المتوكل على الله اسماعيل بن القاسم بن محمد، من سلالة الهادي إلى الحق الحسني الطالبي: الامام الزيدي صاحب اليمن. ولد في احدى ضواحي صنعاء ودعا إلى نفسه في ضروان، بعد وفاة اخيه محمد الامام، فاتفق الناس على بيعته سنة 1054 هـ ، واستولى على حضر موت وسائر اليمن، مدنه وبواديه، سنة 1070 هـ. وكان حازما سار بالناس سيرة حسنة. وبرع في علوم الدين، فصنف كتبا، منها (شرح جامع الاصول) لابن الاثير، و (اربعون حديثا) تتعلق بمذهب الزيدية و (شرحها) و (العقيدة الصحيحية في الدين النصيحة) وله نظم لا باس به. ولشعراء عصره اماديح فيه.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 322
الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن الإمام القاسم بن محمد
رضي الله عنهما وسيأتي تمام نسبه في ترجمة أخيه الحسن إن شاء الله ولد في نصف شعبان في سنة 1019 تسع عشرة وألف في شهارة ونشأ بها وكان كامل الخلق معتدل القامة أسمر اللون عظيم اللحية أشعر الذراعين قوي الحركة كثير التبسم حسن الخلق قرأ على جماعة من
أعيان علماء عصره في الفقه وسائر الفنون فبرع في الفقه وفاق على علماء عصره في ذلك وأقر له الكثير منهم والصغير ورجعوا إليه في المعضلات وشارك في بقية الفنون مشاركة قوية وكان يقرئ فيها أعيان علماء عصره وصنف مصنفات منها العقيدة الصحيحة وشرحها المسائل المرتضاة إلى جميع القضاة وحاشية على منهاج الإمام المهدي في الأصول بلغ فيها إلى بعضه ورسالة في الطلاق للثلاث وفي المحايرة في إبطال الدور وفي الخلع وفيما وقع إهداره في أيام البغاة وفيما يؤخذ من الجبايات وكان واسع الحلم قوي الصبر شديد الإغضاء ولما اشتهرت فضائله وتمت مناقبه دعا إلى نفسه بعد موت أخيه الإمام المؤيد بالله محمد بن القاسم في يوم الأحد سلخ رجب سنة 1054 أربع وخمسين وألف وقد كان تقدمه صنوه أحمد بن القاسم ودعا إلى نفسه لأنه كان عند المؤيد بالله في شهارة فقوى عزمه على الدعوة القاضي أحمد بن سعد الدين المتقدم ذكره فدعا وتأخرت دعوة المتوكل لأنه كان عند موت أخيه في صوران وبين المحلين مسافة ولم يعد دعوة أخيه أحمد مانعة من دعوته لكونه لم يكن جامعا لشروط الإمامة المعتبرة في مذهبهما التي منها الاجتهاد ولم يكن أحمد بهذه المنزلة في العلم ولما ظهرت دعوة المتوكل على الله تلقاها الناس بالقبول ودخلوا تحت طاعته وقد كان أيضا دعا ابن أخيه محمد بن الحسن بن القاسم في اليمن ولكنه لما بلغته دعوة عمه إسماعيل ترك ودعا في الشام بلاد صعدة السيد إبراهيم بن محمد بن أحمد بن عز الدين بن على بن الحسين بن الإمام عز الدين بن الحسن واستمر أحمد بن القاسم على دعوته وبعث العساكر إلى الجهات المتفرقة لحفظ الأطراف من غير إيذان بحرب ولكنه ما زال أمره يتناقص ولا سيما بعد مبايعة السيدين الأعظمين محمد بن الحسن بن القاسم وأخيه أحمد ابن الحسن للمتوكل على الله فإنه ضعف جانب أحمد غاية الضعف ولم يتقاعد عن القيام بالدعوة وتجهيز الجيوش ووقعت حروب قتل فيها جماعة قليلة ثم ارتحل أحمد إلى عمران ثم إلى ثلا وأحيط به فيها فجرى الصلح على أن يقع الاجتماع بين الأخوين ومن غلب الآخر في العلم استقل بالإمامة فظهر فضل صاحب الترجمة فبايعه أخوه أحمد ثم بايعه الناس الذين معه وسكنت الأمور وأما السيد إبراهيم فما زال أمره يضطرب فتارة يبالغ وتارة يظهر بقاءه على دعوته وتكرر منه ذلك ولم يكن معه ما يعول به من جند ولا أتباع وصارت اليمن جميعها تحت طاعة صاحب الترجمة وصفا له الوقت وقهر الأضداد ولم يبق له مخالف وكان أكبر رؤساء دولته ابن أخيه محمد بن الحسن بن القاسم فإنه كان يقبض حواصل أحسن البلاد ثم بعده أحمد ابن الحسن بن القاسم وكان مجاهداً ويبعث به الإمام إلى الأقطار النائية للغزو فيظفر ويعود وقد دوخ ما بعثه إليه كما فعل لما بعثه المتوكل إلى يافع فإنه استولى عليها جميعاً وقهر سلاطينها وفتح حصونها ودخلوا تحت طاعته وكذلك فعل مرة بعد مرة ثم وجهه إلى عدن ولحج وأبين ففعل فيها كما فعل في يافع وكذلك توجه إلى حضرموت فافتتحها بعد فراغه من افتتاح يافع وأذعنت هذه البلاد كلها بالطاعة لصاحب الترجمة ولم ير الناس أحسن من دولته في الأمن والدعة والخصب والبركة وما زالت الرعايا معه في نعمة والبلاد جميعها مجبورة كثيرة الخيرات وكثرت أموال الرعايا وكل أحد آمن على ما في يده لعلمه بأن الإمام سيمنعه عدله عن أن يتعرض لشيء من ماله وغير الإمام تمنعه هيبة الإمام عن الإقدام إلى شيء من الحرام وقد كان الناس حديثي عهد بجور الأتراك قد نهكتهم الحرب الواقعة بينهم وبينهم على طول أيامها قال السيد عامر بن محمد بن عبد الله بن عامر الشهيد في بغية المريد أن الإمام المترجم له مات ومعه من أنواع الطيب ما قيمته مائة ألف أوقية فضة وذكر أنه خلف من النقد والعروض ما لا يأتي عليه الحصر وخلف من الطعام ثلاث مائة ألف قدح صنعاني هذا معنى ما ذكره والإمام ما زال يتنقل من مكان إلى مكان ومن بلد إلى بلد وصحبته أكابر العلماء وطلبة العلم يأخذون عنه ما يريدون وهو يبذل لهم ذلك ويفيض عليهم من بيوت الأموال ما يحتاجون إليه وكان الغالب بقاؤه في ضوران وما زال على هذا الحال الجميل والعيش الحسن وقد دخل تحت طاعته السلاطين من يافع وحضرموت وعدن وظفار وعير هذه الديار فمنهم من وفد راغباً ومنهم من وفد راهباً ومنهم من وصل اسيرا وجيوش الامام تقاتل في الاطراف دائما ومن جملة من والى الامام وتابعه الشريف صاحب مكة واستمر على حاله الجميل حتى توفي في ليلة الجمعة خامس جمادى الآخرة سنة 1087 سبع وثمانين وألف وله جوابات مسائل سأله بها علماء عصره وهي كثيرة جداً متفرقة بأيدي الناس لو جمعت لجاءت مجلدا وللناس عليها اعتماد كبير لا سيما الحكام
دار المعرفة - بيروت-ط 1( 0) , ج: 1- ص: 146