أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي بالولاء الكوفي الحناط المقري مولى واصل بن حيان الأسدي الأحدب
(مولده ووفاته)
ولد سنة 97 وروي 94 وروي 95 وقيل 96 وقال أحمد بن حنبل أحسب أن مولده سنة 100 وتوفي بالكوفة في جمادى الأولى سنة 193 قاله ابن سعد في الطبقات وقيل سنة 194 وقيل 192 وما في خلاصة تذهيب الكمال أنه مات سنة 173 ناشيء من تصحيف تسعين بسبعين. عياش بمثناة تحتانية وشين معجمة (والحناط) بمهملتين ونون.
’’الخلاف في اسمه’’
في تهذيب التهذيب قيل اسمه محمد وقيل عبد الله وقيل سالم وقيل شعبة وقيل رؤبة وقيل مسلم وقيل خداش وقيل مطرف وقيل حماد وقيل حبيب والصحيح أن اسمه كنيته ’’اه’’ وزاد في معجم الأدباء قيل قتيبة وقيل عبد الله وقيل محمد وقيل عنترة وقيل أحمد وقيل عتيق وقيل حسين وقيل قاسم وأظهر ذلك شعبة ومطرف وقال الحسين بن فهم وقد ذكر جماعة لا تعرف أسماؤهم وعد منهم أبو بكر بن عياش ’’اه’’ وشدة هذا الاختلاف يدل أن هذه الأقوال كلها ليست بصواب وإنها مبنية على التخيل والتخمين. وفيه أيضا عن الفضل بن موسى قلت لأبي بكر بن عياش ما اسمك قال ولدت وقد قسمت الأسماء وقال أبو حاتم الرازي سألت إبراهيم بن أبي بكر بن عياش عن اسم أبيه فقال اسمه وكنيته واحد وقال ابنه إبراهيم لما نزل بأبي الموت قلت يا أبت ما اسمك قال يا بني إن أباك لم يكن له اسم وقال ابن حبان اختلفوا في اسمه كنيته وفي خلاصة تذهيب الكمال مختلف في اسمه جدا والصحيح أن اسمه كنيته وعن تقريب ابن حجر مشهور بكنيته وفي تذكرة الحفاظ في اسمه أقوال أصحها كنيته أو شعبة وقال حسن بن عبد الأول وأبو هشام الرفاعي سألناه فقال اسمي شعبة وقال النسائي اسمه محمد ’’اه’’ وقال أبو عمرو بن عبد البر إن صح له اسم فهو شعبة وهو الذي صححه أبو زرعة لرواية أبي سعيد الأشج عن أبي أحمد الزبيري قال سمعت سفيان الثوري يقول للحسن بن عياش قدم شعبة وكان أبو بكر غائبا.
(أقوال العلماء فيه)
عده ابن سعد في الطبقات من الطبقة السابعة فقال: الطبقة السابعة أبو بكر بن عياش مولى واصل بن حيان الأحدب الأسدي وهو من الطبقة التي قبل هذه الطبقة ولكنه بقي وعمر حتى كتب عنه الأحداث وكان من العباد وقال وكيع ونظر إليه يصلي يوم الجمعة حين يسلم الإمام إلى العصر فقال أعرف هذا الشيخ بهذه الصلاة منذ أربعين سنة وكان أبو بكر ثقة عارفا بالحديث والعلم إلا أنه كان كثير الغلط ’’ا ه’’. وفي خلاصة تذهيب الكمال: أحد الأعلام قال أحمد ثقة وربما غلط وقال ابن عدي لم أجد له حديثا منكرا إذا روى عنه ثقة وقال ابن المبارك ما رأيت أسرع إلى السنة منه وقال يزيد بن هارون لم يضع جنبه إلى الأرض أربعين سنة ’’ا ه’’. وعن تقريب ابن حجر ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح من السابعة ’’ا ه’’ وفي تذكرة الحفاظ أبو بكر بن عياش الإمام القدوة شيخ الإسلام الكوفي المقري. وفي تهذيب التهذيب قال الحسن بن عيسى ذكر ابن المبارك أبا بكر بن عياش فأثنى عليه وقال صالح بن أحمد عن أبيه صدوق صالح صاحب قرآن وخبر وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه ثقة وربما غلط وقال عثمان الدرامي قلت لابن معين فأبو الأحوص أحب إليك في أبي إسحاق أو أبو بكر بن عياش قال ما أقربهما قلت الحسن بن عياش أخوأبي بكر قال هو ثقة قال عثمان هما من أهل الصدق والأمانة وليسا بذاك في الحديث قال وسمعت محمد بن عبد الله بن نمير يضعف أبا بكر في الحديث قلت كيف حاله في الأعمش قال هو ضعيف في الأعمش وغيره وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عن أبي بكر بن عياش وأبي الأحوص فقال ما أقربهما لا أبالي بأيهما بدأت وقال وسئل أبي عن شريك وأبي بكر بن عياش أيهما أحفظ قال هما في الحفظ سواء غير أن أبا بكر أصح كتابا قلت لأبي أبو بكر أو عبد الله بن يشر الرقي قال أبو بكر أحفظ منه وأوثق وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن عدي أبو بكر هذا كوفي مشهور وهو يروي عن أجلة الناس وهو من مشهوري مشائخ الكوفة وقرائهم وعن عاصم بن بهدلة أحد القراء هو في كل رواياته عن كل من روى عنه لا بأس به وذلك أني لم أجد له حديثا منكرا إذا روى عنه ثقة إلا أن يروي عنه ضعيف وقال إبراهيم من أبي بكر بن عياش لما نزل بأبي الموت قال يا بني إن أباك أكبر من سفيان بأربع سنين وإنه لم يأت فاحشة قط وإنه يختم القرآن من ثلاثين سنة كل يوم مرة قال أحمد بن حنبل كان يقول أنا نصف الإسلام وكان جليلا وقال ابن حبان كان من العباد والحفاظ المتقين وكان يحيى القطان وعلي بن المديني بسيئان الرأي فيه وذلك أنه لما كبر ساء حفظه فكان بهم إذا روى والخطأ والوهم شيئان لا ينفك عنهما البشر فمن كان لا يكثر ذلك منه فلا يستحق ترك حديثه بعد تقدم عدالته وكان شريك يقول رأيت أبا بكر عند أبي إسحاق يأمر وينهي كأنه رب البيت مات هو وهارون الرشيد في شهر واحد وكان قد صام سبعين سنة وقامها وكان لا يعلم له بالليل نوم والصواب في أمره مجانبة ما علم أنه أخطأ فيه والاحتجاج بما يرويه سواء وافق الثقات أو خالفهم وقال العجلي كان ثقة قديما صاحب سنة وعبادة وكان يخطئ بعض الخطأ بعد سبعين سنة وقال أبو عمرو بن عبد البركان الثوري وابن المبارك وابن مهدي يثنون عليه وهو عندهم في أبي إسحاق مثل شريك وأبي الأحوص إلا أنه يهم في حديثه وفي حفظه شيء وقال الحاكم أبو أحمد ليس بالحافظ عنهم وقال مهنأ سألت أحمد أبو بكر بن عياش أحب إليك أو إسرائيل قلت لم قال لأن أبا بكر كثير الخطأ جدا قلت كان في كتبه خطأ قال لا إذا كان حدث من حفظه وقال يعقوب بن شيبة شيخ قديم معروف بالصلاح البارع وكان له فقه كثير وعلم بأخبار الناس ورواية للحديث يعرف له سنة وفصل وفي حديثه اضطراب وقال الساجي صدوق بهم وقال علي بن المديني عن يحيى بن سعيد لو كان أبو بكر بن عياش حاضرا ما سألته عن شيء ثم قال إسرائيل فوق أبي بكر وكان يحيى بن سعيد إذا ذكر عنده كلح وجهة وقال أبو نعيم لم يكن في شيوخنا أحد أكثر غلطا منه وقال البزار لم يكن بالحافظ وقد حدث عنه أهل العلم واحتملوا حديثه وقال الأحمس ما رأيت أحدا أحسن صلاة من أبي بكر بن عياش ’’ا ه’’ وفي معجم الأدباء كان ابن عياش معظما عند العلماء ’’ا ه’’.
(أخباره)
في تهذيب التهذيب قال أبو سعيد الأشج قدم جرير بن عبد الحميد فأخلى مجلس أبي بكر فقال أبو بكر والله لأخرجن غدا من رجالي اثنين حتى لا يبقى عند جرير أحد فأخرج أبا إسحاق وأبا حصين وقال يحيى الحماني وبشر بن الوليد الكندي سمعنا أبا بكر بن عياش يقول جئت ليلة إلى زمم فاستقيت منه دلوا لبنا وعسلا ’’اه’’. وفي معجم الأدباء لقي ابن عياش الفرزدق وذا الرمة وروى عنهما شيئا مخن شعرهما ثم ذكر أن المرزباني روى عنه أحاديث في فضل الخليفة الأول ثم قال: قال زكريا بن يحيى سمعت ابن عياش يقول لو أتاني أبو بكر وعمر وعلي في حاجة لبدأت بحاجة علي قبل حاجتها لقرابته برسول الله صلى الله عليه وسلم ولئن أخر من السماء أحب إلي من أن أقدمه عليهما وكان يقدم عليا على عثمان ولا يغلو ولا يقول إلا خيرا.
وروى المرزباني بسنده عن أبي عمر العطاري قال بعث أبو بكر بن عياش إلى أبي يوسف الأعشى فمضي ت مع أبي يوسف ومعي جماعة فدخلنا إليه وهو في علية له فقال لأبي يوسف قرأت علي القرآن مرتين وقد نقلت عني القرآن فأقرأ علي آخر الأنفال واقرأ علي من رأس المائة من براءة واقرأ علي كذا فقال له أبو يوسف هذا القرآن والحديث والفقه وأكثر الأشياء قد أفدتها بعد ما كبرت أو لم تزل فيه منذ كنت ففكر هنيهة ثم قال بلغت وأنا ابن ست عشرة سنة فكنت فيما يكون فيه الشبان مما يعرف وينكر سنتين ثم وعظت نفسي وزجرتها وأقبلت على الخير وقراءة القرآن فكنت اختلف إلى عاصم في كل يوم وربما مطرنا ليلا فأنزع سراويلي وأخوض في الماء إلى حقوي فقال له أبو يوسف ومن أين هذا الماء كله قال كنا إذا مطرنا جاء ماء الحيرة إلينا حتى يدخل الكوفة وكنت إذا قرأت على عاصم أتيت الكلبي فسألته عن تفسيره وأخبرني أبو بكر أن عاصما أخبره أنه كان يأتي زر بن حبيش فيقرئه خمس آيات لا يزيد عليها شيئا ثم يأتي أبو عبد الرحمن السلمي فيعرضها عليه فكانت توافق قراءة زر قراءة أبي عبد الرحمن وكان أبو عبد الرحمن قرأ على علي عليه السلام وكان زر بن حبش الشكري العطاردي قرأ على عبد الله بن مسعود القرآن كله في كل يوم آية واحدة لا يزيده عليها شيئا فإذا كانت آية قصيرة استقلها زر من ابن عبد الله فيقول عبد الله خذها فو الذي نفسي بيده لهي خبر من الدنيا وما فيها ثم يقول أبو بكر وصدق والله ونحن نقول كما قال أبو بكر بن عياش إذا حدثنا عن عاصم عن زر عن عبد الله قال هذا والله الذي لا إله إلا هو حق كما أنكم عندي جلوس والله ما كذبت والله ما كذب عاصم بن أبي النجود والله ما كذب زر والله ما كذب عبد الله بن مسعود وإن هذا لحق كما أنكم عندي جلوس وحدث عمن أسنده إلى أحمد بن عبد الله بن يونس قال ذكر النبيذ عنه العباس بن موسى فقال إن ابن إدريس يحرمه فقال أبو بكر بن عياش إن كان النبيذ حراما فالناس كلهم أهل ردة وحدث المرزباني قال قال عبد الله بن عياش كنت أنا وسفيان الثوري وشريك نتماشى بين الحيرة والكوفة فرأينا شيخا أبيض واللحية حسن السمت والهأة فظننا أن عنده شيئا من الحديث وأنه قد أدرك الناس وكان سفيان أطلبنا للحديث وأشدنا بحثا عنه فتقدم إليه وقال يا هذا عندك شيء من الحديث فقال أما حديث فلا ولكن عندي عتيق سنتين فإذا هو خمار. وحدث أبو بكر بن عياش قال قال الفرزدق بالكوفة ينعي عمر بن عبد العزيز:
كم من شريعة عدل قد سننت لهم | كانت أميتت وأخرى منك تنتظر |
يا لهف نفسي ولهف اللاهفين معي | على العدول التي تغتالها الحفر |
خليلي عوجا من صدور الرواحل | بجهور حزوى وابكيا في المنازل |
لعل انحدار الدمع يعقب راحة | من الوجد أو يشفي نجي البلابل |
لله مشيخة فجعت بهم | كانت تزيغ إلى أبي بكر |
سرج لقوم يهتدون بها | وفضائل تنمى ولا تحرى |
إن الكريم الذي تبقى مودته | ويكتم السر إن صافي وإن حرما |
ليس الكريم الذي إن ذل صاحبه | أفشى وقال عليه كل ما علما |
بلغت الثمانين أو جزتها | فماذا أؤمل أو أنتظر |
علتني السنون فأبلتني | ودقت عظامي وكل البصر |
أما في الثمانين من مولدي | ودون الثمانين ما يعتبر |
صرت من ضعفي كالثوب الخلق | طورا يرفيه وطروا ينفتق |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 303
ابن عياش العابد أبو بكر بن عياش بن سالم الكوفي الأسدي الحناط، مولى واصل بن حيان الأسدي الأحدب. في اسمه عدة أقوال: قيل اسمه كنيته، وقيل شعبة، وهو أشهرها، وقيل عبد الله، وقيل محمد، وقيل مطرف، وقيل سالم، وقيل عنترة، وقيل أحمد، وقيل عتيق، وقيل رؤبة، وقيل حماد، وقيل حسين، وقيل قاسم، وقيل لا يعرف له اسم. مولده سنة سبع وتسعين في أيام سليمان بن عبد الملك، وتوفي سنة ثلاث وتسعين ومائة في السنة التي مات فيها هارون الرشيد قبله بشهر. وهو أنبل أصحاب عاصم. وقال أحمد بن حنبل: ثقة، ربما غلط. وروى له الجماعة كلهم خلا مسلم. وكان يقول: أنا نصف الإسلام. وقال الحسين بن فهم: وقد ذكر جماعة لا تعرف أسماؤهم منهم أبو بكر ابن أبي مريم، وأبو بكر بن أبي سبرة، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وأبو بكر بن عبد الرحمن وأبو بكر بن عياش وأبو بكر ابن أبي العرامس. وقال أبو الحسن الأهوازي: إنما وقع الاختلاف في اسم أبي بكر ابن عياش، لأنه كان رجلا هيوبا، فكانوا يهابون سؤاله، فروى كل واحد ما وقع له. وكان معظما عند العلماء. ولقي الفرزدق وذا الرمة، وروى عنهما شيئا من شعرهما. حدث المرزباني بإسناده إلى زكرياء بن يحيى الطائي، قال: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: إني أريد أن أتكلم اليوم بكلام لا يخالفني فيه أحد إلا هجرته ثلاثا. قالوا: قل يا أبا بكر، قال: ما ولد لآدم عليه السلام مولود بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر الصديق. قالوا: صدقت يا أبا بكر، ولا يوشع بن نون وصي موسى عليه السلام؟ قال: ولا يوشع بن نون، إلا أن يكون نبيا؛ ثم فسره، فقال: قال الله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير هذه الأمة أبو بكر. وقال زكرياء بن يحيى: سمعت ابن عياش يقول: لو أتاني أبو بكر وعمر وعلي رضي الله تعالى عنهم في حاجة، لبدأت بحاجة علي قبل حاجة أبي بكر وعمر، لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن أخر من السماء إلى الأرض، أحب إلي من أن أقدمه عليهما. وكان يقدم عليا على عثمان، ولا يغلو ولا يقول إلا خيرا. وذكر النبيذ عند العباس بن موسى فقال: إن ابن إدريس يحرمه، فقال أبو بكر بن عياش: إن كان النبيذ حراما، فالناس كلهم أهل ردة. وقال: كنت أنا وسفيان الثوري وشريك نتماشى بين الحيرة والكوفة، فرأينا شيخا أبيض الرأس واللحية حسن السمت والهيئة، فظننا أن عنده شيئا من الحديث وأنه قد أدرك الناس، وكان سفيان أطلبنا للحديث، فتقدم إليه وقال له: يا هذا هل عندك شيء من الحديث؟ فقال: أما حديث فلا ولكن عندي عتيق سنتين، فنظرنا فإذا هو خمار. وحدث المدائني؛ كان أبو بكر بن عياش أبرص، وكان رجل من قريش يرمى بشرب الخمر فقال له أبو بكر بن عياش يداعبه: زعموا أن نبيا قد بعث يحل الخمر فقال القرشي: إذا لا أومن به حتى يبرئ الأكمه والأبرص. وقيل: كنا عند أبي بكر بن عياش يقرأ علينا كتاب مغيرة، فغمض عينيه، فحركه جمهور وقال له: تنام يا أبا بكر؟ فقال: لا ولكن مر ثقيل فغمضت عيني. وحضر عند هارون الرشيد، فقال له: يا أبا بكر، قال: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: إنك أدركت أمر بني أمية وأمرنا، فأسألك بالله، أيهما كان أقرب إلى الحق؟ فقال له: يا أمير المؤمنين، أما بنو أمية فكانوا أنفع للناس منكم وأنتم أقوم بالصلاة منهم. فجعل هارون يشير بيده ويقول: إن في الصلاة، إن في الصلاة. ثم خرج فأمر له بثلاثين ألفا، فقبضها. وقال محمد بن كناسة يذكر أصحاب أبي بكر بن عياش:
لله مشيخة فجعت بهم | كانت تريغ إلى أبي بكر |
سرج لقوم يهتدون بهم | وفضائل تنمي ولا تحري |
إن الكريم الذي تبقى مودته | ويكتم السر إن صافى وإن صرما |
ليس الكريم الذي إن زل صاحبه | أفشا وقال عليه كل ما علما |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 10- ص: 0
أبو بكر ابن عياش بن سالم الكوفي الحناط مولى واصل بن حيان الأسدي الأحدب: واختلف في اسمه فقيل: اسمه كنيته، وقيل شعبة، وقيل عبد الله، وقيل محمد، وقيل مطرف، وقيل سالم، وقيل عنترة، وقيل أحمد، وقيل عتيق، وقيل رؤبة، وقيل حماد، وقيل حسين، وقيل قاسم، وقيل لا يعرف له اسم، وأظهر ذلك شعبة ومطرف. قال الهيثم بن عدي: اسم أبي بكر مطرف بن النهشلي، ومات ابن عياش في سنة ثلاث وتسعين ومائة في السنة التي مات فيها الرشيد بن المهدي قبله
بشهر، وفيها مات غندر وعبد الله بن إدريس. وروي أن ابن عياش مات في سنة اثنتين وتسعين والأول أظهر، ومولده سنة سبع وتسعين في أيام سليمان بن عبد الملك، وروي سنة أربع وتسعين وروي سنة خمس وتسعين وكان ابن عياش يقول:
أنا نصف الإسلام.
وقال الحسين بن فهم، وقد ذكر جماعة لا تعرف أسماؤهم: منهم أبو بكر بن أبي مريم وأبو بكر بن أبي سبرة وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وأبو بكر بن عبد الرحمن وأبو بكر بن عياش وأبو بكر بن أبي العرامس.
وقال أبو الحسن الأهوازي المقرئ في كتابه: وإنما وقع هذا الاختلاف في اسم أبي بكر لأنه كان رجلا هيوبا، فكانوا يهابونه أن يسألوه، فروى كل واحد على ما وقع له.
قلت: وقد روى المرزباني في كتابه أن جماعة من أهل العلم سألوه عن اسمه واختلفت أقوالهم على ما تقدم، ولولا كراهة الإطالة لذكرته.
وكان ابن عياش معظما عند العلماء، وقد لقي الفرزدق وذا الرمة وروى عنهما شيئا من شعرهما.
حدث المرزباني، حدثنا أحمد بن عيسى عن أحمد بن أبي خيثمة، حدثنا محمد بن يزيد قال: سمعت أبا بكر ابن عياش يقول: كان أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن، قال الله عز وجل: للفقراء المهاجرين {الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم} إلى قوله: {أولئك هم الصادقون} فهؤلاء سموه خليفة رسول الله وهؤلاء لا يكذبون.
وحدث المرزباني بإسناده إلى زكرياء بن يحيى الطائي قال: سمعت أبا بكر ابن عياش يقول: إني أريد أتكلم اليوم بكلام لا يخالفني فيه أحد إلا هجرته ثلاثا، قالوا: قل يا أبا بكر، قال: ما ولد لآدم عليه السلام مولود بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر الصديق، قالوا: صدقت يا أبا بكر، ولا يوشع بن نون وصي موسى عليه السلام. قال: ولا يوشع بن نون إلا أن يكون نبيا. ثم فسره فقال: قال الله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير هذه الأمة أبو بكر» .
قال زكرياء بن يحيى وسمعت ابن عياش يقول: لو أتاني أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم في حاجة لبدأت بحاجة علي قبل حاجة أبي بكر وعمر لقرابته برسول الله، ولأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلي من أن أقدمه عليهما. وكان يقدم عليا على عثمان ولا يغلو ولا يقول إلا خيرا.
وحدث المرزباني بإسناده عن أبي بكر ابن عياش عن ذر عن عبد الله قال: إن الله عز وجل نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلبه فوجد قلوب أصحابه خير القلوب بعد قلبه، فجعلهم وزراء نبيه صلى الله عليه وسلم يقاتلون عن دينه، فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئا فهو عند الله سيء؛ قال أبو بكر ابن عياش: وأنا أقول: إنهم رأوا أن يولوا أبا بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وحدث المرزباني، حدثنا محمد بن مخلد العطار، حدثنا أبو عمر العطاردي قال: بعث أبو بكر ابن عياش إلى أبي يوسف الأعشى، فمضيت مع أبي يوسف ومع عبد الوهاب بن عمر والعباس بن عمير، فدخلنا إليه وهو في علية له، فقال لأبي يوسف: قد قرأت علي القرآن مرتين، وقد نقلت عني القرآن، فاقرأ علي آخر الأنفال، واقرأ علي من رأس المائة من براءة، واقرأ علي كذا واقرأ كذا، فقال له أبو يوسف: يا أبا بكر هذا القرآن والحديث والفقه وأكثر الأشياء قد أفدتها بعد ما كبرت أو لم تزل فيه مذ كنت؟ ففكر هنيهة ثم قال: بلغت وأنا ابن ست عشرة سنة، فكنت فيما يكون فيه الشبان مما يعرف وينكر سنتين، ثم وعظت نفسي وزجرتها، وأقبلت على الخير وقراءة القرآن، فكنت أختلف إلى عاصم في كل يوم، وربما مطرنا ليلا فأنزع سراويلي وأخوض الماء إلى حقوي، فقال له أبو يوسف: ومن أين هذا الماء كله؟ قال: كنا إذا مطرنا جاء ماء الحيرة إلينا حتى يدخل الكوفة. وكنت إذا قرأت على عاصم أتيت الكلبي فسألته عن تفسيره. وأخبرني أبو بكر أن عاصما أخبره أنه كان يأتي زر بن حبيش فيقرئه خمس آيات لا يزيد عليها شيئا، ثم يأتي أبا عبد الرحمن السلمي فيعرضها عليه، فكانت توافق قراءة زر قراءة أبي عبد الرحمن، وكان أبو
عبد الرحمن قرأ على علي عليه السلام، وكان زر بن حبيش الشكرمي العطاردي قرأ على عبد الله بن مسعود القرآن كله في كل يوم آية واحدة لا يزيده عليها شيئا، فإذا كانت آية قصيرة استقلها زر من عبد الله، فيقول عبد الله: خذها، فو الذي نفسي بيده لهي خير من الدنيا وما فيها؛ ثم يقول أبو بكر: وصدق والله، ونحن نقول كما قال أبو بكر ابن عياش إذا حدثنا عن عاصم عن زر عن عبد الله، قال: هذا- والله الذي لا إله إلا هو- حق كما أنكم عندي جلوس، والله ما كذبت، والله ما كذب عاصم بن أبي النجود، والله ما كذب زر، والله ما كذب عبد الله بن مسعود، وإن هذا لحق كما أنكم عندي جلوس.
وحدث عمن أسنده إلى أحمد بن عبد الله بن يونس قال: ذكر النبيذ عند العباس بن موسى فقال: إن ابن إدريس يحرمها، فقال أبو بكر ابن عياش: إن كان النبيذ حراما فالناس كلهم أهل ردة.
وحدث المرزباني قال: قال عبد الله بن عياش: كنت أنا وسفيان الثوري وشريك نتماشى بين الحيرة والكوفة، فرأينا شيخا أبيض الرأس واللحية حسن السمت والهيئة، فظننا أن عنده شيئا من الحديث وأنه قد أدرك الناس، وكان سفيان أطلبنا للحديث وأشدنا بحثا عنه، فتقدم إليه وقال: يا هذا عندك شيء من الحديث؟ فقال:
أما حديث فلا، ولكن عندي عتيق سنتين، فنظرنا فإذا هو خمار.
وحدث أبو بكر ابن عياش قال: رأيت الفرزدق بالكوفة ينعى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فقال:
كم من شريعة عدل قد سننت لهم | كانت أميتت وأخرى منك تنتظر |
يا لهف نفسي ولهف اللاهفين معي | على العدول التي تغتالها الحفر |
خليلي عوجا من صدور الرواحل | بجمهور حزوى وابكيا في المنازل |
لعل انحدار الدمع يعقب راحة | من الوجد أو يشفي نجي البلابل |
لله مشيخة فجعت بهم | كانت تريغ إلى أبي بكر |
سرج لقوم يهتدون بها | وفضائل تنمي ولا تحري |
إن الكريم الذي تبقى مودته | ويكتم السر ان صافى وإن صرما |
ليس الكريم الذي إن زل صاحبه | أفشى الذي كان من أسراره علما |
دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 2- ص: 757
أبو بكر بن عياش ابن سالم الأسدي، الكوفي، الحناط -بالنون- المقرئ، الفقيه، المحدث، شيخ الإسلام، وبقية الأعلام، مولى واصل الأحدب.
وفي اسمه أقوال: أشهرها شعبة، فإن أبا هاشم الرفاعي، وحسين بن عبد الأول، سألاه عن اسمه. فقال شعبة: وسأله يحيى بن آدم، وغيره عن اسمه، فقال: اسمي كنيتي. وأما النسائي، فقال: اسمه محمد. وقيل: اسمه مطرف. وقيل: رؤبة. وقيل: عتيق. وقيل: سالم. وقيل: أحمد، وعنترة، وقاسم، وحسين، وعطاء، وحماد، وعبد الله.
قال هارون بن حاتم: سمعته يقول: ولدت سنة خمس وتسعين.
قرأ أبو بكر القرآن، وجوده ثلاث مرات على: عاصم بن أبي النجود. وعرضه أيضا -فيما بلغنا- عن عطاء بن السائب، وأسلم المنقري.
وحدث عن: عاصم، وأبي إسحاق السبيعي، وعبد الملك بن عمير، وإسماعيل السدي، وصالح مولى عمرو بن حريث حدثه، عن أبي هريرة، وحصين بن عبد الرحمن، وأبي حصين عثمان بن عاصم، وحميد الطويل، والأعمش، وهشام بن حسان، ومنصور بن المعتمر، ومغيرة بن مقسم، ومطرف بن طريف، ويحيى بن هانئ المرادي، ودهثم بن قران، وسفيان التمار، وحبيب بن أبي ثابت -وهو من كبار شيوخه- وعبد العزيز بن رفيع، وهشام بن عروة، وخلق سواهم.
حدث عنه: ابن المبارك، والكسائي، ووكيع، وأبو داود، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وإسحاق بن راهويه، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب، وعلي بن محمد الطنافسي، والحسن بن عرفة، وأبو هشام الرفاعي، ويحيى الحماني، وهناد بن السري، وخلق كثير، آخرهم موتا: أحمد بن عبد الجبار العطاردي.
وتلا عليه جماعة، منهم: أبو الحسن الكسائي -ومات قبله- ويحيى العليمي، وأبو يوسف الأعشى، وعبد الحميد بن صالح البرجمي، وعروة بن محمد الأسدي، وعبد الرحمن بن أبي حماد. وأخذ عنه الحروف تحريرا وإتقانا: يحيى بن آدم.
ذكره أحمد بن حنبل، فقال: ثقة، ربما غلط، صاحب قرآن وخير.
قال أبو حاتم: سمعت علي بن صالح الأنماطي، سمعت أبا بكر بن عياش يقول: القرآن كلام الله، ألقاه إلى جبريل، وألقاه جبريل إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- منه بدأ، وإليه يعود.
وقال ابن المبارك: ما رأيت أحدا أسرع إلى السنة من أبي بكر بن عياش.
وقال يحيى بن معين: ثقة.
وقال غير واحد: إنه صدوق وله أوهام.
وقال أحمد: كان يحيى بن سعيد لا يعبأ بأبي بكر، وإذا ذكر عنده، كلح وجهه.
وروى مهنا بن يحيى، عن أحمد بن حنبل، قال: أبو بكر كثير الغلط جدا، وكتبه ليس فيها خطأ.
قال علي بن المديني: سمعت يحيى القطان يقول: لو كان أبو بكر بن عياش بين يدي، ما سألته عن شيء، ثم قال: إسرائيل فوقه.
قال محمد بن عبد الله بن نمير: أبو بكر ضعيف في الأعمش، وغيره.
وقال عثمان الدارمي: أبو بكر، وأخوه حسن: ليسا بذاك.
وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن أبي بكر، وأبي الأحوص، فقال: ما أقربهما، لا أبالي بأيهما بدأت. وقال أبي: أبو بكر وشريك في الحفظ سواء، غير أن أبا بكر أصح كتابا.
وقال نعيم بن حماد: سمعت أبا بكر يقول: سخاء الحديث كسخاء المال.
قلت: فأما حاله في القراءة، فقيم بحرف عاصم، وقد خالفه حفص في أزيد من خمس مائة حرف، وحفص أيضا حجة في القراءة، لين في الحديث.
وقد وقع لي حديث أبي بكر عاليا، فأنبأنا أحمد بن سلامة، والخضر بن عبد الله بن حمويه، وأحمد بن أبي عصرون، عن أبي الفرج بن كليب، أخبرنا علي بن بيان، أخبرنا محمد بن محمد، أخبرنا إسماعيل بن محمد، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثني أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فأحرمنا بالحج، فلما قدمنا مكة، قال: ’’اجعلوا حجكم عمرة’’. فقال الناس: يا رسول الله! فكيف نجعلها عمرة، وقد أحرمنا بالحج؟ قال: ’’انظروا الذي آمركم به، فافعلوا’’. فردوا عليه القول، فغضب، ثم انطلق حتى دخل على عائشة غضبان، فرأت الغضب في وجهه،
فقالت: من أغضبك؟ أغضبه الله. قال: ’’وما لي لا أغضب، وأنا آمر بالأمر، فلا أتبع’’. هذا حديث صحيح من العوالي، يرويه: عدة في وقتنا، عن النحيب، وابن عبد الدائم، بسماعهما من ابن كليب. أخرجه ابن ماجه، عن الثقة، عن أبي بكر.
قال عثمان بن أبي شيبة: أحضر هارون الرشيد أبا بكر بن عياش من الكوفة، فجاء ومعه وكيع، فدخل ووكيع يقوده، فأدناه الرشيد، وقال له: قد أدركت أيام بني أمية وأيامنا، فأينا خير؟ قال: أنتم أقوم بالصلاة، وأولئك كانوا أنفع للناس. قال: فأجازه الرشيد بستة آلاف دينار، وصرفه، وأجاز وكيعا بثلاثة آلاف. رواها محمد بن عثمان، عن أبيه.
قال أبو داود: حدثنا حمزة بن سعيد المروزي -وكان ثقة- قال: سألت أبا بكر بن عياش، فقلت: قد بلغك ما كان من أمر ابن علية في القرآن. قال: ويلك! من زعم أن القرآن مخلوق، فهو عندنا كافر زنديق، عدو الله، لا نجالسه، ولا نكلمه.
روى يحيى بن أيوب، عن أبي عبد الله النخعي، قال: لم يفرش لأبي بكر بن عياش فراش خمسين سنة.
ابن أبي شيخ: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: زاملت أبا بكر بن عياش إلى مكة، فما رأيت أورع منه، لقد أهدى له رجل رطبا، فبلغه أنه من بستان أخذ من خالد بن سلمة المخزومي، فأتى آل خالد، فاستحلهم، وتصدق بثمنه.
قال أبو عبد الله المعيطي: رأيت أبا بكر بن عياش بمكة، جاءه سفيان بن عيينة، فبرك بين يديه، فجاء رجل يسأل سفيان عن حديث، فقال: لا تسألني عن حديث ما دام هذا الشيخ قاعدا. رواها: يعقوب بن شيبة، عن المعيطي، وقال: فجعل أبو بكر يقول: يا سفيان! كيف أنت، وكيف عائلة أبيك؟
قال أحمد بن حنبل: سمعت أبا بكر يقول: قال لي عبد الملك بن عمير: حدثني. وكنت أحدث أبا إسحاق السبيعي، فيستمع إلي، وكنت أحدث الأعمش، فيستعيدني.
قال أبو هشام الرفاعي: سمعت أبا بكر يقول: أنا أكبر من سفيان الثوري بسنتين.
وقال سفيان بن عيينة: أبو بكر أكبر مني بعشر سنين.
وقال الأخنسي: سمعت أبا بكر يقول: والله لو أعلم أن أحدا يطلب الحديث بمكان كذا وكذا، لأتيت منزله حتى أحدثه.
وعن محمد بن عيسى بن الطباع، قال: شهد أبو بكر بن عياش عند شريك، فكأنه رأى من شريك استخفافا، فقال: أعوذ بالله أن أكون جبارا. قال: فقال شريك: ما كنت أظن أن هذا الحناط هكذا أحمق.
وقال أبو أحمد الزبيري: كنت عند الثوري، وكان أبو بكر بن عياش غائبا، فجاءه أخوه الحسن بن عياش، فقال سفيان: أيش حال شعبة، قدم بعد؟ يعني أخاه.
وقال بشر الحافي: قال عيسى بن يونس: سألت أبا بكر بن عياش عن الحديث، فقال: إن كنت تحب أن تحدث، فلست بأهل أن تؤتى، وإن كنت تكره أن تؤتى، فبالحري أن تنجو.
قال يعقوب الفسوي: سمعت أحمد بن يونس -وذكروا له حديثا أنكروه من حديث أبي بكر، عن الأعمش- فقال: كان الأعمش يضرب هؤلاء ويشتمهم ويطردهم، وكان يأخذ بيد أن أبي بكر، فيجلس معه في زاوية لحال القرآن.
وقال أبو هشام الرفاعي: قال أبو بكر بن عياش للحسن بن الحسن بالمدينة: ما أبقت الفتنة منك؟ فقال: وأي فتنة رأيتني فيها؟ قال: رأيتهم يقبلون يدك ولا تمنعهم.
أبو هشام الرفاعي: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: أبو بكر الصديق خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نص القرآن، لأن الله -تعالى- يقول: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون}. قال: فمن سماه الله صادقا، فليس يكذب، هم قالوا: يا خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
قال يعقوب بن شيبة الحافظ: كان أبو بكر معروفا بالصلاح البارع، وكان له فقه، وعلم الأخبار، وفي حديثه اضطراب.
وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: لم يكن في شيوخنا أحد أكثر غلطا من أبي بكر.
وقال يزيد بن هارون: كان أبو بكر بن عياش فاضلا، لم يضع جنبه على الأرض أربعين سنة.
وقال يحيى بن عبد الحميد الحماني: حدثني أبو بكر بن عياش، قال: جئت ليلة إلى زمزم، فاستقيت منه دلوا لبنا وعسلا.
قال أبو هشام الرفاعي: سمعت أبا بكر يقول: الخلق أربعة: معذور، ومخبور، ومجبور، ومثبور، فالمعذور: البهائم، والمخبور: ابن آدم، والمجبور: الملك، والمثبور: الجن.
وعن أبي بكر بن عياش، قال: أدنى نفع السكوت السلامة، وكفى به عافية، وأدنى ضرر المنطق الشهرة، وكفى بها بلية.
روى عثمان بن سعيد الدارمي، عن يحيى بن معين، قال: الحسن بن عياش، وأخوه أبو بكر: ثقتان.
قال أحمد بن يزيد: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: سمعت الأعمش يقول لأصحاب الحديث إذا حدث بثلاثة أحاديث: قد جاءكم السيل، وأنا اليوم مثل الأعمش.
فقلت: من فوائد أبي عمرو أحمد بن محمد النيسابوري، حدثنا أبو تراب محمد بن الفرج، قال: سمعت خالد بن عبد الله الكوفي يقول: كان في سكة أبي بكر بن عياش كلب، إذا رأى صاحب محبرة، حمل عليه، فأطعمه أصحاب الحديث شيئا، فقتلوه. فخرج أبو بكر، فلما رآه ميتا، قال: إنا لله، ذهب الذي كان يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر.
قال يحيى بن آدم: قال لي أبو بكر: تعلمت من عاصم القرآن، كما يتعلم الصبي من المعلم، فلقي مني شدة، فما أحسن غير قراءته، وهذا الذي أحدثك به من القراءات إنما تعلمته من عاصم تعلما.
وفي رواية عن أبي بكر، قال: أتيت عاصما وأنا حدث.
وقال هارون بن حاتم: سمعت رجلا أنه سأل أبا بكر: أقرأت على أحد غير عاصم؟ قال: نعم، على: عطاء بن السائب، وأسلم المنقري.
هذا إسناد لم يصح.
قال يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش، قال: تعلمت القرآن من عاصم خمسا خمسا، ولم أتعلم من غيره، ولا قرأت على غيره.
يحيى عن أبي بكر، قال: اختلفت إلى عاصم نحوا من ثلاث سنين، في الحر والشتاء والمطر، حتى ربما استحييت من أهل مسجد بني كاهل.
وقال لي عاصم: احمد الله -تعالى- فإنك جئت وما تحسن شيئا. فقلت: إنما خرجت من المكتب، ثم جئت إليك.
قال: فلقد فارقت عاصما وما أسقط من القرآن حرفا.
قال عبيد بن يعيش: سمعت أبا بكر يقول: ما رأيت أحدا أقرأ من عاصم، فقرأت عليه، وما رأيت أحدا أفقه من المغيرة، فلزمته.
وعن أبي بكر بن عياش، قال: الدخول في العلم سهل، لكن الخروج منه إلى الله شديد.
وعن بشر بن الحارث سمع أبا بكر بن عياش يقول: يا ملكي ادعوا الله لي، فإنكما أطوع لله مني.
وقد روي من وجوه متعددة أن أبا بكر بن عياش مكث نحوا من أربعين سنة يختم القرآن في كل يوم وليلة مرة.
وهذه عبادة يخضع لها، ولكن متابعة السنة أولى، فقد صح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عبد الله بن عمرو أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث، وقال -عليه السلام: ’’لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث’’.
قال أبو العباس بن مسروق: حدثنا يحيى الحماني، قال: لما حضرت أبا بكر الوفاة، بكت أخته، فقال لها: ما يبكيك؟ انظري إلى تلك الزاوية، فقد ختم أخوك فيها ثمانية عشر ألف ختمة.
قال سفيان بن عيينة: قال لي أبو بكر بن عياش: رأيت الدنيا في النوم عجوزا مشوهة.
وروى ابن أبي الدنيا، عن محمد بن عبيد القرشي -وهو والده، إن شاء الله- قال: قال أبو بكر بن عياش: وددت أنه صفح لي عما كان مني في الشباب، وأن يدي قطعتا.
سئل أبو بكر عن القرآن، فقال: هو كلام الله، غير مخلوق.
وعن أبي بكر، قال: إمامنا يهمز ’’مؤصدة’’، فأشتهي أن أسد أذني إذا همزها.
قال أحمد بن يونس: قلت لأبي بكر بن عياش: لي جار رافضي قد مرض. قال: عده مثل ما تعود اليهودي، والنصراني، لا تنوي فيه الأجر.
قال يوسف بن يعقوب الصفار: سمعت أبا بكر يقول: ولدت سنة سبع وتسعين، وأخذت رزق عمر بن عبد العزيز، ومكثت خمسة أشهر، ما شربت ماء، ما أشرب إلا النبيذ.
قلت: النبيذ الذي هو نقيع التمر، ونقيع الزبيب، ونحو ذلك، والفقاع، حلال شربه، وأما نبيذ الكوفيين الذي يسكر كثيره، فحرام الإكثار منه عند الحنفية، وسائر العلماء، وكذلك يحرم يسيره عنه الجمهور، ويترخص فيه الكوفيون، وفي تحريمه عدة أحاديث.
وكان الإمام أبو بكر قد قطع الإقراء قبل موته بنحو من عشرين سنة، ثم كان يروي الحروف، فقيدها عنه يحيى بن آدم عالم الكوفة، واشتهرت قراءة عاصم من هذا الوجه، وتلقتها الأمة بالقبول، وتلقاها أهل العراق.
وأما الحديث: فيأتي أبو بكر فيه بغرائب ومناكير.
قال محمد بن المثنى: ذكرت لعبد الرحمن بن مهدي: حديث أبي بكر بن عياش، عن منصور، عن مجاهد، عن سعيد بن المسيب، قال: قال عمر: لا تقطع الخمس إلا في خمس. وحديث مطرف، عن الشعبي: أن عمر قال: لا يرث قاتل خطاء ولا عمدا، حدث بهما أبو بكر، فأيهما أنكر عندك؟ -وكان حديث مطرف عندي أنكر- فقال: حديث منصور. ثم قال عبد الرحمن: قد سمعتهما منه أربعين سنة.
قال أحمد بن عبد الله بن يونس: حدثنا أبو بكر، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: أتى رجل أهله، فرأى ما بهم من الخصاصة، فخرج إلى البرية، فقالت امرأته: اللهم ارزقنا ما يعتجن ويختبز. قال: فإذا الجفنة ملأى عجينا، وإذا الرحى تطحن، وإذا التنور
ملأى جنوب شواء. فجاء زوجها، فقال: عندكم شيء؟ قالت: نعم، رزق الله. فجاء، فكنس ما حول الرحى، فذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ’’لو تركها لدارت -أو: لطحنت- إلى يوم القيامة’’. فهذا حديث منكر.
قال أحمد بن حنبل: كان يحيى بن سعيد ينكر: حديث أبي بكر بن عياش، عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد. قال: ذكر عند ابن مسعود امرأة، فقالوا: إنها تغتسل ثم تتوضأ. فقال: أما إنها لو كانت عندي لم تفعل ذلك. قال أحمد: نراه وهم أبو بكر، وإنما هذا يرويه الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة.
الحسن بن عليل العنزي: حدثنا محمد بن إسماعيل القرشي، عن أبي بكر بن عياش، قال: قال لي الرشيد: كيف استخلف أبو بكر -رضي الله عنه؟ قلت: يا أمير المؤمنين! سكت الله، وسكت رسوله، وسكت المؤمنون. فقال: والله ما زدتني إلا عمى. قلت: مرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثمانية أيام، فدخل عليه بلال فقال: ’’مروا أبا بكر يصلي بالناس’’. فصلى بالناس ثمانية أيام والوحي ينزل، فسكت رسول الله لسكوت الله، وسكت المؤمنون لسكوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم. فأعجبه ذلك، وقال: بارك الله فيك.
زكريا الساجي: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثني محمد بن عبد الله، حدثني إبراهيم بن أبي بكر بن عياش، قال: طلب الرشيد أبي، فمضى إليه، فقال: إن أبا معاوية حدثني بحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ’’يكون قوم بعدي ينبزون بالرافضة، فاقتلوهم، فإنهم مشركون’’، فوالله لئن كان الحديث حقا، لأقتلنهم. فلما رأيت ذلك، خفت، وقلت: يا أمير المؤمنين! لئن كان ذلك، فإنهم ليحبونكم أشد من بني أمية، وهم إليكم أميل. قال: فسري عنه، وأمر لي بأربع بدر، فأخذتها.
قلت: محمد بن عبد الله: مجهول.
قال أبو سعيد الأشج: قدم جرير بن عبد الحميد، فأخلي له مجلس أبي بكر بن عياش، فقال أبو بكر: والله لأخرجن غدا من رجالي رجلين، لا يبقى عند جرير أحد. قال: فأخرج أبا إسحاق السبيعي، وأبا حصين.
الأحمسي: ما رأيت أحدا أحسن صلاة من أبي بكر بن عياش.
قال نعيم بن حماد: كان أبو بكر بن عياش يبزق في وجوه أصحاب الحديث.
وقد اعتنى أبو أحمد بن عدي بأمر أبي بكر، وقال: لم أر له حديثا منكرا من رواية ثقة عنه.
قال يوسف بن يعقوب الصفار، وغيره، ويحيى بن آدم، وأحمد بن حنبل: مات أبو بكر في جمادى الأولى، سنة ثلاث وتسعين ومائة.
قلت: عاش ستا وتسعين سنة.
أخبرنا ابن قوام، وجماعة قالوا: أخبرنا، ابن الزبيدي، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا الداودي، أخبرنا ابن حمويه، أخبرنا الفربري، حدثنا البخاري، حدثنا يوسف بن راشد، حدثنا أحمد بن عبد الله، حدثنا أبو بكر، عن حميد، عن أنس، سمعه يقول: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ’’إذا كان يوم القيامة، شفعت، فقلت: يا رب! أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة، فيدخلون، ثم أقول: يا رب! أدخل الجنة من كان في قلبه أدنى شيء’’. فقال أنس: كأني أنظر إلى أصابع رسول الله.
هذا من أغرب ما في الصحيح. ويوسف: هو القطان، نسبه إلى جده. وأحمد: هو اليربوعي.
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 7- ص: 441
أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي الكوفي الحناط المقرئ
اختلف في اسمه على أقوال والصحيح أن اسمه كنيته
روى عن أبيه وحميد الطويل والأعمش وأبي إسحاق السبيعي وخلق
وعنه أحمد ويحيى وابن المبارك وخلق مات سنة ثلاث وتسعين ومائة
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1403) , ج: 1- ص: 119
أبو بكر بن عياش الأسدي الكوفي الحناط المقرئ
أحد الأعلام عن حبيب بن أبي ثابت وعاصم وأبي إسحاق وعنه علي وأحمد وإسحاق وابن معين والعطاردي قال أحمد صدوق ثقة ربما غلط وقال أبو حاتم هو وشريك في الحفظ سواء مات 193 في جمادى الأولى عن ست وتسعين سنة خ 4
دار القبلة للثقافة الإسلامية - مؤسسة علوم القرآن، جدة - السعودية-ط 1( 1992) , ج: 2- ص: 1