الشيخ بشارة بن عبد الرحمن الخيقاني الغروي النجفي والد صاحب نشوة السلافة الشيخ محمد علي بن بشارة. (الخيقاني) نسبة إلى خيقان قبيلة عراقية.
ذكره ولده في نشوة السلافة فقال هو في سماء البلاغة والفصاحة بدر فكم ظهر لأمراء الكلام من بيانه سحر، قال نادرة الزمان السيد علي خان معرفا في السلافة الكبرى بما هو أحق به وأحرى هو شيخ المشائخ الجلة والرافل من حلل الكمال بأشرف حلة تستنشق من روض نظمه نفحات نجد وتشم من أزاهيره ارج عراروند ورد علينا البلاد الهندية ومدحنا بأشعاره السنية فهو صديقنا الصدوق ذو الفضائل التي ترق وتروق (انتهى) فمن شعره قوله يمدح السيد المذكور
أنعم صباحا أخا العلياء بشراكا | فكوكب السعد بالإقبال وافاكا |
فأنت بدر كمال لا أفول له | والنور لا زال يبدو من محياكا |
أضحيت للعلم بحرا إذ أحطت به | خبرا فأهديتنا حقا بفتواكا |
رفعت بيت العلى والمجد إذ وطئت | أعلى السهى في بناء البيت نعلاكا |
فصرت سلطان أهل الفضل أجمعهم | والكل منهم إذا خاطبت لباكا |
كفاك فخرا إذا فوخرت في شرف | بأن أحمد والكرار جداكا |
فدم مليك المعالي والحقيق بها | علي قدر وعين الله ترعاكا |
ولا برحت بجنات وفي نعم | ما دمت في هذه الدنيا وأخراكا |
يا غائبا عن مربعي | فلانت في قلبي معي |
أنت المنى يا ساكنا | بالمنحنى من أضلعي |
نعم المخاطب أنت لي | أن كنت تسمع أو تعي |
لله أنت مخاطبا | إياك أعني واسمعي |
أبا حسن فدتك النفس أني | أتيت إليك منقادا ذليلا |
لقد البستني حلل الأيادي | وقد أسكنتني ظلا ظليلا |
وحسي في الورى فخرا باني | وغدوت بربعكم مولى نزيلا |
نظمت مباريا بيتيك جهلا | لأني رمت شيئا مستحيلا |
فشخصك لا أخال له شبيها | ونظمك لا أظن له مثيلا |
حباك الله ملكا لا يدانى | وزادك سيدي عمرا طويلا |
قال العواذل خد من أحببته | لاح العذار به فلا تتغزل |
فأجبتهم كفوا ولا تتكلموا | أني تركت حديثكم في معزل |
هذا ربيع قد بدا في روضة | فهواي فيه لا يزال ومنزلي |
يا حامل الرمح دعه | فالرمح يشبه قدك |
لم ذا تكلفت جهلا | في حمل ما كان عندك |
وجيش الهم في صدري مقيم | يبارزني على الخيل الجياد |
وجسمي من سقامي في نحول | وكأس الصبر مشروبي وزادي |
أبيت مفكرا في الأفق ليلا | تحارب مقلتي جيش الرقاد |
وما حزني على ما لم أنله | ولا حب لليلى أو سعاد |
ولكن الغري وساكنيه | أشبوا نار وجد في فؤادي |
ولا سيما كتاب قد أتاني | من المولى الكريم أبي الأيادي |
كتاب قد حوى درر المعاني | بألفاظ المحبة والوداد |
وينشدني به شعرا أنيقا | يناشد فيه أموات العباد |
(لقد أسمعت لو ناديت حيا | ولكن لا حياة لمن تنادي) |
صدقت بأنني ميت ولكن | كشفت الحال ما بين الأعادي |
ألم تعلم بان الجسم عندي | وان الروح في تلك البلاد |
وجسم لا تكون الروح فيه | جماد عند أرباب السداد |
فلا تعجب إذ ناديت جسما | ولم تسمع جوابا من جماد |
وما تركي جوابك عن ملال | فكن في العبد زين الاعتقاد |
ولكن ما ظننت قضاه سهلا | لعمرك دونه خرط القتاد |
فكم بعنا كلامنا واشترينا | فكان البيع في سوق الكساد |
فلما إن أتيت ركبت عيسا | معلمة على قطع البوادي |
وفارقت أصفهان وساكنيها | لعلمي إن في مكثي فسادي |
فهذا متن أحوالي أتاكم | ودون الشرح يقصر اجتهادي |
أنور الشمس أم بدر الكمال | تبدى أم سنا هند بدا لي |
وبرق لاح أم ذا ثغر هند | تبسم عن أقاح أو لآلي |
ومسك فاح أم هذا شذاها | أتتني فيه أنفاس الشمال |
نعم هند تبدت في خباها | تميس بحسن قد واعتدال |
بنور جبينها واللفظ تزري | لعمري بالغزالة والغزال |
وعم جبينها بالحسن خال | فدته النفس من عم وخال |
سهام لحاظها تدمي فؤادي | قبيل الجلد في السحر الحلال |
لها حكم على العشاق حتم | بسلطان الملاحة والجمال |
لئن نالت يداي الوصل منها | بضرب البيض والسمر العوالي |
وإلا فالغنى لي عن هواها | بسكان الغري ذوي المعالي |
رعى الله الغري وساكنيه | وإن أفتوا ملالا بالنوى لي |
لئن هم أبعدوني عن حماهم | فلست ودادهم يوما بسالي |
أكرر ذكرهم نظما ونثرا | فيحلو عند ذكرهم مقالي |
بباب النهر مرت لي ليال | حلالي العيش في تلك الليالي |
فكم من ليلة فيها جلسنا | مع الأحباب في روس الجبال |
وكم أيام سعد قد تقضت | لنا والقبة البيضا حيالي |
وكم في الروضة الخضرا سقينا | رياض الود من غيث الوصال |
فؤادي بالغرام أشب ناره | رشا بالخد أبدى جلناره |
أقول البدر ثم أقول كلا | فنور البدر منه قد استعاره |
غزاني في جيوش الحسن عمدا | وشن على فؤادي منه غاره |
فعاد وقلبي المضني أسير | له بالرغم إذ عدم اصطباره |
وصار يطيعه في كل أمر | وفوض نحوه فيه اختياره |
فلما إن تحكم بي هواه | وأضحى القلب مأواه وداره |
رماني في سهام الهجر ظلما | واحرمني الوصال مع الزيارة |
فما لي عن هواه من خلاص | خلا ركن العلاء ومستجاره |
وذا عبد المجيد أبو المعالي | فتى لا تذعر الأيام جاره |
فتى جداه قد فازا وحازا | بفضلهما الرسالة والوزاره |
ومن حاز الكمال وحاز فضلا | وكسب الجود قد أضحى شعاره |
فتى أضحى أمير الخلق طفلا | فأحسن في رعيته الاماره |
ألا يا أيها المولى أجرني | فإني طالب منك الإجاره |
أجرني من أناس ألجأوني | فان الحر تكفيه الإشارة |
غدا مولاك معتذرا إليهم | وهم لم يسمعوا منه اعتذاره |
يقولون الشعاب ازداد وردا | وأخرج في مشارعه بهاره |
وقد أجرى الحيا فيه دموعا | بها للورد قد ظهرت نضاره |
فقم يا ابن الحسين وسر إليه | بجيش الجود وانهب لي ذماره |
وسارع واسمحن لي في سؤالي | بقول لك البشارة يا بشارة |
فبذل المال في نيل المعالي | لعمر أبيك من خير التجارة |
ألا قل للنظام ابن الأماجد | كريم الأصل من أم ووالد |
علي شمس آفاق المعالي | وبدر الفضل مستوفي المحامد |
أبا حسن لانت كريم قوم | وبحر فواضل عذب الموارد |
فكيف نسبت من أصفاك مدحا | وقد أملته نيل المقاصد |
ومن شان الكريم وفاء وعد | ولا سيما لممتدح ووافد |
فإن واعدت يوما في جميل | فأنجزه وإلا لا تواعد |
واني قد مدحتك في قريض | غدا يسمو على الدرر الفرائد |
واني لاسم موصول لعمري | حري منك في صلة وعائد |
ألا أبلع نظام الدين عما | سأنظمه صريحا لا معمى |
فإني قد نظمت المدح فيه | وكان مديحه عندي نعما |
فواعد في صلات واصلات | وما أبصرتها كيفا وكما |
فكان كوعد عرقوب أخاه | بيثرب إذ به قدما ألما |
فلم ينتج لذاك الوعد شكل | وأعقب عقمة هما وغما |
فيا مستوفيا حمدا وشكرا | ستستوفي بخلف الوعد ذما |
فاني ذو لسان حيث أرضى | يرى شهدا وإلا كان سما |
فكم لي من قريض في مديح | وذم خص في الدنيا وعما |
فأنت مخير فيما تراه | بحالك لائقا أما وإما |
فان تنجز تكن معنى عليا | وإلا خالف الاسم المسمى |
لما مدحت نظاما | نظما وأديت حقه |
إذ خلته هاشميا | بالجود يشبه رهطه |
فجاد لي بصلات | لما تحققت صدقه |
تسعين منا وعشرا | من حب أرز وحنطه |
فكان ما در عصر | فلا تشم قط برقه |
فأعجب به من بخيل | أقام للبخل شرطه |
وصار فيه قضاء | لا زال يسلك طرقه |
إن الذي جاد فيه | قلامة أو كعفطه |
يلوم قلبي لفرط الوجد عاذله | وما درى أنه شبت مشاعله |
ومقلتي لا تزال الدهر باكية | كأنها الغيم إذ ينهل وابله |
كان جفني بليلي عاشق سهري | لذاك لما يزل جفني يواصله |
ما زلت في جامع الأحزان معتكفا | جسمي عليل وطول السقم ناحله |
عدمت صبري وعقلي فر عن بدني | وضاق صدري وجيش الهم نازله |
أبانني الدهر عن قومي وعن وطني | بئس الزمان فما تصفو مناهله |
ما لي معين على دهري أؤمله | إلا السعيد الذي فازت أوائله |
سلالة المصطفى المبعوث من مضر | بحر العلوم الذي فاضت سواحله |
علامة العصر في علم له حجج | تزيل زيغ الذي جهلا يجادله |
كريم نفس ببذل السيب منبسط | يعود بالنجح والخيرات سائله |
سميدع بارع بالحرب صولته | تهيل قلب الذي أمسى ينازله |
فلو تتبعت أهل الفضل في زمني | لما عثرت على شخص يماثله |
أو رمت تعداد فضل فيه مجتمع | لجف حبري ولا تحصى فضائله |
يا أيها السيد المفضال في شرف | ومن تعم الورى منا فواضله |
قد ضاق صدري وأرجو منك توسعة | بما وهبت فخير البر عاجله |
بزغن شموس أم طلعن بدور | أم الشرق في ضوء الصباح منير |
وبرق تراءى أم لييلى وتربها | تبسمن عن در فبن ثغور |
إذ خطرت مع تربها وتمايلت | تحالى لها من بينهن خطور |
فلما رآها ناظري صرت عاشقا | وقلبي لها دون الحسان أسير |
فأعرضت عن ليلى ووصفي جمالها | فما عندها إلا جفا ونفور |
وملت إلى ذكر الغري وأهله | أهيل لنا فيهم غنى وسرور |
بلاد بها الرحمن أودع تربة | لحيدرة للمؤمنين أمير |
لها شرف عال على كل بقعة | فليس لها إلا الحجاز نظير |
بلاد بها صحبي ورهطي ومنزلي | إليها ركاب الزائرين تسير |
فما قط تحلو لي بلاد وإن حلت | ولو زخرفت فيها لدي قصور |
أهيل الحمى عيناني لا تالف الكرى | فليس لها طعم الرقاد يزور |
أهيل الحمى ليلي طويل لبعدكم | وليلي لديكم بالغري قصير |
أهيل الحمى أني أقول مضمنا | فلم يبق لي إلا اللسان نصير |
أسرب القطا هل من يعير جناحه | لعلي إلى من قد هويت أطير |
فطار إلى نحوي الغري ولم أطر | لان جناحي بالفراق كسير |
أهيل الحمى لا تقطعوا حبل وصلكم | لأني إليه يا كرام فقير |
أهيل الحمى ذا الدهر يوعد باللقا | وتحدث من بعد الأمور أمور |
فلا تنقضوا أهل الغري عهودكم | وإني على حفظ العهود صبور |
عسى تجمع الأيام شملي بقربكم | فإن إلهي راحم وقدير |
عليكم سلام الله مني مسلسلا | وان شئتموه يا كرام يدور |
يا فاضلا بقوافي الشعر ما نطقا | أن شئت تنظمها فورا كمن سبقا |
فاعشق فريدا مليحا في محاسنه | فليس ينظمها إلا الذي عشقا |
والعود ليس له نشر ورائحة | إلا إذا حل فوق الجمر واحترقا |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 3- ص: 567