الظاهر بيبرس بيبرس العلائي البندقداري الصالحي ركن‎الدين، الملك الظاهر: صاحب الفتوحات والأخبار والآثار. مولده بأرض القبجاق. واسر فبيع في سيواس، ثم نقل إلى حلب، ومنها إلى القاهرة. فاشتراه الأمير علاءالدين أيدكين البندقدار، وبقي عنده، فلما قبض عليه الملك الصالح (نجم‎الن أيوب) أخذ بيبرس، فجعله في خاصة خدمه، ثم أعتقه. ولم تزل همته تصعد به حتى كان (أتابك) العساكر بمصر، في أيام الملك (المظفر) قطز، وقاتل معه التتار في فلسطين. ثم اتفق مع أمراء الجيش على قتل قطز، فقتلوه، وتولى (بيبرس) سلطنة مصر والشام (سنة 658هـ) وتلقب بالملك (القاهر، أبي الفتوحات) ثم ترك هذا اللقب وتلقب بالملك (الظاهر). وكان شجاعا جبارا، يباشر الحروب بنفسه. وله الوقائع الهائلة مع التتار والإفرنج (الصليبيين) وله الفتوحات العظيمة، منها بلاد (النوبة) و (دنقلة) ولم تفتح قبله مع كثرة غزو الخلفاء والسلاطين لها. وفي أيامه انتقلت الخلافة إلى الديار المصرية سنة 659هـ. وآثاره وعمائره وأخباره كثيرة جدا. توفي في دمشق ومرقده فيها معروف أقيمت حوله المكتبة الظاهرية. ولمحمد جمال‎الدين كتاب (الظاهر بيبرس وحضارة مصر في عصره - ط)

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 79

الملك الظاهر بيبرس بيبرس بن عبد الله، السلطان الأعظم الملك الظاهر ركن الدين أبو الفتح الصالحي؛ قال عز الدين محمد بن علي بن إبراهيم بن شداد، أخبرني الأمير بدر الدين بيسري، أن مولد الملك الظاهر بأرض القبجاق سنة خمس وعشرين وستمائة تقريبا، ولما أزمع التتار على قصد بلادهم، كاتبوا أنص قان ملك الأولاق أن يعبروا بحر سوداق إليه ليجيرهم من التتار فأجابهم إلى ذلك، وأنزلهم واديا بين جبلين له فوهة إلى البحر والأخرى إلى البر، وكان عبورهم إليه سنة أربعين وستمائة، فلما اطمأنوا غدر بهم وشن الغارة عليهم، فقتل وسبى، وكنت أنا والملك الظاهر فيمن أسر فبيع فيمن بيع، وحمل إلى سيواس فاجتمعت به في سيواس، ثم افترقنا، واجتمعت به في حلب بخان ابن قليج، ثم افترقنا، فحمل إلى القاهرة وشراه الأمير علاء الدين أيدكين البندقداري، وبقي عنده، فلما قبض عليه الملك الصالح نجم الدين أيوب، أخذ الملك الظاهر في جملة ما استرجعه. وقدمه على طائفة من الجمدارية، فلما مات الصالح وملك بعده المعظم وقتل وولوا عز الدين أيبك التركماني الأتابكية، ثم استقل، وقتل الفارس أقطاي الجمدار، ركب الظاهر والبحرية وقصدوا القلعة، فلم ينالوا مقصودا، فخرجوا من القاهرة مجاهرين بالعداوة للتركماني، مهاجرين إلى الناصر صاحب الشام. وكان الظاهر وبلبان الرشيدي وأزدمر السيفي وسنقر الرومي وسنقر الأشقر وبيسري الشمسي وقلاوون الألفي وبلبان المستعرب وغيرهم، فأكرمهم الناصر وأطلق للظاهر ثلاثين ألف درهم وثلاثة قطر بغالا وثلاثة قطر جمالا وخيلا وملبوسا، وفرق في البقية الأموال والخلع، وكتب إليه المعز أيبك يحذره منهم فلم يصغ إليه، وعين للظاهر إقطاعا بحلب، فسأله العوض عن ذلك بزرعين وحنين، فأجابه، فتوجه إليهما، ثم خاف الناصر فتوجه بمن معه من خوشداشيته إلى الكرك، فجهز صاحبها معه عسكرا إلى مصر، فخرج إليه عسكر من مصر فكسروهم ونجا الظاهر وبيليك الخزندار، فعاد الظاهر إلى الكرك وتواترت عليه كتب المصريين يحرضونه على قصد مصر. وجاءه جماعة من عسكر الناصر، وخرج عسكر مصر مع الأمير سيف الدين قطز وفارس الدين أقطاي المستعرب، فلما وصل المغيث والظاهر إلى غزة انعزل إليهما من عسكر مصر أيبك الرومي وبلبان الكافوري وسنقرشاه العزيزي وأيبك الجواشي وبدر الدين ابن خان بغدي وأيبك الحموي وهارون القيمري، واجتمعوا بهما، فقويت شوكتهما وتوجها إلى الصالحية، والتقيا بعسكر مصر سنة ست وخمسين واستظهرا عليهم؛ ثم انكسرا وهرب المغيث والظاهر وأسر جماعة وضربت رقابهم صبرا ممن ذكرته أولا. ثم حصل بين الظاهر والمغيث وحشة ففارقه، وعاد إلى الناصر على أن يقطعه مائة فارس من جملتها قصبة نابلس وجينين وزرعين، فأجابه إلى نابلس لا غير ومعه جماعة حلف لهم الناصر وهم بيسري الشمسي وأوتامش السعدي وطيبرس الوزيري وآقوش الرومي الدوادار وكشتغدي الشمسي ولاجين الدرفيل وأيدغمش الحلبي وكشتغدي المشرقي وأيبك الشيخي وخاص ترك الصغير وبلبان المهراني وسنجر الإسعردي وسنجر الهمامي والبلان الناصري ويكنى الخوارزمي وطمان وأيبك العلائي ولاحين الشقيري وبلبان الإقسيسي وسلطان الإلدكزي، ووفى لهم. فلما قبض الملك المظفر قطز على ابن أستاذه حرض الملك الظاهر للملك الناصر على قصد مصر ليملكها فلم يجبه، فسأله أن يقدمه على أربعة آلاف فارس أو يقدم غيره ليتوجه إلى شط الفرات لمنع التتار من العبور إلى الشام، فلم يمكنه الصالح لباطن كان له مع التتار، ثم إن الظاهر فارق الناصر وتوجه إلى الشهرزورية وتزوج منهم، ثم جهز إلى المظفر من استخلفه له وعاد إلى القاهرة ودخلها سنة ثمان وخمسين وستمائة مخرج المظفر للقائه وأنزله في دار الوزارة وأقطعه قصبه قليوب لخاصه. فلما خرج المظفر للقاء التتار، جهز الظاهر في عسكر لكشف أخبارهم، فأول ما وقعت عينه عليهم ناوشهم القتال. ولما انقضت الوقعة بعين جالوت، تبعهم الظاهر يقتص آثارهم إلى حمص، وعاد فوافى المظفر بدمشق، ولما توجه المظفر إلى مصر اتفق الظاهر مع الرشيدي وبهادر المعزي وبكتوت الجوكنداري وبيدغان الركني وبلبان الهاروني وأنص الأصبهاني على قتل المظفر، فقتلوه على الصورة التي تذكر في ترجمته إن شاء الله تعالى. وساروا إلى الدهليز، فبايع الأمير فارس الدين الأتابك للملك الظاهر وحلف له، ثم الرشيدي ثم الأمراء وركب ومعه الأتابك وبيسري وقلاوون والخزندار وجماعة من خواصه، ودخل قلعة الجبل سابع عشر ذي القعدة وجلس في إيوان القلعة، وكتب إلى الأشرف صاحب حمص، وإلى المنصور صاحب حماة، وإلى مظفر الدين صاحب صهيون، وإلى الإسماعيلية وإلى علاء الدين ابن صاحب الموصل نائب حلب، والي من في الشام، يعرفهم ما جرى، وأفرج عمن في الحبوس من أصحاب الجرائم، وأقر الصاحب زين الدين بن الزبير على الوزارة، وكان قد تلقب بالملك القاهر، فقال له الصاحب زين الدين ابن الزبير: ما لقب أحد بالملك القاهر فأفلح، لقب به القاهر بن المعتضد فلم تطل أيامه وخلع، ثم سمل؛ وتلقب به القاهر ابن صاحب الموصل فسم ولم تزد أيامه في المملكة على سبع سنين، فأبطل الملك القاهر وتلقب بالظاهر. وزاد إقطاعات من رأى استحقاقه من الأمراء وخلع عليهم. وسير آفوش المحمدي بتواقيع الأمير علم الدين الحلبي فوجده قد تسلطن بدمشق، فشرع الظاهر في استفساد من عنده، فخرجوا عليه ونزعوه من السلطنة، وتوجه إلى بعلبك فأحضروه منها وتوجهوا به إلى مصر. وصفا الملك بالشام للملك الظاهر. وضبط الأمور وساس الملك أتم سياسة، وفتح الفتوحات وباشر الحروب بنفسه.
وكان جبارا في الأسفار والحصارات والحروب، وخافه الأعادي من التتار والفرنج وغيرهم لأنه روعهم بالغارات والكبسات، وخاض الفرات بنفسه فألقت العساكر بأنفسها خلفه، ووقع التتار فقتل منهم مقتلة عظيمة وأسر تقدير مائتي نفس، وفي ذلك قال محيي الدين ابن عبد الظاهر:

وقال بدر الدين يوسف بن المهمندار:
وقال ناصر الدين حسن بن النقيب:
وقال يوسف بن لؤلؤ الذهبي:
وقال أيضا:
وقال الحكيم موفق الدين عبد الله بن عمر الأنصاري:
وقال شهاب الدين محمود من أبيات:
وعمر الجسور الباقية إلى اليوم بالساحل والأغوار وأمن الناس في أيامه، وطالت، إلى أن عاد من وقعة البلستين، وأقام بالقصر الأبلق في دمشق، فأحس في يوم الخميس رابع عشر المحرم، يشرب القمز وبات على هذه الحال؛ فأحس يوم الجمعة في نفسه توعكا، فشكا ذلك إلى الأمير شمس الدين سنقر السلحدار فأشار عليه بالقيء فاستدعاه، فاستعصى عليه، فلما كان بعد الصلاة، ركب من القصر إلى الميدان على عادته والألم يقوى عليه، فلما أصبح اشتكى حرارة في بطنه، فصنعوا له دواء فشربه ولم ينجع، فلما حضر الأطباء أنكروا استعماله الدواء وأجمعوا على أن يسقوه مسهلا، فسقوه فلم ينجع، فحركوه بدواء آخر، فأفرط الإسهال به ودفع دما محتقنا فتضاعفت حماه وضعفت قواه، فتخيل خواصه أن كبده تتقطع وأن ذلك من سم شربه، فعولج بالجوهر وذلك يوم عاشره، ثم أجهده المرض إلى أن توفي يوم الخميس بعد الظهر، الثامن والعشرين من المحرم سنة ست وسبعين وست مائة، فأخفوا موته، وحمل إلى القلعة ليلا وغسلوه وحنطوه وصبروه، وكفنه مهتاره الشجاع عنبر والفقيه كمال الدين الاسكندري المعروف بابن المبنجي والأمير عز الدين الأفرم. وجعل في تابوت وعلق في بيت من بيوت البحرة بقلعة دمشق. وقد ذكر في ترجمة الملك القاهر عبد الملك بن المعظم عيسى فصل له تعلق بسبب وفاته رحمه الله تعالى فليؤخذ من هناك. وكتب بدر الدين بيليك الخزندار مطالعة بيده إلى ولده الملك السعيد، وركب الأمراء يوم السبت، ولم يظهروا الحزن. وكان الظاهر أوصى أن يدفن على السابلة قريبا من داريا وأن يبنى عليه هناك، فرأى الملك السعيد أن يدفنه داخل السور، فابتاع دار العقيقي بثمانية وأربعين ألف درهم، وأمر أن تبنى مدرسة للشافعية والحنفية ودار حديث وقبة للمدفن. ولما نجزت، حضر الأمير علم الدين سنجر الحموي المعروف بأبي خرص والطواشي صفي الدين جوهر الهندي إلى دمشق لدفن الملك الظاهر. وكان النائب عز الدين أيدمر فعرفاه ما رسم به الملك السعيد، فحمل تابوته ليلا ودفن خامس شهر رجب الفرد من السنة. فقال محيي الدين ابن عبد الظاهر، ومن خطه نقلت:
وقال علاء الدين الوداعي:
وفي سنة سبع وسبعين وستمائة عملت أعزية الملك الظاهر بالديار المصرية وتقرر أن يكون أحد عشر يوما في مواضع مفرقة، ونصبت الخيام العظيمة وصنعت الأطعمة الفاخرة واجتمع الخاص والعام، وحملت الأطعمة إلى الربط والزوايا، وحضر القراء والوعاظ إلى صلاة الفجر، وخلع على جماعة من القراء والوعاظ وأجيز بعضهم بالجوائز السنية.
ذكر أولاده رحمه الله تعالى
الملك السعيد ناصر الدين محمد بركة، وأمه بنت حسام الدين بركة خان الخوارزمي؛ والملك نجم الدين خضر، أمه أم ولد؛ والملك بدر الدين سلامش وله من البنات سبع من بنت سيف الدين دماجي التتري.
ذكر زوجاته رحمه الله تعالى
بنت بركة خان؛ وبنت سيف الدين نوكاي التتري؛ وبنت الأمير سيف الدين كراي التتري؛ وبنت الأمير سيف الدين دماجي التتري؛ وشهرزورية تزوجها لما توجه إليه ولما ملك طلقها.
ذكر وزرائه
الصاحب زين الدين ابن الزبير؛ ثم استوزر الصاحب بهاء الدين ابن حنا؛ ووزر في الصحبة ولده فخر الدين محمد بن الصاحب بهاء الدين إلى أن توفي؛ ثم رتب مكانه ولده الصاحب تاج الدين؛ ووزر له في الصحبة أيضا أخوه الصاحب زين الدين أحمد؛ ووزر له لصاحب عز الدين محمد بن الصاحب محيي الدين أحمد بن الصاحب بهاء الدين نيابة عن جده. وكان له أربعة آلاف مملوك.
فتوحاته رحمه الله تعالى
قيسارية؛ أرسوف؛ صفد؛ طبرية؛ يافا؛ الشقيف؛ أنطاكية؛ بغراس؛ القصير؛ حصن الأكراد؛ حصن عكار؛ القرين؛ صافيتا؛ مرقية؛ حلبا؛ وناصف الفرنج على المرقب وبلنياس وبلاد أنطرطوس وعلى سائر ما بقي في أيديهم من البلاد والحصون؛ وولى في نصيبه لولاة والعمال، واستعاد من صاحب سيس: درب ساك ودركوش، وبليش وكفر دنين ورعبان والمزربان. وملك من المسلمين: دمشق وبعلبك، وعجلون، وبصرى، وصرخد والصلت، وحمص، وتدمر، والرحبة وزليبا، وتل باشر، وصهيون، وبلاطنس وبرزيه وحصون الاسماعيلية والشوبك والكرك، وشيزر، والبيرة. وفتح الله عليه بلاد النوبة ودنقلة وغيرها.
عمائره رحمه الله تعالى
عمر بقلعة الجبل دار الذهب، وبرحبة الحبارج قبة عظيمة محمولة على اثني عشر عمودا من الرخام الملون وطبقتين مطلتين على رحبة الجامع، وعشا لبرج الزاوية المجاور لباب السر، وأخرج منه رواشن وبنى عليه قبة وزخرفها، وأنشأ جواره طباقا للمماليك، وأنشأ برحبة باب القلعة دارا كبيرة لولده الملك السعيد وأنشأ دورا كثيرة للأمراء ظاهر القاهرة مما يلي القلعة، وإسطبلات جماعة، وأنشأ حماما بسوق الخيل لولده، والجسر الأعظم، والقنطرة التي على الخليج، والميدان بالبورجي، وعمر به المناظر والقاعات ونقل إليه النخيل وكان أجرة النقل ستة عشر ألف دينار. وجدد الجامع الأقمر والجامع الأزهر. وبنى جامع العافية بالحسينية وأنفق عليه فوق الألف ألف درهم، وزاوية للشيخ خضر وحماما وطاحونا وفرنا وقبة على المقياس مزخرفة، وعدة جوامع في الأعمال المصرية؛ وجدد قلعة الجزيرة، وقلعة العمودين ببرقة، وقلعة السويس، وعمر جسرا بالقليوبية، وجدد الجسر الأعظم على بركة الفيل، وأنشأ قنطرته المعروفة بقنطرة السباع التي هدمها الملك الناصر محمد بن قلاوون، وقنطرة على بحر ابن منجا لها سبعة أبواب، وقنطرة بمنية السيرج، وقنطرتين عند القصير بسبعة أبواب تعبرها المراكب، وست عشرة قنطرة يسلك منها إلى دمياط، وقنطرة على خليج القاهرة للمرور عليها إلى الميدان، وقنطرة عظيمة على خليج الإسكندرية، وحفر خليج الإسكندرية وكان ارتدم، وحفر بحر أشموم وكان قد عمي، وحفر ترعة الصلاح، وخور سرخسا، وحفر المجايري، والكافوري، وترعة كنساد وزاد فيها مائة قصبة، وحفر بحر الصمصام بالقليوبية، وحفر السردوس، وحفر في ترعة أبي الفضل ألف قصبة. وتمم عمارة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل منبره، وأحاط بالضريح درابزينا وذهب سقوفه وجددها وبيض جدرانه، وجدد البيمارستان بالمدينة ونقل إليه سائر المعاجين والاكحال والأشربة وبعث إليه طبيبا من الديار المصرية، وجدد قبر الخليل عليه السلام ورم شعثه وأصلح أبوابه وميضاته وبيضه وزاد في راتبه المجرى عليه وعلى قوامه ومؤذنيه وإمامه ورتب له من مال البلد ما يجري على الواردين عليه والمقيمين به، وجدد بالقدس الشريف ما كان تداعى من قبة الصخرة، وجدد قبة السلسلة وزخرفها، وأنشأ خانا للسبيل، نقل بابه من دهليز كان للخلفاء المصريين بالقاهرة، وبنى به مسجدا وطاحونا وفرنا وبستانا، وبنى على قبر موسى عليه السلام قبة ومسجدا وهو عند الكثيب الأحمر قبلي أريحا، ووقف عليه وقفا، وبنى على قبر أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه مشهدا بعمتا من الغور ووقف عليه وقفا، وجدد بالكرك برجين كانا صغيرين فهدمهما وكبرهما وعلاهما، ووسع مشهد جعفر الطيار ووقف عليه وقفا زيادة على وقفه، وعمر جسر دامية بالغور ووقف عليه وقفا برسم ما عساه يتهدم من عمارته، وأنشأ جسورا كثيرة بالساحل والغور، وعمر قلعة قاقون وبنى بها جامعا ووقف عليه وقفا، وبنى حوض السبيل، وجدد جامع الرملة، وأصلح مصانعها، وأصلح جامع زرعين وما عداه من جميع البلاد الساحلية، وجدد باشورة لقلعة صفد أنشأها بالحجر الهرقلي وعمر كذلك أبراجا وبدنات وبغلات مسفحة، وبنى بالقلعة برجا زائد الارتفاع يصعد الجمل إلى أعلاه بحمله طوله ثمانون ذراعا ولم يكمل إلا في الأيام المنصورية، وبنى بالربض الذي بصفد جامعا حسنا، وكانت الشقيف قطعتين متجاورتين فجمع بينهما وبنى بها جامعا وحماما ودار نيابة، وجدد عمارة قلعة الصبيبة بعدما خربها التتار، وكان التتار هدموا شراريف قلعة دمشق ورؤوس أبراجها، فجدد ذلك، وبنى الطارمة التي على سوق الخيل، وبنى حماما خارج باب النصر. وجدد ثلاث اسطبلات على الشرف الأعلى. وبنى القصر الأبلق بالميدان ولم يكن مثله. وجدد مشهد زين العابدين بجامع دمشق وأمر بغسل الأساطين ودهان رؤوسها، ورخم الحائط الشمالي، وجدد باب البريد وفرشه بالبلاط ورم شعث قبة الدم وبنى دور الضيافة للرسل والمترددين مجاورة للحمام، وجدد ما تهدم من قلعة صرخد وجامعها ومساجدها، وكذلك فعل ببصرى وعجلون والصلت، وجدد نما تهدم من قلعة بعلبك، وجدد قبر نوح عليه السلام، وجدد أسوار حصن الأكراد وقلعتها عمرها وعقدها حنايا، وحال بينها وبين المدينة بخندق، وبنى عليها أبرجة بطلاقات، وجدد من حصن عكار ما كان استهدم وزاد الأبرجة، وبنى الجامع، وجدد خان المحدثة وعمل به الخفراء، وبنى من القصير إلى المناخ إلى قارا إلى حمص عدة أبرجة فيها الحمام والخفراء وكذلك من دمشق إلى تدمر والرحبة إلى الفرات، وجدد سفح قلعة حمص والدور السلطانية بها. وأنشأ قلعة شميمس بجملتها، وأصلح قلعة شيزر، وقلعتي الشغر وبكاس، وقلعة بلاطنس وبنى قلاع الإسماعيلية الثمان وبنى ما تهدم من قلعة عين تاب والراوندان، وبنى بأنطاكية جامعا مكان الكنيسة وكذلك ببغراس، وأنشأ قلعة البيرة وبنى بها الأبرجة ووسع خندقها وجدد جامعها، وأنشأ بالميدان الأخضر شمالي حلب مصطبة كبيرة مرخمة، وأنشأ دار الخير للقلعة، وبنى في أيامه ما لم يبن في أيام غيره. وكانت العساكر بالديار المصرية في الأيام الكاملية والصالحية عشرة آلاف فارس فضاعفها أربعة أضعاف وكان أولئك مقتصدين في النفقات والعدد وعسكره بالضد من ذلك. وكانت كلف المطبخ الصالحي النجمي ألف رطل لحم بالمصري كل يوم، فضاعف ذلك، فكانت في أيام الظاهر عشرة آلاف رطل كل يوم، عنها وعن توابلها عشرون ألف درهم، ويصرف في خزانة الكسوة كل يوم عشرون ألف درهم، ويصرف في الكلف الطارئة المتعلقة بالرسل والوفود كل يوم عشرون ألف درهم، ويصرف في ثمن القرط لدوابه ودواب من يلوذ به كل سنة ثمان مائة ألف درهم، ويقوم بكلف الخيل والبغال والحمير خمسة عشر ألف عليقة عنها ستمائة إردب. ويصرف للمخابز الجرايات خلا ما يصرف لأرباب الرواتب بمصر خاصة كل شهر عشرون ألف إردب. قال بعض الشعراء ملغزا في اسمه:
وكان الظاهر رحمه الله تعالى قد منع الخمر والحشيش وجعل الحد على ذنك السيف، فأمسك ابن الكازروني وهو سكران فصلب وفي حلقه جرة خمر فقال الحكيم شمس الدين ابن دانيال:
وقال القاضي ناصر الدين ابن المنير:
وقال ناصر الدين حسن بن النقيب:
وقال ابن دانيال:
وقال أيضا قصيدة سينية أولها:
وقال آخر:
وفيه يقول السراج الوراق:
وقال القاضي محيي الدين ابن عبد الظاهر لما دخل الملك الظاهر بلاد الأرمن:
وقال أيضا:
وقال أيضا:
ولما أراد الملك الظاهر أن يقرر القطيعة على البساتين واحتاط عليها وعلى الأملاك والقرى وهو نازل على الشقيف، قال له القاضي شمس الدين عبد الله بن عطاء الحنفي: هذا ما يحل، ولا يجوز لأحد أن يتحدث فيه، وقام مغضبا وتوقف الحال، وصقعت البساتين وعدمت الثمار جملة كافية؛ فقال في ذلك مجد الدين ابن سحنون خطيب النيرب:
وقال نور الدين أحمد بن مصعب:
وظن الناس أن السلطان يرحمهم لذلك، فلما أراد التوجه إلى مصر أحضر العلماء وأخرج فتاوي الحنفية باستحقاقها بحكم أن دمشق فتحها عمر بن الخطاب عنوة، ثم قال: من كان معه كتاب عتيق أجريناه، وإلا فنحن فتحنا هذه البلاد بسيوفنا، ثم قرر عليهم ألف ألف درهم، فسألوه تقسيطها فأبى وتمادى الحال، ثم إنهم عجلوا له منها أربع مائة ألف درهم بوساطة فخر الدين الأتابك وزير الصحبة، ثم أسقط الباقي عنهم بتوقيع قرئ على المنبر.
وفي واقعة الأبلستين يقول القاضي شهاب الدين محمود، أنشدني ذلك إجازة:

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 10- ص: 0