أميمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام المعروفة بسكينة
توفيت سنة 117 بالمدينة في أيام هشام بن عبد الملك.
الخلاف في اسمها
في تذكرة الخواص: اسمها آمنة وقيل أميمة. وفي الأغاني: اسم سكينة أميمة وقيل أمينة وقيل أمية وقيل آمنة، وسكينة لقب لقبت به وقال مصعب: اسمها آمنة. وفي شذرات الذهب اسمها أميمة. وقيل أمينة وسكينة لقب لها وفي مرآة الجنان: قيل اسمها أمينة وقيل أميمة وهو الراجح، وسكينة لقب لها (انتهى) وروى في الأغاني بسنده عن ابن الكلبي عن أبيه قال لي عبد الله بن الحسن ما اسم سكينة بنت الحسين فقلت له سكينة فقال لا اسمها آمنة قال وروي إن رجلا سال عبد الله بن الحسن عن اسم سكينة فقال أمينة، فقال إن ابن الكلبي يقول أميمة فقال سل ابن الكلبي عن أمه وسلني عن أمه وسلني عن أمي. قال المدائني حدثني أبو إسحاق المالكي قال سكينة لقب واسمها آمنة وهذا هو الصحيح (انتهى) ووجدت في مسودة الكتاب ولا أعلم الآن من أين نقلته قيل اسمها إمامة ويمكن إن يكون أميمة تصغير إمامة.
وفاتها ومدفنها
وفي الأغاني بسنده ما حاصله: أنها ماتت وعلى المدينة خالد بن عبد الملك فآذنوه بالجنازة وذلك في أول النهار في حر شديد فجعل يماطلهم إلى إن صليت العشاء ولم يجئ فجعلوا يصلون عليها جمعا جمعا فرادى وينصرفون فأمر علي بن الحسين عليه السلام من جاءه بطيب وإنما أراد خالد فيما ظن قوم إن تنتن وأتي بالمجامر فوضعت حول النعش (انتهى) وفي طبقات ابن سعد اشتري لها كافور بثلاثين دينارا. وفي تذكرة الخواص: اختلفوا في وفاتها قال ابن سعد توفيت بالمدينة وعلى المدينة خالد بن عبد الله بن الحارث بن الحكم وأما غير ابن سعد فيقول أنها توفيت بمكة (انتهى) وفي شذرات الذهب توفيت بالمدينة والعامة تزعم أنها بمكة في طريق العمرة (انتهى) وفي مرآة الزمان توفيت سكينة بالمدينة الشريفة هكذا ذكر موتها بالمدينة في كل تاريخ وقفت عليه خلاف ما يقوله العامة من أنها مدفونة خارج مكة في القبة التي في الزاهر في طريق العمرة (انتهى) أما القبر المنسوب إليها بدمشق في مقبرة الباب الصغير فهو غير صحيح لإجماع أهل التواريخ على أنها دفنت بالمدينة ويوجد على هذا القبر المنسوب إليها بدمشق صندوق من الخشب كتبت عليه آية الكرسي بخط كوفي مشجر رأيته وأخبرني الثقة العدل الورع الزاهد العابد الشيخ عباس القمي النجفي الذي هو ماهر في قراءة الخطوط الكوفية بدمشق في رجب أو شعبان سنة 1356 إن الاسم المكتوب بآخر الكتابة التي على الصندوق سكينة بنت الملك، بلا شك ولا ريب. وكسر ما بعد لفظة الملك، فالقبر إذا لإحدى بنات الملوك المسماة سكينة. أمها في الأغاني:
أمها
الرباب بنت امرئ القيس بن عدي القضاعية وهي أخت عبد الله الرضيع أمها الرباب. وبسنده عن مالك بن أعين سمعت سكينة بنت الحسين عليه السلام تقول عاتب عمي الحسن أبي في أمي فقال (وفي بعض الروايات زيادة البيت الأخير):
لعمرك انني لأحب دارا | تكون بها سكينة والرباب |
وأحبهما وأبذل جل مالي | وليس لعاتب عندي عتاب |
فلست لهم وان عتبوا مصيخا | حياتي أو يغيبني التراب |
وروي إن يزيد بن معاوية لما أدخل عليه نساء أهل البيت قال للرباب زوجة الحسين عليه السلام أنت التي كان يقول فيك الحسين وفي ابنتك سكينة: لعمرك انني لأحب دارا الأبيات فقالت نعم.
أزواجها
كانت سكينة قد سميت لابن عمها القاسم بن الحسن فقتل يوم الطف. وفي الأغاني في رواية أسندها إن أول أزواجها ابن عمها عبد الله بن الحسن وهو أبو عذرتها وانه قتل عنها ولم تلد له. وفي رواية إن أبا عذرها عمر بن الحسن بن علي وفي الطبقات الكبير لابن سعد تزوجها مصعب بن الزبير بن العوام ابتكرها فولدت له فاطمة. وفي تذكرة الخواص في قول بعضهم إن أول من تزوجها مصعب بن الزبير قهرا وهو الذي ابتكرها ثم قتل عنها وقد ولدت له فاطمة وكان أصدقها ستمائة ألف درهم. وفي الأغاني إن مهرها ألف ألف درهم وولدت له بنتا سمتها الرباب باسم أمها وأنها قالت دخلت على مصعب وأنا أحسن من النار الموقدة في الليلة القراء. وقال سبط ابن الجوزي ولدت من مصعب ابنة سمتها الرباب وكانت فائقة الجمال لم يكن في عصرها أجمل منها فكانت تلبسها اللؤلؤ وتقول ما ألبسها إياه إلا لتفضحه (انتهى) ثم ذكر أبو الفرج من أزواجها عبد الله بن عثمان الحزامي وزيد بن عمرو بن عثمان والأصبغ بن عبد العزيز بن مروان ولم يدخل بها وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ولم يدخل بها (انتهى) وفي تذكرة الخواص: تزوجها بعد مصعب عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن الحكيم بن حزام فولدت له عثمان الذي يقال له قرير أو قرين ثم تزوجها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان أخو عمر بن عبد العزيز ثم فارقها قبل الدخول بها ولما قتل عبد الملك بن مروان مصعب بن الزبير خطبها فقالت أ بعد ما قتل ابن الزبير لا والله لا كان هذا (انتهى).
أقوال العلماء في حقها
في تذكرة الخواص: لها السيرة الجميلة والكرم الوافر والعقل التام وهذا قول ابن قتيبة وكانت من الجمال والأدب والظرف والسخاء بمنزلة عظيمة وكانت تؤوي إلى منزلها الأدباء والشعراء والفضلاء فتجيزهم على مقدارهم (انتهى) وفي شذرات الذهب: جمالها وحسن خلقها مشهور وفي مرآة الجنان لليافعي: السيدة سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب كانت من أجمل النساء وأظرفهن وأحسنهن أخلاقا.
أخبارها
حضرت وقعة الطف مع أبيها عليه السلام وشاهدت مصرعه وروى ابن طاوس في كتاب الملهوف إن سكينة اعتنقت جسد أبيها بعد قتله فاجتمع عدة من الأعراب حتى جروها عنه (انتهى) وأخذت مع الأسرى والرؤوس إلى الكوفة ثم إلى الشام ثم عادت مع أخيها زين العابدين عليه السلام إلى المدينة. وفي الأغاني بسنده عن مصعب كانت سكينة ظريفة مزاحة وفيه قال محمد بن سلام كانت سكينة مزحة فلسعتها دبرة فقالت لها أمها ما لك يا سيدتي فضحكت وقالت لسعتني دبيرة مثل الابيرة أوجعتني قطيرة ثم ذكر من مزاحها أشياء كثيرة لا حاجة بنا إلى نقلها. وفي شذرات الذهب: لها نوادر منها أنها لما سمعت قول عروة بن أذينة في رثاء أخيه بكر:
على بكر أخي فارقت بكرا | وأي العيش يصلح بعد بكر |
قالت ومن بكر؟ أهو ذاك الأسود الذي كان يمر بنا؟ قيل: نعم، قالت: لقد طاب بعده كل عيش حتى الخبز والزيت. وفي الأغاني عن أبي إسحاق المالكي: قيل لسكينة أمك فاطمة وأنت تمزحين كثيرا، وأختك فاطمة لا تمزح فقالت لأنكم سميتموها باسم جدتها فاطمة وسميتموني باسم جدتي التي لم تدرك الإسلام آمنة بنت وهب هذا يدل على إن اسمها آمنة وبسنده إن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب خطب إلى عمه الحسين عليه السلام فخيره في ابنتيه فاطمة وسكينة فاختار فاطمة فكان يقال إن امرأة تختار على سكينة لمنقطعة القرين. وبسنده: كانت سكينة في مأتم فيه بنت لعثمان فقالت بنت عثمان أنا بنت الشهيد فسكتت سكينة فقال المؤذن أشهد إن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت سكينة هذا أبي أو أبوك فقالت العثمانية لا أفخر عليكم أبدا وفي الأغاني بسنده: جاء قوم من أهل الكوفة ليسلموا على سكينة فقالت لهم الله يعلم أني أبغضكم قتلتم جدي عليا وقتلتم أبي الحسين وأخي عليا وزوجي مصعبا فبأي وجه تلقونني أيتمتموني صغيرة وأرملتموني كبيرة (انتهى).
ولكنني أقول لها: إن أهل الكوفة شيعتكم ومحبوكم وناشرو فضائلكم قديما وحديثا دون غيرهم. وفيه ما حاصله أنه خرجت بها سلعة في أسفل عينها حتى كبرت ثم أخذت وجهها وعينها فدعت بالطبيب فسلخ الجلد وأخرج عروق السلعة وكان شيء منها تحت الحدقة ثم رد الحدقة وهي مضطجعة لا تتحرك ولا تئن وبرئت من ذلك. وفيه بسنده: كانت سكينة تجئ يوم الجمعة فتقوم بإزاء ابن مطير وهو خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم إذا صعد المنبر فإذا شتم عليا شتمته هي وجواريها فكان يأمر الحرس يضربون جواريها.
أخبارها مع الشعراء
في بعض الأخبار أنها كانت تجالس الأجلة من قريش ويجتمع إليها الشعراء وهو باطل، وإنما كان الشعراء يجتمع على بابها فتخرج إليهم بعض جواريها وتسمع أقوالهم وتسمعهم أقوالها بواسطة جواريها وعلى لسانهن. ففي تذكرة الخواص عن هشام بن محمد الكلبي. وفي الأغاني بسنده عن عمر بن شبه موقوفا عليه وفيه عن أبي الزناد وبين الروايات بعض التفاوت ونحن نأخذ ما نذكره من مجموعها: قال هشام اجتمع على باب سكينة بنت الحسين عليه السلام جماعة من الشعراء لتخاير بينهم وكانوا يرضون بحكمها لما يعرفون من أدبها وبصارتها بالشعر فأحسنت ضيافتهم وأكرمتهم وكان فيهم الفرزدق وجرير وكثير عزة وجميل ونصيب وفي رواية أبي الفرج أنهم اجتمعوا في ضيافتها فمكثوا أياما ثم أذنت لهم فدخلوا عليها فقعدت حيث تراهم ولا يرونها وتسمع كلامهم وقال هشام فنصبت بينها وبينهم ستارة وأذنت لهم فدخلوا عليها وكانت لها جارية قد روت الأشعار والأخبار وعلمتها الأدب فخرجت من عندها الجارية وفي رواية أبي الفرج ومعها قرطاس فقالت أيكم الفرزدق فقال ها أنذا فقالت ألست القائل:
هما دلتاني من ثمانين قامة | كما انقض باز أقتم الريش كاسره |
فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا | أحي فيرجى أم قتيل نحاذره |
وزاد أبو الفرج:
فقلت ارفعوا الأمراس لا يشعروا بنا | وأقبلت في إعجاز ليل أبادره |
أبادر بوابين قد وكلا بنا | وأحمر من ساج تبص مسامره |
فقال نعم فقالت فما الذي دعاك إلى إفشاء السر خذ هذه ألف دينار والحق باهلك هذه رواية هشام ونحوها رواية أبي الفرج وفي رواية أخرى لأبي الفرج عن أبي الزناد إن الفرزدق لما قال ها أنذا قالت أنت الذي تقول:
أبيت أمني النفس إن سوف نلتقي | وهل هو مقدور لنفسي لقاؤها |
فإن ألقها أو يجمع الدهر بيننا | ففيها شفاء النفس منها وداؤها |
قال نعم قالت قولك أحسن من منظرك وأنت القائل:
ودعنني بإشارة وتحية | وتركنني بين الديار قتيلا |
لم أستطع رد الجواب عليهم | عند الوداع وما شفين غليلا |
لو كنت أملكهم إذا لم يبرحوا | حتى أودع قلبي المخبولا |
قال نعم قالت أحسنت أحسن الله إليك وأنت القائل:
هما دلتاني من ثمانين قامة | كما انقض باز أقتم الريش كاسره |
فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا | أحي فيرجى أم قتيل نحاذره |
فقلت ارفعوا الأسباب لا يشعروا بنا | ووليت في إعجاز ليل أبادره |
أحاذر بوابين قد وكلا بها | وأحمر من ساج تبص مسأمره |
فأصبحت في القوم القعود وأصبحت | مغلقة دوني عليها دساكره |
قال نعم قالت سوأة لك أفشيت السر فضرب بيده على جبهته وقال نعم فسوأة لي ثم دخلت الجارية على مولاتها وخرجت وقالت أيكم جرير فقال ها أنذا قالت أنت القائل:
رزقنا به الصيد الغزير ولم نكن | كمن نبله محرومة وحبائله |
فهيهات هيهات العقيق ومن به | وهيهات حي بالعقيق نواصله |
قال نعم قالت أحسن الله إليك وأنت القائل:
كان عيون المجلتين تعرضت | وشمسا تجلى يوم دجن سحابها |
إذا ذكرت للقلب كاد لذكرها | يطير إليها واعتراه عذابها |
قال نعم قالت أحسنت وأنت القائل:
سرت الهموم فبتن غير نيام | وأخو الهموم يروم كل مرام |
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا | وقت الزيارة فارجعي بسلام |
لو كان عهدك كالذي حدثتني | لوصلت ذاك فكان غير لمام |
تجري السواك على أغر كأنه | برد تحدر من متون غمام |
قال نعم قالت سوأة لك جعلتها صائدة القلوب حتى إذا أناخت ببابك جعلت دونها حجابا إلا قلت:
طرقتك صائدة القلوب فمرحبا | نفسي فداؤك فادخلي بسلام |
قال نعم فسوأة لي قالت فخذ هذه الألف دينار والحق بأهلك ودخلت الجارية وخرجت وقالت أيكم كثير عزة فقال ها أنذا فقالت أنت القائل:
وأعجبني يا عز منك خلائق | خسان إذا عد الخلائق أربع |
دنوك حتى يطمع الصب في الصبا | وقطعك أسباب الصبا حين تقطع |
فوالله ما يدري كريم مطلته | أيشتد إن قاضاك أم يتضرع |
قال نعم قالت أعطاك الله مناك وأنت القائل:
هنيئا مريئا غير داء مخامر | لعزة من أعراضنا ما استحلت |
فما أنا بالداعي لعزة في الورى | ولا شامت إن نعل عزة زلت |
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة | ورجل رمى فيها الزمان فشلت |
قال نعم قالت أحسن الله إليك وفي رواية تذكرة الخواص أنها قالت لكثير أنت القائل:
يقر بعيني ما يقر بعينها | وأحسن شيء ما به العين قرت |
قال نعم قالت أفسدت الحب بهذا التعريض خذه ألف دينار وانصرف. ثم دخلت الجارية وخرجت وقالت أيكم نصيب فقال ها أنذا أنت القائل:
ولولا إن يقال صبا نصيب | لقلت بنفسي النشأ الصغار |
ألا يا ليتني قامرت عنها | وكان يحل للناس القمار |
فصارت في يدي وقمرت مالي | وذاك الربح لو علم التجار |
على الإعراض منها والنواني | فان وعدت فموعدها ضمار |
بنفسي كل مهضوم حشاها | إذا قهرت فليس بها انتصار |
إذا ما الزل ضاعفن الحشايا | كفاها إن لا يلاث بها ازار |
ولو رأت الفراشة طار منها | مع الأرواح مستطار |
قال نعم قالت والله إن إحداهن لتقوم من نومتها فما تحسن إن تتوضأ لا حاجة لنا في شعرك. وفي رواية تذكرة الخواص أنها قالت لنصيب أنت القائل:
من عاشقين تواعدا وتراسلا | حتى إذا نجم الثريا حلقا |
باتا بأنعم ليلة والذها | حتى إذا وضح الصباح تفرقا |
قال نعم قالت وهل في الحب تدان خذ هذه ألف دينار وانصرف ثم دخلت الجارية وخرجت وقالت أيكم جميل قال ها أنذا قالت أنت القائل:
لقد ذرفت عيني وطال سفوحها | وأصبح من نفسي سقيما صحيحها |
ألا ليتنا كنا جميعا وان نمت | يجاور في الموتى ضريحي ضريحها |
أظل نهاري مستهاما ويلتقي | مع الليل روحي في المنام وروحها |
فهل لي كتمان حبي راحة | وهل تنفعني بوحة لو أبوحها |
قال نعم قالت بارك الله عليك وأنت القائل:
خليلي فيما عشتما هل رأيتما | قتيلا بكى من حب قاتله قبلي |
أبيت مع الهلاك ضيفا لأهلها | وأهلي قريب موسعون ذوو فضل |
فيا رب إن تهلك بثينة لا أعش | فواقا ولا أفرح بما لي ولا أهلي |
ويا رب إن وقيت شيئا فوقها | حتوف المنايا رب واجمع بها شملي |
قال نعم قالت أحسنت أحسن الله إليك وأنت القائل:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة | بوادي القرى أني إذا لسعيد |
لكل حديث عندهن بشاشة | وكل قتيل بينهن شهيد |
ويا ليت أيام الصبا كن رجعا | ودهرا تولى يا بثين يعود |
إذا قلت ردي بعض عقلي أعش به | تناءت وقالت ذاك منك بعيد |
فما ذكر الخلان إلا ذكرنها | ولا البخل إلا قلت سوف تجود |
فلا أنا مردود بما جئت طالبا | ولا حبها فيما يبيد يبيد |
يموت الهوى مني إذا ما لقيتها | ويحيا إذا فارقتها ويزيد |
قال نعم قالت الله أنت جعلت لحديثها ملاحة وبشاشة وقتيلها شهيدا وأنت القائل:
ألا ليتني أعمى أصم تقودني | بثينة لا يخفى علي مكانها |
قال نعم قالت قد رضيت من الدنيا إن تقودك بثينة وأنت أعمى أصم قال نعم ثم دخلت الجارية وخرجت ومعها مدهن فيه غالية ومنديل فيه كسوة وصرة فيها خمسمائة دينار فصبت الغالية على رأس جميل حتى سالت على لحيته ودفعت إليه الصرة والكسوة وأمرت لأصحابه بمائة مائة. وفي رواية تذكرة الخواص أنها قالت لجميل جزاك الله خيرا جعلت لحديثنا بشاشة وقتيلنا شهيدا قد حكمنا لك على الجميع خذ هذه أربعة آلاف دينار وانصرف راشدا (انتهى).
وفي الأغاني بسنده عن عامر الشعبي. قال وذكر أيضا أبو عبيدة معمر بن المثنى. ورواه البيهقي في المحاسن والمساوي إن الفرزدق خرج حاجا فلما قضى حجه أتى إلى المدينة فدخل على سكينة بنت الحسين عليه السلام مسلما وينبغي إن يكون دخوله إلى دارها بحيث لا يراها وخطابه لها وخطابها له بواسطة بعض جواريها كما في الخبر الآخر المتقدم فقالت له يا فرزدق من أشعر الناس قال أنا قالت كذبت أشعر منك الذي يقول:
بنفسي من تجنيه عزيز | علي ومن زيارته لمام |
ومن أمسي وأصبح لا أراه | ويطرقني إذا هجع النيام |
فقال أما والله لئن أذنت لي لأسمعك أحسن منه فقالت لا أحب فأخرج عني ثم عاد من الغد فدخل عليها فقالت يا فرزدق من أشعر الناس قال أنا قالت كذبت صاحبك أشعر منك حيث يقول:
لولا الحياء لهاجني استعبار | ولزرت قبرك والحبيب يزار |
كانت إذا هجر الضجيع فراشها | كتم الحديث وعفت الأسرار |
لا يلبث القرناء إن يتفرقوا | ليل يكر عليهم ونهار |
وفي المحاسن والمساوي قالت أشعر منك الذي يقول:
يا بيت عاتكة الذي أتعزل | حذر العدى وبه الفؤاد موكل |
إني لأمنحك الصدود وإنني | قسما إليك مع الصدود لأميل |
فقال والله لئن أذنت لي لأسمعنك أحسن منه، فأمرت به فأخرج ثم عاد إليها في اليوم الثالث فقالت يا فرزدق! من أشعر الناس؟ قال أنا! قالت كذبت صاحبك أشعر منك حيث يقول:
إن العيون التي في طرفها مرض | قتلتنا ثم لم يحيين قتلانا |
يصر عن ذا اللب حتى لا حراك به | وهن أضعف خلق الله أركانا |
فقال يا بنت رسول الله ضربت إليك من مكة إرادة السلام عليك فكان جزائي منك تكذيبي ومنعي من إن أسمعك وبي ما قد عيل معه صبري وهذه المنايا تغدو وتروح ولعلي لا أفارق المدينة حتى أموت فان أنا مت تأمرين بتكفيني في ثياب هذه! وأشار إلى جارية من جواريها كأنها تمثال، فضحكت سكينة وقالت: هي لك! وضمت إليها جارية وكسوة (انتهى).