التصنيفات

أبو نصر بشر بن الحارث بن عبد الرحمن ابن عطاء بن هلال بن ماهان ابن عبد الله المروزي المعروف بالحافي قال ابن خلكان كان اسم عبد الله بعبور وأسلم على يد علي بن أبي طالب.
ولد سنة وتوفي ربيع الآخر وقيل يوم الأربعاء عاشر المحرم وقيل في رمضان سنة 226 وقيل 227 ببغداد وقيل بمرو ذكر ذلك ابن خلكان. وفي مجالس المؤمنين قيل أنه توفي في بغداد وقيل في ششتر ويوجد في قصبة دلشاي من أعمال ششتر قبر منسوب إليه يزوره الناس (انتهى).
سبب تلقيبه بالحافي
في وفيات الأعيان إنما لقب بالحافي لأنه جاء إلى إسكاف يطلب منه شسعا لإحدى نعليه وكان قد انقطع فقال له الإسكاف ما أكثر كلفتكم على الناس! فألقى النعل من يده والأخرى من رجله وحلف لا يلبس نعلا بعدها. ويحكى أنه أتى باب المعافى بن عمران فدق عليه الحلقة فقيل من؟ فقال بشر الحافي! فقالت بنت من داخل الدار لو اشتريت نعلا بدانقين لذهب عنك اسم الحافي وفي شذرات الذهب قول ثالث وهو أنه كان في حداثته يطلب العلم ويمشي في طلبه حافيا حتى اشتهر بهذا الاسم قال مسعر من طلب الحديث فليتقشف وليمش حافيا وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من أغبرت قدماه في سبيل الله حرمها الله على النار فرأى بشر إن طالب العلم يمشي في سبيل الله فأحب تعميم قدميه بالغبار (انتهى) ويأتي وجهه آخر في سبب تلقيبه بالحافي.
أقوال العلماء فيه
في حلية الأولياء ومنهم من حباه الحق بجزيل الفواتح وحماه عن وبيل الفوادح أبو نصر بشر بن الحارث الحافي المكتفي بكفاية الكافي اكتفى فاشتفى، وقيل إن التصوف الاكتفاء للاعتلاء والاشتفاء من الابتلاء (انتهى) وقال ابن خلكان أحد رجال الطريقة كان من كبار الصالحين وأعيان الأتقياء المتورعين.
وفي الشذرات عن ابن حبان في الثقات أخباره وشمائله في التقشف وخفي الورع أشهر من إن يحتاج إلى الإغراق في وصفها وكان ثوري المذهب في الفقه جميعا (انتهى).
وفي تاريخ بغداد للخطيب هو ابن عم علي بن خشرم كان ممن فاق أهل عصره في الورع والزهد وتفرد بوفور العقل وأنواع الفضل وحسن الطريقة واستقامة المذهب وعزوف النفس وإسقاط التكلف والفضول.
وفي تاريخ بغداد عن إبراهيم الحربي ما أخرجت بغداد أتم عقلا ولا أحفظ للسانه من بشر بن الحارث كان في كل شعرة منه عقل وطئ الناس عقبه خمسين سنة ما عرف له غيبة لمسلم لو قسم عقله على أهل بغداد صاروا عقلاء وما نقض من عقله شيء.
تشيعه
في مجالس المؤمنين كان في أول أمره يشتغل بالملاهي والمناهي ثم وفقه الله تعالى فتاب على يد الإمام موسى الكاظم عليه السلام ففي كتاب منهاج الكرامة إن الكاظم عليه السلام اجتاز على باب دار بشر فسمع منها الغناء واللهو ورأى على باب الدار جارية فقال لها أيتها الجارية مولاك حر أو عبد فقالت حر فقال لها صدقت لو كان مولاك عبدا لعمل بمقتضى العبودية وخاف الله تعالى فذهبت الجارية إلى داخل الدار وأخبرت بشر بذلك، فاثر فيه هذا الكلام وكان سبب هدايته، وخرج حافيا إلى خارج الدار وجعل يركض خلف الإمام حتى وصل إليه فوقع على قدميه وتاب على يده وأناب وبقي حافيا طول عمره. ثم قال حيث أن بشرا ظاهر الانتساب إلى أئمة أهل البيت عليه السلام كان متهما بالرفض عند صاحب النفحات ولم يزد في أخباره على أربعة أسطر تعصبا منه (انتهى).
أخباره
قال ابن خلكان أصله من مرو من قرية من قراها يقال لها ماترسام وسكن بغداد وكان من أولاد الرؤساء والكتاب وسبب توبته أنه أصاب في الطريق ورقة مكتوبا فيها اسم الله تعالى وقد وطئتها الأقدام فأخذها واشترى بدراهم كانت معه غالية فطيب بها الورقة وجعلها في شق حائط فرأى في النوم كان قائلا يقول له يا بشر طيبت اسمي لأطيبن اسمك في الدنيا والآخرة وقيل لبشر بأي شيء تأكل الخبز؟ قال أذكر اسم العافية فاجعلها أداما (انتهى) وفي حلية الأولياء بسنده عن محمد بن الصلت قال سمعت بشر بن الحارث وسئل ما كان بدء أمرك لأن اسمك بين الناس كأنه اسم نبي قال هذا من فضل الله وما أقول لكم كنت رجلا عيارا صاحب عصبة فجزت يوما فإذا أنا بقرطاس في الطريق فرفعته فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم فمسحته وجعلته في جيبي وكان عندي درهمان ما كنت أملك غيرهما، فذهبت إلى العطارين فاشتريت بهما غالية ومسحته في القرطاس فنمت تلك الليلة فرأيت في المنام كان قائلا يقول لي يا بشر بن الحارث رفعت اسمنا عن الطريق وطيبته لأطيبن اسمك في الدنيا والآخرة. وبسنده عن سفيان بن محمد المصيصي قال رأيت بشر بن الحارث في النوم فقلت ما فعل الله بك؟ قال غفر لي وأباح لي نصف الجنة وقال لي يا بشر لو سجدت على الجمر ما أديت شكر ما جعلت لك في قلوب عبادي. وفي الشذرات عن ابن الجوزي لم يملك بشر ببغداد ملكا قط وكان لا يأكل من غلة بغداد ورعا لأنها من أرض السواد التي لم تقسم ولم يعرف النساء قيل له لم لا تتزوج قال لو أظلني زمان عمر كنت أتزوج وقيل له لو تزوجت ثم نسكك قال أخاف إن تقوم بحقي ولا أقوم بحقها قال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} وكان يعمل المغازل ويعيش منها حتى مات وكان لا يقبل من أحد شيئا عطية أو هدية سوى رجل من أصحابه ربما قبل منه وقال لو علمت إن أحدا يعطي لله لأخذت منه ولكن يعطي بالليل ويتحدث بالنهار (انتهى) وفي تاريخ بغداد عن علي بن خشرم كان بشر يتفتى في أول أمره وقد جرح وبسنده عن بشر دخلت على حماد بن زيد فرأيت في بيته بساطا ما أعجبني. ما هكذا يكون العلماء. وبسنده جاءه يوما أصحاب الحديث فقال ما هذا الذي أرى معكم قالوا يا أبا نصر نطلب هذه العلوم لعل الله ينفع بها يوما قال قد علمتم أنه يجب عليكم فيها زكاة كما يجب على أحدكم إذا ملك مائتي درهم خمسة دراهم فكذلك يجب على أحدكم إذا سمع مائتي حديث إن يعمل منها بخمسة أحاديث وإلا فانظروا أيش يكون هذا عليكم غدا.
مشايخه
ذكر أبو نعيم في الحلية، إن بشرا أسند عن أعلام من الرواة مع كراهيته للرواية ورغبته عنها. ثم ذكر جملة من الروايات التي رواها بشر وقال ابن خلكان روى عنه السري السقطي وجماعة من الصالحين (انتهى).
وفي تاريخ بغداد سمع إبراهيم بن سعد الزهري. وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وحماد بن زيد. وشريك بن عبد الله. والمعافى بن عمران الموصلي. وعبد الله بن المبارك. وعلي بن مسهر. وعيسى بن يونس. وعبد الله بن داود الخريبي. وأبا معاوية الضرير. وزيد بن أبي الورقاء.
تلاميذه
قال روى عنه نعيم بن الهيضم. وابنه محمد بن نعيم. وإبراهيم بن هاشم بن مشكان. ونصر بن منصور البزاز. ومحمد بن المثنى السمسار. وسري السقطي. وإبراهيم بن هانئ النيسابوري. وعمر بن موسى الجلاد وغيرهم.
ما نقل عنه من المواعظ والحكم
في حلية الأولياء بأسانيده عن بشر الحافي أنه كان يقول أدوا زكاة الحديث واستعملوا من كل مائة حديث خمسة أحاديث وقال هذا العلم ينبغي إن يعمل به فإن لم يعمل به كله فمن كل مائتين خمسة مثل زكاة الدراهم. وقال ينبغي إن لا يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر إلا من يصبر على الأذى. وقال من سأل الله تعالى الدنيا فإنما يسأله طول الوقوف. وقيل له مات فلان قال وجمع الدنيا وذهب إلى الآخرة ضيع نفسه. قيل له أنه كان يفعل ويفعل وذكر أبوابا من أبواب البر فقال ما ينفع هذا وهو يجمع الدنيا. وقال عز المؤمن استغناؤه عن الناس وشرفه قيامه في الليل. وقال من هوان الدنيا على الله عز وجل إن جعل بيته وعرا. وقال الصدقة أفضل من الحج والعمرة والجهاد ذاك يركب ويرجع ويراه الناس وهذا يعطي سرا لا يراه إلا الله عز وجل. وقال ليس العاقل الذي يعرف الخير والشر إنما العاقل الذي إذا رأى الخير اتبعه وإذا رأى الشر اجتنبه. وقال له رجل عظني قال انظر خبزك من أين هو ولا تعرض للنار. وسأله رجل عن النبيذ فقال قد ضاق علي الماء فكيف أتكلم في النبيذ. وذكر العلم وطلبه فقال إذا لم يعمل به فتركه أفضل والعلم هو العمل وقد صار إلى قوم يأكلون به. وقال ما خلف رجل في بيته خيرا من ركعتين يصليهما. وقال الصبر هو الصمت والصمت من الصبر ولا يكون المتكلم أورع من الصامت إلا رجل عالم يتكلم في موضعه ويسكت في موضعه. وقال حب لقاء الناس حب الدنيا وترك لقاء الناس ترك الدنيا. وقال لا أعلم رجلا أحب إن يعرف إلا ذهب دينه وافتضح. وقال لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب إن يعرفه الناس. وسئل عمن يغتاب الناس أيكون عدلا؟ قال لا إذا كان مشهورا بذلك فهو الوضيع. وقال لا تعط شيئا لمخافة ملامة الناس. وقال من جلس والأقداح تدور لا تقبل شهادته. وقال، اكتم حسناتك كما تكتم سيئاتك. وقال في جنازة أخته إن العبد إذا قصر في طاعة الله سلبه من يؤنسه. وقال ما اتقى الله من أحب الشهرة. وقال لقي حكيم حكيما فقال أحدهما لصاحبه لا يراك الله عندما نهاك ولا يفقدك عندما أمرك. وقال لا تعمل لتذكر ورد لله ما يريد. وقال إذا أعجبك الكلام فاصمت وإذا أعجبك الصمت فتكلم. وقال إذا ذكرت الموت ذهب عنك صفوة الدنيا وشهواتها. وقال إنما يراد من العلم العمل استمع وتعلم واعمل وعلم وعلم واهرب. وقال إن لم تعمل فلا تعص. وقال من عامل الله بالصدق استوحش من الناس. وسأله رجل إن يدعو لابنه فقال دعاؤك له أبلغ دعاء الوالد لولده كدعاء النبي لأمته. وقال ليس أحد يحب الدنيا إلا لم يحب الموت وليس أحد يزهد في الدنيا إلا أحب الموت حتى يلقى مولاه. وقال العجب إن تستكثر عملك وتستقل عمل الناس أو عمل غيرك. وكان بباب حرب في بغداد وأود الدخول إلى المقبرة فقال الموتى داخل السور أكثر منهم خارج السور. وقال لا تسال عن مسائل تعرف بها عيوب الناس لا تقع في ألسنة الناس إذا سالت عن مسالة فاعمل فإن لم تطق فاستعن بالله. وقال النظر إلى من تكره حمى باطنة. وقال النظر إلى الأحمق سخنة عين والنظر إلى البخيل يقسي القلب ومن لم يحتمل الغم والأذى لم يقدر إن يدخل فيما بحب. وقال خصلتان تقسيان القلب وكثرة الأكل. وقال قل لمن طلب الدنيا يتهيأ للذل. وقال لا تكون كاملا حتى يأمنك عدوك وكيف تكون خيرا وصديقك لا يأمنك. وقال لا يجد العبد حلاوة العبادة حتى يجعل بينه وبين الشهوات حائطا من حديد. وقال الدعاء كفارة الذنوب. وقال لو سقطت قلنسوة من السماء ما سقطت إلا على رأس من لا يريدها (انتهى).
قال ابن خلكان ومن دعائه اللهم إن كنت شهرتني في الدنيا لتفضحني في الآخرة فاسلبه عني. ومن كلامه عقوبة العالم في الدنيا إن يعمى بصر قلبه.
وفي تاريخ بغداد كتب إليه رجل يطلب منه حديث أم زرع فكتب إليه هل عملت بما عندك حتى تطلب ما ليس عندك. وفي الشذرات عن ابن الجوزي قال لابن أخته عمر يا بني اعمل فان أثره في الكفين أحسن من أثر السجدة بين العينين وقال ليس شيء من أعمال البر أحب إلي من السخاء ولا أبغض إلي من الضيق وسوء الخلق وقال إذا قل عمل العبد ابتلي بالهم. وقال ما من أحد خالط لحمه ودمه ومشاشه حب النبي صلى الله عليه وسلم فيرى النار وقال كانوا لا يأكلون تلذذا ولا يلبسون تنعما وهذا طريق الآخرة والأنبياء والصالحين فمن زعم إن الأمر غير هذا فهو مفتون. وقال الفكرة في أمر الآخرة تقطع حب الدنيا وتذهب شهواتها (انتهى).
كراهته التحديث
في تاريخ بغداد كان كثير الحديث إلا أنه لم ينصب نفسه للرواية وكان يكرهها ودفن كتبه لأجل ذلك وكل ما سمع منه فإنما هو على سبيل المذاكرة. وبسنده أخذ بشر بيد عبيد الوراق وقد قال عبيد حدثنا فقال يا عبيد احذر حدثنا فان لحدثنا حلاوة وقد قلت حدثنا وكتب عنك فكان ماذا. وبسنده قيل لبشر لم لا تحدث قال أنا أشتهي إن احدث وإذا اشتهيت شيئا تركته. وبسنده سمع بشر يقول ليس الحديث من عدة الموت فقيل قد خرجت إلى أبي نعيم فقال أتوب إلى الله من ذهابي وقال بشر لو إن رجلا كان عندي في مثال سفيان ومعافى ثم جلس اليوم يحدث ونصب نفسه لانتقص عندي نقصانا شديدا وقال أني وان أذنت للرجل وهو يحدث فإنه عندي قبل إن يحدث أفضل كثيرا من كائن من الناس وإنما الحديث اليوم طرق من طلب الدنيا ولذة وما أدري كيف يسلم صاحبه وكيف يسلم من يحفظه لأي شيء يحفظه وإني لأدعو الله إن يذهب به من قلبي ويذهب وإن لي كتبا كثيرة قد ذهبت، وما هو من سلاح الآخرة ولا من عدد الموت وقال إبراهيم بن هاشم دفنا لبشر بن الحارث ثمانية عشر ما بين قمطر وقوصرة يعني حديثا وسئل عن حديث فقال اتق الله فان كنت تريده للدنيا فلا ترده وان كنت تريده للآخرة فقد سمعت. وقال ربما وقع في يدي الشيء أريد إن أخرجه فلا يصح لي يعني من الحديث وقال ليس ينبغي لأحد إن يحدث حتى يصح له فمن زعم أنه قد صحح قلنا أنت ضعيف وقال لا اعلم شيئا أفضل منه إذا أريد به الله يعني طلب العلم (انتهى) ويفهم من ذلك إن كراهته التحديث لأن طالبي الحديث لا يقصدون به وجه الله بل يقصدون به الدنيا والرياسة والتصدر في المجالس وإلا فهو من نشر العلم الذي اعترف بأنه لا شيء أفضل منه ولأن المحدثين يحدثون بما صح وبما لم يصح ودفنه كتبه يحمل على أنه لم يعلم صحة ما فيها أو علم بطلانه ويدل على ما قلنا إن أهل الحديث قالوا له حدثنا فأنشأ يقول:

ما أنشده بشر من الأشعار
أنشد بشر:
وأنشد بشر أيضا:
وأنشد بشر أيضا:
ورأى بشر رجلا وهو يرتعد من البرد فنظر إليه فقال
وفي تاريخ بغداد بسنده سئل بشر عن القناعة فقال لو لم يكن في القناعة شيء إلا التمتع بعز الغنى لكان ذلك يجزي ثم أنشأ يقول
ثم قال مروءة القناعة أشرف من مروءة البذل والعطاء وبسنده عن أحمد بن مسكين خرجت في طلب بشر بن الحارث فإذا به جالس وحده فلما رآني مقبلا خط بيده على الحائط وولى فأتيت موضعه فإذا هو قد خط بيده
وسمعه بعضهم يقول:
أخوات بشر
قال ابن خلكان كان لبشر ثلاث أخوات مضغة ومخة وزبدة وكن زاهدات عابدات ورعات وأكبرهن مضغة ماتت في حياته فحزن عليها حزنا شديدا وبكى بكاء كثيرا فقيل له في ذلك فقال قرأت في بعض الكتب إن العبد إذا قصر في خدمة ربه سلبه أنيسه وهذه أختي كانت أنيستي في الدنيا. ودخلت امرأة على أحمد بن حنبل فقالت له يا أبا عبد الله أني امرأة أغزل في الليل على ضوء السراج وربما طفئ السراج فأغزل على ضوء القمر فهل علي إن أبين غزل السراج من غزل القمر؟ فقال لها إن كان عندك بينهما فرق فعليك إن تبيني ذلك فقالت له يا أبا عبد الله أنين المريض هل هو شكوى فقال لها أني أرجو إن لا يكون شكوى ولكن هو اشتكاء إلى الله تعالى ثم انصرفت فقال لأبيه ما سمعت إنسانا قط يسال عن مثل ما سالت هذه المرأة أتبعها قال فتبعتها إلى إن دخلت دار بشر الحافي فعرفت أنها أخته فأخبرت أبي فقال محال إن تكون هذه المرأة إلا أخت بشر الحافي (انتهى).

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 3- ص: 578

الحافي بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء، أبو نصر المروزي، ثم البغدادي، الزاهد الكبير المعروف ببشر الحافي؛ هو ابن عم علي بن خشرم المحدث. سمع إبراهيم بن سعد وحماد بن زيد وأبا الأحوص ومالكا وشريكا والفضيل بن عياض، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وخالد بن عبد الله الطحان، وعبد الله بن المبارك. وكان عديم النظير زاهدا وورعا وصلاحا، كثير الحديث، إلا أنه كان يكره الرواية، ويخاف من شهوة النفس، ويقول: أكره التحدث لأن نفسي تريد أن أتحدث. قال: شاطر سخي أحب إلى الله من صوفي بخيل. وقال: إذا أعجبك الكلام، فاصمت، وإذا أعجبك الصمت فتكلم. رآه بعض الفقراء في منامه بعد موته فقال له: ما فعل الله بك. قال: غفر لي ولكل من تبع جنازتي ولكل من أحبني إلى يوم القيامة. توفي قبل المعتصم بستة أيام، سنة سبع وعشرين ومائتين، وله خمس وسبعون سنة، وكان من أولاد الرؤساء والكتاب. وسبب توبته أنه أصاب في الطريق ورقة مكتوب فيها بسم الله وقد وطئتها الأقدام، فأخذها واشترى بدراهم، كانت معه غالية، وطيب الورقة، وجعلها في شق حائط، فرأى في النوم كأن قائلا يقول له: يا بشر، طيبت اسمي، لأطيبن اسمك في الدنيا والآخرة، فلما انتبه من نومه، تاب. ويحكى أنه أتى باب المعافى بن عمران فدق عليه الحلقة، فقيل: من فقال: بشر الحافي، فقالت له بنت من داخل الدار: لو اشتريت نعلا بدانقين لذهب عنك اسم الحافي. وإنما لقب الحافي لأنه جاء إلى إسكاف يطلب منه شسعا لأحد نعليه، فقال له الإسكافي: ما أكثر كلفتكم على الناس! فألقى النعل من يده والأخرى من رجله، وحلف لا يلبس نعلا بعدها. وقيل له: بأي شيء تأكل الخبز؟ فقال: أذكر العافية فأجعلها إدما. وقال بعضهم: أذكر العافية فأجعلها إدما. وقال بعضهم: سمعت بشرا يقول لأصحاب الحديث: أدوا زكاة هذا الحديث، فقالوا: وما زكاته؟ فقال: اعملوا من كل مائتي حديث بخمسة أحاديث. وكان له ثلاث أخوات وهن مضغة ومخة وزبدة، وكن زاهدات عابدات، وأكبرهن مضغة، فماتت قبل أخيها بشر، فحزن عليها حزنا عظيما وبكى بكاء كثيرا، فقيل له في ذلك، فقال: قرأت في بعض الكتب، أن العبد إذا قصر في خدمة ربه سلبه أنيسه، وهذه أختي كانت أنيستي في الدنيا. وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: دخلت امرأة على أبي فقالت له: يا عبد الله، إني امرأة أغزل في الليل على ضوء السراج وربما طفئ السراج فأغزل على ضوء القمر، فهل علي أن أبين غزل السراج من غزل القمر؟، فقال لها أبي: إن كان عندك فرق بينهما، فعليك أن تبيني ذلك؛ فقالت له: يا أبا عبد الله، أنين المريض هل هو شكوى؟ فقال لها أبي: أرجو أن لا يكون شكوى، ولكن هو اشتكاء إلى الله تعالى. ثم انصرفت، فقال لي أبي: يا بني ما سمعت إنسانا قط يسألني عن مثل ما سألت هذه المرأة، اتبعها. قال عبد الله: فتبعتها إلى أن دخلت دار بشر الحافي، فعلمت أن المرأة أخت بشر الحافي، وقال بشر الحافي: تعلمت الورع من أختي، فإنها كانت تجتهد أن لا تأكل ما لمخلوق فيه صنع. وأخرجت جنازته بعد صلاة الصبح في نهار صائف، فما استقر في قبره إلى العتمة؛ وكان ابن المديني وأبو نصر التمار يصيحان في الجنازة هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة. ورويت له المنامات الصالحة، وآثاره وأخباره كثيرة في رسالة القشيري وفي تاريخ ابن عساكر وغيره.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 10- ص: 0