الشيخ إبراهيم ابن الشيخ صادق
ابن الشيخ إبراهيم ابن الشيخ يحيى بن محمد بن سليمان بن نجم المخزومي العاملي
هكذا وجد بخطه في بعض مجاميعه.
ولد في قرية الطيبة من قرى جبل عامل سنة 1221 وتوفي بها سنة 1284 وكانت وفاته بكوانين والثلوج مادة رواقها على السهول والجبال لم تأذن لسكنة البيوت بتجاوز أعتاب الأبواب ثلاثة أيام بلياليها وفي اليوم الرابع أمكن أن يشق له بعد المشقة ضريح محاذ لضريحي أبيه وجده الشيخ يحيى فدفن به (والطيبي) نسبة إلى الطيبة بطاء مهملة مفتوحة ومثناه تحتية مشددة وباء موحدة وهاء.
أقوال العلماء فيه
ذكره صاحب جواهر الحكم فقال كان من العلماء الأفاضل إلا أنه تغلب عليه الشعر جالسته مرارا بعامرة الطيبة بدار الأمير محمد بك الأسعد وكان يومئذ كهلا وقد عمر له محمد بك بالطيبة ولم بناؤها ولا سكناها ففي أثناء تعميرها أصابتهم النكبة وبعدها بقليل توفي الشيخ رحمه الله (أقول) وكانت نكبتهم سنة 1282 وفي الطليعة كان فقيها أصوليا خفيف الروح رقيق الحاشية وله شعر كثير مجموع أيام إقامته بالعراق وبقائه في جبل عامل "انتهى".
أحواله
كان في حياة والده منصرفا عن طلب العلم فلما توفي والده وعمره إذ ذاك إحدى وثلاثون سنة تحركت نفسه لطلب العلم فهاجر إلى النجف لهذه الغاية سنة 1252 وفي أثناء طريقه حدثت تلك الزلزلة الهائلة بالقطر الشامي المؤرخة من بعض الشعراء بهذين البيتين:
زلزلت الأرضون زالزالها | تلك لعمري آية مرسلة |
والنجم لما انقض قلنا أتى | أرخ ليتلو سورة الزلزلة |
سنة 1252
أقام بالنجف سبعا وعشرين سنة وبضعة أشهر ثم عاد لجبل عامل أثناء سنة 1279 ودخل دمشق بدخول سنة الثمانين ثم ارتحل منها للخيام فمكث فيها عاما أو بعض عام وشخص عنها للطيبة بلدة آبائه وأجداده بطلب من علي بك ومحمد بك الأسعدين ومكث بها أربع سنين وأياما ثم توفى.
وقال الشيخ سليمان ظاهر في الجزء الثاني من كتابه (ديوان الشعر العاملي المنسي):
تلقى مبادئ العلم في البلاد وبعد وفاة والده بعامين أي سنة 1252 ارتحل إلى العراق وأقام زهاء عشرين سنة وتخرج بأجلة علماء النجف من أسرتي آل الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء وآل القزويني وبرع في نظم الشعر وتعرف بعظماء الدولة العثمانية من ولاة القطر العراقي وبعظماء الدولة الإيرانية الذين كانوا يأتون للزيارة وبمشاهير علماء العرب والفرس وسير فيهم مدايحه وبالجملة فإن حياته الأدبية جعلت له شهرة واسعة في زمانه ولم تكن منزلته في الشعر المعروف والمتداول في ذلك العصر دون منزلته في النثر البديع فكان يتولى أمور الكتابة عن شيوخ العلم خطابا وجوابا وله اليد الطولى في التاريخ والقدح المعلى في التخميس النفيس والتشطير الأثير ومما يذكر أن مزية التجويد في الشعر انتقلت من جده الشيخ إبراهيم بن يحيى إلى فرع بيته ودونهم في هذه المزية بنو عمه آل نصر الله الشيخ ابن الشيخ إبراهيم بن يحيى فأبوه شاعر وهو شاعر مفلق وابنه الشيخ عبد الحسين شاعر مفلق "انتهى".
مشائخه
قرأ على الشيخ حسن بن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء وأخيه الشيخ مهدي وعلى الشيخ مرتضى الأنصاري ويروي عنهم بالإجازة.
مؤلفاته
له منظومة في الفقه تناهز أبياتها ألفا وخمسمائة بيت شرح منها ثلاثين بيتا من كتاب الطهارة وأول المنظومة:
الماء إما مطلق وذاك ما | يسبق للفهم متى ما قيل ما |
شعره
أرسل إلينا ولده حين طلبنا منه شيئا من شعره يقول:
أما شعره فبعثر بالعراق وعزب عنا علمه فتعذر علينا جمعه وما عندنا منه سوى نزر قليل منه هذه القوافي المرسلة (انتهى) ونحن قد رأينا في القديم مجموعة بخطه عند ولده فيها جميع شعره كما رآها غيرنا والله أعلم أين ذهبت. وخطه في غاية الجودة وهو شاعر مكثر مجيد فمن شعره قوله يمدح مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:
أشاقك من ربي نجد هواها | ومن نسمات كاظمة شذاها |
ونبه وجدك المكنون برق | تألق في العشية من رباها |
نعم وألم بي سحرا نسيم | يحدث عن شذا وادي قراها |
فآلمني وذكرني عهودا | بعامل لا عدا السقيا ثراها |
بلاد لي بساحتها أناس | ولي صحب كرام في حماها |
احن لجانب الشرقي منها | حنين مروعة ثكلت فتاها |
وتلعب بي لذكراها شجون | كما لعبت برياها صباها |
واشتاق الخيام وثم صحبا | عليه راح مزرورا خباها |
نعمت بقربها زمنا ونفسي | برغم الحلم تمرح في غواها |
فكم من كاعب ألفت فباتت | تمج الكأس عذبا من لماها |
وكم هرعت لتلك وكم أقامت | بسوق اللهو طارحة عصاها |
وكم قطعت هنالك من ثمار | لعمر العز عذب مجتناها |
بحيث العيش صفو والليالي | غوافل راح مأمونا قضاها |
ولما أن رأيت الجهل عارا | وإن العمر أجمله تناهى |
وإن النفس لا تنفك تسعى | إلى الشهوات فاغرة لهاها |
رددت جماحها فارتد قسرا | وألوت عن كثير من شقاها |
وحركني إلى الترحال عنها | عزائم قد أبت إلا قلاها |
فهبت بي لما أبغي عصوب | تلف الأرض لفا في سراها |
معودة على أن لا تبالي | بفري مفاوز ناء مداها |
كستها عزمة الرائي شحوبا | وتدآب السرى عنقا براها |
إذا ما هجهج الحادي وأضحت | تثير النقع من طرب يداها |
وأمست بعد أرقال وخب | تغافل وهي نافخة براها |
يخيل لي بأن البر بحر | يسارع في المسيل إلى وراها |
إلى أن أمت الأعتاب أبدت | رغاها تشتكي نصبا عراها |
وقد لاحت لعينيها قباب | يرد الطرف عن بادي سناها |
هنالك قرت الوجناء عينا | ونالت بالسرى أقصى مناها |
وانحت جانب الغروي شوقا | بجاذبها لما تبغي هواها |
فوافت بعد جد خير أرض | يضاهي النيران سنا حصاها |
فألقت في مفاوزها عصاها | وأرست في ذرى حامي حماها |
أبي الحسنين خير الخلق طرا | وأكرم من وطاها بعد طاها |
وأعظم من نحته النيب قدرا | وأشرف من به الرحمن باهى |
وأطيب من نبي الدنيا نجارا | وأقدم مفخرا وأتم جاها |
وأصبرها على مضض الليالي | وأبصرها إذا عميت هداها |
واحملها إذا دهمت خطوب | تطيش لها حلوم ذوي نهاها |
وأنهضها بأعباء المعالي | إذا عن نيلها قصرت خطاها |
وأشجعها إذا ما ناب أمر | يرد الدارعين إلى وراها |
وإن هم أوقدوا للحرب نارا | أحال إلى لظاها من وراها |
وإن طرقت حماها مشكلات | وأرزم في مرابعها رجاها |
جلاها من لعمري كل فضل | إلى قدسي حضرته تناهى |
أمام هدى حباه الله مجدا | وأولاه علاء لا يضاهى |
وبحر ندا سما الأفلاك قدرا | فدون مقامه دارت رحاها |
وبدر علا لأبناء الليالي | سناه كل داجية محاها |
متى ودقت مرابعها غيوث | فمن تيار راحته سخاها |
أو اجتازت مسامعها علوم | فزاخر فيض لجته غثاها |
وإن نهجت سبيل الرشد يوما | فمن أنوار غرته اهتداها |
وثم مناقب لعلاه أمست | يد الإحصاء تقصر عن مداها |
وأنى لي بحصر صفات مولى | له الأشياء خالقها براها |
وما مدحي وآيات المثاني | على علياه مقصور ثناها |
أخا المختار خذ بيدي فإني | غريق جرائم داج قذاها |
وعدل في غد أودي لأني | وقفت من الجحيم على شفاها |
وكف بفضلك الأسواء عني | فقد أخنى على جلدي أذاها |
وباعد بين ما أبغي ودهر | أبت أحداثه إلا سفاها |
فأنت أجل من يدعي إذا ما | تفاقمت الحوادث لانجلاها |
فزعت إلى حماك ونار شوقي | للثم ثراك مسعور لظاها |
وبت لديك والآمال تجري | على خلدي وظلك منتهاها |
وقال في مدح أمير المؤمنين علي عليه السلام وأبيات من أولها مرسومة في شباك قبره الشريف:
هذا ثرى حط الأثير لقدره | ولعزه هام الثريا يخضع |
وضريح قدس دون غاية مجده | وجلاله خفض الضراح الأرفع |
أنى يقاس به الضراح علا وفي | مكنونه سر المهيمن مودع |
جدث عليه من الإله سرادق | ومن الرضا واللطف نور يسطع |
ودت دراري الكواكب أنها | بالدر من حصبائه تترصع |
والسبعة الأفلاك ود عليها | لو أنها لثرى علي مضجع |
عجبا تمنى كل ربع أنه | للمرتضى مولى البرية مربع |
ووجوده وسع الوجود وهل خلا | في عالم الإمكان منه موضع |
كشاف داجية القضاء عن الورى | بعزائم منها القضاء يروع |
هو آية الله العظيم وسره | ومنار حجته التي لا تدفع |
هو باب حطته وخازن وحيه | ولسر غامض علمه مستودع |
هو سيفه البتار والنور الذي | بضيائه ظلم الضلال تقشع |
هزام أحزاب الضلال بسطوة | منها الجبال الراسيات تزعزع |
سباق غايات الفخار بحلبة | فيها السواري وهي شهب تضلع |
فلاق هامات الكماة بصارم | من غربه صبح المنايا يطلع |
صنو النبي المصطفى ووصيه | خير البرايا والإمام الأورع |
والأروع البطل الذي دانت له | بيض القواضب والرماح الشرع |
والزاهد البدل الذي من حكمه | رفع المحل وغيره لا يتبع |
وأبو المواقف في الحروب وللوغى | ناب بها سم النوائب منقع |
والشوش رافلة باردية الردى | ويد المنايا بالنواصي تسفع |
والنقع أدكن مسبكر جوه | بصفاح أطراف الرماح مجزع |
والصم تصدع خيفة من بأسه | والأسد من وجل هنالك تصرع |
لولاه ما عبد الإله موحد | كلا ولا عرف الهدى متطوع |
لولاه ما محي الضلال ولا انجلى | لسبيل دين الله نهج مهيع |
وبسيفه الإسلام قام فركنه | حتى القيام بناه لا يتضعضع |
والعلم منه أصوله فجميع ما | في اللوح عن تلك الأصول مفرع |
غمر الوجود بسابع الجود الذي | ضاقت بأيسره الجهات الأربع |
وإذا حللت بطور سينا مجده | وشهدت أنوار التجلي تلمع |
فاخضع فثم مقام لا هوت به | لجميع أحزاب الملائك مجمع |
فتطوف طائفة وتخضع فرقة | وتقوم ثالثة وأخرى ترجع |
وامسك عرى أبوابه مستنشقا | لثرى به مسك الهدى يتضوع |
وأنخ على أعتابه واخشع فلم | يبلغ مقام الأذن من لا يخشع |
وارمق بطرف الفكر منك مقامه | متذللا ومذال طرفك يدمع |
واضرع لربك داعيا متوسلا | بالمرتضى فيه دعاؤك يسمع |
والأنبياء المرسلون لربها | عند الشدائد باسمه تتضرع |
ومتى تنل شرف الحضور بروضة | في ضمنها نور الإمامة يسطع |
فقل السلام عليك يا من فضله | عمن تمسك بالولا لا يمنع |
مولاي جد بجميلك الأوفى على | عبد له بجميل عفوك مطمع |
يرجوك إحسانا ويأملك الرضا | فضلا فأنت لكل فضل منبع |
هيهات أن يخشى وليك من لظى | ويهوله يوم القيامة مطلع |
ويهوله ذنب وأنت له غدا | من كل ذنب لا محالة تشفع |
ويخاف من ظمأ وحوضك في غد | لذوي الولا من سلسبيل مترع |
يا من إليه الأمر يرجع في غد | ولديه أعمال الخلائق ترفع |
وله مآل ثوابها وعقابها | يعطي العطاء لمن يشاء ويمنع |
أعيت فضائلك العقول فما عسى | يثني بمدحتك البليغ المصقع |
وأرى الأولى لصفات ذاتك حددوا | قد أخطأوا معنى علاك وضيعوا |
ولأي مجدك يا عظيم المجد لم | يتدبروا وحديث قدسك لم يعوا |
ولقد درى الأقوام إذ وقفوا على | تلك المآثر إن قدرك أرفع |
أو لست عين الله والأذن التي | أبدا تعي نجوى الضمير وتسمع |
أو لست أنت دليله وسبيله | في الخلق والسبب الذي لا يقطع |
ولأنت غيث عبادة وغياثها | وعصامها وإمامها والمفزع |
بل أنت ظل الله في ملكوته | أبدا وجانبه الأعز الأمنع |
ذلت لعزتك الدهور وأذعنت | لجلال رفعتك العوالم أجمع |
وصفاتك الحسنى يقصر عن مدى | أدنى علاها كل مدح يصنع |
ورفيع مدح الخلق منخفض إذا | كان الكتاب بمدح مجدك يصدع |
والحمد مقصور عليك ثاؤه | وعلى سواك لواؤه لا يرفع |
وقال مادحا سيد الشهداء أبا عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام:
يا سيد الشهداء يا من حبه | فرض وطاعنه إطاعة جده |
وابن الإمام المرتضى علم الهدى | سر الإله مبين منهج حمده |
وابن المطهرة البتول ومن عنت | غر الوجوه لنور باذخ مجده |
وأخا الزكي المجتبى الحسن الذي | نور الهدى من نور غرة سعده |
وأبا علي خير أرباب العلى | وإمام كل موحد من بعده |
وافاك عبدك راجيا ومؤملا | منك الحبا ورضاك غاية قصده |
فاعطف عليه بنظرة توري بها | - يا خير مقصود-شرارة زنده |
وأنله منك شفاعة يمسي بها | من لطف باريه بجنة خلده |
وأقله سطوة حادث الزمن الذي | أخنى عليه بجده وبجهده |
فلأنت أكرم من همت أنواؤه | يوم العطاء لوفده من رفده |
وقال يمدح بعض الأجلة العراقين:
عدتك ويحك ذات الخال والشنب | فاذهب فما للغواني فيك من ارب |
جانبت نهج العلى والمكرمات على | عمد فبت عن الأتراب في جنب |
هن الكرائم ما واصلن منقطعا | عن النهى لم يصل للمجد من سبب |
ولا ألفن عديم الفضل همته | هذر الفضول ومزج الجد باللعب |
ولا رئمن بذيا راح منتفخا | كالبو يمرح مختالا من العجب |
ولأخطبن من الأبطال غير فتى | جم الكمال بديع النظم والخطب |
ولا أبحنك-ممنوع الوصال-لمى | أحلى وأشهى لمشتار من الضرب |
ممنعات فلا يدنين من وكل | يوما لهن ولا يدنين ذا ريب |
وناعمات صقيلات الترائب إن | يمسن يسخرن بالأغصان والقصب |
وناصعات أسيرات الحجال متى | يبرزن يهزأن بالأقمار والشهب |
يمحضنك النصح قصر من خطاك فلا | ينال بالكد وصل الخرد العرب |
ما كل طالب أمر نال مأربه | يوما وإن لج عمر الدهر في الطلب |
ما لم يكن قائلا في الفخر هأنذا | ولم يكن قائلا بالأمس كان أبي |
كالأوحدي الفتى المهدي من سمكت | أقدامه ساميات المجد والرتب |
مولى حوى كل فضل في الوجود فلم | يترك على ظهرها فضلا لمكتسب |
وعالم علم سامي الذرى أخذت | من علمه علماء العجم والعرب |
هذا الثناء وما أوفيت حق أخي | مجد تجلى على الأيام من كثب |
لله من كوكب باد وبدر على | هاد وبحر بموج الفضل مضطرب |
من معشر ضربوا للمجد أخبية | بالنيرات غدت مشدودة الطنب |
هم هم القوم كل القوم إن ذكروا | في الناس لم تلف منهم غير منتجب |
بحور فضل فما في الكون من أحد | إلا استمد الندى من مدها اللجب |
وهاكها-يا كريم الخيم-قافية | تزري قلائدها باللؤلؤ الرطب |
ما شام بارقها السامي أخو حنق | أحشاه من حسد مسعورة اللهب |
فليس بدعا إذا ما قال ناظمها | أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي |
ما التبر والتبن في شرع النهى شرع | وفي الحمية معنى ليس بالعنب |
هل يجهل الفرق ما بين الفريد على | جيد المهاة وبين الزبرج الكذب |
وقال في مجموعة بخطه تحوي شعره ونثره: ولما ورد الوزير الأعظم محمد نامق باشا والي إيالة بغداد ومشير أوردي الحجاز والعراق إلى النجف الأشرف أجمع رأي العلماء أن يفدوا بأجمعهم إليه ويهنؤوه بما فتحه الله على يديه وذلك بعد فتحه لقلاع الهندية واستيلائه على ذلك الرستاق الذي تمهد بتمهيده قطر العراق سنة 1267، وكنت أحد الوافدين إلى حضرته فأنشدته هذه الأبيات التي وقعت منه فوقع القبول وهي:
أقام الله فوق أبي خليل | رواق المجد ممدود السرادق |
ومكن سيفه من كل باغ | عنيد عن طريق الرشد مارق |
ولا ينفعك محروس المعالي | بعين الله مأمون الطوارق |
ومحفوفا بأجناد عليها | لواء النصر عمر الدهر خافق |
وزير ذو مناقب قد تغنت | بها أهل المغارب والمشارق |
فكم أسدى إلينا من أياد | هي النعم السوابغ في الخلائق |
وكم جلى ظلام الظلم عنا | بسمر الخط والبيض البوارق |
وفيه للفساد أقيم سوق | فسوق ذوي المعاصي فيه نافق |
وللنفر العصاة به قلاع | ثلاث مشحنات بالبنادق |
فهب إليهم بمثار عزم | يدك جوانب الهضب الشواهق |
وجر لفل مجمعهم خميسا | بأمواج الردى والحتف دافق |
وهدم بالمدافع ما أشادوا | عشية قد رمتهم بالصواعق |
وقد شهدوا الغداة سعير حرب | تشيب لها من الفرق المفارق |
وفرسان النزال أتت تهادى | كأطواد على الجرد السوابق |
غدوا أيدي سبا ولهم قلوب | كأجنحة البغاث غدت خوافق |
وبانوا عن قلاعهم وقالوا | ثلاثا للثلاثة أنت طالق |
فأضحى الناس في دعة وأضحت | مروج الأرض ممرعة الحدائق |
بها الأغصان ترقص والقماري | ترجع بالغنا والماء صافق |
وهل أمن الطريق؟ فقلت: لما | نجد أحدا له بالبغي طارق |
وهل بقي الشقاق؟ فقلت: كلا | أزيل فلا شقاق ولا مشاقق |
وهل بقي النفاق؟ فقلت: كلا | لأبيد، فلا نفاق ولا منافق |
وهل فتح العراق؟ فقلت أرخ | أجل! فتح العراق بسيف نامق |
سنة 1267
ولما انتهيت إلى قولي: "أجل فتح العراق بسيف نامق" ابتهج وجعل يستعيد مني كل بيت أوله: وهل، ففعلت، فجعل يميس طربا وكلما استمنحت منه الأذن بالانصراف يقول اجلس. وكلفني عمل قصيدة أخرى في مدح السلطان وبيان حال ما انتهى إليه القطر العراقي في أيام ولايته، فأجبته بالامتثال وأنا منطو من رجاء حبائه على أكبر الآمال، حتى إذا تصرم يومنا كالأمس وسمعنا صوت المؤذن وقد غربت الشمس أمر من كان بحضرته وهو أمير لواء أو فريق أن أئتنا بطست وإبريق فغسل وجهه ويديه وخلل بكلتا سبابتبه أذنيه ومسح بباقي بلة كفة خفيه، ثم نهض قائما لصلاته ونهضت آيسا من صلاته وأنشأت بعد ذلك هذه القصيدة الثانية وأرسلتها إليه إلى بغداد وهي:
أرى طالع الأيام يفتر عن ثغر | كأن عليه رونق الأنجم الزهر |
وسود الليالي رحن بيضا زواهرا | يمطن نقاب البشر عن أوجه غر |
وما في البرايا من مسعود وسيد | سوى لاهج بالحمد لله والشكر |
ومبتهل يمسي ويصبح قائما | على قدم في السر يدعو وفي الجهر |
خليفة رب العالمين وظله | على خلقه الممدود في البر والبحر |
وحامي ثغور المسلمين بهمة | عزائمها أربت على همم الدهر |
عزائم طول الدهر في جنب طولها | وما بينها والنجم أقصر من شبر |
فلو من أقاصي الغرب يسطو ببعضها | على الشرق أمسى قابضا شفق الفجر |
ولو أنه يرمي الفضا بأقلها | لطارت جبال الخافقين من الذعر |
بها قصر دار الملك أضحى مشيدا | يماثل في أحكامه هرمي مصر |
وممدود سرادق الخلافة لم يزل | من الله مقصورا على ذلك القصر |
مليك به الإسلام عز وقد علا | على الكفر والإسلام يعلو على الكفر |
وسلطان حق شيد الدين فاغتدت | به ملة الإسلام مشدودة الأزر |
حوى كل مجد في الوجود كأنما | له قد عنى من قال في سالف العصر |
(تجمع فيه ما تفرق في الورى | من الجود والمعروف والفضل والفخر |
حياء ابن عفان وسطوة حيدر | وعدل أبي حفص وصدق أبي بكر) |
وقد طبق السبع الأقاليم عدله | وعم البرايا فيض معروفه الغمر |
وساس الورى باللطف منا ولم يزل | أبر بخلق الله من والد بر |
تهاب سراياه الملوك كأنما | تسير المنايا قبلها أينما تسري |
وترجو عطاياه وترهب بأسه | فما برحت بين الرجا منه والحذر |
ويسري إليها الرعب قبل مسيره | فيقتادها من حيث تدري ولا تدري |
ولما رأى القطر العراقي شاكيا | لداء ثوى بين الجوانح والصدر |
تلافى بموفور المفاخر نامق | تلاف الردى والضر عن ذلك القطر |
وأنهى إليه الأمر علما بأنه | أجل وزير قام بالنهي والأمر |
له طب بقراط وقوة آصف | وحكمة لقمان ومعرفة الخضر |
يعالج بالآراء داء الشقا | ولم يعجل على الجاني بمصقولة تبري |
ويصدر عادي الخطب قبل وروده | ويكره أن يلقى ذوي الشر بالشر |
ويردع أرباب المعاصي عن الشقا | بقرع العصا في الأرض والزجر لا الجزر |
ويقتلع الأدواء بالحلو مرة | وأخرى إذا لم ينجح الحلو بالمر |
ويعفو عن الجاني ويجبر كسره | وقد لا يكون الجبر إلا مع الكسر |
ويا رب أقوام أقاموا على الشقا | شقاقا ومن جهل أصروا على الأمر |
فحذرهم دهرا وأنذرهم فلم | .............................. |
وهل ينفع التحذير والوعظ معشرا | رعاعا غدوا من غمرة الغي في سكر |
ولما أبوا إلا العناد وصمموا | .............................. |
رماهم بأجناد تلف بمثلها | من العزم ما يغني عن الجحفل المجر |
وقاد إليهم كل أشوس فاتك | بمصطدم الأبطال أقدم من عمرو |
وأصلف في الهيجاء من متنمر | وفي السلم أحيا من مخدرة بكر |
كبكر حليف المجد والأروع الذي | حوى رتبا من دونها واقع النسر |
أمير نظام ما سرى في كتيبة | إلى الحرب إلا عاد بالفتح والنصر |
ولما رأوا غلب الفوارس أقبلت | تهاوى كعقبان على ضمر شقر |
وبيض الظبا مشهورة ترمق الطلى | معطشة أكبادها لدم النحر |
وسمر القنا تهوى الصدور مواردا | وترنو إلى الأكباد بالأعين الخزر |
ولم يجدوا من دافع لمدافع | غدت نارها تشوي الوجوه على الجمر |
نووا هربا والرعب سد عليهم | فم السهل فانحازوا إلى المنهج الوعر |
وفروا كأن لم تغن عنهم حصونهم | وقد علموا أن لا محيض عن الفر |
فأوسعهم عفوا وأصدر عنهم | دور العوالي والمهندة البتر |
وقد أصبح القطر العراقي لابسا | من العدل بردا نشره طيب النشر |
وأرجاؤه مطلواة الروض غضة | تميس من الأفراح في حلل خضر |
ترنحها أيدي المسرات والهنا | كما رنحت أيدي الصباطرة النهر |
وتسجع للإقبال فيها عنادل | كما رجعت في الدوح صادحة القمري |
وما في البرايا غير مسد لنامق | برود ثناء نمقتها يد الشكر |
مشير له دون الأعاظم أصبحت | تشير بنان المجد والعز والفخر |
أجل وجيوش المسلمين به اغتدت | منظمة الأجناد مشدودة الأزر |
وأضحى به عبد المجيد مؤيدا | كما أيدت كفاه بالأنمل العشر |
أخو همم لم يلف في الصيد مثله | لقرن إذا اصطك العوالي ولا ثغر |
أنظم فيه جوهر المدح عالما | بأن علاه لا يحبط بها شعري |
وأطرب مهما رحت أطري مديحه | بنظمي فلم أبرح به مطربا مطري |
فلما وصلت إليه أعجب بها غاية الإعجاب على أنه لم يزد من مجازاتي على أن كتب إلي في الجواب: أما بعد فقد وصلت إلينا قصيدتك الفائقة وفريدتك الرائقة وهديتك السنية وتحفة مدحتك البهية، وقد وقعت لدينا في محل المحبوبية والمقبولية وصرنا لك من أجلها في كمال المنونية والمحظوظية بارك الله تعالى فيك ما أحسن قوافيك وأطيب نفحات فيك وكثر أمثالك في البرية ووفقك لصالح الأعمال الخيرية "انتهى ملخصا"، فكأنني إنما امتدحته رغبة بصالح دعائه ومحبة لجميل ثنائه لا طلبا لمزيد حبائه، ومن ثم وفر نصيبي منهما وما كان أغنائي عنهما.
قال: ولما أرسل السلطان أمجد علي شاه ملك الهند إلى مولانا المؤتمن الشيخ محمد حسن (صاحب الجواهر) دام مجده أموالا يلتمس بناء حضرة سيدنا الشهيد بأرض الكوفة مسلم بن عقيل رضوان الله عليه سارع مولانا المشار إليه في تشييد أركان تلك الحضرة وأتقن صحنها وأحكم سورها وبنى إلى جانبها مئذنة فطلب مني أيده الله نظم تاريخ فنظمت هذا التاريخ سائلا من الله عز اسمه أن يعطينا على ذلك الثواب الجزيل فقلت:
إن سلطان سلاطين الملا | فخر أرباب المعالي والدول |
ذو النهى أمجد علي شاه الذي | منح التاج وبالملك استقل |
أصيدكم ملك سامي الذرى | في حمى ظل معاليه استظل |
ومليك دين آل المصطفى | عز في أيامه والكفر ذل |
وأغر لاح في أفلاكه | كوكبا علم وهدى وعمل |
سيدانا المولويان ومن | كل فضل حويا من غير كل |
أورداه منهل العلم الذي | كرعا من عذبه نهلا وعل |
فجرى جري أبيه في الندى | والحيا من فيض كفيه استهل |
رمق الدنيا فلما أن رأى | مربع الفضل بكوفان اضمحل |
بذل الأموال لله وما | راح إلا وهو أوفى من بذل |
عيلم العلم ومشكاة الهدى | فخر أهل العصر والغر الأول |
لا يباري شأوه النجم علا | وفخارا عز باريه وجل |
بأبي عبد الحسين اجتمعت | جمل الفضل وبالحسن اكتمل |
إن ترد تلف بحرا طاميا | أو ترد تفصيل ما أجملت سل |
شاد من أركان أعلام الهدى | ودعامات المعالي ما نزل |
وبنى في الكوفة الغراء ما | طال فخرا وعلى الشعري أطل |
حضرة القدس التي ضمنها | مسلم بل مهجة الإسلام حل |
ناصر السبط وحاميه من | كان للدين حساما لا يفل |
وبها أعلى لهالني منزلا | ومقاما دونه الجوزا محل |
سيد المصر منيع الجار لا | يختشي في جانب الله العذل |
واستنار الأفق من مئذنة | أذن الله بأن ترقى زحل |
لهج الذاكر في تاريخها | علنا حي على خير العمل |
وقال مهنئا السيد صالح القزويني بقدومه من البصرة:
يا صالح الفعل والمولى الكريم ومن | يعزى لا شرف خلق الله من مضر |
ومن سحائب كفيه متى وكفت | كفت جميع الورى عن واكف المطر |
ومن متى أزهرت نورا خلائفه | يثمرون درا وكم نور بلا ثمر |
أنى يقاس بك الأدنى وهل أحد | يحكيك في سؤدد سام وفي خطر |
أين الحصى ونجوم الأفق مزهرة | وأين وجه الثرى من هالة القمر |
لله أوصافك الغرا التي سطعت | نورا يفوق سناء الأنجم الزهر |
لانت أكرم من يولي الجميل ومن | يعم بالفيض أهل البدو والحضر |
إن جدت جدت بلا وعد يكون وإن | تكن توعدت تعفو عفو مقتدر |
تالله إن زمانا أنت فيه قضى | بالعدل في كل ما تهوى ولم يجر |
فليهنئن بك دهر فيك ازهر ولـ | ـيجرر على كل دهر ذيل مفتخر |
ولتنعمن كل عين للورى كحلت | بنور طلعة ذاك المنظر النضر |
لا زلت كهفا منيعا في الوجود ومن | يأوي بظلك مأمونا من الحذر |
ولا برحت مدى الأيام في دعة | وصفو عيش ومن ناواك في كدر |
فال وقلت في مدح ذي الرياستين والي بغداد الحاج محمد نجيب باشا بلغه الله ما شا:
براك إله البرايا نجيبا | فليس النهى فيك أمرا عجيبا |
أتتك الوزارة تبغي الفخار | فوافت من المجد ظلا رحيبا |
وجئت أخيرا فسدت الملوك | ورحت أماما وراحوا عقيبا |
ولاذ بساحتك المسلمون | مخالفة وقع الردى أن ينوبا |
يرون لمجدك عدلا كبيرا | وحلما كثيرا وقدرا مهيبا |
وجودا يطبق رحب الفلاة | جبالا وهادا جريبا جريبا |
قمعت الفساد وسست البلاد | ببأس ينيل القلوب الوجيبا |
ورأي متى يرم وجه السداد | بسهم فلابد من أن يصيبا |
تروح وتغدو عزيز اللواء | ويمسي عدوك مضنى كئيبا |
وبدر سعادتك المستطيل | على النجم بادي السنا لن يغيبا |
وعزم يحك مناط النجوم | ويغدو البعيد لديه قريبا |
وخير شباب الجنان الذي | لخير البرية كان الحبيبا |
إمام لما مسه من ردى | أدمنا الأسى وأطلنا النحيبا |
وأعظم مولى أصيب الفخار | وركن الهداية لما أصيبا |
حقيق على كل طرف متى | ذكرنا مصائبه أن يصوبا |
وزرت الوصي ابن عم الرسول | وزوج البتول الإمام المنيبا |
وباب مدينة علم النبي | المجلي عنه الردى والكروبا |
إذا ما دعا فارس للبراز | واححمت الأسد كان المجيبا |
وحامي حمى الدين ما راح يوما | على نائب الدهر إلا صليبا |
إمام البرايا علي المقام | وخير الأنام شبابا وشيبا |
فنلت أبا أحمد ما طلبت | وحزت من الأجر أوفى نصيبا |
ورحت وأنت أب للجميل | تنبل الحبا وتزيل الخطوبا |
فلا زلت تلبس في أنعم | تدوم من النصر بردا قشيبا |
قال: وقلت مادحا حضرة محمد نور الدين بك نجل الوزير الكبير راغب باشا:
يا ابن الوزير الذي ألقت أعنتها | له المفاخر تسليما وإذعانا |
وابن الأمير الذي عز النظير له | وعم نائله سهلا وأحزانا |
ورثت عن راغب في كل مكرمة | مجدا قديما وفخرا نال كيوانا |
وطلت جاها وطاولت السماك على | وسدت بالمجد أشباها وأقرانا |
فبت أوفرهم عدلا وأكثرهم | بذلا وأغزرهم فضلا وعرفانا |
حللت باليمن والألطاف ساحتنا | ورحت باليمن والإسعاف ترعانا |
أن يمسك الغيث عنا ري وابله | فجود كفك أغنانا وأروانا |
لانت عين أناسي الزمان وما | سواك أمسى لعين الدهر إنسانا |
لله أوصافك الغر التي بهرت | كالشهب نورا وتعدادا وتبيانا |
ليهن حضرتك الغراء حيث بدت | في جبهة الدولة العليا عنوانا |
وليهننا ما من البشرى تجللنا | غداة شمنا وميضا منك قد بانا |
يا لائمي في مديحي ماجدا رفعت | يداه للجود والمعروف أركانا |
أقصر فما مثل نور الدين من ملك | يولي أخا الود إبراهيم إحسانا |
مولى حوى جمل العليا وجر على | هام المجرة أذيالا وأردانا |
وقد تردى-كما يهوى مؤرخه - | نورا وقلد نيشانا سما شانا |
قال: وقلت فيه أيضا يوم أولم الوليمة العظيمة وضربت لها على شاطئ البحر الخيان ليكون ذلك غير مضر بالأنام ساعة الازدحام وقد دعي لها جملة العلماء وجماعة خدام الحضرة العلوية وكافة الكبراء والأشراف وغيرهم من العساكر المنصورة، وذلك في أوائل شهر ربيع الثاني سنة 1262:
بزغت محاسن وجه نو | ر الدين محمود السجيه |
ولامعت بسمات غر | غرته الصفات الراغبيه |
فرد الزمان وسابق الـ | ـأقران بالهمم العليه |
أثر النجابة ساطع | بجمال طلعته السنيه |
شمس النهار ونور صبـ | ـح جبينه قمر العشيه |
غوث يحاكي الغيث وا | كف كف راحته النديه |
ومحلق بفخاره | عن خطة الخسف الدنيه |
قد راح يحكي عدله | عدل الملوك الكسرويه |
ولربما أضحى أعز | على وأرحم بالرعيه |
مولى شربنا من حيا | ض وداده الكأس الرويه |
ما زال يمنحنا جميـ | ـل مواهب الكرم الدفيه |
وينيلنا الطاف جد | واه الخفية والجليه |
حتى دعا يوما منا | ديه البرية بالسويه |
واستنهض العلماء والـ | ـأشراف أرباب المزيه |
وجماعة الأدبا وأجـ | ـناد النظام العسكريه |
لوليمة أنست مشاكل | هدها القضايا الحاتميه |
ضربت لها في شاطئ الـ | ـبحر القباب الألمعيه |
وجفانها تحكي الجبا | ل مطاعم فيها شهية |
أحشاء أهل البر والـ | ـبحر اغتدت فيها مليه |
فلأكسين علاءه | حلل الثناء الأزهريه |
ولأنطن بمدحه | درر العقود الجوهرية |
ولأهدين له مدى الـ | ـآباد أدعية زكية |
فعساه يعفو بعد ذا | لك عن أخي الشيم الرديه |
ولعلني يوما ألوح | بنور فكرته الذكية |
لا زال ممنوحا بألـ | ـطاف الإله السرمديه |
وقال يمدح نور الدين بك المذكور بهذه القصيدة وقد خمسها فاقتصرنا على الأصل وتركنا التخميس وهي:
أنبه دهري دائما وهو غافل | وألهو بسمر الخط وهي ذوابل |
وما كنت أدري والأماني تقودني | إلى الرفع أن الدهر للخفض عامل |
تقول أصحيابي استقم تحظ بالمنى | فقلت لهم قد عوجتني الصياقل |
وما زال متن القوس للسهم صاحبا | ووصف لوصف والقياس معادل |
تقول فتاة الحي مالك ضائعا | وذكرك من دون البرية خامل |
فقلت لها مالي سوى الفضل صفقة | ومذ خسرت خابت علي الوسائل |
زمان الصبا ولى وللمرء في الصبا | غرور وهل يرضى التصابي كامل |
ومالي وللظبي الكحيل وناظر | إلى سحره الفتان تنسب بابل |
يغازي بجيش الصد قلب متيم | يباهي به شمس الضحى ويغازل |
أعاتبه والعتب يعزيه بالنوى | وأعلم أهوال الهوى وهو جاهل |
وتجرحني من غير سل لحاظه | ورب سلاح عند من يقاتل |
وما الحب إلا حيرة غب نظرة | قضت أبدا أن لا يرى الحب عاقل |
وما العمر إلا نجدة ونباهة | على قدرها يسمو اللبيب الحلاحل |
ولما رأيت الجد للجد غالبا | وليس لتحصيل الفضائل حاصل |
وإني فيما نلت لا مستقر لي | ولو أنني بين المساكين نازل |
توطنت دارا لا يذل مقيمها | فما أنا حتى يرحل العمر راحل |
وأسلبت أثواب الخمول على المنى | فلا أنا مأمول ولا أنا آمل |
وقولي لنفسي كلما جاش صدرها | مكانك إن الله للرزق كافل |
فإن خطت الأقلام نلت الذي جرى | بها أو تخطته فرأيك فائل |
وقد يطلب العلياء من لا ينالها | وقد كثرت منه إليها الوسائل |
وقد يدرك الآمال من ليس رائدا | لها ولدى الأقدار تخطي الحبائل |
يكلفني ما لا أقوم بحمله | زمان برواد الخنا متشاغل |
وكم قلت يا ليل الخطوب ألا أنجلي | فقال اصطبر فالصبر للهم غاسل |
وأصحاب هذا العصر نزر وفاؤهم | فمن أي شخص للوفاء تحاول |
وإن أناسا قدمتهم وقاحة | وما منهم للمجد والفخر قابل |
بجد ومجد عش وقل غير قانع | إلا في سبيل المجد ما أنا فاعل |
تفاوت أهل الفضل في الفضل مثلما | تفاوت وضعا في الأكف الأنامل |
وشعر الفتى فأعلم دليل كماله | وللفضل عند الكاملين دلائل |
ولو أنه سمي شعيرا سمت به | مخال وسامته الهوام الهوامل |
أقمت زمانا لا أفوه به وكم | بخلت به والحر بالمجد باخل |
ولو لم يعدوه كمالا تركته | وتبت وإن الله للتوب قابل |
ولكن نور الدين شعشع وجهه | قريحة صب بالقريض يساجل |
وأحرزت أوصافا له فنظمتها | عقودا لها عقد الجمان مشاكل |
أمير العلى بحر الندى أسد الشرى | همام لأحزاب الجهالة خاذل |
حليم ومن لم يؤت حلما مع العلى | فعما قليل نجم علياه آفل |
تفرد في جميع الكمال فما إلى | سوى فضله لا زال يهرع فاضل |
أيا ابن الذي في الفضل قد كان راغبا | وعنه تجزت في الأنامل الفواضل |
مكارمه الركبان سارت بصيتها | ولم تك تخفي في الظلام المشاعل |
إليك يرد الأمر أشكل حله | ورأيك في كل القضيات فاصل |
حويت مزايا بعضها الفخر فاخترق | معارج لا يدنو لها المتطاول |
شمائل رقت فاسترقت بلطفها | قلوب جميع الناس تلك الشمائل |
سماح وإقبال ومجد وسؤدد | وحلم وإنصاف وفضل ونائل |
وأنت الذي لا تستخفنه ثروة | ولا كدرت مما يجود المناهل |
أعيذك من أن تطيبك مطامع | وغيث الندى من بحر جودك ناقل |
حمدت زمانا أنت يا سهم صدره | من الفضل عال والتفاضل سافل |
وخير على الدنيا مقام إمارة | حماها منيع أن يدانيه طائل |
بسود بها في الناس من يجعل الحجى | إماما له يقضي به ويراسل |
ليرضي سلطان السلاطين حكمه | وتخضع إجلالا له القبائل |
ويحسن عفو المرة عند اقتداره | وفي ضمنه التأديب والزجر حاصل |
وما ساد من يبغي الفساد وإن سرت | بطاعته في الخافقين والجحافل |
بأمرك كل واقف عنده حده | فبين الرجا والخوف راج ووحل |
نوالك مأمول ورأيك صائب | وبطشك محذور وبأسك قاتل |
ومن لم يتوجه الحجى فهو عاطل | ومن لم يعلمه الزمان فجاهل |
أقامك رب الناس سيفا مضاؤه | ليفرج كرب أو تحل مشاكل |
تنير فتمحو الظلم إذ هو قاتم | وتعشب روض الفضل إذ هو ماحل |
وإن زمانا أنت عنوان فضله | زمان له في كل خير دلائل |
ودونك من بحر القريض فريدة | تنظم مدحا ما له قط ساحل |
قفت منك آثار الفضائل وانثنت | وهن قواف عن سواك قوافل |
وللشعر ميدان وفيه فوارس | ومنهم إذا ما نقد القول راجل |
يزخرف ألفاظا وليس وراءها | معان وما كالناقد النظم ناقل |
وليس سواء عند مثلك بارع | نوائح يوم في اللوى وبلابل |
بقيت لسر العقد والحل مرجعا | وقلبك في بحر الحقائق جائل |
ودمت دوام الدهر والنحس خارج | وفقت مقام الشمس والسعد داخل |
وقال راثيا سيد الشهداء عليه السلام:
هل في الوقوف على ربي يرين | برء لداء في الفؤاد دفين |
وهل الوقوف على الأماكن منقع | غللا وقد بقيت بغير مكين |
وإلام تنفث مؤصد الزفرات عن | جمر بأخبية الحشى مكمون |
تخفي الأسى وغريب شأنك في الأسى | باد يفسره غروب شؤون |
ولقد بلوت الحادثات وكان لي | في الخطب صبر لا يزال قريني |
وتجلدي ما في كعوب قناته | لردى يريد الغمز ملمس لين |
وزين حلمي لا يطيش لمحنة | جلت وإن قطع الزمان وتيني |
وغزير دمعي لا يزال مصونه | إلا لذل شامل في الدين |
وحطوب آل محمد ضعفن من | أركان دين الله كل حصين |
هم خيرة الباري ومهبط وحيه | حقا، وعيبة علمه المخزون |
هم نور حكمته وباب نجاته | أبدا وموضع سره المكنون |
أمناؤه في أرضه خلفاؤه | في خلقه أبناء خير أمين |
وهم الألى عين اليقين ولا هم | من كل هول في المعاد يقيني |
ما لي من الأعمال إلا حبهم | في النشأتين وحبهم يكفيني |
مهما أسأت وقد نسأت رثاءهم | بدر الولا لرثائهم يدعوني |
وإذا تقاعد منطقي عن مدحهم | نهضت جميع جوارحي تهجوني |
أو ما درت تلك الجوارح شفها | رزء الأطائب من بني ياسين |
وحديث فاجعة الطفوف إذا لها | دمعا به انبجست عيون عيوني |
إني متى مثلتها سعر الجوى | مني بأذكى من لظى سجين |
ومتى أطف من ذاك العرى | جعلت أراجيف الأسى تعروني |
وذكرت ما لم أنسه مكن حادث | ما زال يغري بالشمال يميني |
حيث ابن فاطمة هناك تحوطه | زمر الضلالة وهو كالمسجون |
وهم الألى قد عاهدوه وأوثقوا | عقدا لبيعته بكل يمين |
حتى أناخ بما يحويه من | آل وأموال وخير بنين |
غدروا به والغدر ديدن كل ذي | أحن بكل دنية مفتون |
ورموه لا عرفوا السداد بأسهم | من كف كفر عن قسي ضغون |
ولديه من آساد غالب أشبل | يخشى سطاها كل ليث عرين |
وأماثل شربوا بأقداح الولا | صافي المودة من عيون يقين |
سبقوا بجدهم الوجود وآدم | ما بين ماء في الوجود وطين |
وهو الألى ذخر الإله لنصره | في كربلا من مبدأ التكوين |
لا عيب فيهم غير أنهم لدى الـ | ـهيجاء لا يخشون ريب منون |
وعديدهم نزر القليل وفي الوغى | كل يعد إذا عدا بمئين |
والكل إن حمي الوطيس يرى به | قبض اللوا فرضا على التعيين |
ما رنة الأوتار في نغماتها | أشهى لديهم من صلصل ظبين |
كلا ولا ألحان معبد عندهم | في الروع أطرب من صهيل صفون |
ثاروا كما شاء الهدى وتسنموا | صهوات قبل أياطل وبطون |
وعدوا لقصد لو جرت ريح الصبا | معهم به رقفت وقوف حرون |
وإذا الهجان جرت لقصد أدركت | قصبا يقصر عنه جري هجين |
حتى إذا ما غادروا مهج العدى | نهبا لكل مهند مسنون |
وفد الردى يبغي قراه وكلهم | حب القرى بالنفس غير ضنين |
فلذاك قد سقطوا على وجه الثرى | ما بين مذبوح وبين طعين |
وشروا مفاخرهم بأنفس أنفس | ينحط عنها قدر كل ثمين |
طوبى لهم ربحوا وقد خسر الألى | رجعوا هناك بصفقة المغبون |
وغدا عميد المكرمات عميدهم | من بعدهم كالواله المحزون |
ظامي الفؤاد ولا معين له على | قوم حموا عنه ورود معين |
يرنو ثغور البيد وهي فسيحة | شحنت مراصدها بكل كمين |
ويرى كراديس الضلال تراكمت | وكأنها قطع الجبال الجون |
ويكر في تلك الصفوف مجاهدا | كر الوصي أبيه في صفين |
ويعود نحو سرادق ضربت على | أزكى بنات للهدى وبنين |
وكرائم عبس الأسى بقلوبها | فغدت فواقد هدأة وسكون |
يسدي لها الوعظ الجميل وذاك لا | يجدي ذوات لواعج وشجون |
ونوائب عن حمل أيسر نكبة | منها تسيخ مناكب الراهون |
ثم انثنى يلقي الصوارم والقنا | بأغر وجه مشرق وجبين |
قسما يثابت عزمه واليتي | بثبات عزمته أبر يمين |
لو شاء أقراء الردى مهج العدى | طرا لأضحت ثم طعم منون |
أو شاء إفناء العوالم كلها | قسرا لأوحى للمنايا كوني |
أنى ومحتوم المنايا كامن | ما بين كاف خطابه والنون |
لكن لسر في الغيوب وحكمة | سبقت بغامض علمه المخزون |
وخبا ضياء المسلمين ومحكم الذ | كر المبين إذا بغير مبين |
وبنات خير المسلمين بزرن من | دهش المصاب بعولة ورنين |
من كل زاكية حصان الذيل | ألفت سوى التخدير والتحصين |
ولصونها أيدي النبوة شيدت | من هيبة الباري منيع حصون |
وأجل يوم راح مفخر هاشم | فيه أجب الظهر والرنين |
يوم به تلك الفواطم سيرت | أسرى تلف أباطحا بحزون |
من فوق غارب كل أعجف عاثر | في السير صعب القود غير أمون |
وتقول للحامي الحمى ومقالها | كدموعها من لؤلؤ مكنون |
عطفا علي ولا أخالك إن أقل | عطفا علي تغض طرفك دوني |
أو لست تنظرني وقد هتك العدى | خدري وهدمت الطغاة حصوني |
من بعد أن تركوا بنيك على الثرى | ما بين مذبوح وبين طعين |
وقال يهني خليل بك الأسعد بزفاف:
زهت هذه الدنيا سرورا وأزهرت | رباها بأنوار الهنا وسهولها |
وجادت وكان البخل بالخير شأنها | وقطع رجاء الآملين سبيلها |
ووفت عطاء المستنيل من المنى | وقد كان محروم المنى مستنيلها |
ليالي سعد ملكت لابن أسعد | زمام التي في الكون عز مثيلها |
محجبة القصر التي قد ترشحت | بمنعبق الفخر القديم ذيولها |
وتلك التي قد طالت الشهب من أبت | سوى كهفها السامي الذرى لا يطولها |
ملاذ النهى حتف العدى عليم الندى | خليل المعاني بدرها وكفيلها |
أبو المجد وضاح الفخار وإن تسل | عن المكرمات الغر فهو سليلها |
من العصبة اللاتي تسامت فروعها | وطابت غروسا في الزمان أصولها |
على كل عصر ساد في الدهر عصرها | أجل وعلى الأجيال قد ساد جيلها |
وله في زفاف السيد كاظم ابن السيد أحمد الأمين الحسيني العاملي ابن عم والد المؤلف وهي أول شعر نظمه في التهاني:
أيها الراكب المجن غراما | أينقا نحو بارق تترامى |
وعوال شوازب كقسي | تركتها يد المغذ سهاما |
نتحامى إلى السرى وبها من | قبس الوجد لاهب يتحامى |
حي عني الأحياء من آل ودي | واقرأن من عرفت مني السلاما |
وبسلع سل عن فؤاد مضاغ | لم يزل في رباعها مستهاما |
وإذا ما بدت لعينك نجد | أو تراءت لديك دار إماما |
وعهود اللوى فثم مغان | كن للغيد مرتعا ومقاما |
وغرانيق ما حفظن عهودا | لمحب ولا رعين ذماما |
وبجيرون جائرون أباحوا | من دم المستهام شيئا حراما |
وأضاعوا حق امرئ وزعته | لفتات المها عراقا وشاما |
فعلاما هذا التجافي علاما | وإلى ما هذا التنائي إلى ما |
ليس من شرعة الهوى إن أرى في | حلبات الهوان مضني مضاما |
يا خليلي للهوى عطفات | تورث الصب لوعة وسقاما |
عللاني بذكر سالف عهد | وأديرا سلافة أو مداما |
وأنشرا خاطري بنشر حديث | طالما ضاع منه نشر الخزامى |
وأعيدا علي أفراح عرس | أودعت مهجتي سرورا مداما |
يوم زفت لنجل أحمد خود | كرمت محتدا وعزت مراما |
ورداح زهت على الزهر معنى | وعلى الزهر نظرة وابتساما |
نهبت من صفائح البيض جيدا | ومن السمر معطفا وقواما |
وأقامت بخير مغنى لأوفى | من عرفنا من الكرام احتراما |
فهو الكاظم الذي لم يزل في | كل آن إلى العلى يتسامى |
وأخو المجد والعلى من لعمري | طالما راح للمعالي إماما |
من بني أحمد الذين إذا ما | عد أهل الزمان عدوا كراما |
فهناء وكلنا شرع في | فرح بين جانبي أقاما |
وإليك المحب أهدي قواف | حسنت مبدأ وطابت ختاما |
دمت في نعمة الهنا والتهاني | تتهادى إليك عاما فعاما |
ما ألم النسيم وهنا وهزت | مائسات الأغصان أيدي النعامى |
وله يرثي الشيخ علي ابن الشيخ صاحب كشف الغطاء:
إليك فؤادا لا تمل نوادبه | ودونك دمعا لا تغب سواكبه |
لعمر أبي لم يبق في القوس منزع | غداة حدا الحادي وزمت ركائبه |
ودار التصابي باد للبين رسمها | وليل دجى الأيام مدت غياهبه |
هو الدهر لا يلوي لشاك تقاذفت | به غمرات أردفتها سحائبه |
فكم صال فتكا غير مثن عنانه | لسلم وكم كرت لحرب كتائبه |
أباد ذوي التيجان من عهد آدم | وكسرى على ذحل قضى ومرازبه |
ولا مثل طود غاله غائل الردى | فمادت أعاليه ودكت جوانبه |
وبكر بعيد المدعب عبابه=وقد طبق الدنيا وجاشت غواربه
وبدر علوم قد تغيب نوره | فأظلم أفق الدين وأغبر جانبه |
فذاك علي نجل جعفر من سمت | على هامة الجوزاء فخرا مناقبه |
قضى فقضى الدين الحنيفي بعده | وسدت لعمري طرقه ومذاهبه |
أقول على الدنيا العفا إن عصرنا | لقد كثرت زلاته وغرائبه |
وها أنا مذ نيطت علي تمائمي | يحاربني يا ويلة وأحاربه |
ومن حارب الأيام والدهر جاهدا | فأجدر به ان ينثني وهو غالبه |
ذروني أسل ماء الجفون لتنطفي | لواعج ما ضم الحشا وجوانبه |
ففي النفس أمر ضاق عن وسع بعضه | برغمي أكناف الحمى وسبابه |
ويا طالما ضر الحليم اصطباره | وجرعه الورد الذعاف مشاربه |
لتبك المعالي ما استطاعت لما جد | مضى فمضت من ذا الزمان أطائبه |
وتبكي علوم الآل مبدي عويصها | إذا ما ظلام الجهل مدت غياهبه |
فيا هاجرا حاشاه لا عن ملالة | وتارك وجد لا يباح لاهبه |
علمنا بأن العلم قوض والأسى | تزايد والسلوان عزت مطالبه |
تعاظم هذا الخطب فالناس واحد | أباعده فيه استوت وأقاربه |
أعزيكم يا آل جعفر عن فتى | بعيد مناط الفخر جم مواهبه |
أخو همم لا الدهر بالغ شأوها | وصارم عزم لا تفل مضاربه |
وبحر علوم لا يمل حديثه | جليس ولم يكتب سوى الخير كاتبه |
وثم معال لا أطيق عدادها | ثناء وهل يقوى على الرمل حاسبه |
فصبرا بني العلياء فالصبر مغنم | تبشر بالأجر الجميل عواقبه |
فأنتم جبال الحلم في كل أزمة | وطالعه وقف عليكم وغاربه |
(نجوم سماء كلما انقض كوكب | بدا كوكب تأوي إليه كواكبه) |
ولا زال رضوان المهيمن واصلا | ثرى حله مولى الفخار وصاحبه |
ولا برح الرحمن يهدي له الحيا | (وكل امرئ يهدي له ما يناسبه) |
وقال بعد أن وردت إليه عدة قصائد من الشيخ طالي البلاغي من النجف إلى جبل عامل مجيبا له:
يا رعى الله بلبنان مقاما | وحمى في سفحها قوما كراما |
وسقى عهد الصبا في ظلها | عارض يمطرها الغيث الركاما |
يا خليلي إذا ما جئتما | بعد وخد في فيافيها الخياما |
فاقرآ مني على سكانها | وعليها أبد الدهر السلاما |
جيرة جاروا على ضعفي وما | رحموا صبا معنى مستهاما |
أودعوا قلبي لما ودعوا | بالغضا منه حريقا وضراما |
وأنالوني عن الوصل الجفا | وأراعوني وما راعوا ذماما |
لست أسلو عهدهم أو ينثني | عن معاليه أخو مجد تسامى |
عالم حبر تقي ماجد | طالب من راح للفضل إماما |
بدر علم وكمال نوره | ملأ الدنيا فجاجا وأكاما |
وعليم حل أعلى رتب | شمخت مجدا وقد عزت مراما |
وأخو عزم وحزم ونهى | ومقام طاول الشهب مقاما |
وعميد العلم والندب الذي | شاد في الدين ربوعا ودعاما |
وفريد الدهر والبر الذي | بالتقى والفضل للعيوق هاما |
يا أخا البدر كمالا وسنا | وقرين المجد عزا واحتراما |
وأبا الأفضال والخلق الذي | قد حكى الروض أريجا وابتساما |
هاكها شامية قد زفها | لك ذو ود على العهد أقاما |
تتهادى وعليها نفحة | من أريج الرند أو نشر الخزامى |
ترتجي منك قبولا ورضا | عن أخي حزم لها صاغ النظاما |
دمت كهفا للعلا مشتملا | بردة الفخر سليما لن تضامى |
وله يمدح السيد محمد الأمين الحسيني عم مؤلف الكتاب ويهينه بالعيد:
سلام كما أرفضت عقود السحائب | علي الطيب ابن الأكرمين الأطائب |
تحية مشتاق إلى الطلعة التي | سنا نورها يجلو ظلام الغياهب |
إلى ماجد سمح البنان ومهذب | أبر الورى من عجمها والأعارب |
هو الندب والمولى الذي سما | إلى غاية من دونها كل ثاقب |
محمد يا غيث السماح ومن غدا | له مفخر سامي الذرى والمناكب |
فتى جدد الإيمان من بعد ما عفا | وقرب منه كل ناء وعازب |
تقي يخاف الله سرا وجهرة | وحاشاه من تضييع ندب وواجب |
فصيح فما قس يقاس إذا انتضى | شبا مرهف ماضي الغرارين قاضب |
فلو أنه في سالف الدهر يقتنى | لزين به جيد الغواني الكواعب |
لقد جمعت فيه الفضائل إذا غدا | يرى الجود والمعروف أعظم واجب |
تبارك من حلاه عقد فضائل | يقصر عن إحصائها كل حاسب |
أيا ماجدا يأوي من المجد والعلا | لأشرف مأوى أو لخير المراتب |
أبثك أشواقا إليك تركتني | طريحا على جمر الغضى المتلاهب |
وأسكنني ما بين قوم وجوههم | تلوح بسيماها وجوه المثالب |
أمانع نفسي عن هجاهم وإنما | لعمري رأيت الهجو ضربة لازب |
إذا كنت يا رأس الأكارم سالما | فحسبي به وصفحا عن كثير المعائب |
هدية مولى صاغها بنت ساعة | تهني بعيد بالمسرة آيب |
ولا زلت محبورا من الله بالمنى | على ثقة منه بحسن العواقب |
وقال بعد مجيئه إلى جبل عامل وأرسلها إلى الشيخ محمد رضا من آل الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء بالنجف الأشرف:
إليك نفثة صب ما سلا | على النوى عهدهم ولا قلا |
وهاكم جذوة صدر قبست | من جمر أحشاء المعنى شعلا |
أحبتي ما بنت عن ربعكم | متخذا في الناس عنكم بدلا |
كلا ولا ارتضيت لي سوى الحمى | لا والحمى والساكنية منزلا |
وبالرضا لا والرضا لم أبغ عن | دار بها حل الرضا تحولا |
وإنما طوح بي عن أرضكم | أمر سقاني المر صابا حنظلا |
وساقني للجبل الأقصى ومن | جبلتي إن لا أود الجبلا |
وها أنا أطوي جوانحي على | نار جوى وطيسها لا يصطلى |
واسفح الدمع على وجه الثرى | منهمرا منهمعا منهملا |
لا غللي تجفف الدمع ولا | منهم الدمع يطفي الغللا |
وكيف تطفى غلل الصب الذي | أمس بأصفاد النوى مغللا |
يا جيرة المثوى الذي أرجاؤه | معقل نجب الأنجبين النبلا |
إن بان عنكم منزلي فأنتم | بين ضلوعي لن تزالوا نزلا |
أو شط جسمي عنكم فمهجتي | لديكم لم تبغ عنكم حولا |
وإن أكن فضلت يوما معشرا | عليكم فلا عرفت الفضلا |
وإن عقلت بسوى حماكم | رواحلي ما كنت ممن عقلا |
أأسكن الشام ومن واليتهم | في النجف الأعلى وطف كربلا |
وارتضى بعد ولائي لهم | بعدا إذا كذبت في دعوى الولا |
فيا لها من محنة رحت لها | مشتت البال كئيبا مبتلى |
ويا لها مصيبة توجب إن | أكثر من قولي لا حول ولا |
هذا وإن أصبحت ممنوع المنى | بحمل أثقال العنا موكلا |
فلي أسى مهما عراني من أسى | بخيرة الخالق من هذا الملا |
أئمتي وسادتي وقادتي | إلى النجاة آخرا وأولا |
فإنهم هم لا سواهم جرعوا | من مضض الأيام كأسا ما حلا |
وحملوا من دهرهم ما لم تطق | له شناخيب الفلا تحملا |
ولم يكونوا نزلوا في منزل | إلا وأمسى للزرايا منزلا |
وهذه الدنيا بهم ضاقت فلا | يرون عن ضيم بها مرتحلا |
بل وهم قد أخرجوا من دارهم | وأنزلوا في دار كرب وبلا |
جلت رزاياهم وللحشر غدت | تضرب أهل الأرض فيها المثلا |
كم من دم زاك لهم محرم | أصبح في محرم محللا |
قد كنت أرضى مع جواري لهم | بالخفض عن رفع الورى معتزلا |
فكيف بي وقد أرى جوارهم | أحلني أرفع غايات العلى |
وعامل وإن علا حظي بها | أعدها عامل خفض كعلى |
وكتب إلى السيد محمد الأمين الحسيني عم المؤلف من النجف إلى جبل عامل معزيا له بأخيه السيد محسن وقد توفي في النجف مهاجرا في طلب العلم وراثيا له بما هذه صورته:
مالي كلما حاولت انتعاش جسمي من موبقات الأحزان والنوائب وأردت انتقاش فهمي في صحائف بلوغ الآمال والمآرب عرض لي فادح أو هي قوى جلدي وفت أعضائي وعضدي وأسلمني إلى جيوش العطب والحزن وسلط علي دواهي الكرب والمحن وأناخ بكلكله على ربوع ارتياحي ومعاطن نجاحي وسدد سهام قسي غدره لإصابة غرض مسرتي وأفراحي إن سالمت لا أنتفع بمسالمتي وإن خاصمت لا أملك دفع الردى في مخاصمتي وأنى لي بالانفلات من شرك دنيا طبعت على الغدر مصائدها وجبلت على المكر مكائدها ترمي بأسهم جورها فلا تخطي وتأخذ الخليل بعد الخليل وهي تضن أن تعطي فلا يصح سقيمها ولا يرقى سليمها ولا تجلى غمومها ولا تندمل كلومها وعودها كاذبة وسهامها صائبة لا تقيم على حال ولا تمتع بوصال ولا تسمح بنوال:
وتلك لمن يهوى هواها مليكة | تغرره أفعالها والطرائق |
إذا عدلت جارت على أثر عدلها | ومكروهة عاداتها والخلائق |
وما كفاها ما فعلت بالسلف الماضيين من الآباء والبنين والأحباء والأقربين حتى دهتنا أبعد الله دارها ولا قرب مزارها بفقد إنسان عين الوجود وعين إنسان كل موجود أنيس بالمحراب في الأسحار ومحيي سنن التهجدات والأذكار والناهض بتشييد ما انطمس من ثناء المجد والفخار والجاهد بتمهيد ما اندرس من علوم آبائه الأبرار:
العالم العامل الموفي بمفخرة | على السهى وكذاك الماجد الحسب |
السيد السند المفضال خير فتى | زاك لأشرف خلق الله ينتسب |
الفائق أهل زمانه بجلاله وكماله والمحسن في أقواله وأفعاله:
ملاذي عصامي مؤنسي سيدي الذي | يزول به غمي ويعلو به قدري |
وكهفي من الأيام إن ناب حادث | أبث له حزني وأشكو له أمري |
فجددت علينا ما خلق من جلابيب الأحزان وأنفذت إلينا كتائب الكآبة والأشجان وأسالت العيون مع الدموع وأوقدت جمر الغضا ما بين محني الطلوع فيا له من فادح حطم أركان الهدى وأورد الفضل موارد الردى وملمة لا تقابل بجميل الصبر وثلمة في الدين لا تسد عمر الدهر:
مصاب ما السلو به مصاب | ولا الصبر الجميل له جميل |
ولقد أصبحت لما عراني من الكمد ودهاني من النكد الذي لا يقوم به جلد إبل وجه البسيطة بدمع مدرار وكلما رآني راء تمثل بقول أبي الحسن الجزار:
#يا أخا ما لك ويا من له الخن-ساء أخت ويا أبا لمعاذفأنشد عن مناجاتي ما قاله ابن الساعاتي.
لم يبق في هذه الدنيا لنا إرب | فقل سلام عليها غير محتشم |
فليت أن زمانا فات دام لنا | وليت أن زمانا دام لم يدم |
وما برحت أكابد من الوجد ألما لا يبارح وأواري أوار النار بين الجوانح وأتذكر أياما مضت ما كان أبهاها وليالي قد انفضت ما كان أسناها وساعات تصرمت ما كان أحلاها وآنات لم يبق منها سوى أن أتمناها:
ولما تفرقنا كأني ومالكا | لطول اجتماع لم نبت ليلة معا |
ورب خل يؤنبني على الدمع الهتون ويفندني على ملازمة الوجد والشجون قائلا أين الأهلون والأقربون وأين القرون الذين توالت عليهم السنون وطحنتهم رحى المنون وإنا إليه راجعون.
إذا كان هذا حال من كان قبلنا | فإنا على آثارهم نتلاحق |
ومن صاحب الأيام في العمر مدة | فلذاتها لا بد منه طوالق |
فاسمع الخطاب وحقق الجواب وإن لكل أجل كتاب:
وفوض إلى الأقدار أمرك كله | إذا جرت الأقدار لا ينفع الحذر |
وما كل من يشكو يغاث إذا شكا | وهل تنفع الشكوى لمن مسه الضر |
يثاب الفتى رغما عليه بصبره | وليس ينال الأجر من فاته الصبر |
ولازم هوى الأيام واصبر لحكمها | فمن عاند الأيام عانده الدهر |
ومن قامر الأيام في ثمراتها | فأجدر بها أن تنثني ولها القمر |
ولا تبر من أمرا له الدهر ناقض | فهل ممكن إبرام ما نقض الدهر |
فأقول لذلك القائل المطيل من الوعظ حيث لا طائل أما علمت أن الأمر عظيم والخطب جسيم وفي القلب جراح وما على كل ميت يناح:
يؤنبني جهلا وما بين أضلعي | لهيب الغضا يزداد وقدا على وقد |
ويكثر من لومي عذولي وأدمعي | تخبره أن الملامة لا تجدي |
فيا ليتني لم أسمع مقالة من نعاه فإنه ما نعى إلا دروس المدارس وخمول المجالس وتعطيل القوانين وتعظيم شعائر الدين كيف لا وهو العالم النحرير والفاضل المبرز في التحرير والتقرير فحق للمدارس أن تنعاه وللمساجد أن تندبه وترعاه وللمفاخر أن تحزن عليه مدى الأبد وللفضائل أن تبكي عليه بدمع سرمد وأقسم لولا مخافة أن أكون خارجا من ربقة قوم إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون:
لنحت كما ناحت على صخرها التي | قد اتخذت من بعده العمر مأتما |
ورحت أضاهي في البكا بعد مالك | زمام المعالي والفخار متمما |
بيد أني رأيت كثرة النوح لن ترجع ما فات وشدة البكاء لن تدفع ما هو آت وان الموت قد خط على من في الأرض والسماوات خط القلادة في جيد الفتاة:
وغن جميع الخلق لا بد هالك | وليس سوى الله العظيم بدائم |
ولو كان في الدنيا يخلد واحد | لخلد خير الناس من ولد آدم |
فمن أجل ذلك تعزينا بعزاء الله وسلمنا له عز وعلاما جرى من محتوم قضائه سائلين من كرم جوده العميم وفضل إحسانه القديم أن يلهمنا وأهله على ما أصابنا الصبر الجميل ويمنحنا بما نابنا الأجر الجزيل وفي الله جل عن كل فائت لنا خلف:
ولي سلوة عن كل ماض بفتية | وجوههم في الناس كالأنجم الزهر |
لهم فلك العليا محل وبدرهم | محمد من أوفى سناء على البدر |
فتى جمع المعروف كهلا ويافعا | وساد الورى بالمكرمات وبالفخر |
وندب جرى والنجم في حلبة العلى | فحاز رهان السبق في مركز النسر |
همام تردى بالمكارم فاغتدى | منيع الذرى سامي المراتب والقدر |
ومن بعده المهدي فرع العلى ومن | به أضحت العلياء مشدودة الأزر |
فيا أيها الأمجاد صبرا على الردى | فلا شيء أولى بالكرام من الصبر |
بقيتم لنا ذخرا وللفضل موئلا | وللخائف اللاجي أمانا من الضر |
ودمتم مدى الأيام كهفا لأهلها | ولا أمكم من بعده طارق الدهر |
ولما نصب له أعلى الله تعالى مقامه مجلس الفاتحة ثلاثة أيام وعقد له في الحضرة المقدسة أيضا مجلس الترحيم العام رثيته بحسب الإمكان بهذه الأبيات في ذلك المقام وهي هذه:
هو البين لم يستبق في القوس منزعا | ولم يبق للعاني من الوجد مفزعا |
نوى ظعنا والوجد باق وقد غدا | له جلدي يوم الرحيل مشيعا |
ولي كبد قد شفها بعده النوى | وقلب براه الحزن حتى تقطعا |
وأحشاء ملهوف معنى أذابها | جوى البين فانهالت من العين ادمعا |
ولا عجب أن بت حلف كآبة | أخا حسرات شاحب الجسم موجعا |
فإني سلبت الصبر قسرا وقد غدا | لي الوجد لا ما يدعيه من ادعى |
فيا ظاعنا لا مسك السوء أنني | لفقدك لا أنفك مضنى مروعا |
ويا هاجرا حاشاه لا عن ملالة | ومودعنا نار الجوى يوم ودعا |
علمنا بأن المجد قوض والأسى | تزايد والمعروف أضحى مضيعا |
إذا هتف بي غر أوصافك التي | سمت أنجم الأفلاك نورا وموضعا |
تأوهت عن وجد وأصبحت من أسى | يزيل القوى أطوي على الجمر أضلعا |
لئن غالبتك الحادثات وأصبحت | ديار المعالي يوم أزمعت بلقعا |
فكم قد غلبن الحادثات وكم غدا | بجدواك روض الفضل والجود ممرعا |
وأن تمس رهنا في التراب مغيبا | غريبا وشمل العلم يمسي موزعا |
فكم كنت للأيام أنسا وبهجة | وللفضل والتقوى محلا ومجمعا |
فيا واحد الأيام وابن عميدها | وأكرم ندب من لؤي تفرعا |
سعيت إلى كسب المعالي ونيلها | فكنت بحمد الله أكرم من سعى |
لك الخير هل من أوبة تثلج الحشا | وتطفي لهيبا بين جنبي مودعا |
فكم جدت بالوصل الذي أنت أهله | ولم تتخذ إلا ألوفا لك مهيعا |
سقى عهدك الماضي ملث سحابة | أبى مدة الأيام أن يتقشعا |
ومن الغريب ما وجدناه في بعض المجاميع في النجف سنة 1352 من نسبة هذه القصيدة إلى المترجم في الشيخ محمد ابن الشيخ علي ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء وتعزية ذويه ومدح الشيخ مرتضى الأنصاري وهذا ما وجدناه منها:
هو البين لم يستبق في القوس منزعا | ولم يبق للمعاني من الوجد مقزعا |
غداة أبو المجد الأثيل محمد | ملاذ النهى والعلم بالرغم أزمعا |
نوى ظعنا والوجد باق مكانه | له جلدي يوم الرحيل مشيعا |
ولي كبد قد شفها بعده النوى | وقلب براه الحزن حتى تقطعا |
وإن لكم بعد افتقاد محمد | عزاء بمن قد شاء للدين أربعا |
هو المرتضى بدر الهدى حجة الورى | منار التقى من راح للفضل منبعا |
إمام له عقد الولاء وقد غدت | لعلياه أعناق البرية خضعا |
وحيا الحيا ومسا بلطف سحابه | أبى مدة الأيام أن يتقشعا |
وله في الحاج محمد علي باشا أمير اللواء لما زار أمير المؤمنين عليه السلام:
ألا قل لندب حوى المكرمات | وفوق عروش الفخار استوى |
محمد علي العلي المقام | عميد النظام أمير اللوا |
جثثت ركاب السرى في المسير | مجدا بحيث يشاء الهوى |
فوافيت مشهد قدس به | أمام الأنام علي ثوى |
فنلت لدى رمسه ما نويت | وللمرء من عمل ما نوى |
فداو الجوى بثراه فذاك | لداء الجرائم نعم الدوا |
ونعليك فاخلع بأعتابه | فإنك منها بوادي طوى |
حوى عظم الأجر تاريخه | فأرخ لأعظم أجر حوى |
وله فيه:
يا وزيرا حوى المعالي وأضحى | لعلي بعد النبي سميا |
أنت أسمى من كل ندب تسمى | في البرايا محمدا وعليا |
كم أناجي ربي ليبقيك غوثا | أبد الدهر راضيا مرضيا |
وأناجيه أن تدوم معاذا | كمناجاة عبده زكريا |
وقال رحمه الله يرثي المرحوم السيد محمد ابن السيد جواد صاحب مفتاح الكرامة ويعزي عنه عمينا المرحومين السيد محسن والسيد محمد الأمين وابن عم والدنا السيد كاظم وولدي المتوفي السيد حسن والسيد حسين والشيخ رضا بن زين العابدين العاملي رحمهم الله تعالى جميعا:
بوائق دهر أردفت ببوائق | لقد طرقتنا كل يوم بطارق |
تشن علينا غارة بعد غارة | كثير بها نهب القلوب الخوافق |
وما الدهر إلا مثل ظل سحابة | يمر ولا الدنيا سوى لمع بارق |
كأني لم أنظر إلى غير غارب | إذا نظرت عيني إلى ضوق شارق |
لقد خطفت أبصارنا ببروقها | وما الحتف إلا في بروق البوارق |
أذاق الورى صرف المنية صرفها | وهل أحد من صرفها غير ذائق |
وكم رصدت منا اختلاس حياتنا | وكم راقبت منا النفوس برامق |
وكم أكلت لحم السباع سباعها | وألقت عراق العظم منها لعارق |
وكم قطعت منا قلوبا تفصلت | بوصل المنايا وانقطاع العلائق |
وكم أججت في القلب نارا خطوبها | قد اشتعلت بالشيب منها مفارقي |
وكم صاحب في كل أرض مودعي | وكم من خليل كل يوم مفارقي |
وكم راحل نحته عني يد الردى | وأقصته عن جنبي وكان ملاصقي |
وكم مدت الأحداث باع صروفها | لكل طويل الباع عبل المرافق |
لقد فوقت سهما فأصمت محمدا | فخر كما خرت شمام الشواهق |
وما هي أن أصمته أصمته وحده | ولكنها أصمت جميع الخلائق |
فتى حاز أقصى المجد بالفضل يافعا | وحاز العلى والعلم غير مراهق |
أجل فقيد من لؤي بن غالب | وأشرف سبط للكرام العرائق |
وأعظم مخلوق على الله وافد | وأكرم من لبى لدعوة خالق |
لقد نهضت فيه إلى المجد همة | وما عاقها عن نيله من عوائق |
بنفس أبت إلا الآباء سجية | كما قد أبت إلا استباق السوابق |
فداست طلى المجد الأشم بأخمص | وحكت مناط النجم منها بعاتق |
أخو همم لم تبق فضلا سابق | علاها ولم تترك فخارا للاحق |
له عضب فكر ما انتضاه بمعضل | فأغمد إلا في خلال الدقائق |
فما نافع من بعد فقد محمد | بقاء ولا العيش الهني برائق |
لقد راح للحور الحسان معانقا | كما كان للعلياء خير معانق |
تفيض على مصفر وجنة دهره | دموع العلى محمرة كالشقائق |
فيا للمنايا أمطرتنا فزمجرت | فوادحها منهلة بالصواعق |
إذا هي ساءتنا مسكنا (بمحسن) | إلى كل من ساءته من مس الطوارق |
همام طما في صدره بحر علمه | فاض بفضل في البرية دافق |
يضيق الثنا ذرعا ببعض صفاته | وليس نداء عن ثناه بضائق |
مناقب تنحو كالكواكب جانب الـ | ـمغارب في أنوارها والمشارق |
لقد أنطقت في شكرها كل صامت | كما أخرست عن ذكرها كل ناطق |
وأنا رضينا (بالرضا) عن دوائر | سقتنا المنايا بالرزايا الذوائق |
فتى فاق بالعلم الأنام وبالتقى | فكان على من فاق أول فائق |
فللفضل والتقوى أجل مصاحب | وللعلم والفتوى أجل مرافق |
وإن لنا دون الورى (بمحمد الأ | مين) سلوا عن أجل مفارق |
همام قفا آثار آبائه الأولى | هم شرعوا للمجد بيض الطرائق |
هم القوم لولاهم لما عرف الهدى | ولا امتاز منا مؤمن من منافق |
ولي أن أغاظتني الحوادث أسوة | (بكاظم) غيظ في حلول البوائق |
جرى طلقا في حلبة العلم والعلى | فكان بطرق الفضل أسبق سابق |
إلى غيره تنمى المجازات في العلى | ولا ينتمي منها لغير الحقائق |
خلائق ضاعت كالحلوق بنشرها | وما النشر إلا طيب نشر الخلائق |
وبالحسنين ابنيه تسلى همومنا | وتجلى خطوب الرزء عن كل وامق |
هما ثمرا دوح من الفضل مثمر | وفرعان من فرع من المجد وارق |
سقى الله قبرا ضم أكرم ماجد | ورواه صوب العفو منه برائق |
وقال يمدح الشيخ حسن ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء بقصيدة قافيتها الخال عارض بها قصيدة الشيخ عبد الحسين آل محيي الدين وقصيدة الشيخ موسى ابن الشيخ شريف آل محيي الدين في مدح الشيخ حسن المذكور وذلك عندما وردت قصيدة بطرس كرامة الخالية في داود باشا والي بغداد وطلب من أدباء العصر ومعارضتها فأبى ذلك الشيخ صالح التميمي ونظم القصيدة الرائية المشهورة وتخلص فيها إلى مدح داود باشا وأجاب إلى ذلك عبد الباقي العمري فعارضها بخالية مذكورة في ديوانه وعارضها المترجم والمذكوران وجعلوا ذلك في مدح الشيخ حسن المذكور فقال المترجم والنسخة كثيرة الغلط:
أشاقك من أطلال مية بالخال | رباع تعفى رسمها راجف الخال |
ونبه منك الوجد إيماض بارق | سرى من ثنايا الأبرقين وذي خال |
أجل قد سرى وهنا فنبه لوعتي | فرحت أخا وجد وما كنت بالخال |
وذكرني في مر الصبا أعصر الصبا | وعهدا قديما فات بالزمن الخالي |
ليالي ريعان الشباب مسلط | يقود زمامي حيثما شاء كالخال |
وإذا أنا خدن للغرانق تارة | وأخرى لدى المريخ ذي اللهو والخال |
وللخود تقتاد النفوس بفاتك من | اللحظ أمضي من شبا الصارم الخال |
وناصعة ريا البرى ومعاضد | أسيلة خد كالوذيلة ذي خال |
وباخلة وهي الكريمة لم تجد | بوصل وجدت دونها أنمل الخال |
حملت لها قلب الجبان ولم أزل | شجاع الهوى ما كنت بالرعش الخال |
إذا رئمت أرضا رئمت رباعها | وردت مغانيها كذي الرتبة الخال |
وبت بمستن الظباء على شفا | رذي الأماني خائب السعي والخال |
ورحت أفدي من يعين على الهوى | بعمي من فرط الصبابة والخال |
غداة صغت للعاذلين وروعت | بما اتهم الواشي الخنا كبدي الخالي |
وصالت على حلمي بجيش عرمرم | من اللحظ منصور الكتائب والخال |
ولا عجب أن يقذف الشيب شادن | له عند أرباب الهوى رتبة الخال |
وقد علمت لا أبعد الله دارها | غرامي وإني لست بالسمج الخال |
وإني عزيز بين قومي وأسرتي | ولست بحاد للعروج ولا خال |
سقى حيها نوء من الدمع هامع | إذا ضن يوما بالحيا طالع الخال |
وروح معتل النسيم قوامها | وإن لاح في أعطافها شيم الخال |
فيا راكبا يفري نحورا من الفلا | على سابح عبل الشوامت أوخال |
وزيافة أن هجهج المعتلي بها | فما هي بألواني القطوف ولا الخال |
حناها السرى حتى الأهان وما يرى | بها من لجان يستبان ولا خال |
تلف الفيافي سبسبا بعد سبسب | إذا لمحت غيب الظما خافق الخال |
وساحرة الأقطار يخفق آلها | فيغتر من روادها سيء الخال |
رويدا إذا شاهدت لبنان عامل | وشمت من الجولان لامعة الخال |
وحيتك هاتيك الرباع وأهلها | بنفحة نور النرجس الغض والخال |
قضيت بها عهد التصابي ولم يكن | زمان تعاطيت الصبابة بالخال |
ورحت بها دهر الشبيبة مارحا | كما راح مفصوم الشكيمة والخال |
وما أنس لا أنسى عهودا بربعها | تقضت ولو أرخى إلى الزمان الخال |
تحالف جسمي والضنا بعد بعدها | كما اختلف عبس وذبيان بالخال |
وللحسن الحسنى فإن جاد غيره | فذلك جود لا يبل لدى الخال |
أمام له القدح المعلى وفضله | لأشهر من نار تشب على خال |
وبحر علوم أن تقس غيره به | تكمن كمقيس الطود ويحك بالخال |
فتى لم يزل يجري لأشرف غاية | تقاصر عن إدراكها نظر الخال |
من القوم شادوا للمعالي دعائما | فما شئت من برتقي ومن خال |
تلامع سيماء الهدى من جبينه | وفي وجهه الزاكي علا موضع الخال |
ولا يرتدي إلا الفضائل حلة | إذا فخر الأقوام بالعصب والخال |
عليه لنا ما للمحبين من هوى | وشوق وإن طال المدى في الحشى خال |
وله على طريقة أهل الأندلس المعروفة بالموشح:
أيها العاذل دعني والصبا | ليس يصغي لعذول مسمعي |
تخذ القلب التصابي مذهبا | فهو عن صبوته لم يرجع |
***
ما لمن خان عهودا للهوى | أن يرى مما جنى معتذرا |
كل من زل عن النهج هوى | وجرى في سقر مع من جرى |
عرف السر يقينا من روى | عن بني عذرة يوما خبرا |
ونجا من قد توقى العطبا | وقضى من عشقه في خدع |
ورعى حق الهوى من شربا | جرع الحتف بسفح الأجرع |
***
معهد أصبوا إلى أيامه | كلما هبت شمال وصبا |
ولغير البيض من آرامه | أبدا ما مال قلبي وصبا |
وهم بين ربى أعلامه | اكسبوا جسمي المعنى وصبا |
فسقاهم وسقى عهد الصبا | بالغضا كل ملث ممرع |
ورعى الرحمن هاتيك الظبا | بثنيات الربى من لعلع |
***
ما رعى حق غرام أبدا | من غدا عن مذهبي منحرفا |
وتردى في الهوى من وردا | موردا ما ذقت منه غرفا |
ومن اختار طريقا للهدى | فليكن في بردتي ملتحفا |
ومتى شاء لرشد مركبا | فليخض في لحج العشق معي |
وإذا ما خاف مرجا كالربى | قلت يا أيتها الأرض ابلعي |
***
أنا عبد للهوى بل وأنا | ربه الناهض في أعبائه |
وأنا السالك من غير إنا | سبل الأهواء في أرجائه |
من يكن من دهره ذاق-عنا | ونحا قصدي شفي من دائه |
أو يكن يوما لرمس ذهبا | قلت يا أيتها النفس ارجعي |
ولكم ساء امرؤ منقلبا | في الردى إذ لم يكن متبعي |
***
ذكرتني عهد ود سبقا | بالحمى ورق حمام غنت |
وكست قلبي المعنى قلقا | عندما حنت وأنت أنتي |
ورنت نحوي فطارت فرقا | لصدى أزعجها من رنتي |
وترقت تتخطى القربا | وتغني بشجي مفجع |
وإذا ما لحنها آنا خبا | قلت يا أيتها الورق اسجعي |
***
وبدور بين أكناف الحمى | وصلوني بعد ما قد هجروا |
وسقوني بنت كرم عندما | شربوا منها إلى أن هجروا |
خمرة كي تسترق العجما | بايعت مارق منها الفجر |
ولكيما تسترق العربا | بايعتها الروم تحت البيع |
شمأل لوعبها رث العبا | لرأى تبع بعض التبع |
***
وغزال عن ودادي عدلا | لا لذنب وعهودي ضيعا |
وبأحكام الوفا ما عدلا | وحقوقي يا لنفسي ما رعى |
تخذ الهجران منه بدلا | عن ودادي ساء ما قد صنعا |
صد عني ولقلبي عذبا | وورى جمر الغضا في أضلعي |
ولدعوى الحب مني كذبا | وشهودي مع نحولي أدمعي |
***
ومهاة كل حسن في الورى | ثابت في الكون منها ولها |
لو رآها عابد فوق الذرى | وهو شيخ هام فيها ولها |
لست بالمقبول عذرا أن أرى | تاركا ما عشت فيها ولها |
لحظها الماضي الشبا عقلي سبا | فهو في غمرة سكر لا يعي |
وغدا قلبي به أيدي سبا | فهو مع جسمي لم يجتمع |
***
ذات دل بظبا أجفانها | قد أعادت حسنها لا بالرقى |
علم الغصن تثني بانها | ميلانا بين بانات النقا |
ولأن الشمس من أقرانها | غيرة منها تلظت حرقا |
شمس خدر نورها ما غربا | من سما الفكر وإن لم تطلع |
طلعت يوما تميط الحجبا | فأرتني هول يوم المطلع |
***
وفتاة ما حوت شمس الضحى | ما حوته من جمال وسنا |
لم يذق طرفي لما لمحا | جيدها الناصع دهرا وسنا |
بالذي أولى المنى والمنحا | وكساك ثوب لطف حسنا |
حدثيني واتركي من أنبا | وصليني ودعي عذل الدعي |
وتخطي ليلة برج الخبا | كي أرالي سلوة في يوشع |
***
وله يهني الملا يوسف حاكم النجف بختان ولديه محمود وسلمان سنة 1264:
يا رب بالمصطفى الهادي النبي ومن | لولاه لولاه هذه الكون ما كانا |
وبالوصي أمير المؤمنين ومن | لولاه لولاه ما دان الذي دانا |
أدم سرور أبي محمود يوسف في | ختان نجليه محمود وسلمانا |
وقال مهنئا عمنا السيد عبد الله بولده السيد محمد علي ومؤرخا ولادته:
ولد النجيب سليل خير فتى | ساد الورى بالعلم والعمل |
فغدا الفخار زمان مولده | يزهو بوجه كالصباح جلي |
والمجد من طرب غدا جذلا | نشوان يسحب مطرف الثمل |
والعلم والعلياء قد لبسا | أسنى الحلي وأبهج الحلل |
فليهن عبد الله أكرم من | ينمى لدوحة سيد الرسل |
وأجل من ورث الفضائل عن | أزكى أب رحب الجناب علي |
مولى غدا في الكون مفخرة | يحكي سنا نار على جبل |
من معشر بسناء أوجههم | هدي الأنام لأوضح السبل |
وأئمة هم سادتي وهم | أزكى موال للأنام ولي |
لله من ولد شمائله | كنسيم روض يانع خضل |
ذي طلعة تحكي سنا قمر | باد بجنح الليل مكتمل |
بالله عوذه مؤرخه | ومحمد خير الورى وعلي |
سنة 1271
وكتب إلى عمنا السيد محمد الأمين رحمهما الله بما صورته:
إن قصارى ما وصل إليه نظر العاجز بعد مزيد التصويب والتصعيد قصوره عن الإحاطة بأوصاف معاليك الممتدة بسرادق مجدها في أوج الجلال إلى أمد بعيد بيد أن لك أدام الله فضلك مناقب بلغت في الاشتهار مبلغ الشمس في رابعة النهار فهي كالضروري لدى كل واحد والبديهي الذي لا يختلج جحوده في خلد منها أنك جمعت أشتات مفاخر لم تنلها يد الأوائل والأواخر ورفعت أركان مجد أسس بنيانه آباؤك الكرام:
ورحت لك القدح المعلى بغاية | تمطر فيها مستقيم وهازل |
فلا بدع إن جرت مطارف فخرها | على غيرها من أجلك اليوم عامل |
إن عد أعاظم الزمان كنت جديلها المحكك الذي لا تميله الفحول بغواربها وإن ذكر أكابر الأوان كنت عذيقها المرجب في مشارق الأرض ومغاربها:
وإن رفعت للمجد في الدهر راية | ونادى المنادي أيها الناس من لها |
سبقت إليها من عداك وحزتها | وكنت أحق الناس فيها وأهلها |
وكم لك من مفاخر روجت بعد الكساد سوقها ووفيتها بحمد الله حقوقها حيث الناهض بهاتيك الحقوق اعز لدى الناس من بيض الأنوق:
وكفاك منقبة إذا ذكرى الندي | كرم لحضرتك العلية ينسب |
ومواقف مشهودة لك في العلا | حيث المواضي نارها تتلهب |
ومعارف قصرت عليك لأنها | بك يا أجل ذوي المعرف أنسب |
وخلائق عم الخلائق نشرها | كالروض غب المزن بل هي أطيب |
وشمائل تحكي النسيم وإنما | هي من صبا نجد أرق وأعذب |
وعزائم يعنو لها ليث الشرى | في غابه والدهر منها يرهب |
وبلاغة عربية آياتها | تليت فأضحت عن كمالك تعرب |
ومراتب في المجد عز مرامها | بعدت مدى فالنجم منها أقرب |
وهناك جم مناقب لا تنتهي | وكواكب الأفلاك أنى تحسب |
يا واحد الدنيا وأكرم من له | جمل المدائح والثنا تتركب |
وابر من رحم الوفود كأنه | لهم وقد نزلوا بساحته أب |
وابن الأولى ملكوا العلى وتسنموا | مرقى له ظهر المجرة مركب |
شملت مواهبك العفاة فشرقوا | بحبل مدحك في البلاد وغربوا |
وسرت أياديك الجسام فأخصبت | رحب الفلا والدهر قفر مجدب |
وأنار طالعك الليالي فانجلت | كرباتها وانجاب عنها الغيهب |
* * *
وقال:
تجنب رياض الغور من أرض بابل | فثم قدود يانعات وأحداق |
وإياك إياك الغوير وقربه | وقلبك فاحفظ أن طرفك سراق |
وله يهني السيد علي ابن السيد رضا الطباطبائي بعافيته من مرض في يوم عيد:
العيد صحة مولانا العليم علي | وبرء جثمانه الزاكي من العلل |
وإن يوما سقي كأس الشفاء به | لذاك أسعد عيد للأنام ولي |
ومنذ ألبسه الرحمن عافية | تبقى عليه بقاء الدهر لم تزل |
أمسى الوجود من الأفراح مبتهجا | نشوان يسحب ذيل الشارب الثمل |
والدين أضحى قرير العين مبتسما | يفتر عن طالع مثل الصباح جلي |
أنعم به من فتى أمست فضائله | في الناس أشهر من نار على جبل |
وعالم عامل مازر مئزره | إلا على الحسنيين العلم والعمل |
وذي تقي بالنهى والفضل ملتحف | وبالفخار وبرد المجد مشتمل |
من معشر شرف الله الوجود بهم | أجل وهم علة الإيجاد في الأزل |
وقادة راح عمر الدهر دينهم | يسمو على سائر الأديان والملل |
أئمة ضربوا للمجد أخبية | أرست دعائمها الطولى على زحل |
بهم وثقت فلا أخشى الخطوب إذا | جاشت علي وقلت عندها حيلي |
يا وارثا في البرايا فضل مجدهم | وموضحا نهج ما سنوا من السبل |
لك الهناء بعيد قد لبست به | جلباب عافية من أفخر الحلل |
واسلم مدى الدهر في أمن وفي دعة | ممنعا من صروف الحادث الجلل |
ممتعا بشقيقيك اللذين هما | هما رضيعا لبان العلم والعمل |
محمد منبع الفضل النقي أخو الـ | ـمجد الأثيل أمان الخائف الوجل |
وواحد الدهر مولانا الحسين ومن | أضحى من العلم والفضل الغزير ملي |
داما ودمت من النعما على سرر | وفي سرور بلطف الله متصل |
وله يرثي رجلا من أمراء الفرس اسمه آصف الدولة:
دهتنا برزء قاصم الظهر قاصف | وخطب لأحلام الألباء خاطف |
فلم تبق قلبا من جوى غير واجب | ولم تبق طرفا من أسى غير راعف |
ولم تبق ندبا في الملا غير قائل | على هذه الدنيا العفا بعد آصف |
مليك له ألقى الزمان زمامه | وذلت لعلياه ملوك الطوائف |
قضى كل حق للمعالي ومذ قضى | بكته المعالي بالدموع الذوارف |
وأضحت بنات المكرمات نوادبا | عليه بألحان الحمام الهواتف |
فمن للندى إن أمسك الغيث قطره | وشح على أهل الزمان بواكف |
ومن للعدى إن أمت الفرس ردها | بمشحوذ غضب من دم الكفر ناطف |
ومن لثغور المسلمين يحوطها | بعزم لدهماء الملمات صارف |
سل الشرك عنه وأسأل الروم كما | بمستن غارات الوغى من مواقف |
وسل عنه أرض الفرس كما قد | تجلبت أقاليمها منه بأسنى المطارف |
وسل عنه طوساكم أفاض بها الندى | وكم بث في أرجائها من عوارف |
وسل من وراء النهر عنه فلن ترى | أخا سطوة من بأسه غير راجف |
وسل عنه بيت الله مذحج كم حبت | يداه من الجدى به كل طائف |
وكم عم بالفيض البرية فاغتدى | سواء لديه كل باد وعاكف |
أياد بها الإيمان قد عز جانبا | وأضحى التقى فيها ندي المعاطف |
ولما قضى حجا وقام بما أتى | به الشرع من مسنون تلك الوظائف |
وجدد عهدا بالنبي مسلما | على أحمد المختار تسليم عارف |
وزار ثرت ضم الرسول وسادة | هم لا سواهم بدء فيض المعارف |
أتى وافد القطر العراقي زائرا | موالي البرايا من حديث وسالف |
وألقى عصاه في حمى طالما غدا | ملاذا لملهوف وأمنا لخائف |
وراح إلى دار الكرامة هاجرا | ديار فناء زينب بالزخارف |
تنعم في أعلى قصور زواهر | بواذخ لا نتاشها وصف واصف |
لذلك قد نادت المنادي مؤرخا | قصورا عدت في الجنان لآصف |
سنة 1297
وله يرثي حمد البك أمير جبل عامل المشهور قال ما صورته: ولمحرره الفقير لمن أمات وأحيا إبراهيم بن صادق بن إبراهيم بن يحيى وذلك أنه في سنة 1269 من هجرة سيد المرسلين قد انتقل إلى جوار العزيز الغفار أكرم من احتاطت به قبة الفلك الدوار من أرباب المجد والفخار ومن تغنى الحادي بماله من الأيادي في جميع الأقطار حمد البك بن محمد المحمود من آل نصار وقد كنت يومئذ نازحا عن الديار في جوار الأئمة الأطهار فنظمت في رثائه هذه القصيدة المشتملة كما تراها بسواد الحداد وأرسلت بها في طي كتاب الاكتتاب من باب التعزية عن المصاب إلى هذه البلاد لدى سعادة منار المناقب والشيم وزخار المواهب والكرم والمعطي كل ذي حق حقه من السيف والرمح والقلم أبو السعود علي بك الأسعد المحترم دام بالعز والنعم بحرمة البيت الحرام وها أنا أملي الآن صورة ما يحضرني مما كنت كتبته في ذلك الزمان:
ظعنوا فهل لك بالأسى عنهم يد | أم هل يطيعك بالعزاء تجلد |
هيهات أي تجلد لمروع | وعد النوى حتى دهاء الموعد |
الموت أقرب من غداة رحيلهم | والعيش من بعد الأحبة أبعد |
ولقد وقفت على الغضا من بعدهم | بحشاشة فيها الغضا يتوقد |
أبكي فلا غللي تجفف أدمعي | ومن المدامع غلتي لا تبرد |
وأنهنه الدمع الغروب براحتي | عن عودي كي لا يراني العود |
وأناشد الطلل المحيل ولا أرى | طللا يجيب وقد عفا من ينشد |
سقط هنا عدة أبيات من الأصل المنقول عنه:
وغياث ملهوف وغيث مؤمل | ومنار فضل فضله لا يجحد |
عمت مواهبك البلاد فاتهموا | بجميل ذكرك في البلاد وانجدوا |
حملوك ميتا والدموع طليقة | وفؤاد كل شج عليك مقيد |
والحور تبسم في لقائك بهجة | والدهر مغبر المحيا أنكد |
ولقد أضاء الرمس فيك مسرة | وغدا الفضاء عليك وهو مسود |
وزهت بقربك روضة قدسية | لك في ثراها عند يوشع مرقد |
فمساء بطن الأرض عندك أبيض | وصباح وجه الأرض بعدك أسود |
ما كنت أحسب قبل قبرك خطة | يطوى بها البحر المحيط ويلحد |
والبدر يمسي في ثراها غاربا | والصارم البتار فيها يغمد |
من يلف للمعروف بعدك حافظ | والصارخ الملهوف منج منجد |
من للممالك ساعد ومساعد | ولانت طالعها السعيد الأسعد |
من في ثغور المسلمين مرابط | رصدا وأنت بها الرصيد المرصد |
من للرعية سائس من للشريـ | ـعة حارس من للسبيل ممهد |
فعليك أصبح لا يبارحني الجوى | والوجد بين جوانحي يتردد |
ما زلت آمل أن أراك فصار ما | بيني وبين مدى لقاك الموعد |
كم لي إليك مقاصد أملتها | لولا علي قلت خاب المقصد |
هو ذلك الملك الكريم ومن غدا | للمدلجين يلوح منه الغرقد |
متجردا للحادثات بعزمة | كالسيف إلا أنها لا تغمد |
ومسددا في كل معضل مشكل | حزما يصيب الأمر وهو مسدد |
تتكلم في كل معضل مشكل | حزما يصيب الأمر وهو مسدد |
بصفاته تاج الفخار مرصع | وبجيده جيد الوجود مقلد |
ما أن شهدت مقاله وفعاله | إلا وراقك منه ذاك المشهد |
ورأيت من عليائه ما لا يرى | ووجدت من جدواه ما لا يوجد |
حتى يقول العالمون مناقب | شيء يجمعها همام أوحد |
يا أيها الملك المطاع ومن له | زمر الخلائق بالمكارم تشهد |
وعليه تلهج بالثناء فواحد | ينشي مدائحه وآخر ينشد |
صبرا وتسليما وإن عظم الردى | وقعا فمثلك في العزا يتجلد |
ولئن رآك الشامتون بفقده | تشجي وقد أبدى السرور الحسد |
فليخسأوا أنى تنام عيونهم | فرحا وأنت بها المقيم المقعد |
ولك المساعد والنصير محمد | ومحمد نعم النصير المسعد |
أحيا الندى من بعدما فقد الندى | طلابه فكأنهم لم يفقدوا |
وحبا الأنام نواله فغدت له | بالمدح والحمد الجليل تغرد |
هذه نفثة مصدور تصاعدت زفراته وتتابعت عبراته وتولت مسراته فتوالت حسراته:
وأمسى بسهد لا تنام جفونه | وأمسى بهم لا يعيد ولا يبدي |
ليس ولوعه إلا بالهيام ولا تطوى ضلوعه إلا على حر الأوام من وقوع تلك المصيبة العظيمة الرزية النازلة بفناء الكرماء من آل نصار والزلزلة لأبنية المجد وأعمدة الفخار والقارعة التي تستصغر في جنبها الخطوب الكبار وتستحقر عندها النوائب والأخطار:
بكر من الأقدار رج منارها | فطوي بها علم العلى المنشور |
ما بعد هذا الخطب من خطب له | فلك العلى والمكرمات يمور |
كلا وإن عظائم ذلك الخطب كمكارم من فقدناه ورزاياه على حد مزاياه وكل منهما لا يحد بحد ولا ينتهي حصر عدده إلى أمد:
قد كان حسب بني الدنيا ندى وهدى | فصار وجدهم هما وأحزانا |
بيد أن الذي أذهب من الوجد ما نجد وأثلج أوارا بين أضالع المجد يتقد وجود سادات وجوه القبائل ودوام سعادة الكرماء من آل وائل فإنهم ولله الحمد من قبل ومن بعد:
نجوم سماء كلما انقض كوكب | تجد كوكبا تأوي إليه كواكبه |
لا ترى منهم إلا مترديا من المفاخر بأسنى رداء ولا تعاين منهم إلا من يقال في حقه هذا أحيا المآثر وكلهم في ذلك شرع سواء:
من تلق منهم لاقيت سيدهم | مثل النجوم التي يسري الساري |
وجميعهم بفضل الله تعالى خير خلف عن كل من مضى وسلف:
وفي علي لنا عمن مضى خلف | تلقاه من بين أهليها مبجلها |
وما تناضل أهل المجد في شرف | إلا وكان علي القدر أفضلها |
فيا أيها المتوج بتاج الفخار والرشاد المتردي برداء الوقار والحلم والسداد:
صبرا على مضض الزمان فإنما | شيم الزمان قطيعة الأمجاد |
على أنه ليس والحمد لله بمفقود من كنت أنت قائما مقامه وناشرا على رؤوس الأنام أعلامه:
وما مات من في الدهر أنت وليه | وهيهات يطوي من نشرت له ذكرا |
وإن كان ذاك البحر قد غيض في الثرى | فكفاك قد أبدت لنا أبحرا عشرا |
وإن تكن العلياء غاب منارها | فإنك فيها مطلع أنجما زهرا |
وبعد فلنا ولك أسوة في هذه الحال بل في كل الأحوال بما جرى على الآل من النوب العضال والموت غاية كل الأنام من الخاص والعام:
لا شجاع يبقى فيعتنق البيـ | ـض ولا آمل مأمول |
وقصارى الحياة مهما استطالت | أن نراها كمثل ظل يزول |
وها أنا أسأل الذي أنشأ حمدا حميدا وأماته سعيدا أن يقربه من رحمته ويبوئه في جنته مقاما عليا والسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا وعليكم وعلى من لديكم ورحمة الله وبركاته.
ثم لما كان نظيمي وإرسالي لهذه القصيدة إنما وقع ذلك اليوم بعد وفاة البك المرحوم بمدة مديدة كتبت أيضا في هاشم قرطاسها هذه الفقرات الآتي ذكرها من باب الاعتذار موضحا للسبب الذي أعاقني عن أداء ما يلزمني من واجب الرثاء على وجه الفور والبدار وهي:
ثم ليكن بشريف علم سعادة أبي السعود المحترم دام بالعز والنعم بحرمة البيت والحرم أني ما نسأت بالاختيار ما يلزمني على وجه البدار أداؤه من الرثاء حتى أكون قد أسأت مع من أساء بل قارن ورود ذلك الخبر الشنيع والنبأ المفجع الفظيع حدوث أعراض قد وزعتني سهامها حصصا وعروض أمراض قد جرعتني آلامها غصصا ولم تزل تلك الممضات حشو حشاي حتى ضاعفت أجارك الله ضعف قواي وسلبت مني الحواس الخمس وأوقفتني على شفا الرمس وصيرتني ذا بنية نحيفة مرضوضة بحيث إذا نهضت يكاد يصرعني لا صرعتم تنفس بعوضه.
ورحت لا أحمل اليراع ولا | أملك إصلاحه إذا كسرا |
وربما تقشع الآن عني عارض الألم وترعرع طفل البنان حتى قدر على ركوب أدهم القلم بادرت لنظم هذه الأبيات التي هي من بيوت العناكب أضعف وأنا لما بي من وجد شحن أهابي أوهى قوى من العنكبوت وأنحف وبودي يوم أرسلتها لفسيح تلك الرحاب أن أكون مندرجا معها في طي كتاب الاكتئاب لأشاهد من أنوار مطالع سعادتكم ما أشاهد وأجدد عهد الصبا بتلك المعاهد وغب إن حشدت لاستماع تلاوة تلك الأبيات جماعة العلماء الأمجاد وكرر إنشادها على رؤوس تلك الأشهاد بأشجى لحن يكاد يتصدع له قلب الجماد سيرتها لساحة سعادتك تجر من فرط الشجون أبراد ثكلى وتستمطر شآبيب الشؤون عن العيون أنى تتلى فإن حصلت منك على الرضا فقد فازت لديك بأجل محصول وإن سمحت مكارمك بقبول عذري فذاك عندي نهاية المأمول والعذر عند كرام الناس مقبول والداعي حال التاريخ مستمر على أداء فرض الدعاء لكم ونائب بالحضور عند قبور الأئمة الأمناء عن المرحوم المبرور وعنكم كل ذلك حسبة ووفاء وإخلاصا وصفاء والسلام عليك ورحمة الله وبركاته "انتهى".
وأوردنا هذا الكتاب بتمامه ليعلم ما كان عليه النثر في ذلك العصر تبعا للأعصار التي قبله من التزام الأسجاع المتكلفة التي تذهب ببهائه وأمور أخر لا تخفى على الناظر.
وله في الأكفاء:
يا ملبسي ثوب الهوان بهجره | لولا جمالك ما تجلببت الهوى |
أشكو إليك جوانحا تطوى على | نار الصبابة آه من نار الجوى |
وله في مثله:
زعمت بثينة والعجائب جمة | إني وصلت بغيرها حبل الهوى |
سنحت جآذر رامة فرمقتها | فتوهمت أني جنحت إلى السوى |
وله في أمير المؤمنين عليه السلام:
يا حجة الله على خلقه | وصاحب القدر الرفيع العلي |
أنت عليم بالذي أرتجي | منك فكن لي ناصرا يا علي |
وقال يرثي أخت الشيخ أحمد البلاغي:
برغم التقى إن قوضت أخت أحمد | وفات برغم المجد سفر التجلد |
وباكرها صرف القضاء وكم غدا | يجور على أهل المعالي ويعتدى |
بلاغية طابت نجارا ومحتدا | فراحت تسامي بين فخر وسؤدد |
لقد عمرت في الدهر تسعين حجة | سوى الخير في آنائها لم تزود |
نعاها نهار القيظ صامت هجيره | وقد ملأت أطرافه بالتهجد |
وليل الدجى في داجن طالما أتت | تقوم مقام الراهب المتعبد |
وأورد له في التحفة الناصرية أيضا:
على الصب قد ضاقت لعمري مذاهبه | وبان عزاه حين بانت حبائبه |
وما هجعت منه العيون ولم يكن | يسامره في الليل إلا كواكبه |
فوا عجبا نيران شوقي تسعرت | ولم يطفها من دمع عيني سحائبه |
فهل يا ترى أحظى ولو بعض ساعة | به وعلى طول التجافي أعاتبه |
ولا صبر لي فيه على كل حادث | يشيب له من كل طفل ذوائبه |
هنيئا لمن لم يدر ما لوعة النوى | ولا سهمها بين البرية صائبه |
وطوبي لصب لم يصب دموعه | لبعد حبيب قد تناءت ركائبه |
وقد عجت في ربع له عنه سائلا | وصوتي به غير الصدى لا يجاوبه |
وقفت على ربع لمية ناقتي | فما زلت أبكي عنده وأخاطبه |
وأسقيه حتى كاد مما أبثه | تكلمني أحجاره وملاعبه |
وله أورده في التحفة الناصرية أيضا:
أحبة قلبي لم أجد قط مخبرا | يطارحني أخباركم وأطارحه |
بعيد النوى إلا النسيم وأنه | بكم يستفز القلب لا شك نافحه |
فهل يا ترى من عودة ينطفي بها | لهيب اشتياق أحرق الجسم لافحه |
ويهجع طرف لم يجد لذة الكرى | ويجمد دمع خد في الخد سافحه |
وما الدهر إلا غادر بي وقادر | علي وما عندي جنود تكافحه |
هنيئا لصب لم تذق حرقة النوى | ولا ألم الهجران يوما جوانحه |
وله يتشوق إلى جبع أورده أيضا في التحفة الناصرية:
يا حبذا زمن بالوصل مر فما | قد كان أحلاه بل يا حبذا جبع |
فكم كريمة أصل في الكروم لنا | بالوصل جادت ولكن صدني ورع |
وكم رعى الطرف بين الطرق بدر دجى | شوقا إلى منيتي والناس قد هجعوا |
وكم غدا لي نديما والمدامة من | فيه وفيه عذولي ليس يرتدع |
وكم لثمت ثناياه وليس على التـ | ـقبيل والضم غير الله يطلع |
فهل يجود زماني بالتواصل أو | تضمنا بعض يوم تلكم البقع |
مع البدور اللواتي في براقعها | عنا تخفت وفي أفق الحشا طلعوا |
وأورد له في التحفة الناصرية أيضا:
أنا بين رفقا في الهوى بمتيم | أحاطت به الأشواق من كل جانب |
فقد كدت أقضي من فراق أحبتي | ولم أقض يوما من لقاهم مآربي |
وما لي سبيل في النوى غير أنني | أعلل نفسي بالأماني الكواذب |
فحتام يا قلبي تذوب صبابة | وشوقا إلى وصل الحسان الكواعب |
ولم يك سهم الحرب للصب قاتلا | ولكن سهام فوقت بالحواجب |
فوا عجبا من مرسل الصدغ لم يزل | يصدق في قول من السحر كاذب |
ومن قد كوى قلبي بنار صدوده | ووكل أجفاني برعي الكواكب |
وأجرى عيونا من عيوني لبعده | وأورى زناد الشوق بين الجوانب |
وكم حرسوه بالأسنة والظبي | فغادرتهم والليل في مسح راهب |
فهل من سبيل نحو سلمى لمغرم | سليم الحشا دامي الدموع السواكب |
وكان المترجم ليلة عند علي بك السعد فلم ينم علي بك تلك الليلة لكثرة البراغيث، فقال المترجم:
أتخشى لسع برغوث حقير | وفي أثوابك الغراء ليث |
فلا يدنو لك البرغوث إلا | لأنك للورى بر وغوث |
فأجازه عليها جائزة سنية. وبات المترجم ليلة بذي الكفل في العراق، فكان إذا غطى رأسه أكلته البراغيث وإذا كشف وجهه لسعه البعوض (البق) فقال:
وليلة باتت براغيثها | ترقص إذ غنى لها البق |
قد كدت من حزني وأفراحها | أنشق لولا الفجر ينشق |
وقد خمس قصائد كثيرة منها قصيدة عبد الباقي العمري في أمير المؤمنين عليه السلام وقصيدة محمد أمين العمري فيه أيضا وقصيدة الشيخ عبد الحسين آل محيي الدين في مدح آل الشيخ جعفر وغيرها.
رسائله النثرية
أرسل هذه الرسالة إلى الشيخ عبيد الله بن صبغة الله أفندي الأشعري بعد عوده من العراق إلى جبل عامل. وهذه الرسالة من ضمن مجموعة بخط المؤلف تحتوي على قصائده الشعرية ورسائله النثرية وقف عليها الشيخ سليمان ظاهر كما ذكر في (ديوان الشعر العاملي المنسي):
قلبي يحن إلى العراق ولم أكن | لا من رصافته ولا من كرخه |
لكن في بغداد لي من قربه | أشهى إلي من الشباب وشرخه |
بأبي الذي شوقي له شوق السقيـ | ـم إلى الشفاء أو الظليم لفرخه |
أو شوق أعرابية حنت إلى | طلل بنجد فارقته ومرخه |
قلبي أسير عنده دنف فقل | إن لم يحل أسيره فليرخه |
أهدي من التسليمات رياضا تفتقت من أكمام الولاء أزهارها وتدفقت من ينابيع الوفاء أنهارها وسجعت بمحض الوداد أطيارها ورقت من رقة نسيم الإخلاص أصائلها وأسحارها ومن التحيات قلائد نفائس بهر النيرين لألاء دررها وخرائد عرائس أنافت على الليل إذا عسعس بسواد طررها وعلى الصبح إذا تنفس ببياض عررها وعلى الشمس وضحاها بواضح محياها ومن الأثنية ما لو مسه محرم لأوجبنا عليه الفداء لأنه باشر طيبا أو استنشقه مقعد لراح وقد أوفى من ماء الحياة نصيبا، ومن الأدعية ما هبت عليه قبول القبول وتكلل بحصول السؤل على الوجه المأمول، إلى من ربته العلوم في حجرها وغذته من أفاويق درها حتى ترعرع وبرع فبنى بإعرابه عن مضمرات الأحكام للدين قصرا مشيدا وأطلق أعنة الأفكار في اقتناص الفوائد فقيد منها الأوابد، ولله ذلك الإطلاق كيف صار تقييدا وتعاطي ذروة سنام المعالي فتمطاها ورمى الشوارد عن قسي الإصابة فما أخطاها وقفت مناهجه فضلاء عصره ومشت أدراجه نبلاء مصره، فهو مجازهم إلى كل حقيقة وقطبهم الذي تدور عليه رحى كل دقيقة والبليغ الكاسي وحشي الكلام طلاوة المألوف من حلاوة خطابه.
كالنحل يجني المر من زهر الربى | فيصير شهدا في طريق رضابه |
والعضب الذي لا يفل والبعض الذي حوى الكل بلا-كل:
جامع أشتات علوم الورى | فاستشهدن أقلامه تشهد |
وما على الله بمستنكر | أن يجمع العالم في مفرد |
كما حوى كل حروف الهجا | بيت قصير فاستمع واعدد |
جامع فضل غوث مستصرخ | هش ذكي قطب عزندي |
رابطة نظام العقيدة الأشعرية واسطة القلادة الجوهرية الحيدرية، التي صيغت بيد الأقدار على أحسن صيغة وصبغت من صبغة الله بأحسن صبغة وروى حديث قديم شرفها الإعلام بأقلام الألسنة وألسنة الأقلام وطار صيتها مدى دهر لأشهر وازدهت بها الزوراء على ما وراء النهر لما تضمنته من كل حبر يحبر الفضائل مشتمل وبحر تضرب إلى عذب شرائعه أكباد الإبل، فهم الذين جبلوا على حسن الشيم وطبعوا على طيب الخيم حتى فاح عبير أخلاقهم في كل ناد وغنى الحادي بما لهم من الأيادي في كل واد:
قد كان-من كرم الطباع-وليدهم | يهب التمائم ليلة الميلاد |
وإذا امتطى مهدا فليس ينيمه | إلا نشيد مدايح الأجداد |
ما رفقت راية من المعالي ونودي من لها إلا كانوا أحق بها وأهلها فلينشر من أراد من أبكار أفكاري إعلانا ولا يبالي من شكا قلبه من داء الحسد نيرانا:
كل حر في فضله عبد رق | لموال تديروا ما ورانا |
وأقروا لهم سوى من هواه | ترك القلب منه أغمى ورانا |
كم شفوا بالعلوم منا صدورا | كان فيها من جهلها ما ورانا |
سئلوا هل وراءكم من مرام | لمريد فقيل لا ما ورانا |
أعني به شمس الدين المشرقة في الآفاق شيخ مشايخ العراق على الإطلاق العلامة الذي أصبح العلم متقلدا منه بالصارم الهندي حضرة سيدنا المكرم (عبيد الله) ابن المرحوم المبرور صبغة الله أفندي أسأل الله الذي جلت أسماؤه وأفعاله وتنزهت عن سمة الحروف والألفاظ كلماته وأقواله أن لا يزال ذلك العلم المفرد مناديا لدفع المعضلات ومستغاثا به في حل المشكلات مصغرا بالنسبة إليه والإضافة إلى ما لديه من غزارة الفهم البحر الخضم حائزا باختصاصه بين الجميع بالتقوى والتبريز مكسورا ضده مرفوعا في خفض من العيش مجده منصوبا على ذلك التمييز مرفها حاله منصرفا باله على ما فيه من العدل والمعرفة عن اشتغاله بالتنازع على الدنيا المتزخرفة.
وبعد فإني مذ طوحت بي طوائح الاغتراب وأنأتني عن شرف تلك الأعتاب لم يزل الزمان يرمقني شزرا ويلحظني خزرا ويوسعني هجرا وهجرا ويمطيني غارب كل هجين وينيخ بي على كل واد وجين لا أسري منه إلا في كل داج داجن ولا أرد إلا على آجن يسومني خطة الأذى ويقلاني قلا المقلة للقذى، لكنه مع ذلك يزاول مني فتى قوي الشكيمة أبيا ويرعى منى مرعى وبيا ويستمري مني دمعا عصيا ويخوض مني غمرة الدأماء ويزاحم مني صخرة صماء فلا يتعثر مني إلا بحد صارم قضيب ولا يعجم مني غير عود على ناب الزمان صليب لم يحملني-ولله الحمد-تصريفه لأحوالي وإعلاله لآمالي على ابتذالي بالتملق إلى والي حياء من قولي الذي شرق به الركبان وغربوا وأطرب أولي الألباب لما صعدوا النظر فيه وصوبوا:
لا تمدن يدا يوما لأخذ يد | ولو أضرت بك اللأواء والنوب |
فالصبر صبر على من الرجال وإن | أربى على المن والسلوى الذي وهبوا |
على أن التعفف كان دابي وأجمل ثيابي قبل أن أطوي برد شبابي فكيف وليل الشباب تقضي وصبح المشيب قد أضا:
إذا الفتى ذم عيشا في شبيبته | فما يقول إذا عصر الشباب مضى |
بل كنت مما شاهدت من تقلب الزمان بين قالبي البرد والحر وتبدله من الخير إلى الشر ومن الشر إلى الخير مغتبطا بالعناء اغتباط المثري بالغنى واجتني من غصون المنايا ثمار المنى اقتفاء بأسلاف كان ذلك سيماهم وقليل ما هم وإني في ذلك-جنب الله سيدي المهالك وسلك به إلى رضوانه أحسن المسالك-لم آل في اقتناء علم الأدب وتتبع خفايا كلام العرب فقطعت من تلك الفنون الشجراء والمرداء وطويت منها الآهل والبيداء ولم أترك منها موردا إلا عرست عليه ولا طللا إلا وحثثت ركابي إليه حتى صار الأدب حشو إهابي وملء جرابي فطفقت أصوغ من الغزل والتشبيب ما تغنى به الغواني في صهواتها ومن الوعظ ما يرفض منه مآقي العباد في خلواتها ومن رقيق المديح ما تندي له صفاة الشحيح ومن الهزل والمجون ما يطرب له العاقل والمجنون كما قلت ملتزما فيه ما لا يلزم من القوافي:
وكم من قليب خضخضته دلاؤنا | فعاد نميرا بعد ما كان آجنا |
ولما رأيت الجد لم يجد طائلا | برزت-ولم أحفل بما قيل-ماجنا |
تواني أبيع اللؤلؤ الرطب ساعة | وسود قدور ساعة ومعاجنا |
لحى الله دهرا لم يزل في منشيا | ليليه من كل الجهات محاجنا |
ومن شدة شغفي في الإبكار والأصائل بارتشاف رضاب الطل من ثغور أقاصي تلك الخمائل ووفرة كلفي بالمقيل في سجسج ظلها كنت أتنكب عن صحبة من لا يدأب في اجتناء ثمرات الأدب ولم يتعلق من أهدابه بهدب ولو أناف في التصوف على الجنيد وفي التقشف على عمرو بن عبيد ظنا مني أنه من أمنع المعاقل وأوثق الوسائل إلى النائل اغترارا بقول القائل:
لا تيأس إذا ما كنت ذا أدب | على خمولك أن ترقى إلى الفلك |
بينا ترى الذهب الابريز مطرحا | في الترب إذ صار إكليلا على الملك |
بيد أني كلما ازددت في ذلك ارتفاعا زاد حظي نقصا واتضاعا كما قلت فيما بثثت فيه شجوني قبل أن يطلع فجر المشيب من ليالي قروني:
حتى متى أرقى المعالي ولا | أبرح من دهري على هون |
أعلو ورأسي في انتكاس إلى | سفل كأني بيد مخبون (كذا) |
وأصبحت الليالي تشن علي الغارة بعد الغرة وتلعب بي كما يلعب السنور بالفأرة فأيقنت أن بذلك عقوبة ما كسبت يداي وأنه من شؤم أدبي الذي كان غاية فصار في زيادة ربما أورثتني في العيون زهادة، ولينها كانت كالزيادة في الآن إن لم تزده تعريفا فهو من تنكيرها في أمان أو كواو عمرو إن لم تفده في المعنى حظا لم تزده الثقل لفظا، بل كانت لي كياء التصغير الكاسية ذويها ثوب التحقير أو هاء صيارفة التي صارت لها صارفة، وفعليه لولا زيادة هائها لما رزئت في النسب بحذف يائها. والعرب تجاهر في الدعاء على كل ماهر فتقول للمقدام المطعان: ويل أمه ما أشجعه، وللشاعر المجيد: قاتله الله ما أبدعه، ولأمر ما ترعى الصعوة لطائف الأزهار وترد حيثما أرادت من الأنهار، والهزار في ضيق قفصه يشكو مضض غصصه. ورحم الله العلامة التفتازاني حيث يقول وازنا بميزاني:
طويت بإحراز الفنون ونيلها | رداء شبابي والجنون فنون |
وحين تعاطيت الفنون وحظها | تبين لي أن الفنون جنون |
ومع ذلك لم ألتفت يمنة ولا يسرة إلا وأرى ما يزيدني حسرة من تقلب أغنياء أغبياء كالنعم في بلهنية النعم وتصرف البغاث المستنسرة في الرياض النضرة واختيال أهل الغيرى في نفايس الغراء، على أنه يتيهون بالمال على أهل الكمال وقد تاهوا في تيههم ذاك تيها. ولم يشعروا أن النتيجة تتبع أحسن مقدمتيها والدهر مع الأنام كالميزان لا يرفع إلا صاحب النقصان، فلما لم تزد علي أنياب النوائب إلا حدة ومخالب المصائب إلا شدة ألجأتني الأيام الغبر إلى مسالمة الدهر فاستسلمت له استسلام العاجز بعدما كانت قناتي لا تلين لغامز، وقلت للأدب ارحل عني ركاب البين واجعل بيني وبينك بعد المشرقين، تبا لك من صارم أكل بحده جثمان غمده وثمر عرض أشجاره للرمي بالحجارة وأصالة رأي ساقتني إلى الخطل وحلية فضل شانتني لدى العطل:
وهبك كالشمس في حسن ألم ترنا | نفر منها إذا مالت إلى الضرر |
لا جرم أني انتظمت استمالة للدهر في سلك أغمار الناس وطويت كشحي عن مداناة الأكياس وفررت عن تلك المناهل والموارد فرار الظل عن الشمس، وأقوت تلك المنازل والمعاهد حتى كأن لم تغن بالأمس وجلبت دواوين الأدب إلى سوق الكرب واتخذت من التغابي جلبانا وفتحت على من الفهاهة أبوابا وأرأيت أني أرى الصواب خطأ والخطأ صوابا اقتداء بأديب معرة النعمان أبي العلاء أحمد بن سليمان حيث يقول وقد رشقته سهام الزمان:
ولما رأيت في الناس فاشيا | تجاهلت حتى ظن أني جاهل |
فوا عجبا كم يدعي الفضل ناقص | ووا أسفا كم يظهر النقص فاضل |
فكنت إذا سمعت معربا في مجالس الأدباء يقول زيد مجرور بالباء أتباكى وأقول: ويح ذاك الفتى أين جر ومتى وما الذي جر لأجله وما الباء وهل يجر المرء إلا بنحو يده أو رجله أو رأبته يقول عمرو مرفوع أتباشر وأقول: لعل ذاك الشيطان مرفوع إلى السلطان فلقد كان كأبيه فلان مفسدا في الأوطان متسورا للحيطان، وربما أخذني ذلك المعرب بحلمه وأدناني ليفيدني من علمه فعلمني معنى الرفع وبين لي ما يقصد به في الملك الوضع، فأقول: فما لنا لا نقرأ في بيوت أذن الله أن ترفع برفع بيوت وهل بعد أن أذن الله لرفعها من رفع وهل لنا بين الرفعين فارق يرفع الإشكال من البين فيقول بينهما فرق قوي، ذاك اصطلاحي وهذا لغوي فأقول لقد أطلت الهراش حتى كثرت الظباء على خراش هلا كسرت من فرق الفاء وفتحت من لغوي اللام لتسلم من حمة الملام، ألم تقرأ في الكتاب المبين: كل فرق كالطود العظيم وإنك لغوي مبين؟ فتضحك مني الطلبة ويقولون: لله أنت ما أظرف جهلك وأعذبه! تالله أنك بطرق الجهالة أعلم من الشافعي بمسائل الرسالة، وفي السلوك إلى الخطا أهدى من القطا، وإنك لأحلى فكاهة لمجالس السفاهة، ودمت على هذا المنهج آتي أهل العصر من كل فج وأتقلب بينهم في مقاليب وأتنكر عليهم في أساليب حتى سكنت عني تلك الهزاهز والزعازع وصافاني المقاذع لي قبل المنازع وهشت إلى الليالي بعد اكفهرارها وتوطأت لي الأيام بعد اشمخرارها، وانتبه طرف حظي بعد طول النعاس ودرت علي أخلاف النعم من غير إيباس فصرت من التغابي والتعامي لا تخطئ سهامي المرامي ولا تنثني براثن آمالي عن فرائس الأماني إلا دوامي فلا علي أن أنشد من حوك جناني ووشي بناني:
ألجأتني الأيام للجهل حتى | غشينني وأهل بيتي التهاني |
فأنا اليوم في الأنام أبو جهـ | ـل وعرسي من الهنا أم هاني |
وبالجملة فللجهل عندي يد لا أفتر عن ذكرها ولا أقوم وما حييت بشكرها إذا لو لم أتظاهر بذلك العيب لم تظفر آمالي بإدراك السيب كالقوس لولا اعوجاج فيها لما اهتدت نبلها إلى مراميها، وأنا اليوم في روض أريض وأتبختر في برد العافية طويل عريض بين سادة سمحاء يكرمون ولا يمكرون ويطعمون ولا يطمعون وفصحاء يبتكرون ولا يرتكبون ويبهرون ولا يرهبون لا تمل مناجاتهم ولا تخشى مداجاتهم إلى أخلاق في رقة النسيم أو محاورة في عذوبة التسنيم لا تكبو في حلبة الفخار جيادهم ولا تصلد في مشاهد النوال زنادهم ثابت لديهم كما أبتغي قدمي مجرى عليهم ما نفث به فمي أو كتبه قلمي:
لا عيب فيهم سوى أن النزيل بهم | يسلو عن الأهل والأوطان والحشم |
ومذ أنخت في رحال أفنيتهم واستنشقت من ندى أنديتهم لم أزل أذيع من جميل وصاف حضرة سيدنا ما ينفي كلف السهر عن مآقي أهل السمر من حسن أخلاقه وطيب أعراقه وجمعه إلى شجرة علمه ثمرة عمله ووصله بطول طوله قصر أمله وعدم ازدهائه بما هو فيه من سعة جاهه على أشباهه علما منه بأن الدنيا ذات ضماد ووائده الأولاد، ومن بحر علمه الذي لا تكدره الدلاء ولا ينقصه الغرف بالإملاء كما قلت فيه من غير تمويه:
إن فاخرت دجلة في فيضها | علم عبيد الله قلت أقصري |
فعلمه ليس له معبر | وكم رأينا لك من معبر |
ود السما تشري علاه ولو | بالشمس والمريخ والمشتري |
أقلامه تفعل في مهجة الـ | ـحاسد ما لا يفعل السمهري |
زهت به بغداد زهو الربى | بالنبت غب العارض الممطر |
وما فتئ قلبي من تذكر منادمته في ذهول وجسمي في ذبول وزفراتي في صعود وعبراتي في نزول فإذا ضاقت بي رحبة البلد مما بي من الكمد برزت إلى الرياض وتنزهت في الغياض لعلي أبل من متسلسل أنهارها صدى أو أجد على نار جلنارها هدى فما أنثني إلا على ما كنت من صبر انتقاص وولوع في مزيد منشدا ما قال الأمين بن الرشيد:
وصف البدر حسن وجهك حتى | خلت أني أرى وإني أراكا |
وإذا ما تنفس النرجس الغض | توهمته نسيم شذاكا |
خدع للمنى تعللني فيـ | ـك بإشراق ذا ونفحة ذاكا |
لأقيمن ما حييت على الشـ | ـكر لهذا وذاك إذ حكياكا |
ويا ليت شعري هل درى أني أبعث إلى طيف خياله كل برق جرى أو نسيم سرى مثل قولي الذي يملأ العين عبرا ويصدع القلب ولو كان حجرا:
هل ترى زورة صب مولع | بهواكم فترى هل فترا |
سترى إن جئته حلف أسى | فيك كم داء دفينا سترا |
وترى من في انحناء شابه الـ | ـقوس لكن في نحول وترا |
وما برحت من الشجي والخلي في ثوبي معذرة وتعنيف إلى أن أتاني من جنابه الشريف لا زالت حضرته العلية للطلاب أخصب ريف كتاب فحاويه أرق من ماء رونق الشباب ومعاليه أحل من رضاب الخود الكعاب لم يترك من الجزالة طريقة إلا حواها ومن السلاسة صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها فوقفت على ما فيه من بديع الفنون (وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه) فألفيت عند مجمل سره المصون (كما فصل الياقوت بالدر ناظمه) ورأيت أصداف ألفاظه تنطق عن اللؤلؤ المكنون (كما افتر عن زهر الرياض كمائمه) فتضاعفت عند قراءته على قلبي المحزون (من الشوق والتبريح ما الله عالمه) وكأن جفني حين بادره بالدمع الهتون (كريم رأى ضيفا فدرت مكارمه) فليزه كاتب ذلك الخط فلقد خط بعدما قط فأتى لما لم يسبق إليه قط وسطر فعطر وقرر فحرر وجمع جمع تصحيح لا مكسر إلى حسن كتابة سخرت ألفاتها بالقدود وواوتها بالأضداغ فوق الخدود وسيناتها بالطرر على الغرر وصاداتها بالعيون ولو استعانت بالحور ولاماتها بالعذار على سوالف العذارى وميماتها بالأفواه وإن تركت راشفيها سكارى ونوناتها بالحواجب وإن أنافت في الفخار على قوس حاجب فلا غرو إن وقعت تلك الألوكة من قلوب الأدباء موقع الطل من أقاح الربا وأطربت حتى من لم يفهم معناها:
فصار كأنه أعمى معنى | بحب الغانيات ولا يراها |
فشكرت عند ورودها ذاك الجناب شكر الروض للسحاب وحمدت الله على أن أجنائي ثمرة شجرة إخلاصي وفي ولائه وإقامتي على دعائه وإذعاني لعبير ثنائه ولقد زادني سيدي إجلالا بما كتب عند جحاجحة العرب حتى إني حللت من كل صدر محل جنانه ومن كل طرف محل إنسانه وقلدني نعمة لا أفارق كفرها ولا أفارق شكرها إلى أن تفارق الحمائم أطواقها والجوزاء نطاقها وقد أمللت بهذا الهذر جنابه الخطير وأبرمته بتوطيل ما لا طائل تحته على أني من أهل التقصير فما هو إلا هذيان محموم أو تخليط مموم مع أن الكلام ما هو إلا كالشعر كلما طال زاد في الجمال وكالحياة تشتهي النفوس بعد مداها وأن لا تقف على منتهاها وكالتشكي والتناجي بين المحبين إذا التقيا بعد البين في الليل الداجي.
ولربما ساق المحدث بعض ما | ليس البذيء إليه بالمحتاج |
لكن لا عتب على نازح صدع قلبه تذكر أوطانه صدع الزجاج وأخل منه طول حنينه صحيح المزاج ففي دماغي من السوداء التي هي أسوأ داء ما لو صب في الفرات لانقلب نيلا أو حمل رأس غيري لأندق عنقه وإن كان فيلا ولولا أني كبحت طرف قلبي الجموح وغضضت طرف فكري الطموح أفضيا بي إلى عقد فصول من هذه الفضول ومؤلفات من هذه الخرافات فليحمد سيدي على العافية مولاه وليعتذر من ابتلاه أدام الله لنا مكارمه التي عمت ولم أسأل زيادتها فقد تمت والحمد لله تعالى.
كتابه إلى حمد البك أمير جبل عالم
قال في مجموعته: ومن كتاب كتبته في النجف الأشرف وأرسلته إلى جناب الشيخ حمد البيك دام مجده في جبل عامل:
قصاري ما وصل إليه نظر داعيك بعد مزيد التصويب والتصعيد قصوره عن الإحاطة لأوصاف معاليك الممتدة سرادق مجدها في أوج الجلال إلى أسد بعيد بيد أن لك أدام الله فضلك مناقب بلغت في الاشتهار مبلغ الشمس في رائعة النهار فهي كالضروري لدى كل أحد والبديهي الذي لا يختلج جحوده في خلد منها انك جمعت أشتات مفاخرة لم تنلها يد الأواخر والأوائل ورفعت أركان مجد أسس بناءه آباؤك الكرام من وائل ورحت ولك القدح المعلى بغاية تمطر فيها مستقيم وهازل فلا بدع إن جرت مطارف فخرها على غيرها من أجلك اليوم عامل متى عد أعاظم الزمان كنت جذيلها المحكك الذي لا تميله الفحول بغواريها وإن ذكر أفاخم الأوان كنت عذيقها المرجب في مشارق الأرض ومغربها فلا تعقد خناصر الأعداد إلا عليك ولا يشار في مجامع الأمجاد بإحدى الإشارتين إلا إليك:
وإن رفعت للمجد في الدهر راية | ونادى المنادي أيها الناس من لها |
سبقت إليها من دعاك وحزنها | وكنت أحق الناس فيها وأهلها |
وكم لك من مفاخر روجت بعد الكساد سوقها ووفيت بحمد الله تعالى حقوقها حيث الناهض بهاتيك الحقوق أعز لدى الناس من بيض الأنوق:
ومتى يقال من العصام من الردى | لهج الورى ذاك الأشم الأخشب |
حمد بن محمود الفعال أجل من | لبس المفاخر في الأنام وأنجب |
وكفاك منقبة إذا ذكر الندى | كرم لحضرتك العلية ينسب |
ومواقف مشهورة لك في الوغى | حيث القنا والمشرفية تلعب |
ومعارف قصرت عليك لأنها | بك يا جمال ذوي المعارف أنسب |
وخلائق عم الخلائق نشرها | كالروض غب المزن بل هي أطيب |
وشمائل تحكي النسيم وإنما | هي من صبا نجد أرق وأعذب |
وعزائم يعنو لها ليث الشرى | في غابة والدهر منها يرهب |
وسياسة عجب الأنام بحسنها | وسداد رأيك في الحوادث أعجب |
وبلاغة عربية آياتها | تليت فأضحت عن كمالك تعرب |
ومراتب في المجد عز مرامها | بعدت مدى فالنجم منها أقرب |
وهناك جم مناقب لا تنتهي | وكواكب الأفلاك أنى تحسب |
يا واحد الدنيا وأكرم من له | جمل المدايح والثناء تركب |
وابر من رحم الوفود كأنه | لهم-وقد نزلوا بساحته-أب |
وابن الألى ملكوا العلى وتسنموا | مرقى له ظهر المجرة مركب |
ومن آل نصار الذين فخارهم | كالشمس إلا أنه لا يحجب |
شملت مواهبك العفاة فشرقوا | بجميل مدحك في البلاد وغربوا |
وسردت أياديك الحسام فأخضبت | رحب الفلا والدهر قفر مجدب |
وأنار طالعك الليالي فانجلت | أظلامها وانجاب عنها الغيهب |
واللطف منك سجية وجبلة | فيك المحاسن والوفا لك مذهب |
هذا ولولا ما يجول في البال ويردد في مرآة الخيال أني قد أمللت بما ذلك الجناب الخطير وأبرمته بتطويل هذا الخطاب على أني من أهل القصور والتقصير لاذعت من جميل أوصاف ذلك الماجد النبيل ما هو أطيب أرجا من العبير وجمعت جوامع الكلم الفصيح جمع تصحيح لا جمع تكسير وأودعت في مطاوي هذا الكتاب دررا فحاويها أجلى من رونق الشباب وغررا معانيها أحلى من رضاب الخود الكعاب فإن من النثر والشعر ما هو كالشعر كلما طال زاد في الجمال وكالحياة تتمنى النفوس بعد مداها وأن لا تقف على منتهاها وكالتشكي والتناحي بين المحبين إذا التقيا بعد البين في الليل الداجي.
ولربما ساق المحدث بعض ما | ليس المقام إليه بالمحتاج |
وحيث انتهى جري جواد القلم إلى هذا المقام فلنختم الكلام.
كتابه إلى الشيخ حسين السلمان أحد أمراء جبل عامل
وهذا كتاب له إلى بعض زعماء عاملة والظاهر أنه إلى الشيخ حسين السلمان حاكم بنت جبيل لما صرح به من أن اسمه الشيخ حسين وإنه وائلي وتلك العشيرة تنتسب إلى وائل وإنما تحاشى من إيضاح اسمه لما كان بينه وبين بني عمه حكام تبنين من المنافسة وهو كان أشد اتصالا بحكام تبنين:
ما نظمت جواهر الألفاظ في زواهر القعود ورسمت فضائل الأفاضل في صحائف الوجود وتحللت رسائل الأحباب بنظام الدر النضيد وتجلت عرائس أذهانهم في مرايا بيانهم من كل مكان بعيد وتوجهت صحفهم بتيجان المودة والاتحاد وأدرجت مكنونات سرائرهم بين بياض القرطاس وسواد المداد بأحسن من ألفة رحمانية وحكمة ربانية ألفت بين الأرواح وإن تناءت الأشباح ومزجت بعضها ببعض مزج الراح بالماء القراح ولم تزل تزف عرائس المحبة في هوادج الهيام وتقود خيل المودة بزمام الغرام وتزجي قلاص الإخلاص من كل فج عميق حتى أدخلتها من حرم الأفئدة ذلك البيت العتيق فنظرت كعبة القلب وقد أرخي عليها ستار الجلال ورمقت مقام الضمير وقد حلي بحلي الكمال فطافت بتلك المرابع طواف القدوم وسعت ما بين صفا تلك المشاعر ومروة هاتيك الرسوم ثم أذنت لأتباعها بضرب الأخبية في تلك العراص ونادت أطيارها بالتلبية من تلك الأفقاص فخيموا في عرفات الهوى وعرسوا في مشاعر الأحشاء والجوى وبات الأرق في منى الآماق ليالي التشريق وأصبح القلق يرمي في الفؤاد حر الحريق فأعجب لطاقة المحبة واندراجها وسريانها في طبائع أهل الفضل وامتزاجها حيث ظهرت رموزها وبدت دفائنها وكنوزها ولاحت على جبهات الطروس كأمثال الشموس سلاما محررا مدى المدى بمداد الإخلاص محبرا ودعاء على كر الجديدين مكررا إلى جناب من شرع بصافية المجد والفخار وخلف للواردين تكفف الاسئار فخر العشائر والقبائل وبدر السماء المكرمات من آل وائل والقطب الأعظم لدائرة الكمال وجزل النائل والمشار إليه من الأعاظم والأكابر بالأنامل روضة المجد الباسقة الأنوار والجنا والحسنة التي قد محى بها الدهر ما جنى من عشقته أبكار المعاني فهو زوجها في هذا الزمان وهن عليه قاصرات الطرف لم يطمئنهن أنس قبله ولا جان كريم الشيم وفي الذمم وعلي المجد والهمم جناب الشيخ حسين المفخم لا زال إن شاء الله تعالى بالعنايات الربانية مؤيدا وبالألطاف الإلهية مسددا ما مدت المراسيل لقصر ممدود البيد يدا:
أما بعد فالمقصود الأصلي من جري جواد القلم في هذا الميدان مفصوم الشكيمة مرخي العنان إنما هو الاستفسار عن صحة تلك الذات التي هي جزيرة خالدات المفاخر والكمالات والاستخبار عن سلامة هاتيك الصفات المشرقة في جميع الأقطار والجهات إشراق النيرات لا برحت محروسة من الآفات بعين جبار السماوات ثم إن عطفت عواطف الإشفاق بالفحص عن الداعي المشتاق الذي هو رهين دار الغربة وقطين العراق فإنه من لطف الله تعالى وبركات الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين في أكمل عافية وسرور وأفضل نعمة وحبور غير أنه لم يزل في جميع هذه المدة الماضية المستمدة يفوق النظر في بيداء التفكير لاقتناص بعض أخباركم ويرسل غواص الفكر في دأماء التدبر لاستخراج آثاركم حتى إذا ورد بعض إخواننا المشتغلين من العامليين وأخبرونا من أول العام بما خولتموه لنا من الأنعام من مكاتبة منكم لنا ولمشايخنا الكرام وإن ذلك قد دفعوه لبعض الأقوام في الشام لكي يرسله لنا في أقرب الأيام فهنالك قلت قد فاز القناص وحاز الغواص ولم أدر أن قاطع الزمان قد قطع بترس الحوادث على سهم قصدي الطريق وتمساح الأوان قد ابتلع غواص إراداتي فإذا هو في دمشق غريق وبقي ما أنعمتم به من كتب وغيرها معطلا عند السيد محمد دوران من ذلك الوقت حتى الآن فسنح لنا أن نوضح من الحال ما لعله كان خفيا وأن نبسط في بيانه لسان المقال بعد أن سكتنا مليا وأن نهز جذع شفقتكم ليتساقط علينا رطبا جنيا ونستقي ودق رأفتكم لكي يهمي على ربوعنا وسميا فرسمنا فقرات الدعاء ورقمنا كلمات الثناء آملين من ذلك الجناب الكريم توجيه الحادث القديم وأن تجعلوا ذلك جاريا مجرى القانون المستديم وأن تواصلونا بأخبار حضرتكم دائما أبدا ولا تهملوا أمرنا سدى وأن تمدونا بمزيد لطفكم وكفانا به مددا وأن تمرونا على حواشي الضمير الفاخر المستنير كما أنا لا ننساكم من صالح الدعوات في أوقات الخلوات لدى مضاجع موالينا الأئمة الهداة ولا زلتم مؤيدين على الدوام ومحروسين مع كافة الأهل والبنين من حوادث الليالي والأيام ما خطبت على منابر الطروس خطباء الأقلام بالحمد والثناء والدعاء والسلام.
مدح السلطان عبد المجيد
وأمير اللواء وشيخ الإسلام ووالي بغداد
وقال في مديح السلطان عبد المجيد خان ومدح أمير اللواء الحاج محمد علي باشا صهر السلطان محمود والد عبد المجيد ومدح شيخ الإسلام عارف أفندي ووالي بغداد محمد رشيد باشا، وذكر لذلك مقدمة طويلة افتتحها بقوله:
الحمد لله الذي قرن بطاعته طاعة ولاة الأمر من العباد وأجرى مقادير حكمته بتخليد سلطنة سلاطين آل عثمان إلى انتهاء الآباد. ثم أخذ في مدح آل عثمان عموما والسلطان عبد المجيد خصوصا بما يشتمل على المبالغات والعبارات المألوفة في عصر آل عثمان من أنهم خلفاء الله في بريته لإعلاء كلمة الإيمان والتوحيد وأن عبد المجيد مالك رقاب الأمم ومالك أزمة الملوك وحافظ الشريعة الغراء وأمثال ذلك، ثم قال: وبعد فيقول العبد الفقير إلى الله الغني إبراهيم بن صادق بن إبراهيم بن يحيى المخزومي الشامي العاملي: إني منذ عقلت رواحل الترحال في رحاب سيدنا المرتضى أبي تراب وأنخت ركاب الآمال في حي أعتاب حضرة مولانا علي قالع الباب وفاضت علي من أشعه بركاته أنوار المعارف والآداب، لم أجد حرفة يعرف بالنجاح صاحبها وتجارة يوصف بالأرباح طالبها أحسن من الملازمة على أداء وظائف الدعاء للدولة الأبدية الغراء والمداومة على تنظيم درر مدايحها رجاء منايحها في سلك الحمد والثناء ومن ثم صيرت نشر صحائف الأدعية لها ديدني وشعاري وسيرت في مدايحها ما هو كالدراري يهدي به الساري من درر أشعاري:
وكم لي بسلطان الورى من مدايح | يضاهى شذاها الروض وهو مفوف |
قواف كدر البحر أتحفته بها | وما زالت الأملاك بالدر تتحف |
ثم ذكر أنه كثيرا ما شفع مدايحه بمدح من ينتمي لدولته من الوزراء وولاة الزوراء مستشفعا بهم لديه فإنهم أبواب خزانة مرحمته وقد أمر الله تعالى أن تدخل البيوت من الأبواب ثم ذكر أن من محاسن مديحه هذه القصيدة التي كان المنشأ في إنشائها أنه لما قدم أرض الغري وتشرف بزورة المرقد الحيدري الأسد الهمام والأمجد المقدام صاحب المواقف المشهورة والغزوات المذكورة والمكارم الموفورة حضرة أمير لواء العساكر المنصورة الأمجد الأفخم الحاج محمد علي باشا المحترم رفع الله تعالى أعلام قدره وأنار في مراتب الوزارة طوالع مجده وفخره قد اجتمعت به في ذلك المقام عدة ليال وأيام وكرعت من عذي مسامرته ما هو ألذ عند الندامى من أكؤس المدام. وكان من جملة ما أملاه علي ما شاهده في سفره هذا من غرائب الأشياء وذلك أنه حين فصل عن دار الخلافة العلية ممتطيا غوارب ظهور المراكب الدخانية مشحنة بفئات العساكر الجهادية لم يزل يسير على اسم الله تعالى فمرة يقحمها ذي القرنين وأخرى ينجو بها مغرب النيرين وهي آنة تسفح على ما طغى من الموج الزخار فينطح أعلاها جباه النجوم وآونة تسبح في خلال الغمار فيمسح أقصاها تخوم النجوم وهو مع ذلك لم يبرح أنى شاء مسراها ويحسن باسم بارئ الأشياء مجراها بحيث لم يدع جانبا من المحيط إلا وأزجاها إليه ولا ساحلا بعيد المرحل إلا وعرس عليه ولا خلقا في أقاصي البلاد الأيم من طريق اليم ساحتهم وحرضهم على طاعة السلطان عبد المجيد وحذرهم من سطوات ساعده القوي وبأسه الشديد. وكان من أعجب ما رأى خلقا ينتحلون الإسلام ولا يعرفون اسم سلطان الأنام، وذلك لعدم إنذارهم وبعد مسافة ديارهم فأخبرهم باسمه وعرفهم حق طاعته وأمرهم أن يخطبوا باسمه ثم ردعهم، وسار حتى إذا عبر بحر عمان وأبصر أعلام البصرة في يمن وأمان وانتحى جانب مدينة السلام في خير وسلام وهنالك أزهرت أكناف العراقيين لاسيما وقد قارن ذلك الطالع السعيد قدوم واليها الوزير الأعظم والمشير الأفخم محمد رشيد فكان ذلك نورا على نور وعيدا على عيد، فانتدبت إذ ذاك لإنشاء هذه القصيدة في مدح حضرة سلطان السلاطين ووزراء دولته الأفاخم الأكرمين ومدح حضرة شيخ الإسلام والمسلمين، وجعل ختام مدحي للأمير المشار إليه فقلت:
بدا للعلى في جبهة الدهر نير | به قد غدا يزهو الوجود ويزهو |
وقد فاض من عبد المجيد على الورى | سحاب ندى بالجود يهمي ويهمر |
وأضحت به الدنيا تميس من الهنا | كغانية في حليها تتبختر |
وأمست ثغور المسلمين بعزمه | ممتعة أركانها ليس تثغر |
وللدين في أيام سلطانه حمى | منيع، للإسلام سور معمر |
وللملة البيضاء عين قريرة | ووجه طليق بالمسرات مسفر |
وللشرع تأييد وللملك رونق | لناظره من رونق الشمس أنضر |
مليك ملوك الأرض شرقا ومغربا | تؤمل نعماه وبؤساء تحذر |
وسلطان عدل في البرايا قد ارتقى | مراتب عنها ناظر الدهر يحسر |
تحرر لله المماليك كفه | ويملك منها جوده ما يحرر |
ويغفر ما تجني الرعايا كأنما | يود بأن تجني الرعايا فيغفر |
ويطوي الردى عنها كما ينشر الندى | عليها فلا ينفك يطوي وينشر |
بعزم يرينا البحر كالبر مقفرا | وجود يرينا البر كالبحر يزخر |
ورأي يريه سر كل قضية | جهارا كأن السر في الكون مجهر |
له همم لا تنتهي وصغارها | من الدهر والدنيا أجل وأكبر |
له سطوات توسع الأرض رهبة | وتملأ صدر الكفر رعبا وتذعر |
يقود أعزاء الملوك أذلة | كما قادها أهلوه والبيض تشهر |
بدور بآفاق الممالك أشرقت | سعودا وفيها الشرق كالغرب مزهر |
وصيد نمتهم للمعالي عزائم | وكل بها منهم مليك مظفر |
وإن يفتخر ملك بملك يناله | ففي كل ملك منهم الملك يفخر |
ولم يورثوا العلياء إلا لأصيد | مجيد به كسر الخلافة يجبر |
فيا لمليك قام بالأمر صادعا | كآبائه في الخلق ينهى ويأمر |
له وزراء بالجميل تقلدوا | وبالمجد والفخر الأثيل تأزروا |
هم-لا سواهم-نظموا عقد ملكه | وما نظموا من أمره ليس ينثر |
وهم دبروا أمر الممالك كلها | وهم للأعادي في الأقاليم دمروا |
وهم وازروه فاغتدى أزره بهم | شديدا وهم من فيض يمناه أيسروا |
وهم حزبه في كل حرب وإنما | بهم وبأجناد من الله ينصر |
لهم منن في جيد كل موحد | وحسن مساع فضلها ليس يكفر |
أماجد نالوا ما استطال من الذرى | وحازوا العلى بين الورى وتصدروا |
وصدرهم صدر المعالي محمد | علي الذرى من فضله ليس ينكر |
وزير له يعزى الجلال وينتمي | إلى ظل علياه الفخار المنور |
وبحر لأرباب المفاخر مورد | وللجود والمعروف في الخلق مصدر |
وبدر أضاء الكائنات فلم يكن | بها منزل إلا بدا وهو مسفر |
حوى الفخر والعليا بنسبته إلى | ملوك عليهم طائل الفخر يقصر |
وقد خصه المحمود بابنته التي | سنا مجدها السامي من الشمس أشهر |
فكان لها كفوا كريما وإن تكن | له مفخرا بين الورى حين يفخر |
وقد صار للمولى المجيد مؤازرا | كما كان للمختار من قبل حيدر |
وفى وهو أوفى من وزير جذيمة | وإن قصيرا عن علي ليقصر |
وكلهم من بحر عارف غارف | نميرا يضاهى المزن بل هو أغزر |
ومقتبس نور الفضائل من سنا | جبين عليه كوكب العلم مزهر |
خبير بأسرار العلوم كأنما | له رائد عن كل سر يخبر |
وزخار فضل دائم المد في الورى | وهل أبحر إلا تمد وتجزر |
حوى قصب العليا فلا متقدم | لها غيره يوما ولا متأخر |
وسار اسمه بين البرايا وفضله | من الشمس في رأد البظيرة أظهر |
أجل وهو للإسلام شيخ وللهدى | منار به أفق الهداية مقمر |
وإن قام يوما في البرية خاطبا | أقيم له فوق الكواكب منبر |
ولولاه لم يرفع منار الهدى ولم | يعظم لدين الله في الكون مشعر |
لئن قست أهل العلم يوما به أكن | من قاس أعراضا بما هو جوهر |
وكيف تقاس الشهب بالشمس وهي إن | بدت لم يبن في الكون منهن نير |
رجال بهم روض الفخار مفوف | ودوح المعالي يانع الغصن مثمر |
توسمت من وسميهم فيض أنعم | أروح لها ما عشت في الدهر أشكر |
فكم أصبحت من وكف جدوى أكفهم | عيون الندى بين الورى تتفجر |
لئن لم يكن طرفي يراهم فإنني | إليهم بعين الفكر أرنو وأنظر |
وأشهد من بعد ذواتا لهم غدت | مآثرها كالأنجم الزهر تسفر |
ويعرف بالآثار عند ذوي النهى | إذا لحظوا الآثار ذاك المؤثر |
وميزان عقل المرء عقل خدينه | وحال خليط الشخص للشخص مظهر |
وعنوان أحوال الملوك رجالها | لمن راح في أحوالها يتدبر |
فكم رجل ينمى إليهم خبرته | فعاينت منه فوق ما كنت أخبر |
كليث الشرى بدر الفخار محمد | علي الذرى من راح بالخير يذكر |
أمير اللوا من ليس ينفك في الوغى | عليه لواء الفتح والنصر ينشر |
وخواص أمواج الردى مرهب العدى | إذا ما غدا جمر الوغى يتعسر |
همام تهاب الأسد من سطوته | ويرهب منه الفاتك المتنمر |
وأروع سباق إلى الروع أشوش | وأغلب مرهوب اللقاء غضنفر |
وذو همم مشهورة وهو في اللقا | بحسن سداد الرأي في الحرب أشهر |
ومهما تسل صنعاء عن حسن صنعه | تنبئك أن الخير فيما يدبر |
غداة غزا القطر اليماني خائضا | بحار نجيع مدها ليس يجزر |
ووافى جيوشا قد أعدت لحربه | وتعدادها كالرمل بل هي أكثر |
ونظم بالسمر اللدان فوارسا | لهاماتها كانت يد البيض تنثر |
ولمت أنابوا للمجيد أنالهم | مواهب لطف عدها ليس يحصر |
وأوسعهم بالعفو في حال قدرة | ولا عفو إلا عفو من كان يقدر |
فيا لأمير أنهيت أمرة اللوا | له فهو ينهى من يشاء ويأمر |
وللرتبة العليا ترقى وأنه | لبالمنزل الأعلى أحق وأجدر |
فكيف وقد أدى لمالك أمره | فرائض في أدائها العبد يؤجر |
ومذ كلف المعسور ثار ومثله | إذا كلف المعسور لا يتعذر |
وأزمع عن دار الخلافة قاصدا | محلا إليه ينتهي حيث يؤمر |
وسار على اسم الله في اليمن جاريا | إلى أمد عنه مدى المد يقصر |
وأنهى إلى الله التوكل واثقا | بتسييره والله نعم المسير |
وقد ركب الفلك الجواري جاسرا | على الهول والمقدام في الهول يجسر |
وأعجب شيء فلكه تلك قد طغت | على الموج تخفى في العباب وتظهر |
ومن تحتها بحر بعيد قراره | ومن فوقها والعالم الله أبحر |
وأعجب من ذا في المياه انغماسها | وفي جوفها نار الغضى تتسعر |
جرت وجرى ريح الشمال لغاية | إليها انتهت والريح عنها مقصر |
وخاضت بلجي المحيط وموجه | كجنح الدجى محلولك اللون معكر |
وقد وقفت مما يلي قاف موقفا | يطيش به لب الحليم ويذعر |
تغشى بليل قد تغشى ظلامه | بموج تغشاه السحاب الكنهر |
يصرف مسراها أخو الهمم الذي | إذا حار فيها الماء لا يتحير |
فلم يبق لج لم يلجه وساحل | من الأرض لم يجعل له فيه معبر |
وقد طاف بالدنيا جميعا كأنه | لكل فريق في البرية منذر |
وشاهد من صنع الإله عجائبا | لها عقل أرباب الحجى يتطير |
وأبصر في أقصى الديار طوائفا | أكابرهم منهم عليهم تأمروا |
ولم يعرفوا ملك البرية باسمه | إذا هللوا باسم الإله وكبروا |
وقد مر يزجي الفلك غير محاذر | عنا منه رعديد الحشى ظل يحذر |
وعام بها في بحر عمان بعدما | تصر من ليلات العنا وهي أشهر |
وأيام أهوال البحار لطولها | شهور ولو أنصفتها قلت أدهر |
إلى أن أتى أرض العراق وقطرها | من الجدب مغبر المفاوز مكدر |
تجلى الردى عنها وأضحى بيمنه | سحاب في ذلك القطر يقطر |
فكان كنجم السعد لما بدا اغتدى | بأنواره وجه البسيطة يسفر |
وقارن ذاك النجم بدر سعوده | على كل نجم في البرية تزهر |
رشيد تسمى وهو والله كاسمه | رشيد لأحوال الرعايا مدبر |
وزير مشير بالصواب وعادل | بغير رداء الحزم لا يتأزر |
به قرت الزوراء عنا، وطالما | عهدنا قديما طرفها وهو أزور |
وكيف أفي بالشعر معشار حقه | وأحصي مزايا ليس بالشعر تحصر |
له وعلاه راح صفو مودتي | مدى العمر لا يفنى ولا يتكدر |
وإني لأرجو للغريين عوده | ليطفي جوى من لاهب الشوق يسعر |
وآمل تقدير اجتماعي به كما | يشاء الهوى، والاجتماع مقدر |
واذكره بالمدح ما مر ذكره | على خلدي والشيء بالشيء يذكر |
وله أشعار تأتي في ترجمة الشيخ طالب البلاغي.
خبر خالية بطرس كرامة
جاء في مجموعته ما حاصله بعد حذف الأسجاع: جاء من القسطنطينية إلى بغداد قصيدة نظمها قهرمان الأدب الخواجة بطرس بن إبراهيم كرامة، وكان الباعث له على إرسالها إلى العراق الاطلاع على أدبائها وقد كرر فيها لفظة الخال، ومع هذا الالتزام في أبدع نظام فخمستها أحسن تخميس "ثم ذكرها مع تخميسها وحيث كانت مشهورة لم نر فائدة في نقلها ونقل تخميسها"، قال: وخمسها أيضا الشيخ موسى ابن الشيخ شريف، "وأورد التخميس في المجموعة المذكورة ولم نر فائدة في نقله أيضا"، ثم قال في المجموعة المذكورة: ولما وصل هذا التخميس والذي قبله إلى عروسة دار الخلافة وشاهدهما ذلك الأديب كتب إلينا ما لفظه:
أقول-وأنا المعترف بالعجز والتقصير -: إنني لما وقفت على تخميس قصيدتي الخالية الذي طرز برده ونظم عقده جناب بدر الأدباء صدر العلماء الراقي من ذرى الآداب أسنى محل علي الشيخ إبراهيم ابن جناب سيدي المرحوم الشيخ صادق آل يحيى العاملي، فقلت موريا مقرضا ومصرحا بمدح ذلك الجناب ومعرضا:
فتاة الخال عن علم وفضل | أتى تخميسها يروي ويملي |
يقول لمن تلاه:فز بدر | وقلدني شهادة كل عدل |
فلت: نعم! وهذا ليس بدعا | بإبراهيم يحيى كل فضل: |
ولما رأيت تخميسها الذي جاد به من روض أدبه الأديب الأريب الحائز من البلاغة أوفى نصيب ذو المقام السامي المنيف جناب الشيخ موسى ابن الفاضل الشيخ شريف قلت مقرضا مقتبسا وقد آنست حي التقريض قبسا:
يا ابن الشريف الذي أضحت فضائله | كالشمس تشرق بين البدو والحضر |
خمست بالنظم ذات الخال مكرمة | مطوقا جيدها عقدا من الدرر |
من البديع ومن سحر البيان لقد | أوتيت سؤلك يا موسى على قدر |
ولكنني لم أكتف بذلك لما أصابني من الوجد والغرام لمدح أولئك الأفاضل الأعلام، فقلت وقد شب الشوق عن الطوق:
مرحبا مرحبا برية خال | صانها الحسن بين عم وخال |
أقبلت تنجلي وفي معطفيها | من بديع البديع فرط الدلال |
قد روانا الوردي عن وجنتيها | ما روانا عن نغرها ابن هلال |
من بنات الأفكار يصبو إليها | حين تجلى أخو الحجى والكمال |
جاء مكحول جفنها بحديث | قد رواه عن العيون الكحال |
نعم بكر من الكرامة سارت | فأتت مربع الكرام الموالي |
وسرت في الجهات شرقا وغربا | فوق متن القبول والإقبال |
ثم عادت من العراق إلينا | بعد بين مشمولة بالنوال |
قلداها ابن صادق وشريف | خير عقدين من بها وجمال |
خمساها بل شرفاها بعقد | ذي معان أزرت بعقد اللآلي |
لست أدري هل سمطاها بشعر | أخجل الدوام بسحر حلال |
وعجيبا قد أخمد النار إبراهـ | ـيم قدما وفضله ذو اشتعال |
ولموسى قد أبطل السحر قبلا | ونراه أتى بسحر المقال |
حبذا حبذا العراق وما فيـ | ـه من المجد والسنا والمعالي |
قلم فيه لكل فن خطيب | صادع في منابر الآمال |
وغدا للعلوم في كل عصر | فلكا مشرقا بدور الرجال |
أيها الدهر إن فلك الفضـ | ـل كما أزهرت نجوم الشمال |
ليس بدعا فأنتما الآ | داب والعلم عن جدود وآل |
عز لي فيكما ثناء ومدحا | لا بعين المها وجيد الغزال |
إنني والهوى على البعد صب | قانع منكما بطيف الخيال |
إن شوقي إليكما شوق حر | ذي وفاء يهوى كرام الخصال |
أصبح القلب ساليا بهواكم | ما تلقاه من صروف الليالي |
إن يكن بيننا انفصال ففي الحـ | ـب انفصال المحب عين اتصال |
وإذا لم تكن تراكم عيوني | فيراكم فكري بعين الخيال |
أو تمادى بين ولم يك وصل | ففؤادي عن حبكم غير سالي |
دمتما كوكبي علوم أضاءت | منكما الفضل في سنا الأفضال |
ما تغنت ورق وبات شجي | تحت ذيل الرجا لنيل الوصال |
الداعي: بطرس بن إبراهيم كرامة
قال وقد كتب الأديب المذكور عندما وردت عليه قصيدة من الشيخ صالح التميمي يمدح بها داود باشا والي بغداد سابقا ويعرض بذم القصيدة الخالية المتقدمة وصاحبها ما هذا لفظه: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين مالك يوم الدين الذي لا يمنع فضله وأنعامه عن أحد لعلة الملة والدين والصلاة على الأنبياء والمرسلين الذين من أنوار أقمار صفاتهم أشرقت زاهرات اللطف واللين (وبعد) فيقول العبد الفقير العاجز الذي حد الفصاحة والبلاغة عن حده مجاوز بطرس بن إبراهيم كرامة خادم كل علامة فهامة المسيحي مذهبا والمغربي نسبا المطوق من الزمن بقلائد الجمان والملتقط من فضل العلماء الأعلام فرائد العقيان أنني أتيت القسطنطينية تشرفت بلثم أعتاب علمائها العظام وتكلمت بين أدبائها كما هو دأبي في مصر وحلب والشام فكنت أشنف آذاني بدرر أشعارهم الفائقة وأعرض بين يديهم منظوماتي وإن لم تكن رائقة فأسمعني بعض شعرائهم منظومة تركية كرر في بعض قوافيها لفظة الخال وأمرني أن أنسج أبياتا على ذلك المنوال فنظمت قصيدة لم تكن غير لفظة الخال قافية وهي هذه:
أمن خدها الوردي أفتنك الخال | فسح من الأجفان مدمعك الخال |
"إلى آخر القصيدة" فلما كمل نظامها زففتها لمقام صدور العلماء الأفاضل سحبان الفصاحة والكرم والواهب لكل ذي حق حقه من السيف والقلم من أنا عبده ورقيقه كما استرق له بليغ النظم ورقيقه داود باشا والي بغداد سابقا قاصدا أن تنال الشرف بمطالعته فتلقاها بعين الرضا وأرسلها إلى بغداد ليطلع عليها من هناك من الشعراء فيشهدوا فضلها وينظموا مثلها فتلقاها بعضهم بما تلقاني به زماني وأنكر حسنها لأن ناظمها نصراني، وكتب جوابا كأنه جمرة وما كل سوداء تمرة وهذا هو بلا خلاف والحكم فيه لذي الإنصاف:
عهدناك تعفو عن مسيء تعذرا | ألا فأعفنا عن رد شعر تنصرا |
إلى آخر القصيدة (قال المؤلف): وقد ذكرت في ترجمة الشيخ صالح التميمي والبعض المشار إليه هو الشيخ صالح التميمي نفسه، وكان كاتب ديوان الإنشاء بالعربية في عهد ولاية داود باشا على بغداد. فأرسلها داود باشا إليه فأجابه بهذه الرائية.
قال بطرس كرامة في تتمة كتابه: فلما وقفت على هذا الكتاب المغاير طريقة الآداب ولم يكن فيه ما يعترض على الفصيح إلا أني على دين المسيح فأخذني العجب كيف لا يعلم أن الفصاحة لا تتعلق بالمذهب فاستأذنت من الوزير المشار إليه بأن أكتب له جوابا أنبهه فيه على ما خفي عليه فكتبت بعد صدور الإذن جوابا منظوما أطلع واضحات المعاني من بروج ألفاظها نجوما وهو هذا:
لكل امرئ شأن تبارك من برا | وخص بما قد شاء كلا من الورى |
"إلى آخر القصيدة المذكورة في ترجمة التميمي" ثم قال: هذا هو جوابي وأرجو مكن كل ناظر إليه أن يسدد الخلل وها أنا مقر بالعجز والتقصير وأن ما أصبته من الفصاحة شيء يسير التقطته من فضلات موائد العلماء ولقد ضربت صفحا عما في شعره من الهفوات المتعلقة بالألفاظ والمعاني ولكن لابد من ذكر بعضها. قال المترجم صاحب المجموعة: ثم أخذ يذكر بعض عيوب ما كان ينبغي ذكرها لأن أكثرها بل كلها إشكالات فاسدة وإيرادات ليست بواردة لذلك أعرضت عن ذكرها "انتهى" قال: وأرسل مفتي الحنيفة ببغداد إلى صفوة أرباب الفقاهة والاجتهاد ملاذنا الأفخم وأستاذنا الأعظم الشيخ حسن نجل المرحوم الشيخ جعفر كتابا يتضمن الالتماس منه أن يحشد لمباراة القصيدة الخالية جماعة الأدباء في النجف الأشرف فجعل أيده الله تعالى يلح علي غاية الإلحاح ويستنهضني لقضاء ما التمس منه كل مساء صباح وحيث رأيت أمره أبقاه الله من الفرض الواجب سارعت للامتثال مع جمود القريحة وخمود نيرة البال وباريتها بهذه القصيدة بعد تخميسها إلا أني قد تعمدت خفض ما رفع وختمتها بمدح شيخنا المومى إليه ثم ذكر القصيدة "وقد مرت" ثم أورد خالية السيد صالح ابن السيد مهدي الحسيني القزويني المذكورة في ترجمته.
وأنت ترى أن كتابات المترجم كعادة أكثر أهل ذلك الزمان قد التزم فيه التسجيع الذي لابد أن يكون متكلفا غالبا ويلزم منه الإطالة المملة مع ما في أصل الكتابة من التطويل الممل في نفسها، وإن جل هذه الكتابات تنحو منحى واحدا وتتكرر أكثر المعاني والألفاظ في جميعها إلى غير ذلك مما يراه الناظر وإن كان ممليها ذا فطنة وذكاء وقابلية لإجادة الإنشاء إلا أنه قد أضاع ذلك بهذه الالتزامات ونحن قد نقلنا هذه الرسائل على علاتها-كما قلنا من قبل-ليعلم ما كانت عليه الكتابة في ذلك العصر لأنه مما تتطلع النفوس إليه.
أشعاره التي لم تذكر في ترجمته
وله في ذيل الرسالة التي كتبها إلى علي بك الأسعد تعزية عن عمه حمد البك ابن محمد بن محمود المتقدمة في ترجمته هذه الأبيات:
تمنيت لقياهم ليطفى بقربهم | جوى أسعرت نيرانه أي إسعار |
وفي الغرب من أقصى الشآم ديارهم | وفي الشرق من أقصى العراق غدت داري |
بعيد مرامي والزمان محاربي | وجارية الأقدار تعكس أوطاري |
وخفف عني أن ناصبة القضا | وإن جمحت أفراسه-في يد الباري |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 144