أطلقهما وأعطى فرسين للعثماني وفرسا لعمر بن الطحان نائب غزة ثم أرسل معهما من أبلغهما مأمنهما وأوصلهما إلى بلديهما. قال ابن عربشاه واستمر النهب العام في المدينة نحوا من ثلاثة أيام. وقال ابن حجر وعملت النار في البلد ثلاثة أيام بلياليها فاحترقت كلها وسقطت سقوف جامع بني أمية ولم يبق غير جدرانه قائمة (انتهى) ومن تصفح ما مر يعلم إن ما جرى على الشام كان بسوء تصرف أمرائها وغرورهم واستخفافهم بتيمور فكانوا تارة يقتلون رسله والرسل لا تقتل وأخرى يقتلون الأسرى، وضعف أجوبة علمائها وتعصبهم ليزيد، حتى كان أقصى ذمهم له إن بعضهم رأى في حاشية كتاب أنه يجوز لعنه، ولو داروه وصانعوه لما وقعوا فيه، فقد داراه كثير من الملوك والأمراء فأبقاهم على ملكهم، وأعرض عن أهل حمص فلم يقربها، واكتفى من أهل طرابلس بمال دفعوه، وأمن أهل صفد بشفاعة تاجر منهم وهديته، وشفعه في نائبي صفد وغزة وأكرمهم وصافاه بعض أمراء دمشق فولاهما، وتعرض جماعة من عسكره للغارة فصلبوا في الحريريين، والقول بان ذلك كان مخادعة لا يقبله عقل، فلم يكن تيمور يخاف من أعظم منهم حتى يخادعهم.
رسالة صاحب مصر إليه
في عجائب المقدور أن سلطان مصر لما هرب أرسل إلى تيمور كتابا مع رجل اسمه بيسق يهدده فيه ويقول ما مضمونه لا تظن أننا هربنا منك وخفناك ولكن بعض مماليكنا خرج علينا وأراد مثلك الفساد وهلاك العباد والبلاد والعاقل إذا أصابه مرضان داوى الأخطر منهما انك أهون الخطبين وأحقر الرجلين فثنينا العزم إلى تأديب ذلك الرجل ثم نكر عليك كرة الأسد الغضبان ونضيق عليك وعلى عسكرك المسالك وندعكم بين أسير وهالك فتطلبون الخلاص ولات حين مناص.
قال إلى غير ذلك من أمثال هذه الترهات التي هي كالملح على الجروح وكحركة المذبوح، ولو كان بدل هذا الهذيان والكلام الذي لا طائل تحته ما يستميل قلبه مع بعض الهدايا والاعتذار وإظهار الندم لكان ربما كسر من غضبه وإنما فعلوا ذلك بعد حريق الشام وفوات الأمر كما قال الشاعر وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل وقال الآخر
ذو الجهل يفعل ما ذو العقل يفعله | في النائبات ولكن بعد ما افتضحا |
قال بيسق فلما أعطيته الكتاب وقرئ عليه قال لي ما اسمك؟ قلت بيسق، قال ما معنى بيسق؟ قلت لا أدري، قال إذا كنت لا تعرف معنى اسمك فكيف تصلح إن تكون رسولا، ولولا إن عادة الملوك ألا يهيجوا الرسل بأذى لصنعت معك ما أنت أهله مع أنه لا لوم عليك بل على من أرسلك بل لا لوم عليه أيضا لأن ذلك مبلغ علمه وفهمه. ثم قال اذهب وانظر القلعة فذهبت فوجدتها قد دكت دكا ثم رجعت فقال لي إن مرسلك أقل من إن أراسله ولكن قل له أني واصل إليك فليشمر ذيله للفرار، ثم أمر بي فأخرجت فذهبت إلى مصر، ثم وقع النهب والقتل العام في البلد ثلاثة أيام وبعده الحريق واحترق جامع بني أمية (انتهى).
رحيله عن دمشق
قال ثم رحل تيمور عن دمشق يوم السبت ثالث شعبان سنة 803 بعد ما أقام بها ثمانين يوما وأخذ معه من أعيان الشام قاضي القضاة محيي الدين بن العز الحنفي بعد ما عوقب وولده شهاب الدين فوصلا إلى تبريز ثم رجعا إلى الشام وقاضي القضاة شمس الدين النابلسي الحنبلي وقاضي القضاة صدر الدين المناوي الشافعي وغيرهم، ومن الأمراء الأمير تيخاص. وخرج مع تيمور بالاختيار عبد الملك بن التكريتي فولاه نيابة سيرام وهي وراء سيحون، ويلبغا الملقب بالمجنون وكان مقربا عنده لأنه كان مناصحا له فولاه ينكي بلاس وراء نهر خجند تبعد 15 يوما عن سمرقند، وأخذ من دمشق أهل الصنائع من النساجين والخياطين والحجارين والاقباعية والبياطرة والخنيمية والنقاشين والفواسين والبازدارية وفرقهم على رؤساء الجند ليوصلوهم إلى سمرقند، وأخذ جمال الدين رئيس الطب وأخذ شهاب الدين أحمد الزردكاش وكان في القلعة وأباد من عسكر تيمور خلقا كثيرا وكان قارب التسعين فقيده من فوق ركبتيه قيدا زنته سبعة أرطال ونصف رطل بالدمشقي فلم يزل مقيدا حتى مات تيمور. ولما قرب رحيله عن دمشق جاءها الجراد ولم يزل معه في طريقه إلى بغداد.
وفي خطط الشام وأرسل تيمور إلى صاحب مصر سودون نقيب قلعة دمشق يعتذر له مما جرى و يطلب قريبه الذي كان أسر في أيام الملك الظاهر برقوق وانه إذا أطلقه يطلق ما عنده من الأسرى فأطلقه السلطان وكساه وأحسن إليه، فلما وصلوا إلى تيمور أكرمهم وقبل مراسيم السلطان وتفارش وبكى واعتذر مما وقع منه وقال هذا كان مقدرا. وكان علماء القدس انتدبوا الشيخ محمد فولاذ بن عبد الله وجهزوه بمفاتيح الصخرة إلى تيمور فلما كان بالطريق بلغه رجوعه فرجع وقيل إن تيمور أراد إن يفتح مصر فأرسل جماعة من قواده يكشفون له الطرق، فلما عادوا قصوا عليه ما رأوه وهو ساكت فقال لهم إن مصر لا تفتح من البر بل تحتاج إلى أسطول لتفتح من البحر، ولما رحل تيمور عن دمشق نصب صاحب مصر المقر السيفي تغري بردي في نيابة دمشق، ورسم له إن يخرج إلى الشام من يومه ليعمر ما خربه تيمور، ونصب نوابا آخرين على نيابات الشام ممن كانوا في أسر تيمور فأطلقهم مثل نائب الكرك ونائب طرابلس ونائب حماة ونائب بعلبك ونائب صفد وغيرهم، فرجم أهل دمشق نائب الشام سنة 804 وأرادوا قتله فهرب إلى حلب فأرسل سلطان مصر تقليدا إلى اقبغا الجمالي بنيابة الشام، وهكذا خرج تيمور عن الشام بدون إن يتملكها لأنه عرف إن بلاده ومملكته يتيسر بقاؤها لأهله، ومملكة الشام يعسر عليه حفظها بعد بعده عنها. وفي التاريخ الفارسي في سنة 803 سافر تيمور إلى الشام وقابله وقاتله وأمراء الشام في حدود حلب فقهرهم وغلبهم وأخذ قوادهم وقيدهم وفتح حلب وجهز من هناك عسكرا إلى دمشق وقتل هناك أمراء الشام الذين كانوا مقيدين معه وجاء إلى دمشق وفتح أكثر ولايات الشام وغنم عسكره غنائم عظيمة وقتل أهل الشام قتلا عاما وهرب ملك مصر والشام فرج إلى مصر (انتهى) قال ابن عربشاه فوصل تيمور إلى حمص ولم ينهبها ثم إلى حماه فنهبها وفي 17 شعبان سنة 803 وصل الجبول وأرسل إلى حلب وأخذ من قلعتها ما استودعه فيها من المنهوبات ولم يدخل إلى حلب ثم عبر الفرات بالسفن وغيرها فوصل الرها ونهبها.
ما جرى له بماردين
قال ثم أرسل رسولا إلى ماردين إلى الملك الطاهر يستدعيه بكتاب فأبى إن ينزل إليه وأرسل إليه هدايا واعتذر عن الحضور فقصد ماردين يوم الاثنين عاشر رمضان سنة 803 ونزلا دنيسر ودخل ماردين وكان أهلها قد أخلوها ودخلوا القلعة وهي على رأس جبل في غاية الحصانة والمدينة تحتها محيطة بالجبل فحاصرها إلى العشرين من رمضان يوم الخميس خامس آيار فلم يقدر عليها فتركها وتوجه إلى بغداد بعد ما خرب المدينة وأسوارها.
إرساله الثقل إلى سمرقند
قال وجهز بعض الثقل إلى سمرقند مع الله داد، فوصل الله داد ومن معه إلى مدينة سوز ثم إلى خلاط وعيد الجوز، وهي بلاد الأكراد وأول ما هو جار تحت حكمه من ولايات تبريز وآذرباجيان فعيد عيد رمضان بعيد الجوز ثم دخل ولايات تبريز ثم إلى سلطانية ثم إلى ممالك خراسان وكان قد خرج فصل الشتاء ودخل فصل الربيع فوصلوا إلى نيسابور ثم إلى جام ثم قطعوا مفاوز باوردوما خان ثم إلى الدخوى وانتهوا إلى نهر جيحان فعبروه بالمراكب ووصلوا سمرقند 13 المحرم يوم الثلاثاء سنة 804.
ما جرى له بآمد ونصيبين والموصل والقنطرة
قال ثم إن تيمور ولي آمد قرايلوك عثمان وخرب نصيبين ورعى زروعها، وكانت خالية من السكان، ثم توجه إلى الموصل فدخلها ووهبها لحسين بك بن حسين ثم ذهب إلى ناحية القنطرة وأشاع أنه يريد بلاده، ولكن السلطان أحمد بن أويس تحقق أنه يريد بغداد وإنما أشاع ذلك تعمية للأمر على عادته.
هرب أحمد بن أويس وأخذ تيمور بغداد ثالثا
قال فلما بلغ السلطان أحمد مجئ تيمور، خرج من بغداد ومعه قرا يوسف إلى بلاد الروم إلى السلطان بايزيد واستناب ببغداد نائبا يقال له فرج وأوصى إليه والى ابن البليقي إن لا يحاربا تيمور ولا يمنعاه من دخول بغداد، فجهز تيمور إلى بغداد عشرين ألف مقاتل وامر عليهم زاده رستم مع أميرين آخرين، فإذا تسلموا بغداد يكون حاكمها رستم، فلما وصلوها أبى فرج إن يسلمها لهم واستعد للقتال، فبلغ تيمور ذلك فحضر إليها بنفسه واقتتلوا حتى قتل وجرج من عسكر تيمور جماعة ثم فتحها يوم الأضحى وفرض على عسكره أن يجيئه كل واحد منهم برأسين، فبنى من تلك الرؤوس مائة وعشرين مأذنة وقتل من أهل بغداد نحوا من تسعين ألف نفس صبرا، وأعوزتهم الرؤوس فقتلوا بعض من معهم من اسرى الشاميين وغيرهم، وهرب فرج وركب سفينة واحتوشوه بالسهام من الجانبين فانقلبت به وغرق، ثم خرب تيمور المدينة ونهبها.
مراسلته السلطان بايزيد العثماني
قال ثم قصد قراباع واقام بها وراسله بايزيد ايلدرم العثماني ومعنى ايلدرم الصاعقة، وطلب تسليم أحمد بن أويس وقرا يوسف أو إخراجها من مملكته وكانا قد لجا إليه وإلا أنزل به ما أنزله بسواه من الملوك والأمراء (انتهى) فلما قرأ بايزد كتابه اجابه بما صورته "معربا عن التركية".
جواب بايزيد لتيمور
"بعد الدعاء: أيها الكلب العقور المرسوم باسم تيمور! أي تيمور الذي هو اكفر من الملك نكفور. . . ليكن معلومك انني قرأت كتابك أيها المشؤوم. أ بمثل هذه المهملات تخوفني! وبهذه الترهات تخادعني!! أ ظننتني ملكا من ملوك العجم أم تتريا من الصحراء؟ أم انك قايست جندي بجند الهند والصين؟؟ أم انك ظننت عسكري كعسكر العراق وهراة؟!! الحرب والضرب رأينا، والجهاد صنعتنا، وعادة الغازين في سبيل الله عادتنا. فان أنت حرصا على الدنيا تصديت للمقاتلة كالكلاب فنحن أيضا نقاتل. ليكن معلومك أنك إذا أرسلت بهذا الكلام إلى بلادنا ولم تحضر إلى ميدان القتال تكون زوجاتك طوالق بالثلاث!. والسلام على المسلمين، ولعنة الله عليك وعلى جميع من بايعك إلى يوم الدين. . . ".
قال ابن عربشاه فلما وقف تيمور على جوابه، قال ابن عثمان مجنون أحمق لأنه أطال في جوابه وشتم ولعن وختم كتابه بذكر النساء والنساء لا ينبغي إن تذكر في الكتب والمجالس وهذه عادتهم يرون ذكر النساء عيبا وإنما يعبرون عنها بمثل المخدرة أو المستورة أو نحو ذلك
ذهاب تيمور لقتال بايزيد وأخذه قلعة كماخ
قال فسار تيمور بعساكره قاصدا بلاد الروم وأرسل إلى حفيده وولي عهده محمد سلطان بن جهانكير إن يتوجه إليه من سمرقند صحبة الأمير سيف الدين فوصل تيمور إلى قلعة كماخ وهي على نحو نصف يوم من أرزنجان، ووصل إليه حفيده محمد سلطان فوكل إليه أمر حصارها وهي قلعة منيعة من إحدى جهاتها نهر الفرات ومن الجهة الأخرى واد متسع فيه مسيل ماء يصب في الفرات لا تثبت فيه الإقدام ومن الجهتين الأخريين هضاب وعرة فأمر بقطع الأشجار والحطب والقائها في الوادي حتى ساوى بها الأرض فألقى أهل القلعة فيه النار والبارود فاحترق فأمر عساكره إن يأتي كل واحد منهم بعدل من الأحجار ففعلوا حتى طموا الوادي فمشوا عليه وقربوا من السور ونصبوا السلالم فطلب أهل القلعة الأمان فدخلها في شوال سنة 804 ثم أمر بالأحجار التي ألقيت في الوادي فأخرجت إلى المواضع التي منها أخذت.
كتاب تيمور إلى بلاده بالفتح
وكتب تيمور إلى جميع البلدان في مملكته بهذا الفتح كتابا يقول فيه:
بحمد سيوف داميات الوغى | فتحنا بحمد الله حصن كماخ |
وذكر في كتبه خطابه لابن عثمان وجواب ابن عثمان له بالسب والسفه ويقول اننا ما جفوناه ولا تعدينا عليه وتلطفنا به ورققنا له القول وقلنا له إن يخرج من مملكته أحمد الجلائري وقرا يوسف التركماني لأنها مادة الفساد وقد أخربا البلاد وأهلكا العباد والرضا بالمعصية معصية وقد صارا وزيريه وعشيريه فلبئس المولى ولبئس العشير:
ولا ينفع الجرباء قرب صحيحة | إليها ولكن الصحيحة تجرب |
فنهيناه فما (انتهى) وأريناه العبر في غيره فما اعتبر، ولكنا وضعنا اسمه مع اسمنا على عادة حشمتنا وأدبنا في المراسلات فتعدى طوره وأبدى جوره وكان في بعض كتبه اسمه محت اسم طهرتن، وهذا هو الواجب عليه، ولا شك إن طهرتن بالنسبة إلينا كبعض خدمنا. ثم إن بايزيد لما قرأ كتابنا واجبنا عنه وضع اسمه فوق اسمنا بالذهب لما فيه من الحماقة وقلة الأدب.
توجه بايزيد لقتال تيمور
فلما بلغ بايزيد قصد تيمور بلاده وكان على مدينة استانبول محاصرا لها وقد قارب إن يفتحها جمع جنوده من جميع بلاده واستعد لقتال تيمور. ويقول هارولد لامب إن عدد عسكر بايزيد كان 150 ألفا.
سعي تيمور لفصل التتار عن بايزيد
وأرسل تيمور لرؤساء التتار ورئيسهم يدعى الفضل إن نسبنا واحد وبلادنا واحدة وان آباءكم من قديم الزمان كانوا ملوك توران فانتقل طائفة منهم إلى هذه البلاد فاستوطنوها وهم على ما هم عليه من الكرامة وشعار السلطنة وكان ارتنا آخر ملوككم وأكبر مالك في بلاد الروم أصغر مماليككم ولستم بحمد الله قليلي العدة والعدد فكيف رضيتم لأنفسكم إن تكونوا تابعين غير متبوعين وإن تكونوا كالارقاء لرجل هو من أولاد عتقاء علي السلجوقي وأنا أولى بكم وبالنظر في مصالحكم فإن كان لا بد من استيطانكم بلاد الروم الضيقة بدلا عن بلادكم الفسيحة فلا أقل من إن تكونوا كأسلافكم حكامها فإذا انتهيت من أمر ابن عثمان فوضت أمورها إليكم فإذا أمكنكم إن تنحازوا إلينا وإلا فلا تعينوا علينا فكونوا ظاهرا مع ابن عثمان وباطنا معنا فإذا التقينا انحازوا إلى عسكرنا. فوافقوه على ذلك.
خروج بايزيد لقتال تيمور على الحدود وأسر بايزيد
قال وكانت الزروع في بلاد الروم قد استحصدت والفواكه قد أدركت فخاف بايزيد إن يلحق بلاده ضرر بهجوم عساكر تيمور فبادر إلى ملاقاته خارج حدود بلاده في ضواحي سيواس وأخذ بعساكره على قفار غامرة حذرا إن يضروا بالناس وذلك في رمضان فلما بلغ تيمور ذلك سار على الطريق العامرة حتى وصل أنقرة وعساكره في ماء وكلاء وراحة فلما بلغ ذلك بايزيد ندم حيث لا ينفعه الندم فكر راجعا وعساكره في جدب وتعب، فلما تقابل الجمعان مال التتار إلى عسكر تيمور كما وعدوه وكانوا نحوا من ثلثي عسكر بايزيد، وكان مع بايزيد ولده الأكبر سليمان، فلما رأى ما فعله التتار تيقن الغلبة على أبيه، فانخزل بالفرسان إلى جهة بروسا ويقال برصا وبها مقر الملك فلم يبق مع أبيه إلا المشاة وبعض الفرسان، فثبت ولم يهرب لئلا يقع عليه الطلاق وكان معه نحو من خمسة آلاف، فاستمر القتال من الضحى إلى العصر فأسر بايزيد وتبدد عسكره ومات أكثرهم عطشا، وكانت الوقعة يوم الأربعاء 27 ذي الحجة سنة 804 الموافق 18 تموز على نحو ميل من مدينة أنقرة.
هذا ما ذكره ابن عربشاه، أما الكاتب الانكليزي (هارولد لامب) فقال كان بالقرب من مدينة سيواس طريق واحدة فعزم بايزيد إن يبقى في هذا الطريق لأنه اعتقد إن جنود تيمور ستمر به حتما ولا طريق لها غيره وتقدم بايزيد إلى ضواحي أنقرة فأخبرته عيونه إن تيمور في جهة سيواس فأقام ينتظره، ثم أخبره بعض أهل سيواس أنه ليس في سيواس سوى عدة قليلة من التتار، وأما جيش تيمور فلا يعلم مكانه، إنما يعلمون أنه ذهب لمحاربة الترك فاسقط في يد بايزيد وبث طلائعه في جميع الجهات للبحث عن جيش تيمور فاختفى عنهم ولم يوقف له على أثر، ثم هجمت بعض طلائع تيمور على الجناح الأيمن وأخذت بعض الأسرى فاسرع بايزيد إلى ذلك المكان وبث طلائعه، فاختفى خبر تيمور ثانية، فأرسل ولده سليمان مع فرقة من الجيش، فأخبر أن تيمور قد سار بجيشه مسرعا إلى المكان الذي كان تركه أولا فوصلوا بعد أسبوع وقد أنهكهم التعب، وكان النهر خلف جيوش تيمور ولا سبيل للترك إلى الماء إلا بالهجوم على خصومهم، فكان هذا سبب غلبة تيمور لهم. وفي التاريخ الفارسي بعد ما ذكر أنه في سنة 803 سافر إلى الشام قال وفي العام الثاني سافر إلى بلاد الروم، وفي يوم الجمعة 18 ذي الحجة سنة 804 التقى مع ايلدرم بايزيد سلطان الروم في حدود انكورية أنقرة واقتتلوا قتالا عظيما، فانتصر على ايلدرم بايزيد وأخذه أسيرا واستولى عسكره على جميع بلاد الروم، وبقي الأمير نحو سنة في بلاد الروم، وفي تلك الأوقات توفي السلطان محمود خان وايلدرم بايزيد في معسكر الأمير تيمور.
ما جرى لأولاد بايزيد وله بعد الأسر
في عجائب المقدور كان لبايزيد من الأولاد الذكور الأمير سليمان وهو أكبرهم وعيسى ومصطفى ومحمد وموسى وهو أصغرهم، أما سليمان فكان مع أبيه وانخزل بطائفة من العسكر إلى جهة بروسا كما مر فوصل إلى بروسا مقر سلطنة أبيه ونقل ما بها من الأموال والذخائر والحريم إلى برادرنة واجتمع عليه الناس والتجأ أخواه محمد وموسى إلى قلعة اماسية وهي خرشنة، والتجأ أخوهم عيسى إلى بعض الحصون وفقد أخوهم مصطفى، وأرسل تيمور طائفة من جنده إلى بروسا مع بعض قواده وسار خلفهم حتى وصلها واستولى على ما وصلت إليه يده من أصحاب بايزيد وحرمه وجواريه وأمواله، وخلع على أمراء التتار وأكرمهم وجعل يحضر بايزيد كل يوم بين يديه ويلاطفه ويباسطه.
قال المؤلف حكى لي من يوثق به عن التواريخ التركية إن تيمور أكرم بايزيد وكان يحضره معه ويجالسه ويلاطفه فعلم إن جماعة يريدون إن يفروا به فوضعه عند ذلك في قفص من ذهب. قال ابن عربشاه وأحضره يوما في مجلس عام فإذا السقاة حرمه وجواريه وكان ذلك مقابلة لما فعله بايزيد مع حرم طهرتن في ارزنجان، وليس لهذا أثر في التواريخ التركية على ما قيل، وكان بايزيد قد استولى على بلاد قزمان وقتل صاحبها السلطان علاء الدين وحبس ولديه محمدا وعليا في بروسا، فأخرجهما تيمور وخلع عليهما.
وفود اسفنديار على تيمور
قال كان الأمير اسفنديار هذا أحد ملوك بلاد الروم وفي ملكه مدينة سينوب، وهي عاصمته وقسطمونية وسامسون وغيرها. وكان مستقلا بالحكم وبينه وبين الملوك العثمانية عداوة موروثة. ولما بلغه ما فعل تيمور مع أولاد ابن قرمان والتتار وقرايلوك وطهرتن صاحب ارزنجان والأمير يعقوب بن علي شاه صاحب كرمان ومع حكام منشا وصاروخان من الإحسان لما لم يقاوموه. وعلم أنه لا يهيج من أطاعه وفد عليه فقابله بالاكرام وأقره على ما في يده وكان آخر من وفد عليه من الملوك.
أمره بالخطبة وضرب السكة باسم محمود خان واسمه
قال وأمر تيمور جميع من أطاعه من ملوك الروم إن يخطبوا ويضربوا السكة باسم محمود خان الملك من ذرية جنكيز واسمه بعنوان الأمير الكبير تيمور كركان. وشتى تيمور في ولاية منشأ.
فتحه قلعة أزمير
وهي حصن في وسط البحر حاصرها وفتحها يوم الأربعاء عاشر جمادى الآخرة سنة 805 سادس كانون. ما جرى لمحمد سلطان وسيف الدين وكان كما مر قد استدعى من سمرقند سبطه محمد سلطان والأمير سيف الدين أحد رفقاء تيمور في أول أمره، وهما اللذان كانا قد بنيا مدينة اشبارة. وهي في آخر ملك تيمور على حدود الخطأ والمغول والجتا ووليا بها أميرا يدعى ارغون شاه وحصناها وشحناها بالمقاتلة كل ذلك بأمر تيمور. فخاف المغول من مجاورته لهم فهربوا وأخلوا ما جاوره من بلادهم. فجعلت جنوده تشن الغارات عليهم وهم يفعلون مثل ذلك. وخرج محمد سلطان وسيف الدين متوجهين إلى تيمور فوصلا إلى خجند وعبرا جيحون وقدما سمرقند ووليا بها أميرا يدعي خواجة يوسف. ثم خرجا من سمرقند فمات سيف الدين في خراسان ووصل محمد سلطان إلى جده. ثم توفي في آق شهر من بلاد الروم.
إرساله الله داد إلى إشبارة
مر إن تيمور أرسل الثقل مع الله داد من ماردين إلى سمرقند وتوجه هو لأخذ بغداد فأوغر حساد الله داد قلب تيمور عليه. فأرسل إليه مرسوما إلى سمرقند إن يتركها ويتوجه إلى اشبارة وأرسل إلى ارغون شاه والي اشبارة إن يتوجه إلى سمرقند. وكان ذلك كالنفي لا لله داد إلى أقصى البلاد وجعله في وجه العدو، فتوجه كل منهما إلى محل إمارته، وأرسل تيمور وهو في بلاد الروم إلى الله داد كتابا يأمره فيه إن يرسل إليه خريطة مفصلة عن تلك البلاد ففعل.
موت بايزيد ومحمد سلطان
لما انقضى الشتاء وجاء فصل الربيع عزم تيمور على التوجه من بلاد الروم بعد ما أتم فتحها إلى بلاده وأن يستصحب معه السلطان بايزيد وكان في قفص، فلما بلغ آق شهر توفي بايزيد وتوفي محمد سلطان وبعض يقول إن وفاته من جراحة أصابته في معركة أنقرة. وذلك سنة 805 فأمر بحمل محمد سلطان في تابوت إلى سمرقند. فتلقاه أهلها بالنوح والبكاء لابسين السواد فدفنوه بمدرسته. ولما مات تيمور دفن فيها كما مر.
نصائح بايزيد لتيمور
قال ابن عربشاه إن بايزيد قال لتيمور إنني صرت أسيرا عندك واعلم إنني سأموت في أسرك وأنك غير مقيم في هذه البلاد، ولي إليك ثلاث نصائح:
(الأولى) إن لا تقتل أهل بلاد الروم فإنهم ردء الإسلام وأنت أولى بنصرة الدين وقد صار اليوم أمر الناس إليك.
(ثانيا) إن لا تترك التتار في هذه البلاد فإنهم مادة الفساد.
(الثالثة) إن لا تهدم قلاع المسلمين وحصونهم فإنها ملجأ الغزاة والمجاهدين. فقبلها تيمور ووفي بها.
ما فعله مع التتار
قال ثم أنه جمع رؤساء التتار واستقبلهم بالبشر والبشاشة وقال قد إن أن أكافئكم ولكن قد أضربنا المقام في مضايق الروم، فلنخرج إلى البر الفسيح في ضواحي سيواس، وقال لهم إنني قد عرفت بلاد الروم معرفة كاملة، وقد أهلك الله عدوكم فاستخلفكم فيها ولكن أولاد بايزيد لا يتركونكم لما فعلتم مع أبيهم ولا بد إن يلموا شعثهم، وأنا راحل عنكم ولا بد لكم من رئيس يقودكم ولا بد لكم من جند وسلاح فليخبرني كل واحد منكم بما عنده من أولاد وأتباع وآلة سلاح وليحضر ذلك إلي حتى أتمم الناقص، فأخبروه وأحضروا سلاحهم كله، فأمر برفعه إلى الزردخانه، وأخذ التتار كالماسورين ووعدهم بإصلاح أمورهم ثم حملهم معه إلى بلاده عملا بنصيحة بايزيد وفرقهم في البلاد، فبعث طائفة منهم إلى كاشغر، وأخرى إلى جزيرة أسى كول بجوار المغول، وضم باقيهم إلى ارغون شاه وجهزه إلى ثغور الدشت وحدود خوارزم، وكان هذا دأبه ينقل أهل بلاد إلى بلاد أخرى، فإنه لما استولى على تبريز استناب فيها ولده ميران أو أميران شاه، وضم إليه من قومه طائفة منهم خداداد أخو الله داد، ونقل إلى أطراف الخطأ وتركستان عسكر العراقين والهند وخراسان، وولى سماقة ابن التكريتي الذي أتى به من مدينة سيرام، وهي على مسافة عشرة أيام من سمرقند إلى الشرق وولى يلبغا المجنون بلاس وراء سيرام بنحو أربعة أيام.
مسيره من بلاد الروم
في التاريخ الفارسي في أواسط شهور سنة 805 رجع إلى آذربايجان، فبقي نحوا من سنة ونصف في آذربايجان والعراق، وجاءه سلاطين الأطراف من كيلان ورشت وغيرها، والبعض أرسل هدية وأطاعوه، وضرب ملك مصر باسمه ذهبا كثيرا وأرسله إليه، وخطب باسمه في الحرمين الشريفين زادهما الله تشريفا وتكريما (انتهى). وفي عجائب المقدور ثم سار من سيواس قاصدا بلاده، فلما وصل ارزنجان خلع على عثمان قرايلوك وقرره على ولايته، ووصاه بشمس الدين صاحب قلعة كماخ.
وصوله إلى بلاد الكرج
ولم يزل سائرا حتى وصل بلاد الكرج وهو قوم نصارى ومن مدنهم تفليس وكان قد فتحها وطرابزون وآب خاص فامتنعت تلك البلاد عليه فحاصرها ومن ذلك مغارة غامضة المسلك وبابها في وسط جبل شاهق لا يهتدي أحد إليه وسقفها من الصخر فأمر بصنع توابيت على هيئة الدبابات وشحنها بالرجال ودلاها بالسلاسل حتى حاذت باب المغارة، فعلق أحدهم واسمه لهراسب كلابا ببابها وفتحه ودخلوها. ثم قصد قلعة لهم حصينة وحولها جروف وجبال، ولا يمكن دخولها إلا من مكان واحد عليه جسر، فنصب خيامه قريبا منها لأنه لا يمكن النزول حولها، فكان أهلها يرفعون الجسر بالنهار ويتركونه بالليل ويخرجون لبعض حوائجهم، فلما يتمكن من فتحها وعزم على الرحيل عنها، وكان في عسكره شابان شجاعان فظفر أحدهما برجل من العدو فقتله وأتى برأسه إلى تيمور فأراد رفيقه واسمه بير محمد ولقبه قنبر إن يفعل فعلا يفوق فعل رفيقه، فحمل سلاحه وذهب ليلا إلى القلعة واختبأ في مكان وراقب رفع الجسر، فلما طلع الفجر أرادوا رفعه بالحبال فطفر بير محمد إليه وقطع الحبال ومنعهم من رفعه وناوشهم القتال حتى تعالى النهار وهم يرمونه ويرميهم فرآه تيمور من خيمته وهي في مكان عال فأرسل إليه الرجال فلما رآهم قوي، وتواثب أهل الحصن ليدخلوا ويغلقوا الباب فوثب معهم وصار داخل الباب ومنعهم من غلقه فجاء أصحابه ودخلوا الحصن. ووجد في بير محمد ثمانية عشر جرحا فأمر تيمور الأطباء بمداواته وجعله من قواده. فلما فتح تيمور المغارة والحصن وهن عزم الكرج وطلبوا الأمان واستشفعوا بالشيخ إبراهيم حاكم شروان فشفعه فيهم، ثم رحل وأكمل شتويته في قراباع، وذلك سنة 806. وفي التاريخ الفارسي وفي 9 ذي القعدة سنة 806 ذهب إلى فيروزكوه وفي يوم واحد فتح قلعته وذهب من فيروزكوه في طلب إسكندر الشيخي الذي كان مفسدا في تلك الولاية، وسار بعسكر وجاء إلى رستمدار ونزل في حدود هرسين من توابع تنكان وقبض على إسكندر الشيخي، وجاء من هناك إلى ولاية لاريجان وعاد إلى فيروزكوه ثم ذهب إلى جهة خراسان.
مسيره من بلاد الكرج إلى بلاده
في عجائب المقدور ثم سار بجيوشه من بلاد الكرج قاصدا سمرقند حتى قطع ولايات آذربيجان ووصل خراسان وفي خدمته ملوك الأقاليم، وحضرت لاستقباله الملوك والعلماء والكبراء من كل ناحية حتى وصل جيحون وقد أعدت له السفن فعبره، وخرج أهل سمرقند لاستقباله فدخلها أوائل سنة 807، وأذن للعساكر فتفرقت.
تفقده أحوال البلاد
قال ثم جعل يتفقد ما حدث في غيبته من أمور الرعية ويدبر مصالحهم ويراعي أحوال الصغير والكبير والغني والفقير ويضع الأشياء في محلها ويعطي الولايات لأهلها ويربي السادات ويبجل العلم وأهله ويقطع دابر المفسدين ويخنق الزاني ويصلب السارق.
تزويج حفيده أولوغ بيك
ثم شرع في تزويج أولوغ بيك واسمه محمد ابن شاهرخ بن تيمور، قال ابن عربشاه وهو في يومنا هذا سنة 840 حاكم سمرقند من قبل أبيه فأمر أهلها بالزينة وأحسن إليهم، وسنذكر ذلك مفصلا في ترجمته إن شاء الله تعالى في باب محمد. وفي التاريخ الفارسي وفي غرة المحرم سنة 7 توجه من نيشابور إلى ما وراء النهر حتى وصل إلى حدود سمرقند. وهناك أمر بتزويج أحفاده من بنات أعمامهن وعزم من هناك على الذهاب لفتح ممالك الخطأ وكان الفصل شتاء فتوفي في التاريخ المتقدم.
كيفية وفاة تيمور
عن المنهل الصافي أنه خرج من سمرقند في رجب سنة 807 قاصدا بلاد الصين والخطا وقد اشتد البرد حتى نزل على سيحون وهو جامد فعبره ومر سائرا واشتد عليه وعلى من معه الرياح والثلج وهلكت دوابهم وتساقط الناس هلكى. وهو مع ذلك يجد في السير. فلما وصل إلى مدينة اترار أمر إن تستعمل له أدوية حارة لدفع البرد فاثرت حرارة ذلك في كبده وأمعائه حتى ضعف بدنه وهو يتجلد ويسير السير السريع واطباؤه يعالجونه بتدبير مزاجه إلى إن صاروا يضعون الثلج على بطنه لعظم ما به من التلهب. وهو مطروح مدة ثلاثة أيام وصار يضطرب ولونه يحمر إلى إن مات بالتاريخ المتقدم وهو نازل بضواحي أترار. ولم يكن معه من أولاده سوى حفيده خليل بن ميران أو أميران شاه ابن تيمور. فملك خزائن جده وتسلطن وعاد إلى سمرقند برمة جده إلى إن دفنه على حفيده محمد سلطان ابن جهانكير بن تيمور بمدرسته. وعلق بقبته قناديل الذهب من جملتها قنديل زنته عشرة أرطال دمشقية. وتقصد تربته بالنذور للتبرك من البلاد البعيدة. وإذا مر على هذه المدرسة أمير أو جليل خضع ونزل عن فرسه اجلالا لقبره لما له في صدورهم من الهيبة. وفي البدر الطالع مات وهو متوجه لأخذ بلاد الخطأ بسبب ثلوج نزلت مع شدة برد. وكان لا يسافر في أيام الشتاء فلما أراد الله هلاكه قوى عزمه على هذا السفر ولم يكن معه من بنيه وأحفاده سوى حفيده خليل بن ميران شاه ابن تيمور فاتفق رأيهم على استقرار خليل المذكور في السلطنة مع كون أبيه وعمه موجودين. وبذل لهم أموالا عظيمة ورجع إلى بلاده سمرقند فإنها كانت كرسي مملكة تيمور فلما قرب منا تلقاه من بها وعليهم ثياب الحداد وهم يبكون وجثة تيمور في تابوت آبنوس وجميع الملوك والأمراء مشاة مكشوفة رؤوسهم وعليهم ثياب الحداد حتى دفنوه وأقاموا عليه العزاء أياما (انتهى).
أولاده
في التاريخ الفارسي أربعة أولاد أولهم غياث الدين جهانكير توفي في سمرقند في أوائل سلطنة أبيه سنة 776 وولد له ولدان الأول محمد سلطان الذي كان قد جعله الأمير تيمور ولي عهده، وتوفي في 17 شعبان سنة 805 بعد فتح الروم في سور قلعة الروم والثاني بير محمد جعله ولي عهده بعد موت أخيه ووصي له بالسلطنة في مرض موته ووصىالأمراء الذين كانوا معه بإطاعته وكان حاكم غزنة في ذلك الوقت، وقتل في 14 رمضان سنة 809 بيد أحد أمرائه بير علي، ثانيهم معز الدين عمر شيخ الذي كان حاكم بلاد فارس أصابه سهم في حياة أبيه تحت قلعة جورباي فمات سنة 796، فأقام تيمور مقامه ابنه بير محمد بن عمر شيخ، ثالثهم جلال الدين ميران شاه، أعطاه أبوه العراقين وديار بكر إلى حدود الروم والشام، قتل في حرب له مع قرا يوسف في آذربايجان بعد وفاة أبيه سنة 810، رابعهم معين الدين شاهرخ (انتهى) ويأتي ذكر كل منهم في محله إن شاء الله تعالى، وفي شذرات الذهب خلف من الأولاد ميران شاه، والقان معين الدين شاهرخ صاحب هراة، وبنتا يقال لها سلطان بخت وعدة أحفاد (انتهى).
وبعد كتابة ما تقدم وطبعه عثرنا على كتاب في سيرة تيمور لنك تأليف الكاتب الانكليزي هارولد لامب وتعريب عمر أبو النصر مع زيادات من المعرب فوجدنا فيه ما يصلح إن يكون استدراكا على ما مر، فأثبتناه هنا مع اختصار.
صفته وبعض سيرته
كان تيمور في شبابه قوي العضل قوي الجسم كبير الرأس منبسط الأعضاء واسع العينين تظهر فيهما الصرامة والقوة، وكان هادئ الحديث هادئ التفكير قوي الحجة. يضم إلى ذلك كله شدة وقوة عجيبتين وكان في إمارته يحب الشجعان وينعم عليهم وما برح أميرا لم يلقب نفسه بألقاب الملك بل كان يكتفي بلقبه الأول لا يبدله بسواه وكان تيمور إذا سافر يحمل معه خيمتين إحداهما تتقدمه والأخرى تبقى معه فكلما وصل منزلا وجد خيمة جاهزة فينزل فيها ويقف حرسه المؤلف من اثنى عشر ألف جندي حولها.
أول زوجة تزوجها
اسمها الجي كان آغا ولما ماتت حزن عليها حزنا شديدا. وما يقوله بعض المؤرخين من أنه قتلها انتقاما من معاملة أخيها الأمير حسين له كما مر نقله لا يؤيده الواقع لأن تيمور كان يحبها حبا جما وقد أحزنه موتها حزنا شديدا.
اهتمامه بطرق المواصلات وبالبريد
اهتم تيمور بطرق المواصلات فعمر الجسور وأنشأ الطرق وأقام فيها حراسا وخيولا وكانت الرسل ترد عليه بكثرة من مختلف المدن بالأخبار وكلها صحيحة فلا يجسر أحد على إرسال خبر مكذوب أو مغلوط فان جزاء ذلك الموت.
فتحه البلاد الروسية
لما نشا تيمور كانت المملكة المغولية في فجرها وعظمتها وهي مؤلفة من طوائف شتى المغول والروس والتتار والترك والأرمن وغيرهم، وكان أهلها يحكمون الأمراء الروس دون إن يقيموا بينهم، أما عاصمتهم فكانت تسمى ساري وهي واقعة على نهر الفولكافي قلب البلاد الروسية المعروفة عندنا اليوم، وكانوا يسيطرون على السياسة الأوروبية الشرقية في عهدهم، حتى أن جيشا منهم في الماضي تقدم إلى بولونيا نفسها، وكان يأتي إلى بلادهم كثير من تجار فينيس وإيطاليا وغيرهم.
قهره توكتاميش في قلب بلاد الروس
مر عن التاريخ الفارسي إن توقتاميش أو توكتاميش كفر نعمة تيمور وحاربه مع أنه كان هو السبب في رجوعه إلى ملكه ولم يبين تفصيل هذا الإجمال ولا بينه غيره ممن مر ذكره، وقد بينه صاحب كتاب تيمور لنك المقدم ذكره فقال هرب توكتاميش أحد أمراء بلاد القرم إلى بلاد تيمور وكان من إتباع الخان أورس الذي كان يحكم ساري. فأرسل الخان يطلبه من تيمور. وكان قتل ابن أحد كبارهم وان لم يسلمه حاربه. فأبى تيمور إن يسلمه. ثم مات الخان وأخذ توكتاميش يطالب بالعرش وأعانه تيمور حتى جلس على العرش بعد ما كان طريدا. ثم كفر النعمة وحدثته نفسه بالاستيلاء على سمرقند. فهاجم حدود تيمور. وكان تيمور في جهات خراسان. فلما بلغه الخبر أسرع إلى ملاقاة توكتاميش. وكان ابنه عمر شيخ يحارب توكتاميش. فلما أبلغ توكتاميش قدوم تيمور أسرع إلى بلاده بعد إن خرب في طريقه كثيرا من المدن والمزارع. وكان ابن تيمور الأكبر قد تزوج خان زاده ابنة ملك كيفا فتوفي. وأثار أنسباء خان زاده بعض الفتن في جهات كيفا فذهب تيمور لإصلاح الحال. وعاد توكتاميش بجيش عظيم نحو مملكة تيمور. ولم يكن مع تيمور سوى عدد قليل من جيشه. لأن معظم الجيش كان يحارب الثوار في جهات كيفا وغيرها. فأشار على تيمور قواده ونصحاؤه بالذهب إلى سمرقند لجمع الجيش والعود إلى قتال توكتاميش. فلم يقبل. وتقدم بجنده القليل نحو جند توكتاميش وراح يدور خلفه ليوهمه إن هناك مددا عظيما قادما إليه من وجهه. فرجع توكتاميش إلى بلاده. وعاد تيمور بجنده إلى جهات كيفا وأرجانج فاستباحها وأعمل فيها السيف والنار ونقل من بقي من سكانها إلى سمرقند، وحارب الجاتية من المغول الذين كانوا قد رفعوا علم الثورة فأجلاهم عن البلاد إلى ما وراء الجبال. ولما (انتهى) من توطيد السلام في مملكته عاد إلى مهاجمة توكتاميش. وكان الوصول لتلك البلاد فيه مشقة عظيمة وصعوبة شديدة. فان نابليون لما غزا بلاد الروس بعد أربعمائة سنة من هذا العهد تمكن من الاستيلاء على موسكو ولكنه فقد أكثر جيشه الكبير فقد كان من المستحيل على جيش مهما كثر عدده وعدده إن يدوخ بلاد الروس ويخرج سالما لوعورة الأرض وصعوبة المفاوز وقلة الأقوات وبعد الشقة وكثرة الثلوج. والقيصر بطرس الأكبر أرسل جيشا إلى الجنوب سنة 1716 م لمحاربة سكان كيفا وبعض التركمان وكان طريقه على هذه البلاد التي يقيم فيها توكتاميش. فهلك فيها الجنرال الروسي البرنس بكوتوفيتش مع أكثر جنده وأخذ الباقون أسارى. وكذلك كان مصير جيش آخر بعد سنة من هذه الرحلة وقد هلك أكثره ومات عشرة آلاف جمل ومثلها من خيل عربات الزحف ونقل الذخائر. فتقدم تيمور من خصمه بشئ كثير من الحذر. وانتقل من حصن إلى حصن من الحصون القائمة على الحدود حتى اضطرته الثلوج إلى انتظار انتهاء فصل الشتاء فجاءته رسل توكتاميش بالهدايا وطلب الصلح والاعتذار عن الخطأ الذي وقع منه. فقال لهم تيمور إن أميركم لما جاءني هاربا ساعدته بالرجال والمال على الخان وأرسلت معه جنودي ليجلس على العرش وقد هلك بعضهم بسبب ذلك فلما قوي تناسى خدماتي له واقتحم بلادي يهدم مدنها ويقتل أهلها ثم أرسل جيشا ثانيا لمحاربتي. فلما تقدمت نحوه أرسل يطلب الصلح. فأنا لا أثق بعهوده فإن كان يريد الصلح حقا فليرسل وزيره علي بك للاتفاق معه. فلم يأت علي بك فتقدم تيمور بجنده بعد إن أرسل نساءه إلى سمرقند مع جند للمحافظة عليهن. ومشى تيمور وجنده على الثلج حتى وصلوا إلى بلاد يسميها ابن بطوطة بلاد الأشباح لأن أهلها لا يظهرون إلا في الليل، وأغرب من ذلك إن الجيش لم يلاق في طريقه إنسانا حتى الآن، وأرسل تيمور ابنه عمر شيخ مع عشرين ألفا للاستكشاف فأخبروا أنهم عثروا بالقرب من نهر كبير على آثار نار، مما يدل على إن بعض جيش العدو كان هناك فأسرع تيمور إلى ذلك المكان وأرسل بعض عيونه، فقبض على فارس فسأله تيمور فقال أنه لا يعرف شيئا عن توكتاميش إلا أنه رأى عشرة فرسان يسيرون نحو الغرب، فأرسل فقبض عليهم فذكروا إن توكتاميش يبعد عن المكان الذي فيه تيمور مسيرة أسبوع، قال وليس بمقدور المؤرخ إن يصف هذا الجري السريع الذي كان تيمور يدفع رجاله إليه فقد كان فوق الطبيعة وفوق قوة الإنسان في هذه الأصقاع النائية وهو يقود مائة ألف جندي، وأن حاجة هذا الجند الكثير إلى الغذاء والماء، لم تكن من الأمور التي يسهل الحصول عليها في مثل هذه البلاد المنقطعة، وكان تيمور يمنع جيشه من إشعال النار ليلا لئلا يعلم به عدوه حتى سار في هذه البلاد نحو خمسة أشهر وقطع 1800 ميل حتى التقى الجيشان واقتتلا إلى إن انهزم توكتاميش وغنم تيمور منه غنائم عظيمة وعاد إلى سمرقند بعد غياب ثمانية أشهر. ثم إن توكتاميش انتقض عليه مرة أخرى، فرجع إليه تيمور فكسره واحرق عاصمته ساري واتجه إلى موسكو ولكنه لم يدخلها، وأحرق مدينة دون، ومات ابنه عمر شيخ فقال لقد أعطاني الله إياه ثم أخذه مني.
تنبيه - مر في هذه الترجمة: ميسنون -عن خطط الشام- ووجدناها في مجلة الرسالة قد ضبطت ميسلون بفتح اللام -والناس يلفظونها ميسلون بضم اللام، ولم يتيسر لنا معرفة الصواب من ذلك، ولم تذكر في معجم البلدان، ولعل ما في الخطط من سهو الطابع.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 3- ص: 648