برير بن خضير الهمداني المشرقي قتل مع الحسين عليه السلام بكربلا سنة 61.
برير قال ابن الأثير بضم الباء الموحدة وفتح الراء وسكون الياء المثناة من تحتها وآخره راء وخضير بالخاء والصاد المعجمتين (انتهى) وما يوجد في بعض المواضع من أنه يزيد بن حصين فهو تصحيف المشرقي في أبصار العين بنو مشرق بطن من همدان (انتهى) وفي انساب السمعاني المشرقي هذه النسبة إلى المشرق ضد المغرب وظني أنه بطن من همدان ترك الكوفة وقال عبد الله بن أبي حاتم المشرق حي من همذان من اليمن (انتهى).
كان برير زاهدا عابدا وقال ابن نما كان أقرأ أهل زمانه (انتهى) وكان يقال له سيد القراء وفي أمالي الصدوق عن إبراهيم بن عبيد الله بن موسى يونس بن أبي إسحاق السبعي قاضي بلخ قال برير هو خال أبي إسحاق الهمداني السبيعي. وفي أبصار العين كان برير شيخا تابعيا ناسكا قارئا للقرآن من القراء ومن أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وكان من أشراف الكوفة من الهمدانيين قال أهل السير أنه لما بلغه خبر الحسين عليه السلام سار من الكوفة إلى مكة ليجتمع بالحسين عليه السلام فجاء معه حتى استشهد (انتهى) وفي كتاب لبعض المعاصرين لا يوثق بنقله إن لبرير كتاب القضايا والأحكام يرويه عن أمير المؤمنين وعن الحسن عليه السلام قال وكتابه من الأصول المعتبرة عند الأصحاب (انتهى) ولم أجد ذلك لغيره ولو كان الأمر كما قال لكان هذا الكتاب مشتهرا ولذكر برير في كتب الرجال على الأقل مع أنه ليس له ذكر في شيء من كتب الرجال. ولبرير مواقف مشهودة في وقعة كربلاء روى السيد ابن طاوس في كتاب الملهوف إن الحر وأصحابه لما عرضوا للحسين عليه السلام ومنعوه من السير وقام الحسين خطيبا في أصحابه قام إليه فيمن قام برير بن خضير فقال والله يا ابن رسول الله لقد من الله بك علينا إن نقاتل بين يديك وتقطع فيك أعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة، وروى أبو مخنف فيما حكاه الطبري في تاريخه عن عبد الله بن عاصم عن الضحاك بن عبد الله المشرقي قال لما أمسى الحسين وأصحابه ليلة العاشر من المحرم قاموا الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون فتمر بنا خيل لهم تحرسنا وان حسينا ليقرأ {ولا تحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خيرا لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين؛ ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب} فسمعها رجل من تلك الخيل التي كانت تحرسنا فقال نحن ورب الكعبة الطيبون ميزنا منكم. فعرفته فقلت لبرير بن خضير تدري من هذا قال لا قلت هذا أبو حرب السبيعي عبد الله بن شهر (سمير) وكان مضحاكا بطالا (بطلا) وكان شريفا شجاعا فاتكا وكان سعيد بن قيس ربما حبسه في جناية. فقال له برير بن خضير يا فاسق أنت يجعلك الله في الطيبين! فقال هل من أنت؟ قال أنا برير بن خضير، قال أنا لله عز علي هلاكك والله، هلكت والله يا برير قال يا أبا حرب هل لك
إن تتوب إلى الله من ذنوبك العظام فوالله أنا لنحن الطيبون وإنكم لأنتم الأخبثون قال وأنا على ذلك من الشاهدين قلت ويحك أفلا ينفعك معرفتك قال جعلت فداك فمن ينادم يزيد بن عذرة الغزي من غز بن وائل ها هو ذا معي قال قبح الله رأيك، على كل حال أنت سفيه ثم انصرف. وقال أبو مخنف فيما حكاه عنه الطبري حدثني عمرو بن مرة الجملي عن أبي صالح الحنفي عن غلام لعبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري قال كنت مع مولاي فلما حضر الناس واقبلوا إلى الحسين أمر الحسين بفسطاط فضرب ثم أمر بمسك فميث في جفنة عظيمة أو صحفة ثم دخل الحسين ذلك الفسطاط فتطلى بالنورة قال ومولاي عبد الرحمن بن عبد ربه وبرير الهمداني على باب الفسطاط تحتك مناكبهما فازدحما أيهما يطلي على اثره فجعل برير يهازل عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن دعنا فوالله ما هذه بساعة باطل فقال له برير والله لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل شابا ولا كهلا ولكن والله أني لمستبشر بما نحن لاقون والله إن ما بيننا وبين الحور العين إلا إن يميل هؤلاء علينا بأسيافهم ولوددت أنهم قد مالوا علينا بأسيافهم فلما فرع الحسين دخلا فاطليا ثم إن الحسين ركب دابته ودعا بمصحف فوضعه أمامه الخبر، وهو صريح في إن ذلك كان يوم العاشر وقد صرح بذلك أيضا ابن الأثير في الكامل، وابن طاوس في كتاب الملهوف فما في أبصار العين أنه كان يوم التاسع سهو. وفي البحار عن كتاب المقتل تأليف السيد العالم محمد بن أبي طالب بن أحمد الحسيني الحائري قال ركب أصحاب عمر بن سعد فقرب إلى الحسين فرسه فاستوى عليه وتقدم نحو القوم في نفر من أصحابه وبين يديه برير بن خضير فقال له الحسين كلم القوم فتقدم برير فقال يا قوم اتقوا الله فان ثقل محمد صلى الله عليه وسلم قد أصبح بين أظهركم وهؤلاء ذريته وبناته وحرمه فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون إن تصنعوه بهم فقالوا نريد إن نمكن منهم الأمير ابن زياد فيرى رأيه فيهم فقال لهم برير أفلا تقبلون منهم إن يرجعوا إلى المكان الذي جاءوا منه ويلكم يا أهل الكوفة أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها وأشهدتم الله عليها يا ويلكم أدعوتم أهل بيت نبيكم وزعمتم إنكم تقتلون أنفسكم دونهم حتى إذا أتوكم أسلمتموهم إلى ابن زياد وحلأتموهم عن ماء الفرات بئس ما خلفتم نبيكم في ذريته ما لكم لا سقاكم الله يوم القيامة فبئس القوم أنتم. فقال له نفر منهم يا هذا ما ندري ما تقول فقال برير الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة اللهم أني أبرأ إليك من فعل هؤلاء القوم اللهم ألق بأسهم بينهم حتى يلقوك وأنت عليهم غضبان فجعل القوم يرمونه بالسهام فرجع برير إلى ورائه (انتهى) وفي لواعج الأشجان ولا أعلم الآن من أين نقلته أنه لما ضيق القوم على الحسين عليه السلام حتى نال منه العطش ومن أصحابه قال له برير بن خضير الهمداني يا ابن رسول الله أتأذن لي إن اخرج إلى القوم فأذن له فخرج إليهم فقال يا معشر الناس! إن الله عز وجل بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابه وقد حيل بينه وبين ابنه فقالوا يا برير قد أكثرت الكلام فاكفف والله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله الخبر.
مقتله
قال أبو مخنف فيما حكاه عنه الطبري في تاريخه حدثني يوسف بن يزيد عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس وكان قد شهد مقتل الحسين قال خرج يزيد بن معقل من بني عميرة بن ربيعة وهو حليف لبني سليمة من عبد القيس فقال يا برير بن خضير كيف ترى الله صنع بك؟ قال صنع الله والله بي خيرا وصنع الله بك شرا قال كذبت وقبل اليوم ما كنت كذابا هل تذكر وأنا أماشيك في بني دودان وأنت تقول إن عثمان كان على نفسه مسرفا وان معاوية ضال مضل وإن إمام الهدى والحق علي بن أبي طالب؟ فقال له برير أشهد إن هذا رأيي وقولي، فقال له يزيد بن معقل فاني أشهد أنك من الضالين. فقال له برير بن خضير هل لك فلأباهلك ولندع الله إن يلعن الكاذب وأن يقتل المبطل ثم اخرج فلأبارزك فخرجا فرفعا أيديهما إلى الله يدعوانه إن يلعن الكاذب وأن يقتل المحق المبطل. ثم برز كل واحد منهما لصاحبه فاختلفا ضربتين فضرب يزيد بن معقل برير بن خضير ضربة خفيفة لم تضره شيئا، وضربه برير بن خضير قدت المغفر وبلغت الدماع فخر كأنما هوى من حالق وان سيف ابن خضير لثابت في رأسه فكأني أنظر إليه ينضنضه من رأسه وحمل عليه رضي بن منقذ العبدي فاعتنق بريرا فاعتركا ساعة ثم إن بريرا قعد على صدره فقال رضي أين أهل المصاع والدفاع فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي ليحمل عليه فقلت إن هذا برير بن خضير القارئ الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد فحمل عليه بالرمح حتى وضعه في ظهره فلما وجد مس الرمح برك عليه فعض بوجهه وقطع طرف أنفه فطعنه كعب بن جابر حتى ألقاه عنه وقد غيب السنان في ظهره ثم اقبل عليه بضربة بسيفه حتى قتله. قال عفيف كأني انظر إلى العبدي الصريع قام ينفض التراب عن قبائه ويقول أنعمت علي يا أخا الأزد نعمة لن أنساها أبدا فقلت أنت رأيت هذا قال نعم رأي عيني وسمع أذني فلما رجع كعب بن جابر قالت له امرأته أو أخته النوار بنت جابر أعنت على ابن فاطمة وقتلت سيد القراء لقد أتيت عظيما من الأمر والله لا أكلمك من رأسي كلمة أبدا. وقال كعب بن جابر
سلي تخبري عني وأنت ذميمة | غداة حسين والرماح شوارع |
ألم آت أقصى ما كرهت ولم يخل | علي غداة الروع ما أنا صانع |
معي يزني لم تخنه كعوبه | وأبيض مخشوب الغرارين قاطع |
فجردته في غضبة ليس دينهم | بديني واني بابن حرب لقانع |
ولم تر عيني مثلهم في زمانهم | ولا قبلهم في الناس إذ أنا يافع |
أشد قراعا بالسيوف لدى الوغى | إلا كل من يحمي الذمار مقارع |
وقد صبروا للطعن والضرب حسرا | وقد نازلوا لو إن ذلك نافع |
فأبلغ عبيد الله أما لقيته | بأني مطيع للخليفة سامع |
قتلت بريرا ثم حملت نعمة | أبا منقذ لما دعا من يماصع |
لو شاء ربي ما شهدت قتالهم | ولا جعل النعماء عندي ابن جابر |
لقد كان ذاك اليوم عارا وسبة | يعيره الأبناء بعد المعاشر |
فيا ليت أني كنت من قبل قتله | ويوم حسين كنت في رمس قابر |
أنا برير وأبي خضير | ليث يروع الأسد عند الزير |
يعرف فينا الخير أهل الخير | أضربكم ولا أرى من ضير |
لو شاء ربي ما شهدت قتالهم | ولا جعل النعماء عندي ابن جابر |
لقد كان ذا عارا علي وسبة | يعيرها الأبناء عند المعاشر |
فيا ليت أني كنت في الرحم حيضة | ويوم حسين كنت ضمن المقابر |
فيا سوأتا ما ذا أقول لخالقي | وما حجتي يوم الحساب القماطر |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 3- ص: 561