التصنيفات

أحمد ناصر الدين شاه ابن محمد شاه ابن عباس ميرزا ابن فتح علي شاه ابن حسين قلي خان ابن محمد حسن خان ابن فتح علي خان ابن شاهقلي خان ابن مهدي خان ابن ولي خان ابن محمد قلي خان القاجاري أحد ملوك إيران في عصرنا.
ولد في صفر سنة 1247 وولي الملك في (18) شوال سنة 1264 في تبريز وقتل يوم الجمعة (17) ذي القعدة سنة 1313 في مشهد السيد عبد العظيم الحسني قرب طهران ودفن هناك وجاء خبر قتله ونحن في النجف الأشرف.
قبيلة قاجار
قيل أن قبيلة قاجار من أتراك جلاير وقيل أنهم من أحفاد جنكز خان وردوا من كنجة إلى استراباد وأول من ورد منهم شاهقلي خان في أواخر عصر الشاه سليمان الصفوي وأعقب ابنيه فتح علي خان جد الملوك القاجارية وفضلعلي خان جد الخوانين منهم وقيل أصلهم تركمان وأكثر المؤرخين يرجحون انتسابهم إلى الترك. أما قاجار فقيل أنه من أحفاد قراجار نويان الأب الرابع للأمير تيمور كانت له رتبة أمير الأمراء في عهد جنكز خان ومنكوقان فسميت قبيلته باسمه قراجار ثم خفف لكثرة الاستعمال فقيل قاجار.
أحوال ناصر الدين شاه
كان مكرما لعلماء والأشراف والأدباء وألفت باسمه كتب كثيرة مثل مرآة البلدان ونامه دانشوران ناصري وناسخ التواريخ وسعادة ناصري وغيرها ومع ذلك كانت تقع بينه وبين بعض العلماء منازعات لمداخلتهم في أمر المملكة فيخرجه إلى خارجها بصورة جميلة بان يقول له صار لك مدة لم تحج أو لم تزر المشاهد الشريفة بالعراق فيعطيه نفقة السفر ويخرج ولا يعود إلا بإذنه وله مع العلماء المخالفين لما ينبغي لهم نوادر وحكايات ظريفة منها أنه زار بعض العلماء فأجلسه العالم في المكتبة ودخل عليه وعلم الشاه أن ذلك لأجل أن لا يقوم للشاه ولينظر إلى مكتبته العظيمة فلما دخل قال له الشاه: ما هذه الكتب؟ فجعل يعدد له أصنافها فقال الشاه أما فيها كتاب أدب فخجل العالم. وزار بعضهم مرة فرأى البراني في حالة رثة تناسب الزهد وقد علم أن الدار الداخلية بخلاف ذلك فقال له لو وافق الظاهر الباطن لكان جيدا. وأرسل مرة في شهر رمضان إلى جماعة من العلماء ليرسل له كل واحد منهم من فطوره ليتبرك بأكله وكل منهم لا يعلم أنه أرسل إلى غيره وقد وضع جواسيس يخبرونه بطعام كل منهم الحقيقي فمنهم من أرسل له من طعامه الواقعي جيدا أو رديئا ومنهم من ترك الجيد وأرسل له طعاما رديئا إظهارا لزهده في الدنيا فعلم بذلك المخلص منهم من المرائي. وكان أديبا شاعرا له ديوان شعر بالفارسية رأينا منه نسخة مخطوطة في طهران في مكتبة السيد نصر الله سادات خوي خطها في غاية الجودة مذهبة مجدولة كتبها محمد حسين الشيرازي في جمادي الأولى سنة 1272. ومن جملته أبيات في مولد مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام أولها:

وصعد مرة مع شاعره إلى سطح ليرى هلال شوال فرأى امرأة بارعة الجمال فقال:
وترجمته: في ليلة العيد خرج هذا الذي يشبه الملك بغير نقاب وطلب من شاعره إجازته فقال:
وترجمته: الناس يفتشون على الهلال فظهرت الشمس. وهو أول من أسس في إيران إدارة الضرب وإدارة البرق والبريد ومعمل البنادق ومجمع الصنائع ومدرسة دار الفنون ونظم دوائر الجند ورتب الوزارة وأذن بنشر الصحف لكن لم يمنحها الحرية في نشرياتها وأنشأ بيمارستانات عديدة لكن الجندية وإدارات الداخلية والخارجية كانت في حالة منحطة جدا وكانت الجندية اسما بلا مسمى والاستبداد في الحكام والجور ضارب أطنابه والصدر الأعظم هو المتصرف في جميع أمور المملكة بلا معارض ولا مراقب ولعله لم يكن متمكنا من تنظيمها أكثر من ذلك وأعطى امتياز حصر التنباك والتتن إلى شركة إنكليزية مقابل مبلغ من المال فشاع أن السيد الميرزا حسن الشيرازي المجتهد الكبير الشهير الذي كان في سامرا أفتى بتحريم تدخين التنباك فترك تدخينه جميع أهل إيران حتى أن أهل قصر الشاه كسروا جميع ما فيه من النارجيلات وطلب الشاه من خادمه الخاص نارجيلة ثلاث مرات وفي كل مرة ينحني خضوعا ويذهب ويجيء بغير نارجيلة حتى انتهره في المرة الأخيرة أنه لا يوجد في القصر نارجيلة وكلها أتلفت من قبل نساء القصر لأن الميرزا حرم تدخين التنباك، ووجد رجل فاسق شرير في مقهى يدخن بالنارجيلة فلما بلغه الخبر كسرها فقال له بعض الجالسين أنت تفعل الموبقات العظام التي نهى الله ورسوله عنها ولا تبالي فكيف كسرت النارجيلة لأنه بلغك تحريم الميرزا استعمال التنباك فقال: إن أفعل الموبقات اعتمادا على شفاعة النبي (ص) والأئمة عليهم السلام فإذا أغضبت نائبهم فمن يشفع لي؟ فاضطرت إنكلترة إلى فسخ الامتياز، وهكذا فإن شعبا ضعيفا اضطر أقوى دولة إلى النزول على إرادته باتفاق كلمته. وكان ذلك أيام إقامتنا في النجف الأشرف وفي أيام إقامتنا هناك في الشاه السيد جمال الدين الأسد آبادي المعروف بالسيد جمال الدين الأفغاني إلى خارج بلاد إيران.
والمترجم هو الذي أمر بتذهيب قبة العسكريين عليه السلام في سامراء وتذهيب إيوان المشهد الرضوي وقبة السيد العظيم الحسني المدفون في الري وله في صحني النجف وكربلاء آثار باقية.
أهم حوادث عصر ناصر الدين شاه
كانت عادة الملوك القاجارية أن يكون ولي عهد السلطنة حاكما على تبريز مقيما بها فلما توفي محمد شاه كان ولده ناصر الدين في تبريز فجلس على سرير الملك في التاريخ المتقدم وفي 22 ذي القعدة ورد طهران وكان صحبته ميرزا تقي خان وزير نظام فجعله صدرا أعظم ولقبه باتابك أعظم أمير نظام وكان الحاج ميرزا آغاسي الصدر الأعظم لوالده محمد شاه قد تحصن بعد وفاة محمد شاه بمشهد السيد عبد العظيم قرب طهران خوفا من أعدائه وتولت إدارة المملكة مهد عليا والدة ناصر الدين حتى دخل طهران وكان الاختلال قد ساد في داخلية إيران ونار الفتن مستعرة في نواحيها وأعظمها فتنة سالار بن اللهيار خان في خراسان فان اللهيار خان آصف الدولة كان صدرا أعظم على عهد فتح علي شاه وفي عهد محمد شاه جعل حاكما لخراسان فجلبه ميرزا أقاسي وزير محمد شاه إلى طهران سنة 1263 فحشد ولده سالار بن اللهيار القبائل واستولى على خراسان فوجه محمد شاه الأمير حمزة ميرزا لإخماد الثورة فلم يتقدم واضطر إلى التحصن في القلاع المتاخمة للبلد ثم توفي محمد شاه ففر حمزة ميرزا بمساعدة بار محمد خان الأفغاني إلى هراة وعظم خطب سالار فلما ملك ناصر الدين أنفذ إلى سالار سلطان مراد أخا حمزة ميرزا بجيش كثيف وقاومه سالار مرارا وضجر الأهالي فاضطروا إلى التسليم فدخل سلطان مراد البلد وقبض على سالار وقتله.
وأخذ أمير نظام في توطيد البلاد وتأمين السبل وبدت منه الكفاءة التامة في تنظيم الجند وأصلاح مالية الدولة فزادت الواردات على الصادرات بعد أن كانت أقل منها أيام أقاسي ونشر العلوم الجديدة وزاد في أبهة الدولة وتقدمت إيران في عهده خطوات إلى التمدن الحديث ولكن أعداءه سعوا به عند الشاه بأنه يطلب الملك لنفسه فعزله ونفاه إلى قاشان ثم قتله بالفصد سنة 1268.
واستوزر اعتماد الدولة ميرزا آقاخان النوري وهو من بيت رفيع وكان وزير الحربية. وفي سنة 1271 توجه محمد أمين المعروف بخان خيوه في أربعين ألفا لامتلاك خراسان فلاقاه البرنس فريدون ميرزا حاكم خراسان في سرخس وانتصر عليه وقتله وبعث برأسه إلى طهران.
وفي سنة 1272 أرسل الشاه اعتماد الدولة إلى هراة فحاصرها وفتحها فغاظ ذلك انكلترة لأنها كانت تتظاهر بمساعدة الأفغان جريا على سياستها المعروفة فأرست بوارجها الحربية على ساحل خليج فارس وملكت جزيرة خارك وبوشهر فقاومها مهر علي خان قائد الجنود في فارس وغلب عليها في السواحل ثم ملكت المحمرة وعقد الصلح مع سفيرها في باريس سفير الدولة الإيرانية وتخلت إيران عن هراة وسحبت انكلترا جنودها من بوشهر وخارك والمحمرة. وفي سنة 1275 عزل الشاه اعتماد الدولة عن الصدارة وارتأى أن لا يمنح أحدا رتبة الصدارة بل يوزع إدارة الشؤون الملكية على ستة وزراء للداخلية والخارجية والحرب والمالية والعدلية والوظائف.
وفي سنة 1276 استولى التركمان على مرو وعاثوا في أطراف خراسان وضربوا الضرائب على البلاد فتجهز لتدميرهم حشمة الدولة حاكم خراسان وحمي وطيس الحرب بينهم وحدث النفاق في قواده فانحل نظام جيشه وانتصر عليه التركمان وعاد بالفشل والياس من النصرة عليهم بعد ذلك.
وفي سنة 1281 ولى الصدارة محمد خان القاجاري ولقبه بسبهسالار أعظم ثم عزله.
وفي سنة 1287 زار مشاهد الأئمة عليهم السلام بالعراق، فاحتفلت به الدولة العثمانية وعظمته كثيرا وسمحت له بان يستصحب معه عددا من الجنود والبنادق وبعض المدافع وكان الوالي على بغداد من قبلها مدحت باشا الشهير فاستقبله إلى الحدود وكان في صحبته دائما والتقى به ميرزا حسين خان مشير الدولة القزويني سفير الدولة الإيرانية في إسلامبول فكان في خدمته بالعراق، فأتى به إلى طهران وفوض إليه وزارة الوظائف والأوقاف ووزارة العدلية ولقبه أولا بسبهسالار ثم بصدر أعظم، ولما ورد كربلاء تلقاه علماؤها وفيهم الشيخ زين العابدين المازندراني المجتهد الشهير إلى المسيب، ووقفوا له في الطريق فسلم عليهم وسار متوجها إلى كربلاء ولما ورد النجف الأشرف تلقاه علماؤها بعض إلى خان الحماد في منتصف الطريق وبعض إلى خان المصلى فكان منه معهم ما كان مع علماء كربلاء، فلما دخل النجف الأشرف زاره فيها العلماء كلهم إلا الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي المجتهد الشهير فإنه لم يخرج للقائه ولا زاره في النجف وكان في ذلك الوقت في أوائل شهرته فأرسل إليه مع حسين خان مشير الدولة يسأله ويطلب منه تدارك ما فات فاجابه أنا رجل درويش ما لي وللملوك؟ فقال له لا يمكن إلا أن يراك الشاه! فقال لا أذهب إليه، فقال له الوزير: هل تريد أن يحضر الشاه لزيارتك؟ هذا ما لا يمكن! فلما ألح عليه قال اجتمع به في الحضرة الشريفة فاجتمعا هناك وصافحه الشاه، وقال له: زر حتى نزور بزيارتك، ففعل وافترقا، ثم أرسل الشاه جوائز للعلماء ومنهم الميرزا الشيرازي فكلهم قبل جائزته إلا الميرزا لم يقبلها، فكان فعله هذا سببا لعظمه في عين الشاه وأعين الناس وطلب من مدحت باشا رؤية الخزانة للمشهد الشريف الغروي، ففتحت له ورأى ما فيها من الجواهر والنفائس.
وفي سنة 1290 رحل الشاه إلى أوروبا وبعد رجوعه عزل الصدر الأعظم وقلده وزارة الخارجية.
وفي سنة 1295 رحل ثانيا إلى أوروبا وألف رحلة بالفارسية مطولة ذكر فيها جميع ما جرى له وهي مطبوعة.
وفي سنة 1297 خرج الشيخ عبيد الله الكردي في حدود كردستان وتفاقم أمره فتوجه إليه حسين خان مشير الدولة من طريق أذربيجان وحاربه حتى رضخ لأوامر الشاه.
في سنة 1301 فوض الشاه رتبة الصدارة العظمى إلى شيخ الوزارة مستوفي الممالك ميرزا يوسف الآشتياني، وكان غيورا على شؤون الملة والدولة ودامت صدارته زهاء سنتين.
وكان ظل السلطان بن ناصر الدين شاه حاكم أصفهان إلى هذا الحين قد نفذت كلمته وقويت شوكته وامتد حكمه على غالب أقطار المملكة وكان جبارا.
وفي سنة 1302 قصد الشاه زيارة مشهد الرضا عليه السلام في خراسان وكان في خدمته ميرزا إبراهيم خان أمين السلطان فتوفي في الطريق فمنح الشاه وساماته الدولية وهي 43 وساما لولده ميرزا علي أصغر خان أمين الملك ولقبه بأمين السلطان.
وفي سنة 1303 توفي ميرزا يوسف الصدر الأعظم وتمكن أمين السلطان من خطير الأمور وحقيرها.
وفي سنة 1306 رحل ثالثا إلى أوروبا. وفي سنة 1310 تقلد أمين السلطان الصدارة العظمى.
وفي سنة 1313 يوم الجمعة زار الشاه على عادته مشهد السيد عبد العظيم الحسني فتقدم إليه داخل المشهد رجل من أوزاع الناس عرف بميرزا رضا الكرماني وأطلق عليه مسدسه فأصاب قلبه ومات من فوره وقبض على قاتله ثم قتل وأخفى وزيره موته خوفا من حدوث الفتنة والغوغاء لو عرف الناس وفاته فأخرجه من المشهد وأركبه في العربة بصورة الأحياء وادخله منزله في البلاط وجعل يحضر له الأطباء ومنعهم من الخروج وأبرق لوقته إلى ولي عهده ولده مظفر الدين في تبريز فجلس على سرير الملك في تبريز ثاني يوم قتل والده وأبرق إلى طهران فاجتمع الناس في مسجد الشاه وقرأ عليهم ميرزا علي أصغر خان صورة البرقية فعرفوا موته ثم أخذ في تجهيز الشاه بعد ما ختم جميع بيوت القصر واحتاط على ما فيها ويقال أنهم لما أرادوا تغسيله احتاجوا إلى ستارة يضعونها على باب الغرفة التي غسل فيها فلم يجدوا لان غرف القصر كانت كلها مختومة فأخذوا ستار باب المطبخ ووضعوها على باب الغرفة ودفنه في غرفة خاصة قرب مرقد السيد عبد العظيم ووضعت على قبره صخرة كبيرة من الرخام منحوت عليها مثاله.
وميرزا علي أصغر خان هذا عزل من الصدارة في عهد مظفر الدين شاه بن ناصر الدين لما صارت دولة إيران دستورية وجاء سنة 1321 إلى الحج ثم زار المدينة الطيبة وكان مؤلف هذا الكتاب متشرفا بالحج تلك السنة واجتمعت به في الطريق ولما ورد الشام زار المدرسة العلوية الإسلامية التي أنشأناها بدمشق وسميت الآن بالمدرسة المحسنية وتبرع لها بستين ليرة عثمانية ذهبا ورحل من دمشق إلى أوروبا، ومنها عاد إلى إيران وتولى بها الصدارة العظمى، ثم قتل وكان عاقلا مدبرا حليما وقورا سخيا رحمه الله تعالى.
وكان قبل قتل ناصر الدين بقليل حصل الاستعداد العظيم للاحتفال بمرور خمسين عاما على سلطنته، فانقلب ذلك إلى مجالس العزاء، وفي عهد ناصر الدين كان ظهور مذهب البابية فأمر بقتل مخترع مذهبهم ميرزا علي محمد الملقب بالباب بعد ما أفتى العلماء بقتله ومر بقتل قرة العين التي اتبعته على ذلك وكانت من مثيري تلك الفتنة.
أعقب ناصر الدين 17 ولدا ذكرا و 20 بنتا، ومن مشاهير أولاده: ظل السلطان مسعود ميرزا ومظفر الدين شاه ولي عهده ونائب السلطنة كامران ميرزا.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 3- ص: 120