التصنيفات

أبو القاسم المحقق الحلي اسمه جعفر بن الحسن بن يحيى بن الحسن بن سعيد ومضى بعنوان أبو القاسم الحلي.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 410

أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن ابن أبي زكريا يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الححلي المعروف بالمحقق وبالمحقق الحلي:
مولده ووفاته
ولد سنة 62 وتوفي على قول ابن داود في رجاله في ربيع الآخر سنة 676 فيكون عمره 74 سنة. وفي توضيح المقاصد للشيخ البهائي أنه توفي في 23 من جمادى الثانية من تلك السنة ’’أه’’ وعن بعضهم إن تاريخ وفاته يوافق بحساب الجمل -زبدة المحققين رحمه الله- وفي لؤلؤة البحرين: قال بعض الأجلاء الأعلام من متأخري المتأخرين رايت بخط بعض الأفاضل ما صورته: في صبح يوم الخميس 13 ربيع الآخر سنة 676 سقط الشيخ الفقيه أبو القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد الحلي من أعلى درجة في داره فخر ميتا لوقته من غير نطق ولا حركة فتفجع الناس لوفاته واجتمع لجنازته خلقق كثير وحمل إلى مشهد أمير المؤمنين عليه السلام وسئل عن مولده فقال سنة 602 ’’أه’’ وفي منهج المقال بعد نقله: الشائع أن قبره في الحلة وهو مزور معروف وعليه قبة وله خدام يتوارثون ذلك أبا عن جد وقد خربت عمارته منذ سنين فأمر الأستاذ العلامة دام علاه -هو البهبهاني- بعض أهل الحلة فعمرها وقد تشرفت بزارته قبل ذلك وبعده ’’أه’’ أقول يمكن أن يكون دفن بالحلة أولا ثم انتقل إلى النجف كما جرى للسيدين المرتضى والرضي والله أعلم وحكى في اللؤلؤة أيضا عن بعض ألاء تلامذة المجلسي أنه ولد سنة 638 وتوفي ليلة السبت في محرم الحرام سنة 726 ’’أه’’ فعمره على هذا 88 سنة ’’أه’’ والظاهر أن تاريخ الوفاة اشتباه بتاريخ وفاة العلامة الحلي فإنه تلميذه والمعاصر والمواطن له الذي هو أعرف بوفاته من كل أحد أما تاريخ ولادته فالظاهر أن صوابه 602 كما مر وإن جعله 638 اشتباه والله أعلم.
أقوال العلماء فيه
قال ابن داود في رجاله: جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلي شيخنا نجم الدين أبو القاسم المحقق المدقق العلامة واحد عصره كان ألسن اهل زمانه وأقومهم بالحجة وأسرعهم استحضارا قرأت عليه ورباني صغيرا وكان له علي إحسان عظيم والتفات وأجاز لي جميع ما صنفه وقرأه وكل ما يصح روايته عنه توفي رحمه الله في شهر ربيع الآخر سنة 676 له تصانيف حسنة محققة محرره عذبة ’’أه’’. قال العلامة في إجازته لأبناء زهرة: كان أفضل أهل عصره في الفقه وقال الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني: لو ترك التقيد بأهل زمانه كان أصوب إذ لا أرى في فقهائنا مثله وفي توضيح المقاصد للشيخ البهائي: الشيخ المحقق المدقق سلطان العلماء في زمانه نجم الدين حعفر بن سعيد الحلي المعروف بالمحقق قدس الله روحه وإليه انتهت رياسة الشيعة الإمامية وحضر مجلس درسه بالحلة سلطان الحكماء والمتألهين الخواجة نصير الدين محمد الطوسي أنار الله برهانه وسأله نقض بعض المتكلمين كذا ’’أه’’ وفي أمل الآمل الشيخ الأجل المحقق جعفر بن الحسن بن يحيى بن الحسن بن سعيد الحلي حاله في الفضل والعلم والقدر والثقة والجلالة والتحقق والتدقيق والفصاحة والشعر والأدب والإنشاء وجمع العلوم والفضائل والمحاسن أشهر من أن يذكر وكان عظيم الشأن جليل القدر رفيع المنزلة لا نظير له في زمانه. وله شعر جيد وإنشاء حسن بليغ وكان مرجع أهل عصره في الفقه وغيره ’’أه’’ وفي لؤلؤة البحرين عند ذكر العلامة الحلي قال: وقد تلمذ على جملة الآفاضل الذين لا يفاضلهم مفاضل منهم بل هو أشهرهم ذكرا وأعلاهم فخرا الشيخ نجم الدين أبو القاسم جعفر ابن أبي زكربا يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الملقب بالمحقق كان محقق الفضلاء ومدقق العلماء وحاله والفضل والنبالة والعمل والفقه والجلالة والفصاحة والشعر والأدب والإنشاء أشهر من أن يذكر وأظهر من أن يسطر ’’أه’’ وكفاه جلالة قدر اشتهاره بالمحقق فلم يشتهر من علماء الإمامية على كثرتهم في كل عصر بهذا اللقب غيره وغير الشيخ علي بن عبد العالي العاملي الكركي وما أخذ هذا اللقب بجداره واستحقاق وقد رزق في مؤلفاته حظا عظيما فكتابه المعروف بشرائع الإسلام هو عنوان دروس المدرسين في الفقه الاستدلالي في جميع الأعصار وكل من أراد الكتابة في الفقه الاستدلالي يكتب شرحا عليه كمسالك الأفهام ومدارك الأحكام وجواهر الكلام وهداية الأنام ومصابيح الفقه وغيرها وصنف بعض العلماء شرحا لتردداته خاصة وعليه من التعليقات والحواشي عدد كثير ونسخه المخطوطة النفسية لا تحصى كثرة وطبع طبعات كثيرة في إيران ولا يكاد يوجد واحد من العلماء أو طلبة العلوم الدينية ليس عنده منه نسخة، وطبع في لندن عاصمة بلاد الإنكليز ومختصره المسمى بالمختصر النافع عليه شروح كثيرة مثل كشف الرموز لتلميذه الآبي اليوسفي والتنقيح الرائع للمقداد السيوري والبرهان القاطع وغيرها وعليه من التعليقات والحواشي شيء كثير لأجلاء العلماء
أخباره
في لؤلؤة البحرين: نقل غير واحد من أصحابنا أن المحقق الطوسي الخواجة نصير الملة والدين حضر ذات يوم حلقة درس المحقق بالحلة حيث ورود الخواجة إليها فقطع المحقق الدرس تعظيما له وإجلالا لمنزلته فالتمس منه إتمام الدرس فجرى البحث في استحباب التياسر قليلا لأهل العراق عن يمين القبلة فأورد المحقق الخواجة نصير الدين بأنه لا وجه لهذا الاستحباب لأن التياسر إن كان من القبلة إلى غير القبلة فهو حرام وإن كان من غيرها فهو واجب فقال المحقق الحلي التياسر منها إليها فسكت المحقق الطوسي ’’أه’’ وتوضيح هذا الجواب يرجع إلى أن ذلك مبني على أن الكعبة قبلة من في المسجد والمسجد قبلة من في الحرام والحرام قبلة من الدنيا كما تدل عليه بعض الروايات ولما كان الحرام على يسار الكعبة أكثر منه عن يمينها لنه عن يسارها ثمانية أميال وعن يمينها أربعة أميال استحب التياسر قليلا لكونه أقرب إلى الظن باستقبال الحرام فالتياسر في الحقيقة احتياط لتحصيل الظن بالاستقبال قال ثم أن المحقق الحلي ألف رسالة لطيفة في المسألة وأرسلها إلى المحقق الطوسي فاستحسنها وقد أوردها الشيخ أحمد بن فهد في المذهب البارع في شرح المختصر النافع بتمامها ’’أه’’ وسيأتي ذكرها قريبا، وفي المجلد الصلاة من البحار: قد جرى في ذلك مراسلات بين المحقق صاحب الشرائع والمحقق الطوسي قدس الله روحيهما وكتب المحقق الأول في ذلك رسالة ثم قال والذي يخطر في ذلك بالبال ان المر بالانحراف لأن محاريب الكوفة وسائر بلاد العراق أكثرها كانت منحرفة عن خط نصف النهار كثيرا مع أن الانحراف في أكثرها يسير بحسب القواعد الرياضية كمسجد الكوفة فإن انحراف قبلته إلى اليمين أزيد ما تقتضيه القواعد بعشرين درجة تقريبا وكذا مسجد السهلة ومسجد يونس ولما كان أكثر تلك المساجد مبنية في زمن خلفاء الجور لم يمكنهم القدح فيها تقية فأمروا بالتياسر وعللوا بتلك الوجوه الخطابية لإسكاتهم وعدم التصريح بخطأ خلفاء الجور وأمرائهم وما ذكره أصحابنا من أن محراب المعصوم لا يجوز الانحراف عنه إنما يثبت إذا علم أن الإمام بناه معلوم أنه عليه السلام لم يبنه وصلى فيه من غير انحراف وهو أيضا غير ثابت بل ظهر لنا من بعض ما سنح من الأثار عند تعمير المساجد في زماننا ما يدل على خلافة مع أن الظاهر من بعض الأخبار أن هذا الباء غير البناء الذي كان في زمن أمير المؤمنين عليه السلام. وقال في كتاب المزار ويؤيده ما ورد في وصف مسجد غني وأن قبلته لقاسطة فهو يومي إلى أن سائر المساجد في قبلتها سيء على أنه لا يعلم بقاء البناء الذي كان على عهد أمير المؤمنين عليه السلام بل يدل بعض الأخبار على هدمه وتغيره. وقال العلامة الحلي في إجازته الكبيرة لبني زهرة: وكان الشيخ العظم الخواجه نصير الدين محمد بن الحسن الطوسي قدس الله روحه وزيرا للسلطان هلاكو خان إلى العراق فحضر الحلة فاجتمع عنده فقهاؤها فأشار إلى الفقيه نجم الدين أبي القاسم جعفر بن سعيد فقال من أعلم هؤلاء الجماعة فقال كلهم فاضلون علماء وإن كان واحد منهم مبرزا في فن كان الآخرمنهم مبرزا في فن آخر فقال من أعلمهم بالأصولين أصول العقايد وأصول الفقه فأشار إلى والدي سديد الدين يوسف بن المطهر وإلى الفقيه مفيد الدين محمد بن جهم فقال هذان أعلم الجماعة بعلم الكلام وأصول الفقه فتكدر الشيخ يحيى بن سعيد وكتب إلى ابن عمه أبي القاسم يعتب عليه وأورد في مكتوبه أبياتا وهي:

كيف ذكرت ابن المطهر وابن الجهم ولم تذكرني فكتب إليه يعتذر إليه ويقول لو سألك الخواجة مسالة في الأصولين ربما وقفت وحصل لنا الحياء ’’أه’’.
رسالة المترجم في التياسر
قال أحمد بن فهد في المهذب البارع في شرح المختصر النافع: إعلم أنه اتفق حضور العلامة المحقق خواجة نصير الدين محمد بم محمد بن الحسن الطوسي قدس الله روحه مجلس المصنف طاب ثراه ودرسه فكان فيما قرىء بحضوره درس القبلة فأورد إشكالا على التياسر فأجاب المصنف في الحال بما اقتضاه في ذلك الزمان ثم عمل في المسألة رسالة وبعثها إليه فاستحسنها المحقق حين وقف عليها وها أنا موردها بلفظها:
بسم الله الرحمن الرحيم جرى في أثناء فوائد المولى أفضل علماء الإسلام وأكمل فضلاء نصير الدنيا والدين محمد بن محمد بن الحسين الطوسي أيد الله بهمته العالية قواعد الدين ووطد أركانه ومهد بمباحثه السامية عقائد الإيمان وشيد بنيانه إشكال على التياسر وحكايته الأمر بالتياسر لأهل العراق لا يتحقق معناه لأن التياسر أمر إضافي لا يتحقق إلا بالإضافة إلى صاحب يسار متوجه إلى الجهة وحينئذ إما يكون الجهة محصلة وإما أن لا يكون ويلزم من الأول التياسر عما وجب التوجه إليه وهو خلاف مدلول الآية ومن الثاني عدم إمكان التياسر إذ تحققه موقوف على تحقق الجهة التي يتياسر عنها ثم يلزم من تحقق هذا الإشكال تنزيل التياسر على التأويل أو التوقف فيه حتى يوضحه الدليل وهذا الإشكال مما لم تقع عليه الخواطر ولا تنبه الأوائل والأواخر ولا كشف عن مكنونه الغطاء لكن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء وفرض من يقف على فوائد هذا المولى الأعظم من علماء الأنام أن يبسطوا له يد الانقياد والاستسلام وأن يكون قصاراهم التقاط ما يصدر عنه من جواهر الكلام فإنها شفاء أنفس الأنام وجلاء الأفهام غير أنه ظاهر الله جلاله ولا أعدام أولياء فضله وأفضاله سوغ لي الدخول في هذا الباب وأذن لي أن أورد ما يحضرني في الجواب ما يكون صوابا أو مقاربا للصواب ممتثلا لأمره مشتملا ملابس صفحه وعفوه أنه ينبغي أن يتقدم ذلك مقدمه تشتمل على بحثين الأول لفقهائنا قولان أحدهما أن الكعبة قبلة لمن كان في الحرم ومن خرج عنه والتوجه إليها متعين على التقديرين فعلى هذا لا تياسر أصلا. والثاني إنها قبلة لمن كان في المسجد والمسجد قبلة لمن كان في الحرم والحرم قبلة خرج عنه وتوجه المصلي على قول هذا القائل من الآفاق ليس إلى الكعبة حتى إن استقبال الكعبة في الصف المتطاول متعذر لأن عنده جهة كل واحد من المصلين غير جهة الآخر إذ لو خرج من وجه كل واحد منهم خط مواز للخط الخارج من وجه الآخر لخرج بعض تلك الخطوط عن ملاقاة الكعبة فحينئذ يسقط اعتبار الكعبة بانفرادها في الاستقبال ويعود مختصا باستقبال ما اتفق من الحرم لا يقال هذا باطل بقوله تعالى {فول وجهك شطر المسجد الحرام} وبأنه لو كان كذا لجاز لمن وقف على طرف الحرام في حهة الحل أن يعدل عن الكعبة إلى اسقبال بعض الحرم لأنا نجيب عن الأول بأن المسجد قد يطلق على الحرم كما روي في تأويل قوله تعالى {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام} وقد ورد أنه كانت في بيت أم هانيء بنت أبي طالب وهو خارج عن المسجد ولأنا نتكلم عن التياسر المبني على قول من يقول بذلك. ونجيب عن الثاني بأن استقبال جهة الكعبة متعين لمن تيقنها وإنما يقتصر على الحرم من تعذر عليه التيقن بجهتها ثم لو ضويقنا جاز أن نلتزم ذلك تمسكا بظاهر الرواية البحث الثاني من شاهد الكعبة استقبل ما شاء منها ولا تياسر عليه وكذا من تقين جهتها على التعيين أما من فقد القسمين فعليه البناء على العلامات المنصوبة للقبلة لكن محاذاة كل علامة من العلامات بالعضو المختص بها من المصلي ليس يوجب محاذاة القبلة بوجهه تحقيقا إذ يتوهم المحاذاة ويكون منحرفا عن السمت انحرافا خفيفا خصوصا عند مقابلة الشيء الصغير إذا تقرر ذلك رجعنا إلى الأشكال أما كون التياسر أمرا إضافيا لا يتحقق إلا بالمضاف فلا ريب فيه وأما كون الجهة إما محصلة أو غير محصلة فالوجه أنها محصلة وبيان ذلك أن الشارع نصب علامات أوجب محاذاة كل واحدة منها بشيء من أعضاء المصلي بحيث تكون الحهة المقابلة لوجهه حال محاذاة تلك العلامة هي جهة الاسقبال فالتياسر حينئذ يكون عن تلك الجهة المقابلة لوجه المصلي، وأما أنه إذا كانت محصلة كانت هي جهة الكعبة والانحراف عنها يزيل التوجه إليها، فالجواب عنه أنا قد بينا أن الفرض هو استقبال الحرم لا نفس الكعبة فإن العلائم قد يحصل الخلل في مسافتها فالتياسر حينئذ استظهار في مقابلة الحرم الذي يجب التوجه إليه في كل من حالتي الاستقبال والتياسر يكون متوجها إلى القبلة المأمور بها أما في حال الاستقبال فلانها جهة الإجزاء من حيث هو محاذاة لجهة من جهات الحرم تغليبا مستندا إلى الشرع وأما في حال التياسر فيتحقق محاذاة جهة الحرم ولهذا تحقق الاستحباب في طرفه لحصول الاستظهار به إن قيل هنا إيرادات ثلاثة الأول النصوص خالية عن هذا التعيين فمن أين صرتم إليه الثاني ما الحكمة في التياسر عن الجهة التي نصب العلائم عليها فإن قلتم لأجل تفاوت مقدار الحرم عن يمين الكعبة ويسارها قلنا إن أريد بالتياسر وسط الحرم فحينئذ بخرج المصلي عن جهة الكعبة يقينا وإن أريد تياسرا لا يخرج به عن سمت الكعبة فحينئذ يكون ذلك قبلة حقيقية ثم لا يكون بينه وبين التيامن اليسير فرق الثالث الجهة المشار إليها إن كان استقبالها واجبا لم يجز العدول عنها والتياسر عدول فلا يكون مأمورا به قلنا أما الجواب عن الأول فإنه وإن كانت النصوص خالية عن تعيين الجهة نطقا فإنها غير خالية من التنبيه عليه إذا لم يثبت وجوب استقبال الجهة التي دلت عليهما العلائم ويثبت الأمر بالتياسر بمعنى أنه عن السمت المدلول عليه، وعن الثاني بالتقصي عن إبانة الحكمة في التياسر فإنه غير لازم في كل موضع بل غير ممكن في كل تكليف ومن شأن الفقيه تلقي الحكم مهما صح المستند، أو نقول إما أن يكون الأمر بالتياسر ثابتا، وإما أن لا يكون فإن كان لزم الامتثال تلقيا عن صاحب الشرع وإن لم يعط العلة الموجبة للتشريع وإن لم يكن ثابتا فلا حكمة ويمكن أن نتكلف إبانة الحكمة بأن نقول لما كانت الحكمة متعلقة باستقبال الحرم وكان المستقبل من أهل الآفاق قد يخرج من الاستناد إلى العلامات عن سمته بأن يكون منحرفا إلى اليمين وقد الحرم يسير عن يمين الكعبة فلو اقتصر على ما نظر أنه جهة الاستقبال أمكن أن يكون مائلا إلى جهة اليمين فيخرج عن الحرم وهو يظن استقباله ومحاذاة العلائم على الوجه المحرر قد يخفي على المهندس الماهر فيكون التياسر يسيرا عن سمت العلامة مفضيا إلى سمت المحاذاة، ويشهد لهذا التأويل ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام وقد سئل عن سبب التحريف عن القبلة ذات اليسار فقال إن الحرم عن يسار الكعبة ثمانية أميال وعن يمينها أربعة أميال فإذا انحرف ذات اليمين خرج عن حد القبلة وإذا انحرف عن ذات اليسار لم يكن خارجا عن حد القبلة وهذا الحديث يؤذن بأن المقابلة قد يحصل معها احتمال الانحراف وأما الجواب عن الثالث فقد مر في أثناء البحث، وهذا كله مبني على أن استقبال أهل العراق إلى الحرم لا إلى الكعبة وليس ذلك بمعتمد بل الوجه الاستقلال إلى جهة الكعبة إذا علمت أو غلب الظن مع عدم الطريق إلأى العلم سواء أكان في المسجد أو خارجه فيسقط حينئذ اعتبار التياسر والتعويل في استقبال الحرم إنما هو أخبار آحاد ضعيفة وبتقدير أن يجمع جامع بين هذا المذهب وبين التياسر بكون ورود الإشكال عليه أتم. وبالله العصمة والتوفيق إنه ولي الإجابة، قال ابن فهد: هذا آخر رسالة المصنف قدس الله روحه ثم قال: وأعلم أن غير المصنف أجاب عن هذا الإشكال بمنع الحصر لأن حاصل السؤال أن التياسر إما إلى القبلة فيكون واجبا لا مستحبا وإما عنها فيكون حراما، والجواب منع الحصر بل نقول التياسر فيها وجاز اختصاص بعض جهات القبلة بمزيد الفضيلة على بعض او حصول الاستظهار بالتوسيط بسبب الانحراف ’’أه’’.
مشايخه في القراءة والرواية
(1) نجيب الدين محمد بن جعفر ابن أبي البقاء هبة الله بن نما الحلي الربعي.
(2) السيد فخار بن معد الموسوي.
(3) والده الحسن بن يحيى بن الحسن بن سعيد وفي امل الآمل يروي عن أبيه عن جده يحيى الأكبر.
(4) الشيخ مفيد الدين محمد بن جهم الحلي وغيرهم.
تلاميذه
(1) الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي الشهير بالعلامة الذايع الصيت وهو ابن أخت المحقق
(2) الحسن بن داود الحلي صاحب الرجال.
(3) السيد غياث الدين عبد الكريم بن أحمد بن طاوس صاحب فرحة الغري.
(4) السيد جلال الدين محمد بن علي بن طاوس الذي كتب أبوه لأجله كتاب البهجة لثمرة المهجة.
(5) جلال الدين محمد بن الكوفي الهاشمي الحارثي شيخ الشهيد.
(6) الشيخ عز الدين الحسن بن أبي طالب اليوسفي الآبي صاحب كشف الرموز (7) الوزير شرف الدين أبو القاسم علي ابن الوزير محمد ابن العلقمي.
(8) الشيخ شمس الدين محفوظ بن وشاح بن محمد الحلي.
(9) جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي صاحب الدر النظيم في مناقب الأثمة اللهاميم.
(10) صفي الدين محمد بن نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى الحسن بن سعيد وهو ابن ابن عم المحقق لأن اباه يحيى صاحب الجامع ابن عم المحقق.
(11) شمس الدين محمد بن صالح السيبي القسيني.
(12) جمال الدين أبو جعفر محمد بن علي القاشي.
(13) رضي الدين علي بن يوسف صاحب العدد القوية أخو العلامة الحلي.
(14) فخر الدين محمد ابن العلامة الحلي كما يستفاد من إجازة تلميذه الشيخ علي بن عبد الحميد النيلي لأحمد بن فهد الحلي.
(15) نجم الين طمان بن أحمد العاملي الشامي، إجازة الشيخ حسن صاحب المعالم عند ذكر الشيخ طمان هذا أنه قال ورويت عن الفقيه المعظم السعيد الشيخ نجم الدين جعفر بن سعيد جميع ما صنفه وألفه ورواه وكنت في زمن قراءتي على شيخنا الفقيه نجيب الدين محمد بن نما أتردد إليه أواخر كل نهار وحفظت عليه كتابه المسمى نهج الوصول إلى معرفة علم الأصول في أصول الفقه وشرحه قال وقرأت كتاب الجامع في الشرايع تصنيف الفقيه السعيد المعظم شيخ الشيعة في زمانه نجيب الدين أبي زكريا يحيى بن أحمد بن سعيد عليه أجمع إلخ. .
مؤلفاته
(1) شرايع الإسلام مطبوع في إيران طبعات كثيرة وطبع في لندن.
(2) النافع مختصر الشرايع.
(3) المعتبر في شرح المختصر أي الشرايع لم يتم طبع في إيران مرتين.
(4) نكت النهاية أي نهاية الشيخ الطوسي في الفقه. مطبوع.
(5) المسائل العزية.
(6) المسائل المصرية.
(7) المسلك في أصول الدين.
(8) المعارج في أصول الفقه.
(9) الكهنة أو اللهنة في المنطق وفي روضات الجنات الظاهر أنها الكهانة بالفتح بمعنى الصناعة لما يوجد من المؤلفات بهذا الاسم كثيرا في الكتب القديمة ’’أه’’ وهذه التسعة ذكرها ابن داود في رجاله ثم قال وله كتب غير ذلك.
(10) مختصر مراسم سلار الديلمي في الفقه.
(11) نهج المصول إلى معرفة علم الأصول.
(12) رسالة التياسر في القبلة.
نثره وشعره
في مجموعة الشهيد التي هي بخط الشيخ محمد بن علي العاملي الجباعي جد الشيخ البهائي قال الشيخ أبو القاسم جعفر بن سعيد الحلي:
بسم الله الرحيم الرحيم:
لما وقف على ما أمر به الصاحب الصدر الكبير العالم الكامل العارف المحقق بهاء الدنيا والدين غياث الإسلام أدام الله أيامه في عز مؤيد وفخر ممهد ومجد مجدد ونعمة قارة العيون باسقة الغصون دارة الحلب حميدة المنقلب محروسة الجوانب مصونة من الشوائب وتأملت ما برز عنه من الألفاظ التي هي اعذب من الماء الزلال واطيب من الغنى بعد الإقلال فهي التي يعجز الطامع ببديعها ويعجب السامع حسن جمعها وترصيعها فكأن الشاعر عناه بقوله:
وليس بمستغرب تفرده ببديع النثر والنظر مع ما وهبه الله سبحانه من جودة القريحة وقوة الفهم نسأل الله أن يديم لفضلاء الآداب ورؤساء الكتاب ما كنفهم من ظله وشملهم من فضله وأباحهم من مراتعه وسوغهم من شرايعه ليستمر نفاق سوقهم ويشمروا للاجتهاد فيه عن سوقهم، دلت ألفاظه الكريمة على استدعاء ما يكون تذكرة لأهل الوداد وعهدا يحدد به ما أخلقته يد العباد فعند ذلك أحببت أن أدخل فيمن سارع إلى أمتثال أوامره لأكون في جملة من شرفه بذكره وتخطره بخواطره فأقول إن الشعر من أفضل مشاعر الأدب وأجمل مفاخر العرب. به تستماح المكارم وتستعطف الطباع والغواشم وتشحذ الأذهان وتستل الأضغان ويستصلح الرأي الفاسد وتستثار الهمم والجوامد لكنه عسر المطلب خطر المركب لافتقاره إلى أمور غريزية وأخرى كسبية وهي شديدة الامتناع بعيدة الاجتماع فالمعتذر عن التعرض له معذور والمعترف بالقصور عنه مشكور وقد كنت زمن الحداثة أتعرض لشيء منه ليس بالمرضي فكتبت أبياتا إلى والدي رحمه الله أثني فيها علي نفسي بجهل الصبوة وهي:
فكتب رحمه الله فوق هذه الأبيات ما صورته:
لئن أحسنت في شعرك لقد أسأت في حق نفسك أما علمت أن الشعر صناعة من خلف العفة ولبس الحرفة والشاعر ملعون وإن أصاب ومنقوص وإن أتى بالشيء العجاب وكأني بك قد أوهمك الشيطان فضيلة الشعر فجعلت تنفق ما تلفق بين جماعة لم يعرفوا لك فضيلة غيره فسموك به وكان ذلك وصمة عار عليك آخر الدهر ألم تسمع:
فوقف خاطري عند ذلك حتى كأني لم أقرع له بابا ولم أرفع له حجابا وأكد ذلك عندي ما رويته بإسناد متصل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد قد أطاف به جماعة فقال ما هذا؟ قالوا علامة، فقال: ما العلامة؟ قالوا عالم بوقايع العرب وأنسابها وأشعارها فقال عليه الصلاة والسلام ذلك علم لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه، ومن البين أن الإجادة فيه تفتقر إلى تمرين الطبع وصرف الهمة إلى الفكر في تناسب معناه ورشاقة ألفاظه وجودة سبكه وحسن حشوه تمرينا متكررا حتى يصير خلقا وكما أن ذلك سبب الاستكمال فيه فالإهمال سبب القصور عنه وإلى هذا المعنى اشرت من جملة أبيات:
ولمكان إضرابي عن نظمه وإعراضي حتى ذكر اسمه لم يبق ما هو حقيق أن يرفض ولا يعرض ويضمر ولا يظهر لكني مع ذلك أورد ما أدخل به حيز الامتثال وإن كان ستره أنسب بالحال فمنه:
ومنه:
وحسب تحصيل الغرض بهذا القدر فنحن نقتصر عليه ونستغفرالله سبحانه وتعالى من فرطات الزلل وورطات الخلل ونستكفيه زوال النعم وحلول النقم ونستعتبه محل العثار وسوء المرجع في القرار ومن أفضل ما يفتح به النظام ويختم به الكلام ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم: من سلك طريقاص إلى العلم سلك الله به طريقا إلى الجنة، وقال صلى الله عليه وسلم: لا خير في الحياة إلا لعالم مطاع أو مستمع واع، وقال صلى الله عليه وسلم: تلاقوا وتذاكروا وتحدثوا فإن الحديث جلاء القلوب إن القلوب ترين كما يرين السيف وقال صلى الله عليه وسلم لا يزيد في العمر مثل الصدقة ولا يرد البلاء مثل الدعاء ولا ينور العبد مثل الخلق الحسن ولا يذهب الذنوب إلا الاستغفار والصدقة ستر من النار وجواز على الصراط وامان من العذب، وقال صلى الله عليه وسلم: صلوا الأرحام يغفر لكم وتعاهدوا المساكين يبارك لكم في أموالكم ويزاد في حسناتكم. وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله سبحانه يقول أطلبوا الحوائج عند ذوي الرحمة من عبادي فإن رحمتي لهم، ولا تطلبوها عند القاسية قلوبهم فإن غضبي فيهم وقال صلى الله عليه وسلم: صنايع المعروف تقي مصارع السوء، وقال صلى الله عليه وسلم: من اقتصر من الدنيا على ما أحل له سلم ومن أخذ العلم من أهله وعمل به نجا ومن أراد به الدنيا فهو حظه، وكتب جعفر بن الحسن يحيى بن سعيد الحلي ’’أه’’، وفي كتاب أبيه إليه بما مر دلالة على ما لأبيه من الرصانة وقوة الإيمان فإن العادة جارية في مثل المقام أن يفرح الإنسان بما يراه من ولده من شعر أو فخر وغيره ويرى قليله كثيرا ولكن أباه حمله نظره الصائب القوي على زجر ولده عن الفخر ونظم الشعر. المراسله بينه وبين الشيخ محفوظ بن وشاح قال الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني: رأيت بخط الشهيد الأول في بعض مجاميعه أن الشيخ شمس الدين محفوظ بن وشاح بن محمد كتب إلة الشيخ المحقق نجم الدين بن سعيدا ابياتا من جملتها:
ومنها
فأجابه المحقق بهذه الأبيات:
وكتب به نثرا من جملته: ولست أدري كيف سوغ لنفسه الكريمة مع حنوه على إخوانه وشفقته على أوليائه وخلانه أثقال كاهلي بما لا يطيق الرجال حمله بل تضعف الجبال أن تقله حتى صيرني بالعجز عن مجاراتهأسيرا ووقفني في ميدان محاورته حسيرا ’’أه’’.
رثاؤه
في أمل الآمل لما توفي رثاه جماعة منهم الشيخ محفوظ بن وشاح فرثاه بقصيدة منها:

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 4- ص: 89