الشيخ إبراهيم بن إبراهيم بن فخر الدين العاملي البازوري
(العاملي) نسبة إلى جبل عامل وفي الأصل يقال جبال بني عاملة أو جبل عاملة ثم لكثرة الاستعمال قيل جبل عامل نسبة إلى عاملة بن سبأ الذي أصله من اليمن وسبأ هو الذي تفرق أولاده بعد سيل العرم حسبما نص عليه القرآن الكريم حتى ضرب بهم المثل فقيل تفرقوا يدي سبأ وكانوا عشرة تيامن منهم ستة: ازد وكندة ومذحج والأشعرون وأنمار وحمير ومن أنمار خثعم وبحيلة. وتشاءم أربعة عاملة وجذام ولخم وغسان فسكن عاملة بتلك الجبال وبقي فيها بنوه ونسبت إليهم. وقيل أن عاملة اسم امرأة وهي عاملة بنت مالك بن وديعة بن قضاعة أم الزاهر ومعاوية ابني الحارث بن مرة المنتهي نسبه إلى سبأ وبنو عاملة هم أولاد الحارث المذكور نسبوا إلى أمهم والله أعلم. والنسبة إلى القبيلة عاملي ثم صارت تقال على من سكن هذه الجبال مطلقا واستمر ذلك إلى اليوم ولم تعد تعرف النسبة إلى القبيلة. ويقال لهذا الجبل أيضا جبل الخيل وجبل الجليل يحده من الغرب البحر المتوسط ومن الشرق الحولة ووادي التيم وقسم من جبل لبنان ومن الجنوب فلسطين ومن الشمال نهر الأولي المعروف قديما بنهر الفراديس. وعن تاريخ المغربي أنه واقع على الطرف الجنوبي من بلدة دمشق الشام في سعة ثمانية عشر فرسخا من الطول في تسعة فراسخ من العرض ’’انتهى’’ والصواب أنه في الجانب الغربي من دمشق لا الجنوبي. خرج منه من علماء الشيعة الإمامية ما ينيف عن خمس مجموعهم مع أن بلادهم بالنسبة إلى باقي البلدان أقل من عشر العشر كما في أمل الأمل حتى إنه قال سمعت من بعض مشائخنا أنه اجتمع في جنازة في قرية من قرى جبل عامل سبعون مجتهدا في عصر الشهيد الثاني.
والبازوري نسبة إلى البازورية بالباء الموحدة بعدها ألف وزاي معجمة وراء مهملة وياء مثناة تحتية وهاء. قرية بقرب صور.
في أمل الآمل: كان فاضلا صدوقا صالحا شاعرا أديبا من المعاصرين قرأ على الشيخ بهاء الدين الدين وعلى الشيخ محمد بن الشيخ حسن بن الشهيد الثاني وغيرهما ’’وتلمذ على صاحب المدراك’’ توفى بطوس في زماننا ولم أره وله ديوان شعر صغير عندي بخطه ما اشترتيه من كتبه وله رسالة سماها رحلة المسافر وغنية عن المسامر أخبرني بها جماعة منهم السيد محمد بن محمد الحسيني العاملي العيناثي ’’صاحب الاثني عشرية’’ عنه ومن شعره قوله من قصيدة يرثي بها الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين العاملي:
شيخ الأنام بهاء الدين لا برحت | سحائب العفو ينشيها له الباري |
مولى به اتضحت سبل الهدى وغدا | لفقده الدين في ثوب من القار |
والمجد أقسم لا تبدو نواجذه | حزنا وشق عليه فضل أطمار |
والعلم قد درست آياته وعفت | منه رسوم أحاديث وأخبار |
وكم بكته محاريب المساجد إذ | كانت تضيء دجى منه بأنوار |
إذا انقض منكم كوكب لاح كوكب | به ظلمات الجهل يجلى ظلامها |
فما نال مجدا نلتموه سواكم | ولا انفك منكم للبرايا إمامها |
مطايا العلى ما انقدن يوما لغيركم | وموضعكم دون البرايا سنامها |
حللتم بفرق الفرقدين وشدتم | رسوم على قد طال منها انهدامها |
محط رحال الطالبين جنابكم | وما ضربت إلا لديكم خيامها |
لله أية شمس للعلى طلعت | من أفق سعد بها للحائرين هدى |
وأي بدر كمال في الورى بزغت | أنواره فانجلت سحب العمى أبدا |
قد أصبحت كعبة العافين حضرته | تطوف من حولها آمال من وفدا |
لا زلت إنسان عين الدهر ما رشفت | شمس الضحى من ثغور الزهر ريق ندا |
اقضوا علي أهيل الود أو زوروا | إلى متى وعدكم لي بالوفا زور |
جرتم علي بلا ذنب فديتكم | كأنما عندكم من جار مأجور |
إن كان يرضيكم جور بلا سبب | علي أحبابنا طول المدى جوروا |
فالطرف لم ير شيئا غيركم حسنا | إذ فيكم الحسن لا في الغير محصور |
إن كان يوجد حسن عند غيركم | فإنه عن عيون الصب مستور |
لأن حبكم غطى على بصري | حتى كأني عليه الدهر مجبور |
أطلتم عمر هجراني وحقكم | ودي عليكم مدى الأيام مقصور |
أيقظتم عين حسادي وقد غفلت | والصب منكم بطول الوصل مسرور |
جبرتم قلب أعدائي بصدكم | عني فقلبي مدى الأيام مكسور |
ما ضر لو تنصفوني باللقا كرما | فما على الصد لي والله مقدور |
أبحتم في الهوى بالهجر سفك دمي | رقوا فرقي لكم ما عشت مشهور |
وقد أضعتم عهودا بالحمى سلقت | بحفظها منكم المشتاق مغرور |
وعهدكم صنته مما يدنسه | من الإضاعة فهو الدهر مذكور |
فليقرن الحسن بالحسنى لمغرمكم | فقد مضى العمر والمشتاق مهجور |
هيهات ما نظرت حسناكم أبدا | عيناي والصد والهجران منظور |
لا در در ليالي الهجر كن تركت | من كان بالوصل حيا وهو مقبور |
وكم نياط فؤاد بالهوى قطعت | من المحبين لما شطت الدور |
ما كان في الظن أن الوصل يقطعه | شبا سيوف النوى والصب مقهور |
من لي بتلك اللييلات التي سلفت | والوصل ولى وجيش الهجر منصور |
والكيس من أم موسى للفؤاد حكى | والقلب بالهم مأهول ومعمور |
سقيا ورعيا لأيام مضين لنا | والدهر فيها بما نرضاه مأمور |
والبين عنا بها قد غض ناظره | وللحوادث عنا أعين عور |
لولاك يا دهر شمس الوصل ما أفلت | ولا نهاري أضحى وهو ديجور |
لولاك ما وخدت هوج المطي بمن | أهوى فقلبي لديه الدهر مأسور |
لولاك ما شط من يهوى الفؤاد ومن | بسحر أجفانه المشتاق مسحور |
سقى الحيا أزمنا في طوس قد سلفت | والصب فيها بسحب الوصل ممطور |
لم أنسها وأحبائي وحقهم | ما دمت حيا وحتى ينفخ الصور |
قد أضرمت في الحشا من هجركم نار | يا جيرة في الهوى بعد الوفا جاروا |
أحرقتم مهجة المضنى بنار جوى | مع أنها لكم يا منيتي دار |
هلا عطفتم ولو يوما بوصلكم | على الكئيب فما في وصله عار |
فالوصل يرضيه حتى في الكرى وإذا | لم تسمحوا فعليه اقضوا ولا ثار |
فإن منتم بوصل فائذنوا بكرى | فلست أملكه مذ شطت الدار |
من لي بأيامنا اللاتي مضين فقد | ولت ولم يقض للمشتاق أوطار |
لهفي عليها فأسباب الحياة بها | كانت بوجدان أحبابي وقد ساروا |
فليت في الأفق من تلك الهوادج ما | غابت شموس منيرات وأقمار |
فالحسم فارقهم والقلب رافقهم | دهري ووافقهم فيما له اختاروا |
يا ذلك العيش عد يوما لنا فلقد | أذاب شوقا إليك الروح تذكار |
سقيا لساعاتك اللاتي مضين فلو | تفدى فدتهن أسماع وأبصار |
لا تأمنن لحاظ الظبي فهي ظبا | غرارها من دم العشاق قطار |
وأسلم بنفسك أو لا فاسلها أبدا | فإنما العشق أهوال وأخطار |
كم عاشق بات مطويا على حرق | يبكي دما ونجوم الليل سمار |
أضحت قصارى مناه أن تواصله | أسيله الخد هيفا القد معطار |
يا دهر كنت قرير العين منك بها | حتى قضت بالتجافي منك أقدار |
يا دهر لم ترض لي بالهجر بل حكمت | منك الصروف بأن شطت بنا الدار |
يا دهر كم قد تهبنا فيك أزمنة | جميع هاتيك آصال وأسحار |
حيث الشباب بها غض ’’وطوس’’ لنا | مثوى وساكن قلب الصب زوار |
فكم هصرنا غصونا للقدود على | رغم الحسود وروض الحسن نوار |
وكم رشفنا ثغور الحور وابتسمت | في ظلمة الهجر من هاتيك أنوار |
وكم قطفنا ورودا للخدود ولم | نخش الرقيب وليل الشعر ستار |
سقى الحمى وأويقات به سلفت | من الغمام مدى الأيام مدرار |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 106