أبو القاسم الفردوسي الطوسي الشاعر الفارسي الشهير صاحب الشاهنامة
(مولده ووفاته)
ولد سنة 323 أو 324 ففي كتاب (سخن وسخنوران) لصديقنا الفاضل المعاصر بديع الزمان بشرويه الخراساني ما تعريبه: إن ولادته على الظاهر سنة 323 وقال في الحاشية حيث إنه حين إكمال الشاهنامة كان بحسب الحدس الصحيح في سن 77 سنة أو 67 سنة فيكون عام تولده هو ما ذكرناه ’’اه’’ وذلك لأنه أكمل الشاهنامة سنة 400 قال ومولده على الأصح في قرية باز بالزاي المنقط فوقها ثلاث نقط التي تلفظ جيما تركية أو فارسية أو باز (بالزاي الخالصة) أو فاز (بالفاء) قرية من قرى طوس من نواحي طبران أو طابران التي هي مركز تلك الولاية وهما مدينتان من عمدة مدن طوس وهذه القرية واقعة بين طوس ونيشابور وهذا قول صاحب أربعة مقالات وعلى قول دولتشاه مولده بقرية شاداب من نواحي طوس وقيل مولده بقرية رزان ’’اه’’ أما تاريخ وفاته فغير معلوم على التحقيق فإنه أتم الشاهنامة سنة 400 والله أعلم كم عاش بعد ذلك وقبره قريب من نيشابور بينهما وبين طوس على يمين الذاهب من نيشابور إلى طوس قريب الطريق وعليه قبة رأيناه في سفرنا إلى المشهد المقدس سنة 1353.
(كنيته ولقبه واسمه واسم أبيه)
كنيته أبو القاسم ولقبه الفردوسي لأنه كان يتخلص في أشعاره بفردوسي على طريقة شعراء الفرس وعلمائهم في تخليصهم بلفظ منسوب يشتهرون به كالفردوسي والمجلسي وغير ذلك. وفي سخن وسخنوران: وهذا متفق عليه ولكن الخلاف في اسمه واسم أبيه فقيل اسمه حسن أو أحمد أو منصور واسم أبيه علي أو إسحاق ابن شرفشاه أو أحمد بن فرخ ولا يحضرنا دليل على ترجيح أحد الأقوال ’’اه’’ وحيث لم يعلم اسمه واسم أبيه على التحقيق فقد ترجمناه بكنيته ولقبه المتفق عليهما.
(أقوال العلماء والشعراء فيه)
في كتاب سخن وسخنوران: الفردوسي أكبر شاعر فارسي وأشهر بلغاء إيران. وأستاذ جميع فصحاء الفرس بقول مطلق وله في أعناق جميع شعراء الفرس المتأخرين فإنه وسع لهم نطاق البيان ومهد طريق الكلام وسهل طريقة الشعر وفتح باب صناعة النظم بأصرخ إشارة وفي المقامات المتعددة والجهات المختلفة والأفكار المتفاوتة جاء بأنواع العبارات وألوان الكنايات.
أستاذ طوس له يد في تمام فنون الكلام من النسيب والغزل والحكمة والاعتذار والإنذار والمدح والهجاء والرثاء والافتخار والعتاب وغيرها من أغراض الشعر ولم يكن مقصورا على الشعر القصصي كما يتوهم بعض منتحلي الأدب في هذا العصر ولا يقصر في ذلك عن غيره ولكن رأى أن ذلك غير كاف في إحياء القومية والوطنية واللسان الفارسي ورأى أن ترتيب المقدمات وتنظيم البراهين لا ينفع لإقناع العوام وتحريضهم لأن مقدمات البرهان وإن كانت بديهية في ذاتها فهي بعيدة عن أذهان العوام وإن كانت نظرية فهم قاصرون عن ترتيبها والاستنتاج منها والمقدمات الظنية والخيالية أشد تأثيرا فيهم وكلما كانت المقدمات قريبة إلى الحس وممثلة بشكل محسوس تكون أقرب إلى التصديق ومن هذه الجهة كان التمثيل أحسن وسيلة لإقناع الجمهور وبواسطة ذلك يمكن لفت نظر العامة وتحريكهم إلى أي مقصود كان وغرض الشاعر تحريك العواطف والإحساسات فإذا التمثيل لأجل هؤلاء أنفع لوسائل ولو كان أستاذ طوس استعمل في مقاصده الوطنية والأخلاقية غير طريقة التمثيل فمن أين كان لشعره كل هذا التأثير ومن أين كان ينتشر في الشوارع والأسواق ويكون حديث الناس فيها والآن مع هذا الانحطاط الأدبي والأخلاقي فالناس تقرأ شعره في الشاهنامة في المحافل والأندية بوضع خاص فيحرك إحساساتهم وعواطفهم ويجسم لهم حب الوطن.
الفردوسي أكبر شعراء إيران وأشهرهم لا لأنه أتي بالشعر الحماسي الذي أحيا به القومية الإيرانية فحسب كلا بل كل من مارس فن البلاغة وكان صاحب ذوق سليم وذهن مستنير ووقع في مضائق الشعر ومسالكه الدقيقة ورأى الانتقاد وعرف مواقع الحروف والجمل وعلم وجوه الاتصال والانفصال يصدق حتما بأن الفردوسي لا نظير له في إبداع الأساليب وحسن التراكيب ومعرفة مواقع الفصل والوصل والابتداء والختم والاستطراد وإرسال الأمثال ودقة التشبيه والاستعارة ومراعاة مقتضيات الأحوال.
كان الفردوسي مطلعا على الأخبار والأحاديث الإسلامية وفي كثير من الأمكنة تجد ترجمتها في الشاهنامة وأما أنه كان عارفا بالعلوم البرهانية من الفلسفة والرياضي فغير قابل للتشكيك لأنه مع قطع النظر عن الاستدلالات المحكمة التي في الشاهنامة التي لا يقدر على إيجادها إلا من تمكن في معرفة البرهانيات، فيها من قوانين الإلهي والطبيعي شيء كثير.
الفردوسي كان طاهر الأخلاق عفيف النفس لم يدنس شعره بألفاظ قبيحة كما يجري لبعض الشعراء وإذا اضطر إلى ذلك يأتي به بطريق الكناية عدوا للجفاء والشدة وإراقة الدماء. وكان محبا لوطنه ومواطنيه ’’اه’’.
(أقوال شعراء الفرس فيه)
قال الأنوري الشاعر الفارسي فيما حكي عنه ما ترجمته: مرحبا بمشاعر الفردوسي في مقامه النوراني الرفيع فما كان الفردوسي أستاذا ونحن تلاميذه بل كان إله الشعر ونحن عبيده. ويقول ابن اليمنى: إن الطابع الذي نقشه الفردوسي على دنانير الكلام لم يتح لشاعر فارسي أنه كلام هبط من الثريا إلى الثرى فأصعد الفردوسي ورفعه من الثرى إلى الثريا.
ويقول النظامي: الفردوسي هو الشاعر التاريخي والعالم الطوسي هو الذي زين بالشعر وجه الكلام كما زين بالحلي وجه العروس. وقال السعدي: ما أجمل الفردوسي الظاهر الأصل فلتهبط شآبيب الرحمة على ترابه الطاهر.
(مؤلفاته)
(1) الشاهنامة المشهور وهي شعر بالفارسية. (2) كتاب يوسف وزليخا وهو شعر فارسي أيضا.
(الكلام على الشاهنامة)
في كتاب (سخن وسخنوران): المعروف أن الفردوسي نظم الشاهنامة في زمان سلطنة السلطان محمود الغزوني ويأمره سنة 389-421 فبقي في نظمها زيادة عن ثلاثين سنة ولكن هذا القول غلط لأن الشاهنامة بتصريح الفردوسي نفسه وتمت سنة 400 حيث يقول:
زمجرت شده بنج هشتاد بار | كهكفتم من اين نامة شاهوار |
أي تمت بضرب خمسة في ثمانين من الهجرة وهذه السنة هي الثانية عشرة من سلطنة محمود وكونه بقي في نظمها ثلاثين سنة ثابت بنص الفردوسي فعليه لم يكن نظم الشاهنامة بأمر محمود بل إنه نظم القسم المهم منها في زمان السامانيين ويحتمل قويا أنه ابتدأ بنظمها سنة 367 وعلى اليقين أنه لم يتأخر عن سنة 371 وعلى كل حال فالفردوسي بعد سنة 367 كان في صدد تحصيل نسخة الشاهنامة المنثورة تأليف أبو منصور محمد بن عبد الرزاق من أمراء خراسان وشرع في نظمها ولكنه لم يتمها بسبب الانقلاب الذي حصل في خراسان بقتل أبي الحسين عبيد الله بن أحمد العتبي وزير نوح بن منصور الساماني سنة 371 وعزل حسام الدولة أبو العباس تاش من قواد خراسان ولموانع أخر وأخيرا أعطاه بعض أصدقائه من أهل بلدة نسخة من الشاهنامة المنثورة ورغبة في نظمها فشرع في ذلك فنظم منها نسخة مختصرة تمت سنة 384 وفي هذه السنة ذهب إلى العراق والتقى بموفق الدين وزير بهاء الدولة الديلمي ونظم له كتاب يوسف وزليخا ثم عاد إلى خراسان واشتغل جديدا بنظم الشاهنامة وجعلها باسم محمود الغزنوي وهذه تمت سنة 400 فذهب في هذه السنة إلى غزنة مع جماعة لتقديمها إلى أعتاب السلطان وكان يأمل بواسطة نظم هذه الشاهنامة الكبيرة وما لاقاه في سبيل نظمها أن يحصل من السلطان على جائزة عظيمة تغنيه مدة حياته مع تجهيز ابنته وسد خزان طوس ولكن السلطان لم يتوجه له أما بسبب الوشاية به بأنه قرمطي أو شيعي أو معتزلي أو غير ذلك فتوارى وذهب من غزنة إلى هراة بطريق اندراب منهزما وبقي في هراة ستة أشهر مختفيا في دكان إسماعيل الوراق والد الأزرقي الشاعر وعلى بعض الروتيتن أنه ذهب إلى طوس ووضع نسخة الشاهنامة عند أسبهبد طبرستان وأراد أن يجعلها باسمه وهجا محمودا بمائة بيت اشتراها منه أسبهبد بمائة ألف درهم ثم رجع إلى طوس ولم يستفد من عناء ثلاثين سنة ’’اه’’.
وقيل أنه أراد تميم الشاهنامة التي بدأها الدقيقي ونظم منها ألف بيت والظاهر أنه شرع في ذلك في عهد السامانيين ونظرا لأن السلطان محمودا كان محبا للعلم والأدب توجه إليه لتتميم مقصده واتصل بالعنصري والفرخي والعسجدي الذين كانوا من مقدمي الشعراء في عصره ومن خواص شعراء السلطان فبعد ما رآه وعلم بمقصده من تمام الشاهنامة هيأ له محلا خاصا وتكفل بمؤنته وعين له خدما وزين بيته بصور الأبطال والملوك والأسلحة حسب طلبه حتى أتم الشاهنامة وكان نظره من جائزة السلطان محمود على الشاهنامة تجهيز بنته ومد خزان طوس وجائزة تكون مددا له في شيخوخته فوعده أن يكافئه بستين ألف دينار ولكنه عملا بمشورة بعض المغرضين بدل الدنانير بالدراهم فغضب الفردوسين ذلك وقسم الأموال بين حمامي وبائع شراب وأعطى قسما منها لحاملها ثم هجا السلطان محمودا هجاء مرا متضمنا التحذير من الإيذاء والاغترار بالدنيا ثم هرب من غزنة وأتى هراة وقيل رجع إلى طوس ويقال إن الشاه محمودا ندم على ما فعل بنصيحة (ناصر لك) أحد الحكام في ذلك الوقت حيث بعث كتابا يعظه فيه ونصحه ويذكر له فناء الدنيا وبقاء الذكر الحسن بتعب ثلاثين سنة للفردوسي وما كان يؤمله منه فندم السلطان وأمر بستين ألف دينار يخرجون جنازته من باب آخر ’’اه’’ وفي كتاب (سخن وسخنوران) ما تعريبه: الشاهنامة على القول المعروف وبنص الفردوسي ستون ألف بيت وفعلا تشتمل على خمسين ألف بين هي أحسن المنظومات الفارسية ومن المقطوع به أن ربعها من الشعر العالي وربعها من الشعر الجيد وباقيها من الشعر المتوسط. الشاهنامة اليوم من خزائن اللغة الفارسية وكنوز فصاحتها وهذا الكتاب أقوى دليل على سعة وقوة فكر ناظمه وقدرته على البيان واستقامة طبعه واقتداره على الكلام وإحاطته بالتعبير ومن هنا يعلم قدر ما عنده من الإطلاع على الوقائع وما عنده من سعة الفكر وإنه كان عنده من ذلك مادة غزيرة حتى قدر أن يظهر تلك المعاني الصعبة بتلك العبارات الجميلة.
الشاهنامة مشتملة على معان مختلفة وليست كتاب قصص فقط ففيها فلسفة وأخلاق وغزل وبالجملة فيها تمام فنون الشعر والفردوسي خرج من العهدة في جميعها وأدى حقها كلها.
المحاورات اللطيفة والإيجاز البليغ موجودان في غالب أقسام الشاهنامة مما لم يتيسر لأحد من فحول الشعراء إلى المتوسطين، وكل من وقف في ميدان المقابلة لها رجع مكسورا مهزوما.
أسلوب نظم الشاهنامة مقتبس من أسلوب القرآن الكريم. وكذلك الكنايات المقبولة التي في أشعار العرب يأتي بها بنفسها أو بترجمتها وقد تكون أحسن من الأصل ومن هنا يعلم أن الفردوسي كانت عنده مادة غزيرة من أشعار العرب. ويحتمل فويا أن يكون أستاذا في العلوم العربية ولكنه كان لا يستعمل الألفاظ الخارجة عن اللسان الفارسي ومن يقرأ الشاهنامة فلما يحتاج إلى كتاب لغة إلا نادرا ’’اه’’ وقال بعض فضلاء الإيرانيين في وصفها: الشاهنامة هي المرجع المهم في التاريخ والأدب الفارسي لجميع الأدباء والمؤرخين مرجع سهل على المتأخرين سبيل الشعر وهو كنز اللغة الفارسية وقاموسها الرحيب فليس هو كتابا تاريخيا يشتمل على ذكر الملوك والأبطال وقضايا إيران وحوادثها الماضية فحسب بل هو محتو على أغلب فنون الأدب ففيه حكمة وغزل وأخلاق، كما أن فيه قصص الحروب والأبطال وجميع نواحي العواطف الإنسانية من حب وهيام.
على أن ملحمة الشاهنامة لا تكتفي من الحوادث بسردها فقط ولكنها تربط العلل بمعلولاتها والآثار بمؤثراتها وتشير إلى أسباب الطبيعة في سائر القضايا وتتحدث عن الخصائص الاجتماعية ولا تكاد تبدأ بقصة أو تختمها حتى تتوجها بالعبرة وتحذر من الاغترار بالدنيا والركون إليها وتقرنها بما يلائمها من النصائح المناسبة لوقائعها المشاكلة لحوادثها وكل هذه القصص ذات الأحداث الرائعة والقضايا المتسلسلة والحقائق العالية والأفكار الرحيبة يجلبها في أوضح مجاريها ويخرجها في أصدق صورها فتجد القصة مكتوبة منظومة وتحس بها كأنها واقعة مشاهدة تراها رأي العين وتتحقق من مناظرها وأبطالها كأنك تعيش معهم وتحيا بينهم في أسلوب قريب أيضا تتعشقه كل نفس ويستمرئه كل ذوق وهذا ما جعل الشاهنامة نشيد الخاصة والعامة على السواء واتخذ أنيس المحافل فهو يبعث كوامن العواطف والإحساسات ويحمل النفس على التحلي بالشجاعة وركوب الأخطار وقوة العزيمة والاصطبار على نوائب الأيام.
وقد أجمع علماء الشرق والغرب على رأي واحد تجاه الشاهنامة هو اعتبارها أدبا عاليا وشعرا في أسمى طبقة لم يتوجه إليه بنقد ينال من سمائها عدا البروفسور براون فقد ذكر في مؤلفه في الأدب الفارسي أن الشاهنامة ليست في المستوى العظيم من الشعر ثم إنه لا يجحد مكانتها في اللغة والأدب والتاريخ على أن مستر بروان هو الذي انفرد بهذا الشذوذ وهذا التفرد الغريب في نقده ولكن إجماع علماء الأمم وأدباء العالم مع تباين الأذواق والنزعات على تقديرها والحفاوة بها هو أعظم رد على نقد المستر بروان وأكبر برهان على القيمة التي حازها الفردوسي وليس بضائره بعد ذلك شذوذ فرد وانفرد رأي. على أن كل شعب أعلم بأدبه وخصائص الشعر فيه واقدر على التمييز بين الغث والسمين فإن الحالة الفنية تقضي امتزاجا تاما بالبيئة التي صدر عنها ذلك الفن ونشأت فيها تلك الصور الأدبية وليس من شك في أن مثل براون يعوزه الاتصال الكافي بالفرس من جهت عديدة فمع احترام رأيه فإن هذا الرأي خارج عن الصواب ولا سيما إذا لاحظنا أن شعر عديدين حاولوا تقليد الفردوسي ونظموا الحوادث والملاحم فما بلغوا شأوه ولا ظفروا في محاكاته بطائل ونحن لا ندعي أن كل بيت في الشاهنامة هو بيت القصيد فإن سفرا جامعا مثل هذا الكتاب فيما حوى من حوادث وقصص واسعة الأطراف لا تخلو أن تكون بعض أشعاره خيرا من بعض واعتراف الشعراء أنفسهم وهم أولى الناس بتقدير فنهم، فيه غناء عن الدفاع عن مقام حرمتها.
’’مقتبسات معربة من الشاهنامة’’
ماذا تريد من الحياة الطويلة المدى وهي مقفلة الأسرار والغيوب فإنها تربيك أولا بشهد اللذات ولا تسمعك إلا أرق النغمات فتظنها قد بذلت لك كل حبها وهي لا تعبس في وجهك فأنت بها فرح تبذل لها ودائع قلبك وأسرار نفسك ثم تلعب معك دورا بعد ذلك يترك قلبك داميا هكذا هذه الحياة المنقضية فلا تبذر فيها إلا بذور الخير.
تعال بنا، لا نودع هذه الحياة بسوء، ولنكن مجدين في أن ننال منها يد الخير، لا شيء من الخير والشر يبقى أبديا، فأجمل بنا أن يكون الخير هو الذكرى بعدنا، إن كنز الدنانير وقصور الذهب لن تكون لك بنافعة ولكن.
الكلام هو الذكرى الباقية فلا تظن الكلام أمرا هينا
إن أفريدون فرخ ما كان ملكا | ولا كان مخلوقا من مسك وعنبر |
ولكن بالعدل والجود وجد هذه الذكرى | فكن جوادا عادلا تكن أنت أفريدون |
* * *
إني أحب من الحياة زاوية | أجد وأجتهد فيها لجمع زادي |
لا تؤذ نملة تجر الحبة إلى قراها | فإن لها روحا والروح حلو لذيذ |
إنه لحجري القلب أسوده | من تكون نملة منه في ضيق |
* * *
أيتها الحياة كلك وهم وانتفاخ | لا يكون العاقل بأفعالك طروبا |
إذا نظرت إلى أفعالك | لا أجد فيها إلا خيالا |
وما أحسن الذي يجعل الذكر الجميل | فيك أثرا سواء أعبدا كان أو ملكا |
* * *
لا تركن إلى هذه الحياة ولا تأمن بسرائرك لها فإن لها في كل حين طرازا من اللعب جديدا ترفع واحدا من مجرى الأسماك إلى مسرى القمر وتخفض الآخر من السماء إلى الهاوية.
* * *
إن الحياة عبرة وحكمة | فلماذا يكون نصيبك فيها الغفلة |
#لقد أكثرت تشاغلك بالحياة وحرصك عليها
حتى مضى أصحابك عنك | وبقيت وحدك في تشاغلك |
* * *
أنظر يمينا ويسارا ولا أعرف أول الدهر من آخره هذا يعمل سواءا فتأتيه الحياة عفوا ذلولا وآخر يعمل الخير محضا فلا يلقى منها إلا كدرا لا تؤذ روحا ولا تغضب منك قلبا فإن هذا الدهر ليس أبديا كما أنه ليس صالحا كان كذلك وسيمضي هكذا يصنع هذا الفلك الهرم يأخذ من الرضيع ثدي أمه.
(الكلام على كتاب يوسف وزليخا)
في كتاب سخن وسخنوران: منظومة يوسف وزليخا عملها بطلب الموفق أبو علي الحسن بن محمد بن إسماعيل الإسكافي وزير بهاء الدولة الديلمي وذلك على الظاهر في سنة 386 وهذا الكتاب وإن كان فيه أبيات مفردات وقطع جيدة ولكن إذا نظرنا إلى مجموع شعره لا نراه في الدرجة العالية والفرق بينه وبين الشاهنامة كما بين السماء والأرض وذلك مورد العجب والحيرة ’’اه’’.