رواية كتب الشافعي - رحمه الله عليه - و ’’مسند’’ الشافعي المعروف؛ ليس من جمع الشافعي وتأليفه، وإنما جمعه من سماعات الأصم بعض أصحابه، وكذلك لا يستوعب جميع حديث الشافعي، فإنه مقصور على ما كان عند الأصم من حديثه.
قال الحاكم: ألحق الأباء والأبناء والأحفاد بالأجداد، ومثله الحاكم بالحسن بن الحسين بن منصور، فإنه سمع من أبي العباس “ الرسالة”، ثم سمعها منه في نسخة ابنه أبو الحسن، ثم حافده. قال: ومثل هذا كثير، وكفاه شرفا أن يحدث طول تلك السنين فلا يجد أحد من الناس فيه مغمزا بحجة.
وذكر أنه لم ير الرحالة إلى أحد وفي شيء من بلاد الإسلام أكثر منها إليه، وأنه رأى على بابه من أهل الأندلس وبلاد المغرب، ومن أهل طراز وأسفيجاب، ومن أهل فارس وخوزستان، ومن أهل المنصورة ومولتان، وبلاد بست وسجستان، فناهيك بذلك شرفا واشتهارا وعلوا في الدين والدنيا.
ولد أبو العباس سنة سبع وأربعين ومئتين.
سمعه الحاكم غير مرة يذكر ذلك.
ورأى محمد بن يحيى الذهلي ولم يسمع منه، ثم سمع سماع الأمهات: كتاب “المبسوط “ للشافعي رضي الله عنه، إلى أن استوفى سماعها، وبعسقلان، وبيروت، ودمشق، ودمياط، وطرسوس، وحمص، والجزيرة، والكوفة، وبغداد، ثم انصرف إلى خراسان ابن ثلاثين سنة، وهو محدث كبير.
قال الحافظ البيهقي: أخبرنا الحاكم قال: خرج علينا أبو العباس الحكاية
وفيما لا أرويه أنه غسله أبو عمرو ابن مطر وصلى عليه، وقبره بمقبرة شاهنبر.
وبالإسناد قال: سمعت الرجل الصالح... الحكاية.
حكى الحاكم ما مختصره؛ أن أبا العباس حدث ب ’’معاني’’ الفراء سنة نيف وسبعين ومئتين، وحدث بكتاب ’’الرسالة’’ قبل ذلك، فإن الإمام أبا بكر ابن خزيمة قال لأصحابه: اذهبوا فاسمعوها منه، فإني لا أتفرغ لقراءتها.
وروى أن محمد بن زياد القباني سمع كتاب ’’المعاني’’ للفراء منه سنة سبع وسبعين ومئتين، وذكر أن أبا عمرو المستملي سمع منه مع أبيه عن الربيع سنة ثلاث وسبعين.
وروى عن أبي حامد الأعمشي أنه كتب عن أبي العباس في مجلس محمد بن عبد الوهاب سنة خمس وسبعين.
روى عنه: أبو عمرو الحيري، وأبو عبد الله، وأبو الوليد الفقيه، وأبو جعفر ابن حمدان، وأبو بكر ابن أبي عثمان، وأبو أحمد ابن عدي الحافظ، وأبو بكر ابن علي الحافظ، وأبو علي الثقفي، وأبو القاسم المذكر، في عدد كثير غيرهم.
قال الحاكم: سمعت أبا أحمد الحافظ يقول: سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي يقول: ما بقي لكتاب “المبسوط “ راو غير أبي العباس الوراق، ويبلغنا أنه ثقة صدوق.
قال الحاكم: أنشدنا أبو محمد عبد الله بن أحمد البسطامي الفقيه لنفسه يمدح الشيخ أبا العباس بحضرته في مسجده، وذكر قصيدة، اختصرت على ما ترى فيها لا على ولائها:
ألا لا تكن مغرى بوصف النواضح | ونوى كخط في الصحيفة لائح |
وخذ في امتداح المعقلي محمد | تكن عند كل الناس أصدق مادح |
أعز كريم ذو فضائل جمة | تليق به مستحسنات المدائح |
أتيتك من بسطام يا غاية المنى | لطيب ذكر منك في الناس لائح |
سأسمع ممن ليس يعرف مثله | بأرض سجستان ولا بالأباطح |
علوم الإمام الشافعي فإنها | نتائج آثار النبي المناصح |
أفد وامنح الطلاب علما حويته | ولا تك للطلاب غير مسامح |
وأنعم وقد أوتيت سؤلك يا فتى | ونلت الأماني من رواية ناصح |
تجدني مجيدا في امتداحك قائلا | بفضلك ما دامت حياة جوارحي |
فإن من الآداب حظي وافر | تجيش بحار الشعر تحت جوانحي |
دار البشائر الإسلامية - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 1- ص: 293