الشيخ إبراهيم ابن الشيخ يحيى ابن الشيخ محمد بن سليمان العاملي الطيبي
نزيل دمشق
مولده ووفاته
ولد سنة 1154 بقرية الطيبة من جبل عامل وتوفي سنة 1214 بدمشق عن 60 عام ودفن بمقبرة باب الصغير شرقي المشهد المنسوب إلى السيدة سكينة وكان له قبر مبني وعليه لوح فيه تاريخ وفاته رأيته وقرأته فهدم في زماننا.
أقوال العلماء في حقه
كان عالما فاضلا أديبا شاعرا مطبوعا نظم فأكثر حتى اشتهر بالشعر وورث ذلك منه أولاده وأحفاده فكلهم شعراء أدباء كولديه الشيخ نصر الله والشيخ صادق وحفيديه الشيخ إبراهيم بن نصر الله والشيخ إبراهيم بن صادق وولده وغيرهم ولا يخلو شعره من نكتة بديعية أو كناية أو إشارة إلى واقعة لكن كثيرا من شعره محتاج للتهذيب فيظهر أنه قلما كان يعيد النظر فيه وكانت له اليد الطولى في التخميس وكان مولعا به وقد خمس جملة من القصائد المشهورة كالبردة ورائية أبي فراس الحمداني في الفخر وميميته في مدح أهل البيت عليه السلام ولاميته المرفوعة التي قالها في الأسر وعينية ابن زريق البغدادي وكافية السيد الرضي المكسورة وزاد عليها مخمسا وجعلها في مدح النبي صلى الله عليه وسلم ورائية ابن منير المعروفة بالتترية بل قيل أنه خمس أكثر المشهور من غرر الشريف الرضي وأنه خمس ديوان الأمير أبي فراس برمته ونظم محبوكات عارض بها ارتقيات الصيفي الحلي وهي في مدح الشيخ علي بن أحمد فارس الصعبي من أمراء جبل عامل المعروف بالشيخ علي الفارس وله فيه أيضا مدائح غيرها وفي أخيه الشيخ حيدر الفارس وتوهم بعضهم أن القصيدة العينية التي على مشبك الضريح العلوي هي له والصواب أنها لحفيده الشيخ إبراهيم بن صادق كما مر في ترجمته وفي الطليعة: كان فاضلا أديبا مشاركا في العلوم مصنفا في جملة منها "انتهى" وقال الشيخ علي السبيتي العاملي الكفراوي مؤرخ جبل عامل في بعض مؤلفاته أن ثلاثة من تلاميذ السيد أبي الحسن الحسيني العاملي (وهو والد جد المؤلف) برعوا في الفضل في زمانهم حتى فضلهم من رآهم على أستاذهم وهم ولده السيد حسين ابن السيد أبي الحسن وابن أخيه السيد جواد صاحب مفتاح الكرامة والشيخ إبراهيم بن يحيى وهؤلاء الثلاثة سافروا بعد وفاة أستاذهم للعراق واشتهر كل منهم بفن: السيد جواد بالفقه والسيد حسين بالأصول والشيخ إبراهيم بالشعر والأدب "انتهى".
أحواله
لما استولى الجزار على جبل عامل بعد قتل الأمير ناصيف بن نصار وقبض من رؤسائه وعلمائه وقتل من قتل كالشيخ علي الخاتوني وسلمان البزي وأمثالهم وهرب من أفلت منهم من الجزار فبعضهم ذهب إلى بعلبك كالسيد محمد الأمين والدجد المؤلف وبعض آل الحر وبعضهم إلى عكار وبعضهم إلى العراق وبعضهم إلى الهند وبعضهم إلى دمشق. كان المترجم في جملة من هرب إلى بعلبك وذلك في شهر رمضان ولقي في هربه شدة عظيمة حتى قيل أنه بقي أياما لا يذوق الطعام حتى وصل بعلبك فبقي فيها نحو عشرين يوما وفي ذلك قال القصيدة اللامية الآتية يصف فيها ما ناله ثم تردد بين دمشق وبعلبك ثم سافر إلى العراق فأقام بها مدة قرأ في أثنائها على السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي والشيخ جعفر النجفي صاحب كشف الغطاء ثم سافر لزيارة الرضا عليه السلام ثم عاد إلى دمشق وتوطنها إلى أن مات وكان يتردد إلى بعلبك ويكثر الإقامة فيها وصاهره بعض أجلاء سادة آل المرتضى فيها على ابنته وحج في سنة 1192.
مشائخه
جل قراءته على جدنا السيد أبي الحسن موسى بن حيدر بن أحمد الحسيني في مدرسة شقراء قرأ عليه فيها حتى توفي السيد ولم تطل المدة حتى حدثت واقعة الجزار المعروفة وهرب إلى دمشق ثم سافر إلى العراق فقرأ على السيد مهدي بحر العلوم الطبطبائي والشيخ جعفر النجفي كما مر.
مؤلفاته
له أرجوزة في التوحيد وجدتها بخطه في آخر مجموعة شعرية له فنسختها بخطي وجمعت شعره في ديوان كبير يقارب سبعة آلاف وخمسماية بيت بعد تفتيش وتنفيب كثير ورتبته على حروف المعجم وكنت عثرت له على مجموعة شعرية بخطه من نظمه عند أسباطه من السادات آل المرتضى الكرام بمدينة بعلبك والظاهر أن فيها شعره الذي نظمه بعد خروجه من جبل عامل عقيب حادثة الجزار دون ما كان قبل ذلك فإنه قد ذهب أكثره إلا ما كان منه في مجاميع ممدوحيه وغيرهم بدليل أننا وجدنا له شعرا كثيرا في أمراء جبل عامل وفي جدنا السيد أبي الحسن وفي غيرهم لم يوجد في مجموعته تلك بل وجد في مجاميع جبل عامل وأخبرنا الشيخ محمد السماوي النجفي أن عنده نسخة ديوان شعره ولم يتيس لنا الاطلاع عليها ومقابلتها على نسختنا.
شعره
قال في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:
حبذا أعلام نجد ورباها | وغصون تتثنى في ذراها |
وتود العين لو أكحلتها | من ثراها كل يوم لا تراها |
دمن يضحك فيهن الدجى | عن ثنايا الفجر إن لاحت دماها |
يا سقى الله زمانا مر لي | بين هاتيك المعاني وسقاها |
ورعى الله عهودا سلفت | عند جيران بحزوى ورعاها |
لست أنسى ليلة الخفيف وقد | هزم البرق اليماني دجاها |
قلت للأصحاب ما هذا السنا | فأجابت كل نفس بهواها |
وتماروا ثم قالوا ما ترى | قلت بشراكم أرى أنوار طاها |
سيد الكونين مولانا الذي | حاز أشتات المعالي وحواها |
راحة الجود الذي غيث السما | وبحور الأرض من بعض نداها |
روضة العلم الإلهي التي | عرفها طاب كما طاب جناها |
حجة الله التي شعشعها | فهي كالشمس وها أنت تراها |
هو نور الله لا يجحده | غير عين كتب الله عماها |
مبدأ العلياء طه المصطفى | وإليه بعد هذا منتهاها |
ذو جلال كالدراري أشرقت | مثل أشراق الدراري في سماها |
معجزات كلما أنكرها | ذو عناد فضحته بساها |
من يدانيه وقد أوفى على | رتبة لا يدرك العقل مداها |
قمر حف به من آله | أنجم ما حلية العرش سواها |
هم لعمر الله أعلى من رقى | في مراقي العز أقدارا وجاها |
وهم أفضل من ساس الورى | وحمى بالبيض والسمر حماها |
شيدوا بالسيف أركان العلا | وعلى أقطابهم دارت رحاها |
سادة سودها خالقها | واصطفاها وحباها واجتباها |
تنفر العلياء من أعدائهم | وإذا مرت بهم ألفت عصاها |
يا رسول الله يا من يده | غمرت كل النوادي بنداها |
جل من أولاك يا خير الورى | رتبة جرت على النجم رداها |
لا يحل الدهر منها عقدة | بعد ما شدت يد الله عراها |
حبكم في الحشر مفتاح الغنى | يوم لا يغني عن النفس غناها |
أنطوي منه على ما لو جرى | بعضه في الناس طرا لكفاها |
وقال في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وعترته الأئمة الاثني عشر عليهم السلام:
أشاقك بالجرعاء حي ومألف | وروض بأكناف العذيب مفوف |
ونبه منك الوجد إيماض بارق | كنبض العميد الصب يقوى ويضعف |
نعم نبه البرق اليماني لوعتي | فلي مقلة تذري الدموع وتذرف |
أواري أوار النار بين جوانحي | وتنطق عين بالجوى حين تنطف |
سقى الله حيا بالغضا ريق الحيا | إذا غاض منه أوطف فاض أوطف |
فكم روضة فيحاء في ذلك الحما | لها ثمر باللحظ يجنى ويقطف |
وكم نطفة بين العذيب وبارق | عليها قلوب العاشقين ترفرف |
ويا رب ريم بين رامة والنقا | أقول له أنت الهلال فيأنف |
وإن قلت أنت البدر قال أخا له | يشابهني لكنه متكلف |
وبيضة خدر في الآلال يضمها | خباء بأشفار السيوف مسجف |
لها نظرة أولى يروح بها الفتى | جريحا وأخرى بعد ذاك تدفف |
أسر هواها والدموع تذيعه | وهيهات أن يخفى على الناس مدنف |
تميس كخوط البان رنحه الصبا | ولم لا يميس الغصن والغصن أهيف |
لها في يفاع الخيف ملهى وملعب | وعند الكثيب الفرد معنى ومألف |
فيا ظبية بالمأزمين لشد ما | أصابت مني منك المنى والمعرف |
ولو أنصف الدهر الخؤون أباح لي | بلوغ المنى لكنه ليس ينصف |
هنيئا لمن أوفى على الروضة التي | يغرد طير الحق فيها ويهتف |
فثم النبي المصطفى سيد الورى | وثم المليك الأصيد المتغطرف |
وثم إمام الحق لولا وجوده | لما كان موجود سوى الله يعرف |
هو الأخضر الطامي علوما ونائلا | ولكنه باللؤلؤ الرطب يقذف |
هو البدر لكن يصاف كماله | بنقص ولا في رونق التم يخسف |
هو السيد الندب الذي بولائه | يدل على الرحمن عاص ومسرف |
مجيد له في ذروة المجد حضرة | عليها من النور الإلهي رفرف |
وأبلج ميمون النقيبة ذكره | به يتقي صرف الزمان ويصرف |
بدا فانجلى ليل الضلال عن الورى | وكيف بقاء الليل والصبح مشرف |
وكم أترع التقوى نبي ومرسل | وكلهم من ذلك البحر يغرف |
إليه تناهى كل فضل فما عسى | يؤلف أشتات الثناء مؤلف |
إذا أنزل القرآن في جيد مجده | فأين يرى عقد النظام المزخرف |
له عترة كالنيرات وإنها | لا عرق منها في السناء وأعرف |
مودتهم أجر الكتاب وحبهم | وجدك أجدى ما حواه المكلف |
حماة كماة ينهضون إلى الوغى | خفاقا وأصلاب الرجال تقصف |
يرمون في النادي حياء وعفة | خفاقا وأصلاب الرجال تقصف |
يرمون في النادي حياء وعفة | كأن الفتى منهم حسام مغلف |
وتلمع في العام المحيل وجوههم | كما استن برق في دجى الليل يطرف |
ويغشى الورى قبل السؤال نوالهم | مخافة أن لا يظفر المتعفف |
ولا خير في خير يحل وثاقه | وقد صب فيه نطفة الوجه ملحف |
وهم حجج الباري وهل يدفع السنا | من الشمس إلا أكمه متعسف |
وكل حديث عنهم فهو صادق | وكل حديث عن سواهم مزخرف |
ومن ذا يماري في علاهم ومنهم | (علي) ولا يرتاب في الحق منصف |
إمام الهدى صنو النبي وصهره | وأفضل مخلوق سواه وأشرف |
هو العالم الحبر الذي جاوز الورى | إلى غاية العرفان حين توقفوا |
جواد تخال البر والبحر نقطة | لدى جوده الغمر الذي ليس ينزف |
هو الصارم العضب الذي ترعد | العدا إذا ذكرته في الخلاء وترجف |
هو الفارس الحمي حقيقة أحمد | لدى أحد والبيض بالدم ترعف |
ألظ به فهو الزعيم بنصره | وأنصاره من حوله تتخطف |
وقد شبت الحرب العوان بجمرة | يفيض عليها السابري المضعف |
أسود وأبطال يرومون باطلا | فأنيابهم غيظا على الحق تصرف |
فكان وكانوا لا رعى الله عهدهم | كما اجتمعا في الريح نار وكرسف |
يقدهم طورا وطورا يقطهم | وصارمه في القسمتين ينصف |
وسل عنه سلعا والنضير وخيبرا | ويوم حنين والقنا يتقصف |
مشاهد لا تخف ولو أسدل العدا | على بدرها ليل الجحود وأسدفوا |
إذا جمجم الأعداء عنها تعنتا | تعرض رمح للبيان ومرهف |
تبارك من أولاه كل فضيلة | بأنوارها طرف الغزالة يطرف |
أكيف منها ما تبينت حاله | وثم خفي غامض لا يكيف |
فتى نبذ الدنيا ومر مسلما | كذلك ينجو الحازم المتخفف |
ولما مضى أبقى علينا خليفة | ندين به والبدر للشمس يخلف |
هو (الحسن) الميمون والطيب الذي | بغرته عرش الجليل مشنف |
اثتنا به (الزهراء) بضعة أحمد | وأفضل من لاث الخمار وأشرف |
إمام هدى في الحشر فاز وليه | وخاب مناويه الذي عنه يصدف |
ولما أجاب الله أبقى شقيقه | يحاط به الدين الحنيف ويكنف |
(حسين) حسام الدين وابن حسامه | وعامل رب العالمين المثقف |
وريحانه الهادي الذي كان مغرما | بطلعته يشتم طورا ويرشف |
هو السيد المقتول ظلما وربما | أصاب الردى شمس النهار فتكسف |
قضى ظاميا والسبعة الأبحر التي | سمعت بها من جوده تتألف |
وما كنت أدري يعلم الله انه | يصيب الحيا حر الظماء فيتلف |
مصاب لعمر الله أطلق عبرتي | وقلبي في قيد من الحزن يرسف |
فيا قمرا أودى وأعقب أنجما | تزول بها الظلماء عنا وتكشف |
هم التسعة الغر الأولى لرضاهم | وغيظهم يرضى الجليل ويأسف |
(علي) إمام العابدين وزينهم | وسيدهم والناسك المتقشف |
وعيبة أسرار الإله (محمد) | إمام الهدى والمالك المتصرف |
ومطلع أنوار الحقيقة (جعفر) | ودع ما يقول الجاهل المتصرف |
وحامي حما الزوراء (موسى بن جعفر) | ملاذ بني الأيام والدهر مجحف |
(وضامن) دار الخلد للزائر الذي | أتاه يؤدي حقه لا يسوف |
وبحر الندا ذاك (الجواد) الذي جرى | رويدا فبذا الغيث والغيث موجف |
وسيدنا (الهادي) إلى منهج الهدى | وقد ضل عنه عارف ومعرف |
ومولى الأنام (العسكري) وذخرهم | وكهفهم والسيد المتعطف |
لعمري لقد أطريت قوما بمدحهم | ينوه إنجيل ويعلن مصحف |
شموس وأقمار إذا ما ذكرتهم | تهلل وجه الصبح والليل مغدف |
تخذتهم والحمد لله جنة | أكف بها صرف الردى وأكفكف |
بهم طاب عيشي في الحياة وفي غد | بهم يسعد العبد الشقي ويسعف |
خفضت جناحي راجيا فتح بابهم | إذا ضمني يوم القيمة موقف |
إذا نال إبراهيم برد رضاهم | يخوض أوار النار لا يتخوف |
خدمت علاهم بالقوافي لأنني | بخدمتهم دون الورى أتشرف |
هم المنعمون المفضلون وعبدهم | ضعيف بغير الشكر لا يتكلف |
وكم عطفوا يوما علي بفضلهم | ولم يبرح المولى العبد يعطف |
ولو جهلوا أمري هتف بشرحه | ولكنهم مني بذلك أعرف |
فإن أعرضوا عني وحاشا علاهم | فقد عاقبوني بالجفاء وأنصفوا |
وإن أومض البرق اليماني منهم | تيقنت أن الري لا يتخلف |
ولي فيهم الغر الحسان التي لها | من الدر والياقوت عقد منصف |
تحدث عما في الفؤاد من الهوى | وبالعرف ما يخفى من المسك يعرف |
وقال في مدح علي أمير المؤمنين عليه السلام:
سلام به تغدو الصبا وتروح | ويعبق في ذاك الحمى ويفوح |
تحية مشتاق إذا ذكر الغضا | أو السفح بات الجفن وهو سفوح |
نزحتم فأجفاني تفيض دموعها | فليس لها بعد النزوح نزوح |
وقد كان لي جفن شحيح بدمعه | ولكن لأمر ما يجود شحيح |
لي الله كم أخفي الهوى وهو ظاهر | وأكتم سري والدموع تبيح |
ومما شجا قلبي هديل حمامة | مطوقة بين الغصون تصيح |
تغني سرورا بالحبيب وقربه | وأذكر بعدا منكم فأنوح |
ولو ساعدتني بالجناح لكان لي | رفيف إلى مغناكم وجنوح |
إلا فارحموا صبا له في عراقكم | فؤاد وجسم في الشآم طريح |
تحركه ريح الصبا فاضطرابه | بها كاضطراب الطير وهو ذبيح |
وإن عز وصل منكم فتفضلوا | بوعد فوعد الصادقين نجيح |
وإن كان في هجر المحب رضاكم | فكل الذي يرضي المليح مليح |
ليسقك يا وادي السلام مجلجل | من الغيث محلول النطاق دلوح |
وحسبك يا ربع الهوى من مدامعي | غبوق إذا ضن الحيا وصبوح |
فقد خط في مغناك للمجد والعلا | ضريح له قلب الولي ضريح |
ضريح ثوى فيه الوصي وآدم | أبو الناس والشيخ المطهر نوح |
ثلاثة أقيال إذا ما ذكرتهم | تحرك مرموس وقام سطيح |
فبعضهم يوحى إليه وبعضهم | له ردت الشمس المنيرة يوح |
ولا عجب إن ردت الشمس للذي | بسر علاه تغتدي وتروح |
إمام له من خالص التبر قبة | سناها على بعد المزار يلوح |
أميري أمير المؤمنين وجنتي | إذا صد عني مشفق ونصيح |
إمام بنص الذكر قد خاب جاحد | لنص كتاب الله وهو صريح |
ويوم الغدير استوضح الحق سامع | مطيع وهل بعد الوضوح وضوح |
ولكنها مالت رجال عن الهدى | وقد لاح وجه للصباح صبيح |
وقد يكره الشمس المنية أرمد | ويعرض عن شرب القراح قريح |
الطوا بأسباب الوبال وفارقوا | فتى قربه للمنجيات متيح |
بعيد مناط الفخر أما مقامه | فعال وأما ربعه ففسيح |
خفيف إلى داعي الوغى غير أنه | وقور إذا طاش الحليم رجيح |
جواد يبذ الغاديات إذا جرى | رويدا وسار الغيث وهو مشيح |
صفوح عن الجانين من بعد قدرة | وكل كريم العنصرين صفوح |
حيي إذا كان الحياة فضيلة | وشهم إذا سيم الهوان جموح |
جرى للعلى والحاسدون وراءه | على رسلكم أن المناخ طروح |
ولست ترى في الناس أجهل من فتى | يروم لحاق الريح وهو زريح |
علا قدره عن كل مدح فقلما | يليق بجيد من علاه مديح |
إذا أفصح القرآن عن مدح حيدر | فيا ليت شعري ما يقول فصيح |
وما لي إذا اشتد العنا غير حبه | وحب بنيه الطاهرين مريح |
عليهم سلام الله ما انبجس الحيا | وأومض برق أو تنسم ريح |
وقال يمدح أمير المؤمنين عليه السلام ويشكو الزمان عقيب واقعة الجزار:
عج بالغري وقل يا حامي النجف | تلاقنا قبل أن نفضي إلى التلف |
عطفا علينا فقد أرسى بعقوبتنا | من الحوادث صرف غير منصرف |
خطب من الدهر لا تنبو صوارمه | ولا يطيش له سهم عن الهدف |
ضرب دراك ورمي طل كل دم | منا بمتفق منه ومختلف |
فيا أعز الورى جارا وأقومهم | بالقسط في زمن العدوان والجنف |
أعجوبة كيف حل الضيم ساحتنا | ونحن من حبلك الموضون في كنف |
يعدو العدو علينا بين منتهب | ما نصطفيه من الدنيا ومختطف |
وما هنالك ذنب غير حبكم | وبغض أعدائكم والأمر غير خفي |
وكيف نعدل عن عين الحياة إلى | ماء نرى جوفه ملآن بالجيف |
ولو تلاشى بما نلقاه حبكم | كنا كمن يعبد الباري على طرف |
وعبدك الدهر يسعى في مساءتنا | فقل له أيها العبد اللئيم قف |
وكن لنا واقيا مما نخاف فمن | كفيته يا أمير المؤمنين كفي |
حتى متى نحن في ذل يطيب له | طعم المنية عند الماجد الأنف |
نمسي ونصبح في هم وفي حزن | ولا معول غير المدمع الذرف |
مشردين عن الأوطان ليس لنا | مغنى يحيط بنا إلا من الأسف |
فوضى إذا ما قطعنا جوف ملتقم | من العداة حوانا كف ملتقف |
إذا طلبنا وصال الوفر في إلى | فراش مشتمل بالبخل ملتحف |
وإن طلبنا فراق عانقنا | يا للرجال عناق اللام والألف |
أرغمت يا دهر والأقدار غالبة | منا أنوف أباة الضيم والأنف |
كأننا ما رفعنا للعلى علما | يناطح الفلك الدوار بالكتف |
ولا غدونا إلى الهيجاء تحملنا | خيل جياد تبذ الريح بالهرف |
إذا أصبنا عظيما هان مصرعه | فينا وأسد الشرى تجني ولم تخف |
=وإن أصبنا بندب قال قائلنا | ما أطيب الموت بين البيض والحجف |
وكم تركنا حياض الجود مترعة | والناس من كارع فيها ومغترف |
وكم ترعرع فينا ماجد بطل | سمح ينوب مناب العرض الوطف |
إذا تهلل جودا قال حاسده | تالله لا عيب في هذا سوى السرف |
وكم رفعنا من التقوى منار هدى | والناس خابطة في ظلمة السدف |
وكم تركنا قطوف العلم دانية | والناس ما بين مشتم ومقتطف |
وكم أناخ بنا والأرض مجدبة | ضيف فألقى العصا في روضة آنف |
فضل من الله آثرت الحديث به | وما سلكت سبيل البذخ والترف |
يا لهف نفسي وهل يطفي أوار جوى | بين الجوانح قول المرء يا لهفي |
فيا لها ليلة ليلاء قد عصفت | رياحها بجذوع الدوح والسعف |
وهاكها يا علي الشأن قافية | كالبدر حسنا وحاشاها من الكلف |
حوت صفاتكم ألفاظها فزهت | والفضل للدر ليس الفضل للصدف |
فاقبل هدية عبد من عبيدكم | بالحب محترف بالعجز معترف |
صلى عليكم إله العرش ما طرفت | عين وما حن مشتاق إلى النجف |
وقال يرثي الحسين عليه السلام:
بنفسي أقمارا تهاوت بكربلا | وليس لها إلا القلوب لحود |
بنفسي سليل المصطفى وابن صنوه | يذود عن الأطفال وهو فريد |
أذاب فؤادي رزؤهم ومصابهم | وعهدي به في النائبات جليد |
فقل لابن سعد أتعس الله جده | أحظك من بعد الحسين يزيد |
نسجت سرابيل الضلال بقتله | ومزقت ثوب الدين وهو جديد |
وقال في شكوى الزمان من قصيدة:
أشكو إلى الله الزمان وطالما | مد الكسير يديه للجبار |
كم سامني ضيما وهل يرضى الفتى | وهو العزيز بذلة وصغار |
يجني علي مقاربا ومجانبا | لا مرحبا بحديدة المنشار |
خوف وفقر واغتراب حيث لا | يسر ولا عدوى على الاعسار |
وإذا تأملت الشدائد لم تجد | كيمين مغترب بغير يسار |
خطب رماني حيث لا روض الثنا | زاه ولا ماء المكارم جاري |
ما بين قوم ليس يبرح جارهم | في جور جبار وسوء جوار |
بشر ولو كشف الغطاء وجدتهم | ما بين شيطان وبين حمار |
فلا صبرن فما تطاول غيهب | إلا محاه الله بالأنوار |
والحر يظهر بالنوائب فضله | وانظر إلى نار وحر نضار |
وأماط عني الهم إني واثق | بالله في الإعلان والأسرار |
والخير كل الخير في الأمر الذي | يجري بحكم الفاعل المختار |
وبديعة كالروض تمري فوقه | أيدي الجنوب حوافل الأمطار |
ما زال يبكيه الحيا حتى جرت | عبراته من أعين الأزهار |
هي نفثة المصدور يخفي داءه | أبدا وقد يضطر للإظهار |
بل تحفة أهديتها لأولى النهى | والعطر مجلوب إلى العطار |
أشعاره في السيد أبي الحسن موسى بن حيدر بن أحمد بن إبراهيم الحسيني العاملي الشقرائي جد جد المؤلف. قال يمدحه:
أتهجر سلمى والمزار قريب | وتطمع فيها والحسام خضيب |
وتعرض عن رشف الثنايا تعففا | وصبر الفتى عن مثلهن عجيب |
وتحلم حتى لا يقال أخو هوى | وتجهل حتى لا يقال لبيب |
خليلي قوما واسقياني سلافة | لها في عظام الشاربين دبيب |
وخمرا تجلى في الكؤوس كأنها | دموع محب شط عنه حبيب |
ولا تطلبا مني مع الشيب سلوة | فإن الكرى عند الصباح ييب |
وقد تدمع العينان من ذي مسرة | ويضحك بعض الناس وهو كئيب |
ألا ليت شعري هل تروق مواردي | وألمح روض العيش وهو قشيب |
وليس يزول الخطب إلا برحلة | إلى بلد فيه الشريف خطيب |
أبو الحسن الحبر الذي بعلومه | أغاث ربوع الدين فحو خصيب |
حسيب نسيب من ذؤابة هاشم | وخير نجيب من أبوه نجيب |
خليفة قوم أخلص الله سهمهم | فليس لهم إلا الكمال ذنوب |
تخطاهم شر الخطا غير أنهم | لهم حسنات المخلصين ذنوب |
إذا نزل القرآن فيهم فما عسى | يقول أديب أو يفوه أريب |
ترعرع في روض الهدى وأماله | إليهم نسيم الفضل وهو قضيب |
خلائقه مثل النجوم ومجده | حكى الشمس إلا أن تلك تغيب |
له الرتبة العليا والراحة التي | تصيب فؤاد المحل حين تصوب |
له قلم كالسهم ما زال وافدا | على مهج الأغراض وهو مصيب |
يراع يرى آثاره كل معرب | كما نثرت حب الجمان غروب |
إذا ماس في القرطاس كالغصن | رفرفت عيون على أفنانه وقلوب |
يرى أرغد الأيام يوم مواهب | ويوم القرى عند البخيل عصيب |
أعادت أياديه النعيم على الورى | وقد كان في جسم الأنام شحوب |
إذا مرضت بالمحل أغصان روضة | فليس لها غير السحاب طبيب |
أبا حسن يا واحد الدهر والذي | له منزل فوق السماك رحيب |
ويا خير من يرجى إذا ما تزاحمت | خطوب زمان لا تزال تنوب |
أعد نظرا في ذلك الأمر أنني | دعوتك للجلى وأنت مجيب |
وأعجب شيء أنه قد تباعدت | موارده مني وأنت قريب |
فقم غير مأمور به إن صعبه | عليك لسهل والإله مثيب |
وما ذاك إلا أنني قد وكلته | إليك وظني فيك ليس يخيب |
ودونكها غراء كالنجم تنتمي | إليكم وترنو الناس وهي عضوب |
ولا زلت مخضر الجناب ولا عدا | ربوعك غيث السعد وهو سكوب |
وقال يمدحه وذكر في مقدمتها ما صورته: لما ثبت عند أولى الألباب الواردين حياض السنة والكتاب إن شكر المنعم واجب فلا جرم رأيت مدح مولانا الشريف ضربة لازب فإني غرس نعمته وربيب جود راحته وهو الذي طوقني الفضل وقد كنت عاطلا وقلدني قلائد العلم وقد كنت جاهلا وهو الأستاذ الجليل الأعظم محيي الفرائض والسنن سيدنا ومولانا السيد أبو الحسن رضي الله عنه فبادرت على اسم الله مناظرا في ذلك الفذ اللبيب الماهر الشيخ أحمد الشاعر "المعروف بالنحوي" في لاميته التي امتدح بها السيد السند المؤيد بألطاف الله المرحوم المبرور السيد نصر الله "المعروف بالحائري" طيب الله ثراه ورضي الله عنه وأرضاه فقلت:
إلام يعاني خطة الخسف باسل | وحتى متى يغضى عن النقص كامل |
لقد ظلم النفس النفسية من يرى | خمائل أغصان العلا وهو خامل |
فما سئمت نفس السري من السرى | ولا صرمت حبل الرحيل الرواحل |
أتظفر من لبنى بخير لبانة | وقد نزلت حيث المنون نوازل |
وتمطع من ريا بري ودونها | وهامة لا تدري بها ومجاهل |
سباسب لم تسحب بها السحب ذيلها | ولا وضعت فيها الغيوم الحوامل |
ولا سار فيها الريح والريح راكب | ولا مر فيها البرق والبرق راجل |
ولا رشقت ريق الغوادي ثغورها | ولا رضعت ثدي الجيا وهو حافل |
طلول كأن الطل يخشى آكامها | فليس له ذيل هنالك رافل |
وصادية الأحشاء عطشى وفوقها | بحور سراب ما لهن سواحل |
ومظلمة الأرجاء ليس يجوزها | دجى الليل إلا والنجوم مشاعل |
لي الله كم أدلجت فيها تقلني | أمون ويعدو بي على الهول صاهل |
أحاول من سلمى سلاما ودونها | صدور رماح أشرعت وسلاسل |
وقد نفحت من جانب الغور نفحة | وفي طيها للعاشقين رسائل |
وعيشك لا أنسى هناك غزالة | تغازلني أحداقها وأغازل |
عقيلة حي من عقيل وطفلة | أوائلها في سالف الدهر وائل |
وخود كغصن البان لو زايل الردى | لواحظها غنت عليها البلابل |
منعمة الأعطاف كاد قوامها | يسيل من الساقين لولا الخلاخل |
تقنصتها حيث الشبيبة غضة | وروق الصبا أشراكها والحبائل |
على روضة فيحاء أما هزارها | فقس وأما زهرها فهو قابل |
كأن غصون البان فيها كواعب | زن على أعطافهن الغلائل |
كأن نصير الورد بين أقاحها | خدود غوان رابهن عواذل |
كأن غدير الروض تحت نسيمه | أخو جنة قد أوثقته السلاسل |
فيا لك من روض أريض ونعمة | نعمنا بها والدهر إذ ذاك غافل |
إلى أن جرى نهر النهار على الدجى | فنواره من ذلك النور ذابل |
هناك نهضنا للوداع وقلما | يدوم على صرف الزمان التواصل |
ليهنك مني أوبة بعد رحلة | إلى بحر جود ماله قد ساحل |
أبي الحسن النور الإلهي والذي | تبلج في برج الهدى وهو كامل |
هو البحر علما والسحاب مواهبا | فما الناس إلا سائل أو مسائل |
كريم المحيا والبنان كأنما | له البدر وجه والغوادي أنامل |
فتى ترد الأعلام أبحر علمه | فتصدر عنها وهي منها نواهل |
وينخرل الغيث الركام عن الورى | وراحته في الشرق والغرب وابل |
توجه تلقاء العلوم فضمها | إليه كما ضم الأنابيب عامل |
(إشاراته) فيها (الشفا) من العمى | (وتلويحه) فيه (الفصول) الفواصل |
خبير (بتحرير) القواعد (سالك) | (مسالك) مأثور (الشرائع) فاصل |
بصير (بتهذيب الأصول) موكل | (بإيضاح) ما قد أضمرته الأفاضل |
حري (بتسهيل) (الفوائد) مظهر | (لباب) المعاني حيث تخفي المسائل |
ينادي (بأسرار البلاغة) لفظه | فيظهر للإعجاز فيه (دلائل) |
جواد جرى والغيث في حلبة الندى | فغبر في وجو الحيا وهو هاطل |
وما هو إلا كعبة الدين والهدى | فلا غرو إن حجت إليه القبائل |
فإن أنكر الحساد باهر فضله | فكم أنكر الصبح المبين غافل |
وما ضر من كانت أسافل مجده | رؤوس المعالي ما تقول الأسافل |
حسيب نسيب أصبح الكون مشرقا | بأسلافه وهي البدور الكوامل |
هم النفر البيض الذين بنورهم | تزين ساق العرش إذ هو عاطل |
وهم خير هذا الخلق من غير شبهة | وأفضل من تعزى إليه الفضائل |
رواجبهم للوافدين موائد | وراحاتهم للواردين مناهل |
وراجيهم في ذروة الفوز صاعد | وضيفهم من جانب الأفق نازل |
وآثارهم للسائلين معالم | وأسماؤهم للسائلين وسائل |
حماة كماة ينزلون إلى الوغى | فرادى ومثنى والمنون نوازل |
إذا خفقت لأعلامهم فوق فيلق | رأيت جنود الله فيه تقاتل |
ملوك لهم في غامض العلم صارم | صقيل له الأمر الإلهي حامل |
كأني به من ذلك الغمد مصلتا | يصول به رب السما وهو فاصل |
ألا يا ربيع المجدبين ومن به | تلوذ اليتامى حسرا والأرامل |
ويا علم العلم الإلهي والذي | أقام قناة الدين والدين مائل |
ليهنك يا غصن النبوة حلة | من المجد فيها للنبي شمائل |
نثرت من العلم النفيس جواهرا | على الناس حتى ليس في الأرض جاهل |
وقلدت أعناق الأنام قلائدا | من الفضل حتى ليس في الناس عاطل |
ودونكها غراء كالبدر قابلت | علاك فأمسى وجهها وهو كامل |
وردتك يا بحر المكارم صاديا | فلا غرو إن أهدى لك الحمد ناهل |
وقال يرثي شيخه السيد أبا الحسن المذكور المتوفى سنة 1194 ويعزى ولديه السيد محمد الأمين والسيد حسين:
أتعجب من دمعي السخي إذا جرى | لانت خلي ما سمعت بما جرى |
ألم تر أن المجد جب سنامه | وإن فؤاد المكرمات تقطرا |
وإن رياض الفضل صوح نبتها | وكان لعمري بالفضائل مزهرا |
وإذ عقود العلم من بعدها جيدها | أبي الحسن الماضي محللة العرى |
فقدنا به بدر السماء ونوره | يشق الدياجي والربيع منورا |
فدمعي ياقوت وقد كان لؤلؤا | وفودي كافور وقد كان عنبرا |
فيا قبره واريت منه مهندا | صقيلا بأسرار العلوم مجوهرا |
ويا قبره واريت والله موردا | لكل جميل في الوجود ومصدرا |
ويا قبره واريت أفضل عالم | تستر نور العلم لما تسترا |
ويا قبره واريت شمسا منيرة | بها كان ينجاب الظلام عن الورى |
فديت الذي أمسى رهين جنادل | ظغرن بخير الناس مرءا ومخبرا |
فديت الذي أمسى رهين جنادل | سلبن من العافين منتجع القرا |
وما كنت أدري قبل بينها | محياه إن البدر يغرب في الثرى |
فمن لأصول الدين يفصح روحها | بتحقيقه حتى ترى الحق مزهرا |
ومن لمعاني الذكر يبدي بديعها | بأورى زناد في البيان وأسورا |
ومن لأحاديث النبي وآله | يميط غطاها موضحا ومقررا |
ومن لفنون النحو يبدي عويصها | ويظهر من معناه ما كان مضمرا |
ومن للمعاني والبيان مبين | بأفصح ما قال البليغ واحصرا |
لقد أصبح الدين الحنيفي بعده | ذليلا فيا لله من حادث عرا |
تحول عن دار الشقاء مكرما | وصار إلى دار النعيم مطهرا |
وما زال ذاك النور حتى أفادنا | هلالين بل بدرين لن يتسترا |
ولا جف ذاك البحر حتى أفدادنا | بوبلين بل بحرين لن يتكدرا |
رضيعي لبان العلم والحلم والندى | وأفضل من فوق البسيطة عنصرا |
لقد زال عنا بالأمين وصنوه | حسين فولى الحزن عنا وأدبرا |
لقد لبس الإسلام بعد أبيهما | قميصا بياقوت الدموع مزررا |
فقد ألبساه ثوب عز لمثله | تواضع كسرى وانحنى عرش قيصرا |
سرور أتانا بعد حزن كما دجا | ظلام فلاح الصبح يضحك مسفرا |
حسودهما خفض عليك فقلما | ترى الأفق الأعلى من النور مقفرا |
أعزيكما عن خير حي وميت | وإن كنتما بالصبر أحرى وأجدرا |
ولا زلتما كالشمس في رونق الضحى | وكالبدر في برج السعادة مبدرا |
ودونكما يا خليلي ثاكلا | نحن حنين العود أجهضه السرى |
سقى الله مثواه سحائب رحمة | وأردفها من ريق العفو أبحرا |
ولا زالت الأرياح تنتشر فوقه | لطائف مسك طيب النشر أذفرا |
وقال يمدح الأمير أبا حمد محمود بن نصار أخا الأمير الشيخ ناصيف بن نصار من آل علي الصغير أمراء جبل عامل
نظرت إلى هذا الأنام فلاح لي | بأن الورى أهل الحلوم العوازب |
وما سرني في سالف الدهر كاذب | من الظن إلا ساءني في العواقب |
سأرحل عن دار الهوان وأهلها | فليس مقام السوء ضربة لازب |
وغانية مثل الهلال تركتها | وأدمعها تنهل فوق الترائب |
تقول إلى من تقطع البر صاديا | فقلت إلى محمود بحر المواهب |
أبي حمد حامي البلاد ومن جرى | ندى كفه في شرقها والمغارب |
جواد جرى في حلبة المجد سابقا | فغادر عين المال من غير حاجب |
أنامله في الحرب خمس صواعق | وفي السلم لا تنفك خمس سحائب |
لعمرك ما أنساه يوم تألبت | عليه الأعادي من فني وشائب |
رماحهم مثل الأفاعي وخيلهم | تدب على وجه الثرى كالعقارب |
أغار على جيرانهم فتواثبت | إليهم حماة الحي من كل جانب |
وثار لهم من آل نصار عصبة | على كل معروق الجناحين شازب |
هم الأسد فالخطي في الروع غابهم | وأسيافهم محمرة كالمخالب |
وقائعهم سود وسمر رماحهم | من الغارة حمر الذوائب |
جيادهم إن أظلم النقع أضرمت | سنابكها للقوم نار الحباحب |
يكاد ظلام النقع فوق رؤوسهم | يواريهم لولا ضياء المناقب |
بدور كمال في بروج منيفة | تصول بأمثال النجوم الثواقب |
فأقلقهم وقع الحسام وأدبروا | يروعون من أسد الشرى كالثعالب |
كأني بهم عند المضيق وقد هوى | هنالك رأس القوم من غير ضارب |
جواد تردى عن جواد مطهم | وما زال ظهر البغي شر المراكب |
فلست ترى إلا سلاحا على الثرى | وخيلا بها فقر إلى كل راكب |
وأعجب شيء أن خمسين فارسا | تمزق ألفي فارس بالقواضب |
كتبت بأقلام الرماح لمن يرى | سطور المعالي في صدور الكتائب |
وقال يمدح الأمير الشيخ علي الفارس الصعبي سنة 1184 ويصف الشقيف من قصيدة:
مالي وللدهر ما استجديته فرحا | إلا وأتحفني بالحادث الجلل |
ما زلت أسأله وردا ويمنعني | حتى وفدت على بحر الساح علي |
الماجد البطل ابن الماجد البطل | ابن الماجد البطل ابن الماجد البطل |
بحر المواهب والأنواء باخلة | حامي الحقيقة والأبطال في وجل |
كبش الكتيبة مقدام إذا سطعت | نار الوغى غير هياب ولا وكل |
مولى إذا قال قول الصدق اتبعه | فعلا ولا خير في قول بلا عمل |
منزه عن عيوب الناس قاطبة | ومالك الفضل والإحسان عن كمل |
وكل عيب قبيح في الأنام ولا | كالجبن في الرجل المشهور والبخل |
والقائد الخيل تردى في أعنتها | وفوقها كل حامي حوزة بطل |
شعث النواصي إلى الأعداء حاملة | أسد الشرى فوقها غاب من الأسل |
سود الوقائع لا تنفعك بيضهم | حمر الخدود وحاشاها من الخجل |
شم العرانين وهابون ما ملكوا | من الذخائر نحارون للإبل |
تدافقوا كرما يوم العطاء وقد | تغيبوا في ظلال العرض الهطل |
أطربت خير فتى أورى بهمته | زند السماح وزند العلم والعمل |
لاه ابن أحمد من أحيا بنائله | جود ابن زائدة في الأعصر الأول |
لاه ابن أحمد من سارت فضائله | في الشرق والغرب حتى صار كالمثل |
لاه ابن أحمد من تغنيه همته | في النائبات عن الأنصار والخول |
يا أيها العلم الفرد الذي خفقت | راياته في أعز الملك والدول |
أنت العزيز ودار العز داركم بل | أنت شمس الضحى في دارة الحمل |
حصن حصين وأبراج تدور على | قطب السعود ولا تنحط عن زحل |
وشاهق راح يحكيها فقلت له | ليس التكحل في العنين كالكحل |
أبا حسين رعاك الله من رجل | رعى وما مثله في الناس من رجل |
وقال يمدحه ويهنيه بعيد الفطر سنة 1180 من قصيدة:
وما أنس لا أنس الغداة وقد سرى | فريدا ينادي من يجيب المناديا |
فثار إليه الجيش من كل جانب | فلست ترى إلا سيوفا عواريا |
فحكم فيهم سمهريا تخاله | شهابا على جمع الشياطين هاويا |
فلست ترى إلا قتيلا وهاربا | ومنجدلا يشكو الجراح وعانيا |
وأقلقهم وقع الحسام فأسلموا | عتاق المذاكي والرماح العواليا |
فأرسل كل نفسه في تنوفه | يجوب الفيافي واديا ثم واديا |
رأوا من سيوف الهند بحرا وأصبحوا | يدورون في الدولاب شعثا ظواميا |
ومن سل سيف البغي راح بحده | قتيلا وشر الناس من كان باغيا |
فلو نطق العدل الذي تدعونه | لكان بكم عن ذلك العدل ناهيا |
ألا يا علي القدر والماجد الذي | أنامله تحكي البحور الطواميا |
لك الطلعة الغراء والهمة التي | رأينا بها السبع ثمانيا |
ليهنك عيد الفطر إن هلاله | أنار من الأفراح ما كان داجيا |
وقال يمدحه من قصيدة:
كريم المحيا واليدين بنانه | تفيض على العافين بالجود والجدا |
أناخ على حزب الطغاة بعارض | سحائبه تنهل في موقف الردى |
على كل معروق الجناحين شازب | طويل الشوى مستشرف الجيد أجردا |
فلست ترى إلا طريحا وساقطا | جريحا وماسورا ذليلا مصفدا |
يشلهم من آل صعب غضنفر | مخالبه تجري نجيعا من العدى |
فغادرهم صرعى تخال رؤوسهم | مفارقة الأجسام عقدا مبددا |
بكر عليهم كالقضاء وسيفه | يلوح كما عاينت خدا موردا |
وقال يمدحه عام 1183 ويصف قلعة الشقيف من قصيدة:
علي ربيع المجدبين ومن به | تألف شمل الجود بعد التبدد |
شجاع مطاع فارس وابن فارس | حسيب نسيب سيد وابن سيد |
هزبر هصور أريحي مقذف | له تشهد الأعداء في كل مشهد |
وأكرم من أوس بن لام أناملا | واربط جأشا من يزيد بن مزيد |
جواد على متن الجواد وباسل | يقول متون الخيل أشرف مقعد |
كأني به في عرصة الجيش ينكفي | على الجيش فردا بالحسام المجرد |
ينابذهم بالهندواني ضاربا | به كل ولاج على الدين ملحد |
فاحجم عنه ذلك الجمع إذ رأى | فتى غير هياب ولا طائش اليد |
وأدبر لا يثني عنانا إلى الوغى | على كل نجدي له غير منجد |
وحقك لو عاينته يطرد العدى | بمنصلت ماضي الغرار مهند |
رأيت به مثل القطامي واقعا | هناك على سرب البغاث المبدد |
ظباء رمال نبهت ساكن الغضا | إليها فكانت كالسنام المسرهد |
وقد هتنت في آل نصار مزنة | ببيض المواضي والوشيج المقصد |
على كل موار العنان يقودها | إلى الورع عداء على كل معتدي |
ألا يا علي القدر والعارض الذي | سحائبه تنهل من غير موعد |
تسنمت عرش المجد كهلا ويافعا | وسدت شيوخ الفضل في سن أمرد |
لك القلعة الغراء أشرق نورها | وإن كره الحساد في فرق فرقد |
جذبت بها حتى بلغت بها السها | وقصر عنها كل قصر مشيد |
وأبرزتها للوافدين فأقبلت | تنادي على شحط المدى كل مجتدي |
إلا قاتل الله الذين توازروا | على نقض ما أبرمت في اليوم والغد |
يسومونكم سوء الردى وبنانكم | تروح عليهم بالجميل وتغتدي |
نظرت إليهم مغضبا فتباعدوا | من الخوف وانثالوا إلى غير مسعد |
واقسم لولا حلمكم عن جرائم | أتوها وراشوها بنصل محدد |
وثبت عليهم وثبة الليث طاويا | ثلاثا على سرب الظباء المقيد |
تجاوزت عن أفعالهم بعد قدرة | عليهم وخير العفو عفو المؤيد |
وكفكفت عنهم سطوة فارسية | يذوب لها يوم الوغى كل جلمد |
خلائق غر كالنجوم ورثتها | وأحرزتها من سيد بعد سيد |
وقال وأرسلها من أصفهان إلى محروسة دمشق الشام لبعض الإخوان:
غرام وتشتيت وشوق مبرح | فلله ما يلقى الفؤاد المقرح |
أما الهوى يا مي لولا معاهد | لأحبابنا فيهن مسرى ومسرح |
لما بت في نار من الوجد أصطلي | لظاها وفي بحر من الدمع أسبح |
أما تتقين الله يامي في فتى | على سروات النيب يمسي ويصبح |
يشيم يروق الشام وهو بفارس | لقد بعد المغدى وشط المروح |
ليسقكم يا جيزة الشام وابل | من المرن محلول النطاقين مدلح |
وما زلت مذ فارقتكم في صبابة | لواعجها في حبة القلب تقدح |
وتضطرب الأحشاء عند ادكاركم | كما اضطرب المذبوح ساعة يذبح |
فيا ليت شعري هل يبل بقربكم | فؤاد بأسياف البعاد مقرح |
وهل تنظر العينان يامي أوجها | لها شبه بالصبح بل هي أصبح |
وأنزل في الحي الذي ترتع المها | به والظباء الحاجريات تسنح |
واطرح رحلي بين أهل وجيرة | لهم في سواد القلب مغنى ومطرح |
وأصبح في الأحباب حيث يلفني | وإياهم روض من العيش أفيح |
منى أرتجيها من كريم وقادر | فما زال يوليني الجميل ويمنح |
أطوف في الآفاق شرقا ومغربا | ولكنني عن بابه لست أبرح |
وما اخترت هذا البعد أبغي تجارة | يبور بها دين الفتى حين يربح |
ولكنني والحمد لله زائر | قبورا إذا ما زارها المرء يفلح |
ولما قضيت الفرض هبت إلى السرى | نجائب منها ناجيات ورزح |
إذا ما تخطت صحصحا من مفازة | أتيح لها من قاتم الدو صحصح |
أسير بها أبغى الرضا وهي حاجة | إذا أنعم الرحمن بالنجح تنجح |
ومالي أنيس غير نفس عزيزة | علي كنفسي بل من النفس أرجح |
وحسبي بنصر الله لا زال سالما | أنيسا به صدري إذا ضاق أشرح |
فيا أيها الناؤون عني عليكم | سلام يمسي حيكم ويصبح |
تحية مشتاق يكنى عن الهوى | حياء ولكن الدموع تصرح |
أحاول صبرا عنكم فيذودني | عن الصبر نار في الجوانح تلفح |
وأرسل طرفي كي أراكم فينبري | لتشييعه دمع على الخد يسفح |
ودونكموها غادة ساقها الهوى | إليكم فجاءتكم تكد وتكدح |
ومرت على الزوراء تهدي تحيتي | إلى ماجد كالبحر بل هو أسمح |
ولا زلتم في خفض عيش ونعمة | يغرد طير السعد فيها ويصدح |
وكتب إلى السيد موسى جمال الدين الحسيني الموسوي من بعلبك إلى دمشق من قصيدة:
وحسبك يا موسى بن موسى بن جعفر | بهم مفخرا يعنو له كل أصيد |
أبوك جمال الدين أورثك العلى | فمن ينتحلها غيرك اليوم يطرد |
لقد ظفرت منك الشآم بماجد | إذا هم بالمعروف لم يتردد |
أبثك يا فرغ النبوة أنني | وهي جلدي من بعدكم وتجلدي |
إذا ما ذكرت القرب منك تبددت | فرائد هذا الدمع أي تبدد |
وقد كان وعد منك أومض باللقى | فنحن نرجي الري في اليوم والغد |
فلا تبخلن حاشا لك البخل بالمنى | وقم غير مأمور بذلك واقعد |
فلا تنطفي إلا بقربك لوعة | توقد في الأحشاء أي توقد |
ولي أمل أن يجمع الله شملنا | على خير ما نرجوه في خير مقعد |
لدى "جبع" الغراء حيث تنافست | بنو المجد في كسب الثناء المخلد |
وحيث عيون المكرمات تفجرت | على رائح يشكو الظلماء ومغتدي |
وحيث الهدى والدين شد نطاقه | على كل حر بالفضائل مرتدي |
وحيث الرياض الخضر يبكي بها الحيا | فتضحك عن مثل الجمان المنضد |
وحيث لجين الماء يجري وفوقه | من الدوح أزهى خيمة من زبرجد |
منازل أحباب ودار مسرة | ومطمح آمال وغاية مقصد |
سقى الله هاتيك البلاد وأهلها | ملث الغوادي من لجين وعسجد |
واطلع في آفاقها أنجم الهدى | وطهرها من كل رجس ومعتدي |
ورد إلى أوطانه كل شاسع | يكابد ذلا بعد عز موطد |
فقد عيل صبر الصابرين ومزقت | يد الجور الصابر المتجلد |
ودونكها يا ابن النبي فريدة | تزف إلى مولى بعلياه مفرد |
ولا زلت في روض من الفضل يحتوي | على كل طير بالثناء مغرد |
وقال في العراقيات الإخوانيات وأرسلها من العراق إلى الشام إلى صديقه السيد موسى الحكيم:
سلام وهل يشفي الغليل سلام | وقد نزحت دار وعز مرام |
تحية مشغوف يحن إلى اللقا | حنين وليد نال منه فطام |
حليف سهاد طلق النوم بعدكم | ثلاثا فراح اليوم وهو حرام |
قضى لي هواكم أن أبيت مسهدا | وأنتم نيام والخلي ينام |
وما ضر إبراهيم نار غرامه | إذا صح برد منكم وسلام |
لعمري لقد أججتم بفراقكم | لواعج لا يخبو لهن ضرام |
وحملتم جسمي على ضعفه جوى | يئط ثبير تحته وشمام |
أما وهواكم وهي حلفة صادق | يرى أن مكذوب الكلام كلام |
لقد لعبت أيدي بحشاشتي | كما لعبت بالشاربين مدام |
أشيم بروق الشام شوقا إليكم | وهيهات من دار السلام شآم |
وارمي بطرفي نحوكم كي أراكم | فتأبى موام بينا وأكام |
ليسقكم يا جيرة الشام وابل | ركام وهل يسقي الغمام غمام |
ولا غرو إن سقت الحيا لمعالم | لأفلاذ قلبي بينهن مقام |
مسرة نفسي والجديرون بالهوى | وإن نبهوني للغرام وناموا |
تركتهم فوضى وحسبي وحسبهم | من الله مولى كافل وعصام |
نعم حبذا تلك المغاني وحبذا | نزولي بها والمزعجات نيام |
قضى حسنها أن لا نلام بحبها | ومن هام بالفردوس كيف يلام |
معاهد يأتيها الخلي من الهوى | فيصدر عنها والغرام غرام |
وثم رياض مونقات يزينها | من النور فذ مشرق وتوام |
حدائق بالأكمام يرقص دوحها | إذا ما تغنى في الغصون حمام |
وإني لحران إلى مائها الذي | له بين هاتيك الرياض زحام |
لي الله كم خيمت فيهن نازلا | ومالي سوى الظل الظليل خيام |
وحولي إخوان كرام تعاقدوا | على المجد شيخ منهم وغلام |
مساميح إماما أصابوا من الغنى | فطل وأما جودهم فركام |
ميامين تنجاب الهموم بقربهم | كما انجاب من نور الصباح ظلام |
يضيع ذمام الود إلا لديهم | وعند كريم لا يضيع ذمام |
وقال لما وقع الطاعون بدمشق ونواحيها سنة 1207 فتفرق أصحابه في جهات شتى منهم السيد موسى جمال الدين الموسوي فكتب إلى بعضهم من قصيدة:
خليلي إن شطت منازل من أهوى | فلست أبالي والفؤاد لهم مثوى |
ترامت بهم أيدي النوى خيفة الردى | فشنوا على رحب الفضل غارة شعوا |
وطار فريق للحجاز تقلهم | نجائب تطوي كل فج ولا تطوى |
سورا يخبطون البيد والحج قصدهم | ونيتهم والخير أفضل ما ينوى |
وما ضرهم بعد الشآم إذا غدت | تحوزهم تلك المعالم من حزوى |
وعرق منهم فرقة فوق ضمر | سواهم أنى سيرها يفضل العدوا |
إذا وردوا ماء الفرات وشاهدوا | قبابا حديث الجود عن أهلها يروى |
فقد وردوا عين الحياة وأدركوا | من الخير كل الخير غايته القصوى |
معالم لو حلت يد الدهر حبوتي | سعيت إليها كل حين ولو حبوا |
وهل يدرك المقصور مثلي مرامه | من الخير والأيام تمنعه الخطوا |
فساروا على اسم الله في دعة الذي | أحاط بإعلان البرية والنحوي |
وألقى العصا في النبك منهم عصابة | كرام إذا مل الكرام من الجدوى |
وقال رحمه الله وهي من الشاميات يشكو الزمان:
أكفكف دمع العين وهو غزير | وأكتم نار القلب وهي تفور |
وأنتشق الأرواح من نحو عامل | وفيها لمثلي سلوة وسرور |
وأنهض من شوق إلى ذلك الحمى | وكيف نهوضي والجناح كسير |
منازل أحباب إذا ما ذكرتهم | شرقت بماء المزن وهو نمير |
وبي ظمأ برح وفيها موارد | وما هي إلا أوجه وثغور |
ولي عندها أفلاذ قلب تركتها | ومنها صغير باغم وكبير |
وقد كان يشجيني تفرق ساعة | فكيف وقد مرت علي شهور |
ولي أمل أن يجمع الله بيننا | وينظم هذا الشمل وهو نثير |
فقد زال صبري عنهم وتصبري | وإن كان شيء منه فهو يسير |
وغراء من عليا نزار تطلعت | إلي بعين الظبي وهو غرير |
تسائل عني لا بألفاظ ناطق | ولكن بأغصان اللجين تشير |
فقلت لها والعين يرفض دمعها | وقد بادرتني أنة وزفير |
كريم رماه الدهر في دار غربة | فأصبح في دور الضلال يدور |
صبور على جور الزمان وقلما | يخيب وإن طال البلاء صبور |
تروح عليه النائبات وتغتدي | وليس يبالي بالرياح ثبير |
قضى ما قضى في عامل وتصرمت | حبال الأماني والحياة غرور |
وقوض عنها حين أظلم جوها | وغابت من الحي الحلال بدور |
وكيف يطيب العيش بين منازل | وفيهن كلب للكرام عقور |
وأعجبني منها أمور ورابني | أمور بها مشنوءة وأمور |
منازل أشرار إذا ما سبرتها | وجدت قصورا حشوهن قصور |
هي النار لو زال الغطاء وإن بدا | لعينك منها جنة وحرير |
لها عند أرباب البصائر باطن | وظاهر حال مظلم ومنير |
إذا جعجع المقدار فيها مهذبا | عزيزا أصاب الذل حيث يسير |
خليلي أن الظلم طال ظلامه | فهل من تباشير الصباح بشير |
سئمت مقامي في مشق وقلما | يسر وما زال الوثاق أسير |
أروح وأغدو ظاميا في ربوعها | وللماء حولي صيحة وخوير |
لحى الله دهرا سامني خطه الردى | وجار وبعض المالكين يجور |
وحملني ما لا أطيق احتماله | ألا كل شيء لا يطاق عسير |
وأخلى سماء المجد من زهرة العلا | وكان لها نور يصوغ ونور |
وبدد أنصاري على الدهر حيث لا | يصاب لمثلي في الزمان نصير |
وصيرهم ما بين حي مروع | يطير مع العنقاء حيث تطير |
وبين قتيل يشهد الله أنه | شهيد له قبل النشور نشور |
كأن لم يكونوا في مقام من العلى | علي يرد الطرف وهو حسير |
ولا خطبوا بكر العلا ونفوسهم | لها وهي أغلى ما يساق مهور |
ولا فاز منهم بالأمان وبالمنى | غني أتاهم خائفا وفقير |
ولا نال ما يرجو من الدهر عنوة | رئيس ثوى في ظلهم وأمير |
ولا خفقت أغلامهم فوق فيلق | كما رفرفت فوق الفضاء طيور |
ولا سمعوا صوت المنادي فبادروا | كبير كسرحان الغضا وصغير |
ولا طوقوا بالمشرفية والقنا | وزيرا غشوما يقتفيه وزير |
ولا أرغموا من آل قيس معاطسا | لها العز شرب والثناء سمير |
وما أنس لا أنس الغداة وقد أتوا | لهم عدد فيما يرون كثير |
ألموا بنا راد الضحى ثم هجهجوا | بنا فتلاقى زائر ومزور |
فما واقفوا إلا قليلا وأدبروا | فقل في هشيم دغدغته دبور |
يشلهم من آل نصار ضيغم | وثل إذا سيم الهوان يثور |
وأبلج ميمون النقيبة وجهه | إذا ما دجا ليل القتام منير |
طويل إذا ما طاولته بنو العلى | وإن طلب الأوتار فهو قصير |
فغادرهم صرعى كأن جسومهم | زقاق جرى منها الغداة خمور |
وجب سنام المجد منهم فأصبحوا | وللذل فيهم روحة وبكور |
ومن نكد الأيام أن "شهابهم" | له بعد مازال النهار ظهور |
فلا تعذلاني إن شكوت فإنما | يجرجر من حمل الثقيل بعير |
ولا تأنفا لي أن شكرت عصابة | بهم طاب عيشي فالكريم شكور |
وما عذر مثلي أن يضن بشكره | على منعم أني إذا لكفور |
وعندي مما خول الله مقول | يدور البديع الفرد حيث يدور |
قواف إذا جرت جلابيب حسنها | تطامن حسان لها وجرير |
وإن كثر المستشعرون فعندنا | لباب وعند المدعين قشور |
ولا تستوي والحق أبلج واضح | قصور تناجيها الصبا وقبور |
ولا أرتجي بل الغليل من الورى | فقد قل ورد فيهم وصدور |
ومالي لا أرجو كريما نواله | يريك المحيط الغمر وهو غدير |
أمد له كلتا يدي لأنه | لمثلي من الذنب العظيم طهور |
عناء لعمري نالني بعد راحة | وللدهر ظل مرة وحرور |
سأصبر أو تنجاب كل ملمة | وللصبح من بعد الظلام سفور |
وقال حين فارق وطنه وقعة الجزار يتشوق إلى أهله ووطنه ويذم الزمان ويذكر هموما جأش بها صدره وأغراضا اعتلجت في فكره وختمها بمدح النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته عليهم السلام ومدح سادات آل المرتضى الموسويين الشهيرين:
من لي برد مواسم اللذات | والعيش بين فتى وبين فتاة |
ورجوع أيام مضين بعامل | بين الجبال الشم والهضبات |
عهدي بهاتيك المعاهد والدمى | فيهن مثل الحور في الجنات |
والروض أفيح والجناب ممنع | والورد صاف والزمان مواتي |
والشمل مجتمع وإخوان الصفا | أحنى من الآباء والامات |
إذ لا ترى إلا كريما كفه | والوجه عين حيا وعين حياة |
أو مولعا بالجود تفهق قدره | ويداه بالمعروف في الزبات |
تختال في المغنى الرحيب ضيوفه | إن الكرام رحيبة الساحات |
أو فارسا يغشى الوغى بمهند | ينقض مثل النجم في الهبوات |
يجلو بهمته الهموم إذا دجت | إن الهموم تزول بالهمات |
ما دام في قيد الحياة فدهره | يومان يوم وغى ويوم هبات |
وإذا مضى لم يبق غير مكرم | ومطهم ومخذم وقناة |
أو عالم حبر إذا باحثته | حشد المحيط عليك بالغمرات |
وإذا اقتبست النور من مشكاته | أهدى إليك البدر في الظلمات |
أو عابد لله تعظيما له | لم يعن بالرغبات والرهبات |
يخشى الإله وما أصاب محرما | فكأنه يخشى من الحسنات |
حتى إذا سيم الهوان رأيته | كالليث أيقظه نطاح الشاة |
أو شاعرا ذرب اللسان تخاله | قحا ترعرع في الزمان العاتي |
طبا بكل غريبة وحشية | نشأت مع الآرام في الفلوات |
ويصوغ كل بدية حضرية | مصقولة الألفاظ كالمرآة |
إن قال بذ القائلين وقصروا | عن درك سباق على الغايات |
لهفي على تلك الديار وأهلها | لو كان تنفع غلتي لهفاتي |
يا ليت شهري هل أرى ذاك الحمى | حال من الفتيان والفتيات |
سرعان ما درجت أويقات اللقا | إن البروق سريعة الخطوات |
أشكو إلى الرحمن بعد أحبة | عصف الزمان بهم وقرب عداة |
خطب دعاني للخروج من الحمى | فخرجت بعلوم وأناة |
وتركته خوف الهوان وربما | ترك النمير مخافة الهلكات |
مستوطنا دار الضلال وربما | ألقى الغريب عصاه بين عصاة |
مالي وللبلد الذي نشر الخنا | فيه بضائعه على الطرقات |
قسم الفجور به على طول المدى | والجور بين رعية ورعاة |
لا يخدعنك ثلة من أهله | مثل الكلاب تهر في الحلقات |
قالوا عبيد الله نحن وربهم | يدري بأنهم عبيد اللات |
فانظر إلى العلماء منهم هل ترى | أى تهالكهم على الشهوات |
ينوون عصيانا ويبدون التقى | للناس والأعمال بالنيات |
وانظر بعين العقل ما يقضي به | في ملة الإسلام شر قضاة |
من قهر أيتام وظلم أرامل | قعد الزمان بهم عن الأقوات |
وثبوا على الأموال وثبة ضيغم | مرت بساحته صغار شياة |
ميلا إلى الدنيا فكم من مصرع | للدين بين هن وبين هنات |
فاحكم كما حكم الكتاب بذمهم | وبظلمهم في محكم الآيات |
وانفض يديك من...وأهلها | نفض الأنامل من ثرى الأموات |
وابرأ إلى الرحمن من سكانها | حاشا ذوي الإيمان والطاعات |
أطريت قوما أبصروا الهدى | والغي فاختاروا طريق نجاة |
بيض الوجوه يلوح في جبهاتهم | للناظرين دلائل الخيرات |
وهم الكرام الأتقياء فدأبهم | بذل الصلات وكثرة الصلوات |
خيمت في أكنافهم فكأنني | ظام أناخ بدجلة وفرات |
ووجدت قوما من أتاهم بادروا | قبل السؤال إليه بالبدرات |
منح يشد كبيرها وصغيرها | رمي الحجيج أحاط بالجمرات |
يزداد نور وجوههم يوم العطا | والبرق يكثر في الزمان الشاتي |
قوم رتقت بقربهم فتق النوى | من بعد ما صدع الفراق حصاتي |
طابت أصولهم فلا عجب إذا | أتت الفروع بأطيب الثمرات |
نسب يؤول إلى النبي محمد | خير الأنام وسيد السادات |
مولى إذا قرع المسامع ذكره | عجت جميع الخلق بالصلوات |
وإلى أخيه المرتضى وشريكه | في المكرمات وكاشف الكربات |
ذاك الذي صدع الكتاب بمدحه | ومنزل الإنجيل والتوراة |
وأبو الأئمة والهداة من العمى | أكرم بخير أئمة وهداة |
قوم بهم بزغت مصابيح الهدى | والناس في ليل من الشبهات |
هم خيرة الرحمن خيرة خلقه | والصبح لا يحتاج للإثبات |
وهم العباد المخلصون من الورى | والذاكرون الله في الخلوات |
والعالمون بكل علم أحجمت | عنه الخواطر غير كنة الذات |
ملكوا أمور العالمين فأمرهم | ماض على الأحياء والأموات |
أثنى عليهم بالجميل وكيف لا | يثني النبات على الآتي الآتي |
نلت السعادة في الحياة بحبهم | وبهم انال الفوز بعد مماتي |
وأخانهم لا يمنعون لهاهم | من عبدهم والروح في اللهوات |
إن المكارم لا تعد مكارما | إلا إذا اتصلت إلى الغايات |
صلى الإله عليهم عدد الحصا | والرمل والركات والسكنات |
وقال رحمه الله تعالى يشكو الزمان ويرثي أمير جبل عامل الشيخ ناصيف ويصف دمشق الشام ويمدح السيد موسى جمال الدين أحد أبناء العائلة المرتضوية بدمشق وذلك عند خروجه من الوطن هاربا إلى دمشق حين استيلاء أحمد باشا الجزار على جبل عامل بعد قتله أميره الشيخ ناصيف بن نصار:
مضى ما مضى والدهر بؤس وأنعم | وصبر الفتى إن مسه الضر أحزم |
وإن كان في الشكوى كما قيل راحة | فعندي منها ما يمض ويؤلم |
إلى الله نشكو لا إلى الناس أنه | بنا من ذوي القرى أبر وأرحم |
منينا بأحداث يضيق بها الفضا | إلى أوج السلامة سلم |
فراق ولا وصل وفقر ولا غنى | وخوف ولا أمن وضد محكم |
يقولون بعد الألف أعظم شدة | وقرب العدى عندي أشد وأعظم |
يعز علينا أن نروح ومصرنا | لفرعون مغنى يصطفيه ومغنم |
منازل أهل العدل منهم خلية | وفيها لأهل الجور جيش عرمرم |
فلا باذل زادا ولا قائل هدى | ولا دافع ضيما ولا متكرم |
وعهدي بها مأهولة وربيعها | على كل مرتاد العناد محرم |
وكان لها من آل نصار صارم | صقيل وسهم لا يطيش ولهذم |
هو الليث بل أعدى من الليث في العدى | هو الغيث بل أندى بنانا وأكرم |
جواد جرى والسابقين إلى العلا | فجاز مداها والكرام تجمجم |
ولا أمتري أن الأنابيب فضلها | جلي ولكن السنان المقدم |
هو البدر وافاه المحاق وإنما | يكون خسوف البدر وهو متمم |
قضى في ظلال المرهفات مطهرا | وأي شهيد لا يطهره الدم |
فقدناه فقدان الصباح ومن لنا | بطلعته الغراء والدهر مظلم |
فجعنا به والشمس في رونق الضحى | فلم نمس إلا والبلاء مخيم |
وعاثت يد الأيام فينا فمجدنا | وبالرغم مني أن أقول مهدم |
ولست ترى إلا قتيلا وهاربا | سليبا ومكبولا يغل ويرغم |
وكم عالم في عامل طوحت به | طوائح خطب جرحها ليس يلأم |
وأصبح في قيد الهوان مكبلا | وأعظم شيء عالم لا يعظم |
وكم من عزيز ناله الضيم فاغتدى | وفي جيده حبل من الذل محكم |
يدين بدين الكافرين مخافة | إلا رب شيء حل وهو محرم |
وكم هائم في الأرض تهفو بلبه | قوادم أفكار تغور وتتهم |
ولما رأيت الظلم طال ظلامه | وإن صباح العدل لا يتبسم |
ترحلت عن دار الهوان وقلما | يطيب الثوا في الدار والجار أرقم |
أخاطر بالنفس النفيسة قاطعا | بلادا يشب الكفر فيها ويهرم |
تملكها والملك لله فاجر | سواء لديه ما يحل ويحرم |
عتل زنيم يظهر الدين كاذبا | وهيهات أن يخفى على الله مجرم |
ولما بلغت الشام صادفت جنة | بها الحور والولدان فذ وتوأم |
هي الغادة الحسناء ترقص فرحة | فينثر دينار عليها ودرهم |
تبختر في ثوب الغنى وهو مسبل | وتختال في برد الهنا وهو معلم |
وأنهارها تفتر عن درر الحصا | ويظهر مكنون الثغور التبسم |
وكم روضة فيحاء قد نثر الحيا | عليها فريدا قلما ينتطم |
رياض إذا هز النسيم غصونها | تأوه مشتاق وحن متيم |
وإن أخرجت من كمها يانع الجنا | تشارك فين العين والأنف والفم |
لها مبسم بالأقحوان مفضض | وخد أسيل بالشقيق معندم |
تبارك من أولى الشآم محاسنا | غرائبها يمن لمن يتشأم |
محاسنها شتى جلي وغامض | وجوهرها في الحسن لا يتقسم |
هي الدار نعم الدار لو أن عيشها | يدوم ولكن الفناء محتم |
وفيها هنات لو أردت كشفتها | ولكنني عن مثل ذلك ملجم |
تخيرت منها منبت الدين والتقى | وخيمت فيه حين طاب المخيم |
فصادفت إخوانا كراما يزينهم | عفاف وحلم وافر وتكرم |
سراة كرام ليس يكتم فضلهم | وللمسك عرف طيب ليس يكتم |
هم القوم كل القوم لولا صدودهم | عن الجار وهو الخائف المتذمم |
نزلت بهم أبغي الجوار فأظهروا | كراهة من يأبى الجوار ويسأم |
وما كنت أرجو يعلم الله عندهم | نصيبا من النعماء والله منعم |
وكيف يرجي حازم غاض وفره | غناء من المربوب والرب أكرم |
ولكنني صادفت ماء مودة | فعرجت والصادي على الماء يهجم |
ولو عرفوا قدر المعارف أمسكوا | بذيل فتى والحمد لله يعلم |
ولكنهم لا أبعد الله دارهم | سواء لديهم عالم ومعلم |
فقوضت عنهم كارها لفراقهم | وما كل محبوب من الدهر يقسم |
على أن لي فيهم خليلا مهذبا | تجمع فيه الفضل وهو مقسم |
حسيب نسيب من ذؤابة هاشم | وناهيك بالقوم الذين هم هم |
إذا زمزم الحادي بهم في مفازة | على ظمأ كادت توافيه زمزم |
لموسى يد بيضاء عندي فقد حلا | بها طعم عيشي وهو صاب وعلقم |
تخلصت من فرعون همي بقربه | ومالي عصا إلا هواه المخيم |
وليس خليلا من يودك في الرخا | وينبو إذا اشتد الزمان ويكهم |
ولكنه الماضي على كل حالة | من الدهر لا ينبو ولا يتثلم |
إلى الله يشكو من خطوب أخفها | يئط ثبير تحته ويلملم |
لقد جرحتنا شر جرح وما لنا | سوى فرج يأتي به الله مرهم |
وظني أن الله جل جلاله | سيجبر هذا الكسر منا ويرحم |
وسيلتنا أنا عبيد عبيده | وعبد الكرام المكرمين يكرم |
إيربح قطمير ونخسر في الهوى | ويعطي بحب الطيبين ونحرم |
إذا فضياء الصبح لا شك ظلمة | وجنة عدن في القياس جهنم |
إذا كان أغرانا بأخلاف جوده | فكيف ولما نملك الحول نفطم |
تفضله بالخير مبتدئا له | يبشر أن الله بالخير يختم |
وقال يشكو الزمان ويمدح السيد موسى جمال الدين وأهل البيت عليهم السلام:
تذكرت والمحزون جم التذكر | مسرة أيام مضين وأعصر |
إذا الدهر سمح والشبيبة عودها | رطيب وصفو العيش لم يتكدر |
ندير كؤوس الود تطفح بالصفا | ونأوي إلى روض من العيش أخضر |
منازلنا مأوى الغريب وظلنا | ترف حواشيه على كل مصحر |
وأكنافنا مخضلة وأكفنا | تفيض على مثر لدينا ومقتر |
نسوق الأبي المستميت بأبيض | صقيل ونقتاد الحرون بأسمر |
وجار سوانا في الحضيض وجارنا | منصته فوق السحاب المسخر |
وتشرق إشراق الصباح وجوهنا | إذا ما دجا في مأزق ليل عثير |
نغلس في كسب المعالي وغيرنا | نؤوم الضحى والمجد حظ المبكر |
نسوس الورى بالعدل شرقا ومغربا | فكم أسد جار حكم جؤذر |
وسامرنا في الحي كل مهلل | يصيح بأعلى صوته ومكبر |
ما زال هذا دأبنا وزنادنا | وراء المنى من كل مكرمة وري |
ولا غرو إن جار الزمان فإنه | على سنة في الجور لم تتغير |
وحسب الفتى من رحمة الله كافل | إذا طرقت في الدهر أم حبوكر |
ولما طغى في عامل كل عامل | وغطى على معروفها كل منكر |
تداركني والحمد لله لطفه | فأنقذني والجور كالأسد الجري |
وقربني من خير دار ومعشر | وأبعدني عن شر دار ومعشر |
نزلت بآل المصطفى فوجدتهم | مآلا لملهوف ومالا لمعسر |
وجوه كإيماض البروق تهللا | وأيد كشؤبوب الغمام الكنهور |
جزى الله عني والجزاء بفضله حليف | الندى موسى بن موسى بن جعفر |
شريد فريد في الشآم مقلقل | كأني بها ثاو على روق أعفر |
ثلاثة أعوام أكابد ضيمها | صبورا على مثل الشراب المصبر |
وقال وهو في الحلة الفيحاء بالعراق من قصيدة:
لقد طال عمر الهجر يا أم عامر | ورثت حبال الصبر من كل صابر |
وحن إلى أرض الشآم معرق | تدافعه عنها اكف المقادر |
وباح بمكنون الصبابة مدنف | على حمل أعباء الهوى غير قادر |
وما كلفني بالشام والله عالم | لزاه يروق الناظرين وزاهر |
ولا هزني مر النسيم بناضر | من الدوح يغري بالهوى كل ناظر |
ولا نزعت نفسي إلى ظلها الذي | له هجرتي كانت زمان الهواجر |
ولا آنست نار الهوى من أوانس | هنالك أمثال الظباء النوافر |
ربارب لا ينجو من الأسر ضيغم | لديها إذا بثت حبال الظفائر |
وليس حنيني للشآم وإنما | حنيني لأفلاذ الفؤاد الأصاغر |
تركتهم والله خير خليفة | وأسلمتهم والله أعظم ناصر |
رعى الله أحبابا إذا ما ذكرتهم | حسبت فؤادي في مخاليب كاسر |
أسائل عن أخبارهم كل وارد | وأطرح أخباري على كل صادر |
وإن ضحك البرق الشآمي أسبلت | جفوني بمنهل من الدمع هامر |
وإن خففت ريح الشمال تبرجت | على الرغم مني محصنات السرائر |
فيا ليت شعري هل يزول دجى النوى | ونصبح في صبح من الوصل سافر |
ويلقي العصا بين الأحبة مزمع | مضى عمرهما بين خف وحافر |
ويسفر وجه الدين في أرض عامل | على رغم ضليل هناك وكافر |
وينشر فيها العدل رايته التي | يذوق الردى في ظلها كل جائر |
أكف رفعناها إلى خير منعم | وكسر شكوناه إلى خير جابر |
فراق وفقر واغتراب ثلاثة | قد اعترضت بين اللهى والحناجر |
وأصبح باقينا ترامى به النوى | فمن منجد في المنجدين وغائر |
ففي جلق يوما ويوما ببابل | وبالمنحنى يوما ويوما بجاجر |
ولا كر حيلي للعراق يطير بي | من العرمس الوجناء أيمن طائر |
أخاطر بالنفس النفيسة راكبا | متون السرى والمجد حظ المخاطر |
إذا ما أماط الصبح عني رداءه | لبست جلابيب الدجى والدياجر |
ولا نهر إلا سراب بقيعة | ولا سمر إلا حنين الأباعر |
وقال يشكو الزمان ويتشوق إلى الأهل والأوطان ويصف نزوله بعلبك ويمدح بها السيد زين العابدين ابن السيد إسماعيل العلواني من قصيدة:
غريب يمد الطرف نحو بلاده | فيرجع بالحرمان وهو همول |
إذا ذكر الأوطان فاضت دموعه | كما استبقت يوم الرهان خيول |
وإن ذكر الأحباب حن إليهم | كما حن من بعد الفطام فصيل |
هم الأهل لا برق المودة خلب | لديهم ولا ربع الوداد محيل |
مساميح أم ما حوته أكفهم | فنزر وأما جودهم فجزيل |
فيا روضة فيحاء لي من لبابها | ولا فخر فرع طيب وأصول |
سقى الله مغناكم وجاد بلادكم | من الغيث محلول النطاق هطول |
فيصبح في جيد الرياض وسوقها | قلائد من دمع الحيا وحجول |
وإن بخل الوسمي عنكم بمائة | فجفني لكم بالغاديات كفيل |
خرجت برغمي من بلاد وأسرة | ويسر فهل بعد الخروج دخول |
وصرت غريبا لا حميم ولا حمى | فهل في حماكم للغريب مقيل |
وإني لحران الفؤاد إليكم | فهل لي إلى عين الحياة سبيل |
وتعترض الحاجات بيني وبينكم | وليس لنا غير النسيم رسول |
ليهنكم أن القلوب لديكم | وإن بعدت منا الجسوم حلول |
أزيديكم حبا وإن زدتم نوى | وأكرم نفسي أن يقال ملول |
وأنتحل السلوان عنكم وربما | تماسك بعض الناس وهو نحيل |
إلى الله أشكو ما لقيت من النوى | وعهدي به يعطي المنى وينيل |
ويحلو لعيني إن تراكم وجفنها | بتربكم طول الزمان كحيل |
وكيف اكتحالي من ثراكم وبيننا | من الأرض ميل لا يرام وميل |
ومما شجا قلبي وأجرى مدامعي | وألقى الهم وهو ثقيل |
نزولي وقد فارقتكم في عصابة | سواء لديهم عالم وجهول |
وكيف يطيب العيش بين معاشر | جوادهم بالأبيضين بخيل |
سواسية لا يأمن الجور جارهم | ولو أنه للنيرين سليل |
يضام لدى أبياتهم كل نازل | وعند كريم لا يضام نزيل |
وليس مقام الذل ضربة لازم | وفي الأرض حزن واسع وسهول |
وأي نتاج يرتجى من مطالب | مواعيد عرقوب لهن بعول |
نزلت نزول الغيث فيها وليتني | عبرت عبور الريح وهو عجول |
لقد جار دهر ساقني لجوارهم | ومني ومنهم شمأل وقبول |
وأنزلني في بعلبك وقلما | أقام بها لولا القضاء نبيل |
تراب لها من بلدة لو وردتها | سقتك بكأس الهم وهو قتول |
أقام بها من عهد عاد وجرهم | وطاب له المثوى فليس يحول |
يطوف بلاد الله شرقا ومغربا | ويأوي إليها مسرعا ويؤول |
وجدت بها مس الهوان كأنني | مهين ومجدي لو علمت أثيل |
أكابد ذلا بعد عز موطد | وكل غريب في اللئام ذليل |
كأني لم أسحب من الفضل حلة | لها فوق أعناق السحاب ذيول |
ولا ضمني صدر رحيب تحوطه | اسود لها زرق الأسنة غيل |
ولا طار ذكري في رجال تخالهم | بزاة إذا لف الرعيل رعيل |
بلابل صدر تبعث القول عنوة | لكل جواد في الرباط صهيل |
أنابذها والصبر لي خير ناصر | وأصدر عنها والنصير قتيل |
لقد عثرت منا الجدود وحسبنا | من الله وهو المستعان مقيل |
ويعجبني خطب من الدهر أدهم | له غرر من لطفه وحجول |
كذاك تناهي الشر خير لأنه | على فرج الله القريب دليل |
وما ضرني أن ثلم الدهر مضربي | فليس يعيب المشرفي فلول |
ولكن أماط لهم عني مهذب | فؤول لما يرضي الإله فعول |
هو الشهم زين العابدين ومن له | فخار ومجد لا يرام أثيل |
وقال مؤرخا قتل أحمد الزعفرنجي وقد وجد ملقى في خندق قلعة دمشق بعد ما كان محبوسا بها:
رأيت الأرض مشرقة المحيا | وأهل الشام في هرج ومرج |
وقد برزت نساء مومسات | مصبغة معاجرها بغنج |
تجاهر بالدعاء على كريم | له الباري من الأسواء منجي |
ويكثرون الوقيعة في هلال | أقام من العلى في خير برج |
فقلت أظن عجل الشام أضحى | قتيلا والحسام لكل علج |
فقال مبشر بالخير أرخ | أجل قتل اللعين الزعفرنجي |
سنة 1206
وقال مؤرخا خنق نبو بدمشق:
وسائل يسأل عن خائن | عاقبه بالخنق مولاه |
يقول لي إن فلانا قضى | وما علمنا كيف عقباه |
أفي جنان الخلد أم في لظى | يا ليت شعري أين مأواه |
فقلت في تاريخه معلنا | أما نبو فالنار مثواه |
سنة 1205
وقال مؤرخا الغلاء الواقع بدمشق أيضا:
يا رب يا رب المستعان على | عام شديد على الفجار والبرره |
عام كأن على وجه الفقير به | من المجاعة في تاريخه غبره |
سنة 1207
وقال مؤرخا عام انقضاء الغلاء في دمشق:
لما حبانا ربنا | برضاه من بعد الغضب |
ذهب الغلاء فقلت في | تأريخه شر ذهب |
سنة 1207
وقال مؤرخا حجه إلى بيت الله الحرام:
يا من حباني حجة | تستوجب الشكر الجميلا |
راجيك إبراهيم في | تاريخها يبغي القبولا |
سنة 1192
وقال مؤرخا شهادة الأمير ناصيف بن نصار أمير جبل عامل لما قتله عسكر الجزار قرب قرية يارون في الوقعة المشهورة:
قتل ابن نصار فيا لله من | مولى شهيد بالدماء مضرج |
وتداولتنا بعده أيدي العدى | من فاجر أو غادر أو أهوج |
هي دولة عم البلاد الظلم في | تاريخها والله خير مفرج |
سنة 1195
هكذا في النسخة المنقول عنها بخط الناظم ولا يخفى أن عدد حروف التاريخ وهي (والله خير مفرج) بحساب الجمل تبلغ 1205 ولعل الصواب (والله خير مفرج) بدون واو.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 237