الشيخ إبراهيم ابن الشيخ صادق

ابن الشيخ إبراهيم ابن الشيخ يحيى بن محمد بن سليمان بن نجم المخزومي العاملي

 هكذا وجد بخطه في بعض مجاميعه.

ولد في قرية الطيبة من قرى جبل عامل سنة 1221 وتوفي بها سنة 1284 وكانت وفاته بكوانين والثلوج مادة رواقها على السهول والجبال لم تأذن لسكنة البيوت بتجاوز أعتاب الأبواب ثلاثة أيام بلياليها وفي اليوم الرابع أمكن أن يشق له بعد المشقة ضريح محاذ لضريحي أبيه وجده الشيخ يحيى فدفن به (والطيبي) نسبة إلى الطيبة بطاء مهملة مفتوحة ومثناه تحتية مشددة وباء موحدة وهاء.

أقوال العلماء فيه

ذكره صاحب جواهر الحكم فقال كان من العلماء الأفاضل إلا أنه تغلب عليه الشعر جالسته مرارا بعامرة الطيبة بدار الأمير محمد بك الأسعد وكان يومئذ كهلا وقد عمر له محمد بك بالطيبة ولم بناؤها ولا سكناها ففي أثناء تعميرها أصابتهم النكبة وبعدها بقليل توفي الشيخ رحمه الله (أقول) وكانت نكبتهم سنة 1282 وفي الطليعة كان فقيها أصوليا خفيف الروح رقيق الحاشية وله شعر كثير مجموع أيام إقامته بالعراق وبقائه في جبل عامل "انتهى".

أحواله

كان في حياة والده منصرفا عن طلب العلم فلما توفي والده وعمره إذ ذاك إحدى وثلاثون سنة تحركت نفسه لطلب العلم فهاجر إلى النجف لهذه الغاية سنة 1252 وفي أثناء طريقه حدثت تلك الزلزلة الهائلة بالقطر الشامي المؤرخة من بعض الشعراء بهذين البيتين:

سنة 1252

أقام بالنجف سبعا وعشرين سنة وبضعة أشهر ثم عاد لجبل عامل أثناء سنة 1279 ودخل دمشق بدخول سنة الثمانين ثم ارتحل منها للخيام فمكث فيها عاما أو بعض عام وشخص عنها للطيبة بلدة آبائه وأجداده بطلب من علي بك ومحمد بك الأسعدين ومكث بها أربع سنين وأياما ثم توفى.

وقال الشيخ سليمان ظاهر في الجزء الثاني من كتابه (ديوان الشعر العاملي المنسي):

تلقى مبادئ العلم في البلاد وبعد وفاة والده بعامين أي سنة 1252 ارتحل إلى العراق وأقام زهاء عشرين سنة وتخرج بأجلة علماء النجف من أسرتي آل الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء وآل القزويني وبرع في نظم الشعر وتعرف بعظماء الدولة العثمانية من ولاة القطر العراقي وبعظماء الدولة الإيرانية الذين كانوا يأتون للزيارة وبمشاهير علماء العرب والفرس وسير فيهم مدايحه وبالجملة فإن حياته الأدبية جعلت له شهرة واسعة في زمانه ولم تكن منزلته في الشعر المعروف والمتداول في ذلك العصر دون منزلته في النثر البديع فكان يتولى أمور الكتابة عن شيوخ العلم خطابا وجوابا وله اليد الطولى في التاريخ والقدح المعلى في التخميس النفيس والتشطير الأثير ومما يذكر أن مزية التجويد في الشعر انتقلت من جده الشيخ إبراهيم بن يحيى إلى فرع بيته ودونهم في هذه المزية بنو عمه آل نصر الله الشيخ ابن الشيخ إبراهيم بن يحيى فأبوه شاعر وهو شاعر مفلق وابنه الشيخ عبد الحسين شاعر مفلق "انتهى".

مشائخه

قرأ على الشيخ حسن بن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء وأخيه الشيخ مهدي وعلى الشيخ مرتضى الأنصاري ويروي عنهم بالإجازة.

مؤلفاته

له منظومة في الفقه تناهز أبياتها ألفا وخمسمائة بيت شرح منها ثلاثين بيتا من كتاب الطهارة وأول المنظومة:

شعره

أرسل إلينا ولده حين طلبنا منه شيئا من شعره يقول:

أما شعره فبعثر بالعراق وعزب عنا علمه فتعذر علينا جمعه وما عندنا منه سوى نزر قليل منه هذه القوافي المرسلة (انتهى) ونحن قد رأينا في القديم مجموعة بخطه عند ولده فيها جميع شعره كما رآها غيرنا والله أعلم أين ذهبت. وخطه في غاية الجودة وهو شاعر مكثر مجيد فمن شعره قوله يمدح مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام:

وقال في مدح أمير المؤمنين علي عليه السلام وأبيات من أولها مرسومة في شباك قبره الشريف:

وقال مادحا سيد الشهداء أبا عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام:

وقال يمدح بعض الأجلة العراقين:

#عطفا أبا صالح فالعطف من شيم الأمجاد واسلم مدى الآباد والحقب

وقال في مجموعة بخطه تحوي شعره ونثره: ولما ورد الوزير الأعظم محمد نامق باشا والي إيالة بغداد ومشير أوردي الحجاز والعراق إلى النجف الأشرف أجمع رأي العلماء أن يفدوا بأجمعهم إليه ويهنؤوه بما فتحه الله على يديه وذلك بعد فتحه لقلاع الهندية واستيلائه على ذلك الرستاق الذي تمهد بتمهيده قطر العراق سنة 1267، وكنت أحد الوافدين إلى حضرته فأنشدته هذه الأبيات التي وقعت منه فوقع القبول وهي:

#أطل على العراق وكان وعر المسالك جم مزدحم البوائق
#وبتنا والورى في ظل عدل المشير أبي الخليل على نمارق #وكم من قائل: هل زال عنا العناء فقلت قد أضحى مفارق

سنة 1267

ولما انتهيت إلى قولي: "أجل فتح العراق بسيف نامق" ابتهج وجعل يستعيد مني كل بيت أوله: وهل، ففعلت، فجعل يميس طربا وكلما استمنحت منه الأذن بالانصراف يقول اجلس. وكلفني عمل قصيدة أخرى في مدح السلطان وبيان حال ما انتهى إليه القطر العراقي في أيام ولايته، فأجبته بالامتثال وأنا منطو من رجاء حبائه على أكبر الآمال، حتى إذا تصرم يومنا كالأمس وسمعنا صوت المؤذن وقد غربت الشمس أمر من كان بحضرته وهو أمير لواء أو فريق أن أئتنا بطست وإبريق فغسل وجهه ويديه وخلل بكلتا سبابتبه أذنيه ومسح بباقي بلة كفة خفيه، ثم نهض قائما لصلاته ونهضت آيسا من صلاته وأنشأت بعد ذلك هذه القصيدة الثانية وأرسلتها إليه إلى بغداد وهي:

#بتأييد خافان الملوك عميدها المجيد بن محمود المؤيد بالنصر

فلما وصلت إليه أعجب بها غاية الإعجاب على أنه لم يزد من مجازاتي على أن كتب إلي في الجواب: أما بعد فقد وصلت إلينا قصيدتك الفائقة وفريدتك الرائقة وهديتك السنية وتحفة مدحتك البهية، وقد وقعت لدينا في محل المحبوبية والمقبولية وصرنا لك من أجلها في كمال المنونية والمحظوظية بارك الله تعالى فيك ما أحسن قوافيك وأطيب نفحات فيك وكثر أمثالك في البرية ووفقك لصالح الأعمال الخيرية "انتهى ملخصا"، فكأنني إنما امتدحته رغبة بصالح دعائه ومحبة لجميل ثنائه لا طلبا لمزيد حبائه، ومن ثم وفر نصيبي منهما وما كان أغنائي عنهما.

قال: ولما أرسل السلطان أمجد علي شاه ملك الهند إلى مولانا المؤتمن الشيخ محمد حسن (صاحب الجواهر) دام مجده أموالا يلتمس بناء حضرة سيدنا الشهيد بأرض الكوفة مسلم بن عقيل رضوان الله عليه سارع مولانا المشار إليه في تشييد أركان تلك الحضرة وأتقن صحنها وأحكم سورها وبنى إلى جانبها مئذنة فطلب مني أيده الله نظم تاريخ فنظمت هذا التاريخ سائلا من الله عز اسمه أن يعطينا على ذلك الثواب الجزيل فقلت:

#حارس الإسلام حامي حوزة الدين والإيمان أعلى من عدل
#وأمد الأوحدي الماجد العلم المفضال مولانا الأجل

وقال مهنئا السيد صالح القزويني بقدومه من البصرة:

#إن جاد غيرك أحيانا فكم سبح العافون في بحر جود منك منهمر

فال وقلت في مدح ذي الرياستين والي بغداد الحاج محمد نجيب باشا بلغه الله ما شا:

#وحين نهضت تؤم البقاع التي يمحق الله فيها الذنوبا #قصدت الحسين ابن بنت النبي الإمام الشهيد بظلم غريبا
#وخامس أهل العبا صاحب المواقف والحرب تبدي لهيبا
#وجددت عهدا بمثوى تقدس روضا وقد عبق الكون طيب

قال: وقلت مادحا حضرة محمد نور الدين بك نجل الوزير الكبير راغب باشا:

قال: وقلت فيه أيضا يوم أولم الوليمة العظيمة وضربت لها على شاطئ البحر الخيان ليكون ذلك غير مضر بالأنام ساعة الازدحام وقد دعي لها جملة العلماء وجماعة خدام الحضرة العلوية وكافة الكبراء والأشراف وغيرهم من العساكر المنصورة، وذلك في أوائل شهر ربيع الثاني سنة 1262:

#فرع الوزارة والإمارة شمس دارتها المضيه
#ومجاوز ربع الهوان بشامخ النفس الأبيه

وقال يمدح نور الدين بك المذكور بهذه القصيدة وقد خمسها فاقتصرنا على الأصل وتركنا التخميس وهي:

وقال راثيا سيد الشهداء عليه السلام:

#حتام تتبع لحظ طرفك مجرى العبرات إثر ركائب وظعون

وقال يهني خليل بك الأسعد بزفاف:

وله في زفاف السيد كاظم ابن السيد أحمد الأمين الحسيني العاملي ابن عم والد المؤلف وهي أول شعر نظمه في التهاني:

#كاعب ما رأت سوى الخدر مغ-نى وبيوت العلى ذرى ومقاما

وله يرثي الشيخ علي ابن الشيخ صاحب كشف الغطاء:

وبكر بعيد المدعب عبابه=وقد طبق الدنيا وجاشت غواربه

وقال بعد أن وردت إليه عدة قصائد من الشيخ طالي البلاغي من النجف إلى جبل عامل مجيبا له:

وله يمدح السيد محمد الأمين الحسيني عم مؤلف الكتاب ويهينه بالعيد:

وقال بعد مجيئه إلى جبل عامل وأرسلها إلى الشيخ محمد رضا من آل الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء بالنجف الأشرف:

وكتب إلى السيد محمد الأمين الحسيني عم المؤلف من النجف إلى جبل عامل معزيا له بأخيه السيد محسن وقد توفي في النجف مهاجرا في طلب العلم وراثيا له بما هذه صورته:

مالي كلما حاولت انتعاش جسمي من موبقات الأحزان والنوائب وأردت انتقاش فهمي في صحائف بلوغ الآمال والمآرب عرض لي فادح أو هي قوى جلدي وفت أعضائي وعضدي وأسلمني إلى جيوش العطب والحزن وسلط علي دواهي الكرب والمحن وأناخ بكلكله على ربوع ارتياحي ومعاطن نجاحي وسدد سهام قسي غدره لإصابة غرض مسرتي وأفراحي إن سالمت لا أنتفع بمسالمتي وإن خاصمت لا أملك دفع الردى في مخاصمتي وأنى لي بالانفلات من شرك دنيا طبعت على الغدر مصائدها وجبلت على المكر مكائدها ترمي بأسهم جورها فلا تخطي وتأخذ الخليل بعد الخليل وهي تضن أن تعطي فلا يصح سقيمها ولا يرقى سليمها ولا تجلى غمومها ولا تندمل كلومها وعودها كاذبة وسهامها صائبة لا تقيم على حال ولا تمتع بوصال ولا تسمح بنوال:

وما كفاها ما فعلت بالسلف الماضيين من الآباء والبنين والأحباء والأقربين حتى دهتنا أبعد الله دارها ولا قرب مزارها بفقد إنسان عين الوجود وعين إنسان كل موجود أنيس بالمحراب في الأسحار ومحيي سنن التهجدات والأذكار والناهض بتشييد ما انطمس من ثناء المجد والفخار والجاهد بتمهيد ما اندرس من علوم آبائه الأبرار:

الفائق أهل زمانه بجلاله وكماله والمحسن في أقواله وأفعاله:

فجددت علينا ما خلق من جلابيب الأحزان وأنفذت إلينا كتائب الكآبة والأشجان وأسالت العيون مع الدموع وأوقدت جمر الغضا ما بين محني الطلوع فيا له من فادح حطم أركان الهدى وأورد الفضل موارد الردى وملمة لا تقابل بجميل الصبر وثلمة في الدين لا تسد عمر الدهر:

ولقد أصبحت لما عراني من الكمد ودهاني من النكد الذي لا يقوم به جلد إبل وجه البسيطة بدمع مدرار وكلما رآني راء تمثل بقول أبي الحسن الجزار:

#يا أخا ما لك ويا من له الخن-ساء أخت ويا أبا لمعاذ

فأنشد عن مناجاتي ما قاله ابن الساعاتي.

وما برحت أكابد من الوجد ألما لا يبارح وأواري أوار النار بين الجوانح وأتذكر أياما مضت ما كان أبهاها وليالي قد انفضت ما كان أسناها وساعات تصرمت ما كان أحلاها وآنات لم يبق منها سوى أن أتمناها:

ورب خل يؤنبني على الدمع الهتون ويفندني على ملازمة الوجد والشجون قائلا أين الأهلون والأقربون وأين القرون الذين توالت عليهم السنون وطحنتهم رحى المنون وإنا إليه راجعون.

فاسمع الخطاب وحقق الجواب وإن لكل أجل كتاب:

فأقول لذلك القائل المطيل من الوعظ حيث لا طائل أما علمت أن الأمر عظيم والخطب جسيم وفي القلب جراح وما على كل ميت يناح:

فيا ليتني لم أسمع مقالة من نعاه فإنه ما نعى إلا دروس المدارس وخمول المجالس وتعطيل القوانين وتعظيم شعائر الدين كيف لا وهو العالم النحرير والفاضل المبرز في التحرير والتقرير فحق للمدارس أن تنعاه وللمساجد أن تندبه وترعاه وللمفاخر أن تحزن عليه مدى الأبد وللفضائل أن تبكي عليه بدمع سرمد وأقسم لولا مخافة أن أكون خارجا من ربقة قوم إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون:

بيد أني رأيت كثرة النوح لن ترجع ما فات وشدة البكاء لن تدفع ما هو آت وان الموت قد خط على من في الأرض والسماوات خط القلادة في جيد الفتاة:

فمن أجل ذلك تعزينا بعزاء الله وسلمنا له عز وعلاما جرى من محتوم قضائه سائلين من كرم جوده العميم وفضل إحسانه القديم أن يلهمنا وأهله على ما أصابنا الصبر الجميل ويمنحنا بما نابنا الأجر الجزيل وفي الله جل عن كل فائت لنا خلف:

#نشرت مزاياه بنظمي فانبرى نظامي من أوصافه طيب النشر

ولما نصب له أعلى الله تعالى مقامه مجلس الفاتحة ثلاثة أيام وعقد له في الحضرة المقدسة أيضا مجلس الترحيم العام رثيته بحسب الإمكان بهذه الأبيات في ذلك المقام وهي هذه:

ومن الغريب ما وجدناه في بعض المجاميع في النجف سنة 1352 من نسبة هذه القصيدة إلى المترجم في الشيخ محمد ابن الشيخ علي ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء وتعزية ذويه ومدح الشيخ مرتضى الأنصاري وهذا ما وجدناه منها:

وله في الحاج محمد علي باشا أمير اللواء لما زار أمير المؤمنين عليه السلام:

وله فيه:

وقال رحمه الله يرثي المرحوم السيد محمد ابن السيد جواد صاحب مفتاح الكرامة ويعزي عنه عمينا المرحومين السيد محسن والسيد محمد الأمين وابن عم والدنا السيد كاظم وولدي المتوفي السيد حسن والسيد حسين والشيخ رضا بن زين العابدين العاملي رحمهم الله تعالى جميعا:

وقال يمدح الشيخ حسن ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء بقصيدة قافيتها الخال عارض بها قصيدة الشيخ عبد الحسين آل محيي الدين وقصيدة الشيخ موسى ابن الشيخ شريف آل محيي الدين في مدح الشيخ حسن المذكور وذلك عندما وردت قصيدة بطرس كرامة الخالية في داود باشا والي بغداد وطلب من أدباء العصر ومعارضتها فأبى ذلك الشيخ صالح التميمي ونظم القصيدة الرائية المشهورة وتخلص فيها إلى مدح داود باشا وأجاب إلى ذلك عبد الباقي العمري فعارضها بخالية مذكورة في ديوانه وعارضها المترجم والمذكوران وجعلوا ذلك في مدح الشيخ حسن المذكور فقال المترجم والنسخة كثيرة الغلط:

وله على طريقة أهل الأندلس المعروفة بالموشح:

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

***

وله يهني الملا يوسف حاكم النجف بختان ولديه محمود وسلمان سنة 1264:

وقال مهنئا عمنا السيد عبد الله بولده السيد محمد علي ومؤرخا ولادته:

سنة 1271

وكتب إلى عمنا السيد محمد الأمين رحمهما الله بما صورته:

إن قصارى ما وصل إليه نظر العاجز بعد مزيد التصويب والتصعيد قصوره عن الإحاطة بأوصاف معاليك الممتدة بسرادق مجدها في أوج الجلال إلى أمد بعيد بيد أن لك أدام الله فضلك مناقب بلغت في الاشتهار مبلغ الشمس في رابعة النهار فهي كالضروري لدى كل واحد والبديهي الذي لا يختلج جحوده في خلد منها أنك جمعت أشتات مفاخر لم تنلها يد الأوائل والأواخر ورفعت أركان مجد أسس بنيانه آباؤك الكرام:

إن عد أعاظم الزمان كنت جديلها المحكك الذي لا تميله الفحول بغواربها وإن ذكر أكابر الأوان كنت عذيقها المرجب في مشارق الأرض ومغاربها:

وكم لك من مفاخر روجت بعد الكساد سوقها ووفيتها بحمد الله حقوقها حيث الناهض بهاتيك الحقوق اعز لدى الناس من بيض الأنوق:

* * *

وقال:

وله يهني السيد علي ابن السيد رضا الطباطبائي بعافيته من مرض في يوم عيد:

وله يرثي رجلا من أمراء الفرس اسمه آصف الدولة:

سنة 1297

وله يرثي حمد البك أمير جبل عامل المشهور قال ما صورته: ولمحرره الفقير لمن أمات وأحيا إبراهيم بن صادق بن إبراهيم بن يحيى وذلك أنه في سنة 1269 من هجرة سيد المرسلين قد انتقل إلى جوار العزيز الغفار أكرم من احتاطت به قبة الفلك الدوار من أرباب المجد والفخار ومن تغنى الحادي بماله من الأيادي في جميع الأقطار حمد البك بن محمد المحمود من آل نصار وقد كنت يومئذ نازحا عن الديار في جوار الأئمة الأطهار فنظمت في رثائه هذه القصيدة المشتملة كما تراها بسواد الحداد وأرسلت بها في طي كتاب الاكتتاب من باب التعزية عن المصاب إلى هذه البلاد لدى سعادة منار المناقب والشيم وزخار المواهب والكرم والمعطي كل ذي حق حقه من السيف والرمح والقلم أبو السعود علي بك الأسعد المحترم دام بالعز والنعم بحرمة البيت الحرام وها أنا أملي الآن صورة ما يحضرني مما كنت كتبته في ذلك الزمان:

سقط هنا عدة أبيات من الأصل المنقول عنه:

هذه نفثة مصدور تصاعدت زفراته وتتابعت عبراته وتولت مسراته فتوالت حسراته:

ليس ولوعه إلا بالهيام ولا تطوى ضلوعه إلا على حر الأوام من وقوع تلك المصيبة العظيمة الرزية النازلة بفناء الكرماء من آل نصار والزلزلة لأبنية المجد وأعمدة الفخار والقارعة التي تستصغر في جنبها الخطوب الكبار وتستحقر عندها النوائب والأخطار:

كلا وإن عظائم ذلك الخطب كمكارم من فقدناه ورزاياه على حد مزاياه وكل منهما لا يحد بحد ولا ينتهي حصر عدده إلى أمد:

بيد أن الذي أذهب من الوجد ما نجد وأثلج أوارا بين أضالع المجد يتقد وجود سادات وجوه القبائل ودوام سعادة الكرماء من آل وائل فإنهم ولله الحمد من قبل ومن بعد:

لا ترى منهم إلا مترديا من المفاخر بأسنى رداء ولا تعاين منهم إلا من يقال في حقه هذا أحيا المآثر وكلهم في ذلك شرع سواء:

وجميعهم بفضل الله تعالى خير خلف عن كل من مضى وسلف:

فيا أيها المتوج بتاج الفخار والرشاد المتردي برداء الوقار والحلم والسداد:

على أنه ليس والحمد لله بمفقود من كنت أنت قائما مقامه وناشرا على رؤوس الأنام أعلامه:

وبعد فلنا ولك أسوة في هذه الحال بل في كل الأحوال بما جرى على الآل من النوب العضال والموت غاية كل الأنام من الخاص والعام:

وها أنا أسأل الذي أنشأ حمدا حميدا وأماته سعيدا أن يقربه من رحمته ويبوئه في جنته مقاما عليا والسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا وعليكم وعلى من لديكم ورحمة الله وبركاته.

ثم لما كان نظيمي وإرسالي لهذه القصيدة إنما وقع ذلك اليوم بعد وفاة البك المرحوم بمدة مديدة كتبت أيضا في هاشم قرطاسها هذه الفقرات الآتي ذكرها من باب الاعتذار موضحا للسبب الذي أعاقني عن أداء ما يلزمني من واجب الرثاء على وجه الفور والبدار وهي:

ثم ليكن بشريف علم سعادة أبي السعود المحترم دام بالعز والنعم بحرمة البيت والحرم أني ما نسأت بالاختيار ما يلزمني على وجه البدار أداؤه من الرثاء حتى أكون قد أسأت مع من أساء بل قارن ورود ذلك الخبر الشنيع والنبأ المفجع الفظيع حدوث أعراض قد وزعتني سهامها حصصا وعروض أمراض قد جرعتني آلامها غصصا ولم تزل تلك الممضات حشو حشاي حتى ضاعفت أجارك الله ضعف قواي وسلبت مني الحواس الخمس وأوقفتني على شفا الرمس وصيرتني ذا بنية نحيفة مرضوضة بحيث إذا نهضت يكاد يصرعني لا صرعتم تنفس بعوضه.

وربما تقشع الآن عني عارض الألم وترعرع طفل البنان حتى قدر على ركوب أدهم القلم بادرت لنظم هذه الأبيات التي هي من بيوت العناكب أضعف وأنا لما بي من وجد شحن أهابي أوهى قوى من العنكبوت وأنحف وبودي يوم أرسلتها لفسيح تلك الرحاب أن أكون مندرجا معها في طي كتاب الاكتئاب لأشاهد من أنوار مطالع سعادتكم ما أشاهد وأجدد عهد الصبا بتلك المعاهد وغب إن حشدت لاستماع تلاوة تلك الأبيات جماعة العلماء الأمجاد وكرر إنشادها على رؤوس تلك الأشهاد بأشجى لحن يكاد يتصدع له قلب الجماد سيرتها لساحة سعادتك تجر من فرط الشجون أبراد ثكلى وتستمطر شآبيب الشؤون عن العيون أنى تتلى فإن حصلت منك على الرضا فقد فازت لديك بأجل محصول وإن سمحت مكارمك بقبول عذري فذاك عندي نهاية المأمول والعذر عند كرام الناس مقبول والداعي حال التاريخ مستمر على أداء فرض الدعاء لكم ونائب بالحضور عند قبور الأئمة الأمناء عن المرحوم المبرور وعنكم كل ذلك حسبة ووفاء وإخلاصا وصفاء والسلام عليك ورحمة الله وبركاته "انتهى".

وأوردنا هذا الكتاب بتمامه ليعلم ما كان عليه النثر في ذلك العصر تبعا للأعصار التي قبله من التزام الأسجاع المتكلفة التي تذهب ببهائه وأمور أخر لا تخفى على الناظر.

وله في الأكفاء:

وله في مثله:

وله في أمير المؤمنين عليه السلام:

وقال يرثي أخت الشيخ أحمد البلاغي:

وأورد له في التحفة الناصرية أيضا:

وله أورده في التحفة الناصرية أيضا:

وله يتشوق إلى جبع أورده أيضا في التحفة الناصرية:

وأورد له في التحفة الناصرية أيضا:

وكان المترجم ليلة عند علي بك السعد فلم ينم علي بك تلك الليلة لكثرة البراغيث، فقال المترجم:

فأجازه عليها جائزة سنية. وبات المترجم ليلة بذي الكفل في العراق، فكان إذا غطى رأسه أكلته البراغيث وإذا كشف وجهه لسعه البعوض (البق) فقال:

وقد خمس قصائد كثيرة منها قصيدة عبد الباقي العمري في أمير المؤمنين عليه السلام وقصيدة محمد أمين العمري فيه أيضا وقصيدة الشيخ عبد الحسين آل محيي الدين في مدح آل الشيخ جعفر وغيرها.

رسائله النثرية

أرسل هذه الرسالة إلى الشيخ عبيد الله بن صبغة الله أفندي الأشعري بعد عوده من العراق إلى جبل عامل. وهذه الرسالة من ضمن مجموعة بخط المؤلف تحتوي على قصائده الشعرية ورسائله النثرية وقف عليها الشيخ سليمان ظاهر كما ذكر في (ديوان الشعر العاملي المنسي):

أهدي من التسليمات رياضا تفتقت من أكمام الولاء أزهارها وتدفقت من ينابيع الوفاء أنهارها وسجعت بمحض الوداد أطيارها ورقت من رقة نسيم الإخلاص أصائلها وأسحارها ومن التحيات قلائد نفائس بهر النيرين لألاء دررها وخرائد عرائس أنافت على الليل إذا عسعس بسواد طررها وعلى الصبح إذا تنفس ببياض عررها وعلى الشمس وضحاها بواضح محياها ومن الأثنية ما لو مسه محرم لأوجبنا عليه الفداء لأنه باشر طيبا أو استنشقه مقعد لراح وقد أوفى من ماء الحياة نصيبا، ومن الأدعية ما هبت عليه قبول القبول وتكلل بحصول السؤل على الوجه المأمول، إلى من ربته العلوم في حجرها وغذته من أفاويق درها حتى ترعرع وبرع فبنى بإعرابه عن مضمرات الأحكام للدين قصرا مشيدا وأطلق أعنة الأفكار في اقتناص الفوائد فقيد منها الأوابد، ولله ذلك الإطلاق كيف صار تقييدا وتعاطي ذروة سنام المعالي فتمطاها ورمى الشوارد عن قسي الإصابة فما أخطاها وقفت مناهجه فضلاء عصره ومشت أدراجه نبلاء مصره، فهو مجازهم إلى كل حقيقة وقطبهم الذي تدور عليه رحى كل دقيقة والبليغ الكاسي وحشي الكلام طلاوة المألوف من حلاوة خطابه.

والعضب الذي لا يفل والبعض الذي حوى الكل بلا-كل:

رابطة نظام العقيدة الأشعرية واسطة القلادة الجوهرية الحيدرية، التي صيغت بيد الأقدار على أحسن صيغة وصبغت من صبغة الله بأحسن صبغة وروى حديث قديم شرفها الإعلام بأقلام الألسنة وألسنة الأقلام وطار صيتها مدى دهر لأشهر وازدهت بها الزوراء على ما وراء النهر لما تضمنته من كل حبر يحبر الفضائل مشتمل وبحر تضرب إلى عذب شرائعه أكباد الإبل، فهم الذين جبلوا على حسن الشيم وطبعوا على طيب الخيم حتى فاح عبير أخلاقهم في كل ناد وغنى الحادي بما لهم من الأيادي في كل واد:

ما رفقت راية من المعالي ونودي من لها إلا كانوا أحق بها وأهلها فلينشر من أراد من أبكار أفكاري إعلانا ولا يبالي من شكا قلبه من داء الحسد نيرانا:

أعني به شمس الدين المشرقة في الآفاق شيخ مشايخ العراق على الإطلاق العلامة الذي أصبح العلم متقلدا منه بالصارم الهندي حضرة سيدنا المكرم (عبيد الله) ابن المرحوم المبرور صبغة الله أفندي أسأل الله الذي جلت أسماؤه وأفعاله وتنزهت عن سمة الحروف والألفاظ كلماته وأقواله أن لا يزال ذلك العلم المفرد مناديا لدفع المعضلات ومستغاثا به في حل المشكلات مصغرا بالنسبة إليه والإضافة إلى ما لديه من غزارة الفهم البحر الخضم حائزا باختصاصه بين الجميع بالتقوى والتبريز مكسورا ضده مرفوعا في خفض من العيش مجده منصوبا على ذلك التمييز مرفها حاله منصرفا باله على ما فيه من العدل والمعرفة عن اشتغاله بالتنازع على الدنيا المتزخرفة.

وبعد فإني مذ طوحت بي طوائح الاغتراب وأنأتني عن شرف تلك الأعتاب لم يزل الزمان يرمقني شزرا ويلحظني خزرا ويوسعني هجرا وهجرا ويمطيني غارب كل هجين وينيخ بي على كل واد وجين لا أسري منه إلا في كل داج داجن ولا أرد إلا على آجن يسومني خطة الأذى ويقلاني قلا المقلة للقذى، لكنه مع ذلك يزاول مني فتى قوي الشكيمة أبيا ويرعى منى مرعى وبيا ويستمري مني دمعا عصيا ويخوض مني غمرة الدأماء ويزاحم مني صخرة صماء فلا يتعثر مني إلا بحد صارم قضيب ولا يعجم مني غير عود على ناب الزمان صليب لم يحملني-ولله الحمد-تصريفه لأحوالي وإعلاله لآمالي على ابتذالي بالتملق إلى والي حياء من قولي الذي شرق به الركبان وغربوا وأطرب أولي الألباب لما صعدوا النظر فيه وصوبوا:

على أن التعفف كان دابي وأجمل ثيابي قبل أن أطوي برد شبابي فكيف وليل الشباب تقضي وصبح المشيب قد أضا:

بل كنت مما شاهدت من تقلب الزمان بين قالبي البرد والحر وتبدله من الخير إلى الشر ومن الشر إلى الخير مغتبطا بالعناء اغتباط المثري بالغنى واجتني من غصون المنايا ثمار المنى اقتفاء بأسلاف كان ذلك سيماهم وقليل ما هم وإني في ذلك-جنب الله سيدي المهالك وسلك به إلى رضوانه أحسن المسالك-لم آل في اقتناء علم الأدب وتتبع خفايا كلام العرب فقطعت من تلك الفنون الشجراء والمرداء وطويت منها الآهل والبيداء ولم أترك منها موردا إلا عرست عليه ولا طللا إلا وحثثت ركابي إليه حتى صار الأدب حشو إهابي وملء جرابي فطفقت أصوغ من الغزل والتشبيب ما تغنى به الغواني في صهواتها ومن الوعظ ما يرفض منه مآقي العباد في خلواتها ومن رقيق المديح ما تندي له صفاة الشحيح ومن الهزل والمجون ما يطرب له العاقل والمجنون كما قلت ملتزما فيه ما لا يلزم من القوافي:

ومن شدة شغفي في الإبكار والأصائل بارتشاف رضاب الطل من ثغور أقاصي تلك الخمائل ووفرة كلفي بالمقيل في سجسج ظلها كنت أتنكب عن صحبة من لا يدأب في اجتناء ثمرات الأدب ولم يتعلق من أهدابه بهدب ولو أناف في التصوف على الجنيد وفي التقشف على عمرو بن عبيد ظنا مني أنه من أمنع المعاقل وأوثق الوسائل إلى النائل اغترارا بقول القائل:

بيد أني كلما ازددت في ذلك ارتفاعا زاد حظي نقصا واتضاعا كما قلت فيما بثثت فيه شجوني قبل أن يطلع فجر المشيب من ليالي قروني:

وأصبحت الليالي تشن علي الغارة بعد الغرة وتلعب بي كما يلعب السنور بالفأرة فأيقنت أن بذلك عقوبة ما كسبت يداي وأنه من شؤم أدبي الذي كان غاية فصار في زيادة ربما أورثتني في العيون زهادة، ولينها كانت كالزيادة في الآن إن لم تزده تعريفا فهو من تنكيرها في أمان أو كواو عمرو إن لم تفده في المعنى حظا لم تزده الثقل لفظا، بل كانت لي كياء التصغير الكاسية ذويها ثوب التحقير أو هاء صيارفة التي صارت لها صارفة، وفعليه لولا زيادة هائها لما رزئت في النسب بحذف يائها. والعرب تجاهر في الدعاء على كل ماهر فتقول للمقدام المطعان: ويل أمه ما أشجعه، وللشاعر المجيد: قاتله الله ما أبدعه، ولأمر ما ترعى الصعوة لطائف الأزهار وترد حيثما أرادت من الأنهار، والهزار في ضيق قفصه يشكو مضض غصصه. ورحم الله العلامة التفتازاني حيث يقول وازنا بميزاني:

ومع ذلك لم ألتفت يمنة ولا يسرة إلا وأرى ما يزيدني حسرة من تقلب أغنياء أغبياء كالنعم في بلهنية النعم وتصرف البغاث المستنسرة في الرياض النضرة واختيال أهل الغيرى في نفايس الغراء، على أنه يتيهون بالمال على أهل الكمال وقد تاهوا في تيههم ذاك تيها. ولم يشعروا أن النتيجة تتبع أحسن مقدمتيها والدهر مع الأنام كالميزان لا يرفع إلا صاحب النقصان، فلما لم تزد علي أنياب النوائب إلا حدة ومخالب المصائب إلا شدة ألجأتني الأيام الغبر إلى مسالمة الدهر فاستسلمت له استسلام العاجز بعدما كانت قناتي لا تلين لغامز، وقلت للأدب ارحل عني ركاب البين واجعل بيني وبينك بعد المشرقين، تبا لك من صارم أكل بحده جثمان غمده وثمر عرض أشجاره للرمي بالحجارة وأصالة رأي ساقتني إلى الخطل وحلية فضل شانتني لدى العطل:

لا جرم أني انتظمت استمالة للدهر في سلك أغمار الناس وطويت كشحي عن مداناة الأكياس وفررت عن تلك المناهل والموارد فرار الظل عن الشمس، وأقوت تلك المنازل والمعاهد حتى كأن لم تغن بالأمس وجلبت دواوين الأدب إلى سوق الكرب واتخذت من التغابي جلبانا وفتحت على من الفهاهة أبوابا وأرأيت أني أرى الصواب خطأ والخطأ صوابا اقتداء بأديب معرة النعمان أبي العلاء أحمد بن سليمان حيث يقول وقد رشقته سهام الزمان:

فكنت إذا سمعت معربا في مجالس الأدباء يقول زيد مجرور بالباء أتباكى وأقول: ويح ذاك الفتى أين جر ومتى وما الذي جر لأجله وما الباء وهل يجر المرء إلا بنحو يده أو رجله أو رأبته يقول عمرو مرفوع أتباشر وأقول: لعل ذاك الشيطان مرفوع إلى السلطان فلقد كان كأبيه فلان مفسدا في الأوطان متسورا للحيطان، وربما أخذني ذلك المعرب بحلمه وأدناني ليفيدني من علمه فعلمني معنى الرفع وبين لي ما يقصد به في الملك الوضع، فأقول: فما لنا لا نقرأ في بيوت أذن الله أن ترفع برفع بيوت وهل بعد أن أذن الله لرفعها من رفع وهل لنا بين الرفعين فارق يرفع الإشكال من البين فيقول بينهما فرق قوي، ذاك اصطلاحي وهذا لغوي فأقول لقد أطلت الهراش حتى كثرت الظباء على خراش هلا كسرت من فرق الفاء وفتحت من لغوي اللام لتسلم من حمة الملام، ألم تقرأ في الكتاب المبين: كل فرق كالطود العظيم وإنك لغوي مبين؟ فتضحك مني الطلبة ويقولون: لله أنت ما أظرف جهلك وأعذبه! تالله أنك بطرق الجهالة أعلم من الشافعي بمسائل الرسالة، وفي السلوك إلى الخطا أهدى من القطا، وإنك لأحلى فكاهة لمجالس السفاهة، ودمت على هذا المنهج آتي أهل العصر من كل فج وأتقلب بينهم في مقاليب وأتنكر عليهم في أساليب حتى سكنت عني تلك الهزاهز والزعازع وصافاني المقاذع لي قبل المنازع وهشت إلى الليالي بعد اكفهرارها وتوطأت لي الأيام بعد اشمخرارها، وانتبه طرف حظي بعد طول النعاس ودرت علي أخلاف النعم من غير إيباس فصرت من التغابي والتعامي لا تخطئ سهامي المرامي ولا تنثني براثن آمالي عن فرائس الأماني إلا دوامي فلا علي أن أنشد من حوك جناني ووشي بناني:

وبالجملة فللجهل عندي يد لا أفتر عن ذكرها ولا أقوم وما حييت بشكرها إذا لو لم أتظاهر بذلك العيب لم تظفر آمالي بإدراك السيب كالقوس لولا اعوجاج فيها لما اهتدت نبلها إلى مراميها، وأنا اليوم في روض أريض وأتبختر في برد العافية طويل عريض بين سادة سمحاء يكرمون ولا يمكرون ويطعمون ولا يطمعون وفصحاء يبتكرون ولا يرتكبون ويبهرون ولا يرهبون لا تمل مناجاتهم ولا تخشى مداجاتهم إلى أخلاق في رقة النسيم أو محاورة في عذوبة التسنيم لا تكبو في حلبة الفخار جيادهم ولا تصلد في مشاهد النوال زنادهم ثابت لديهم كما أبتغي قدمي مجرى عليهم ما نفث به فمي أو كتبه قلمي:

ومذ أنخت في رحال أفنيتهم واستنشقت من ندى أنديتهم لم أزل أذيع من جميل وصاف حضرة سيدنا ما ينفي كلف السهر عن مآقي أهل السمر من حسن أخلاقه وطيب أعراقه وجمعه إلى شجرة علمه ثمرة عمله ووصله بطول طوله قصر أمله وعدم ازدهائه بما هو فيه من سعة جاهه على أشباهه علما منه بأن الدنيا ذات ضماد ووائده الأولاد، ومن بحر علمه الذي لا تكدره الدلاء ولا ينقصه الغرف بالإملاء كما قلت فيه من غير تمويه:

وما فتئ قلبي من تذكر منادمته في ذهول وجسمي في ذبول وزفراتي في صعود وعبراتي في نزول فإذا ضاقت بي رحبة البلد مما بي من الكمد برزت إلى الرياض وتنزهت في الغياض لعلي أبل من متسلسل أنهارها صدى أو أجد على نار جلنارها هدى فما أنثني إلا على ما كنت من صبر انتقاص وولوع في مزيد منشدا ما قال الأمين بن الرشيد:

ويا ليت شعري هل درى أني أبعث إلى طيف خياله كل برق جرى أو نسيم سرى مثل قولي الذي يملأ العين عبرا ويصدع القلب ولو كان حجرا:

وما برحت من الشجي والخلي في ثوبي معذرة وتعنيف إلى أن أتاني من جنابه الشريف لا زالت حضرته العلية للطلاب أخصب ريف كتاب فحاويه أرق من ماء رونق الشباب ومعاليه أحل من رضاب الخود الكعاب لم يترك من الجزالة طريقة إلا حواها ومن السلاسة صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها فوقفت على ما فيه من بديع الفنون (وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه) فألفيت عند مجمل سره المصون (كما فصل الياقوت بالدر ناظمه) ورأيت أصداف ألفاظه تنطق عن اللؤلؤ المكنون (كما افتر عن زهر الرياض كمائمه) فتضاعفت عند قراءته على قلبي المحزون (من الشوق والتبريح ما الله عالمه) وكأن جفني حين بادره بالدمع الهتون (كريم رأى ضيفا فدرت مكارمه) فليزه كاتب ذلك الخط فلقد خط بعدما قط فأتى لما لم يسبق إليه قط وسطر فعطر وقرر فحرر وجمع جمع تصحيح لا مكسر إلى حسن كتابة سخرت ألفاتها بالقدود وواوتها بالأضداغ فوق الخدود وسيناتها بالطرر على الغرر وصاداتها بالعيون ولو استعانت بالحور ولاماتها بالعذار على سوالف العذارى وميماتها بالأفواه وإن تركت راشفيها سكارى ونوناتها بالحواجب وإن أنافت في الفخار على قوس حاجب فلا غرو إن وقعت تلك الألوكة من قلوب الأدباء موقع الطل من أقاح الربا وأطربت حتى من لم يفهم معناها:

فشكرت عند ورودها ذاك الجناب شكر الروض للسحاب وحمدت الله على أن أجنائي ثمرة شجرة إخلاصي وفي ولائه وإقامتي على دعائه وإذعاني لعبير ثنائه ولقد زادني سيدي إجلالا بما كتب عند جحاجحة العرب حتى إني حللت من كل صدر محل جنانه ومن كل طرف محل إنسانه وقلدني نعمة لا أفارق كفرها ولا أفارق شكرها إلى أن تفارق الحمائم أطواقها والجوزاء نطاقها وقد أمللت بهذا الهذر جنابه الخطير وأبرمته بتوطيل ما لا طائل تحته على أني من أهل التقصير فما هو إلا هذيان محموم أو تخليط مموم مع أن الكلام ما هو إلا كالشعر كلما طال زاد في الجمال وكالحياة تشتهي النفوس بعد مداها وأن لا تقف على منتهاها وكالتشكي والتناجي بين المحبين إذا التقيا بعد البين في الليل الداجي.

لكن لا عتب على نازح صدع قلبه تذكر أوطانه صدع الزجاج وأخل منه طول حنينه صحيح المزاج ففي دماغي من السوداء التي هي أسوأ داء ما لو صب في الفرات لانقلب نيلا أو حمل رأس غيري لأندق عنقه وإن كان فيلا ولولا أني كبحت طرف قلبي الجموح وغضضت طرف فكري الطموح أفضيا بي إلى عقد فصول من هذه الفضول ومؤلفات من هذه الخرافات فليحمد سيدي على العافية مولاه وليعتذر من ابتلاه أدام الله لنا مكارمه التي عمت ولم أسأل زيادتها فقد تمت والحمد لله تعالى.

كتابه إلى حمد البك أمير جبل عالم

قال في مجموعته: ومن كتاب كتبته في النجف الأشرف وأرسلته إلى جناب الشيخ حمد البيك دام مجده في جبل عامل:

قصاري ما وصل إليه نظر داعيك بعد مزيد التصويب والتصعيد قصوره عن الإحاطة لأوصاف معاليك الممتدة سرادق مجدها في أوج الجلال إلى أسد بعيد بيد أن لك أدام الله فضلك مناقب بلغت في الاشتهار مبلغ الشمس في رائعة النهار فهي كالضروري لدى كل أحد والبديهي الذي لا يختلج جحوده في خلد منها انك جمعت أشتات مفاخرة لم تنلها يد الأواخر والأوائل ورفعت أركان مجد أسس بناءه آباؤك الكرام من وائل ورحت ولك القدح المعلى بغاية تمطر فيها مستقيم وهازل فلا بدع إن جرت مطارف فخرها على غيرها من أجلك اليوم عامل متى عد أعاظم الزمان كنت جذيلها المحكك الذي لا تميله الفحول بغواريها وإن ذكر أفاخم الأوان كنت عذيقها المرجب في مشارق الأرض ومغربها فلا تعقد خناصر الأعداد إلا عليك ولا يشار في مجامع الأمجاد بإحدى الإشارتين إلا إليك:

وكم لك من مفاخر روجت بعد الكساد سوقها ووفيت بحمد الله تعالى حقوقها حيث الناهض بهاتيك الحقوق أعز لدى الناس من بيض الأنوق:

هذا ولولا ما يجول في البال ويردد في مرآة الخيال أني قد أمللت بما ذلك الجناب الخطير وأبرمته بتطويل هذا الخطاب على أني من أهل القصور والتقصير لاذعت من جميل أوصاف ذلك الماجد النبيل ما هو أطيب أرجا من العبير وجمعت جوامع الكلم الفصيح جمع تصحيح لا جمع تكسير وأودعت في مطاوي هذا الكتاب دررا فحاويها أجلى من رونق الشباب وغررا معانيها أحلى من رضاب الخود الكعاب فإن من النثر والشعر ما هو كالشعر كلما طال زاد في الجمال وكالحياة تتمنى النفوس بعد مداها وأن لا تقف على منتهاها وكالتشكي والتناحي بين المحبين إذا التقيا بعد البين في الليل الداجي.

وحيث انتهى جري جواد القلم إلى هذا المقام فلنختم الكلام.

كتابه إلى الشيخ حسين السلمان أحد أمراء جبل عامل

وهذا كتاب له إلى بعض زعماء عاملة والظاهر أنه إلى الشيخ حسين السلمان حاكم بنت جبيل لما صرح به من أن اسمه الشيخ حسين وإنه وائلي وتلك العشيرة تنتسب إلى وائل وإنما تحاشى من إيضاح اسمه لما كان بينه وبين بني عمه حكام تبنين من المنافسة وهو كان أشد اتصالا بحكام تبنين:

ما نظمت جواهر الألفاظ في زواهر القعود ورسمت فضائل الأفاضل في صحائف الوجود وتحللت رسائل الأحباب بنظام الدر النضيد وتجلت عرائس أذهانهم في مرايا بيانهم من كل مكان بعيد وتوجهت صحفهم بتيجان المودة والاتحاد وأدرجت مكنونات سرائرهم بين بياض القرطاس وسواد المداد بأحسن من ألفة رحمانية وحكمة ربانية ألفت بين الأرواح وإن تناءت الأشباح ومزجت بعضها ببعض مزج الراح بالماء القراح ولم تزل تزف عرائس المحبة في هوادج الهيام وتقود خيل المودة بزمام الغرام وتزجي قلاص الإخلاص من كل فج عميق حتى أدخلتها من حرم الأفئدة ذلك البيت العتيق فنظرت كعبة القلب وقد أرخي عليها ستار الجلال ورمقت مقام الضمير وقد حلي بحلي الكمال فطافت بتلك المرابع طواف القدوم وسعت ما بين صفا تلك المشاعر ومروة هاتيك الرسوم ثم أذنت لأتباعها بضرب الأخبية في تلك العراص ونادت أطيارها بالتلبية من تلك الأفقاص فخيموا في عرفات الهوى وعرسوا في مشاعر الأحشاء والجوى وبات الأرق في منى الآماق ليالي التشريق وأصبح القلق يرمي في الفؤاد حر الحريق فأعجب لطاقة المحبة واندراجها وسريانها في طبائع أهل الفضل وامتزاجها حيث ظهرت رموزها وبدت دفائنها وكنوزها ولاحت على جبهات الطروس كأمثال الشموس سلاما محررا مدى المدى بمداد الإخلاص محبرا ودعاء على كر الجديدين مكررا إلى جناب من شرع بصافية المجد والفخار وخلف للواردين تكفف الاسئار فخر العشائر والقبائل وبدر السماء المكرمات من آل وائل والقطب الأعظم لدائرة الكمال وجزل النائل والمشار إليه من الأعاظم والأكابر بالأنامل روضة المجد الباسقة الأنوار والجنا والحسنة التي قد محى بها الدهر ما جنى من عشقته أبكار المعاني فهو زوجها في هذا الزمان وهن عليه قاصرات الطرف لم يطمئنهن أنس قبله ولا جان كريم الشيم وفي الذمم وعلي المجد والهمم جناب الشيخ حسين المفخم لا زال إن شاء الله تعالى بالعنايات الربانية مؤيدا وبالألطاف الإلهية مسددا ما مدت المراسيل لقصر ممدود البيد يدا:

أما بعد فالمقصود الأصلي من جري جواد القلم في هذا الميدان مفصوم الشكيمة مرخي العنان إنما هو الاستفسار عن صحة تلك الذات التي هي جزيرة خالدات المفاخر والكمالات والاستخبار عن سلامة هاتيك الصفات المشرقة في جميع الأقطار والجهات إشراق النيرات لا برحت محروسة من الآفات بعين جبار السماوات ثم إن عطفت عواطف الإشفاق بالفحص عن الداعي المشتاق الذي هو رهين دار الغربة وقطين العراق فإنه من لطف الله تعالى وبركات الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين في أكمل عافية وسرور وأفضل نعمة وحبور غير أنه لم يزل في جميع هذه المدة الماضية المستمدة يفوق النظر في بيداء التفكير لاقتناص بعض أخباركم ويرسل غواص الفكر في دأماء التدبر لاستخراج آثاركم حتى إذا ورد بعض إخواننا المشتغلين من العامليين وأخبرونا من أول العام بما خولتموه لنا من الأنعام من مكاتبة منكم لنا ولمشايخنا الكرام وإن ذلك قد دفعوه لبعض الأقوام في الشام لكي يرسله لنا في أقرب الأيام فهنالك قلت قد فاز القناص وحاز الغواص ولم أدر أن قاطع الزمان قد قطع بترس الحوادث على سهم قصدي الطريق وتمساح الأوان قد ابتلع غواص إراداتي فإذا هو في دمشق غريق وبقي ما أنعمتم به من كتب وغيرها معطلا عند السيد محمد دوران من ذلك الوقت حتى الآن فسنح لنا أن نوضح من الحال ما لعله كان خفيا وأن نبسط في بيانه لسان المقال بعد أن سكتنا مليا وأن نهز جذع شفقتكم ليتساقط علينا رطبا جنيا ونستقي ودق رأفتكم لكي يهمي على ربوعنا وسميا فرسمنا فقرات الدعاء ورقمنا كلمات الثناء آملين من ذلك الجناب الكريم توجيه الحادث القديم وأن تجعلوا ذلك جاريا مجرى القانون المستديم وأن تواصلونا بأخبار حضرتكم دائما أبدا ولا تهملوا أمرنا سدى وأن تمدونا بمزيد لطفكم وكفانا به مددا وأن تمرونا على حواشي الضمير الفاخر المستنير كما أنا لا ننساكم من صالح الدعوات في أوقات الخلوات لدى مضاجع موالينا الأئمة الهداة ولا زلتم مؤيدين على الدوام ومحروسين مع كافة الأهل والبنين من حوادث الليالي والأيام ما خطبت على منابر الطروس خطباء الأقلام بالحمد والثناء والدعاء والسلام.

مدح السلطان عبد المجيد

وأمير اللواء وشيخ الإسلام ووالي بغداد

وقال في مديح السلطان عبد المجيد خان ومدح أمير اللواء الحاج محمد علي باشا صهر السلطان محمود والد عبد المجيد ومدح شيخ الإسلام عارف أفندي ووالي بغداد محمد رشيد باشا، وذكر لذلك مقدمة طويلة افتتحها بقوله:

الحمد لله الذي قرن بطاعته طاعة ولاة الأمر من العباد وأجرى مقادير حكمته بتخليد سلطنة سلاطين آل عثمان إلى انتهاء الآباد. ثم أخذ في مدح آل عثمان عموما والسلطان عبد المجيد خصوصا بما يشتمل على المبالغات والعبارات المألوفة في عصر آل عثمان من أنهم خلفاء الله في بريته لإعلاء كلمة الإيمان والتوحيد وأن عبد المجيد مالك رقاب الأمم ومالك أزمة الملوك وحافظ الشريعة الغراء وأمثال ذلك، ثم قال: وبعد فيقول العبد الفقير إلى الله الغني إبراهيم بن صادق بن إبراهيم بن يحيى المخزومي الشامي العاملي: إني منذ عقلت رواحل الترحال في رحاب سيدنا المرتضى أبي تراب وأنخت ركاب الآمال في حي أعتاب حضرة مولانا علي قالع الباب وفاضت علي من أشعه بركاته أنوار المعارف والآداب، لم أجد حرفة يعرف بالنجاح صاحبها وتجارة يوصف بالأرباح طالبها أحسن من الملازمة على أداء وظائف الدعاء للدولة الأبدية الغراء والمداومة على تنظيم درر مدايحها رجاء منايحها في سلك الحمد والثناء ومن ثم صيرت نشر صحائف الأدعية لها ديدني وشعاري وسيرت في مدايحها ما هو كالدراري يهدي به الساري من درر أشعاري:

ثم ذكر أنه كثيرا ما شفع مدايحه بمدح من ينتمي لدولته من الوزراء وولاة الزوراء مستشفعا بهم لديه فإنهم أبواب خزانة مرحمته وقد أمر الله تعالى أن تدخل البيوت من الأبواب ثم ذكر أن من محاسن مديحه هذه القصيدة التي كان المنشأ في إنشائها أنه لما قدم أرض الغري وتشرف بزورة المرقد الحيدري الأسد الهمام والأمجد المقدام صاحب المواقف المشهورة والغزوات المذكورة والمكارم الموفورة حضرة أمير لواء العساكر المنصورة الأمجد الأفخم الحاج محمد علي باشا المحترم رفع الله تعالى أعلام قدره وأنار في مراتب الوزارة طوالع مجده وفخره قد اجتمعت به في ذلك المقام عدة ليال وأيام وكرعت من عذي مسامرته ما هو ألذ عند الندامى من أكؤس المدام. وكان من جملة ما أملاه علي ما شاهده في سفره هذا من غرائب الأشياء وذلك أنه حين فصل عن دار الخلافة العلية ممتطيا غوارب ظهور المراكب الدخانية مشحنة بفئات العساكر الجهادية لم يزل يسير على اسم الله تعالى فمرة يقحمها ذي القرنين وأخرى ينجو بها مغرب النيرين وهي آنة تسفح على ما طغى من الموج الزخار فينطح أعلاها جباه النجوم وآونة تسبح في خلال الغمار فيمسح أقصاها تخوم النجوم وهو مع ذلك لم يبرح أنى شاء مسراها ويحسن باسم بارئ الأشياء مجراها بحيث لم يدع جانبا من المحيط إلا وأزجاها إليه ولا ساحلا بعيد المرحل إلا وعرس عليه ولا خلقا في أقاصي البلاد الأيم من طريق اليم ساحتهم وحرضهم على طاعة السلطان عبد المجيد وحذرهم من سطوات ساعده القوي وبأسه الشديد. وكان من أعجب ما رأى خلقا ينتحلون الإسلام ولا يعرفون اسم سلطان الأنام، وذلك لعدم إنذارهم وبعد مسافة ديارهم فأخبرهم باسمه وعرفهم حق طاعته وأمرهم أن يخطبوا باسمه ثم ردعهم، وسار حتى إذا عبر بحر عمان وأبصر أعلام البصرة في يمن وأمان وانتحى جانب مدينة السلام في خير وسلام وهنالك أزهرت أكناف العراقيين لاسيما وقد قارن ذلك الطالع السعيد قدوم واليها الوزير الأعظم والمشير الأفخم محمد رشيد فكان ذلك نورا على نور وعيدا على عيد، فانتدبت إذ ذاك لإنشاء هذه القصيدة في مدح حضرة سلطان السلاطين ووزراء دولته الأفاخم الأكرمين ومدح حضرة شيخ الإسلام والمسلمين، وجعل ختام مدحي للأمير المشار إليه فقلت:

#وإني وإن طولت نظم المديح في أمير اللوا أدري بأني مقصر

وله أشعار تأتي في ترجمة الشيخ طالب البلاغي.

خبر خالية بطرس كرامة

جاء في مجموعته ما حاصله بعد حذف الأسجاع: جاء من القسطنطينية إلى بغداد قصيدة نظمها قهرمان الأدب الخواجة بطرس بن إبراهيم كرامة، وكان الباعث له على إرسالها إلى العراق الاطلاع على أدبائها وقد كرر فيها لفظة الخال، ومع هذا الالتزام في أبدع نظام فخمستها أحسن تخميس "ثم ذكرها مع تخميسها وحيث كانت مشهورة لم نر فائدة في نقلها ونقل تخميسها"، قال: وخمسها أيضا الشيخ موسى ابن الشيخ شريف، "وأورد التخميس في المجموعة المذكورة ولم نر فائدة في نقله أيضا"، ثم قال في المجموعة المذكورة: ولما وصل هذا التخميس والذي قبله إلى عروسة دار الخلافة وشاهدهما ذلك الأديب كتب إلينا ما لفظه:

أقول-وأنا المعترف بالعجز والتقصير -: إنني لما وقفت على تخميس قصيدتي الخالية الذي طرز برده ونظم عقده جناب بدر الأدباء صدر العلماء الراقي من ذرى الآداب أسنى محل علي الشيخ إبراهيم ابن جناب سيدي المرحوم الشيخ صادق آل يحيى العاملي، فقلت موريا مقرضا ومصرحا بمدح ذلك الجناب ومعرضا:

ولما رأيت تخميسها الذي جاد به من روض أدبه الأديب الأريب الحائز من البلاغة أوفى نصيب ذو المقام السامي المنيف جناب الشيخ موسى ابن الفاضل الشيخ شريف قلت مقرضا مقتبسا وقد آنست حي التقريض قبسا:

ولكنني لم أكتف بذلك لما أصابني من الوجد والغرام لمدح أولئك الأفاضل الأعلام، فقلت وقد شب الشوق عن الطوق:

الداعي: بطرس بن إبراهيم كرامة

قال وقد كتب الأديب المذكور عندما وردت عليه قصيدة من الشيخ صالح التميمي يمدح بها داود باشا والي بغداد سابقا ويعرض بذم القصيدة الخالية المتقدمة وصاحبها ما هذا لفظه: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين مالك يوم الدين الذي لا يمنع فضله وأنعامه عن أحد لعلة الملة والدين والصلاة على الأنبياء والمرسلين الذين من أنوار أقمار صفاتهم أشرقت زاهرات اللطف واللين (وبعد) فيقول العبد الفقير العاجز الذي حد الفصاحة والبلاغة عن حده مجاوز بطرس بن إبراهيم كرامة خادم كل علامة فهامة المسيحي مذهبا والمغربي نسبا المطوق من الزمن بقلائد الجمان والملتقط من فضل العلماء الأعلام فرائد العقيان أنني أتيت القسطنطينية تشرفت بلثم أعتاب علمائها العظام وتكلمت بين أدبائها كما هو دأبي في مصر وحلب والشام فكنت أشنف آذاني بدرر أشعارهم الفائقة وأعرض بين يديهم منظوماتي وإن لم تكن رائقة فأسمعني بعض شعرائهم منظومة تركية كرر في بعض قوافيها لفظة الخال وأمرني أن أنسج أبياتا على ذلك المنوال فنظمت قصيدة لم تكن غير لفظة الخال قافية وهي هذه:

"إلى آخر القصيدة" فلما كمل نظامها زففتها لمقام صدور العلماء الأفاضل سحبان الفصاحة والكرم والواهب لكل ذي حق حقه من السيف والقلم من أنا عبده ورقيقه كما استرق له بليغ النظم ورقيقه داود باشا والي بغداد سابقا قاصدا أن تنال الشرف بمطالعته فتلقاها بعين الرضا وأرسلها إلى بغداد ليطلع عليها من هناك من الشعراء فيشهدوا فضلها وينظموا مثلها فتلقاها بعضهم بما تلقاني به زماني وأنكر حسنها لأن ناظمها نصراني، وكتب جوابا كأنه جمرة وما كل سوداء تمرة وهذا هو بلا خلاف والحكم فيه لذي الإنصاف:

إلى آخر القصيدة (قال المؤلف): وقد ذكرت في ترجمة الشيخ صالح التميمي والبعض المشار إليه هو الشيخ صالح التميمي نفسه، وكان كاتب ديوان الإنشاء بالعربية في عهد ولاية داود باشا على بغداد. فأرسلها داود باشا إليه فأجابه بهذه الرائية.

قال بطرس كرامة في تتمة كتابه: فلما وقفت على هذا الكتاب المغاير طريقة الآداب ولم يكن فيه ما يعترض على الفصيح إلا أني على دين المسيح فأخذني العجب كيف لا يعلم أن الفصاحة لا تتعلق بالمذهب فاستأذنت من الوزير المشار إليه بأن أكتب له جوابا أنبهه فيه على ما خفي عليه فكتبت بعد صدور الإذن جوابا منظوما أطلع واضحات المعاني من بروج ألفاظها نجوما وهو هذا:

"إلى آخر القصيدة المذكورة في ترجمة التميمي" ثم قال: هذا هو جوابي وأرجو مكن كل ناظر إليه أن يسدد الخلل وها أنا مقر بالعجز والتقصير وأن ما أصبته من الفصاحة شيء يسير التقطته من فضلات موائد العلماء ولقد ضربت صفحا عما في شعره من الهفوات المتعلقة بالألفاظ والمعاني ولكن لابد من ذكر بعضها. قال المترجم صاحب المجموعة: ثم أخذ يذكر بعض عيوب ما كان ينبغي ذكرها لأن أكثرها بل كلها إشكالات فاسدة وإيرادات ليست بواردة لذلك أعرضت عن ذكرها "انتهى" قال: وأرسل مفتي الحنيفة ببغداد إلى صفوة أرباب الفقاهة والاجتهاد ملاذنا الأفخم وأستاذنا الأعظم الشيخ حسن نجل المرحوم الشيخ جعفر كتابا يتضمن الالتماس منه أن يحشد لمباراة القصيدة الخالية جماعة الأدباء في النجف الأشرف فجعل أيده الله تعالى يلح علي غاية الإلحاح ويستنهضني لقضاء ما التمس منه كل مساء صباح وحيث رأيت أمره أبقاه الله من الفرض الواجب سارعت للامتثال مع جمود القريحة وخمود نيرة البال وباريتها بهذه القصيدة بعد تخميسها إلا أني قد تعمدت خفض ما رفع وختمتها بمدح شيخنا المومى إليه ثم ذكر القصيدة "وقد مرت" ثم أورد خالية السيد صالح ابن السيد مهدي الحسيني القزويني المذكورة في ترجمته.

وأنت ترى أن كتابات المترجم كعادة أكثر أهل ذلك الزمان قد التزم فيه التسجيع الذي لابد أن يكون متكلفا غالبا ويلزم منه الإطالة المملة مع ما في أصل الكتابة من التطويل الممل في نفسها، وإن جل هذه الكتابات تنحو منحى واحدا وتتكرر أكثر المعاني والألفاظ في جميعها إلى غير ذلك مما يراه الناظر وإن كان ممليها ذا فطنة وذكاء وقابلية لإجادة الإنشاء إلا أنه قد أضاع ذلك بهذه الالتزامات ونحن قد نقلنا هذه الرسائل على علاتها-كما قلنا من قبل-ليعلم ما كانت عليه الكتابة في ذلك العصر لأنه مما تتطلع النفوس إليه.

أشعاره التي لم تذكر في ترجمته

وله في ذيل الرسالة التي كتبها إلى علي بك الأسعد تعزية عن عمه حمد البك ابن محمد بن محمود المتقدمة في ترجمته هذه الأبيات:

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 144